1

محمود المسعدي/ .. حدث أبو ھریرة قال

)موقعھا من مسیرة أبي ھریرة وأبعادھا الفكریة والوجودیة( التجربة الحسیة

كانت تجربة الحس أول ما عاش أبو ھریرة من التجارب فھي منطلق المغامرة

ة الوجودیة وبدایة رحلة الكشف عن الذات والكیان ولیس في ذلك من غرابة ألن أبا ھریر

وھو العھد الذي " من عمره في مطلع الفجر"قد أقبل على تلك التجربة وھو في عھد الفتوة

یطغى فیھ الدم " تتفتح فیھ الحواس وتحتد وتطغى على النفس وتجمح وھو العھد الذي

والمرأة التي استفرغت من أبي ھریرة حواسھ واستنفذت منھ الھوى حتى " ویفیض الماء

إنما ھي ریحانة وقد ال نفھم حقیقة مغامرتھ " أعجز الناس عن الحب"صار إلى آخر حیاتھ

مع ریحانة ما لم نعرف ما كان موقع أبي ھریرة من الحس والجسد قبل أن یتعرف على

كان أبو ھریرة فیما یبدو من كالمھ على نفسھ من غیر المحظوظین لدى .ھذه الجاریة

من أقبح خلق اهللا صورة وإلى " واحدة وكانتالنساء إذ لم تقبل علیھ في شبابھ منھن إال

ثم یبدو أنھ قد تزوج باكرا ولعلھ التمس في الزواج عزاء عن خیبتھ " ذلك صماء بكماء

وظل أبو . وأنجب بنتا ھي مریم وقد ماتت صغیرة فیما روى لنا في حدیث البعث اآلخر

ن یعیش في كنف الشرع ھریرة قانعا من الحب بما یتیحھ الزواج وھو حب ھادئ مطمئ

والتقالید االجتماعیة وقیم األخالق السائدة ولم یعرف في ھذا الزواج لذعة الجنس حتى

جاءه ذات یوم صدیق لھ فصرفھ عن دنیاه كلھا وقاده إلى دنیا كانت محجوبة عن عینھ

فكشف لھ عما كان یجھل من معاني الحب ومن لذة الجسد وأول ما انكشف لھ في ھذه

الجسد البشري وقد انخلع من اللباس وكأنما قد انعتق من كل ثم الرمال جمالیا الجدیدة الدن

ما یرمز إلیھ اللباس من قیود فرضتھا علیھ الحضارة والتقالید وإذا الجسد یتبرج حرا طلیقا

موصول من ناحیة د وھذا الجس. في جمال تناسبھ ورشاقة حركاتھ یھتز رقصا موقعا

ب من غناء یھزه ھزا ومن لحن یحركھ تحریكا فیبعثھ على السرور والحبور بدنیا الطر

واالنتشاء بنفسھ وھو موصول بدنیا الطبیعة ، الطبیعة األولى قبل أن تھذبھا الحضارة

2

تھذیبا كاد أن یذھب بمعناھا ، الطبیعة البكر كما كانت في بدء الخلیقة ولھا من الفردوس

في د یبھ ومن صفاء السماء ومن نعومة الرمال بل و یكاد الجسمالمح من رقة الھواء وط

ھذا اإلطار من الطبیعة یفنى فناء فإذا ھو في رقة الھواء حینا وفي شفافیة السماء حینا آخر

من الطبیعة دھذا الجس.وإذا ھو لسان من الرمل قائم أو ھو كالشعاع یندمج في نور الفجر

من ) ویطرد( كما قد كان قبل أن یخرج اإلنسان فھو نقاوة. وإلیھا في طھرھا األصلي

الجنة ، نقاوة قبل أن یكون اإلثم وتكون المعصیة ھو من اإلنسان زینة ال عورة وجمال ال

مثال أعلى فوق كل المثل أو قیمة فضلى أسمى دوعلى ھذا النحو قد انتصب الجس. سوءة

.من كل القیم ھو حقیقة الوجود فیھ ینحصر المعنى

ما انكشف ألبي ھریرة في ذلك الیوم فحول مجرى حیاتھ بعد تردد قلیل وإذا ھو ھذا

ینبذ العبادة وما یتصل بالعبادة من القیم التي قامت علیھا حیاتھ إلى ذلك الحد وإذا ھو یھجر

ویدخل .زوجتھ وما یتصل بالزوجة من معنى الحب المھذب المأنوس العفیف إلى الجسد

سلسلة من المغامرات یلتمس " دعوة الدنیا "ن سابق حیاتھ ولبى وقد تخلص م ةأبو ھریر

فیھا أنواعا من اللذة تشبع ما في نفسھ من نھم حسي ولعلھ في ھذه الفترة من مسیرتھ قد

وقد صار أبو ھریرة صاحب حبابة تعرف في من تعرف علیھن من القیان والجواري على

وتم التعارف بینھما في ریحانة ان اللقاء بینھ وبین افتنان في االستمتاع بجسد األنثى ثم ك

و ریحانة ھي المرأة الجسد ھي سلیلة أساف ونائلة . الخمر وفي الجنس فورا وبال مقدمات

ھي طبع نار بركاني ھي فلسفة في الحیاة جعلت الحس قطب الوجود إلیھ یرجع كل شيء

المرء یدور في ھذا العالم أو في ھذه ھو البدایة وھو النھایة ھو المنطلق وھو الغایة و

الحدود وال یبرحھا إال تخلى عن الحیاة وتخلى عن أصدق ما في الحیاة وإذا ما قلنا إن

ریحانة ھي المرأة الجسد فال ینبغي أن یفھم من ھذا أن ریحانة مادیة بالمعنى المبتذل فقد

ویختلي أبو ھریرة بریحانة ). روحانیة الجسد(مع ریحانة شيء كالروحانیة دصار للجس

. ویعاشرھا مدة ثالث سنوات سائحا في عالم الحس یسبر أغواره ویستمتع بأصناف ملذاتھ

3

. ھي من أغرب ما أتیح ألبي ھریرة أن یجرب في تلك المرحلة :تجربة العلة

لة یمرض الناس فیطلبون الشفاء ویطلبون مع الشفاء الحیاة وكاد أبو ھریرة أن یختار الع

ولطالما كان یتمنى قبل . وكان قد أصاب في مرضھ ما لم یتسن لھ أن یصیب في صحتھ

أن یعتل أن یعیش وكأنھ معلق بین السماء واألرض فإذا ھو یبلغ تلك الحال وقد اشتدت بھ

علتھ فقد زالت عنھ كثافة الصحة وكثافة اللحم فرق جسده من الھزال وشف حتى صار أبو

كأنما یجري مع روحھ في دمھ یتتبعھا وھي تتردد داخلھ فوجد في ذلك لذة ووجد ھریرة

" في ذلك حسنا وأغرب من ھذا أنھ قد استكمل بذلك حیاتھ وقد كانت فیما یدعي ناقصة

آلمني أن یكون نصف متاع الدنیا في حال ال یصیبھا اإلنسان إال حینا بعد حین ، إذا سلم

الحیاة بل وصار من محییات الحیاة ألن أبا ھریرة كمالالمرض فصار".من كثافة الصحة

قد وجد في ذلك المرض سببا بعثھ إلى مزید من الحیاة وإلى خصب فیھا وھذا معناه في

إذا فأبو ھریرة قد أتاح لھ المرض أن یغوص في نفسھ وأن ."كأن قرب الفناء خالق" قولھ

تجربة شاذة تدل : ھ أو كان اللحم یحجبھا عنھ یعرف منھا أشیاء كانت الصحة تخفیھا عن

عند أبي ھریرة على فضول عجیب ویقظة لكل ما یحدث لھ فیؤثر في نفسھ ویؤثر في

.جسمھ ویؤثر في حواسھ

أبا ھریرة ما لم یعلم من معنى الحس فكانت تطعمھ من نفسھا كما ریحانة علمت

المشروبات وبغیتھا من ذلك أن یفنى كانت تطعمھ من طیب المأكوالت وتسقیھ من طیب

أبو ھریرة في اللذة فیصیب لحظات من األبد تخرجھ عن حد الزمان وعن حد الدھر

فكانت تتصور لھ في صورة الجنة أقام فیھا ینعم كأھل الفرادیس حتى خیل إلیھ أنھ قد

یھ اللذة وذھب بالخلد اھتدى إلى حقیقة الوجود فاطمأن واستقر ولكن شیئا ما قد أفسد عل

وأخذت ھذه . وھو شعوره بمرور الزمان وانسیاقھ معھ شیئا فشیئا إلى نھایة محتومة

الفكرة تستبد بھ وتطغى على روحھ حتى انتفى عن اللذة صفاؤھا فتكدرت وأیقن أبو

ال تستطیع أن تقھر فكرة الموت وأن اإلنسان إذا ما ركن إلى دھریرة أن ملذات الجس

4

كان اومن ھاھن. اللذات فإنما یكون ذلك منھ جبنا وھروبا وتلھیا عن مقتضیات المصیر

غیره قد . ذلك الجوع أو كان ذلك الشوق إلى ما لم یجده في الحس ولم یجده في ریحانة

. یرضى ویقنع ویستسلم وال یزال لریحانة فتنة وال یزال لریحانة سلطان على النفوس

ھذا من شیمھ باعتباره بطال مأسویا دأبھ أن ال یخدع نفسھ وأال ینخدع و -ولكن أبا ھریرة

ریحانة مصارعا في نفسھ حبھا فمطلبھ أسمى من أن یرضخ یھجر-في طلب حقیقة وجوده

ویخیل إلینا أن أبا ھریرة قد فرغ من تجربة حواسھ ومن . وقد أدرك منھ حدودهد للجس

مخنثین فھذا دلیل منھ أنھ قد صار منذ زمان ال یعبأ اختبار جسده وإذا ھو ینطلق مع أحد ال

باألخالق الموروثة ودلیل منھ على أنھ ماض في بحثھ إلى أقصى الحدود لیتحقق من

فذھابھ مع ھذا المخنث ینم عن شدة الطلب والحرص على المعرفة . األمور ولیتیقن منھا

ج وال یقیده في ذلك قید ما فكما أن صارت قیمة مطلقة ال یتورع طالبھا وال یتحر التي

قد كان مثال فوق المثل وقیمة فوق القیم حین ظن أبو ھریرة أنھ الحقیقة فكذلك دالجس

المخنث قد الح في صورة حقیقة محتملة فإذا ھو یقبل علیھا ویختبرھا كما اختبر جسد

ھو فیھ حاضر متى ولن یموت الحس عند أبي ھریرة بعد ھذه التجربة وإنما . ریحانة

.التمسھ وسیلتمسھ في حدیث الغیبة

جرب أبو ھریرة في ھذه المرحلة من كیانھ اإلنساني بعده الحسي المتمثل في

وإلى الحس وسیلتمس بعد ھذه التجربة دالجسد واستبان لھ أن كیانھ ال یرد كلھ إلى الجس

لروحي ثم أبعادا أخرى وھكذا باسترسال أبعادا أخرى ھي أوال البعد االجتماعي ثم البعد ا

إلى روح ومن دوشأنھ في كل ھذه التجارب التقلب بین المتناقضات من جس. إلى النھایة

فردیة إلى جماعیة ومن عقل إلى جنون و شأنھ كذلك االضطراب من أول مرحلة إلى آخر

انیتھ ونسبیتھ ویذوب في مرحلة تنتھي فیھا التناقضات كلھا فإذا أبو ھریرة یفقد بذلك إنس

.المطلق ویتالشى

5

تجربة العدد وخلفیتھا الفكریة

إن أبا ھریرة بعد أن تلمس من ذاتھ أبعادھا الحسیة في حال العلة وحال الصحة

غایتھ وأدرك د وذاق من فنون اللذة ما یتیحھ الطعام والشراب والجنس وبلغ من الجس

أو الجماعیة وكان یحركھ إلى ذلك منذ الصبا شوق حدوده أخذ یتلمس أبعاده االجتماعیة

بل كان یقول في ساعات " ود ینزع بھ إلى مالبسة الناس والتشبھ بھم"إلى الغیر و

إنما بھذا األنس وبھذه األلفة صور اهللا اإلنس إنسا ومتعة " انشراحھ بالدنیا

ثم . سا لھ في الحیاة كان أبو ھریرة ألوفا یحن إلى صدیق وكان یرى في اإلنسان أنی

إنھ في طور من أطوار رحلتھ وقد استقل بذاتھ وانفرد عن الناس جمیعا بل وعن أحبھم

وبینما كان ینعم بانفراده أحس في نفسھ الشوق إلى الناس یشتد وشعر ) ریحانة(إلى نفسھ

قبل على أحیاء بالحاجة إلیھم علھ یجد في عشرتھم ما یمأل بھ كیانھ فتكتمل إنسانیتھ فأ

العرب لیجرب معھم تجربة العشرة وفیھا تجربة العمل البناء والفعل الذي یرتقي بھ

اإلنسان إلى قمة إنسانیتھ فیقاوم في نفسھ أسباب الموت و یشید صروحا تثبت للزمان

وھذه التجربة تجربة مزدوجة اجتماعیة على وجھ ، ما ورائیة على وجھ . وتنفي العدم

د أراد أبو ھریرة أن یبدل من حیاة أحیاء العرب بإخراج الناس ــ وقد قست علیھم فلق. آخر

الطبیعة قسوة شدیدة ــ من حال المجاعة إلى حال الرخاء وأراد أن یخرجھم ــ وقد استبد

بھم ملوكھم وأمراؤھم ــ من حال االستكانة والضعف إلى حال التمرد والبأس

) استسالم(الناس فساد بالطبع وفؤوس خراب ووھن وإسالم وأخفق في مسعاه ألن.والشدة

.ھذه خالصة تجربة أبي ھریرة في بعدھا االجتماعي .

أما خالصة تجربتھ من الوجھة الماورائیة فھي أن أبا ھریرة كان یرید من أحیاء

) رمز للجھد(العرب أن تتآلف وتتعاون على تغییر مصیر اإلنسان إطالقا بإقامة صرح

.لد اإلنسان وذكراه یخ

6

كان أبو ھریرة یلتمس في الجماعة قوة تساعده على التصدي للقضاء والتغلب علیھ

وفیتحرر اإلنسان من عبودیة الموت فأخفق ألن الناس ذئاب تتآكل فیفني بعضھم بعضا

ولكن ألن الناس قد غلبوا الموت على الحیاة بل صاروا أداة لإلبادة وآلة للقتل والتدمیر

ینبغي أن ننفذ إلى ما وراء القصة من فلسفة باطنة فالمسعدي في الحقیقة ال یصور لنا

وإنما ھو یعبر باألحداث واألشخاص وقائع قد وقعت فعال وال یصور أحداثا حدثت حقا

األشخاص واألحداث خیاالت وأشباح . )الفرد وعالقتھ بالجماعة( عن معاني فلسفیة

ولنفھم ھذه الخلفیة الفكریة التي انطلق منھا المسعدي لیطرح قضیة . أفكار تتحرك وراءھا

كان أبو ھریرة .الجماعة ینبغي أن نتساءل عن موقع أبي ھریرة من الجماعة قبل التجربة

قبل أن یبعث منتظما في مجتمع یعیش على تقالیده آمنا مطمئنا حتى كان البعث وإذا ھو

ابط التي كانت تشده إلى ذلك المجتمع وإذا ھو قد انفصل عنھ یتخلص شیئا فشیئا من الرو

وحین أقبل . روحا وفكرا واستقل عنھ بذاتھ المفردة وصار معھ في خالف فكري عقائدي

على أحیاء العرب یلتمس فیھم ما یلتمس أراد أن یؤسس عالقتھ مع المجموعة على أسس

الواقع االجتماعي ( تغییر الواقع جدیدة ھي أسس الوعي بالواقع وأسس الوعي بوجوب

أراد أن ,وھو قد أراد في الحقیقة أن یدمج المجموعة في ذاتھ ال أن یندمج فیھا ) والوجودي

فأبو ھریرة من الجماعة بمثابة : یرفع المجموعة ویرتقي بھا إلى درجتھ و ھاھنا المشكلة

اربھ والجماعة قطیع ضال في النبي قد أوحي إلیھ و تنزلت علیھ الحقائق أو أفادھا من تج

في ھذا التقابل بین الفرد الممتاز و.حاجة إلى من یأخذ بیده ویقوده حیث الخیر والصالح

والجماعة الغافلة المنحطة تتجسم نزعة فلسفیة جعلت الفرد محور التاریخ ، مصدر

عث فیب دالحركة الفرد الممتاز ھو الروح والجماعة ھي الجسد والروح تنفخ في الجس

والفرد الممتاز نبتة صالحة أما الجماعة فجذوع نخل خاویة والفرد ھو العمل والجھد

.والجماعة ساعد مقطوعة یده

7

كما تجسمت عند نیتشة خاصة ھي حقیقة النص ولبھ وخالصتھ " اإلنسانیة "الفلسفة

ال في عھد )مقدمة السد(إذ المسعدي مازال في ھذا الطور من حیاتھ في عھد انفراد وتأمل

عشرة وعمل فھو ال یقص علینا تجربة حقیقیة وإنما یسوق مقالة فلسفیة اقتبسھا من بعض

:مفكري الغرب ــ وأوجھ االعتراض على ھذه الفلسفة

ھو أن ھذه المقابلة بین الفرد والجماعة عالقة یكذبھا الواقع ألن اإلنسان ھو -1

عة المجتمع ، صنیعة الجماعة فیما ینشأ علیھ أوال مجتمع قبل أن یكون فردا اإلنسان صنی

من األفكار والعقائد واألخالق وھو یتغیر بتغیر المجتمع والفرد الممتاز في مجتمع ما ھو

صورة حتى في عبقریتھ من ذلك المجتمع أو من قسم منھ وما یحكیھ المسعدي عن أبي

یة تجاوز شخصیة أبي ھریرة ما ھي خاصإنھریرة ویجعلھ خاصیة ممیزة لھ في فردیتھ

وتتسع لطوائف من المجتمع وبعبارة أخرى فقد عوض المسعدي الجدلیة االجتماعیة بھذا

النوع من التضارب المطلق بین الفرد الممتاز من ناحیة والجماعة البلھاء من ناحیة أخرى

د الوجھ اآلخر من االعتراض عل ھذه المقولة اإلنسانیة التي تتعلق بالفر -2

والجماعة ھو أن الفرد بلغ ما بلغ من النبوغ ال یستطیع أن یغیر بمفرده من الواقع شیئا وال

یستطیع أن یغیر الواقع كما یشاء ألن الذي یغیر الواقع والذي یفرض نوع التغییر إنما ھو

وقصة خیبة أبي ھریرة مع أحیاء العرب .المجتمع وما یعتمل فیھ من التفاعل بین أقسامھ

ھي قصة خیبة ھذه الفلسفة التي عوضت المحرك الحقیقي للمجتمعات في تاریخھا وھو

تلك مأساة أبي ھریرة وتلك مأساة المسعدي ومأساة بعض المثقفین . الجدل بالفرد الممتاز

.من أمثال المسعدي في تلك الفترة من الزمان

" قد جعلت للناس والوجھ الثالث من االعتراض على ھذه الفلسفة ھو أنھا -3

.، جعلت البشر جوھرا سرمدیا تتعرض أعراضھ وھو باق ال یتغیر " طبیعة ال تتغیر

ووجھ االعتراض الرابع ھو أن ھذه الفلسفة قد اتخذت من بعض األعراض التي -4

فما ھو من ظروف . تالبس الجماعات في طور من أطوار تاریخھا جوھرا لھا وحقیقة

8

لقد جعل اإلنسانیون . تكانة أو التقاتل یولد مع التاریخ ویزول معھ التاریخ كالضعف واالس

منشأ مأساة أبي . من ھذه الظروف واألحوال حقائق باقیة یعرف بھا الناس ویوصفون بھا

اعتقد أن الضعف في الجماعة لیس ناشئا عن ظروف وإنما ھھو أن) والمسعدي( ھریرة

االستكانة واالستسالم بمقتضى الطبیعة ولذلك فال وأن الجماعة تتصف ب. )طبع(ھو جبلة

ویبقى الفرد الممتاز أبو ھریرة متألما لذلك منحبسا في ذاتھ . خیر یرجى منھا وال صالح

محصورا في فردیتھ وتنبت الصلة بینھ وبین الجماعة ولم یعد لھ عطف على اإلنسان قط

بعد ذلك من أن تختم مسیرة أبي ھریرة ویفقد ركنا من ذاتھ كان یظنھ صحیحا وال نعجب

. بتعلیق وھو أن ھذه التجربة كانت أول انحدار أبي ھریرة إلى نحبھ

)حدیث الغیبة تطلب فال تدرك( أو تجربة اإلیمان روحجربة الت

تقع ھذه التجربة من نظام القصة بعد تجربة الحس وتجربة الجماعة فھل ذلك ھو

؟ ھذا أمر ال یمكن معرفتھ على وجھ الیقین النعدام العالمات موقعھا من زمان األحداث

التي قد تساعد على تنزیل ھذه التجربة في محلھا الحقیقي وعلى كل یمكن ظنا وتخمینا أن

نعتبرھا ثالث التجارب الوجودیة التي خاضھا أبو ھریرة طوال مسیرتھ ال سیما وحال

م شدید ولعل خیبتھ في تجربة الجماعة كانت سببا أبي ھریرة لما دخل دیر العذارى في تأز

.لذلك

ونحن ال " ممن ذھب إیمانھ فحلت حیرتھ " كان أبو ھریرة في بدایة اختباره للغیبة

ولربما تم ذلك تدریجیا وشیئا فشیئا . ندري بالضبط متى كف أبو ھریرة عن اإلیمان باهللا

ناك من اإلشارات المتعددة إلى ذلك فلقد كان في ھنا وھ روایةإذا ما راعینا ما ورد في ال

وفي " یستغربھ و یستغمضھ " شبابھ یطوف بالكعبة كل یوم ویقف على الحجر األسود

ذلك دلیل على أن شیئا من التساؤل في حقیقة الدین أو في بعض مظاھر العبادة قد انتاب

" ي مطلع الفجر من عمره ف" وكان أبو ھریرة . أبا ھریرة في عھد مبكر من حیاتھ

)حدیث الھول" (یصلي فكأنما یلھو ویدعو فكأنما یغني " و یقضي مناسك الحج

9

بحیث ال نعلم إذا ما أقام أبو ھریرة شعائر دینھ أكان جادا فیھا أم ھازال ثم كان

إلى الصالة للشمس یفیض , البعث فإذا ھو ینصرف عن الصالة هللا إلى الصالة لألوثان

ویبدو أن أبا ھریرة قد . وتنتشي الحواس د رھا على الكون ، صالة جاھلیة یلذ منھا الجسنو

حدیث " (قضاء منذ سنین " انقطع عن أداء الفرائض من ذلك الحین فصارت علیھ صالتھ

یقیم ألساف ونائلة الطقوس ) كل ما یعبد من دون اهللا(وانھمك في عبادة الطاغوت ) القیامة

لنار الجنس فیھ وإذا صح أن حدیث الحق والباطل ھو من أحادیث البدایة والشعائر إذكاء

منذ الطور األول من القصة وأضرب عن الصالة " فقد السماء " یكون أبو ھریرة قد

وبعد .إطالقا وقد صارت عنده بال معنى كالحیاة كلھا إلطالل العبث علیھ من كل ناحیة

موضوع فالذي الشك فیھ أن أبا ھریرة لما ارتقى إلى الدیر فمھما كان من األمر في ھذا ال

قد كان خالي النفس من اهللا

و كان في لج الحیرة ال یكاد یتماسك إذا مشى كالذي تثقل كاھلھ أعباء ناء بحملھا

فھو فار من الحیاة ومن نفسھ لعجزه عن حل معضالتھا فالذ بالدیر یعتصم بالرھبنة لعلھ

ا ینجیھ من حیرتھ فیبلغ سكینة النفس ویخلصھ من عذاب الدنیا ویبلغھ إلى یجد فیھا م

وإذا أبو ھریرة عائد إلى العبادة بعد االنصراف عنھا راجع إلى . أقصى درجات السعادة

ألن أبا " ردة " و لكن لیست عودتھ تلك وال رجوعھ ذاك مجرد .اإلیمان بعد المروق منھ

ربة الغیبة أن یستعید سالف إیمانھ كما كان وھو اإلیمان الذي ھریرة ما كان یلتمس من تج

تلقاه عن بیئتھ بالوراثة والتنشئة وقد كان إیمانا ساذجا دعائمھ الشعائر والمناسك ولیست

فقد مضى على أبي ھریرة عھد الغرة بعد أن انفتحت . من اإلیمان إال كاألشكال والمراسم

تمام الوعي واضطلع بمسؤولیة مصیره فإنھ لیقتحم ھذه بصیرتھ على الدنیا ووعى وجوده

التجربة الجدیدة بكل شكوكھ یذكیھا في نفسھ وال یبیدھا وبكامل وعیھ حتى تكون التجربة

أ أنا خالق اهللا أم اهللا ""اهللا أم الشیطان " تجربة فاصلة تثبت وجود اهللا قطعا أو تنفیھ

وإما ال إیمان فارتداد إلى الحیرة و إیقان . ذات اهللا إما إیمان فاطمئنان ففناء في ." خالقي؟

10

ویقبل أبو ھریرة على التجربة بكل جد .بأن اإلنسان وحده في الكون ال إلھ معھ أو فوقھ

ویصوم عن د وبكل صدق كشأنھ في كل التجارب ویمعن في العبادة فیعذب من نفسھ الجس

لظالم وھو ینتظر ربھ أن یبرز لھ ثم یخرج فإذا الطعام والشراب ویقیم في خلوتھ یكتنفھ ا

وال یقنع أبو ھریرة بھذه التجربة األولى فیعید . ال في اهللا " في الشیطان"ھو مع ظلمة

الكرة وینفرد في محرابھ ویقیم فیھ طویال ویكثر من الصالة ومن الدعاء حتى خیل لھ أنھ

. ي فیھ ثم التمس نفسھ فوجدھا حاضرة لم تغب فقد نفسھ ففرح وظن أن اهللا قد ظھر لھ ففن

وأدرك إذ ذاك أنھ لكثرة ما أقام من الصلوات وردد من األدعیة قد استحال نسیجا من

الحروف ومن األلفاظ وأن ربھ خیال تولد عن كل ذلك وانتھت التجربة بحقیقة ما عاد أبو

وھذه القولة تردد على مسامعنا قولة "أن اآللھة ال تقام إذا ھوت " ھریرة یشك فیھا وھي

ویبین أبو ھریرة أن اإلیمان كیفما كانت صوره زیف في زیف ، وھم . نیتشھ المعروفة

وھو ما كان یعرفھ سابقا ھو كطمأنینة الجمال تطوي مراحل ھناك إیمان الناس: وإیھام

وھو ھواء ) المتنسكین( ینوھناك إیمان المتألھ.الحیاة طیا وال شك وال حیرة وال نصب

. وخیاالت ألن االنقطاع إلى الفوق یكون على حساب الدنیا على حساب إنسانیة اإلنسان

) مادیتھم(الذین یریدون أن یتحول اهللا عن روحانیتھ إلى طینیتھم وھناك إیمان األرضیین

شيء إلى طین ، فاء وھناك إیمان الضع. وأبو ھریرة لیس ممن یریدون أن یرتد كل

من ھناك إیمان الكفرة ثم " . یقترضون من اهللا قوة" العرج ممن یلتمسون من اهللا قوة

أمثال ظلمة یلحون في العبادة إلحاح الشك علیھم ، إیمانھم في الحقیقة صورة من شدة

ال حقیقة لھا ألن نفوسھم حاضرة ثم مكفرھم فھم أحیاء في بواطنھم نیام عن الدنیا وغیبیتھ

ھم مع ذلك ــ حتى وإن افترض في عبادتھم الصدق واإلخالص ــ عاجزون عن أن

نسد أمام أبي ھریرة سبیل ثالثة تو.یتخلصوا من مقتضیات المادة التي تشدھم إلى واقع الدنیا

.من سبل المعرفة

11

تجربة الغیب ھي آخر تجربة إیجابیة كان یمكن أن تنقذ أبا ھریرة وتكشف لھ عما

.حقیقة وجوده في الكون: ن بدایة رحلتھ طلبھ م

تجربة الحكمة

وینغلق أمامھ أفق ثالث من آفاق الحقیقة فتبدأ المأساة تشتد بھ شیئا فشیئا ویدخل

تدریجیا في مرحلة العبث وما عاد یجد مخرجا لھ من ذلك إال أن ینفلت إلى الجنون وھو

إذا : ما رآه متجسما في أبي رغال

أبو رغال ھو صورة أبي ھریرة یحیل على ما .ثا فالجنون حكمةكانت الحیاة عب

عاشھ من تجارب الحس والفعل في الجماعة والروح ویستشرف مستقبلھ إن لم یفز بمعنى

لقد كشف أبو رغال .الوجود فھل یمكن ألبي ھریرة أن یكون أم ینغلق وجوده على العبث؟

توسطة بین األرض والسماء بین الحیوانیة ألبي ھریرة حكمة اإلعتدال فالمنزلة اإلنسانیة م

.كان لقاء أبي ھریرة بأبي رغال استعراضا للمسیرة وتكثیفا للسؤال.واأللوھیة

مع تالحق التجارب الفاشلة أخذت آفاق المعرفة تنسد أمام أبي ھریرة الواحدة بعد

یرة ویتدرج في الح ةاألخرى وتنغلق سبل الحقیقة وإذا أبو ھریرة یقع شیئا فشیئا في متاھ

المأساة فقد أقفرت السماء من اآللھة فصارت خرساء ال تنطق وارتد أبو ھریرة إلى ذاتھ

إنسانا فردا وإنسانا جمعا فما وجد حقیقتھ فإذا ھو قد انتصب لنفسھ لغزا محیرا وإذا الكون

.قد قام حولھ جملة من الطالسم ال یستطیع لھا فكا

وإذا أبو ھریرة فإذا الحیاة عبثواختلطت الحقائق استوى الزمان واستوى المكان

یسیر وال یتقدم كأنما بدور في حلقة مفرغة بل وتكاد تتعطل منھ الحواس وقد كان على ما

نعلم من الصاحین فإذا ھو أعمى ال یبصر وعیي عن الكالم ال یبین وھو مع ذلك یأبى

تلك الحال في ھذه المرحلة من ". كأنھ الماء یجري" االستقرار ویمعن في الرحیل حتى

.القصة حال من عجز عن حل مشكلة وجوده في ھذا الكون

12

وكان من المتوقع أن ال یخرج أبو ھریرة من مأزقھ ھذا الذي انتھى إلیھ إال بأن

.یسلك مسلك ذلك الناسك المجنون فیخرج من عقلھ

أبو ھریرة من العبث إلى البعث

بدل واقعھ وأن یجسم فیھ ما كان منعدما من القیم فما أن یست إلى أبو ھریرة سعى

أفلح وتجربة الغیبة ھي على نحو ما تجربة فاصلة ألنھ استحال فیھا على أبي ھریرة

اإلنسان حسا أم روحا ، فردا ( إما اهللا وإما اإلنسان .بصفة نھائیة أن یصوغ لوجوده معنى

.لتیھ والعبثومن ثم لم یبق ألبي ھریرة إال ا).أم جماعة

وإذا بالبطل ینقذ فجأة من المأساة الممیتة فیبعث من جدید فتنقلب أحوالھ انقالبا

.مباغتا من الشك إلى الیقین ومن الحیرة إلى الطمأنینة القصوى

ومسلك نجاتھ على ھذا النحو من العبث إنما كان بالخروج عن حد الظرفیة إلى

إنما . بل الفناء في الكون والتالشي في الطبیعة ) المطلق أو االتحاد في( الفناء في المطلق

حاالت الوجود ، فوق " أرقى" كان بالتخلص من بشریتھ من أرضیتھ والعروج إلى

وإذا ما فھمنا كنھ التجربة حسب ما ذكرنا یكون البعث اآلخر اتحادا .الزمان وفوق المكان

فإذا سلمنا بأن اآللھة قد . اتحادا بما یسمى فلسفة الحق أو المطلقال بذات اهللا وإنما یكون

وإنما ھو اھوت نھائیا فسیكون الصوت الذي ناداه في البعث اآلخر لیس صوتا إالھی

وھو الذي یخرج فیھ أبو ھریرة من كل ) والمطلق(صوت شيء آخر یسمیھ المسعدي الحق

بعدما كانت مجزأة فأبو ھریرة " یة الذاتكل"تناقضاتھ ویجمع فیھ شتات ذاتھ و یحصل

قبل أن یبلغ ھذه المرحلة القصوى واألخیرة من مسیرتھ كان یعاني فیما یعاني من انقسام

الفرد : المشكلیة ..نفسھ أو من انشطار ذاتھ بین جسم وروح ، بین فردیة وجماعیة

ن كل القیم الموروثة بطل قد انسلخ م) أبو ھریرة:بطل القصة : ( اإلشكالي بطل الروایات

وقد انخلعت كل الحقائق التي تلقاھا بالتقلید وصار یرى واقعھ متدھورا منحطا یفتقر إلى

فمنطق القصة ".موطنا صالحا"قیم جدیدة أصیلة تعید للواقع قیمتھ وتجعل لإلنسان

13

الشكلي قد جعل من أبي ھریرة بطال مظفرا تمكن في نھایة األمر من أن یختطف من

وصحیح .الكون سره ، من أن یخترق حجب الوجود التي كانت تمنعھ من مشاھدة الحقیقة

ولكن . أن آخر حدیث البعث اآلخر ال یخلو من روح ملحمیة زادت البطل عظمة إنسانیة

، بشيء كالمعجزة حدثت بضربة سحریةنخشى أن یكون أبو ھریرة إنما خرج من مأساتھ

.في خاتمة القصة

یحملنا على ھذا القول ھو ما قد یلمسھ القارئ من تضارب بین المنطق والذي

ذلك أننا قد عھدنا من أبي ھریرة أال یقبل من . الشكلي والمنطق المضموني في القصة

الحقائق ما یكون فیھ بتر إلنسانیتھ فكیف یقبل في النھایة أن یتخلص منھا ؟ كیف یكون

لقد رفض أبو ھریرة الحس ( في الفناء كإنسان؟ اكتمال اإلنسان وجمع شتات حقیقتھ

الحل في النھایة . =/= والغیبة ألنھ لم یجد فیھما ذاتھ ، لم یقبل حال على حساب إنسانیتھ

وھذا بعض ما حملنا على أن نرى في الخاتمة حال ). لیس مما یكون بھ اإلنسان إنسانا

صور الحیاة وما ارتاد من مسالك إن رفض أبي ھریرة لما اختبر من . وھمیا مزیفا

وإذا انسدت آفاق . الحقیقة المتنوعة ھي كل ما یمكن لإلنسان أن یختبر وأن یجرب

ولم یبق إال العبث وھذا الحل لیس في . المعنى أو سبل الحقیقة لم یبق لھ مفر من نفسھ

نسان كلیتھ ینبغي أن لكي یصیب اإل: فھو یعني. الحقیقة بحل ألنھ نفي للقضیة األساسیة

ھذا الحل الوھمي ھو عند المسعدي تحقیق لمعنى وحدة . ینقلب كائنا آخر غیر اإلنسان

)."كان أعظم من الحیاة" فاض عن الدنیا حتى تلبس بالوجود أبو ھریرة( الوجود

فكأنما أبو ھریرة في الحقیقة قد عجز عن . ولكن في وحدة الوجود نھایة اإلنسان

أي كأنما اإلنسان ال یستطیع أن یبلغ درجة . ضاتھ و إدراك تمام ذاتھ في الواقع حل تناق

انتصار أبي ھریرة یخفي في حقیقة . االنسجام الكامل أو الكیان األمأل في ھذا الوجود

وھزیمة أبي ھریرة إنما ھي ھزیمة الفكر المسیر لھ ، ھزیمة رؤیة ما .األمر ھزیمة

.لإلنسان ولقضایاه ومصیره

14

:نقد القضیة في جذورھا

طرحت قضیة اإلنسان طرحا جعل حلھا مستحیال فالعیب في القصة من

وال فائدة ) . اإلنسان الفرد(كیف طرحت القضیة؟ طرحت أوال من زاویة الفرد .الداخل

ألن نعود إلى ما ذكرناه من ذلك البعد النفسي الذي یفصل أبا ھریرة عن سائر من یحیط بھ

و بطل من الناس وكأنھ غریب عنھم وصار مصیره ھذا الذي یرید أن ھ. من البشر

طبعا یوحي المسعدي من خالل النص ( یصنعھ بیدیھ ككائن حر ، قادر ، مصیرا فردیا

بأن أبا ھریرة إنما یجسم في ذاتھ أرقى المعاني اإلنسانیة ،یجسم اإلنسانیة في أفضل

أبو ھریرة بالنسبة للجماعة ھو : مغامرة البشرصورھا وبالتالي یوحي أن مغامرتھ ھي

ھو الذي جعل القضیة بال حل ثم إن ) أو الفردیة( لكن المنطلق من الفرد ) الطلیعة والرائد

روح ، / جسد (وإن في ازدواج ذاتھ ) مزدوج التكوین( ھذا الفرد ثنائي التكوین

فھذه الثنائیة الفلسفیة ھي التي . اقضاتسببا من أسباب العجز عن حل التن) جماعة/ فرد

عجز أبي ھریرة ( أوجدت في أبي ھریرة تلك التناقضات التي عانى منھا ثم أعیاه حلھا

ھذا : ظل البطل كائنا مركبا من عنصرین اثنین ) . عن حل قضایاه سببھ الرؤیا الثنائیة

. متھ ویحلھ محل اإللھ یشید بقدرة اإلنسان وعظ:فصل آخر من فصول المذھب اإلنساني

.وھذا المذھب في نفس الوقت یجزئ اإلنسان میتافیزیقیا إلى أجزاء ال یمكن التوفیق بینھا

المطلب في القصة مطلب صحیح وھو یتمثل في الظفر بالكیان اإلنساني األكمل

ولكن تصور اإلنسان على ذلك النحو من االنشطار أوال ثم تصور الكمال اإلنساني في

صحیح أن . جعل مسلك الطلب ال یفضي إلى الغایة ) حقیقة مطلقة(صورة المطلق

اإلنسان یشكو ما شكاه أبو ھریرة من خصاصة ونقص وینشد ما نشده أبو ھریرة من كمال

ولكن الخصاصة والنقص لیست مطلبا میتافیزیقیا بل ھو مطلب تاریخي وذلك یعني أن .

ھ إنما ھو ناتج عن وعي محكوم بظروف التاریخ أي ھي ما نفتقده الیوم ونصبو إلى نیل

.أمور ناتجة عن التطور وحل ھذه القضیة إنما ھو حل تاریخي

15

"حدث أبو ھریرة قال" في ألصالة ا

كلھا تحمل أسماء عربیة تدل داللة واضحة على خالص نسبھا : لشخصيا -أ

وقع المسعدي علیھ في أحد "( أبو رغال" وھذا " أبو عبیدة"وھذا " أبو ھریرة " فھذا

أبي ھریرة نحرص المسعدي على التفریق بی".معن"وذاك " أبو المدائن"وھذا ) القوامیس

أولھم الصحابي : في روایة أن أبا ھریرة ثالثة:"ھذا وبین سمیھ الصحابي المعروف قال

یعرفھ للقارئ مع شعوره و یأبى المؤلف أن ". رضي اللھ عنھ وثانیھما النحوي وثالثھم ھذا

وقد یحتاج أبو ھریرة عندك إلى التعریف ولست بمعرفھ لك " بأن القارئ یحتاج إلى ذلك

تبدو ھذه األقوال متفقة " . وإنما لك من شأنھ ما قد یقع بنفسك عند انتھائك من ھذا الكتاب

لمغالطة ألنھ على أن بطل القصة غیر أبي ھریرة الصحابي ولكن المسعدي یبدي شیئا كا

ھي عالقة : لعالقةا.بین بطلھ وبین الصحابي عالقة مقصودة تدل علیھا وحدة االسم جعل

بطل المسعدي خالفا للصحابي : االختالف .اتفاق على وجھ واختالف على وجھ آخر

إنسان من صنع القصة ال من صنع التاریخ، إنسان ینشئھ اللفظ، إنشاء عبر األحادیث من

" أمامنا"في فجر البعث األول إلى حد غیابھ في غروب البعث اآلخر فحیاتھ حد ظھوره

أبو ھریرة الصحابي ینتمي .فیما طوتھ القرون " وراءنا"فیما ینتشر من كالم القصة ال

.القصة فینتمي إلى الحاضر ةإلى الماضي أما أبو ھریر

لھ رمزیة بلیغة تدل وھو اسم( لكن انتحال بطل القصة السم الصحابي: االتفاق

یشیر إلى ) على عراقة النسب في اإلسالم من ناحیة وعلى التحدیث من ناحیة أخرى

فأبو ھریرة القصة ااشتراكھما في االنتساب إلى الحضارة العربیة اإلسالمیة ومن ھن

( وارث ألبي ھریرة الصحابي وانبعاث بطل القصة ھو انبعاث ما یرمز إلیھ االسم

أبو ھریرة القصة ھو مثال الرجل العریق في اإلسالم وقد ) العربیة اإلسالمیة الحضارة

والقصة تجدید لمعنى اإلسالم ولمعنى .بعث لیواجھ مصیره ولیجدد كیانھ ولیبني ذاتھ

16

مغامرات أبي ھریرة ھي مغامرات الرجل الضارب بجذوره في اإلسالم .العروبة

ما یناسبھ من محیط جغرافي ومحیط تاریخي أي في وقد نزل المسعدي بطلھ فی.والعروبة

.إطار بعید عن دنیا المعاصرة مكانا وزمانا

المكان مكة والمدینة وما حولھما من أرض الحجاز إلى تھامة والیمن :لمكا -ب

وعمان وحضرموت والشام أحیانا ، جزیرة العرب بكل أطرافھا ،بقراھا المعروفة وما

ھا وما یكسوھا من كثبان الرمال واألنجاد والودیان والواحات إلیھا من شعاب وبصحاری

والجنات ،جزیرة العرب بشمسھا المحرقة وقیظھا وحرھا وجفافھا وجدبھا وبصفاء

سمائھا وبریاحھا وعواصفھا الھوجاء ، ھي جزیرة العرب في أخص خصائصھا الطبیعیة

وإن توسع في تصویر بعض وشأن المسعدي في رسم كل ذلك إشارة خاطفة .والمناخیة

وبدیھي أن المسعدي ال یصف واقعا ملموسا عن مشاھدة وعیان وإنما كان . المشاھد

یصف شیئا استخلصھ من إدمانھ لكتب األدب خاصة وبعد فلیس غرض المسعدي أن یرسم

إطارا واقعیا وإنما ھمھ أن یرمز إلى طبیعة ما وإلى مناخ ما یلخصان روح الجزیرة

وھذه . ربیة ، فعلى ھذه األرضیة إذا یتحرك أبو ھریرة ومن معھ من الشخصیاتالع

العصور ولذلك نسبت باعتبارھا وطن العرب منذ أقدم قوميبعد ـ 1:األرضیة لھا بعدان

.باعتبارھا منشأ اإلسالم بعد دینيـ ./ إلیھم

جال حضاري مھذه األرضیة التي یعیش علیھا أبو ھریرة ویموت ھي في الحقیقة

. أبو ھریرة یتحرك في نطاق دیني وھو اإلسالم.وفضاء روحي

زمن النجائب والخیول والشموع و األحیاء والخمور : زمان قدیم : ل�ما -ج

ولكن ما حدوده التاریخیة؟ . بالشام تصنع وتختم في الزق وزمن الغلمان والجواري والقیان

، عصور مختلفة متداخلةلقصة أزمنة متنوعة إلى أي عصر من العصور ینتسب؟ زمان ا

الجاھلیة بصعالیكھا ولصوصھا من أمثال : قد تشابكت ،من عصور العرب قدیما

، )أساف ونائلة(وبما كان یجري فیھا من حروب بین القبائل واألحیاء وبوثنیتھا " كھالن"

17

ھ من حوانیت وصدر اإلسالم وما تفشى فیھ بأرض الحجاز خاصة من الغناء وانتشر فی

الخمر واللھو و ازدھر فیھ من الغزل العذري واإلباحي، والعصر العباسي األول بما راج

الزمان . فیھ من الخمریات والزھدیات، والعصر العباسي الثاني بشكھ العالئي وبتصوفھ

بعد حضاري وعمق مختصر تاریخ وھو بالتالي في القصة.." حدث أبو ھریرة قال"في

.روحي

.مع الزكان والمكانھكذا یتفق االسم وما یرمز إلیھ و

فقد اعترف أنھ كتب ھذه القصة . نزع فیھ المسعدي نفس ھذا المنزع :لشكل - د

ولكنھ قد تصرف في ھذا ) شكل الروایة في كتاب األغاني( على غرار األحادیث القدیمة

وتبدو . بذلك بین التقلید والتجدید الشكل تصرفا ابتغى بھ أن یجدد منھ ومن وظیفتھ فجمع

:مظاھر التجدید في

اعتماد التصدیر قبل جل األحادیث+ ـ اعتماد عنوان لكل حدیث 1

تنسیق األحادیث عبر القصة وقد ذھب المسعدي في ذلك مذھب القصاص -2

. المحدثین فعبث بالزمان فقدم ما ھو متأخر وأخر ما ھو متقدم

فتتضارب الروایات ) حدیث الطین(الرواة أحیانا في الحدیث الواحداإلكثار من - 3

و تختلف عن بعضھا بعض اختالفا جزئیا أو كلیا فینتج عن ذلك أن تتشعب الحقیقة وتتعقد

زاویة معینة فتتقابل الرؤى وتتكامل ألن كل راو ینظر إلیھا من

اعتماد اللغة الرمزیة واستثمار الرمز األسطوري -4

فكري یقف المسعدي عند المحاكاة بل طور الحدیث حتى یجعلھ ألداء مضمونلم

.غیر المضامین القدیمة

ال عصریة وال ( لغتھ كالسیكیة : أسلوب المسعدي قدیم وحدیث :ألسل -ه

ولكن أسلوبھ حدیث بخاصیتھ الشعریة وقیامھ على التوریة المستمرة ) معربة وال دخیلة

18

ولد المسعدي من القدیم ) . یفھم معناه بظاھر لفظھ وإنما بباطن مضمونھفكالمھ ال (

.جدیدا شكال وأسلوبا وأشخاصا ومكانا وزمانا

أبو ھریرة بما فیھ من رمزیة قد بعث إلى الحیاة ثانیة وبعث معھ شكل أدبي وبعث

ھذا النحو فالمغامرة في القصة ھي مغامرة فكریة فلسفیة وفنیة أدبیة وعلى, معھ أسلوب

... مشكلة المعاصرة بكل جھازه الفني والروحي والفكري و الفلسفي " أبو ھریرة"واجھ

و المسعدي یطرح بعملھ ھذا سؤاال جوھریا في الوقت الذي انصرف فیھ غیره من الكتاب

ھل في استطاعتنا أن نصیر معاصرین بدون أن : إلى األشكال القصصیة المستحدثة

بماضینا الحضاري والفكري واألدبي الفني؟ ھذا ما جعل المسعدي ینطلق تنقطع صلتنا

.من میراث الفكر والفن واألدب

بضعة / صفحات(قصة أبي ھریرة تتركب من سلسلة من األحادیث تتفاوت طوال

طیئة في مواضع التجریب سریعة في مواضع مما أكسبھا إیقاعا خاصا فجعلھا ب) أسطر

القلق والحیرة وشدة الترحال وقد رتب المسعدي ھذه األحادیث من البدایة إلى النھایة

( ومن أبرز مظاھر ھذا التركیب تالعب المسعدي بالزمان . ترتیبا ما ونسق بینھا تنسیقا ما

/ راءة زمان الق/ زمان الكتابة : الزمان في القصة أربعة أزمنة

:زمان القص وزمان األحداث

19

فزمان القص ھو الوقت الذي تروى فیھ . زمان الروایة غیر زمان األحداث

رحمھ "األحادیث ومنھا ما روي وأبو ھریرة ما زال حیا ومنھا ما روي عنھ وقد مات

حدیث البعث اآلخر فبین وقت الروایة ووقت مثل كبعض ما رواه أبو المدائن عنھ"اهللا

. المسعدي قد كسر خط الزمان. لحدث مسافة وزمن األحداث ھو المشكل في ھذه القصة ا

مرض أبو (وبنى قصتھ على خالف تسلسلھ وتنقل فیھ بین الماضي والحاضر والمستقبل

( وقد ترد إشارات إلى الزمان ولكنھا في غایة اإلبھام ) متى؟" ھریرة حتى أشفقنا علیھ

على أن ") في بعض أیام حیاتي".. ، " دخلت علیھ مرة"،" یوماوقف علي أبو ھریرة "

المسعدي قد بث في نصھ ھنا وھناك بعض العالمات التي من شأنھا أن تھدینا إلى ترتیب

اعتمد المسعدي الرجوع . األحادیث حسب دورة الزمان وتوالیھ أو ترتیب قسم من أحادیثھ

نعلم أنھ كانت " حدیث الحق والباطل"ھریرة ففي إلى الوراء فقص أحداثا سابقة لبعث أبي

ال یبدأ الزمان في حدیث البعث األول ففي حدیث .لھ أخت صغیرة ماتت وكانت صماء

البدایة غامضة أما النھایة " حیاتھفجر "الھول صعق أبو ھریرة بفكرة الموت في

و قبلھ في ".البعث اآلخر حدیث"فغیر مشكوك فیھا، نھایة القصة ھي نھایة أبي ھریرة

متى بدأت األحداث؟ كل األحداث بدأت ".وكان ذلك في آخر أیامھ" حدیث الجمود عالمة

حدیث الھول " (وھو یومئذ من عمره في مطلع الفجر" في یوم ما من عمر أبي ھریرة

وانتھت القصة وعمره فوق األربعین روت لنا ) وھذا الحدیث وضع في آخر القصة

بعد البعث اللقاء : تجربة الحس/ البعث) : سنة 25( عاشھ البطل في ھذه الفترةالقصة ما

ثم انفصل عن ریحانة "ولزمتھ ثالثا" سنین3ودامت ) التعارف في الخمر(بریحانة

في ابعض األحادیث یصعب تنز یلھ و.وارتحل وانطلق من المدینة في حدیث الوضع

دامت قصتھ في "/ خرجت من المدینة " بـ ینیبدأ حدیث الط) حدیث الحق والباطل( الزمن

الوادي زمانا غیر مقدر ورأى في المنام رؤیا عجیبة فلما استیقظ قام إلى أحیاء

أحادیث ملحقة بالتجربة االجتماعیة على أنھا ال .." الشوق والوحشة ، الحاجة../"العرب

20

كالشوق إلى الناس تصور صفات وحاالت تالزم أبا ھریرة اتحكي وقائع وأحداثا بقدر م

في حدیث العدد ( في أحیاء العرب عاش تجربة الجماعة ومكانھا مكة ./.أو الصدیق

یرد ) بطلھ أبو رغال( عبارة وردت على لسان أبي ھریرة نفھم منھا أن حدیث الحكمة

كیف نوفق بین "). ھممت أن افعل بھم ما فعل أبو رغال بقومھ"قبل التجربة االجتماعیة

وقدتسلسل المدعم بالدالئل وبین ما ذكرنا من أن حدیث الحكمة قبل حدیث الجماعة؟ ھذا ال

بلغ أبو ھریرة حدا من التجریب وتوغل في المأساة ولم یبق لھ من مخرج إال فقدان العقل

من حال . یدل على أن أبا ھریرة قد بلغ حدا من التأزم حتى صارت الحیاة جحیما مما

( التجارب ةسلسل.ال الیأس من فھم الحیاة ومعناھا ودخل في طور العمىالتجریب إلى ح

/ المجتمع / الجسد ) / ، الحكمةالتجربة الحسیة ، التجربة االجتماعیة ،التجربة الروحیة

التیھ والحیرة والعبث ولم یبق إال الجنون وقد صار الجنون حكمة منوما یتبع العقل/ اهللا

ال یرى معنى /فقد بصیرتھ ) ( العمى/ الحمل(الحیرة ثم بعد ذلك شدة القلق و

/ الجمود / كثرة التنقل " كان أبو ھریرة كالماء یجري ": حدیث الشیطان" في)الحیاة

.البعث اآلخر إلى عالم آخر، الموت

أبو ھریرة بعث إلى الحیاة وعاش مغامرات أفضت بھ إلى العبث ثم خرج من

القصة إیمان بالحیاة فشك وحیرة وبحث ومأساة ثم خروج من : العبث إلى بعث آخر

تنقلب القصة في خاتمتھا من مأساة مغلقة إلى ملحمة وقد فاز أبو . المأساة ونجاة من العبث

.ھریرة حسب عبارتھ بما كان یطلب

مسیرة أبي ھریرة من البدایة حتى حدیث الجمود تدرج في المأساة، تدھور إلى ما

. ة،انحدار إلى حد الجمود ثم كان الصعود قبل النھای

المالحظة األولى ) وعالقاتھم ةالفكری مأوضاعھم االجتماعیة ودال التھ:( األشخاص

من ھم جماعات وإن كان أن األشخاص ینقسمون إلى قسمین منھم من ھم أفراد ومنھم

األفراد من األشخاص قد یمثلون فئات كاملة ومھما یكن من أمرھم فھم یتصلون بأبي

21

صلة : بضربین من الصالت ) القطر من الدائرة(ھریرة من حیث ھو محور القصة

الروایة وصلة تجاوز حد الروایة إلى مشاركة أبي ھریرة في بعض أطواره أو في بعض

ما الرواة فوظیفتھم تنحصر في نقل ما عرفوا من أخبار أبي ھریرة بصفة أ. تجاربھ

مباشرة أو غیر مباشرة ألن منھم من كان مزامنا لھ عاین بعض ما جرى لھ ومنھم من لم

ومن انحصر دورھم في ) .مذیع/شاھد عیان ( یزامنھ وإنما بلغھ خبر أبي ھریرة فأذاعھ

الرأي العام فھم صوت یردد أخبار أبي ھریرة وأھم منھم الروایة كأنما یمثلون في القصة

وھؤالء على اختالف أصنافھم یشكلون مجتمعا . من كانت لھ مشاركة في مغامراتھ

.متكامل البناء

فھم الكثرة وھم العدد ینزلون البادیة أو " أحیاء العرب:" قاعدة ھذا المجتمع ×

اء وتحت رحمة األمراء من ناحیة أخرى ، یرتحلون فیھا وحیاتھم تحت رحمة السم

جمھور مستضعف تمتص دماؤھم وتؤكل ثمرة جھدھم

وفوق أحیاء العرب في ذلك البناء فئة لیست حاضرة في القصة إال في شخص ×

ود ید ) التجار( أبي المدائن كمعن بن سلیمان وأخیھ ھذه الفئة ھي فئة أصحاب الدكاكین

مستقر العمران" مكة"ب و موطنھم المدینة نھم في الحیاة الكس

الحكمة ، ( وفوق ھذه الفئة أھل الحكمة واألدب وأمرھم مذكور في حدیثین اثنین ×

" یبیعون منھا ویأكلون خبزا فھم"یعیشون من حكمتھم ,وھم یمثلون المثقفین ) البعث اآلخر

حدیث البعث (یرةھذه الفئة عبث بھا أبو ھر. ، حكمتھم خالصة ما حفظوا من الكتب

)اآلخر

في القمة األمراء منھم ذلك األمیر المستبد الذي طغى على بعض أحیاء العرب ×

ومنھم كذلك أبو رغال وقد تولى أمر الجماعة فإذا ھو یجور علیھم وإن كان جوره نوعا

. من العبث استبد بھ أو الجنون

22

دائرة الدین حتى أن حیاة الناس وھذا المجتمع تلفھ اإلیدیولوجیة الدینیة ویعیش في

.في القصة صارت معدلة بأوقات الصالة

:على ھامش ھذا المجتمع وخارج نظامھ طوائف منھا

الصعالیك ككھالن وھو خارج على نظام المجتمع وثورتھ تنحصر في االنتقام ×

لنفسھ من المجتمع

)نظر الجنس واإلباحة من وجھة(ریحانة خارجة عن سنن المجتمع وعن أخالقھ ×

الرھبان وقد انقطعوا ھم أیضا عن المجتمع واعتزلوه نبذا ألرضیتھم ولمادیتھم ×

)ظلمة(وفناء في اللھ كشأن العباد والنساك

فھو المجنون ) في الفترة الثانیة من حیاتھ(أبو رغال بطل حدیث الحكمة: المجنون ×

)وجھ عن الحیاة االجتماعیة كأنھ لداع فلسفيخر( الذي ما عاد یفقھ للحیاة معنى فاعتزلھا

قبل أن - أبو ھریرة بعد أن انبتت أسبابھ بالجماعة واآلخرین كان ألبي ھریرة×

"حدیث الحق والباطل"ضیعة وغلمان وجوار أعتقھم في -یتحرك ویأخذ في رحلتھ

و ھریرة وإذا أب. وكان ال یعبأ بالمكاسب الدنیویة وما كسب ماال إال خرج منھ

المنفصل عن وضعیتھ صار یتجول في القطاعات االجتماعیة ، یجوب في أحیاء المجتمع،

.یالبس فئاتھ المختلفة حسب أطوار القصة وال یجد لنفسھ وضعیة وال قرارا وال مستقرا

والشخصیات إضافة إلى كونھا نماذج اجتماعیة ھي رموز فكریة وفلسفیة

.لیھ ھذه الشخصیات وسنستعرض بإیجاز ما ترمز إ

ظلمة/ ریحانة / الزوجة: في القصة ثالث النساء

تمثل معنى من معاني الحب ، ھو الحب المقید بقواعد الزواج : الزوجة ×

المتعارفة من أحكام شرعیة وعادات اجتماعیة وقیم أخالقیة وألن ذلك الحب مرتبط بتلك

23

وھذا الحب یتصف . ي ،ھو حب ألیف ، داجن القیود فھو ینتمي إلى المجتمع التقلید

بصفات الحیاء والعفة

ھي رمز الحب المنعتق من القیود كلھا والذي صار . تمثل نقیض ذلك: ریحانة ×

انتصب الجسد مثال أعلى بل أعلى المثل ، قیمة فوق . وھي المرأة الجسد . غایة في ذاتھ

ستوفي من أبي ھریرة حواسھ وستسفرغ منھ وھي التي ست.القیم ، فلسفة في الحیاة ومذھبا

طاقة الھوى ومع ریحانة عرف أبو ھریرة أعمق معاني الحب وھذا ما جعلھ یھجر

.ھجرھا ألنھ مل التقلید عامة والزوجة مظھر من مظاھر التقلید. زوجتھ

ھي كریحانة جمیلة حسناء كاملة األنوثة . ظلمة صورة معكوسة من ریحانة×

الفا لریحانة قد أنكرت جسدھا بل أرادت أن تقتلھ وتمیتھ وتفنیھ حتى ال یطغى ولكنھا خ

إ ن كانت ریحانة مثل الجسم المنتشي بنفسھ رمز الجسم . علیھا أو تنزل عند مقتضیاتھ

المتبرج بكل ما فیھ من المفاتن فظلمة رمز اإلباء للجسم ، الرفض لألنوثة والنفي للذة

یق الجسم وإن كانت ریحانة قد علمت أبا ھریرة من حیث ال الحس التي تحصل عن طر

تشعر أن المائدة ال تسد الحاجة فظلمة قد علمتھ من حیث ال یشعر أن الروح ال تسد حاجة

اإلنسان وأن اللذة ال تغلب فكل واحدة منھما كانت طورا من أطوار أبي ھریرة وحاال من

أحوالھ وقطعة من نفسھ

أبو رغال / كھالن /؛أبو المدائن :فحسبنا منھم ثالثة ال الرجوأما

مثال الرجل المستقر المطمئن القانع بواقعھ الذي ال یطمح إلى : أبو المدائن ×

أبو . تغییره وال یرمي ببصره إلى ما ورائھ وكذلك كان شأن أبي ھریرة قبل البعث

یكون المنتھى والمآل ، ھو أبو رغال كاد× المدائن صورة من أبي ھریرة في منطلقھ

عبث بالناس وأكلھ التساؤل " كالیقیال" المجنون ولكنھ مجنون من نوع خاص صورة من

أبو رغال صورة أبي ھریرة ،جنون أبي رغال ھو عقل من عاد ال یرى في الوجود

.ولكن أبا ھریرة تجاوزه.المستقبلة إن لم یجد مخرجا من دائرة العبث التي انغلقت علیھ

24

وجد فیھ أبو ھریرة أنیسا بعد خیبتھ مع الجماعة فبث فیھ شجون نفسھ : كھالن ×

وكالھما ) ثورة فردیة( وزیادة على عالقة المؤانسة ھناك عالقة أخرى فكالھما ثائر

( ھامشي وإن اختلفت السبل والمقاصد وال تستغرب مثل ھذه الصلة بین الصعلوك

. وبین المثقف المتمرد ،صلة تقلیدیة ) لى الفقراءالصعالیك أشداء على األغنیاء رحماء ع

.الح لھ عندما تمرد على المجتمع الذي أبى أن یسایره في مذھبھ ویستجیب لدعوتھ

منھم من مثل : الشخصیات صور من أبي ھریرة أو أطوار منھ في مسیرتھ ←

ما نفس أبي ھریرة فكأن.....التمرد أوالروح د أوالجس.أوالقرار ومنھم من مثل العبثیة

" .فھم شتات ذاتھ"توزعت على أشخاص القصة

/ العشرة حملت على االنفراد / الجسم رده إلى الروح /. ریحانة المائدة خلقت جوعا

إیمان باإلنسان انتفاء = الوحشة دفعت إلى العشرة ، الجماعة / االنفراد انقلب وحشة

تخلص من المادیة والجسمانیة : سة لتجربة الحستجربة الروح وھي معاك /اإلیمان باللھ

الروح ردتھ إلى الجسد واهللا رده إلى اإلنسان أو السماء ردتھ إلى األرض وكلما خاض /

ما عاد یرى / تجربة الجنون : تجربة انسدت أمامھ طرق ولم یبق غیر مذھب واحد العبث

في نفس أبي ھریرة . یتحركطریقا أو سبیال ، حال العمى ال یبصر ثم حال الجمود ال

/ الحیوانیة ،الفرد / الشیطان ،األلوھیة / الروح ، اللھ / الجسم ( تناقضات لم یستطع حلھا

التردد بین الفرد '(ویبقى یتخبط في ھذه التناقضات التي ھي حقیقة اإلنسان ) الجماعة

/ الموت ( منھا إال بالفناء وال یتخلص) والجماعة ، األلوھیة والحیوانیة ، الجسم والروح

.)االنتقال إلى عالم آخر

عن درس جامعي لألستاذ توفیق بكار*