1

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

مك��ان النش��ر: الموق��ع الشخص��ي – بح��وثودراسات

+ مكتبة األلوكة – كتب الحديث

+ عروض الكتب

منهج اإلمام البخاري في تأليفالصحيح

إعدادد. أحمد بن فارس السلوم

أستاذ القراءات القرآنية بالدراسات العليا كلية اآلداب-جامعة الملك فيصل باالحساء

هـ1433

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

3

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصــالة والســالم على سيد األولين واآلخرين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه

أجمعين.أما بعد:

ــدم ــة أود أن أق ــذه الورق ــدء بمحــاور ه ــل الب قب بطاقة تعريفية عن الكتاب الــذي نتحــدث عنــه وعن

مؤلفه، فأقول:أوال: المؤلف:

هو أبو عبد الله البخاري، محمد بن اســماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه، وقيــل بذدربــه، وهي

، وتوفي194لفظة بخارية، معناها الزراع، ولد سنة ليلة لسبت ليلة الفطر عند صالة العشاء، ودفن يومــين ــت وخمس ــنة س ــر س ــالة الظه ــد ص ــر بع الفط ومئتين، وعاش اثنــتين وســتين سـنة إال ثالثــة عشــر

يوما. وعــني بطلب الحــديث مبكــرا، ونبــغ فيــه صــغير،ــع أبي ــته م ــيرته قص ــذكر في س ــا ي ومن أعجب مــو ــه ه ــه، فإن ــة في زمان ــام الحنفي ــير إم حفص الكب الداخلي الذي ذكر المترجمون رد البخاري عليه في

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

مجلسه، فقــد ذكــر محمــد بن أبي حــاتم في الجــزء الذي جمعه في مناقب أبي عبدالله البخــاري، قــال:ــدء أمــرك؟ قــال: ــف كــان ب ــه: كي قلت ألبي عبداللــا في الكتــاب، فقلت: كم ألهمت حفظ الحــديث وأن كان سنك؟ فقال: عشر سنين، أو أقــل، ثم خــرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف الى الداخلي وغيره، فقال يوما فيما كــان يقــرأ للنــاس: ســفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبيرــع الى لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارج األصل، فدخل فنظر فيه، ثم خرج، فقــال لي: كيــفــراهيم، هو يا غالم؟ قلت: هو الزبير بن عدي، عن إبــال: صــدقت، ــه، وق ــني، وأحكم كتاب ــذ القلم م فأخ فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددت عليه؟ قــال

. (1)ابن إحدى عشرة سنةــدى ــداخلي ابن إح ــان في مجلس ال ــه ك ــع أن وم عشرة سنة فإنه كان يعرف الفقـه، ويعـرف مخالفـة أهل الــرأي لألثــر، فقــد نقــل عنــه وراقــه في الجــزء المـــذكور قولـــه: كـــان شـــيخ يمـــر بنـــا في مجلس الـداخلي، فـأخبره باألحـاديث الصـحيحة ممـا يعـرض علي، وأخبره بقولهم، فإذا هو يقول لي يومــا: يــا أبــا

عبدالله، رئيسنا في أبو جاد!

. 12/393)( السير 1

5

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــورة وبخارى - لك أن تكتبها بالممدودة أو المقص - مدينة تنقسم إلى داخلــة وبرانيــة، وأبــو حفص من داخلتها، فنسب إليها، وقيل له: الداخلي، ومما يــبين أنــه هــو المقصــود بهــذه القصــة روايــة ابن عســاكر وغيره لها من طريــق أخــرى مصــرحا فيهــا باســمه، فقد ذكر في ترجمة البخاري من طريــق أبي ســعيد بكر بن منير قال: ســمعت محمــد بن إســماعيل بن إبــراهيم بن المغــيرة الجعفي يقــول: كنت عنــد أبي حفص أحمد بن حفص أســمع كتــاب الجــامع، جــامع سفيان من كتاب والدي، فمر أبو حفص على حرف ولم يكن عندي ما ذكر، فراجعته فقال الثانية كذلك، فراجعته الثانية فقال كذلك، فراجعته الثالثـة سـكتــماعيل سويعة ثم قال: من هذا، فقالوا: هذا ابن إس بن إبــراهيم بن بردذبــة، فقــال أبــو حفص: هــو كمــا

. (1)قال، وأحفظوا فإن هذا يصير يوما رجال أهـثانيا الكتاب:

هو صحيح البخاري واسمه:ــور حيح المختصــر من أم "الجــامع المســند الصــننه ــ ــلم - وس ــه وس ــه علي ــلى الل ــه - ص ــول الل رس

امه" . وأي

. 52/87)( في تاريخ دمشق1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

أو: "الجامع الصحيح المسند من حــديث رســولامه" .(1)الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأي

ســنة، فقــد جــاء عنــه أنــه16مكث في تأليفــه: قــال: صــنفت " الصــحيح " في ســت عشــرة ســنة،

.(2)وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالىوالسبب الذي دعاه إليه:

ــحاق(3)أمور، منها ما ذكره الحافظ : أنه سمع إس بن راهويه يقول: "لو جمعتم كتابا مختصــرا لصــحيحـه وسـلم"، قــال ة رسـول اللـه - صـلى اللـه علي سن البخاري: "فوقــع ذلــك في قلــبي فأخــذت في جمــع

الجامع الصحيح.بي  ومنها ما جاء عن البخاري أنه قال: "رأيت الن

ني واقــف - صلى الله عليه وسلم - في المنام وكــأن بين يديه, وبيدي مروحة أذب بها عنه، فسألت بعضــذب عنــه الكــذب، فهــو رين, فقــال لي: أنت ت المعب

الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح".،6، وهـدي السـاري 24انظر علـوم الحـديث البن الصـالح )(ـ 1

ــو غــدة بعنــوان: تحقيــق اســمي ــدالفتاح أب ورســالة الشــيخ عب. الصحيحين

.12/405 السير )(2.5في الهدي ص)( 3

7

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

 المحور األول: تعريف الحديث الصحيح

الحديث عنــد العلمــاء كــل مــا أضــيف إلى النــبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقريــر أو

.(1)صفة خلقية أو خلقيةيرادفه السنة، ويتكون الحديث من متن وسند.

والحديث الصحيح عندهم: ما اتصل إسناده بنقــل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غــير شــذوذ

وال علة قادحة.فالصحيح ما اجتمعت فيه هذه الشروط، وهي:

اتصـــال الســـند، وعدالـــة النـــاقلين، وضـــبطهم،والسالمة من الشذوذ والعلة.

فخـــرج باتصـــال الســـند: المرســـل والمنقطـــعوالمدلس ونحوها.

وخــرج بعدالــة النــاقلين المجروحــون من الــرواةــون ــة، وخــرج بشــرط الضــبط: المغفل ألجــل الديان

(1/156( للحافـــظ وتـــدريب الـــراوي )52 انظـــر النزهـــة ))(1للسيوطي.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

الكتب،والضعفاء ألجل كثرة الـوهم وإهمـال صـيانة وضبط الحفظ.

وبسالمته من الشذوذ والعلة ما لو كــان شــاذا أو.(1)معلال وهي آفات تختص بالحديث الصحيح

ــالى هذا وقد سبق اإلمام الشافعي رحمه الله تع إلى اشــتراط هــذه الشــروط في الحــديث الصــحيح

( حيث قـال: وال تقـوم370وذلـك في رسـالته )ص الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:

ــه، ــة في دين ــه ثق ــدث ب ــون من ح ــا: أن يك منه معروفا بالصــدق في حديثــه، عــاقال لمــا يحــدث بــه، عالمــا بمــا يحيــل معــاني الحــديث من اللفــظ، وأن يكــون ممن يــؤدي الحــديث بحروفــه كمــا ســمع، الــه على ــدث ب ــه إذا ح ــنى، ألن ــه على المع ــدث ب يحــه ــدر لعل المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم ي يحيل الحالل إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إن حــدث بــه من حفظه، حافظــا لكتابــه إن حــدث من كتابــه، إذا

)( قد أفرد الحاكم أبـو عبداللـه رحمـه اللـه كتـاب المـدخل إلى1 معرفة كتاب اإلكليل لشرح الحديث الصــحيح وتبــيين شــرائطه، فالكتاب على صغره فيه فوائد، وينظر في هــذا البــاب: معرفــة

،161، الكفايــة للخطيب ص242علـــوم الحـــديث للحــاكم صــالح ــدريب1/14، فتح المغيث 1/267النكت على ابن الصـ ، تـ

. 79، قواعد التحديث ص1/69الراوي

9

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حــديثهم، بري أن يكــون مدلســا يحــدث عن من لقي مــالم يســمع منه، ويحدث عن النبي صــلى اللــه عليــه وســلم مــا

يحدث الثقات خالفه عن النبي. ويكــون هكــذا من فوقــه ممن حدثــه حــتى ينتهى بالحديث موصوال إلى النبي أو إلى من انتهى به إليهــه، ومثبت دونه، ألن كل واحــد منهم مثبت لمن حدث على من حدث عنه، فال يستغنى في كل واحد منهم

عما وصفت أهـــروط ــه على ش ــه الل ــه رحم ــوى كالم ــد احت فق الحديث الصحيح، وهي: العدالة في الدين، والضبط، وعـــدم المخالفـــة – ويشـــمل الشـــذوذ فضـــال عن النكــارة، وذلــك بقولــه: إذا شــرك أهــل الحفــظ في الحديث وافق حديثهم -، واالتصــال – وهــو مــا عنــاه بقوله: بريا من أن يكــون مدلســا.. -، واتصــال هــذه

الشروط إلى منتهى اإلسناد أهـ.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

المحور الثاني: طريقة تأليف البخاريلصحيحه

طرق تأليف الحديث عند المحدثين ال تكاد تخــرجعن طريقتين:

األولى: التأليف على المسانيد. وذلك بأن يأتي المصنف فــيرتب كتابــه على ذكــرــدأ بمســند أبي بكــر الصــديق مســانيد الصــحابة، يبــرتيب ــه من غــير ت ــه فيخــرج أحاديث ــه عن رضــي اللــه، فقهي، ثم بمسند عمر بن الخطاب رضي الله عن

فعثمان وعلي وباقي العشرة وهكذا. ومن أشهر المصنفات على هذه الطريقة: مسند

أحمد.. الثانيــة: التــأليف على الموضــوعات، بــأن يــرتب الكتاب على األبواب والموضوعات الفقهيــة، فيــذكر األحـــاديث المناســـبة لهـــذه األبـــواب الفقهيـــة من

مختلف مسانيد الصحابة. قال الحاكم رحمــه اللــه تعــالى: وأول من صــنف الصحيح أبو عبــد اللــه محمــد بن اســماعيل الجعفى البخارى، ثم أبو الحســن مســلم الحجــاج القشــيرى

11

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــواب ال على ــنفاه على األبـ ــا صـ ــابورى وإنمـ النيسـالتراجم، والفرق بين األبواب والتراجم أن:

التراجم: شرطها أن يقول المصنف ذكر مــا روىــبى عن أبى بكــر الصــديق رضــى اللــه عنــه عن الن صلى الله عليه وسلم، ثم يترجم على هــذا المســند فيقول ذكر ما روى قيس بن أبى حازم عن أبى بكر الصديق رضى الله عنــه، فيلزمــه أن يخــرج كــل مــاروى عن قيس عن أبى بكر صحيحا كان أو سقيما.

فأما مصــنف األبــواب فانــه يقــول: ذكـر مــا صـح وثبت عن رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم فىــك من ــ ــير ذل ــ ــالة أو غ ــ ــارة أو الص ــ ــواب الطه ــ أب

العبادات..أهـ. وقد تعقبته في شرحي على المــدخل في قولــه:

..(1)صح وثبت وقد ســلك البخــاري رحمــه اللــه في تــأليف هــذاــه لم يقتصــر ــترتيب الفقهي، إال أن الصــحيح على ال على أبواب الفقه، بــل تعــداه إلى أبــواب في شــتى أنواع العلوم، كالزهد والتاريخ والتفسير والــرد على

الجهمية والطب وغيرها، ولذلك كان كتابه جامعا.ــف61)( المدخل إلى معرفة كتاب اإلكليل ص1 ، وانظر في وص

ــامع ــاب الج ــدثون كت ــا المح ــنف عليهم ــتين يص ــتين الل الطريق.2/284للخطيب

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

والكتب الستة على نوعين: مصنفات في السنن وهي الــتي اقتصــر أصــحابها

على أبواب الفقه، وأحاديث األحكام. والجوامـــع، وعلى رأس هـــذه الجوامـــع: جـــامع

البخاري رحمه الله.

13

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

المحور الثالث: منهج البخاري في تأليفه

مكث البخاري – كمــا قلنــا - في تــأليف الصــحيحست عشرة سنة.

وألفه في أمــاكن عــدة، كمــا اســتنبطنا ذلــك منالروايات التي وصلتنا.

فمثال: هناك روايات تفيد أنه صنفه في المدينة. قال ابن عدي: ســمعت عبــد القــدوس بن همــام يقول: ســمعت عــدة من المشــايخ، يقولــون: حــول محمد بن إسماعيل تـراجم جامعـه بين قـبر رسـول الله صلى اللــه عليــه وســلم ومنــبره، وكــان يصــلي

.(1)لكل ترجمة ركعتين ثم قال: وقــال آخــرون منهم أبــو(2)ونقله النووي

الفضل محمد بن طــاهر المقدسـي صــنفه ببخــارى،وقيل: بمكة، وقيل بالبصرة.

قلت: وورد أنه صنف بعضه بفربر. فقد روى عنه محمد بن أبي حــاتم قولــه: ورأيتــه استلقى على قفــاه يومــا، ونحن بفربــر في تصــنيفه

.12/404)( السير 1.1 / 74 / 1)( تهذيب االسماء واللغات 2

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

كتــاب " التفســير "، وأتعب نفســه ذلــك اليــوم في كــثرة إخــراج الحــديث، فقلت لــه: إني أراك تقــول: إني ما أثبت شيئا، بغــير علم قــط منــذ عقلت، فمــا الفائدة في االســتلقاء؟ قــال: أتعبنــا أنفســنا اليــوم، وهذا ثغر من الثغــور، خشــيت أن يحــدث حــدث من أمر العــدو، فــأحببت أن اســتريح، وآخــذ أهبــة، فــإن

.(1)غافصنا العدو كان بنا حراك فهــذا يفيــد أنــه كــان يصــنفه في فربــر، ثم قــالــه محمــد بن أبي حــاتم في ســياق كالمــه عن وراق

أحوالهم وهم في فربر. قال: وكنت اشتريت مــنزال بتسـع مئــة وعشـرين درهما، فقــال: لي إليــك حاجــة تقضـيها؟ قلت: نعم، ونعمى عين، قال: ينبغي أن تصــير إلى نــوح بن أبي شــداد الصــيرفي، وتأخــذ منــه ألــف درهم، وتحملــهــك، فاصــرفه في ــال لي: خــذه إلي إلي، ففعلت، فق

ثمن المنزل، فقلت: قد قبلته منك وشكرته. وأقبلنا على الكتابة، وكنا في تصنيف " الجامع "، فــذكر قصــة فيهــا شــيء من كــرم البخــاري وطيبــة

نفسه، ثم قال:

.12/444)( السير1

15

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ثم جلسنا بعد ذلك بيومين لتصــنيف " الجــامع "، وكتبنـا منـه ذلـك اليـوم شـيئا كثـيرا إلى الظهـر، ثم صلينا الظهر، وأقبلنا على الكتابة من غير أن نكــون أكلنــا شــيئا.. إلى آخــر القصــة الــتي تفيــد أنــه كــان

.(1)يبيضه بفربر وكل هذا صحيح، ومعناه أنه كان يصــنف فيــه في كـل بلــدة من هــذه البلـدان، فإنــه بقي في تصــنيفه

ست عشرة سنة كما أسلفنا. قال ابن حجر: وال ينافي هذا ما تقدم، ألنه يحمل على أنه في األول كتبــه في المســودة، وهنــا حولــه

من المسودة إلى المبيضة. قلت: ومع هــذه الفــترة الطويلــة في التــأليف إالــأليف ــد ســار على منهج واحــد في ت أن البخــاري ق

الصحيح ولذلك كان كتابه مؤتلفا غير مختلف. وسأذكر أشياء من منهجه وأترك بعضــها للمحــور

القادم:ــه1 -كان البخاري رحمه الله يحافــظ على طهارت

حال التدوين، ويستعين الله عز وجل بصالة ركعــتينيسأل فيهما التوفيق والسداد.

.12/450)( السير 1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

جاء عنه أنه قال: ما وضــعت في كتــاب الصــحيح.(1)حديثا إال اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين اهـ

- الــتريث والتــدقيق والمراجعــة مــرات كثــيرة،2 فقد جاء عنه أنه نقح الكتاب ثالث مرات، وهذا دأبه في مصنفاته كلهـا، قـال: صـنفت جميــع كتــبي ثالث

.(2)مراتوهذا أيضا يعلل االختالف في مكان تأليفه.

- لم يقصد البخاري حصر الحديث الصحيح كله،4ــال إنما أراد جمع مختصر في األحاديث الصحيحة، ق ما صح, البخاري: "ما أدخلت في كتابي "الجامع" إالى ال يطــول" وقــال: "لم حيح حت وتــركت من الصــ صــحيحا، ومــا تــركت من ج في هــذا الكتــاب إال أخر

.(3)الصحيح أكثر"وهذا يجرنا إلى ذكر عدد أحاديثه.

وللعبــد الضــعيف عــد ألحــاديث صــحيح البخــاري، ذكرته في تحقيق رسالة أبي محمــد الحمــويي أحــد رواه الصــحيح، وباختصــار أقــول: مــر عــد أحــاديث

الجامع بثالث مراحل: .12/402)( السير 1.12/403)( السير 2.9، 5 ، هدي الساري 12/402)( السير 3

17

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

المرحلة األولى: اعتمد فيها على عد الشــيخ أبيــحمويي، صــاحب هــذا الجــزء، ومن هــذا محمــد الـ الجــزء أخــذ عــده فــذكره المصــنفون في علــوم

الحديث كابن الصالح وغيره. (حــديثا، وقــد نقــل7275وقد بلغت العدة عنده )

عده من هذه الرسالة المذكورة ابن المقدســي في جواب المتعنت، والشيخ النووي في شرح البخــاري، ثم الحافظ ابن حجر في هدي الساري، لكنـه تعقبـه في كثـــير من ذلـــك، ثم البـــدر العيـــني في عمـــدة

القاري مسلما له بذلك. المرحلة الثانية: اعتمد فيها على عد الحافظ ابن حجر في هدي الساري، فإن للحافــظ عــدا ثانيــا فيــواتم الكتب، لم يشــتهر ولم ــه خ ــاري، أودع فتح الب

( حديثا.7397يذع، وقد بلغت العدة عنده ) المرحلة الثالثة: عد العبد الضعيف صاحب القلم،

فإنه عد أحاديث الكتاب حديثا حديثا.( حديثا.7319وقد بلغت العدة معي )

ــديثين، ألن ــة أبي ذر حـ ــدة في روايـ ــد العـ وتزيـ الرواية عنده في موضعين علقهمــا البخــاري بقولــه فيهما: قال فالن؛ وردت على الوصل، إذ وقع عنده:

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــدة على قال لي..، وهذا موصول كما ال يخفى، فالع( حديثا.7321رواية أبي ذر: )

ــقط من وتزيد نسخة الصاغاناني حديثا واحدا، ســاغاني من كل نسخ البخاري، واستدركه العالمة الص نســخة الفربــري الــتي بخطــه، إذ وجــده ملحقــا بالهامش بخطه، وهـو في كتــاب العلم، وقـد ذكرتـه في الرسالة المشار اليها، فتكون العــدة في نســخة

ــاغاني ) ــ ــيل7322الص ــ ــديثا، ومن أراد التفص ــ ( حفليرجع إلى الرسالة المذكورة.

-الــتزم البخــاري في صــحيحه الصــحة وفــق5 شرطه، وهذا ما سنبينه بعــد قليــل عنــد الكالم على

شرطه. -بدأ البخاري كتابه بالبســملة، ولم يــذكر لكتابــه6

ــرد ــل س ــرطه، ب ــبين ش ــة ولم ي ــة وال ديباج مقدماألبواب واألحاديث بعد البسملة.

ــاري صــحيحه إلى كتب، اشــتملت7 -قســم البخ على عامــة أبــواب الفقــه، وزاد عليهــا كتبــا أخــرى، فكــان كتابــه بــذلك جامعــا، وليس مقصــورا على

السنن.

19

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

وتختلف عــدد كتب وأبــواب صــحيح البخــاري من روايــة إلى أخــرى، لكنهــا في معظم الروايــات نحــو

سبعين كتابا. فمن هذه الكتب التي زادها البخاري عن مسائل

الفقه:ــاب المرضــى، ــاب العلم،، كت ــان، كت ــاب اإليم كتــاب ــرائض، كت كتاب الطب، كتاب الوصايا، كتاب الفــاس، األحكام، كتاب التمني، كتاب التعبير، كتاب اللب كتاب األدب، كتاب االستئذان، كتــاب الــدعاء، كتــاب الرقائق، كتاب بدء الخلــق، كتــاب األنبيــاء خلــق آدم وذريته، كتاب المناقب، كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب المغازي، كتــاب تفســير القــرآن،

كتاب القدر، كتاب األسماء، كتاب الصفات. ونالحظ ان البخاري رحمه اللـه أفـرد كتابــا لحـق من حقوق آل الــبيت رضــي اللــه عنهم وهــو: كتــاب

فرض الخمس.. - ترجم البخــاري على أحاديثــه بــتراجم فقهيــة،8

وهذه التراجم مما اشتهر بهــا البخــاري، حــتى قيــل:فقه البخاري في تراجمه.

قال الشيخ العيني: فقه البخاري في تراجمه، لــهمحمالن:

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــده تظهــر أحدهما: أن مسائل الفقه المختارة عن من تراجمه، وثانيهما: أن ذكاءه يظهــر من تراجمــه،ــد والبخاري سابق الغايات في وضع التراجم، فإنه ق

تحيرت العقالء فيها. وأســهل الــتراجم تــراجم الترمــذي، وتــراجم أبيــائي ــذي، واقتفى النس ــراجم الترم داود أعلى من ت في تراجمـه أثـر شـيخه البخـاري، وبعض تراجمهمـاــا وضــع مســلم بنفســه ــا،.. وم ــا حرف متحــدة حرف

(1)التراجم أهـ

هذا وقد تكلم الناس في مناسبات هــذه الــتراجم ألحاديثها، وجدير بالــذكر أن المناســبات في صــحيح

البخاري التي يتكلم عليها أهل العلم ثالثة:ــدء ــع بعض، كب ــها م ــبة الكتب بعض ــا: مناس أوله الوحي مع العلم، والعلم مــع اإليمــان، واإليمــان مــع

الطهارة، وهكذا حتى آخر كتاب فيه. ثانيها: مناســبة األبــواب بعضــها مــع بعض، كبــاب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني اإلســالم على خمس، مع باب أمور اإليمان، وهذا مع باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويــده، وهكــذا حــتى

آخر باب في الكتاب.(.1/10)( العرف الشذي للكشميري )1

21

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــاب، ــة الب ــع ترجم ــديث م ــبة الح ــا: مناس وثالثه كترجمته: بدء الوحي، ثم ساق فيه: حدثنا الحميدي،ــال: ــيى بن ســعيد األنصــاري، ق ــا يح ــا ســفيان، ن ن أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، أنه ســمع علقمــة بن وقاص الليثي يقول: ســمعت عمــر بن الخطــاب رضي الله عنــه على المنــبر، قــال: ســمعت رســول الله صلى اللــه عليــه وســلم يقــول: »إنمــا األعمــال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو الى امرأة ينكحها فهجرته الى ما

هاجر اليه«. وقد أبدى البخــاري رحمــه اللــه في هــذه األنــواع الثالثة فقها دقيقــا، ونظــرا صــائبا، ونبــه على فوائــد تنتزع من أدلتهــا انتزاعــا، تحتــاج في غــالب األحيــانــر الى إنعام النظر، والترفق في االســتدالل، فال ينك

.(1)بعد هذا أن يقال: فقه البخاري في تراجمه وما أحسن قول بعضهم مقرضــا أبــواب الصــحيح

(2) :ــول العلم ــا فحـ أعيـ

حل رموز ماـــوـاـب ـــدـاـه ـفـي ـاأـلب ـأب

ـمـن ـأـسـرـاـر.5)( تراجم البخاري للبلقيني 1 (، والشـــيخ1/3)( ذكـــره القســـطالني في إرشـــاد الســـاري )2

(.73عبدالحق في عادات البخاري )

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــازوا من األوراق ــ فـ منه بما جنوا

ـــلـوـا ـــا ـوـلـم ـيصـ ـمـنهـ ـاـلـى ـاأـلـثـمـاـر

ــرا لم ــا زال بكـ مـ يفض ختامه

ـوعــــرـاـه مــــا ـحـلـت ـعـن ـاأـلـزـرـاـر

حجـبت معانيـــــــه التي أوراقها

ضربت على األبــواب كاألستار

من كـــل بـــاب حين يفتح بعضه

ـــا ـاـلـعـلـم ـــاـر ـمـنه ـيـنه ـكـاأـلـنـهـاـر

ال غــــرو أن أمســــى البخاري للورى

ـمثـــــــل ـاـلـبحـــــــاـرـئ ـاأـلـمـطـاـر ـنشـ ـلمـ

خضعت له األقــران فيه إذ بدا

ـــاـن ـخـرـوـا ـعـلـى ـاألـذق ـوـاألـكـوـاـر

وللبخاري في تراجمه هذه عــادات ســنوردها فيموضعها.

ويجدر بنا أن ننبه هنا على خطأ تكرر وقوعــه منالكرماني:

ــراجم ــع في تراجمــه ت فقــد زعم أن البخــاري تبــإذا مشايخه، ولذلك يسوق الحديث كما يسوقونه، ف ساقوه مقطوعا في الترجمــة تبعهم في ذلــك، ولــو

لم تظهر مناسبته للترجمة.

23

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

من ذلك: قول البخــاري في النكــاح: بــاب تــزويج المعسـر الذي معه القرآن واإلسالم: فيــه ســهل بن

سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الكرماني: لم يســق حــديث ســهل هنــا ألنــه ســاقه قبــل وبعــد اكتفــاء بــذكره، أو ألن شــيخه لم

يروه له في سياق هذه الترجمة اهـ. فعقب الحافظ بقوله: والثاني بعيد جدا، فلم أجد من قــال: إن البخــاري يتقيــد في تــراجم كتابــه بمــا يترجم به مشايخه، بل الذي صــرح بــه الجمهــور أن

من تصــرفه فال وجــه لهــذا االحتمــال،غالب تراجمــه وقد لهج الكرماني به في مواضع وليس بشيء أهـ.

ــاري ال يــراعي ــذلك أن البخ وزعم الكرمــاني ك حسن الترتيب بل يقصد الى الصحة فحسب، وكلما خفي عليه وجه المناسبة بين البابين المتتاليين جدد

الزعم بذلك.ــبة على ــه المناس ــد خفي وج ــظ: وق ــال الحاف ق الكرماني فاستروح قائال: ما وجه الــترتيب بين هــذه األبواب مع أن التسمية إنما هي قبل غسل الوجه ال بعده، ثم توسيط أبواب الخالء بين أبــواب الوضــوء؟ وأجــاب بقولــه: قلت: البخــاري ال يــراعي حســن

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

الترتيب، وجملة قصــده إنمــا هــو في نقــل الحــديثوما يتعلق بصحيحه ال غير، انتهى.

وقد أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقــال: لمــا نــاقش البخــاري في أشــياء ذكرهــا من تفســير بعض االلفاظ بما معناه: لو ترك البخاري هــذا لكــان أولى ؛ ألنه ليس من موضوع كتابه، وكذلك قال فيــه ــا يقول ــه م ــه توجي ــر ل ــر إذا لم يظه ــع أخ مواض

البخاري. مع أن البخاري في جميــع مــا يــورده من تفســير الغريب إنما ينقله عن أهـل ذلـك الفن كـأبي عبيـدة والنضر بن شميل والفراء وغــيرهم، وأمــا المبــاحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيدــا من ــة فأكثره ــائل الكالمي ــا، وأمــا المس وأمثالهم

الكرابيسي وابن كالب ونحوهما. ــد ــه ال يقصـ ــاني أنـ ــوى الكرمـ والعجب من دعـ تحسين الترتيب بين األبواب، مع أنه ال يعــرف ألحــد من المصنفين على األبواب من اعتنى بــذلك غــيره، حــتى قــال جمــع من األئمــة: فقــه البخــاري في تراجمه، وقــد أبــديت في هــذا الشــرح من محاســنه

وتدقيقه في ذلك ما ال خفاء به أهـ.- تكرير الحديث في الصحيح:9

25

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

لم يلتزم البخاري بذكر الحديث في موضع واحد،بل يكرره بحسب الحاجة لذلك.

ــيامه ــه بن عمــرو في ص مثالــه: حــديث عبدالل وقيامه، فقد كرره البخاري في سبعة عشر موضــعاــرآن ــاح والقـ ــيام والنكـ ــالة والصـ ــاب الصـ في كتـ

والتفسير واألدب.ــه وكحديث عائشة في حجة النبي صلى الله علي وسلم، كرره البخــاري في خمســة وثالثين موضــعا،

في كتب عدة، تبدأ بالحيض وتنتهي باألدب. ومن خالل دراستي لصــحيح البخــاري واشــتغاليــيح ــاب النص ــحح كت ــتي كنت أص ــترة ال ــه في الف ب للمهلب بن أبي صفرة وجدت أن البخاري لم يكــرر حديثا واحدا مرتين إال ويــأتي بزيــادة في اإلســناد أو

المتن في الغالب.فاستشعرت وقتها قول القائل:

قالوا لمسلم فضل....قلت البخاري أولىقالوا المكرر فيه.... قلت المكرر أحلى

وهـــذه من الحالوة الـــتي وجـــدتها في تكـــرارأحاديثه.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

- تقطيع الحديث:10 مذهب البخاري رحمه الله جواز تقطيع الحــديث،

وذلك لحكم يراها.ــترجم بعض قــال المهلب بن أبي صــفرة: وقــد ي الحــديث لبيــان معنــاه، ويــترجم بطــرف منــه ليــدلــواب خــرج فيهــا أحــاديث ــير من األب ــه، وفي كث علي يخفى معــنى ذلــك التبــويب من نصــها إال باســتدالل

خفي وغوص ذكي..أهـ. فمنهجه رحمه اللــه االكتفــاء بمحــل الشــاهد من

الحديث في ترجمته.- رواية الحديث بالمعنى:11

رواية الحــديث بـالمعنى من المسـائل المعروفــة(1)في علم الحديث، قال النــووي : إن لم يكن عالمــا

باأللفاظ ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها لم يجــزــذي له الرواية بالمعنى بال خالف، بل يتعين اللفظ ال ســمعه، فــإن كــان عالمــا بــذلك فقــالت طائفــة منــوز إال ــول، ال تج ــه، واألص ــديث والفق ــحاب الح أص بلفظه، وجوز بعضــهم في غــير حــديث النــبي صــلىــور ــال جمه ــه، وق ــوز في ــه وســلم ولم يج ــه علي الل السلف والخلــف من الطوائــف: يجــوز بــالمعنى في

.296)( التقريب والتيسير ص1

27

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

جميعـــه إذا قطـــع بـــأداء المعـــنى وهـــذا في غـــير المصنفات، وال يجوز تغيير مصنف وإن كــان بمعنــاه

والله أعلم أهـ. والبخـاري من القــائلين بجـواز الروايـة بـالمعنى،ــد بن أبي جعفــر والي بخــارى: قــال فقــد قــال أحي محمـــد بن إســـماعيل يومـــا: رب حـــديث ســـمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث ســمعته بالشــام

كتبته بمصر. فقلت لـــه: يـــا أبـــا عبـــد اللـــه بكمالـــه؟ قـــال:

.(1)فسكتوقد ترتب على هذه المسألة أمور:

منها: قد يكرر البخاري حديثا واحدا بإسناد واحــد بلفظين مختلفين، وال شـــك أن االختالف المقصـــود

يكون طفيفا..مثاله: حديث طب النبي صلى الله عليه وسلم.

ــناد واحـــــد بلفظين ــ ــعين بإسـ ــ رواه في موضـ مختلفين، فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

.12/411)( السير 1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ج ــر ــاري أن يخ ــع في البخ ــا وق ـوادر م ـ ــذا من ن وه.(1)الحديث تاما بإسناد واحد بلفظين أهـ

ومن أغرب أمثلته: اق عن ز ــر ــد ال ما رواه عن إسحاق بن نصر نا عبــال ــال: ق معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قالمى ــل ســ م: " ك ل ــه وســ ه علي لى الل رسول الله صــمس ــ اس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الش من النــه ت جــل على داب دقة، ويعين الر يعــدل بين االثنين صــــة ب فيحمل عليها أو يرفع متاعه صدقة، والكلمة الطيدقة، الة صــ ــل خطــوة يخطوهــا إلى الصــ دقة، وك صــــق ــط األذى عن الطري دقة، ويمي ــ ــق ص ودل الطري

صدقة "ــاق في ــة مواضــع باتف ــاري في ثالث ــه البخ خرج االسناد واختالف في المتن، وهذا من نوادر ما وقــع

.(2)في الصحيح ومنهــا: أن المصــنفين في جمــع بين الصــحيحين يقدمون ألفاظ صحيح مسلم على ألفــاظ البخــاري، ألن مسلما التزم بنقل اللفظ كما سمعه، فقـد كـان مسلم ال يرى الرواية بــالمعنى، بــل يــوجب الروايــة

.10/227)( الفتح 1(..2989( )2891( )2707)( انظر صحيح البخاري )2

29

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــدالحق اإلشــبيلي باللفظ، ومن هؤالء المصنفين: عبوغيره.

ــاظ ومنها: أنه قد يقع تقديم وتأخير في بعض ألفالحديث.

ــد في ــع واح ــه في موض ــدا رأيت ــل ج ــذا قلي وه الصحيح ال أدري هل هو من البخاري أم من الراوي،ــر وهو حديث محمد بن سالم عن إسماعيل بن جعف عن ربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالــد الجهني في حكم اللقظة وفيه قول الرســول صــلى اللــه عليــه وســلم: عرفهــا ســنة ثم اعــرف وكاءهــا

وعفاصها ثم استنفق بها..الحديث.ــر رواه في باب ما يجوز من الغضب والشدة ألم

.(1)الله : أخــر ابن جعفــر(2)فقــال المهلب بن أبي صــفرة

ها " يعني بعد الســنة " عن ربيعة قوله: " إن جاء ربــه" لظهــور الــوهم عليــه في نقص تــرتيب فأدهــا إلي الحديث في رواية مالك وســفيان ويحــيى بن ســعيد فإنهم قدموا معرفة العفاص والوكاء وتعريفها سنة،أنك بهــا احبها وإال فشــ ثم قــالوا: " فــإن جــاء صــ

(.6112)( انظر صحيح البخاري )1.1530)( في المختصر النصيح ح 2

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

واســتنفقها واخلطهــا بمالــك " وأخــر هــو قولــه بعــدــا ــا فأده ه االستفاق: وكانت وديعة عنده فإن جاء رب

إليه... - منهج البخاري في رواية الحديث أن يســوق12

اإلسناد قبل المتن. وهــذا هــو الجــاري على عــادة المحــدثين أعــني تقــديم اإلســناد ألنــه مرقــاة للمتن، ولكن قــد يقــدم المتن على اإلسناد أحيانــا لعلــة، وذلــك مــا إذا كــان

الحديث ليس على شرطه.وقد وقع هذا في موضعين:

ــاب من ــاب العلم، ب األول: قــال البخــاري في كتخص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا:

ــون أن وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون أتحب يكذب الله ورسوله، حدثنا عبيد الله بن موســى عنمعروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي بذلك. وأبو الطفيل ليس من شرط البخاري، فقد سئل أبــو عبــد اللــه األخــرم الحافــظ: لم تــرك البخــاري حديث أبي الطفيل، عــامر بن واثلــة؟ فأجــاب: ألنــه

..(1)كان يفرط في التشيع .159)( الكفاية للخطيب 1

31

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

والموضع الثاني: قال البخــاري في تفســير حمالسجدة:

وقــال المنهــال: عن ســعيد بن جبــير قــال: قــال رجل البن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، فســاق الحـــديث بطولــه، ثم قــال: حـــدثني يوسف بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد

بن أبي أنيسة عن المنهال بهذا. وقد ذكره البخــاري مصـدرا بـه تفسـير السـورة، وغــاير في صــورة إخراجــه لإلشــعار بأنــه ليس على

شرطه. وليس للبخـــاري غـــير هـــذين الموضـــعين في

صحيحه. : وفي مغــايرة البخــاري ســياق(1)قــال الحافظ

ــه ليس ــه المعهــود إشــارة الى أن اإلســناد عن ترتيب على شرطه وإن صارت صــورته صــورة الموصـول، وقد صرح ابن خزيمــة في صــحيحه بهــذا االصــطالح وأن مـــا يـــورده بهـــذه الكيفيـــة ليس على شـــرط صحيحه وخرج على من يغير هذه الصيغة المصطلح

عليها إذا أخرج منه شيئا على هذه الكيفية.

.8/559)( في الفتح1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

- من منهج البخــاري أن يجمــع بين األحــاديث13المختلفة:

مثال قال في صحيحه: ــرني نا سعيد بن أبي مريم نا ابن وهب قــال: أخبــد الم بن عب هاب عن ســ ــد عن ابن شــ يونس بن يزيم قــال: ل ه عليه وســ بي صلى الل الله عن أبيه عن النر، ــ ا العش ماء والعيون أو كان عثري " فيما سقت الس

ضح نصف العشر ". وما سقي بالنــوقت في األول ه لم ي ير األول، ألن قال: هذا تفســماء العشر " يعني حديث ابن عمر " فيما سقت السر ــة، والمفســ ــادة مقبول ي ــذا ووقت، والز ن في ه وبيــا روى بت، كم ــل الث ي على المبهم إذا رواه أه يقضــم ل ـه وسـ ه علي لى الل بي صـ اس أن الن ل بن عب الفضـلى، فأخــذ ــة، وقــال بالل: قــد صــ ل في الكعب لم يصــ

بقول بالل، وترك قول الفضل أهـ.

33

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

المحور الرابع: عادات البخاري فيصحيحه

هناك في الحقيقة تــداخل بين هــذا المحــور وبين المحور الــذي قبلــه، ألن البخــاري ســلك في تــدوين

الصحيح منهجا اعتاده في عامة كتابه.ــمين ولكني سأقسم هنا عادات البخاري إلى قس

:(1)رئيسينــادات في ــ ــناد والمتن، وعـ ــ ــادات في اإلسـ ــ عـ الــتراجم..ولن أســتطيع اســتيفاء ذلــك كلــه، ولكــني

سأذكره على وجه االختصار.أوال: عادات اإلسناد والمتن:

-عادة البخــاري اذا روى حــديثا عن شــيخين أن1 يكون اللفظ للثــاني منهمــا، ومــع أنــه لم ينص علىــك ذلك، لكن علمناه من االستقراء التام لمواضع ذل

في صحيحه. بخالف اإلمــام مســلم فإنــه إذا روى عن شــيخينــو ــر وأب ميز بين لفظيهما، كأن يقــول: حــدثنا أبــو بك

)( للشيخ عبدالحق الهاشـمي رســالة بعنــوان: عـادات البخــاري1 وهي مطبوعة بتحقيق محمد العجمي، وقــد اســتفدت منهــا في

النوع الثاني.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــو سعيد, كالهما عن أبي خالد, قال أبو بكر حــدثنا أبخالد عن األعمش..

ــا ينص البخــاري على أن اللفــظ ألحــدهما، وقلم لكن علمنا باالستقراء التام أن عادة البخــاري رحمــه الله إذا ساق سندين ثم أتبع بمتن واحد لم يذكر لمن

هو إن المتن آلخر سند.ة مثـــال ذلـــك: حـــديث» إن اللـــه حبس عن مك

الفيل«.ــو نعيم6880رواه في كتاب الديات ) ( قال: نا أب

ــال ــرة، وق ــلمة عن أبي هري ــيبان عن أبي س ــا ش ن عبدالله بن رجاء نا حرب عن يحيى نا أبـو سـلمة نـا أبو هريرة، ثم ســاق متنــا واحــدا لم يــبين لفــظ من

هو. وعلمنـا أنـه حـديث عبداللـه بن رجـاء، لمــا رأينـا ســوق البخــاري لحــديث أبي نعيم مفــردا في كتــاب

( فإذا غير متن ابن رجاء.112العلم )ومثله أيضا:

قصــة مقتــل اليمــان أبي حذيفــة يــوم بــدر، فقــد (6883رواها البخـاري في بـاب العفــو في الخطـأ )

ــناده عن ــراء بإسـ ــروة بن أبي المغـ ــديث فـ من حـ

35

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــاق ــرب فس ــدثني محمد بن ح ــال: ح ة ثم ق ــ عائشة، والمتن الــذي أعقب بــه إســناده أيضــا إلى عائشــ إنمــا هــو لمحمــد بن حــرب، وإن لم يقــل البخــاري:

(6668لفظه، فقد أخرج حديث فروة في األيمــان ) مفردا لم يقرن إسناده بآخر وســاق متنــه غــير متن

ابن حرب.ومثله أيضا:

حديث أسماء رضي الله عنها: " ال تحصي.." ــو2590فقــد رواه في الهبــة ) ( فقــال: حــدثنا أب

ـد ـ ــدثني محمد بن عب ــريج،ح، وح م عن ابن ج ــ عاصاج بن محمد عن ابن جــريج قــال: حيم عن حج الــره بن ـــد الل اد بن عب ـــة عن عب ـــرني ابن أبي مليك أخبه ي الل ــر رضــ ماء بنت أبي بك ــره عن أســ ــر أخب بي الزم ل ــه وســ ه علي لى الل بي صــ ها جاءت إلى الن عنهما أنخي مــا ــك ارضــ ه علي ــوعي الل ــوعي في فقــال: " ال ت

استطعت".ــه ســاق في فهذا لفظ محمد بن عبد الرحيم، ألن

ــديث أبي عاصــم ) ــاة ح ــاب الزك ــال:1434كت ( فقــة م عن ابن جــريج عن ابن أبي مليك حدثنا أبو عاصــــا ه عنه ي الل ماء رضــ ــ ه عن أس ــد الل اد بن عب عن عبــل ــا أدخ ه ما لي مال إال م قالت: قلت: يا رسول الل

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــوعي دقي وال ت ــال: " تصــ دق؟ ق ــر فأتصــ بي علي الزفيوعى عليك".

ومثله: حديث ابن عباس في السبعين ألفا.ة ـدخل الجن ــ ـاب ي ــ ــاق ب ــاري في الرقـ رواه البخـ

ــا عمــران6541سبعون ألفا بغير حساب ) ( قــال: ن بن ميسرة نا ابن فضيل نا حصين، ح، وحدثني أسيدعيد ــد ســ ين قــال: كنت عن بن زيد نا هشيم عن حصــبي ــال الن ــال: ق اس ق بن جبير فقال: حــدثني ابن عبت علي األمم فأخـذ م: " عرضـ ل ه عليه وسـ صلى اللبي ــر والن ف ــه الن بي يمــر مع بي يمر معه األمة والن النرة" الحــديث، فهــذا إنمــا هــو لفــظ يمــر معــه العشــ حــديث أســيد بن زيــد، فقــد وجــدنا البخــاري خــرجــوى أو ــاب من اكت حديث عمران في كتاب الطب ب

ــو )ح ل من لم يكت ــ ــره وفض ــوى غي ــإذا5705ك ( فلفظه غير هذا اللفظ.

يل قال البخاري: نا عمران بن ميسرة نا ابن فضــي ين رضــ ين عن عــامر عن عمــران بن حصــ نا حصــــة، ـة إال من عين أو حمـ ــ ــال: ال رقي ــا قـ ه عنهمـ اللاس قــال ــر فقــال: نــا ابن عب عيد بن جبي فذكرته لســت علي ــ م: " عرض ل ــ ه عليه وس ه صلى الل رسول الل

37

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــط" ه ون معهم الر ــر ان يم بي بي والن ــل الن األمم فجع. (1)الحديث

- عادة البخاري إذا روى عن شيخين ثقــتين عن2 شيخ أال يميز بين لفظ هــذا من هــذا، وفي المســألة قوالن ذكرهما أهل العلم، إال أن البخاري جرى علىــذا في مذهب الزهري، وقد صرح الزهري بمذهبه ه حــديث اإلفــك، وحــديث موســى مــع الخضــر عليهمــرواة السالم وفي غيرهما حين كثرة عليه زيادات ال في الحديث، فقــال في آخــر االسـناد: وكـل حــدثني طائفة من الحديث، وبعضهم يزيد في الحديث على بعض، ولم يـــذكر المزيـــد وال الزائـــد، ثم ســـاوى الحــديث على نص واحــد ولم يعين لكــل راو منهم

زيادته.

أن رجال من)( وانظر مثـاال لـه على نحـو مـا شـرحت حـديث " 1رع ه في الــز تأذن رب ة اســ " وهــو في موضــعين فيأهــل الجن

، فقــارن7519، والثـاني: بــرقم 2348الصــحيح، األول: بــرقم بين اإلسنادين والمتنين.

وكذلك حديث سهل : اتهموا الرأي ، قارن بين هذين الموضعين )3181()7308.)

(. 7069( و )6218وحديث "ويل للعرب" ، قارن بين رقم )()3952وحديث مشهد المقداد يوم بدر، قارن بين الموضعين )

4609.)ــارن وحديث البراءة من صنع خالد بن الوليد في بني جذيمة ، ق

(.7189()4339بين الموضعين واإلسنادين )

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

وبعض أهل العلم ال يــرى هــذا المــذهب كمســلم بن الحجاج، فإن هــذه المســألة من المســائل الــتي

اختلف فيها الشيخان البخاري ومسلم.ــال الحافـــظ اإلســـماعيلي إلى رأي مســـلم ومـ

فانتقد البخاري في بعض ذلك.ــاب ــازي، ب ــاب المغ ــال البخــاري في كت فمثال: قـد عن عمـان نـا حماد بن زي ـو الن ) ويوم حنين(: نـا أبول الله،ح، ــ ـا رس ـ ــال: ي ــر ق ـافع أن عم ـ وب عن ن أيه أنــا معمــر عن ــد الل حدثني محمد بن مقاتل أنــا عبـا من ـ ــال: لما قفلن ــر ق ـافع عن ابن عم ـ وب عن ن أيم عن ل ــه وســ ه علي لى الل بي صــ حنين سأل عمــر النبي ــاف فــأمره الن ة اعتك ــذره في الجاهلي ــان ن ــذر ك ن

م بوفائه. ه عليه وسل صلى اللــه: " فقد عاب عليه اإلسماعيلي جمعهما ألن قول لما قفلنا من حنين " لم يقع في رواية حماد بن زيد

واية األولى مرسلة.. أي أن الر

39

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ثانيا: عادات التراجم: اإلمام البخاري رحمه اللــه محــدث فقيــه، مطلــع على مــذاهب الفقهــاء، عــارف بمآخــذهم وحججهم، وكتبه تدل على ذلك، وقــد ذكــره بالفقــه والمعرفــةــد بن من عرفه وجالسه، بل قال أبو مصــعب: محم إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحــديث من أحمــد بن حنبل، فقيــل لــه: جــاوزت الحــد، فقــال للرجــل: لــو أدركت مالكا، ونظــرت إلى وجهــه ووجــه محمــد بن إسماعيل، لقلت: كالهما واحد في الفقــه والحــديث

(1). وقال نعيم بن حمــاد: البخــاري فقيــه هــذه األمــة

.(2)أهـ ولمــا كـان البخــاري صــاحب حرفــة وطبــع فقهي فإنه قد صبغ صــحيحه بصــبغة فقهيــة، واشــتهر عنــد العامة والخاصة أن فقــه البخــاري في تراجمــه، بــل قد ألفت في فقــه تــراجم أبوابــه كتب على حيالهــا، منهـــا: كتـــاب ابن المنـــير )المتـــواري على أبـــواب البخـاري (، وكتــاب تـراجم البخـاري للبلقيــني، وقـد طبعناه محققا، وكتاب الشاه ولي الدهلوي )تــراجم

.9/50، تهذيب التهذيب 12/420)( السير 1.9/52)( التهذيب 2

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

أبواب البخاري(، و)شــرح تــراجم أبــواب البخــاري (للكاندهلوي.

ــاري ــدي الس ــال في ه ــظ فص ــد الحاف ــد عق وق ترجمته: الكالم على تراجمه البديعة المنال، المنيعة المثال، التي انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه واشتهر

بتحقيقه لها عن قرنائه.ــتراجم أحب أن وقبل أن أورد بعض عاداته في ال أقيد هنا دفاعا عن تراجمــه من طعن بعض العلمــاء

فيها.ــام المهلب بن أبي صــفرة كاشــفا عن ــال اإلم ق فقـه تــراجم البخـاري: فـرحم اللـه مؤلفــه الفاضـل محمد بن إسماعيل العالم المرضي، والحبر الزكي، النــاهج لســبيل النجــاة، والــدليل المــاهر في مهامــه

الرواة، والنجم الهادي في الظلمات. إلى أن قال: العارف بعدالة الرجال الحاكم فيهم بتغليب الحـــال، المنكت بجـــواهر العلم بتبويباتـــه، والمنبــه على خفيــه بإشــاراته، فهــو يصــدر في أول الباب بوجه الحديث ليفهم، ويميز المعــنى الــذي بــه ترجم، ويكرر األحـاديث بكـثرة المعـاني الـتي فيهـا،ــه فهمهــا ود تكثيرهــا، ومن خفت ــه ل فمن وهب الل

عليه كره تكريرها...

41

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

وقد يترجم بعض الحــديث لبيـان معنــاه، ويــترجمــرج بطرف منه ليدل عليه، وفي كثير من األبواب خ فيها أحاديث يخفى معنى ذلك التبويب من نصــها إالــه ــو أمهــل - والل باســتدالل خفي وغــوص ذكي، ول أعلم – ألردف تلك النصــوص بمــا هــو أجلى لوجــوه

المعاني وأظهر لها. ومنـــه أبـــواب ال يفهم مـــا أراد منهـــا إال بـــدليل) وراودته التي هــو التصدير، مثل باب قوله عز وجل في بيتها عن نفسه ( ثم أدخــل حــديث ابن مســعوده لى الل أن قريشا لما أبطــؤوا على رســول اللــه صــم دعا عليهم بسبع كسبع يوسف، ثم صدر عليه وسل في البــاب قولــه) بــل عجبت ويســخرون( فبلــغ إلىــالى ) وإذا موضع الفائدة ثم لم يذكرها وهو قوله تع ذكروا ال يــذكرون وإذا رأوا آيــة يستســخرون ( وفي

معنى ذلك تبويبه والله أعلم. فشرح وجه ذلك، ثم قال: فأراد البخــاري رحمــهــا أو الله أن يريك أن العفــو عن الظــالم إذا أتى تائب متوسال سنة النبيئين، وسنة رب العالمين في عباده التائبين والمتوسلين، فــأراد تناســب مــا بين اآليــتين بالمعنى على بعد الظاهرين منهمــا، ومثــل هــذا في كتابه كثير، مما قد عابــه بــه من لم يفتح اللــه عليــه

بفهمه.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

وأكثر ما شنع عليه به رحمه الله ما ترجم به فيــه ــرجم ب ــا ت ــير م ــل غ ــه ثم أدخ ــاب من كتاب أول ب عندهم، وهو أنه قال: باب كيف كان بدء الوحي إلىم، ثم أدخــل حــديث ه عليه وسل رسول الله صلى الل األعمــال بالنيــات، زعمــوا أن ليس فيــه شــيء ممــا تضمنت الترجمــة حــتى بلغــني أن بعض المتقــدمين وضع في هذا البــاب وشــبهه ممــا لم ينفــك لــه منــه معـنى الترجمـة في سـائر الكتـاب وضـعا يشـنع بـه

على البخاري رحمه الله. وذلــك الحــديث واللــه أعلم نفس مــا تــرجم بــه، وأولى األحاديث بنصه، ثم ذكر وجهه، ثم قال: فــأي معنى أولى بهذه الترجمة من هــذا الحــديث، وأشــدــه الفهم، مشاكلة ومطابقة لها عند من فتح الله علي

فبحث عن العلم، واقتبس من أهل التقدم. ولقد ينبغي ألهل الطلب والتفقه أن يعرفوا وكيد حاجتهم إلى علم معاني الحــديث الصــحيح، ووجــوه مطابقتــه للمســائل الصــحيحة، المتــوفرة بينهم في الفتوى، فيســتنبطون منهــا مــا لم يتقــدم فيــه قــولــواب من ــوهم والص ــا بين ال ــون منه ــالم، ويفرق لع

االختالف اهـ. ونقل ابن حجــر عن اإلمــام النــووي رحمهــا اللــه تعالى قولــه: ليس مقصــود البخــاري االقتصــار على

43

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــا، ــتنباط منهـ ــراده االسـ ــاديث فقـــط، بـــل مـ األحـ واالستدالل ألبواب أرادها، ولهذا المعنى أخلى كثيرا من األبواب عن إســناد الحــديث، واقتصــر فيــه على قوله: فيه فالن عن النبي صلى الله عليه وســلم، أو نحو ذلك، وقد يذكر المتن بغــير إســناد، وقــد يــورده معلقا، وإنما يفعل هذا ألنــه أراد االحتجــاج للمســألة التي ترجم لها، وأشار إلى الحديث، لكونــه معلومــا، وقد يكون مما تقدم، وربمــا تقــدم قريبــا، ويقــع في كثير من أبوابــه األحــاديث الكثــيرة، وفي بعضــها مــا فيه حديث واحد، وفي بعضها ما فيــه آيــة من كتــاب الله، وبعضها ال شئ فيــه البتــة، وقــد ادعى بعضــهم أنه صنع ذلك عمــدا، وغرضــه أن يــبين أنــه لم يثبت عنده حديث بشرطه في المعنى الذي تــرجم عليــه،ــاب ومن ثمة وقع من بعض من نسخ الكتاب ضــم ب لم يذكر فيه حــديث إلى حــديث لم يــذكر فيــه بــاب

أهـ(1)فأشكل فهمه على الناظر فيه ــد(2)أما الباجي فقد سلك مسلكا آخر، فقال : وق

أخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد الهــروي الحافــظ رحمــهــد الله، حدثنا أبو إسحاق المستملي إبراهيم بن أحم قال: انتسخت كتــاب البخــاري من أصــله كــان عنــد محمد بن يوسف الفربري، فرأيته لم يتم بعــد، وقــد

.10)( هدي الساري ص1(.1/287)( التعديل والتجريح )2

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

بقيت عليه مواضــع مبيضــة كثــيرة، منهــا تــراجم لم يثبت بعدها شــيئا، ومنهــا أحــاديث لم يــترجم عليهــا،

فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. ومما يدل على صــحة هــذا القــول أن روايــة أبي إســحاق المســتملي وروايــة أبي محمــد )الحمــويي( وروايـــة أبي الهيثم الكشـــميهني وروايـــة أبي زيـــد المروزي؛ وقد نسخوا من أصل واحد؛ فيها التقــديم والتأخير، وإنما ذلك بحسب ما قدر كــل واحــد منهم في ما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه، ويبين ذلك: أنك تجد ترجمتين وأكثر

من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث. وإنما أوردت هذا لما عني به أهل بلدنا من طلبــا، ــذي يليه ــنى يجمــع بين الترجمــة والحــديث ال مع وتكلفهم في تعسف التأويل ما ال يسوغ، ومحمد بن إســماعيل البخــاري رحمــه اللــه وإن كــان من أعلم النــاس بصــحيح الحــديث وســقيمه؛ فليس ذلــك منــا بســبيل، ــاظ وتمييزه ــق األلف ــاني وتحقي علم المع فكيف وقد روى أبــو إســحاق المســتملي العلــة في ذلـك، وبينهـا: إن الحــديث الـذي يلي الترجمــة ليســأتي ــه، وي ــك بترجمت ــل ذل ــأتي قب ــا لي ــوع له بموض

بالترجمة التي قبله من الحديث بما يليق بها أهـ.

45

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

قلت: نقل ابن رشيد إسناد أبي الوليــد، ثم قــال: ثم أتبع أبو الوليد هذا الكالم بما كـان الــواجب عليــه

.(1)تركه أهـــه عن أما الخبر الذي ذكره الباجي فشيء تفرد ب أبي ذر الهروي، وأنا أراه في ذلك واهما والله أعلم،ــذي وروايته هذا الخبر عن أبي ذر من قبيل الشاذ ال ال يعول عليه، وذلك ألمور ستتضــح لــك قريبــا بــإذن

الله، فتريث.ــاجي فأول ذلك ما ذكرناه من تفرد أبي الوليد الب بهذا الخبر عن أبي ذر، مع حاجــة النــاس إليــه، ومنــبة ــرح مناسـ ــدى لشــ ــرواة عن أبي ذر من تصـ الـ تراجمــه، ولم يشــر الى مثــل هــذا، كاإلمــام الفقيــهــة في القاضي المهلب بن أبي صفرة، شــيخ المالكي زمانه، بل شيخ األندلس كله، وقد مر نعيه على من

لم يفقه هذه التراجم. ثم تفرد المستملي بهذه القصة كذلك دون سائر الرواة عن الفربري، وأغلبهم أوثق منــه، كــأبي زيــد

المروزي أجل الرواة عن الفربري، وغيره. ثم قوله: انتسخت كتاب البخاري من أصــله كــان

عند محمد بن يوسف الفربري..

.26)( إفادة النصيح ص1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

فالضمير في أصله، يحتمــل أن يكــون عائــدا الى أصل البخاري، بمعنى أن كتــاب البخــاري كــان عنــد الفربري، فكأن الفربري كــان يملــك نســخة األصــل من البخــاري وهي النســخة الــتي كــان يحــدث منهــا

الفربري. ويحتمل أن يكون الضمير عائدا الى الفربري، أي أن الفربري أخرج كتابه الذي انتســخه من الصــحيح

للمستملي وكان على الصفة التي ذكرها. أما االحتمال األول فباطل قطعا، فلو كــان أصــلــري ــذلك، ثم إن الفرب البخاري عند الفربري لتبجح ب أخبر أنه سمع الصحيح على البخاري مرات مختلفة،

ــا ســنة ، وأخــرى في248في دخالت البخــاري اليه أي قبــل وفــاة البخــاري بــأربع252بخــارا ســنة

ــظ، ــاذي الحاف ــال أبونصــر الكالب ــذا ق ســنوات، هكواشتهر هذا القول عند كثيرين.

ــري وروى الحافظ غنجار عن الكشاني عن الفربــر في ثالث ــاري بفرب ــامع من البخ مع الج ــال: ســ ق

.255، وسنة 254, وسنة 253سنين, في سنة ، وهذا إسناد صحيح عال.(1)ذكره ابن نقطة

( .132 /1)( التقييد )1

47

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

وفي هــامش إفــادة النصــيح طــرة عن التجيــبي,صورتها ما يلي:

قرأت بخط شيخنا عبــدالمؤمن الــدمياطي: قــال الفربــري: أنــا البخــاري بالجــامع الصــحيح في ســنة ثالث وخمسين ومائتين أهـ، فعلى هذا يكون سماعه

للكتاب ثالث مرات والله أعلم.ــامع ــه بالجـ ــراءتي عليـ ــراء بقـ ــا ابن الفـ اخبرنـ المظفري في الصالحية, عن ابن نقطة الحافظ: أنه ذكر عن الفربــري أنــه ســمع الصــحيح من البخــاري

ــنين، في ســنة ــر في ثالث س ،55، و54، و53بفربوذكر القول األول أيضا، فتأمل ذلك.

ــامس من ــك في المجلس الخ ثم وقفت على ذل أمــالي أبي بكــر محمــد بن منصــور الســمعاني, في نسختي التي بخط عيســى الرعيــني الضــابط, ونص ما ذكر: قال الفربري: سمعت الجــامع الصــحيح من أبي عبدالله بفربر، وكان يقرأ عليه في ثالث سنين،

.(1) أهـ55، و54، و35في سنة فلو كان أصل البخاري عنــد الفربــري كيــف كــان

البخاري يحدث بكتابه إلى قبيل وفاته.

(.17)( إفادة النصيح )ص1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ولــو كــان عنــده كيــف رواه عن البخــاري من لم يجتمــع بــالفربري قــط، كــالبزدوي آخــر الــرواة عن البخاري موتــا، فــإن الفربــري لم يعرفــه، ولــو كــان يعرفه لما زعم أنــه مــا بقي من رواة الصــحيح أحــدــذه غيره، ثم وجدنا الرواة عن البخاري اتفقوا في ه الــتراجم، كالنســفي وحمــاد بن شــاكر وغــيرهم مــعــاعهم على ــا نصوصــا على اجتم ــل رأين ــري، ب الفرب رواية أبواب مشكلة بعد تعلقها بأحاديثهــا، فلــو كــانــق من رواة الزعم كما قال الباجي أفيظن أن التلفي الفربــري وافــق التلفيــق عنــد رواة النســفي، وعنــد رواة حمــاد بن شــاكر، ذلــك مــا ال يقولــه من عنــده

مسكة من عقل. هذا مــع وجــود نصــوص من اإلمــام البخــاري أنــه ترجم الترجمة وأخالهــا ألنــه كــره أن يعيــد الحــديث وهو قــريب من هــذا الموضــع، نقــل هــذا الصــاغاني صاحب النسخة المشهورة وستأتي صــورة مــا نقــل

عن البخاري في الباب الالحق.ــق بين ــق التلفي ــتحالة تواف ــاه من اس ــا ذكرن وم الرواة عن البخاري يبطل ما زعمه البــاجي إن كــان أراد أن أصل البخاري عنــد الفربــري، وإن كــان أراد بأن أصل الفربري كان عنــد المســتملي فهــذا أشــد بطالنا، ألن الرواة عن البخــاري وافقــوه في النقــل،

49

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

وألن الرواة عن الفربري وافقوه كذلك، فهل يكــونهذا كله من باب التوافق.

ثم إن هذا الذي ذكره الباجي روايــة إنمــا يصــلح لتوجيه نوع من الــتراجم واحــد، وهي األبــواب الــتي أخالها من األحاديث، ثم أعقبها بأحاديث لم يذكر لهاــا ــر فيه ــة وذك ــا من الترجم ــواب أخاله ــا، أو أب أبواب

أحاديث. أما األول فممتنــع حقيقــة، إذ لم تتفــق الروايــاتــديث في الصحيح على باب خال من حديث أعقبه بح

خال من تبويب، حتى يصح ما توهمه الباجي. وتتبع الروايات في مثل هذه الحاالت مفيــد جــدا، فإن األحاديث إن تداخلت في روايــة قــد تــأتي علىــداخل بالزم في الصواب في رواية أخرى، وليس الت

كل الروايات.وألذكر مثاال يقرب هذا الذي أذكره:

وهو حديث عائشة في قصة خــروج النســاء الىــروطهن، )رقم: ــات بم ــر متلفع المســاجد في الفج

( رواه البخاري في باب كم تصــلي المــرأة من196 الثيــاب، ومناســبته واضــحة، وبــاب وقت الفجــر، ومناسبته واضحة، وباب سرعة انصراف النساء من الصبح، ومناسبته كذلك واضــحة، لكن ورد في بعض

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

النسخ في باب انتظار الناس قيام اإلمام, هكذا هــو في رواية كريمة ونسخة الصغاني، وهو من التداخلــره في في نسختيهما، ألن الروايات اتفقت على ذك باب خروج النساء الى المساجد، كما ذكــره المهلب

في تخريجه، وهو محله الذي هو اليق به. ولذلك قال الحافظ آخر الباب المذكور: وقع في رواية كريمة عقب الحــديث الثــاني من هــذا البــاب: بــاب انتظــار النــاس قيــام اإلمــام العــالم، وكــذا في نسخة الصغاني، وليس ذلك بمعتمد إذ ال تعلق لذلك بهذا الموضع، بل قد تقدم في موضــعه من اإلمامــة

بمعناه أهـ. ولم نحتج الى ما توهمــه البــاجي في روايتــه عن

المستملي. وأما الثاني، وهو األبواب الخالية من تراجم، فإن الحافظ – وسبقه كثير من الشراح – قرروا أن ذلك

كالفصل من الباب السابق.ــذي ــري ال وقوله: من أصله، يريد من أصل الفرب ســـمعه من البخـــاري أو نقلـــه من وراق البخـــاري وسمعه على البخاري، ال أن أصل البخاري كان عنــد الفربري، فهذا شيء لم يسمع به، ولم يقل أحــد إن أصل البخاري آل إلى الفربري، فأين وراق البخــاري

51

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

وهو حافظ نبيه من أهــل العلم والروايــة، إنمــا كــان الفربـــري كغـــيره من رواة الصـــحيح ســـمعوه من

البخاري وانتسخوا نسخهم من نسخته. والــدليل على ذلــك أن الصــغاني قــد اطلــع على نسخة الفربري الــتي هي بخطــه محبســة في بعض مساجد بغداد، وهي النسخة التي كــان يــروي منهــا،ــه ال ــري بخط ــبها للفرب ــا، فنس ــاس منه ــخ الن وينســا للبخاري، وقد ذكرت ذلك مفصال في رســالة كتبته

للتعريف بنسخة الصغاني رحمه الله. ومــا اســتدل بــه البــاجي من اختالف النســخ عنــداخل ــذا الت ــول ه ــدليل على حص ــري ليس ب الفرب المزعوم الذي أورث إشــكاال في تناســب األحــاديثــراجم أبوابهــا، ألمــور، منهــا: أن االختالف في مــع ت الغالب إنما هو في الكلمة بعد الكلمــة، في ضــبطها أو هيئتهــا، ونحــو ذلــك من األمــور الــتي قــد يزيــدها الــراوي من تلقــاء نفســه، مثــل اختالفهم في كتــابــذكر اســم الســورة مجــردة، التفســير، فبعضــهم ي وبعضهم يزيد تفسير سورة كذا أو باب ســورة كــذا، ونحو زيادة البسملة في أول الكتب وحــذفها، وليســه أو اختالفهم من قبيل زيادة باب بأجمعه مع أحاديث

حذفه.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــرواة عن ــد اختلفت عن ال ــخ ق ــا: إن النس ومنه الفربري، كأبي زيــد المــروزي اختلــف الــرواة عنــه، فاألصيلي الذي ضبط نســخة القابســي، اختلــف مــعــد ــال في أبي زيـ ــل يقـ ــاظ، فهـ القابســـي في ألفـ المروزي كما قال في الفربــري، وهــذا االختالف لــهــوب، اسباب، منها جواز تطرق التصــحيف في المكتــك، ــو ذل ــيخ ونح ــمع من فم الش ــا اختالل الس ومنه

ومنها عدم المحافظة على الكتاب. ومنها: أن النســخ عن البخــاري متفقــة في إيــراد التراجم المشكلة مع أحاديثهــا، فهــل اتفقــوا كلهم –ــيرهم – على الفربري مع رواته والنسفي وحماد وغــق قــريب ضــم أوراق الصــحيح وترتيبهــا على نس متشــابه، هــذا ممــا ال تقبلــه العقــول، ولــو قيــل: إن هؤالء ما اجتمعوا في مجلس واحد لسماع الصــحيح لما استبعدت صحة ذلــك، بــل دليــل تــأريخ الســماع

يدل عليه. مثاله: أن الراويات اتفقت كلها على أن البخــاري بدء كتابه بحديث النيات، وترجم لــه كيــف كــان بــدء الوحي، وهذا من اإلشكال عندهم على ما ســيذكره المهلب في هذا النصيح ويحله، فهل قاعدة التداخل

التي ذكرها الباجي تحل هذا اإلشكال.

53

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــذه ــه لشــذوذ ه ــد تنب ــدت القســطالني ق ثم وج الرواية التي نقلها البــاجي فقــال: وهــذا الــذي قالــه البــاجي فيــه نظــر، من حيث إن الكتــاب قــرئ على مؤلفه وال ريب أنه لم يقــرأ عليــه إال مرتبــا فــالعبرة

.(1)بالرواية البالمسودة التي ذكر صفتها أهـــاف في رد مــا رواه البــاجي عن ــذا ك قلت: وه المستملي، ولو سـلمنا جــدال صــحة ذلـك في روايــة المستملي، فما له ولروايــة الثبــات كــأبي زيــد وابن

السكن وغيرهم، والله أعلم. ثم عقب ابن رشيد بقوله: إنما وقع للبخاري هــذاــه من النفــوذ في غــوامض المعــاني، لمــا كــان عليــا، ــوص في بحارهـ ــا، والغـ ــوص من مبهماتهـ والخلـ واالقتنــاص لشــواردها، وكــان ال يرضــى إال بــدرةــوف الغائص، وظبية القانص، فكان يتأنى ويقــف وق تخير ال تحير، الزدحام المعــاني واأللفــاظ في قلبــه، ولسانه فحم لــه الحمــام، ولم تمهلــه األيــام، ال لمــا قاله أبــو الوليــد من قولــه الخطــأ الــذي ضــربنا عن

ذكره.

.300-298، وانظر الحطة أيضا ص1/34)( إرشاد الساري1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ومن تأمل كالمه فقهــا واســتنباطا وعربيــة ولغــة رأى بحرا جمع بحــارا، إل مــا كــان عليــه من حســن

.(2)النية وجميل الفعلة في وضع تراجم هذا الكتابعادات البخاري في تراجمه:

- أن البخـــاري يعطـــف بين المتشـــابهين في1ــة، ــد الفقهي ــل القواع ــا، ويعم ــرن بينهم الحكم، ويق والقوانين األصولية فيما يــترجم بــه، وهــذا كثــير في

تراجمه. مثال ذلك، ترجمته: باب وضوء الرجل مع امرأته وفضــل وضــوء المــرأة، وتوضــأ عمــر بــالحميم ومن

بيت نصرانية.ــه خاصــة، ــع امرأت ــل م ــل حكم وضــوء الرج فج

كالوضوء بفضل المرأة عموما. قال ابن حجر: قولــه وفضــل وضــوء المــرأة؛ ألن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل، مع جــواز أن تكــون تحت مسلم واغتســلت من حيض ليحــل لــه وطؤهــا ففضل منه ذلك الماء، وهذا وإن لم يقع التصريح به لكنه محتمل، وجرت عادة البخاري بالتمســك بمثــل ذلك عند عدم االستفصال، وإن كان غيره ال يستدل بذلك ففيه دليــل على جــواز التطهــر بفضــل وضــوء

.26)( إفادة النصيح ص2

55

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

المــرأة المســلمة ألنهــا ال تكــون أســوأ حــاال منالنصرانية.

ــاس2 ــو بين الن ــا ه ــل على م ــه يحي ــا: أن - ومنهــه، فمثال مالوف، وعندهم معروف، وإن لم يصــرح بــه ترجم: باب اإلثمد والكحل من الرمد، ثم قــال: في عن أم عطية، ثم ذكر حــديث أم ســلمة في الحــادة التي رمدت، وليس في الحديثين ذكــر اإلثمــد، قــالــر ــه ذكـ الحافـــظ: لكن لم أر في شـــيء من طرقـ اإلثمد، فكأنه ذكره لكون العرب غالبا إنما تكتحل به

أهـ. -ومنهـــا: أنـــه إذا كـــانت الترجمـــة واردة في3

الحديث فهو يتبع لفظ الحديث فيها، بــل إنــه كــذلكيتبع لفظ اآلثار فيما ترجم به.

ولــذا ربمــا رجح العلمــاء بين اختالف النســخ في التراجم باعتبار هذه العادة، كبــاب أشــد النــاس بالء األنبياء، ثم األمثل فاألمثل، هكــذا هــو لألكــثر، وعنــدــتملي بين ــع المسـ ــاألول، وجمـ ــفي: األول فـ النسـ اللفظين، واألول أولى فــإن عــادة البخــاري قاضــية في مثل هذا أن يتبع لفظ الحديث، فقد روى عاصم بن بهدلة عن مصــعب بن ســعد بن أبي وقــاص عن أبيه قال: قلت يا رسول اللــه أي النــاس أشــد بالء؟

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

قال: األنبياء، ثم األمثل فاألمثــل، يبتلى الرجــل علىحسب دينه.

-ومنها: أنه يترجم بالحكم على المشكل ويترك4 الجلي الواضـــح، فقـــال مثال: بـــاب تـــرك الحـــائض الصــوم، هكــذا تــرجم ولم يــذكر الصــالة، فقــال ابن المنـــير: جـــرى البخـــاري على عادتـــه في إيضـــاحــح المشكل دون الجلي، وذلك أن تركها الصالة واض من أجــل أن الطهــارة مشــترطة في صــحة الصــالةــه ــترط ل ــوم فال يش ــا الص ــاهرة، وأم ــير ط وهي غ الطهارة فكــان تركهــا لــه تعبــدا محضــا فاحتــاج إلى

التنصيص عليه بخالف الصالة أهـ. -ومنها: أنه يؤثر التراجم الخفية على الظـاهرة،5

ويقتصــر على مــا يــدل باإلشــارة، ويحــذف مــا يــدل ، أو:(1)بالصراحة، ويســميها بعضــهم: تــراجم التعمية

ــار الخفي على الجلي، أو: األخفى على األجلى، ــ إيثوكلها عبارات استخدمها شراح الصحيح.

ألن في مطابقة الترجمة للحــديث الــذي يســوقهشيء من الخفاء والتعمية.

)( من الفاظ الحافظ ابن حجر في شــرح بـاب: وكـان اإلنسـان1أكثر شيء جدال من التفسير.

57

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

وهذه أعلى أنواع التراجم عنده، وإنما يفعل ذلك شحذا للعقول، وتدريبا للفهوم، وتنبيها على مــواطن العلــة، إذ أن الترجمــة ال تكــون إال ممــا يســتفاد من الحديث الذي ســاقه في البــاب أو من بعض طرقــه

غالبا. وهـــذه عادتـــه األشـــهر في تراجمـــه، والصـــفةــر لي ــال: ظه ــظ ق ــتى إن الحاف ــا، ح ــائدة فيه الس باالستقراء من صــنيع البخــاري رحمــه اللــه اكتفــاءه بــالتلويح عن التصــــريح، قــال: وقــد ســلك هــذه

. (1)الطريقة في معظم تراجم صحيحهــاد ــدا، ال تك ــيرة ج ــحيح كث ــذا في الص ــة ه وأمثلــراجم الصــحيح وجــد تحصى، فمن أنعم النظر في ت

مثاله في كل صفحة. ومن لم ينتبــه لهــذه العــادة يســيء فهم مقاصــد

البخاري في تراجمه. فقد ترجم البخاري: باب تمني المــريض المــوت،ــميهني: أي ما حكمه، ولم يقطع به، ووقع عند الكش النهي عن تمــني المــريض المــوت، وهــذا خطــأ من الكشميهني يبرأ البخاري منــه، بــل إن البخــاري أراد

بالترجمة عكس ما زاده الكشميهني.(. 1/8)( الفتح )1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ثم ذكر حديث أبي هريرة: »لن يدخل أحدا عمله الجنة«، قالوا: وال أنت يا رسول الله؟ قال: »ال، والــا اال أن يتغمــدني اللــه بفضــل ورحمــة، فســددوا أن وقاربوا، وال يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله

أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب«. ثم عقب بحديث عائشة رضي الله عنها: سمعتــول: النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستند الي يق

»اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق«. وقـــد خفيت العلـــة من صـــنيعه هـــذا على بعض الشراح، فجعــل حــديث عائشــة في البــاب معارضــا لحديث أبي هريرة أو ناسخا له، حتى قــال بعضــهم:ــلما ــني مس ــف )توف ــول يوس ــوخ بق إن النهى منس والحقــني بالصــالحين(، وبقــول ســليمان )وأدخلــني

برحمتك في عبادك الصالحين(.. وليس هذا مراد البخـاري رحمــه اللـه إنمــا أشـارــه خفي أن النهي عن تمـــني المـــوت ليس من وجـ مطلقا بل هــو قيــد ببعض الحــاالت دون بعض، قــال الحافظ: ووقــع في روايــة معمــر اآلتيــة في التمــنيــنين« ــثر وبلفـــظ »ال يتمـ بلفـــظ »ال يتمـــنى« لألكـــام عن أبي ــة هم ــو في رواي ــذا ه ــميهني، وك للكش هريرة بزيادة نــون التأكيــد، وزاد بعــد قولــه أحــدكم الموت: »وال يدع به من قبل أن يأتيه« وهو قيد في

59

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

الصورتين، ومفهومه أنه إذا حل به ال يمنع من تمنيه رضــا بلقــاء اللــه وال من طلبــه من اللــه لـذلك وهـوــديث أبي ــاري ح ــة عقب البخ ــذه النكت ــذلك، وله ك هريــرة بحــديث عائشــة »اللهم اغفــر لي وارحمــني والحقـــني بـــالرفيق األعلى« إشـــارة الى أن النهي مختص بالحالة التي قبل نزول الموت، فلله دره مــا كــان أكــثر استحضــاره وإيثــاره لألخفى على األجلى

شحذا لألذهان أهـ.-ومثلها في عادات البخاري: 6

ــترجم تفقهــا، ثم ال يكــون في نص الحــديث أن ي الذي ساقه في الباب ما يشهد له، إنما يشير بــذلك الى أن فقه المسالة مأخوذ من هــذا الحــديث، لكن ربما من طريق أخرى، وقد يكون خرجه في الكتاب لكن في موضــع آخــر أو يكــون ليس من شــرطه أو

غير ذلك. قال الشيخ عبدالحق: ومثل هــذا ال ينتفــع بــه االــرق ــ المهــــرة من المحــــدثين المطلعين على طـ

.(1)األحاديث والفاظها قلت: مثــال ذلــك، أنــه تــرجم بــاب التقاضــيــديث كعب بن ــر ح ــة في المســجد، ثم ذك والمالزم

. 86)( عادات البخاري ص1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

مالك: أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينــا كــان لــه عليــه في المســجد فــارتفعت أصــواتهما حــتى ســمعها رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم وهــو في بيتــه، فخرج اليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى: »يا كعب«، قال: لبيك يا رســول اللــه، قــال: »ضــع من دينك هذا«، وأومأ اليه أي الشطر، قــال: لقــد فعلت

يا رسول الله، قال: »قم فاقضه«. وليس فيه ذكر للمالزمة الــتي تــرجم بهــا، لكنهــاتؤخذ من بعض طرق الحديث، مما هو في الصحيح. قال الحافظ: الــذي يظهــر لي من عــادة تصــرف البخاري أنه أشــار بالمالزمــة الى مــا ثبت في بعض طرقه، وهو ما أخرجــه هــو في بــاب الصــلح وغــيره من طريق األعــرج عن عبــد اللــه بن كعب عن أبيــه أنه كان لــه على عبــد اللــه بن أبي حــدرد األســلمي مال، فلقيه فلزمه، فتكلمــا حــتى ارتفعت أصــواتهما

أهـ. وقــد أشــار هــو رحمــه اللــه الى عادتــه هــذه في الجامع، فقد ترجم آخــر الصــحيح: بــاب قــول النــبي صـلى اللـه عليـه وسـلم: ال شـخص أغــير من اللـه،ــخص وقال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك: ال ش

أغير من الله.

61

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

مع أنــه أخــرج في البــاب حــديث أبي عوانــة عن عبــد الملــك عن وراد كــاتب المغــيرة عن المغــيرة، وفيه: أتعجبون من غيرة سعد واللــه ألنــا أغــير منــه واللــه أغـــير مـــني، ومن أجـــل غـــيرة اللــه حـــرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وال أحد أحب اليــهــرين ــك بعث المبش ــل ذل ــه، ومن أج ــذر من الل العــه ومن والمنذرين، وال أحد أحب اليه المدحة من الل

أجل ذلك وعد الله الجنة. وقـــد بـــادر البخـــاري الترجمـــة بـــالتعليق، وأخرــان ــا ك المسند، مع أن ذلك ليس له بعادة، ولكن لم

.(1)المقصود من الترجمة اللفظ المعلق بادر به وكترجمته في الصالة: بــاب التبكــير بالصــالة في يوم غيم، ثم ذكر حــديث هشــام عن يحــيى ابن أبي

)( وقد نبه على هذه العادة ابن حجر في شرحه، وقال في باب1 وقت العصر: وفيه: حديث إبراهيم بن المنــذر قــال: نــا أنس بنــه عياض، عن هشام، عن أبيه: أن عائشة قالت: كان رسول الل صلى الله عليه وســلم يصــلي العصــر والشــمس لم تخــرج من

حجرتها.وقال أبو أسامة عن هشام: من قعر حجرتها.

فقد وقــع في روايــة األصــيلي وأبي ذر وكريمــة تقــديم التعليــق على المسند، فقال ابن حجر: كذا وقـع هـذا التعليـق في روايـةــناد ــأخيره عن اإلسـ ــواب تـ ــة، والصـ أبي ذر واألصـــيلي وكريمـ

الموصول كما جرت به عادة المصنف أهـ.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

كثير عن أبي قالبة: أن أبا المليح حدثه قال: كنا مــع بريدة في يوم ذي غيم فقال: بكــروا بالصــالة، فــإن النبي صلى الله عليه وسلم قــال: »من تــرك صــالة

العصر حبط عمله«. ولم ينتبه اإلسماعيلي لعادة البخاري هــذه فــأورد عليه إيــرادا، وقــال: جعــل البخــاري الترجمــة لقــول بريدة ال للحديث، وكان حق هــذه الترجمــة أن يــوردــق ــا، ثم أورده من طري ــا الحــديث المطــابق له فيهــروا ــير بلفـــظ: بكـ ــيى بن أبي كثـ األوزاعي عن يحـ بالصالة في يوم الغيم، فإن من تــرك صــالة العصــر

حبط عمله.ــترجم ــاري أن ي ــادة البخ ــظ: من ع ــال الحاف فق ببعض ما تشتمل عليه الفاظ الحديث ولو لم يوردها

بل ولو لم يكن على شرطه، فال إيراد عليه أهـ. وقال في موضع آخر: قد وضـح لنــا باالستقـــراء: أن جميـع ما يقـع في تراجـم البخــاري ممــا يترجـــم بلفـــظ الحــديث، ال يقــع فيــه شـــيء مغــاير للفــظ الحديث الذي يورده، اال وقد ورد من وجه آخر بذلك

.(1)اللفـظ المغاير، فلله دره، ما أكثر اطالعه

(.2/57)( الفتح )1

63

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــة ــاب آني ــاري: ب ــة البخ ــل ترجم ــذا القبي ومن ه المجوس، ثم ذكر حديث أبي ثعلبة الخشــني، وليس

فيه ذكر للمجوس.ــرجم وأتى بحــديث أبي ــذا ت ــتين: ك ــال ابن ال فق ثعلبة وفيه ذكر أهـل الكتــاب فلعلـه يـرى أنهم أهـل

كتاب.ــاديث في وقال ابن المنير: ترجم للمجوس واألح أهل الكتاب ألنه بنى على أن المحذور منهمــا واحــد

وهو عدم توقيهم النجاسات. وقال الكرماني: أو حكمه على أحدهما بالقيــاس على اآلخــر، أو باعتبــار أن المجــوس يزعمــون أنهم

أهل كتاب. قال الحافظ: أحسن من ذلــك أنــه أشــار الى مــاــا على ــ ــديث منصوصـ ــ ــرق الحـ ــ ورد في بعض طـ المجوس، فعند الترمذي من طريـق أخـرى عن أبيــه وســلم عن ثعلبة: سئل رسول الله صلى الله علي قــدور المجــوس، فقــال: »أنقوهــا غســال واطبخــوا فيها«، وفي لفظ من وجه آخر عن أبى ثعلبة: قلت: إنا نمر بــاليهود والنصــارى والمجــوس فال نجــد غــير آنيتهم، الحديث، وهــذه طريقــة يكــثر منهــا البخــاري فما كان في ســنده مقــال يــترجم بــه، ثم يــورد في

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

الباب ما يؤخذ الحكم منــه بطريــق االلحــاق ونحــوهأهـ.

ــة7 ــائل المبهم ــترجم على المس ــه ي ــا: أن -ومنهبتراجم مبهمة.

كقولــه: بــاب مــا جــاء في قاتــل النفس، ثم ذكــر حديث: ثابت بن الضحاك رضي الله عنــه عن النــبي صلى الله عليه وســلم قــال: »من حلــف بملــة غــير اإلسالم كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفســه

بحديدة عذب به في نار جهنم«.ــير: عــادة البخــاري إذا توقــف في قــال ابن المن شــيء تــرجم عليــه ترجمــة مبهمــة كأنــه ينبــه على

طريق االجتهاد. ــل ــل النفس ال تقب ــك أن قات ــل عن مال ــد نق وق توبته، ومقتضاه أن ال يصلى عليــه، وهــو نفس قــول

البخاري أهـ.-تراجم البخاري بين االستفهام واإلثبات:8

للبخاري رحمه الله عادة في تراجمه يكشف من خاللهــا عن مذهبــه في مــا تــرجم عليــه، أو مــذاهبــذكر فيهــا أقــوال أهــل العلم في مــا اآلخــرين، أو يــذه ــرض ه ــه في ع ــه الل ــه، وتفنن رحم ــرجم علي ت

65

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــك من خالل المسائل من خالل تراجم، وسأشرح ذلالكشف عن صيغ التراجم.

الصيغة األولى: من عادة البخاري رحمه الله أن يترجم مستفهما

على المسائل التي فيها خالف، مثل قوله: باب كم يجوز الخيار، بــاب هــل يســافر بالجاريــة

قبل أن يستبرئها. فإذا ترجم قاطعا بالحكم على مسالة فيها خالف

فذلك لبيان ضعف الخالف وقوة ما ترجم عليه. كقوله: باب األذان بعــد ذهــاب الــوقت، قــال ابن المنير: إنما صرح المؤلف بالحكم على خالف عادته في المختلف فيــه لقــوة االســتدالل من الخــبر على

الحكم المذكور أهـ. وكقولــه: بــاب الكالم في األذان، وتكلم ســليمان بن صرد في أذانه، وقال الحسن: ال بأس أن يضحك

وهو يؤذن أو يقيم أهـ.ــه في قــال الحافــظ: جــرى المصــنف على عادت عدم الجزم بالحكم الذي داللتــه غــير صــريحة، لكن

الذي أورده فيه يشعر بأنه يختار الجواز أهـ.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

وأوضح من هذا ترجمته: باب إذا طلقت الحــائض تعتــد بــذلك الطالق، قــال الحافــظ: كــذا بت الحكم بالمســـالة، وفيهـــا خالف قـــديم عن طـــاوس وعن خالس بن عمرو وغيرهمــا أنـه ال يقــع، ومن ثم نشـأ

سؤال من سال ابن عمر عن ذلك أهـ. قلت: ولضعف هذا المذهب، وقوة دليل من أوقعــالة ولم يلتفت ــائض بت الحكم في المس طالق الح

الى ما ورد فيها من خالف.ــتراجم ــذه ال ــد في ه ــا يزي ــاري أحيان اال أن البخــا على مذهبــه في ــتدل به ــياء يس ــتفهمة أش المس

المسالة. فمثال ترجم: باب الى أين يرفع يديــه، وقــال أبــو حميد في أصحابه رفع النبي صلى الله عليــه وســلم

حذو منكبيه. قال الحافظ: لم يجزم المصنف بالحكم كما جــزم به قبل وبعد جريا على عادته فيما إذا قــوي الخالف ؛ لكن األرجح عنــده محــاذاة المنكــبين القتصــاره على

إيراد دليله أهـ. ويلتحق بتراجم االستفهام، ما لو ترك ذكر جواب الشـرط في الترجمـة، كقولـه بــاب إذا صـلى ثم أم

67

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

قوما، قال ابن المنير: لم يذكر جواب إذا جريــا علىعادته في ترك الجزم بالحكم المختلف فيه أهـ.

وكقوله: باب إذا أسلمت المشــركة أو النصــرانية تحت الذمي أو الحربي، وقال عبد الوارث عن خالد عن عكرمة عن ابن عبــاس: إذا أســلمت النصــرانية قبــل زوجهــا بســاعة حــرمت عليــه، وقــال داود عن إبــراهيم الصــائغ: ســئل عطــاء عن امــرأة من أهــل العهــد أســلمت ثم أســلم زوجهــا في العــدة أهيــاء هي بنكـــاح جديـــد امرأتـــه؟ قـــال: ال اال أن تشـ وصداق، وقال مجاهد: إذا أسلم في العدة يتزوجهـا،

(، وقال الحسنې ۉ ۉ ۅ ۅ ۋ ۋ ٴۇوقال الله تعالى ) وقتــادة في مجوســيين أســلما: همــا على نكاحهمــا، وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى اآلخر بانت، ال سبيل

له عليها. ــرأة من ــ ــاء: ام ــ ــريج: قلت لعط ــ ــال ابن ج ــ وق المشـركين جــاءت الى المســلمين أيعــاوض زوجهــا

أنفقوا(.ې ېمنها لقوله تعالى ) قال: ال، إنما كان ذاك بين النبي صلى اللــه عليــه وسلم وبين أهل العهد، وقال مجاهــد: هــذا كلــه في صلح بين النبي صلى الله عليه وســلم وبين قــريش

أهـ.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

قال الحافظ: كذا اقتصر على ذكر النصرانية وهوــة لكــان مثال، واال فاليهودية كذلك، فلو عبر بالكتابي أشمل، وكأنــه راعى لفــظ األثــر المنقــول في ذلــك ولم يجزم بالحكم إلشكاله، بل أورد الترجمــة مــورد السؤال فقط، وقد جرت عادتــه أن دليــل الحكم إذا كان محتمال ال يجزم بالحكم، والمراد بالترجمة بيــان حكم إســالم المــرأة قبــل زوجهــا هــل تقــع الفرقــةــف بينهما بمجرد إسالمها، أو يثبت لها الخيار، أو يوقــاح واال وقعت ــتمر النك ــلم اس ــإن أس ــدة ف في الع الفرقة بينهما؟ وفيه خالف مشهور وتفاصيل يطــول شرحها، وميل البخاري الى أن الفرقــة تقــع بمجــرد

اإلسالم. -قلت: ترك البخــاري اللفــظ األشــمل وهــو أهــل الكتاب، وصار الى النصــرانية مراعــاة لألثــر، وهــذه

عادة له في التراجم. -ولم يجـزم بــالحكم لمــا في المسـالة من خالف

وتلك عادة ثانية. -وعضد الترجمة باآلثــار وهــذه عــادة ثالثــة يصــير

إلى الترجيح باآلثار. -ورابعا كشف البخــاري عن مذهبــه في المســالة

بما ساقه في الترجمة.

69

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

الصيغة الثانية: من عادة البخاري أن يترجم بمــذاهب بعض أهــلــا على ــون الترجمــة غالب ــه، وتك العلم ثم يســتدل لــذا مثال: باب من قال كذا، او باب من فعل كذا، وه النوع من التراجم دال على مذهبــه، فإنــه ال يــترجم

على هذه الطريقة اال ما يكون له دليل يأخذ به. مثال هذا: باب من سئل علمـا وهــو مشـتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل، باب من رفــعــه المجلس صوته بالعلم، باب من قعد حيث ينتهي ب ومن رأى فرجة في الحلقــة فجلس فيهــا، بــاب من جعل ألهل العلم أياما معلومــة، بــاب من بــرك على

ركبتيه عند اإلمام أو المحدث.ــاب وقد يستدل في الترجمة لهذا القول من الكت أو السنة، كقوله باب من قال إن اإليمان هو العمــل

( تعالى الله وقال عدةۆئ ۇئ ۇئ وئ وئ ەئ ەئلقول ) من أهل العلم في قولــه تعــالى لنســألنهم أجمعين:

العاملون(.ڈ ڈ ڎعن قول ال اله اال الله، وقال ) وكقوله: باب من أقــام البينــة بعــد اليمين، وقــال النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم لعــل بعضــكم الحن بحجته من بعض، وقــال طــاوس وإبــراهيم وشــريح:

البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة أهـ.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

وكذلك قوله: باب من أمــر بإنجــاز الوعــد وفعلــه (، وقضــى ابنٹ ٹ ٹ ٹالحسن وذكر إســماعيل )

األشــوع بالوعــد وذكــر ذلــك عن ســمرة بن جنــدب وقال المسور بن مخرمة: سمعت النبي صــلى اللــه عليه وسلم وذكـر صـهرا لـه قـال: »وعــدني فـوفى

لي.. «.الصيغة الثالثة:

وهي التراجم العامة، كقوله: باب أيام الجاهليــة، باب القسامة في الجاهلية، باب مبعث النــبي صــلى

الله عليه وسلم. ومثلها ما لو ذكر جواب إذا، كقوله: باب إذا زكىــه أن ــاب إذا ادعى أو قــذف فل ــاه، ب رجــل رجال كف يلتمس البينة وينطلــق لطلب البينــة، بــاب إذا شــهد شاهد أو شهود بشيء وقال آخرون مــا علمنــا ذلــك

يحكم بقول من شهد. ومثلها: تراجم كثيرة على مثال: ما جاء في كــذا، أو ما ورد في كذا، كقوله: ما قيل في شهادة الزور،

ما جاء في اإلصالح بين الناس.ــه، اال ــرجم ب والغالب أن البخاري يذهب الى ما ت في القليل النادر، ويعرف ذلك القليل بما يورده من

أحاديث في الباب، من ذلك:

71

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ترجم البخاري باب القسامة، وقــال األشــعث بن قيس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينــه، وقــال ابن أبي مليكــة: لم يقــد بهــا معاويــة،ــز الى عــدي بن أرطــاة ــد العزي وكتب عمــر ابن عب وكان أمره على البصرة في قتيل وجد عند بيت من بيوت السمانين إن وجد أصــحابه بينــة واال فال تظلم

الناس، فإن هذا ال يقضى فيه الى يوم القيامة. وذكر في البــاب حـديث سـهل بن أبي حثمــة، ثمــدالعزيز ــر بن عب ــة مــع عم ــة أبي قالب ــه بقص أتبع رحمهما الله، ومذهب البخاري مشهور بــترك الحكم بالقســامة كمــا شــرح ذلــك المهلب بن أبي صــفرة

.(1)رحمه الله-اآلثار في تراجم البخاري: 9

ــار في ــذكر بعض اآلث جــرت عــادة البخــاري أن ي بعض التراجم وذلك حينما يريد أن يقــوي مــا تــرجم به ويوضحه ويكشف عنه، وغالب ذلــك في الــتراجم التي حقهــا أن يســتفهم فيهــا، وال يبت فيهــا الحكم،

ولكنه اختار فيها رأيا عضده باآلثار.

(، وانظــر فيــه:1338)( انظر النصيح للمهلب بن أبي صفرة )ح1 شرح مذهب البخاري أنه ال يحكم بالشاهد مع اليمين وما ترجم

( باب: اليمين على المدعى عليه..1588عليه )ح

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

كقولــه: بــاب وجــوب صــالة الجماعــة، وقــال الحســن: إن منعتــه أمــه عن العشــاء في الجماعــة

شفقة لم يطعها. قال الحافظ: هكذا بت الحكم في هذه المسالة، وكأن ذلك لقوة دليلهــا عنــده، لكن أطلــق الوجــوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية، اال أن األثر الذي ذكره عن الحسن يشعر بكونه يريد أنه وجوب عين، لما عــرف من عادتــه أنــه يســتعمل اآلثــار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعيين أحــد االحتمــاالت في حديث الباب، وبهذا يجاب من اعترض عليه بأن

قول الحسن يستدل له ال به. وكقولــه: بــاب قصــاص المظلــوم إذا وجــد مــال

ې ې ۉ ۉ ۅظالمه، وقال ابن سيرين: يقاصه وقرأ )(.ې ې

قـال الحافــظ: قولــه: بــاب قصــاص المظلـوم إذا وجد مال ظالمه، أي هل يأخذ منه بقدر الذي له ولو بغير حكم حاكم؟ وهي المســالة المعروفــة بمســالة الظفر وقد جنح المصنف الى اختياره ولهذا أورد أثر

ابن سيرين على عادته في الترجيح باآلثار أهـ. وكقوله: باب من قــال المرأتــه أنت علي حــرام، وقال الحسن نيتــه وقــال أهــل العلم إذا طلــق ثالثــا

73

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

فقد حرمت عليه فسموه حرامــا بــالطالق والفــراق وليس هذا كالذي يحرم الطعام ألنه ال يقــال لطعــام الحل حرام ويقال للمطلقة حرام، وقال في الطالق

ثالثا: ال تحل له حتى تنكح زوجا غيره..الخ. قال الحافظ – وقد أحسن بيان مــذهب البخــاري من بين شراح الصــحيح ألنــه خبــير بعاداتــه -: الــذي يظهر من مذهب البخــاري أن الحــرام ينصــرف الىــن ــول الحس ــاب بق ــدر الب ــذلك ص ــل، ول ــة القائ نيــه في موضــع االختالف مهمــا البصــري، وهــذه عادتــو ــابعي فه ــحابي أو ت ــل عن ص ــه من النق ــدر ب ص اختيــاره، وحاشــا البخــاري أن يســتدل بكــون الثالث تحرم أن كل تحريم له حكم الثالث مــع ظهــور منــع الحصر، ألن الطلقة الواحدة تحرم غير المدخول بها مطلقا والبائن تحرم المدخول بها اال بعد عقد جديد،ــر ــدتها فلم ينحص ــت ع ــة إذا انقض ــذلك الرجعي وكــالتحريم أعم من ــ ا ف ــ ــ ــريم في الثالث، وأيض ــ التح التطليــق ثالثـا فكيـف يسـتدل بــاألعم على األخص؟ وممــا يؤيــد مــا اخترنــاه أوال تعقيب البخــاري البــابــول بترجمة: لم تحرم ما أحل الله لك، وساق فيه ق

ابن عباس: إذا حرم امرأته فليس بشيء أهـ.ــتراجم ــار في ال ــذكر اآلث ــا ي ــاري أحيان لكن البخ

استطرادا لوجود أدنى جامع بينهما.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

كقوله: باب فضل العمل في أيام التشريق وقال ابن عبــاس: واذكــروا اللــه في أيــام معلومــات أيــام العشر واأليام المعدودات أيام التشــريق، وكــان ابنــام ــرة يخرجــان الى الســوق في أي ــو هري عمــر وأب العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وكــبر محمــد

بن علي خلف النافلة.ــر في ــر هــذا األث فقــد اعــترض على البخــاري ذك ترجمة العمـل في أيـام التشـريق، وأجـاب الكرمـاني بــأن عادتــه أن يضــيف الى الترجمــة مــا لــه بهــا أدنى

مالبسة استطرادا أهـ.

75

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

المحور الخامس: شرط البخاري فيصحيحه

يتجه الكالم عند ذكــر شــرط البخــاري على ثالث: (1)نقاط

* الرجال الذين أخرج حديثهم. * وصفة إخراجــه لكــل واحــد منهم، على الجمــع

واألفراد.* وحال المروي عنهم.

أوال: أما الرجال الذين أخرج حديثهم: فهؤالء على نوعين: إما أن يكونوا صحابة، أو غير

ذلك.] الشرط في الصحابي [

واقع الصحيحين ال يشــترط في الصــحابي شــيئا،غير ثبوت صحبته.

]وأما من دون الصحابة من الرجال [ ــدي1 ــة، ه ــاب: شــروط األئم ــور من كت ــذا المح )( اســتفدت ه

الساري، الحطة في ذكر الصحاح الستة، تتمـة في بيـان شــرط البخاري ومسلم مطبوع في آخر تحقيقي لكتــاب: المــدخل إلى

معرفة كتاب اإلكليل للحاكم.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

فيشترط نفي الجهالة عنه، وذلــك بروايــة ثقــتينعنه على األقل.

قال الحافظ ابن حـجر: ليس في الكتاب – يريد البخــاري – حــديث أصــل من روايــة من ليس لــه إال

راو واحد قط. وكذا الحال في مسلم، فان من طعن فيه ألجــل

تفرد راو واحد عنه، ماله في األصول شئ. وقــد يخــرج هــو والبخــاري في المتابعــات أحرفــا

يسيرة لبعض هؤالء. وإنمــا شــرطا ذلــك في الــراوي: ألن تفــرد رجــل واحــد بالروايــة مــوجب لعــدم شــهرته بــالطلب، ومعرفتــه بــالعلم، وهــذا أمــر يحجم االطمئنــان من

االعتماد على ذلك الراوي. و قد ذكــر الحافــظ ابن حجــر أن الحــاكم زاد في علوم الحديث في شرط الصــحيح: أن يكــون راويــه مشــهورا بــالطلب، وهــذه الشــهرة قــدر زائــد على مطلق الشهرة التي تخرجــه من الجهالــة، واســتدل على مشــروطية الشــهرة بــالطلب بمــا أســنده عن عبد الله بن عون: ال يؤخــذ العلم إال ممن شــهد لــه

عندنا بالطلب

77

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

قال: والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلــك، إال انهمــا حيث يحصــل للحــديث طــرق كثــيرة

يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك، والله أعلم. أما في األصول:

فانهمــا لم يخرجــا إال لمن وثقــا بــه، ولكــل واحــد منهمــــــا رواة يختص بهم، هم على شــــــرطه فيــا على رواة، فهم العدالة، وثبوت الرواية، وإذا اتفق

أهل " المتفق عليه ".ــاب المــدخل وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم في كت إلى معرفة الصحيح، أن عدد من أخرج لهم البخاريــلم: ــ ــرج لهم مس ــ ــحيح، ولم يخ ــ ــامع الص ــ في الج

ــون ) ــة وثالث ــة وأربع ــدد434أربعمائ ــيخا، وع ( شــذين احتج بهم مســلم في المســند الصــحيح ولم الــاري: ســتمائة وخمســة وعشــرون ) يحتج بهم البخ

( شيخا. 625وهؤالء الثقات على نوعين:

* المقلين، ممن ليس لــــه إال الحــــديث بعــــدالحديث، كعلقمة بن وقاص.

* والمكـــثرين من األئمـــة الحفـــاظ، كـــالزهري،ونافع، وسالم، واألعمش، وقتادة، و أضرابهم.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

فمذهب الشيخين في المقلين: ــة الخطــأ، فمن االعتماد على الثقة والعدالة، وقل قوي عليه االعتماد من هؤالء فانهما يخرجان حديثه وإن انفرد به ، كحديث " األعمال بالنية "، فان يحي

تفرد به، وكذا من فوقه. ومن لم يقــو عليــه االعتمــاد، فإنمــا يخرجــان من حديثه ما شارك فيه غيره، وبين الحافــظ أن هــذا

هو األكثر في حال المقلين.وأما شرطهما في المكثرين:

فهــو اعتبــار حــال الــرواة عنهم، ألن بعض هــؤالءحديثه صحيح ثابت، وبعضه مدخول.

قال الحازمي: ــة وهذا باب فيه غموض، وطريق إيضــاحه، معرفــراتب ــ ــل، وم ــ ــرواة عن راوي األص ــ ــات الـ ــ طبق

مداركهم، ويتضح ذلك بمثال، وهو: أن تعلم أن أصـــحاب الزهـــري مثال على خمس طبقات، ولكــل طبقــة منهــا مزيــة على الــتي تليهــا، فمن كــان بالطبقــة األولى فهــو الغايــة في الصــحة، وهو مقصد البخاري، والطبقة الثانية شاركت األولى في التثبت إال أن األولى جمعت بين الحفــــــــــــظ

79

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

واإلتقان، وبين طــول لمالزمــة للزهــري، حــتى كــان منهم من يزامله في الســفر، ويالزمــه في الحضــر، والطبقـة الثانيــة لم تالزم الزهـري إال مـدة يسـيرة،ــان دون األولى، فلم تمارس حديثه، فكانوا في اإلتقــل الطبقــة األولى بيــونس وهم شرط مسلم، ثم مث بن يزيد، وعقيل بن خالد، ومالك بن أنس، وســفيان بن عيينــــة، وشــــعيب بن أبي حمــــزة، والثانيــــةــد باألوزاعي، والليث بن سعد، وعبد الرحمن بن خال

بن مسافر، وابن أبي ذئب. ــة: نحــو جعفــر بن برقــان، قــال: والطبقــة الثالث وســـفيان بن حســـين، واســـحق بن يحي الكلـــبي،ــة بن يحي ــة بن صــالح، ومعاوي ــو زمع ــة نح والرابع الصدفي، والمثنى بن الصباح، والخامســة نحــو عبــدــه األيلي، ــد الل القــدوس ابن حــبيب، والحكم بن عب

ومحمد المصلوب. فأما الطبقــة األولى: فهم شــرط البخــاري، وقــدــير يخرج من حديث الطبقة الثانية ما يعتمــده من غ

استيعاب. وأمـا مسـلم: فيخـرج أحـاديث الطبقـتين، األولىــاديث ــرج أح ــتيعاب، ويخ ــبيل االس ــة على س والثاني

الثالثة على النحو الذي يصنعه البخاري في الثانية.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

وأما الرابعة والخامسة فال يعرجان عليهما. وبين الحافظ أن البخاري غالب إخراجــه للطبقــة

الثانية تعليقا، وربما علق من الثالثة يسيرا. ــاري ومســلم، ــف البخ ــة يختل ــذه الدقيق وفي هــبر ــه يعت ــه أن ــلم في مقدمت ــر من كالم مس فيظه الثقات طبقة واحــدة، بــالرغم من اختالف مالزمتهم لمن يـــروون عنـــه، فيخرجهـــا كلهـــا أصـــال، بخالف

البخاري فإنه يقسمهم إلى طبقتين: طويل المالزمة، وقصــيرها، فيعتمــد على األولى،ل منهــا أيضــا، وإال لم يعــرج والثانيــة إن احتــاج أصــ

إليها. وأما صفة إخراجه لهم وهي الكيفية:

ــاري فلكي نحكم على إسناد أنه على شرط البخينبغي :

* أن يكــون قــد احتج بجميــع رواتــه على صــورةاالجتماع واالنفراد.

* ثم هو بعد ذلك سالم من العلة. فأما االحتجاج بالرواة، فينبغي أن تعلم أن رجــال

الصحيحين على صنفين:

81

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــد، أو ــدون قي ــه ب ــا حديث الصــنف األول: من طلبصفة معينة.

والصنف الثــاني: من خرجــاه بحالــة معينــة، كعن شيخ بعينه، أو من رواية تلميذ له به خصوصية، ومن هـــذا الصـــنف أيضـــا من رويـــا لـــه في المتابعـــات

والشواهد.أما الصنف األول:

فكشـــعبة، ويحي القطـــان، وإبـــراهيم النخعي،ــرين ، يخــرج ــة آخ ــازم، في جماع وقيس بن أبي ح الشيخان أحاديثهما على الوجه، ويتجنبــان مــا شــذوا به، أو ضعفوا فيــه، كمــا في روايــة قــوم ثقــات عن

شيوخ لهم ضعفوا فيهم.ــو في الزهــري خاصــة كســفيان بن حســين، وه ضعيف، وفي غــيره ثقــة، وروايتــه في الكتــابين عن

غير الزهري. وكهشيم في الزهري، فإنه سمع منه بمكة، زمنــوهم في الحجيج، ثم أدى ما سمع عن ظهر قلب، ف

أشياء، فتجنبا حديثه لذلك. وكصنيعهما في تجنب حديث عامة البصريين عن

ابن جريج.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

والصنف الثاني: فكما في حماد بن سلمة، فإن مســلما لم يخــرجــواهد عن ــابت، وفي الش ــول إال عن ث ــه في األص ل طائفة، وهو كانت له خصوصية بثابت، جعلت اإلمام

أحمد يقول: هو أثبت الناس في ثابت. وكخالد بن مخلد القطواني، ما أخرجا له عن غير سليمان بن بالل، وله أحاديث عن مالك وغيره، فيها بعض الزيادات، فلم يخرجا منها شيئا، إنمــا يخرجهــا

ويكثر منها مثل الدارمي في سننه. قال الزيلعي:أخرج البخاري ومسلم حديث خالــد بن مخلـــد القطـــواني عن ســـليمان بن بالل، ولم يخرجا حديثه عن عبــد اللــه بن المثــنى، فــإن خالــدا غير معروف بالرواية عن ابن المثنى، فإذا قال قائل في حــديث يرويــه خالــد بن مخلــد عن ابن المثــنى: هذا على شرط البخاري ومسلم، كان متساهال أهـ.

إذا ليس كــل إســناد رجالــه في الكتــابين يكــونــذلك، ينبغي أن على شرطهما، ولكي يتجــه الحكم ب تنظر، هل خرجــا لهــذا الــراوي عن هــذا الشــيخ؟ أم

أنهما ما خرجاه إال بصفة معينة؟.ــد عن ــد بن مخل ــو رأيت إســنادا، رســمه: خال فل مالــك ، وهمــا موجــودان في الكتــابين، فال يصــح أن

83

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

تحكم بكونه على شرطهما، ألن خالدا خصت صورة إخراجــه عنــدهما عن ســليمان بن بالل، لكن إســناد

آخر: هو قتيبة عن مالك، فهذا على شرطهما. قال ابن الصالح رحمه الله:

إن الحكم على رجــل انــه من شــرط الصــحيحين بمجــرد أن خرجــا لــه خطــأ، بــل ذلــك يتوقــف على النظر في أنه كيــف روى عنــه، وعلى أي وجــه روى

عنه. ــوهم على بعض ــه ال وهذا باب مهم، يقع من جهت

الحفاظ. ومن هذا البــاب وقــع الحــاكم في تجـــاوزات في مستـــــــدركه، فتعقب في كثــــــير من أحكامــــــه

واستدراكاته. وهذا الحافظ عبــد المــؤمن بن خلــف الــدمياطي قــال عن حــديث: على رســم الصــحيح، ألن ســويدا احتج به مسلم، وعبد الرحمن بن أبي الموالي احتج

به البخاري!فتعقبه الحافظ في النكت ، وقال:

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــه في ــا بروايت ــناد محتج ــون اإلس ــزم من ك ال يل الصحيح أن يكون الحديث الــذي يــروى بــه صــحيحا،

لما يطرأ عليه من العلل.. ومن هــذا القســم من أخرجــا حديثــه مقرونــاــال عن بغيره، كعاصم بن بهدلة، شيخ القراء، فال يق سند هو فيه منفــردا على رســم الصــحيحين، ألنهمــا

قرناه بغيره. فهذا معــنى قولنــا: أن يكونــا احتجــا برواتــه على

صورة االجتماع. وأما السالمة من العلة:

فاحتراز من الحافظ ابن حجر رحمه الله عما إذاــاع، إال أن كانا احتجا بجميع رواته على صورة االجتم

فيهم من وصف بالتدليس أو االختالط، قال: ــا من فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجــه مســموع رواية المدلسين بالعنعنة، إال ما تحققا أن لهم من جهة أخــرى، وكــذا حــديث المختلطين ممن سمع منهم بعد االختالط إال ما تحققا أنه من صــحيحــذلك لم يجــز ــان ك ــإن ك ــل االختالط، ف ــديثهم قب حــيخ الحكم للحديث الذي فيه مدلس قد عنعنه، أو شــرطهما، سمع ممن اختلط بعد اختالطه،بأنه على ش وإن كانا قد أخرجا ذلك اإلســناد بعينــه، إال إذا صــرح

85

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

المدلس من جهة أخرى بالسماع، وصح أن الراويسمع من شيخه قبل اختـالطـه..

ومن هذا الباب - أيضا – يقع الحــاكم في أوهــامكثيرة في مستدركه على الشيخين.

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

المحور السادس: مميزات صحيحالبخاري على غيره من كتب السنة

-اقتصاره على الصحيح.1 فقد قــال العلمــاء إنــه أول مصــنف في الصــحيح المجرد، قال أبو عبدالله الحــاكم )في المــدخل إلى

(: وأول من صنف الصحيح: أبــو عبــد63اإلكليل ص الله محمد بن إســماعيل الجعفي البخــاري، ثم أبــو الحسين مسلم بن الحجاج القشــيري النيســابوري

اهـ. قــال النــووي: أول مصــنف في الصــحيح المجــرد صحيح البخاري، ثم مســلم، وهمــا أصــح الكتب بعــد

.(1)القرآن، والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد أهـ هكذا قيد بالمجرد ليخرج من الخالف في أسبقية

اإلمام مالك في الموطأ.-التراجم الفقهية.2 -كونه جامعا، وليس مقتصرا على الســنن وقــد3

يشاركه في ذلك تلميذه الترمذي.

ــاري ص1 ــدي السـ ــع : هـ ــالح12)( راجـ ، والنكت على ابن الصـ. 64-63، وحاشية المدخل إلى كتاب اإلكليل ص1/278

87

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

- قال الــذهبي: وهــو أعلى الكتب الســتة ســندا4 إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شــئ كثــير من االحاديث، وذلــك الن أبــا عبــد اللــه أســن الجماعــة، وأقدمهم لقيا للكبار، أخذ عن جماعــة يــروي االئمــة

.(1)الخمسة عن رجل عنهم

. 12/400)( السير 1

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

المحور السابع: مدائح صحيح البخاري

:(1)نقل الذهبي عن بعضهم قوله صحيح البخاري لــو أنصــفوه * لمــا خــط إال بمــاء

الذهب هــو الفــرق بين الهــدى والعمى * هــو الســد بين

الفتى والعطب أسانيد مثل نجــوم الســماء * أمــام متــون كمثــل

الشهب به قام ميزان دين الرسول * ودان به العجم بعد

العرب حجاب من النار ال شك فيــه * تمــيز بين الرضــى

والغضب وستر رقيق إلى المصطفى * ونص مبين لكشف

الريب ــه في فيا عالما أجمع العالمون * على فضل رتبت

الريب . 12/471)( السير 1

ــاريخ وهي لألديب أبي عامر الفضل بن اســماعيل الجرجــاني )ت(.52/74دمشق

89

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــزت على رغمهم سبقت االئمة فيما جمعت * وفبالقصب

نفيت الضــعيف من النــاقلين * ومن كــان متهمــابالكذب

وأبرزت في حسن ترتيبه * وتبويبه عجبا للعجب فأعطاك موالك ما تشتهيه * وأجزل حظــك فيمــا

وهب

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ومما ذكر الشيخ صــديق حســن خــان من مــدائحفي صحيح البخاري:

) حــدث وشـنف بالحـديث مسـامعي ** فحـديثمن أهوى حلى مسامعي (

) لله ما أحلى مكرره الذي ** يحلو ويعــذب فيمذاق السامع (

ــل ــه ** وبلغت كـ ــذي أملتـ ــماعه نلت الـ ) بسـمطالبي ومسامعي (

ــير ) وطلعت في أفق السعادة صاعدا ** في خأوقات وأسعد طالع (

ــه ) ولقد هديت لغاية القصد التي ** صــحت أدلتبغير ممانع (

) وسمعت نصا للحديث معرفــا ** ممــا تضــمنهكتاب الجامع (

) وهـــو الـــذي يتلى إذا خطب عـــرى ** فـــتراهللمحذور أعظمم دافع (

) كم من يد بيضــاء حواهــا طرســه ** تــوى إلىطرق العلى بأصابع (

91

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــا كــل ) وإذا بدا بالليل أسود نقشه ** يجلو علينبدر ساطع (

) ملك القلوب به حديث نافع ** مما رواه مالكعن نافع (

) في سادة ما إن سمعت بمثلهم ** من مسمععالي السماع وسامع (

) وقراءة القاري لــه ألفاظــه ** تغريــدها يــزريبسجع الساجع (

وللشيخ العالمــة عالء الــدين بن أيبــك الدمشــقي رحمه الله تعالى قصيدة في مدح الصــحيح ومؤلفــه قرأها عند ختمه وقد اعتيد قراءتها عند ختم صــحيح

البخاري وهي هذه القصيدة: ) هذا البخاري بحمد الله قد ختما ** وليس فيــه

حديث واحد كتما ( ) لكن قرأنـــاه أبوابـــا مبوبـــة ** مملـــوءة أدبـــا

موفورة حكما ( ) وقد قرعنا به األسماع فانفتحت ** من بعد ما

ملئت من قبله صمما (

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــائرنا ** للحـــق ) وأصـــبحت كـــل عين من بصـمبصرة ليس تخاف عما (

) هـذا الكتــاب الــذي مــا شــاب قوتــه ** ضـعفوصحته ما تعرف السقما (

) هــذا الكتــاب الــذي نرجــو الشــفاء بــه ** هــذاالكتاب به نستدفع األلما (

) هذا الكتاب الذي فيه الدواء لنا ** هذا الكتابالذي للداء قد حسما (

) هذا الكتاب الذي قد جــاء جــوهرة ** غلت لــهقيمة لما علت قيما (

) من روضة كان فيهــا الشــيخ ألفــه ** هبت لــهنسمة قد أحيت النسما (

ــير وال ** يحلــو مكــرره إال ) ال يستلذ به إال الخبلمن فهما (

)كم قد كشفنا بــه من كربــة عظمت ** كم قــدطرحنا به من حادث هجما(

) كأن أسطره من عنبر رقمت ** كــأن ألفاظــهزهر قد ابتسما (

93

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

) ما للبخاري نظير في جاللتــه ** ومثلــه حافــظما أمسك القلما (

الصحيح الحسد تأليف في البخاري اإلمام منهج

منامات: قال محمد بن ابي حــاتم الــوراق: ســمعت النجمــه ــه علي ــبي صــلى الل ــول: رأيت الن بن الفضــيل يق وسلم في النوم، كأنه يمشي، ومحمد بن إســماعيل يمشــي خلفــه، فكلمــا رفــع النــبي صـلى اللــه عليــه وسلم قدمه، وضــع محمــد بن إســماعيل قدمــه في المكــان الــذي رفــع النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم

.(1)قدمه محمــد بن أحمــد المــروزي، ســمعت أبــا زيــد المـــروزي الفقيـــه يقـــول: كنت نائمـــا بين الـــركن والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقــالــافعي، وال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الش تدرس كتابي؟ فقلت: يا رســول اللــه، ومــا كتابــك؟

. (2)قال: " جامع " محمد بن إسماعيل وروى الخطيب بإسناده عن الفربري، قال: رأيت النبي صلى الله عليــه وســلم في النــوم، فقــال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري،

.(3)فقال: اقرأه مني السالم /ـ 2 ، تـاريخ بغـداد 12/405)( السـير 1 ، وتهـذيب االسـماء10

.1 / 68 / 1واللغات . 12/438)( السير 2. 2/10)( تاريخ بغداد 3

95

الصحيح تأليف في البخاري اإلمام منهج

ــاني: ــد بن مكي الجرجـ وقـــال محمـــد بن محمـــول: ــي يق ــد بن آدم الطواويس ــد الواح ــمعت عب س رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النــوم، ومعــهــع، ــف في موضـ ــو واقـ ــحابه، وهـ ــة من أصـ جماعـ فسلمت عليه، فرد علي السالم، فقلت: ما وقوفــك يــا رســول اللـه؟ قــال: أنتظــر محمــد بن إســماعيل البخاري، فلما كان بعد أيــام بلغــني موتــه، فنظــرت فإذا قد مــات في الســاعة الــتي رأيت النــبي صــلى

. (1)الله عليه وسلم فيها هذا والله أعلم، وصــلى اللــه علي ســيدنا محمــد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخــر دعوانــا أن الحمــد

لله رب العالمين..

.12/468)( السير 1