قراءة في شعر المتنبي

قراءة في شعر المتنبي

PDF created with pdfFactory Pro trial version www.pdffactory.com

http://www.pdffactory.com

-١٤٥-

ىــــــــــالحم



-١٤٦-

ـ سيظل المتنبي شاعراً عبقرياً يثير حول حياته و عره تـساؤالت تتجـدد، ش

.تضيف أبحاثاً ودراسات إلي المئات التي تمت حولهماوعات شـعره، فـي فلـك شخـصيته، سدارت مراحل حياته وكثير من مو

نفسيته وطموحه، وما طبع عليه في نفس ما ثورة وتمرد ورغبة في اإلصالح، مع و .أنفه وإباء، وأمل في الحياة يتسع إلي مستوي الحلم القومي إلي حد كبير وعرف قيمة وقد اختار لنفسه حياته وحدد خطواتها ومراحلها

لتميـز امكمن نفسه وأدرك أن حلمه السياسي بدولة عربية كبرى، هو سر عظمته و في شخصه وفي شعره، فجسد فيهما صورة نموذجاً تراود كل عربي، في عـصره

.وإلي اليومونص الحمي يومض بمجموعة رموز لغوية تحتاج إعادة قراءة، أو يمكـن

مـن حيـاة المتنبـي وطموحـه قراءتها علي نحو مغاير، في ضوء يكشف مكانها اعتبارها واحـدة مـن أهـم وحلمه، ويربطها بدوائر متصلة في ديوانه الشعري، ب

.قصائده، موضوعاً وأسلوباً وفناًفهي نص حواري دائم الجدل، في داخله وبين أجزائـه ومقاطعـه، تتعـدد داخله األصوات ظاهرة وخفية، وتتحاور حول المتنبي وحلمه وتختفي مالمح الحمي

ت نحو المستقبل، فتتناوش أصـوا وتتبدي مالمح الحمي الثورة الفكرية - المرض –الماضي والحاضر والمستقبل، وتتبادل مواقعها لتكشف وتكثـف وتبـرز صـورة

.المتنبي في أواخر أيامه في مصرونفسية



-١٤٧-

واألسلوبية ككل، فـي ... ولذلك تبقي تشكيالتها اللغوية والصوتية والداللية الكل، بحيث يصعب اإلنسراب بـين جنباتهـا –حالة اتصال جدلي دائم مع النص

..... هذا الكلومضات البارقة من مرجعياتالثرية دون التتواصل الوشائج والمالمح والدالالت والصور والرؤي بـين الجـزء حينئذ

وبين الكل وتنكشف العالقات، وتترابط السمات داخل النسق العـام لفـن المتنبـي وقيمته، باعتباره رسالة سياسـية، بـين المتنبـي يوحياته، لتجسد ثراء نص الحم

موحدة، تعيد هيبة العرب، وتـتلخص مـن حول الحلم بدولة عربية وسيف الدولة .حكامهم األعاجم والديلم

ونفـسيته، وبينـه وهذا البحث مقاربة تصل بين نص الحمى وحياة صاحبه .وبين غيره من نصوص الديوان

وهو كذلك مغامرة تفض في الحمى قدراتها وطاقاتها الدالليـة والـصوتية .تفسير مغاير، يكشف ثراءها، ويجدد عطاءهاوالخيالية وصوالً إلي

ثم اعتمد التحليل األسلوبي للظواهر اللغوية والصوتية داخل النص، ليكشف طاقاتها الداللية والنفسية، ويربطها بحوار النص داخلياً، مع غيـره مـن نـصوص

.ديوان المتنبي للربط بـين الظـواهر، فـي - أحياناً –مع االستعانة باإلحصاء والوصف

الـشائكة تكرارها وتفاعلها وتكثيفها وتناقضها وجدلها، لكشف ثراء العالقات الداللية المنسربة بين أطراف النص وتآزرها لنقل التجربة الحقيقية للمتنبـي فـي الحمـى،

.مضيئة جوهر المأساة في حياة المتنبي... وربما في الديوان ككل



-١٤٨-

عره، التي ش السياسية للمتنبي في حياته و الرؤية ويعالج:روافد النص: األول

منذ صباه، وتجسدت في عروبته، وتمرده ورفضه للواقع الممزق صاحبته ىفي القرن الرابع، وبحثه الدائم في شعره عن بطل يتبني حلمه حتى التق

بمثابة البطل القومى القادر علي تحقيق حلم -للمتنبي -سيف الدولة فكان وقد دعمت هذه المباحث بأشعار ودراسات تؤيد فكرته، وفي ،الدولة العربية حاولت استقراء الرموز الشعرية المتحاورة من - وفي ثناياه-نهاية المبحث

الحمي، وإثبات تواصل الرؤي النصية حول فكرة البحث، المأساة الحقيقية .في حلمه السياسي.... للمتنبي

اصر التشكيل في الحمى، وتتبـع بنيتهـا ويحاول استقراء عن :فیوضات النص : والثانياللغوية والصوتية، قراءة آلليات تحاور النص داخلياً وخارجيـاً، وأثـر تـآزر الظواهر اللغوية والصوتية داللياً لتكثيف جوهر المعاناة النفـسية فـي تجربـة

.الحمى، ولكشف البعد ا لسياسي فيها، وفي كثير غيرها من نصوص الديوان العناصر اللغوية والصوتية التي تمثل ظواهر أسلوبية مـن ضعفتتبع الباحث ب

مثل الضمائر، واألفعال والجار والمجرور والمركب اإلضافي، ثم النفـي واالسـتفهام والشرط وموسيقا الجناس وحللها تحليالً يربطها بداللتها، ويكشف آثارها فـي جـوهر

.التقابل داخل الحمى وثنائيةتجربة الحمى، وفي المبحث األخير درس المفارقة .......، وھو یھدي السبیلواهللا من وراء القصد

ــىص الحمـــن



-١٤٩-

ین المتنبي والئمیھــ ب-١

ــالم ملومكمــا يجــل عــن المــالم )١ ــوق الك ــه ف ــع فعال .)١(ووقــال )٢ ــالة ب ــي والف ــلذران ــام دلي ــال لث ــر ب ــي والهجي ووجه

ــذا )٣ ــتريح ب ــإني أس ــذاف وه

ــام ــة والمقـ ــب باإلناخـ وأتعـ

ــامي عيون رواحلي إن حرت عينـي )٤ ــة بغ ــام رازح ــل بغ وك

ــاد )٥ ــر ه ــاه بغي ــد أراد المي فق

سـوي عــدي لهــا بــرق الغمــام

يــذم لمهجتــي ربــي وســيفي )٦

ــذمام ــي ال ــد إل ــاج الوحي إذا احت

وال أمسي ألهل البخـل ضـيفاً )٧

وليس قـري سـوي مـخ النعـام

صـار ود النـاس خبـاً فلمار )٨

ــسام ــسام بابت ــي ابت ــت عل جزي

وصرت أشك فـيمن أصـطفيه )٩

ــام ــض األن ــه بع ــي أن لعلم

يحب العاقلون علـي التـصافي )١٠

ــام ــي الوس وحــب الجــاهلين عل

وآنف من أخـي ألبـي وأمـي )١١

ــرام ــن الك ــده م ــم أج ــا ل إذا م

ــاً )١٢ ــا جميع ــداد تغلبه أري األج

علــي األوالد أخــالق اللئــام

ولست بقانع مـن كـل فـضل )١٣

ــي ــزي إل ــأن أع ــامب ــد هم ج

عجبــت لمــن لــه قــد وحــد )١٤

ــام ــضم الكهـ ــوة القـ ــو نبـ وينبـ ج

، ص ٤عرفـة، بـريوت، ج بشرح أيب البقاء العكربي، املسمي بالتبيان يف شرح الديوان، دار امل : ديوان املتنيب )١(

١٤٢.



-١٥٠-

ومن يجد الطريق إلي المعـالي )١٥

ــنام ــال س ــي ب ــذر المط ــال ي ف ج

ولم أر في عيوب النـاس شـيئاً )١٦ــام ج ــي التم ــادرين عل ــنقص الق ك

ــامي فال ورائـي أقمت بأرض مصر )١٧ ــي المطــي وال أم تخــب ب

وملني الفـراش وكـان جنبـي )١٨

ــام ــل ع ــي ك ــاءه ف ــل لق يم

قليــل عائــدي، ســقم فــؤادي )١٩

كثيــر حاســدي، صــعب مرامــي

ــام )٢٠ عليــل الجــسم ممتنــع القي

شديد الـسكر مـن غيـر المـدام

ــاء )٢١ ــا حي ــان به ــي ك وزائرتــالم ج ــي الظ ــزور إال ف ــيس ت فل

طـارف والحـشايا بذلت لها الم )٢٢

ــامي ــي عظ ــت ف ــا، وبات فعافته

يضيق الجلد عن نفسي وعنهـا )٢٣

ــسقام ــأنواع الـ ــعه بـ فتوسـ

ــسلتني )٢٤ ــي غ ــا فراقتن إذا م

ــرام ــي ح ــان عل ــا عاكف كان

ــجام كان الصبح يطردهـا فتجـري )٢٥ ــة سـ ــدامعها بأربعـ مـ

أراقب وقتها من غيـر شـوق )٢٦

مراقبـــة المـــشوق المـــستهام

لـصدق شـر ويصدق وعدها وا )٢٧

ــاكإذا ــامألق ــرب العظ ــي الك ف

أبنت الدهر عنـدي كـل بـن )٢٨

فكيف وصلت أنـت مـن الزحـام

جرحت مجرحا لـم يبـق فيـه )٢٩

مكــان للــسيوف وال الــسهام

وتحقيق الحلم... فرحة الخالص -٣



-١٥١-

أال يا ليت شعر يـدي أتمـسي )٣٠

ــام ــان أو زم ــي عن ــصرف ف ت

ــ وهل أرمي هـواي براقـصات )٣١ ــام محـ ــاود باللغـ الة المقـ

فربما شـفيت غليـل صـدري )٣٢

ــسام ــاة أو حـ ــسير أو قنـ بـ

وضاقت خطة فخلـصت منهـا )٣٣

خالص الخمر مـن نـسج الفـدام

ــال وداع )٣٤ ــب ب ــت الجي وفارق

ــالم ــال س ــبالد ب ــت ال وودع

ــام يقول لي الطبيب أكلـت شـيئاً )٣٥ ــرابك والطع ــي ش وداؤك ف

ومــا فــي طبــه أنــي جــواد )٣٦

ــ ــر بج ــامأض ــول الجم سمه ط

تعـود أن يغبــر فـي الــسرايا )٣٧

ــام ــي قت ــام ف ــن قت ــدخل م وي

فيرعـي فأمسك ال يطـال لـه )٣٨

وال هــو فــي العليــق وال اللجــام

فإن أمرض فما مرض اصطباري )٣٩

ــي ــم اعتزام ــا ح ــم فم وإن أحم

سلمت مـن الحمـام إلـي الحمـام وإن أســلم فمــا أبقــي ولكــن )٤٠

ــهاد أو )٤١ ــن س ــع م ــادتمت رق

وال تأمــل كــري تحــت الرجــام

فغــن لثالــث الحــالين معنــي )٤٢

ــام ــك والمن ــي انتباه ســوي معن



-١٥٢-

املبحث األول

بتجربتها في ديوان المتنبي، وال تنبع أهميتهـا مـن مجمـوع ىتنفرد الحم

ملها قـدراً كبيـراً مـن خصائصها الفنية، وال من الموضوع الشائع عنها، وال لتح الثـرى مـن بقدر ما يفيض به عطاؤها ... السمات األسلوبية في شعر المتنبي ككل

مأسـاته بحلـم ودالالت نفسية، ووشائج شديدة االرتباط بحياة المتنبي وشخـصيته هم الحـب : تنازعت قلب أبي الطيب كل أسباب همة ويأسه ".... ، )١(سياسي عظيم

.)٢ (...."سياسة ويأسه من إدراك المطلب وتحقيق اآلمال ويأسه من اللقاء، وهم الالموضوع الظاهر ... إضافة لعبقرية المتنبي في التعامل مع الحمى المرض

من النص، التشكيالت الفنية في عرضها بما يفسح المجال لـدالالت أكثـر عمقـاً .ورحابة

توجه صودة، أما أهميتها في حياة المتنبي، فالباحث يراها رسالة حوارية، مق يجيبه فيها عن تساؤالت بينهما، ويرده عن لومه لبقائه نبي إلي سيف الدولة، تبها الم

في مصر ولعدم تحقيق أهدافه وطموحاته هناك، ويجيبه عن تساؤالت كثيرة بـشأن .السعي نحوهمستقبله، وعن مستقبل حلمهما معاً، ومدي استعداد المتنبي لمواصلة

وما بعدها، فقد قرأ ٩٩، ص٢، ط١٩٨٨يف عامل املتنيب، دار الشروق، مصر : عبد العزيز الدسوقي . د: راجع )١(

إيل صـوتني يتـصارعان ) ملومكمـا (احلمي قراءة، ختالفها قراءة هذا البحث، فاملتنيب عنده يتوجه باخلطاب اً من خزنه، وآخر يهمس سـاخراً يف اعماقـه، األول لتيـار داخله، حيسهما يف نفسه، صوت جيلجل ساخر

باعتبارهـا –الكربياء والثاين للذلة واالنكسار، كذلك ختالف رأيه يف التفسري النفسي ملشهد احلمـى املـرأة .١٠٥ -١٠٤، ص )عاكفان علي حرام(رموزاً جنسية تفجر يف نفس املتنيب صورة جنسية يف

.٣٦٧، مكتبة اخلاجني، القاهرة، ص املتنيب: حممود حممد شاكر)٢(



-١٥٣-

ة بين الشاعر واألمير، لم تنقطع أثناء وجود الشاعر فالباحث يري أن العالق تم بالفعل قبل الرحيل من حلب أو بعد دخـول – بينهما –وأن اتفاقاً ما . في مصر

المتنبي مصر علي أمر سياسي يتعلق بطموح الشاعر، وحلمه الوحيد الـذي عـاش ـ ي ذا من أجله، وهو دولة عربية موحدة تحت إمرة أمير عربي قوى، يكـون المتنب

.مكانة فيها، وأثر في قيامهافسيف الدولة هو األمير العربي المنشود لهـذه األمير، وأما أهميتها في حياة

-الدولة، الفارس الطموح، محارب الروم، والذي تهولـه أحـوال األمـة الممزقـة أعدائها من الروم، وتحت وطأة حكامها من األعاجم المسيطرين علـي إمام -آنذاك

الـذي .... وقد وجد في المتنبي الصديق الفارس األمين الـشجاع . دادالحكم في بغ .يملك هذه الهمة الطموحة، ويحمل هذا الهم العربي السياسي، وهذا الحلم بالخالص

نحو هذه الدولة الحرة الموحدة، التـي ال مكـان – السري –فكان اتفاقهما .فيها لحاكم أعجمي

حب دعوى، من قبـل سـيف فالمتنبي في مصر مبعوث سياسي خفي، صا الدولة، ربما عن طريق الدعوى للشيعة العلويين واالنطالق منها، وربما عن طريق استقطاب كافور نفسه لالنضواء تحت إمرة سيف الدولة، أو عـن طريـق اقتطـاع والية أو إمارة مصرية من كافور، يكون منها االنطالق مع سيف الدولة نحو تحقيق

.الحلم السياسي العظيم



-١٥٤-

، وبمجـرد خروجـه منهـا )١(فالمراسالت بينهما كانت مستمرة في مصر مباشرة أرسل األمير إلي المتنبي هدية وكتاباً بخطه، وقد أجابـه المتنبـي بقـصيدة

.)٢("المية بديعية يستحثه علي منازلة البويهيين األعاجم ببغداد"قي بـه، وقد رحل المتنبي إلي دمشق والتقي أولياء كافور، وإلي مصر والت

وكأنما زينت نفسه له حين يوليـه "وكرر التصريح ... ثم شرح ... وأومأ إليه بطلبه والية من الواليات أن يستبد باألمر دونه، ويحقق أمانيه القديمة في إقامـة الدولـة

.)٣(العربية المنشودةسيف الدولة، في / وال يمكن قراءة الحمى بعيداً عن قراءة مراسالت المتنبي

أن نهمل بعـض -يجوز حتى نضمن بعض الموضوعية ومقاربة الحقائقمصر وال الرموز واإلشارات داخل نصوص الديوان أو أن نقرأها متفرقـة غيـر متواصـلة

.الوشائج والبواعث والرؤىفقد خشي سيف الدولة أن تذاع أسراره التي عرفها المتنبي مـن خـالل

:رفقته إياه، فأرسل له المتنبي يطمئنهــاي ــاك رض ــررض ــذي أوث ال

ــر ــا أظه ــري فم ــرك س وس

كفتــك المــروءة مــا تنقــي

وأمنــك الوحــد مــا تحــذر

ــت ــشا مي ــي الح ــركم ف وس

ــشر ــسر ال ينـ ــشر الـ إذا أنـ

ــيكم ــي ف ــصت مقلت ــأني ع ك

ــ ــصر ةوكاتم ــا تب ــب م القل

-١٠٨، ص ٢، ط ١٩٧٧الصبح املنيب عن حيثية املتنيب، دار املعارف، مصر سـنة : يوسف البديعي : راجع )١(

١٠٩. .٣٤٩، ص ٢، ط١٩٨٣عصر الدولة واإلمارات، دار املعارف، مصر، سنة : شوقي ضيف. د)٢( .٣٤٨ص : املرجع السابق )٣(



-١٥٥-

مــستودعوإفــشاء مــا أنــا

ــدر ــر ال يغ ــدر، والح ــن الغ م

ــه ــي نطق ــدرت عل ــا ق وإذا م

أقـــر فـــإني علـــي تركهـــا

دواليـــك يـــا ســـيفها دولـــة

ــأمر ــن ي ــر م ــا خي ــرك ي وأم

ــستعجالً ــولك مـ ــاني رسـ أتـ

ــر ــذي أذخ ــعري ال ــاه ش فلب

ــاً ــوم وغـــي قاتمـ ــو يـ ولـ

ــقر ــيفي واألشـ ــاه سـ )١(للبـ

بين األمير والشاعر مراسالت، في مصر، وبعدها حول أسـرار إذن كانت

بينهما مـن حـب وصـداقه وود، ا، ال يعلمها سواهما، وهي ليست ما مكبيرة بينه وليست ما رآه المتنبي في البالط من أسرار الدولة والحكم، ألنها معلومات شـائعة،

تتكـرر -لكن سراً واحداً ... إن كانت تهمه .... يكشفها شعر المتنبي وعيون كافور يحرص سـيف الدولـة علـي " سرك سري " هو سر المتنبي كذلك و -ثالث مرات

نبي أن الموت دون إفشائه، وأن ترك مصر أهون وأيسر له مـن إخفائه، ويعده المت مـا يلمـح ) دواليك يا سيفها دولة (أيكون في هذه اإلشارة السريعة الخفية ... إعالنه

إلي هذا السر؟؟؟مرة .... إجابتك البحثية نعم، مع مراجعة الدالالت الكامنة في الصيغ التالية

:أخرى .سرك سري فما أظهر - . ال ينشرإذا أنشر السر -

.٩٣ -٩٢، ص ٢جـ: ي الديوان، العكرب)١(



-١٥٦-

.فإني علي تركها أقدر -

.يا سيفها دولة -

.وأمرك يا خير من يأمر -

.من الغدر... وإفشاء ما أنا مستودع -

عـاً أسئلة كثيرة في حياة المتنبـي، ال تـزال تحتـاج تفـسيراً أكثـر إقنا

محارباً للـروم، الدولة أميراً اقتنع الشاعر الطموح بسيف .. هل حقاً .. وموضوعيةوممثالً للقوة العربية، وفي وقت كان سيف الدولة فيه األمير العربي الوحيد المـدافع

فـاكتفي لنفـسه .... )١(عن قوة العروبة وحمية اإلسالم ضد أعدائه في القرن الرابع بدور المادح والمشيد وجهاز اإلعالم المذيع لبطولة البطل؟

لذي يحقق طموحه، وفي شـخص األميـر وهل اكتفي بهذا له وجد البديل ا !!وجد نفسه ووجد طموحه فاكتفي بحبه ومدحه وكأنه يمدح ذاته ؟

نظن األمر أبعد من هذا فشخصية المتنبي، وإحساسه بالعروبة والقوة الثوريـة .الرافضة في عروقه، ونفسه الطموحة العزيزة األبية منذ صغره، تقرر غير هذا

اً ولم تهرم ولم تنهزم ولم تهدأ، وها هي فـي هذه النفس التي لم تضعف يوم !!!! علي سكوته وخنوعه وبقائه في مصر، بعد فشله فيها نحو الحلـم " الحمي تلومه "

:إنها نفس تسعي دوماً لتحقيق غاياتها، وتلح علي صاحبها ومن الجسم نفس ال تـشيب بـشيبه

ولو أن ما في الوجه منـه حـراب

ــر أعــدة ــر إن كــل ظف لهــا ظف

)٢(اب إذا لم يبق فـي الفـم نـاب ون

.١٢٠يف النقد األديب، دار املعارف، مصر، ص : شوقي ضيف. د: راجع)١( .١٩٠ ص ١جـ: الديوان، العكربي)٢(



-١٥٧-

فاليأس المرير الذي ذاقه طوال أربع سنوات مجدبه عند كافور لم يمس نفـسه بـل " .)١( بكل إكبارخليقةظلت فتيه

إنها نفس طموحه عظيمة تتقلب بين األمل واأللم، وتبدع حـين يثـب بهـا فـي كـل األمل أو يضطرم بها الغيظ، ال تهدأ عن مطالبة صاحبها بعمل عظـيم

... عمل مغامر خالد، يوازي طموحها ويطاول النجوم سيرورة وبقـاء .... )٢(حاالته يموتوا موتا مشرفا يليـق بجليـل مـا وأن – الرجال -وفي سبيله يجب أن يموت

يتطلعون إليهــروم إذا غــامرت فــي شــرف م

ــوم ــا دون النج ــع بم ــال تقن ف

فطعــم المــوت فــي أمــر حقيــر

.)٣(مكطعم الموت فـي أمـر عظـي

ــدوإذا ــم يكــن مــن المــوت ب ل

ــا ــون جبان ــز أن تك ــن العج فم

ــا ــي المناي ــي يالق ــر أن الفت غي

ــا ــي الهوان ــات وال يالق .)٤(كالح

إنه الموت العظيم الشريف في سبيل مجد خالد، هو حلم الدولة العربيـة المنـشودة، :)٥(والذي دخل مصر من أجله، وصرح به

ياكفي بك داء أن تري الموت شـاف

.)٦(وحسب المنايـا أن يكـن أمانيـا

فيه ) للموت(والتفسير القريب ... به كافور حوهو أول بيت في أول نص مد قد تذهب إلي الحلم الذي يتطلب المـوت كـي ) الموت شافياً (ولكن ... قصد كافور

.٣٤٩، ص ٢، ط١٩٨٣عصر الدولة واإلمارات، دار املعارف مبصر، سنة : شوقي ضيف. د) ١( .٦٠٥تاريخ األدب العريب، بريوت، ص : حنا الفاخوري) ٢( .١١٩ ص ٤ج: ن العكربيالديوا) ٣( .٢٤١ ص ٤الديوان؛ ج) ٤(واستقبال كافور ذين البيتني هجاء دونه كل هجاء، فيه إقذاع وفحش وسـخرية : "يقول حممود حممد شاكر ) ٥(

.، والبحث يعاجلها من زاوية مغايرة٣٦٢املتنيب، ص " وكم .٢٨١ ص ٤ج: الديوان؛ العكربي) ٦(



-١٥٨-

األعـاجم والبـويهيين وتوحيـد الدولـة، ربكة وإلي كيفية الخالص من .... يتحققوالموت، ولذلك عاش المتنبـي وأمنيـة .... هؤالء يتطلب التضحية والخالص من

. أن يموت هذا الموت العظيم، أو يتحقق الحلمحياته/ شفاء منه ) حلم( جئتك بداء نفسي - منذ البيت األول –وكأنما يقول لكافور

وفـي ... إال الموت، جئتك بمطالب كبيرة تستحق الموت من أجلها / وال مناص عليه ولذلك ... حيد الذي يفتخر فيه الموت بأنه أمنية عظيمة لرجل أشد عظمة الموقف الو

.في شعره كله) بالحلم(يرتبط الموت بالمجد السكون المقيد الذليل (ن نجاته من الموت األصغر أ ىكما يحرص في الحم

الموت في : الحقيقي... لن يمنعه من مواصلة السعي نحو الموت األكبر ) في مصر :سبيل الحلم

ــن و ــي ولك ــا أبق ــلم فم إن أس

.)١(سلمت من الحمام إلـي الحمـام

يخاطب نفسه، وما ألذه داء ... في كفي بك داء " الموت"والحمام في آخر البيت، هي .داء النفس الكبيرة المنطوية علي حلم كبير... يتحدث عنه المتنبي

تتعـدي /لتتحول كل مفاهيم األبيات التالية للبيت، إلي اتجاهات أكثر رحابة إلي كل عربي يحلم بالكرامة والخـالص )..... صديقاً) (ذلة (ةالمتنبي وسيف الدول

.....من األعاجم، وإلي الحلفاء الذي يشاركونه صنع الحلم وتحقيقهــر ــت أن ت ــا تمني ــا لم ىتمنيته

ــا أو عــدواً مــداجياً صــديقاً فأعي

إذا كنت ترضـي أن تعـيش بذلـة

ــسام اليما ــستعدن الح ــال ت ــاف ني

ــارة ــاح لغ ــستطيلين الرم وال ت

. )١(وال تــستجدين العتــاق المــذاكيا

.١٤٩ -١٤٢ ص٤جـ: الديوان، العكربي)١(



-١٥٩-

حيث يتمني الموت في سبيل الحلم، لندرة الحلفاء المعاونين له، فـال أحـد يرضي بذلة الحكام، وال بحال الخنوع واالستسالم، وإما الحلم وإما السيف والـرمح

.في هذه الحياةير، دالالت التواصل النـصي، وتفقـد وحينئذ تسقط تفسيرات آنية قريبة كث

فجـزء )... الموت كافور والصديق سيف الدولة (األبيات عمقها وقيمتها علي حدود وجوده في مصر والموت العظيم أضحي أمنية في سبيل الشفاء من من الحل والحلم

.الداء العربيفـي شـعر ) للحلـم (وقد يكون في فهم كافور مثل هذه اإلشارات الحقيقية

نبي عنده، ما جعله يأخذ حذره مبكراً، ويتحسب للحظة التي يطلب فيها المتنبـي المتأرضاً منه، فكان تسويقه وكان رفضه وكان تلويح المتنبي ثـم تـصريحه وكـافور

.)٢(الداهية يخشي ويرفض

خالداً، مـا دوياً بعيداً، وذكراًفي دنيا العروبة والشعر والكفاح "ترك المتنبي .)٣("أجدره اليوم أن يكون مشعالً ليقظتنا الراهنة من أجل مجدنا الكبير

.٢٨٢ -٢٨١ ص ٤جـ: الديوان، العكربى)١( وكالمها يتفهم اآلخر، ويبادله شعوراً دفينا بالكره والنفور، ولذلك يتوجس كافور ويتحسب دوماً من املتنيب ووجوده يف )٢(

، وينـف إيل جييد فهم ذلك "مصر وعالقاته فيها ومطالبة منه وكأمنا يستشعر بعداً سياسياً لوجوده، حيث كان كافور أسراره، ويبصر به إن مل يكن قد أدركه، فقد كان أبو الطيب وهو مبصر ملقي بالرزابا، مقصوداً بالعداوة مـن أقـوام بعينهم كانوا ميهدون للدعوى الفاطمية، وكانوا علي صلة بكافور وثيقة، ويبدون له احملبة واإلخالص، وهم يعملـون

حول فهم كافور للعالقات ٣٦٥، ٣٦٤، ٣٦٣اجع الصفحات قبلها ، ور ٣٦٦ص: ، حممود شاكر ..."علي إهالكه يف النقـد : شوقي ضيف. بني املتنيب وسيف الدولة، وفهمه للتعريض الشعرى، وتوجسه السياسي من املتنيب، وراجع د

، حول الدالالت املتعارضة أو املتناقضة ١٣٥ -١٣٤، الطبعة السادسة ص ١٩٨١األديب، دار املعارف، مصر، سنة . إجياز للفكرة ذاا٣٤٨يف أبيات املتنيب، واليت عرض فيها كافور كأنه ميدحه، ويف عصر الدول واإلمارات، ص

.٤٠، ص٥، ط١٩٨٠، دار املعارف، مصر سنة )نوابغ الفكر العريب(املتنيب : زكي احملاسين. د) ٣(



-١٦٠-

حيث عاش المتنبي عمره، متعصباً للعرق العربي ضـد بقيـة األعـراق، واستكانته ورضوخه ، ويمجد قيمة العليا، وينعي تمزقه والخضوعيرفض له اإلذالل

...كامالمهنية، تحت وطأة األعاجم والبويهيين في الحلحماً ودماً، وتستأثر به العروبة إلي أقصي حـد، حتـى "كان المتنبي عربياً

.)١ (..."لتجعله لسانها الناطق بها طوال حياتهوقد ظل عمره يصيح بالعرب يستنفرهم ويـوقظهم مـن سـباتهم، وممـا

وع وتواكل واستسالم لألعاجم الحاكمين، ويـرفض للعـرب ضأصبحوا عليه من خ .... المذلة وهذا االستصغار أمامهموالعروبة هذه

ــغار ــاس ص ــه ن ــر ناس وده

.)٢(وإن كانت لهـم جثـت ضـخام

ــا ــالملوك وم ــاس ب ــا الن وإنم

ــم ي ــا عج ــرب ملوكه ــح ع . )٣(فل

فأهل دهره صغار عن تحقيق الحلم، حلم الخالص من الحكـام األعـاجم، ـ ريتهم وكـرامتهم وحلم الوحدة في كنف دولة عربية واحدة قوية، ألنهم لن ينالوا ح

.وإباءهم وملوكهم أعاجمولقي المتنبي بنفس كنفسه، وشخصية كشخصيته، وحالم قادر يشارك حلمـه وكلما يفتقده أو يبحث عنه في بطل يعتنق ما يعتنقه من مبدأ حياتي، ويدعو إليه لكل

:هو النفسعربي وإال تمت تحـت الـسيوف مكرمـاً

.)٤(تمت وتقاس الذل غيـر مكـرم

.٣٤٤ -٣٤٣، ص ٢، ط١٩٨٣عصر الدول واإلمارات، دار املعارف، مصر، سنة : شوقي ضيف. د)١( .٧٠ ص ٤جـ: الديوان، العكربي)٢( .٥٩ ص ٤جـ: الديوان، العكربي)٣( . ٣٤ ص ٤جـ: الديوان، العكربي)٤(



-١٦١-

ــيش ذل ــذليل يع ــيط ال ــن بغ م

)١(رب عيش أخـف منـه الحمـام

عش عزيزاً أو مـت وأنـت كـريم

)٢(بين طعن القنـا وخفـق البنـود

وأطلب العز فـي لظـي ودع الـذ

ل ولو كـان فـي جنـان الخلـود

أقــراراً ألــذ فــوق شـــرار

ــرام )٣(ومرامــا أبغــي وظلمــي ي

ــد ــاز ونج ــشرق الحج دون أن ي

ــا ــان بالقنـ ــشاموالعراقـ والـ

نخلة (إنها عروبة المتنبي، التي دفعته منذ شبابه األول إلي الثورة علي أهل وعهم وتفريطهم في كرامتهم، فقد كانت ثورته سياسية قومية، ضرفضا لتخاذلهم وخ شوقي ضيف، وقد الزمت هذه الثـورة وهـذه . ، كما يري د )٤(ال دينية وال قرمطية

المتنبي طوال حياته، وظل علي عروبتـه وأنفتـه . ..القوة وهذه العروبة وهذا الحلم ، يحقق الوحدة، ويعيد الكرامة والعزة للعـرب ) حلم(كبير ) فعل) (عمل(ورغبته في

:ويرفع الظلم عنهم فال عبرت بـي سـاعة ال تغزنـي

)٥(وال صحبتني مهجة تقبل الظلمـا

إن لم أذرك علي األرمـاح سـائلة

)٦(فال دعيت ابن أم المجـد والكـرم

أنها األحالم العظيمة التي تحقق المجد والعال، وتستحق أن يموت اإلنـسان :في سبيلها

.٩٣ ص ٤جـ: الديوان، العكربي)١( .٣٢٣ -٣٢١ ص ١جـ: الديوان، العكربي)٢( .٩٥ -٩٤ ص ٤جـ: الديوان، العكربي)٣( .٣٤٥ ص عصر الدولة واإلمارات،: شوقي ضيف. د) ٤( .١٠٩ ص ٤ج: الديوان العبكري) ٥( .، خياطب نسه األبية الطموحة، اليت ون عليه يف سبيل اد٤٣ ص ٤ج: الديوان العبكري )٦(



-١٦٢-

ومن يجد الطريـق إلـي المعـالي

)١(فــال يــذر المطــي بــال ســنام

قد يمتد إلي ما " جاء المتنبي فمأل الدنيا وشغل الناس "أن ما قرره ابن رشيق والصور والمعـاني ىلصياغة والموسيق الفنية في شعره، في التشكيل وا بعد العبقرية

.)٢(ليتصل بما قرره ابن األثير من أن المتنبي كان يتكلم عن خواطر الناس من اإلباء والكرامة، يتحـدث إنه يتحدث بلسانهم وبما في قلوبهم وخصالهم

محبباً لكل عربي في عصره، ومعبـراً عـن حلمهم بالخالص والوحدة، مما جعله :الروح العربية ال التي تقهر، مهما عانت

وهذه هي العبقرية المطلقة الخالدة فكأنما يتكلم بخواطرنا اليـوم، ويبـشرنا .بحلمه العظيم

آلم المتنبي الواقع السياسي الممزق، والمهين للعرب في عـصره، فالدولـة الت، الحمدانية بحلـب، واإلخـشيدية بمـصر، والبويهيـة بفـارس، مجموعة دوي

.والفاطمية بالمغرب، واألموية ثم العامرية باألندلسالمحـن كأنما عاش في النصف األول في القرن الرابع الهجري، ليستشعر

الـضخمة إمبراطوريتهـا التي كانت تصب علي رؤوس األمة العربية لعصره، فإذا

.١٤٥ ص ٤ج: الديوان العبكري) ١( .٣٤٧عصر الدولة واإلمارات، ص : شوقي ضيف. د) ٢( .١٤٨ ص ٤ج: الديوان العبكري) ٣(

فإن أمرض فما مرض اصـطباري

)٣(وإن أحمـم فمــا حــم اعتزامــي



-١٦٣-

ويسلب األعاجم العـرب صـولجان الحكـم، وإمارات شتي، تتصدع، وتتفرق دوالً فون بالناس عسفاً شديداً، ويعيشون ببغداد للهو والقصف، بينمـا البيزنطيـون ويعس

يغيرون في الشمال، وال مغيث من جيوشهم وبينما قرامطة البحرين يغيرون علـي ما تشيب من حيث إلي حين، منزلين بها من الكوارث المفجعة ) الكوفه(مسقط رأسه

.)١(له الولدانونكاد نجزم أن المتنبي لم يكن ينظر إلي مجتمع إال من زاوية سياسية، وإن

وع والـضيم ضهمه الشخصي والشعري كان هذا الواقع السياسي األليم، رافضاً الخ فعاش حياته في ثـورة ... والذل للعرب، ومطالباً بإعادة العزة والفخر والكرامة لهم

.ه مخلصاً لهذه القضيةوتمرد، وعاش شعرولذلك كانت ثورته المبكرة علي هذا الواقع علي العـرب، يـصرخ فـيهم

.وستنهضهم للتحرك لقمع هؤالء الحكام من األعاجممـن فهو ينظر، فيجد الرعية المظلومة نائمة، أو كالنائمة، خـدرها كثيـر

يهم أن يردوا الرذائل التي تجثم علي حياة الناس حيث تلح عليهم الخطوب، ويهتف ف .)٢(عنهم هذا الوباء الكريه، مغيظاً محنقاً أشد ما يكون الغيظ والحنق

وعلي الجانب اآلخر كان عداؤه لألعاجم صريحاً، وهجـاؤه لهـم الذعـاً، وكشفه عيوبهم ومسالبهم دأبة في شعره، يوضح هذا لنفسه والناس في زمانه حتـى

:بكتهمريشاركوه مشاعره الكارهة، وحلمه بالخالص من ــم ــا أم ــل أرض وظئته ــي ك ف

ترعــي بعبــد كــأنهم غــنم

يستخـــشن الخـــزحين يلبـــسه

ــم ــره القل ــري بظف ــان يب وك

.١٣٤، ص ١٩٧٧وطوابعه الشعبية علي مر العصور، دار املعارف، مصر، سنة الشعر : شوقي ضيف. د) ١( .٨٩، ص ٣، ط١٩٨٨فصول يف الشعر ونقده، دار املعارف، مصر سنة : شوقي ضيف) ٢(



-١٦٤-

ال أدب عنــــدهم وال حــــسب

)١( ذمـــموال عهـــود لهـــم وال

فهو دائم التحقير من صورتهم ومن ملوكهم، ودائم الحفـز للعـرب علـي س محـاوالً أن يـصله وفـي النـا "في مجتمعه الضعيف النهوض، وكأنما يصرخ

ما ال يرضيه في عنف وبال هوادة، يريـد أن يقتلعـه مـن ىبالمستحيل، فينهال عل .)٢(جذوره

ــا ــالملوك وم ــاس ب ــا الن وإنم

ــح ــم تلف ــا عج ــرب ملوكه )٣( ع

هــم ألمــوالهم ولــسن لهــم

ــئم )٤(والعــار يبقــي والجــرح يلت

خليها عن خلقهـا وكان شعوره باأللم والمرارة لما آل إليه حال العرب من ت الصادقة في النهوض بهم وإعادة مجدهم، دافعاً له لخطاب الناس وأصالتها، ورغبته

عن الحركة للخالص، وفـراغ في كل بلد يذهب إليه، خطاباً سياسياً، يفزعه قعودهم :والحلم السياسي بالتحرر والوحدة.... بالهم من هذا الهم السياسي

أفاضل الناس أغراض لـذا الـزمن

)٥(يخلو من الهم أخالهم من الفطـن

يستشعرون الهم، وال يشاركونه دعوته وحلمه، ليسوا بـشراً وال والذين ال :يستحقون الحياة، من الناس أو من ملوكهم

حـولي بكــل مكـان مــنهم خلــق

)٦(تخطي إذا جئت في استفهامها بمن

.٩٥ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ١( .٢٣٦، ص ١٩٨١موقف الشعر من الفن واحلياة، دار النهضة، : حممد زكي العشماوي. د) ٢( .٩٥ ص ٤جـ: يوان العكربيالد) ٣( .٦٠ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٤( .٢٠٩ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٥( .٢١٠ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٦(



-١٦٥-

:ة هميخبري وحقيق) بجوهر(فهؤالء وهؤالء ال يستحقون التصريح لهم يستخبرون فـال أعطـيهم خبـري

)١(نوما يطيش لهم سهم مـن الظـن

يرتدون أكفانهم في حياتهم، وإن راقـتهم - وإن عاشوا–فهم جميعاً أموات التـي ) الحال(هو .... حريراً وهيئة فالموت الحقيقي هو القعود عن حلم كبير للوطن

:أسعي دائماً في طلبها ويماطلني الزمن مـضيماً حـسن بزتـه ال يعجبني

وهل تـروق دفينـا جـودة الكفـن

ــا وتخلفنـــي هللا حـــال أرجبهـ

)٢(واقتضي كونها دهري ويمطـالني

المتنبي عن تقديم تجربته مع هؤالء الحكام، وال عن تقديم رؤيته ىوال يتوان ، إنه السيف الذي يقدم الحال والحلم ويعيـد للعـرب عـزهم بللحل الثوري المناس

فـي كـل قـصيدة سـلباً المثبوت ك من خالل كشف واقعهم المرير ومجدهم، وذل يعرضـه )٣ (.....فقلما نقع علي قصيدة ال نستشف عبرها واقع العـصر . ..وإيجاباً

:علي الناس ويستفزهم نحوه صحبت ملـوك األرض مغتبطـابهم

وفارقتهم مآلن مـن حنـق صـدراً

ولمــا رأيــت العبــد للحــر مالكــاً

)٤(رزقاً حـراً أبيت أيا الحـر مـست

ما زلت أضحك إبلي كلمـا نظـرت

إلي مـن اختـضبت أخفافهـا بـدم

ــاهدها ــنام أش ــين أص ــيرها ب أس

ــصنم ــة ال ــا عف ــاهد فيه وال أش

حتى رجعت وأقالمـي قوائـل لـي

)١(المجد للسيف ليس المجـد للقلـم

.٢١٢ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ١( .٢١٣ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٢( .٣٦، ص ١٩٩٠فة، بريوت، ص سريته ونفسيته وفنه من خالل شعره، دار الثقا(املتنيب : إيليا حاوي)٣( :الديوان العكربي) ٤(



-١٦٦-

ــاً ــم ملك وال أعاشــر مــن أمالكه

)٢(إال أحق بضرب الرأس من وثـن

دم هو من نفسه نموذجاً للحل، للخالص، للحلم، بيده وسيفه، منبهـاً ولذلك يق :هؤالء النيام الذين أضاعوا مجد األمة بضعفهم وفتورهم

لقد تـصبرت حتـى الت مـصطبر

)٣(فاليوم أقحـم حتـى الت مقـتحم

ــاهمة ــل س ــوه الخي ــركن وج ألت

)٤(والحرب أقوم من ساق علي قـدم

بكـل منـصلت مـا زال منتظـري

حتى أدلت لـه مـن دولـة الخـدم

أيملــك الملــك واألســياف ظامئــة

والطير جائعة لحـم علـي وضـع

ميعاد كـل رقيـق الـشفرتين غـداً

)٥(ومن عصي من ملوك العرب والعجم

يـسأله ) بخطـه (هـ كتب سيف الدولة إلي أبي الطيب كتاباً ٣٥٣وفي سنة :ليه، أولهاالمسير إليه، فأجابه أبو الطيب بقصيدة أنفذها إ

ــب ــر الكت ــاب، أب ــت الكت فهم

ــرب ــر الع ــر أمي ــسمعاً ألم ف

ــه ــاً ب ــه، وابتهاج ــا ل وطوع

)٦(وإن قصر الفعـل عمـا وجـب

كانت بين سيف الدولة وأبي الطيب أسرار سياسية تخص أغراضـهما "... وآمالهما في إعادة المجد العربي، وإزالة الحكام الطاغيين من الموالي، وقمع الفـتن

.)٧ (...."تي قام بها العلويون والفاطميون في البالدال

.١٥٩ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٥( .٢١٠ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ١( .٤٠ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٢( .٤١ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٣( .٤٤-٤٣ -٤٢ ص ٤جـ: الديوان العكربي) ٤(يف الوايف الدقيق املهم، الذي يؤكد االتفاق السياسي وأسـراره بـني وراجع تعليق شاكر الشا : املرجع السابق ) ٥(

، ٣٣١، ٣٣٠، ٣٢٩الرجلني ومعرفة كافور وكثري من األعاجم لشيء مـن هـذا وتوجـسهم منـه، ص .٩٦ ص ١والديوان ج

.٣٣٠السابق، ص ) ٦(



-١٦٧-

:وتواصل الرؤي النصية.... الرموز الشعريةإن التفسيرات التي قرنت في حدودها الرموز الشعرية للمتنبي، ينبغـي إال ترتكز داخل مسافات إخالص وإعجاب متبادلين مع سيف الدولة، فشخصية المتنبي،

ائم في شـعره، ومهاجمتـه المـستمرة لألعـاجم، وعروبته، وطموحه، وتمرده الد يجب أن تنـضاف لذلك . وحماسه الدائم لتحرير عربي ثورى ترفض هذه التفسيرات

السياسية في هذا البحث تكشف عن أعمـاق النـصوص الرؤية إليها رؤى جديدة، ك دالالت أرحب، وتؤثر في تصورنا عن حياة المتنبي وعن شعره وعن عالقاته فـي

.ا أضافت شيئاً مغايراً للشائع المعهودعصره، وربموالسيفيات مليئة باإلشارات واإليحاءات المفعمة برموز خفية، تومئ بتصور

األمير األعظم المنـوط بـه تحقيـق .... العربي الفتى... المتنبي عن سيف الدولة الحلم، وبالرؤية الكلية لهذا الحلم الذي يراود طموح المتنبي ويتجسد في كل انتصار لسيف الدولة، ومراجعة مقدمات قصائده تكشف شيئاً مـن هـذا، حيـث تتواصـل

.في االتجاه ذاته عند تحاورها مع نصوص أخرى موازية.... الومضات والدالالت، ونبحث عن الئمين يخاطبهمـا "ملومكما"فحين نرفض التفسير التقليدي في

الدولة كلنا جـو يـا وحين نرفض خطابه للشعراء الواشين في بالط سيف ! المتنبيرسول، ونبحث وحين نرفض التفسير التقليدي في الظاعنين، ونبحث عن حلم كـان

وحين نرفض فكرة المقدمة الغزليـة فـي ليـالي، .... بالنصر ضائعاً وتحقق اليوم في درب ) فجره(ونبحث عن حقيقة الليل المظلم الذي يعيشه المتنبي، والذي اكتشف

.وغيرها من إشارات.. القلةنستطيع الجزم بثبات حلم المتنبي في الدولة العربية الكبرى واتفاقه الـرأي مع سيف الدولة حولها، وقد نكون علي صواب حينما نعيد تفسير قـصيدة الحمـى،



-١٦٨-

وتساؤالت سيف الدولـة المتعلقـة بحـال ) لوم (ى سياسية ترد عل علي أنها رسالة مدي إصـرار المتنبـي علـي المتنبي اآلن في مصر، ومستقبل الحلم المشترك، و

وقد يكون في رسالة سـيف الدولـة خطـط ... تحقيقه، وما حدث حوله في مصر ، ذلـك أننـا )١(عبر الصحراء من مصر إلـي الكوفـة أوالً مرسومة إلنقاذ المتنبي

.سنكتشف معني آخر إلشارات األمة،أعداء ... بل الروم الحقيقيون ... ليسوا شعراء البالط المعادين للمتنبي : الروم

أبعد من الوشاة والمغرضين بالمتنبي، في الـبالط، ىظهرك روم إل خلف ولتنطلق . األعاجم في أرجاء الدولةىإلي الروم وإل

وأحسنهم شيماً إلي داللتهـا مـع البيـت الـسابق ... ولترتبط أحسن الخلق فسيف الدولة األحسن من أجل هذه القدرة فيـه ... والسيوف دم ... مباشرة بالحرب

يغبر مـن حتى تتواصل مع فال يدز المطي بال سنام ومع أن .... ي تحقيق الحلم عل .....ويدخل من قتام في قتام: ومع.... ووجهي والهجير بال لثام: ومع... السرايا

وال ... األمراء والملوك الذين ال يهمهم أمر الحلم القومى العظـيم : والخلق ...نهملهم وسكولخمو... يملكون قدرة الفعل والتحرك

بل أمراء وملوك العرب غير القـادرين وال .... ليس فقط كافور : والبوقاتال إلي السيف ..... المتحمسين للحرب الحرية، والقاعدين إلي الخمر والغناء والنساء

.والتحرر ...ففي الناس بوقات.... إذا كان بعض الناس سيفا لدولة

.٣٣٢ -٣٣١يري حممود حممد شاكر بعداً سياسياً يف قصده الكوفة، راجع ص ) ١(



-١٦٩-

يستـشعر بل كل عربـي . )...في شيراز(ليس فقط المتنبي : العربي ىوالفتوكأنها ليست أرضه التـي يعـيش .... الغربة واإلهانة واإلذالل من الحكام األعاجم

.عليها ... العربي فيها غريبىولكن الفتوقـت .. ليس ضياء وطالقة وجه سيف الدولة الفارس البطل المنتصر : والفجر . في حلم المتنبي-، وإنما هو فجر ونور الدولة العربية المنتظرة...الصباح زمناً

فسرت إليك فـي طلـب المعـالي

)١(وسار سواي في طلـب المعـاش

ومـن يجـد الطريـق إلـي : إنه يطلب المعالي التي أشار إليها في الحمى وهي مطالبة من كافور، حيث يرحل إلي دمشق، ويلتقي فيها بأصـحاب ... المعالي

بـد أن سـيقمه واليـا علـي كافور وأوليائه، فيغرونه بلقائه في الفسطاط، وأنـه ال أو ما يماثلها من بلدان الشام، وكأنما زينت نفسه له حين يوليه والية مـن ) صيداء(

الواليات أن يستبد باألمر دون ويحقق أمانيه القديمة فـي إقامـة الدولـة العربيـة :المنشودة، فيصارحه

وسرت إليك فـي طلـب المعـالي

)٢(وسار الغير في طلـب المعـاش

تي فـي عـسجد اسـتفيده وما رغب

ــر ــي مفخ ــا ف ــتجدهولكنه )٣(أس

)٤ (....ويلوح في غير قصيدة بوعد أصحابه له بأنه سيمنحه والية إذا كسب النـاس المعـالي بالنـدي

فأبك تعطـي فـي نـداك المعاليـا

.٢١٦ ص ٢ج: ، والديوان٣٢٦املتنيب، ص : مود حممد شاكرحم )١( .٢١٦ ص ٢ج: الديوان، العكربى) ٢(ال أرغب يف مال من جهتك، ولكن يف مفخـر : يقول.. الذهب: واملسجد.. ٣٠ ص ٢ج: الديوان، العكربى ) ٣(

).العكربي(جديد، ألنه كان يطلب منه والية .٣٤٨عصر الدول واإلمارات، ص : شوقي ضيف) ٤(



-١٧٠-

وغيــر كثيــر أن يــزورك راجــل

ــاً ــراقين والي ــاً للع ــع ملك فيرج

فقد تهب الجيش الذي جـاء غازيـاً

)١(لسائلك الفرد الـذي جـاء عافيـاً

أبا المسك هل في الكأس فضل بقيـة

فإني أغنـي منـذ حـين وتـشرب

إذا لم تنط بـي ضـيعة أو واليـة

)٢(فجودك يكسوني وشـغلك يـسلب

وهل نافعي أن ترفع الحجـب بيننـا

ودون الـذي أملــت منــك حجــاب

وفي النفس حاجات وفيـك فطانـة

)٣(وخطـاب سكوتي بيـان عنـدها

ولـذلك .... كان يمدح كافوراً، نفاقاً وصنعة، وتكلفاً، ليفوز بوالية في حكمه -:كثيراً ما انبجست خلجات قلبه وكوامن عقله في إشارات شعرية

فارم بـي مـا أردت منـي فـإني

ــرواء ــي ال ــب آدم ــد القل أس

وفــؤادي مــن الملــوك وإن كــان

ــشعراء ــن ال ــري م ــساني ي )٤(ل

ت مخيفة لكافور، وقد فهمها كافور ال شك، ولذا ظل علي رأيه تمثل إسقاطا ـ )٥( واليـة صـيداء ىفي منع المتنبي من مطالبة داخل مصر، فماذا لو جعلـه عل

:مثالً؟؟؟ أال يخشي من قول المتنبي ومن يجعل الضرغام للـصيد بـازه

)٦(تصيده الـضرغام فيمـا تـصيدا

مهام صـعبة عاليـة الهمـة، أال أال يخشي قوة المتنبي، ومقدرته وتطلعه ل يخشي قلبه قلب الملوك، واألسد الكامن فيه، يتوثب لالنقضاض؟

.٢٩٠ ص ٤ج: الديوان، العكربى) ١( .١٨٢ ص ١ج: الديوان، العكربى) ٢( .١٨٩ ص ١ج: الديوان، العكربى) ٣( .٣٦ ص ١ج: الديوان، العكربى)٤( .١١٣ -١١٢يوسف البديعي، الصبح املنيب، ص : راجع) ٥( .٢٨٧ ص ١ج: الديوان، العكربي)٦(



-١٧١-

لقد قدم المتنبي لكافور دالئل كثيرة داخل شعره علي أسرار دخوله مـصر، وأسرار مدحه المفاجئ، وفيه ما فيه من الصنعة الشعرية والتكلف النفـسي، فـضال

كل مكان تخبره، وتفسر له وتتزيـد عليـه عن الدهاء السياسي لكافور وعيونه في .)١(حول المتنبي

إنه التطلع والطموح والحلم الكبير الذي يسعي لتحقيقه وفهمـه كـافور دون أن .سكون الموت والحمى... يصرح، واكتفي بالرفض والتسويف والحبس المنعم في مصر

ـ ة، وهو هو التطلع والطموح والحلم الكبير الكامن في مدحه لعـضد الدولوالذي أدركه األخير فقال هو ذا يتهددنا المتنبي، والذي لم يفارق المتنبي في مغاني

:الشعب، قبيل مقتلهــا ــي فيه ــي العرب ــن الفت ولك

)٢(غريــب العــين واليــد واللــسان

لم يكن الحلم السياسي للمتنبي غائباً عن األمراء والملوك في عصره، بـل وتوجس وحيطة في التعامل معه، علي األقـل كانت عالقته بسيف الدولة مثار قلق

.باعتباره أحد عيونه في كل بلد ارتحل إليهوطالما دعا هؤالء وهـؤالء إلـي ... كما لم يكن غائباً عن الناس في زمانه

وتقـاعس فرفض من رفض من األمـراء والملـوك - الفعل والمبادرة -مشاركتهالممـدوح ... )٣(الوحيـد وع والذل، وبقي سيف الدولة ض بالخ رضيواستخذي من

كن كافور كان صاحب سياسة ال صاحب عاطفة، وقد كـون ، ول ٣٦٢حممود حممد شاكر، املتنيب ص : راجع) ١(

طـه . رأيه يف هذا الشاعر، وقض فيه بأمره، واختذه أسرياً يف سجن ينعم فيه بلني احلياة وخفـض العـيش، د .٣٠٩مع املتنيب، ص : حسني

.٢٥١ ص ٤ج: الديوان، العكربي) ٢( .٣٣٣، ص ٣٢٦ص : حممود شاكر، املتنيب) ٣(



-١٧٢-

وحلـم ... والمحبوب والصديق والبطل القومي شريك الحلم، وبقي البعد الـسياسي .وراء مغاليق كثيرة في شعر المتنبي... الدولة العربية المنشودة

والحمى حلقة من هذه الحلقات الـسياسية الغامـضة فـي حيـاة وشـعر .كما يحاول هذا البحث.... المتنبي

:بطل القومي المنشود لتحقیق الحلمال

يحـب - ذراني–ملمومكما : في الحمى كثيراً إلي سيف الدولةأشار المتنبي وعبر له عن فرحته بـالهروب وخاطبه .... العاقلون من وجد الطريق إلي المعالي

وطالما بحث ... من مصر، ووعده باستمرار السعي واإلصرار نحو الحلم المشترك :عنه المتنبي

ــ ــريم أم ــدنيا ك ــذه ال ــي ه ا ف

)١(تزول بـه عـن القلـب الهمـوم

فالشاعر األمير تبادال اإلعجاب والحب، وحافظ كل منهمـا علـي شـعور اآلخر بالعزة والكرامة، واإلباء العربي، وأشبع طموح اآلخـر وغـروره النفـسي، وأرضي فيه سمات شخصيته ولم يقهره علي التخلي عن شيء منها، وهذا سر دوام

....قتهما تسع سنواتعالصاحب حمية ورؤية، يفـوق وأعجب المتنبي باألمير بطال وفارساً، وعربياً

:أقرانه فما قبل سيق الدولـة إثـار عاشـق

)٢(وال طلبت عنـد الظـالم ذحـول

.١٥١ ص ٤ج: يالديوان، العكرب) ١( .٩٨ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٢(



-١٧٣-

ألهي الممالك عن فخـر قفلـت بـه

)١(شرب المدامة واألوتـار والـنغم

فــدتك ملــوك لــم تــسم مواضــيا

ـ )٢(شفرتين صـقيل فإنك ماضـي ال

ــب ــر ذن ــي لغي ــا عل ــك ي نلوم

)٣(ألنك قـد زريـت علـي العبـاد

من نصالها وأشـجع مـن ىأمض"وأبدع في وصف معاركه، وكان لسانه ، فطالما بحث عن أميـر عربـي )٤ (...."أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها

القومى، ويـسخط عـن شجاع مقدام، يتبني القضية العربية وحلها، ويبادله شعوره التواجد الرومي واألعجمي، واستشعر أنه لقي أمل العرب وحاميهم وفارسهم الـذي يمزق جموع الروم شر ممزق في الشمال، وغدا يمزق جموع الحكام األعاجم مـن

.)٥(البويهيين في بغداد، ويرد العرب دولتهم المفقودةاقهما، نقاط نوجزهـا هذا التوجه حول توافق األمير والشاعر، واتف ونعضد

...قصة دخول المتنبي علي شروطه علي سيف الدولة، وموافقة األخير عليهـا : فيالسن المتقاربة التي التقيا فيها، وكان سيف الدولة علـي علـم بالتـاريخ الثـورى

وكالهمـا ...والمذهبي للشاعر، وكالهما عربي أصيل يوجعه الواقع العربي آنذاك وأديب ناقد، وفارس شجاع، يعـرف قيمـة مير سياسي ذكي من شيعة العلويين واأل

لذلك قرب الشاعر وأعال مكانته فـي .. الرؤية والجرأة كالمتنبي شاعراً شجاعاً يمل وسمح له بحضور بعـض مجـالس .... بما فيهم ابن عمه بالطه في جميع الشعراء

.٢٥ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ١( .١٠٨ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٢( .٣٥٩ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٣( .٣٤٦عصر الدول واإلمارات، ص : شوقي ضيف. د) ٤( .نفسه والصفحة) ٥(



-١٧٤-

يزال بـين في معاركة، وال -واصطحبه ال يفارقه ... البالط للنظر في شئون الدولة .)١(وإن هدأت... قديمة ونزاعات أرضمحندولته ودولة اإلخشيد

ونضيف في مستوي التحاور النصي، قراءة متسائلة حول صـورة البطـل سيف الدولة في مدائح المتنبي إياه، وبخاصة حين يمدحه منتصرا في معركـة مـن

ابقين لممدوحيهم، ولم لم تكن مدحاً تقليدياً كمدح الشعراء الس .... معاركه، مع الروم ".... الحـب "تكن مجرد إشادة بانتصار، أو بخليفة انتصر جيشه، كما تعدت مرحلة

....تعدت هذا كله... مدح الحبيب لحبيبهإلي مدح البطل القومي المنشود، بما في هذا من احتفاليات مبهجـة يـذيعها

فيما حولـه مـن حول هذا البطل، ويعمد إذاعتها وشيوعها فيمن حوله من أمراء، و للممدوح البطل القومي، ليـضفي عليـه بلدان، إنه المدح الذي يبتهج ويهلل ويبالغ

هاالت الزعامة المطلقة، وقد كانت فرحة المتنبي بالنصر، وصـاحبه، أكبـر مـن .مجرد النصر، في معركة، حيث كل نصر يحقق جزءا من الحلم

لتي صـاغها المتنبـي لذلك كان البطل القومي هو بؤرة اللوحات العظيمة ا فرسـه ىوصفا لمعارك سيف الدولة، بل هو كل اللوحة، تراه في كل زواياها وتر

، وصـفا وجهه الضحك، وثباته، وجرأته، وحزمه، لحظة لحظة، ولقطة لقطة ىوترألدق التفاصيل، الفرس والغبار والسيف والرمح وللبطـل وفروسـيته، وحركاتـه

ونحـو .. دفعا نحو مزيد من االنتـصارات ا البطل الميدانية، وكأنما الشاعر يدفع هذ . األكبر النهائي في الحلم العظيمراالنتصا

ومـا ١١٠، ص ١٩٨٥ئة املصرية العامة للكتـاب، سـنة أبو الطيب املتنيب، اهلي : عبد ايد دياب . د: انظر) ١(

. وما بعدها١٢٩بعدها،



-١٧٥-

ـ ... هذا البطل " فقط"وكأن الشاعر يرصد ـ ىوما صنعه، حتى قتل ى وجرح .... يراهم من خالله هو... األعداءىوأسر

... نثرتهم فوق األحيدب- تمر بك األبطال-لدولة روح البطولة القومية المتفردة، ألنه كان المتنبي دائماً ينفث في سيف ا

ويشحذ فيه روح االستمرار والمواصـلة، ... للحلم... الفارس الوحيد المنتظر لألمة ليتعقب بقية من األعداء الروم واألعاجم ويبث حوله هاالت مبالغة ترهب من حوله

.وتقنع اآلخرين باالنضواء تحت لوائهولكن األمـراء، والوحيـد القـادر علـي . ... الوحيد لهذه األمة أنه األمير

المواجهة والحرب، والوحيد القوى الجرئ الفارس، المعتاد خوض المعارك ومنازلة إذا طلعت ... األعداء، في صور تتعدي فنيا ودالليا وتاريخيا الصورة القديمة للنابغة

.لم يبد منهن كوكب .)٢ (...ومه همام إذا ما هم أمضي هم-)١(واألمير الذي بها المأمول - .)٤ (... فكان أحسن خلق اهللا كلهم– )٣(وفي الناس بوقات لها وطبول -

.)٦( وما قبل سيف الدولة إثار عاشق– )٥(علي شروب للجيوش أكول -ولذلك يوجهه دوماً إلي كل األعداء في الشمال والجنوب والشرق والغـرب

.)١(ويدفعه دفعاً إلي المواصلة نحو الحلم

.١٥٣ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ١( .١٠٠ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٢( .١٠٨ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٣( .٣٦٤ ص ٣ج: الديوان، العكربي)٤( .١٠٧ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٥( .٩٨ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٦(



-١٧٦-

.)٢(ظهرك روم وسوي الروم خلف -ولذلك أيضاً نري سيف الدولة في الصورة الشعرية للمتنبي رمزاً خفياً لهذا

ولما يتطلبه من تضحيات، رفضاً لتأويالت وتفسيرات كثيرة حـول ..... الحلم الكبير دواليـك يـا - فكأن أحسن خلق اهللا كلهم -رأيت بدرب القلة الفجر ... هذه الصور وفـي .... ويخفين بدراً ما إليه وصل .... بها المأمول واألمير الذي ... سيفها لدولة

.بعض الناس سيفا لدولة.... الموت من بعد الرحيل رحيلفي شعر المتنبي إذن عشرات الرموز اإليحائية، تنبغي قراءتها في ضـوء

ذلك الحلم الذي راود طموحه العظيم، وسعي إليـه ولـم ... الحلم السياسي للمتنبي :ته إلي أن مات في الطريق إليهيتخل عنه طيلة حيا

ــن ــي ولك ــا أبق ــلم فم وإن أس

)٣(سلمت من الحمـام إلـي الحمـام

يخاطب به في الحمي سيف الدولة، الذي ما الزمه تسع سنوات كاملـة إال ألنه البطل القومي القادر علي المـشاركة نفـس المتنبـي ومتطلبـات شخـصيته

مـا - يدخل من قتام فـي قتـام – أن يغير في السرايا -ىمرامالصعب : وطموحه ما حم اعتزامي، فهي إشارات تتحاور مع صور كثيرة للمتنبـي -مرض اصطباري

:داخل شعره، نحو الحلم السياسي لم يترك الدهر من قلبي وال كبـدي

ــد ــين وال جي ــه ع ــيئاً تتيم )٤(ش

ــه ــي مال ــين جنب ــاً ب ــن قلب ولك

)٥(مدي ينتهي بي في مـراد أحـده

.، علي هذه القصيدة، فهو مؤكد الجتاه البحث٣٢٧املتنيب ص : راجع تعليق حممود حممد شاكر ) ١( .١٥٧ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٢( .١٤٩ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٣( .٤٠ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٤( .٢٣ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٥(



-١٧٧-

)١(وقصر عما تشتهي النفس وجده ق اهللا من زاد همه وأتعب خل-وعلى الجانب اآلخر كان سيف الدولة أبعد همة في حلمـه الـسياسي مـن

؛ حيث كان سيف الدولة قد عزم في نفسه أن ينال بهمته غاية الغايات فـي ..المتنبيك ضم أشتات البالد العربية تحت سلطانه وفي ظل حكومته، وكان أول ما أتم من ذل

أن زحم اإلخشيديين بمناكبه حتى أزاحهم عن أكثر الـبالد الـشامية وردهـم إلـى الرملة، وكانت هذه هي إرادته، ليجمع شمل العرب ويرد الحكم إلى اليـد التـي ال

.)٢(تضطربولذلك اتفقا حول هذا الهدف، بل نزعم أن لسيف الدولة يداً في خطة الهرب

-٣٢ -٣١ -٣٠= هذه الداللة فـي أبياتهـا ، وأن رموز الحمى تحوي )٣(وتفنيذها مع نصوص وأخبار كثيرة بين الـرجلين، فمراسـالت سـيف ر، وتتحاو ٣٤ -٣٣

وكان سيف الدولة ال يـزال " المتنبي لم تنقطع منذ خرج األخير من حلب، -الدولةمستقصياً ألخباره في كل بلد ينزل، متتبعاً لشعره الذي يقوله لكل مـن منحـه مـن

وكان أيضاً يكاتبه ويتلقـى منـه ... أيضاً ال يال يهدي إليه من هداياه، بعده، وكان وكل هذا دليل على أن المحبة التي كانت بين الرجلين لم تكـن محبـة -بعض كتبه

أمير لشاعره وحسب، بل كانت صداقة ال يقطع فيها حدث من أحداث الزمـان، أو .)٤(" سعى الوشاة والمتقولين

.٢٢، ص٢ج: الديوان، العكربي) ١( .٣٢٨املتنيب، ص: د حممد شاكرحممو) ٢(، املتنيب ص ١٢٦ -١٢٥الصبح املنيب، ص: لتفاصيل رحلة هروب املتنيب، واألماكن اليت مر عليها، راجع) ٣(

٣٦٧. .١٠٨، والصبح املنيب ص ٣٢٧املتنبيص : حممود حممد شاكر) ٤(



-١٧٨-

:ذا االتفاق، تتعلق بقصيدة المتنبيوثمة مراسلة مهمة في ه )١(أنا أهوى وقلبك المتبول مالنا كلنا جو يا رسول

ذلك أن سيف الدولة أرسل إلى المتنبي بعد خروجه من مصر، وهو بالكوفة هـ، وبعد أن فارقه بست سنوات أرسل هدية مع أحد أقاربه، فكتب إليـه ٣٥٢سنة

:ورد في هذه القصيدة، يخاطب سيف الدولةقصيدة أهداها إليه كما أهدى، فكان مما أن يكون القفول) الوعد(فمتى أنت طول الحياة للروم غاز

فعلى أي جانبيك تميل وسوى الروم خلف ظهرك روموال يكون كذلك إال أن يكون وعداً وعده سيف الدولة أبا الطيب لتحقيق مـا

)٢ (....يريدان من رد الحكومة إلى العرب ا يوجب الحب للفتـي أعادي علي م

ــول ــي تج ــار ف ــدأ واألفك )٣(وأه

.الذي يهون الموت في سبيله.... العمل الجليل... الدولة... وهو هو الحلم ومن يبغ ما أبغي من المجد والعـال

)٤(تساوي المحايي عنـده والمقاتـل

ومن يجد الطريـق إلـي المعـالي

)٥(فــال يــذر المطــي بــال ســنام

الموت العظيم الشريف الذي يطمح إليه المتنبي في سـيقا ولتتواصل معاني .الحلم العظيم أيضا، فإذا كان

......................................

)٦(أن تموت جبانـاً ..............

ــر ــيء حقي ــي ش ــوت ف ــم الم طع

)١(كطعم الموت في شيء جليـل

.١٤٨، ص٣ج: الديوان، العكربي) ١(تابع بعدها تعضيداً لفكرة االتفاق السياسي بني الشاعر واألمري، ، ٣٢٨ -٣٢٧املنيب ص: حممود حممد شاكر) ٢(

.١٥٧، ص٣ج: الديوان، العكربي: والبيتان .١٠٩ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٣( .١٧٧ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٤( .١٤٥ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٥( ج: الديوان، العكربي) ٦(



-١٧٩-

.ليلهذا الشيء الج.... فليكن موت المتنبي في سبيل الحلملتتواصل ..... وفي الموت من بعد الرحيل رحيل )... الموت(لذا تعاد قراءة

أو ... الموت في سبيل تحقيق الحلـم -من الحمام إلي الحمام : مع الموت الثاني في .ضياعه وفقدان أمل تحقيقه

والـسعي دومـاً نحـو ... ولذلك فالبقاء الحقيقي للمتنبي مرهون ببقاء الحلم :بهذا السعي في اتجاهه المؤرقتحقيقه، والتمتع

ــاد ــهاد أو رق ــن س ــع م تمت

)٢(وال تأمل كـري تحـت الرجـام

وإن لم يمت في سبيله، فال حياة شريفة، وال موت مـشرف، وإنمـا مذلـة :وهوان وحياة حقيرة، الموت أفضل منها

ــي ــالي معن ــث الح ــإن لثال ف

)٣(سـوي معنـي انتباهـك والمنـام

ومقدماتها خاصة، في تفسيرات معدة سـلفاً مـن إن قوليه قصائد المتنبي، شأنه أن يحجب دفق التفاعل بين المتلقي والنص، وبين النص ونتاج الشاعر، وبـين النص ومؤثرات إبداعه وإفرازه في واقعه، كما يعري النص في حلل جمالية وفنيـة

حـين وداللية عميقة ومهمة، يتزيا بها وتنضاف إليه، تفتق أزاهيره وعبقه الـدفين الشمس النقدي على الكل فيلمح األلـوان يتوسط بستان زراعة، وحين يفيض ضوء

نتـاج التفاعـل .. والظالل واألضواء والتعرضات والمنحنيات واإليحاءات والزوايا .والتواصل

: الديوان، العكربي) ١( : لعكربيالديوان، ا) ٢( .١٤٩ ص ٣ج: الديوان، العكربي) ٣(



-١٨٠-

فيمـا يـرى = إنها القيم التي ال تكتشف في النص مقولباً أو منعزالً، وهـي . الناقد سرداب التجربة لينقب عنها في الزواياالقيم الحقيقية التي يدخل= الباحث

إن قراءة مغايرة تتحرر من أسر هذه القولية، وتتحرى التواصالت اإلشارية الوامضة في النص، من شأنها أال تسلم بنضوب دفقه وأال تتماثل للخمـول تجاهـه وأال تندفع نحو بتره وتعليبه باعتباره عضواً أدى ما عليـه، وأفرغـت قيمـه مـن

.كنونها، في ذاتها وتجاه الكلمدائم الحياة والحركـة والتواصـل .. أنها قراءة نص يستعصي على التحنيط

والعطاء، قراءة تتحسن وشائج البث اإلشاري للغة نحو تواصالت الـرؤى الكامنـة بين خاليا النصوص المختلفة للمبدع، وتضع يدها على عمق الـدالالت المتواريـة

الـوطن ... المـرأة ... الوطن والحلم، وفي مالنا ... المرأة ...للمشابهات في ليالي .تجدد ثورة النفس والفكر والجسد نحو الحلم.... والحلم، وفي الحمى، المرأة

ليتجدد ثراء فيض اإلبداع، وتتجدد الرؤى حوله، وتتواصل حلقات ... وهكذا.. عسواء حول سر عبقرية المبد ... مفرغة، وتجد تساؤالت غامضة بصيص ضوء

.أو حول سر خلود إبداعه .تثبت هذا" مالنا"وإعادة قراءة " ليالي"وإعادة قراءة

:الظواھر اللغویة: أوًالالتشكيل اللغوي بما يعكسه من خصائص أسلوبية، في قـصيدة الحمـى، يمثل الخاليا الحيوية التي تشع دالالت التجربة في أنسجتها الدقيقة، وهو جـزء

عر ورؤيته الخاصـة، وإحـساسه وانفعالـه وتـوتره مستهدف من اختيار الشا .ورسالته لحظة اإلبداع



-١٨١-

وبذلك تحاول السطور التالية متابعة المكنونات الداللية واإليحائية للظـواهر .. اللغوية في الحمى، ومدى فعاليتها داخل التجربة، وأثره في كشف جوانبها الخفيـة

.. الجـار والمجـرور .. االستفهام. .النفي.. الضمائر.. الضمائر واألفعال، األفعال .الوصف.. اإلضافة

: الضمائر-١كـسر نظـام .. لغة الشعر تكسر رتابة اللغة المألوفة، وليس المقصود بهذا "

اللغة الصرفي أو النحوي، ألن قمة اإلبداع تتمثل كونه إبداعاً داخـل هـذا النظـام .)١("نفسه

اللغـة [ربته فيستخدم فهي إذن لغة فنية، يعرف صاحبها كيف يعبر عن تج نها أن تثيرها بتعمـق مـدلوالتها وتنظـيم سـياق أفي خصائصها الفنية التي من ش

، ويجدد قراءتهـا، ويغنـي واإليحائيةألفاظها وجملها، بما يوسع نطاقاتها الصوتية مجاالتها التعبيرية سـواء علـى صـعيد التركيـب اللفظـي أو التـأثير النفـسي

عاني النص مزيجاً من الدالالت المعنوية لأللفاظ والعبـارات وثمة تصبح م .)٢(]والجماليمضافاً إليها مؤثرات اإليقاع الموسيقي لها، وتمثل الصور والظالل الكامنـة خلـف التعبير، مضافاً إليها أسلوب الشاعر في عرض تجربته الشعرية، ذلـك األسـلوب

..ه وعصرهالذي هو مزيج من ذاته ومردود حياته والخفى الكامن من ثقافتكما ال تنفصل معاني النص عن الموقف المثير الذي دفـع الـشاعر دفعـاً للكتابة، بما لهذا الموقف من أبعاد تصل بين لحظته اآلنية وتاريخه الماضي وبعـده

سواء للموقف في ذاته أو لطبيعة تعبير الشاعر عنه، وتوظيفه إياه فـي .. المستقبلي

.١٥، ص١٩٩٠اجلملة من الشعر العريب، مكتبة اخلاجني، القاهرة سنة : حممد محاسة عبد اللطيف. د) ١( .٣٦، ص١٩٨٨فنية التعبري يف الشعر اجلديد، مطبعة األمانة، مصر سنة : سعدم أمحد احلاوي) ٢(



-١٨٢-

للغة النص الشعري تمتاح ذهـن المتنبـي وربما كانت هذه الرؤى ... نص شعري .وهو يكتب الحمى

فاستخدم العناصر اللغوية شديدة التعبير عن محنة الحمى، كما يراها، فـي بما لهذين البعدين من وشائج مع الماضـي، ) .. المستقبلي(القريب، و ) اآلني(بعديها

ؤيته هـو ووشائج مع الواقع، وعرف كيف يعبر في مزيج متكامل عن نفسه هو ور من خالل الموضوع الظاهري للنص، كما يتضح من قراءة الظواهر اللغويـة فـي

".الحمى"قصيدة له مبرراته الداللية بالنسبة للمبدع والمتلقـي علـى "والتعامل مع الضمائر

، وهي حقيقة تنطبق على الكثير من قصائد الشعر العربي القديم، وقصيدة )١("السواء، وتتنـوع، )٢(حيث تكثر الضمائر داخـل الـنص .. ثباتهانموذج واضح إل " الحمى"

، بل أيضاً باألثر الداللي للـضمير "ودفعاً لإللباس " "طلباً للخفة "وتتجاور، ليس فقط وماي صاحبه من إيحاءات وإشارات داخل النص، وقد كان هذا األثر مهماً في فهم

.تجربة الحمى للمتنبيالمتنبي، بنسبة حـضور عاليـة فأكثر من مائة ضمير داخل النص خاصة ب

.)٣(للمبدع، ومحور التجربة داخلها، يصرفنا عن جمل الحمى مقصودة لذاتها فيها مـضاف - مفعول -فاعل(وموقعية الضمائر نحوياً مع األفعال أو األسماء

ترتبط داللياً وبوضوح بالتيارين الرئيسيين اللذين ..) في محل جر بحرف جر -إليه ..يسريان في النص

.١٤٢، ص١٩٩٥ة يف الشعر احلديث، اهليئة املصرية للكتاب سنة قراءات أسلوبي: حممد عبد املطلب. د) ١( . ضمري١٢٠أكثر من ) ٢( . والنص اثنان وأربعون بيتا٢٧ً -٢١مشهد وصف احلمى يف النص سبعة أبيات، من ) ٣(



-١٨٣-

.المرض والسكون والموت: يارت .الصحة والحركة والحياة والحلم: تيار

كما ترتبط بتوجهات الزمن وتوتراته داخل األفعال، في الماضـي أو فـي الحاضر والمستقبل، أو حينما تتحول أزمنة األفعال ليدل المضارع على الماضـي،

مفعوالً، فيوجـه ماضي على الحاضر والمستقبل، ويتورت الضمير فاعالً أو الويدل - اسـتريح -بعيـدة، يجـل .. التجربة ككل معه نحو زمن الفعل، في رؤى غائمـة

تصور المتنبـي فـي ) حال واستقبال (فهذه األفعال المضارعة .. يحب - أرد -أتعب .وهكذا.. المرض واالهزل والقيد) اآلن(ويقولها وهو في قمة .. الماضي

وغيرهـا، .. بـذلت - ملني - عجبت - صرت - جزيت -واألفعال الماضية ومع ذلك تتخذ صـورة الماضـي، ).. كان(، وليس الذي )اآلن(تتحدث عن المتنبي

.عكس زمن التجربة ورؤيتها.. في الماضي) فاعالً أو مفعوالً(وليصبح الضمير وتتطلب مخالفة الزمن في التجارب الشعرية الخالدة، قـراءة نقديـة، تعيـد

ولنا أن نقـرأ علـى سـبيل .. أو زمن النصالعالقة بين زمن الفعل وزمن التجربة أو البيتين بعده، لنرى فـي األفعـال دالالت " الحمى"المثال، هذا المقطع المهم من

..زمنية غير دالالتها النحويةــدي أتمــسى ــا ليــت شــعري ي أال يــصات ــواي براق ــي ه ــل أرم وهــدري ــل ص ــفيت غلي ــا ش فربتمــا ــصت منه ــة فخل ــاقت خط وضــال وداع ــب بـ ــت الحبيـ وفارقـ

تــصرف فــي عنــان أو زمــام محــــالة المقاومــــد باللغــــامــسام ــاة أو حــ بــــسير أو قنــــدام ــسج الف خــالص الخمــر مــن ن وودمعـــت الـــبالد بـــال ســـالم



-١٨٤-

فإن أمرض فمـا مـرض اصـطباري وإن أســـلم فمـــا أبقـــى ولكـــن

ــي ــم اعتزام ــا ح ــم فم وإن أحم )١(سـلمت مــن الحمــام إلــى الحمــام

مرض والمعانـاة والـسكون، على كل فضمائر النص هي المتنبي، حالتي ال والصحة والكبرياء والحلم، وهما حالتان متقابلتان، ينجح الضمير بموقعه اإلعرابـي داخل النظام النحوي في تجسيدهما، حين نحشد لقراءته مجموع المـؤثرات الفنيـة

.المحيطة، ومجموعة الدالالت المؤازرة له داخل النصكسار والحزن والسكون، وأحياناً فالضمير مفعول به ومضاف إليه، حال االن

:نائب فاعل ال - ملنـي شـرابك - داؤك - عندي كل بنت - غسلتني - فارقتني -زائرتي

. ال يطال له- فأمسك- حاسدي- فؤادي- عائدي- ال أمامي-ورائيوالفاعل في النماذج السابقة عناصر المعاناة القاهرة الخارجـة عـن قـوة

.راش وكافورالمتنبي، وإرادته الحمى والمرض والف، الضمير فاعالً نراه حال القـوة والكبريـاء والحريـة )٢(وفي أغلب صور

سواء عن طريق اجتـرار .. وتحقيق الذات والحركة في اتجاه الحياة الحلم المستقبلي :صور قديمة فقد أرد المياه- استريح بد، وهذا- تعود أن يغبر في السرايا- وليست بقائع- ..في قتام ويدخل من قتام -

.١٤٧، ص٤ج: الديوان، العكربي) ١( ... أراقب- بذات-لتيار املعاكس، أقمتبل يدل على ا.. أحياناً يكون الضمري فاعالً وال يدل على التيار ذاته)٢(



-١٨٥-

:وساء عن طريق استشرافها والوعد بها مستقبالً . ومن يجد الطريق إلى المعالي- . ولم أر في عيوب الناس- . فإن أمرض فما مرض اصطباري- . وإن أحم فما حم اعتزامي- . وإن أسلم سلمت من الحمام- . تمتع من سهاد أو رقاد-

-اً حقيقياً وحضوراً فنياً الشخصية والشاعر حاضر دائماً، حضور : فالمتنبيتـاء ياء المتكلم، أنا، كاف الخطاب هو، : في كل أبيات؛ في صور متعددة للضمائر

.الفاعل، أنتويمثل االلتفات بين هذه الضمائر، تقسيماً فنياً لمشاهد اللوحـة الكليـة فـي

فاسم المفعول والهاء في البيت األول، يتركان ليلتفت إلـى نفـسه ".. الحمى"قصيدة .ويفسرها في البيت الثاني ذراني عن طريق ياء المتكلم

لـتعكس صـورة المتنبـي ) ٦(وتستمر ياء المتكلم وتاء الفاعل حتى البيت مخاطباً الئميه عن نفسه، مـستعرضاً صـورته بنـي الماضـي والقـوة واألنفـة

.والشخصية تاء الفاعل حتى البيـت + ومستعرضاً تحوالت في سمات شخصيته ياء المتكلم

. عجبت من- لست- أرى-أنف) تاء الفاعل) (أنا(ويستمر مستعرضاً نفسه ) ١٠(وهو التفات مهم في .. ومن يجد الطريق إلى المعالي ) هو(ويلتفت عنها إلى

ولـم ( المتنبي فيه عن نفسه ويوضح هذا في البيت التالي -، يتحدث "الحمى"تجربة



-١٨٦-

لى حلمه الكبيـر المـشترك مـع وتأتي المعالي إشارة خفية إ ). أر في عيوب الناس .سيف الدولة

تاء الفاعل وياء المتكلم، حين يتحث عن "إلى أنا ..) من يجد (ويلتف من هو امتاجات معاناة مريرة للمرض، تأخـذه فـي غيبوبـة ) أنا وهي (، وتمتزج "الحمى"

، ويناديهـا، فـي )أنت(، ليلتفت إليها ٢٧وذهوب وهزال ومرض عنيف حتى البيت ويلـح عليهـا ) أبنـت الـدهر ( مهمة إلى ذاته، وموضوعه الرئيـسي لحظة إفاقة كيف وصلت أنت من الزحام؟ في صرخة نداء واستفهام تمثالن صـحوة .. بالضمير

.مهمة في دالالت النصفينبه نفـسه، .. ٣٤، ٣٣، ٣٢، ٣١) أنا(وإلى ) ٣٠بنت (يعقبها التفات إلى

أيضاً من الـنص، وكأنمـا في مشهد مهم .. تصرف -أال يا ليت شعر يدي أتمسى ، والحرية والهرب من مـصر، )١(صحا المتنبي على مغزى رسالة تبشره بالخالص

وتمـسكه . وتسأله عن مدى استعداده لذلك .. وتحقيق الحلم، وترسم له خطة الهرب .بحلمه

واالستفهام، عناصـر .. والتنبيه... وياء المتكلم ) .. أنا(ليصبح التحول إلى حوة الفرحة واالبتهاج ودهشة المفاجأة ولـذلك يـسخر مزهـواً لغوية دالة على ص

يقـول لـي ) (هو(بانتصاراته القديمة، ويضحك من كالم الطبيب حيث يتحول إلى الجواد الذي طالما غامر وخاض وغبر وتحـرك ) فهو(ثم إلى نفسه سريعاً ) الطبيب .٣٨، ٣٥.. وحارب

.راجع ص من البحث) ١(



-١٨٧-

على رسالة ما مـن ليستمر في صحوته وكامل عنفوانه وحزم قراره، رداً ، وكأنما يوجه إليه الخطاب في نهاية النص، أنت تعرفنـي )٣٤، ٣٠(سيف الدولة

إن أمرض فما مرض اصطباري ) أنا(جواداً متحركاً، أمسك اآلن عن الحركة، لكن فقد مرض جسدي ولم تمرض عزيمتي واصطباري وإصـراري علـى .. وإن أسلم

.تحقيق الحلم المشتركبكـل ) الئمته في البيت األول من الـنص (مخاطباً نفسه ) نتأ(وليلتفت إلى

والسهاد في سبيل الحلم، ولتتوحـد وتتواصـل .. القوة واإلصرار كذلك على الحياة لينتصر هذا التيار، الرؤى، والتشكيالت اللغوية من البداية حتى النهاية فـي اتجـاه

.داللي متماسك يصب في االتجاه ذاتهلدور الرئيسي في فهم تجربـة الحمـى، بتغايرهـا وهكذا لعبت الضمائر ا

والتفاتها وتحاورها، واستبدال مواقعها النحوية داخل النص، واستطاعت أن ترسـم .المستقبل.. الحاضر.. جوهر التجربة في مراحلها المتعددة الماضي

: األفعال-٢ ..اللغة والموسيقى والصورة هي

محـور الـسمات األسـلوبية وفيها يكمن عناصر تميزه، وهذا التميز هـو للشاعر، ألنه النتاج المباشر الختياره اللغوي ولكيفية تعبيره خالل اختياره ولرؤيتـه

.الخاصة في تجربته لكل مكونات النص، بداية من األصوات الحاملةالتشكيل اللغوي هو الجذور

ة بـين والمفردات ونهاية بالصور واألخيلة مروراً على الظالل واإليحاءات المنبعث ألوانه، وفي الكل تسري هـذه العـصارة الخـضراء ,ثنايا أوراقه وثماره ورائحته

.الجامعة للنص والمنسربة فيه، تمنحه الحياة والخصوصية



-١٨٨-

فـي نـسبة الحركـة اوتعكس حشود األفعال في قصيدة الحمى، شيوع واألحداث والتوتر في تجربتها الشعرية، وتعكس ديمومة تناميها بدايتها وحتـى

.النهايةففيها يستخدم الفعل المضارع أربعين مرة، والماضي ثمان وعشرين مـرة،

.واألمر مرتين وحذفه الشاعر من التركيب مرة ثالثةومحور الفاعل والمفعول في حل هذه األفعال هو المتنبي، مبـدع الـنص، وفي األغلب األعم منها كان الفاعل، وفي قليل كـان المفعـول، وجـاءت الحمـى

.فراش فاعالً مرة أو مرتين داخل النصوالوهذا يعكس أن المتنبي هو محور التجربة الشعرية في النص، وأنه ولـيس مرض الحمى ركيزة النص وبؤرته وعليه تدور حركة وتوترات وتنـامي أفعالـه،

.حيث تغيب الحمى ويحضر المتنبي ونفسيته وشخصيته وموضوعه أمام المتلقيعناصر تجسيد مشكلة الشاعر، وأداة مـساعدة لتصبح الحمى المرض أحد

لكشف معاناته، وتفعيل دوره بالسلب واإليجاب، نجح المبدع في توظيفها ظرفاً آنيـاً يمر به في تجربة شديدة الخصوصية واألهمية فـي حياتـه وعالقاتـه ومـستقبله، لتتحول من حمى الجسد، لتصبح حمى العقل والشخصية وثورتهما ضد فشل حلمـه

ية والحكم، عند كافور، وصحوة الحركة نحو الهروب من مـصر، ومواصـلة الوال .، بل في سبيل الحلم)في سبيل المرض(اإلصرار والعزم على الموت

إن غلبة وشيوع الفعل المضارع يعكسان استغرقا الشاعر في حاضر حزين مؤلم يعيشه لينبض الزمن الحقيقي للمضاعة بالتيار األول الذي يسري فـي الـنص

وليس األمر كـذلك للمـضارع فـي ).. الحزن واالنكسار والقيد والسكون والموت ( .زمن التجربة، ليدل على الماضي أحياناً، وليوحي بالتيار الثاني المعاكس في النص



-١٨٩-

والمـستقبل الحاضـر وكذلك الفعل الماضي، الذي دل في التجربة على الماضـي لك يعكس الفعل كثيراً، وقليالً ما عبر عن زمنه النحوي الحقيقي، ولذ

للفرح والكبرياء والحرية والحركة والحيـاة (وتراكيبه غالباً صورة التيار الثاني .داخل النص) والحلم

في خصال الشخصية إلى الـشك ) آنية(وأحياناً يعبر بالماضي عن تحوالت .فارقته. باتت.. عافتها.. وكذلك يصور الحمى بالماضي... والمداراة والرياء

يحدث هذا زمن التجربة أو زمن اإلبداع ليدل بالماضي عن اآلن وفي هـذا وموقفـه .. في واقعه وحول نفسه وشخصيته ومعاناتـه استغراق المبدع ما يعكس

.الخاص من الحياة والمرض والحلم كان صريح الداللـة علـى المـستقبل فـي مواضـعه المضارعأن الفعل

.ف، أرمي، أسلم، أبقى، ينبو، يروبمصاحباته اإليحائية واإلشارية، تصر .كما دل على الماضي بدالالت التجربة، استريح، أتعب، يعبر، يدخل

الشاعر تحمل مع تراكيبها دالالت المبادرة والحركة ) فاعلها(واألفعال التي وإيجابية التفاعل من الشاعر، وتتجه بالتجربة نحو التنامي والفعل وإرادة الطمـوح،

الت تحقيق الحلم وإثبات الذات التي تشع في النص ككـل، كمـا بما يتوافق مع دال .. تحمل دالالت الرفض والتمرد على الواقع والسعي نحو الحرية والحركة والحيـاة

بما يدعم التيار الثاني المتجه نحو الحلم، ما مرض اصطباري، ما حـم اعتزامـي، .فارقت الحبيب، ودعت البالد، إن أسلم، استريح، أتعب

، حيث دلـت علـى )مفعوالً به (كس األفعال التي كان الشاعر فيها على ع : االنكسار والهزيمة أمام بعض األحداث، رغماً عن إرادته، وبها ينمو التيـار األول

.فارقتني، غسلتني، ملني، ألقاك: الحزن واالنكسار والقيد والسكون والموت



-١٩٠-

لفاعل والمفعول في دالالت موقع ا ) السابقة) (القاعدة(وقد يعكس اضطراب ) فـاعالً (به، هذا االضطراب الثوري في نفس المتنبي لحظة اإلبداع، فأحياناً يكون

منتصراً عظيم الكبرياء والحركـة ) مفعوالً به(وأحياناً يكون : مهزوماً منكسراً ساكناً بما في ذلك من توتر وعدم استقرار وتمرد على واقع المرض، يظهر في اضطراب

).الفعل(توظيف :زمن الفعل وزمن التجربة

تعكـس غلبـة وديمومـة ) إحدى وسبعين مرة(نسبة الذيوع العالية لألفعال ، والحاضـر ) مرة ٢٨(الحركة وحشود األحداث داخل النص، وتوتره بين الماضي

، )حيـاة الـشاعر (، فضالً عن انفتاح زمن الفعل على التجربة ) مرة ٤٠(والمستقبل بعاداً أخصب وأرحب وأعمق لتجربة الحمى، تكـشف ليتلبس أزمنة مغايرة، تعكس أ

معاناتها الحقيقية، واألفعال اآلتية في مواضعها من النص، وتوترها الزمني والداللي :يوضحانالفعالن مضارعان لداللة الحاضر المـستقبل، .. صرت أشك فيمن اصطفيه §

.وهذا صوابضي، حيث كان الفعل مضارع والداللة الما ... يحب العاقلون على التصافي §

.يحب سيف الدولةالفعل مضارع والداللة الماضي يقـصد كـم ... وآنف من أخي ألبي وأمي §

. أنفت قديماًالفعل مضارع والداللة من يعني نفـسه .. ومن يجد الطريق إلى المعالي - §

.والبد هنا من تكرار عجبت أول البيت . أبذل لها كل بينة- اآلن-بذلت لها المطارف والداللة §



-١٩١-

فتعافها وتبيت في عظامي كل ليلة، فالحمى فعل ليلي الداللة عافتها وباتت، ف §متكرر، وهل يعني استخدام الماضي في هذا البيت الرغبة فـي زوالهـا أو

!!أنها زارته مرة وليتها ال تعاود الزيارة مـرة، واألمـر ٣٢ مرة داخل النص، والماضي ٣٩ورد الفعل المضارع

علية يؤدي دالالت النص في اتجاهيه، لينتصر تيار الحياة مرتين ومجموع الجمل الف لتجربة، وفهمها هو الذي االحلم في النهاية، مع تداخل وتبادل الزمن ودالالته داخل

.يوجه أزمنة التراكيبتعبر عـن نفـسها، وكـائن شفوية ومهما يكن من أمر التيار النص رسالة

مردود ما شديد خصوصية العالقة بهذه القارئ من / ينطلق ليثبت ذاته، فالبد للمتلقي الرسالة، يساهم في تفسير شفرتها في االتجاه الـصحيح، ويمنـع مـن انفـساحات

.وانبعاجات وتعرجات واهمة للتفسيروقد يتعدد هذا المردود، فهو إما مرجعية نصية موازية، أو مرجعية بيئيـة

ره فـي ثنايـاه، معاصرة، أو مرجعية ذاتية تنبع من باعث النص ومؤثرات حـضو ، خاصـة المرجعياتوربما تطلب االمر لالنطالق نحو فضاء النص تآزر عدد من

ومنه، وعلى أن .. حين نعالج النصوص القديمة، على أن نبدأ من النص وننتهي إليه تتطلب إشاراته التحاورية مرجعيات خارجة لتفسيرها أو غضاءتها، بحيـث تـستنفد

.خل النص أوالًدالالت التشاجر المنبعثة من داة، والبعد عـن يداحيث نضمن للقراءة والتفسير قدراً من الموضوعية والحي

، وبعيداً أيـضاً عـن انطبـاع ...التحليق بعيداً عن أطر النص، وسياقات إفرازاته .القارئ وهواه، وأدواته الخاصة غير المالئمة لفتح مغاليق النص



-١٩٢-

وهـي .. لتزام بنظامها العـام مع اال ... فكما يسمح للمبدع بكسر رتابة اللغة .المعادلة الصعبة لإلبداع

فكذلك ينبغي أن يبدع القارئ في قراءة النص في ضوء االلتـزام بالنظـام العام الذي أنتج النص، واألدوات شديدة الدقة المالءمة لقراءته، تـستحوذ األفعـال

االنفعـال وتراكيبها نسبة شيوع عالية في الحمى، ويتسق هذا مع التـوتر العـام و الغالب على المتنبي ذاته، مبدع النص، وصاحب قضيته الرئيـسية، مـع تـوترات

.تيارات النص والحالين اللذين يلح المبدع على تجسيدهافإذا سلمنا جدالً بداللة الفعل الماضي علـى الـزمن الماضـي للتجربـة،

ر ينمـو والمضارع على الحال واالستقبال فيها، فاألفعال في صراع وتقابـل وتـوت .خالل الصراع إلى خروج المتنبي من حزنه إلى فرحه

.ومن قيده إلى حريته .ومن سكونه إلى حركته

.ومن انكساره إلى كبريائه وعزته .ومن موته إلى حياته

.من جديد.. ومن فشله إلى حلمه القديممع مالحظة العالقة العكسية فالمجموعة األولـى للتـوترات واألحاسـيس

.في حياة النص وواقع الشاعر بل هي في المضارع) للماضي(ست واالنفعال لي) الماضي(والمجموعة الثانية ليست فقط أمالً مستقبلياً مرجواً، بل كانت في

.حقيقة واقعة



-١٩٣-

وعلى كل فاستمرار صراع المتنبي من أجل الحلم طوال النص ودفاعه عن حرية والحلم فـي نهايـة نفسه أمام سيف الدولة، وانتصار الحياة وتحقيق الذات وال

.النص، هو ما تؤكده الكثرة العددية للفعل المضارع داخل النص على بقية األفعال... وهو ما تلح عليه دالالت وتراكيب تسري في النص كله منذ البيت األول

... فما مرضي اصـطباري .. وحتى األبيات األخيرة .. وقع فعاله .. يجل عن المالم ..ع من سهاد أو رقادوتمت... وما حم اعتزامي

وقد نجح المتنبي في تشكيل لوحة الحمى النفسية والفكرية والجـسدية لـه، ، وفي تقسيم الـنص إلـى )سيف الدولة ونفسه (ونجح في دفعنا نحو رؤية الالئمين

وتنتهي إليهما وفـي تجـسيد حلمـه الـسياسي ... حوارات تتوجه إليهما متقاطعة دلة التاريخية المعضدة بأن ثمة مكاتبات بـين وإصراره عليه، مع تصور، تنقصه األ

سيف الدولة والمتنبي، واتفاقات بينهما على الدعوى لقيام دولة عربية موحدة أميرها سيف الدولة، وأن ذهاب المتنبي إلى مصر كان بهذا الهدف وكـان الختيـاره فـي

.األفعال وتراكيبها األثر األكبر في نجاحهلة من الجار والمجرور، من أكثر الظـواهر شبه جم : الجار والمجرور -١

.)١(اللغوية شيوعاً ويمثل سمة اسلوبية للنص وصاحبهوجاءت غالباً متعلقة باألفعال، وقليالً ما ترد متعلقة بالمصادر أو المشتقات، ال يكاد يخلو منها بيت في القصيدة، بل نراها في أكثر من نـصف أبياتهـا تتكـرر

بيت، فيما يمثل نمطاً موسيقياً داخلياً متجدداً فيها، ينـوع مرتين، وربما أكثر في كل األداءة اللغوية، ويموسق الصوت والنغم الداخلي فيها، ويثري الداللة، ويجـذب أذن

.المتلقي نحو أعماق التجربة الشعرية

.استخدمه الشاعر حوايل إحدى وستني مرة) ١(



-١٩٤-

مؤثراً فاعالً في داللة البيت، ) جار ومجرور (وكثيراً ما جاءت شبه الجملة ي الحمى، شديدة االرتباط بعمق رؤية الشاعر، والدالالت الخفيـة والتجربة الكلية ف

ليدلنا المـصاحب اللغـوي ) تصنع األفعال (فالبعد الزمني في البيتين التاليين، .. فيها .على حال تحول إليها المبدع، ولم يكن كذلك من قبل

فلمـــا صـــار ود النـــاس خبـــأــصافي ــى الت ــاقلون عل ــب الع يح

مجزيــت علــى ابتــسام بابتــسا ــام ــى الوس ــاهلين عل ــب الج )١(وح

فالصاحب اللغوي مثل أقصر وسيلة للتعبير يختارها الشاعر، ليكثف حالـة اآلن، ملـؤه ) على ابتـسام (شعورية ووجدانية ونفسية داخل التجربة، وهو ما يفرق

.مواز له يحمل سمات الرياء والمداهنة) بابتسام(الرياء والنفاق والمرارة ينقلنا المصاحب اللغوي إلى حال وزمن قديمين وسـمة ) على التصافي (هي

اصيلة كانت في شخصية المتنبي، ودليلها عالقة دامت تسع سـنوات مـع سـيف .. وحال وزمن آني مرير يحب فيه على ظاهر الخـصال ... على التصافي .. الدولة

وحال البيتين عكـس )... على السام.. (يحب فيه بال عمق وال صدق وال حقيقة حب :كانت عليها شخصية المتنبي من قبلحال

)٢ (...أفسدت بيت األمانات عيناهاــسدي ــرى جـ ــد بـ ــا قـ )٣(حبـ

خلقت ألوفاً لـو رجعـت إلـى الـصبا

)٤(حببتك قلبي قبـل حبـك مـن نـأى )١(لفارقت شيبي موجـع القلـب باكيـاً

ج

.١٤٤، ص٤ج: الديوان، العكربي) ١( .١٤٨، ص٣ج: الديوان العكربي) ٢( .٣٦٤، ص٣ج: الديوان العكربي) ٣( .٢٨٣، ص٤ج: الديوان العكربي) ٤(



-١٩٥-

فالجار والمجرور داخل تركيبه في البيت يكثـف دالالت، ويثبـت دالالت، .ت أخرى شديدة العمق في الحمىوينفي دالال

) في عيوب النـاس (ولنالحظ توظيف الجار والمجرور لداللة الشمول التام وتحديـد ) في الظـالم (وداللة تحديد الزمن ) تخب لي(وداللة التخصيص، والتحديد

من غيـر (وتأتي )... بأنواع السقام (وداللة الشمول مرة أخرى ) في عظامي (الكان المشاعر في فعل مراقبة الشاعر، وأحاسـيس الـبغض تجـاه لتكشف حقيقة ) شوق

في تجسيد زحام الرزايا والمصائب وتالحمهـا ) من الزحام (زائرة الليل، كما تساهم .وهكذا.. على جسد الشاعر وكاهله بحيث ال تتسرب خاللها مصيبة أخرى

مـن القـوة والبطولـة - قديماً -كما تساهم الباء في كشف صورة المتنبي :وسية، وقدرته على تحقيق الحلم مستقبالًوالفر

)٢(بسير أو قناة أو حسام فربتما شفيت غليل صدري

وداللتها كذلك على حزم المتنبي عندما يتخذ القرار، وتواتيه الفرصة، فهـو من القوة بحيث تهون عليه األحبة والبلدان في سبيل كرامته وحياته وحلمـه حـدث

.مصرهذا من قبل، وسيحدث اآلن في )٣(وودعت البالد بال سالم وفارقت الحبيب بال وداع

وفي رسم صورة المتنبي الفارس المقاتل الذي ال يهاب الحرب، فهو الجواد يعكس الجار والمجرور المتكرر داللـة .. المعتاد الذي ما هاب يوماً حرباً أو غباراً

...األماكن واالعتياد والكثرة )٤(خل من قتام في قتامويد تعود أن يغبر في السرايا

.٢٨٤، ص٤ج: الديوان العكربي) ١( .١٤٧، ص٤ج: الديوان العكربي) ٢( .١٤٨، ص٤ج: الديوان، العكربي) ٣( .١٤٨، ص٤ج: الديوان، العكربي) ٤(



-١٩٦-

ويطول تفصيل مثل هذه اإلشارات الدقيقة لقيمة الجار والمجرور داللياً فـي النص، وكيف يكشف بإيجاز وتكثيف أبعاداً متوارية من زوايـا التجربـة الحقيقيـة

.وراء الحمى : المركب اإلضافي-٤

موسيقية التركيب قيمة صوتية مهمة فـي المركـب اإلضـافي، يعتمـدها تنبي، لكن القيمة الداللية له أبعد أثراً، حيث يـدل فـي ذاتـه علـى الملكيـة أو الم

التخصيص، فأحد طرفيه في عالقة امتالك لآلخر، أو به، وعلى هذه الداللة عـول المتنبي إلثراء نصه، فشاع التركيب داخله، وأحسن الشاعر توظيفه واستنفاد طاقاته

نتشر في أكثر من ثالثين بيتاً في الحمـى، للتجربة، ليشكل خاصية لغوية وأسلوبية ت .يتكرر أكثر من مرة في عشرين منها

في ) مضاف إليه (ولما كان المتنبي هو الموضوع الرئيسي للحمى، فقد جاء أغلب النماذج، في صورة ضمير، الكاف أربع مرات، والهاء وياء المـتكلم بكثـرة

علـى موضـوع الـنص وغزارة، بما يدل على إلحاح المركب اإلضـافي دالليـاً وتجربته، ليكثف مالمح محنة المتنبي لحظات الحـزن وتيـاره، وليجـسد صـورة المتنبي طموحاً وقوة وحلماً لحظات القوة واألمل علـى التيـار المعـاكس داخـل

وقـع فعالـه مرامـى هـواي - فـؤادي، ب -أ عائدي : التجربة، كما في النماذج ..اصطباري اعتزامي انتباهك

.. كب اإلضافي مرتبطاً بعناصـر أخـرى داخـل التجربـة كما ورد المر عيوب الناس نقص القادرين عيون رواحلـي، كـل بغـام .. تستهدف إثراء جوانبها

...نبوة القضم.. رازحة



-١٩٧-

: العطف-٥ومن شأن العطف أن يضيف عناصر جديدة ودالالت جديدة وأطرافاً داخـل

طـراف المـساعدة علـى البيت الشعري، وشيوعه في النص يحشد للمعنى كل األ فيما يحقق ما يشبه الدليل على الصدق الفنـي ... تعميقه واإلحاطة به من كل جانب

داخل هذا النص، ولعل هذا سر اهتمام المتنبي به، إلحاحـاً وشـيوعاً فـي تجربـة .الحمى

: الوصف-٦فيقتصر دوره على حشد صفة أو أكثر تضاف لعنصر موجود بالفعل داخل

ولعل هذا سر عدم .. نب العنصر، لكنه ال يضيف عناصر جديدة البيت، يضيء جوا شيوع استخدامه الحمى، غذ تقتضي تجربتها حشد كل العناصر المتاحـة بـالعطف

.وبطولته التي كانت. للتأثير على المتلقي وإقناعه بهمه المستقبلي، ومعاناته اآلتيةالنفـي : و من الظواهر اللغوية في الحمى كذلك، اعتمـاد المتنبـي علـى

واالستفهام والشرط، باعتبارها بؤراً مهمة مؤثرة في فهم النص، تضرب بعمق فـي .أغوار التجربة الحقيقية له، وتكشف مفاتيح قراءته

: النفي-٧كيد، وهي ثنائية المفارقة التي الزمت تجربة الحمى منذ أعكس اإلثبات والت

.البيت األول، وهذا وجه لقراءتهدالالت النفي داخل النص، فهـو اسـتخدامه بمـصاحباته أما الوجه الثاني ل

األول يجسد دالالت تيار الحزن والمرض : اإليحائية واإلشارية في اتجاهين دالليين واالنكسار والقيد والسكوت والمـوت، والثـاني يجـسد دالالت الفـرح والـصحة

.والكبرياء والحرية والحركة والحياة والحلم



-١٩٨-

الحمى، يتصارعان ويتجسدان، لينتـصر تيـار وهما التياران الساريان في في عمـر ) المرض، والثورة الفكرية والنفسية(الحياة الحلم في نهاية النص، فالحمى

المتنبي، لوحة فاصلة بين صورتين ومرحلتين له، معاناة الحاضر والثـورة عليـه .واستدعاء عناصر القوة من الماضي، والتطلع إلى تحقيق الذات في المستقبل

فلـيس - من غير المدام- وال أمامي-فال ورائي : من صور النفي في التيار األول ف § . وال اللجام- وال هو في العليق- ال يطال له- من غير شوق لم يبق فيه-تزور

وليس قرى ولست - وال أمسى -بال دليل بال لثام : ومن صوره في التيار الثاني § فما مـرض - في عيوب الناس ولم أر - وما في به - بال سنام - فال يذر -بقائع

.. فما أبقى ولكن- فما حم اعتزامي-اصطباري اللغوية، التي تكثف العناصروليست مصادفة بالقطع أن تتفوق إحصائياً كل

بحيث تسري خـالل الـنص .. تيار الحياة الحلم داخل الحمى .. دالالت التيار الثاني التجربة، ومـن ذلـك، التميـز وتؤكد يقينية انتصاره في النهاية، وتتوافق مع ختام

.العددي في استخدامات النفي، الدالة في هذا التيارإذن الشرط في البيتين إعالن من المتنبي لـسيف الدولـة بخطـة العمـل

.أدواته الصحيحة التي لم تمرض.. المستقبلي، وبإصراره وصبره وعزيمته .ق قيمة داللية مؤثرة في فهم التجربة بعم- لغوياً-وكان للشرط

:األنماط الموسیقیة في الحمى: ثانیًاالناقد األسلوبي أن لغة الشعر األصيل ليست فيهـا ذرة "يرى أمادوا لونسو

من الشوائب فكل شكل إنما هو شكل لمعنـى، أو معنـى مـشكل، وحتـى اللعـب بالموسيقى، واإليقاع والجناس والوقفات، ونظام الكلمات كل هذا إنما هـو طريقـة



-١٩٩-

الخالق في لغة الشعر، فهو مثير للتوتر الداخلي وتعبير عنه في نفـس تنظيم النشاط الوقت والبد من اعتبارها عناصر في الهيكل الشامل قام الشاعر بتناولها، وتوظيفها بلذة جمالية، ففي لغة اإلبداع الشعري ليست هناك زينة وال إضافات كل شيء إنمـا

اللغـة طبقـاً لقواعـد التنظـيم هو تعبير عن الشعور وحركة النفس منقولة إلـى .)١(الجمالي

أتاح وزن الوافر للحمى قدراً كبيراً من الرشاقة والخفة، وانـسيابية وتـدفق األلفاظ والتراكيب على لسان وأذن المتلقي، وتدمفق الدالالت والمعاني علـى قلبـه

.ووجدانه في الوقت ذاتهأ إلى مجموعة أنمـاط لم يكتف المتنبي بهذا القدر من موسقة تجربته، بل لج

فيها، حشداً صوتياً، يصنع الجرس والتناغم والـتالحم، - كعادته -موسيقية، يحشدها وتماسك لغة النص كذلك، فضالً عن تالحم وتماسك وتشابك الدالالت الكامنـة وراء كل نمط موسيقي، تعمق التجربة وتثريها، وتجسد أثرها في وجدان المتلقي، وتفـح

.ة والظالل آفاقاً أرحب في تفسير النصللدالالت اإليحائي الميم هي صوت الروى في الحمـى، تكـرر بعـدد : موسيقا األصوات -أ

مرة نهاية كل بيت، حيث تتدفق كلمات البيـت متماوجـة فـي بحـره، ٤٢أبياتها مضطربة بين االرتفاع والهبوط الصوتي االنفعالي، ثم تنكسر كموجة عاتيـة علـى

ة بالكسر، تتواصل مع موجة البيت التالي، حيث تعود لتبدأ شط الميم، وألنها متحرك .موجة جديدة من التوترات واالنفعاالت المتماوجة وهكذا

.٥٩علم األسلوب، ص: صالح فضل. د) ١(



-٢٠٠-

وكأنما النص مجموعة من الدفقات االنفعالية المتواترة، مضطربة النـبض، ما تفتأ تستقر نابضة على عتبة داللة ما، حتى تبدأ معنى جديداً متواصالً مضافاً في

.أخرى، تأخذ شكالً جديداً من التوتر واالنفعالدفقة وتالحم هذه الدفقات في الحمى، تصنعه مجموعـة األصـوات الداخليـة، المتكررة بغرابة داخل النص، فصوت الميم قمة النهاية في الدفقة الدالليـة للبيـت يتواصل مع حشود من صوت الميم تنتشر بكثافة داخل البيت والنص كله، وكأنمـا

ميم في الحمى عالمة انفعالية وداللية نابضة، تتـرجم شـعوراً وتعكـس صوت ال إحساساً يتكرر ويرتفع ويهبط، ويتوتر ويضطرب ويهدأ داخل األبيات وفي نهاياتها،

الميم حرف صامت مجهور شفوي أعن، واأللف حرف صائت، واجتمـاع هـذين "ة التي كان عليها أبـو الحرفين وتكرارها في أبيات القصيدة يعادل تلك الحالة النفسي

الطيب، ويوازي هذين التيارين اللذين يتصارعان فـي باطنـه، فتتـابع الحـروف الصامتة والصائتة، واستخدام الحروف الصامتة المجهورة الغناء في الوقت نفـسه، يحدث في نفس متلقي القصيدة انطباعاً خاصاً يتمشى مع الحالة التي يحدثها تيـارين

.)١("لشاعرمتناقضين في باطن ا من النص، يصل تكـراره )٢(يكرره الشاعر بكثافة خالل مفردات ستة أبيات

إلى عشر مرات وأكثر في عدد منها، فضالً عن حضوره المتواصل مـرتين علـى

.١٠٢، ص٢، ط١٩٨٨يف عامل املتنيب، دار الشروق، القاهرة، سنة : عبد العزيز الدسوقي. د) ١( . وما بعدها١٤٢، ص٤ج: يةيتكرر صوت امليم بكثافة يف األبيات التال) ٢(

عليل اجلسم ممتنع القيام فإن أمرض فما مرض اصطباري

وإن أسلم فما أبقى ولكن متتع من سهاد أو رقاد

شديد السكر من غري املدام وإن أحم فما محم اعتزامي

سلمت من احلمام إىل احلمام وال تأمر كرى حتت الرجام



-٢٠١-

األقل في أغلب األبيات، ويلح الشاعر عليه، فيتخير أكثر من سبع عـشرة مفـردة، المالم، المدام، المنـام، الحمـام : مثليتكرر صوت الميم داخلها ليبثها أبيات النص،

.)١(وغيرهاوأكاد أجزم بعالقة داللية وانفعالية تربط صوت الميم بتجربة الحمـى عنـد

.. المتنبي، فكثافته في البيت الثوري الصارخ أول النص يخاطب الئميه، رفضاً للوم :له داللة

)٢(ووقع فعاله فوق الكالم ملومكما يجل عن المالم تجسيداً لقمة هزل الشاعر وحزنه وانكـساره، ٢٠ -١٧ي البيتين وكثافة ف :الموت، له داللة/ في اتجاه السكون

أقمــت بــأرض مــصر فــال ورائــي عليـــل الجـــسم ممتنـــع القيـــام

ــامي ــى وال أم ــي الممط ــب ب )٣(تخــدام ــر الم ــسكر مــن غي )٤(شــديد ال

لنان عزم الموجهين لسيف الدولة، يع ٤٠: ٣٩وكثافته في البيتين األخيرين :المتنبي وإصراره على السعي نحو الحياة الحلم، له داللة

فإن أمرض فمـا مـرض اصـطباري

وإن أســـلم فمـــا أبقـــى ولكـــن

ــي ــم اعتزام ــا ح ــم فم )٥(وإن أحم )٦(ســلمت مــن الحمــام إلــى الحمــام

- أمامي- املنام- زمام- احلمام- التمام- املالم-ملومكما: يم هياملفردات اليت يتكرر داخلها صوت امل) ١(

. أحم- الغمام- املقام- الزمام- مهام- املستهام- امام- ممتنع- مدامعها- املدام-مرامي .١٤٢، ص٤ج: الديوان، العكربي) ٢( ١٤٥، ص٤ج: الديوان العكربي) ٣( .١٤٦، ص٤ج: الديوان العكربي) ٤( .١٤٨، ص ٤ج: يالديوان العكرب) ٥( .١٤٩، ص٤ج: الديوان العكربي) ٦(



-٢٠٢-

فصوت الميم في مصاحباته اللفظية والتركيبية، ال يمثل فقط نهاية عدد مـن ة على عتبة أبيات النص، بل يمثل محطات خطرة داخل التجربة، االنفعاالت المتوتر

تجسد دالالتها، وتكشف مفاتيح قراءتها، فالنماذج الثالثة السابقة تجسد حال المتنبـي من قوة الشخصية والطموح إلى الفعل ال الكالم، ثم تجسد حاله ضعيفاً ساكناً رغـم

.ذه أسس تجربة الحمىأنفه، ثم تجسده قوياً مصراً على تحقيق الحلم، وهونؤكد أن الحشد الموسيقي في الحمى، لم يكن زخرفاً شكلياً أو زركشة بـال داللة، بل على العكس في كل مستوياته، مستوى األصـوات ومـستوى المفـردات ومستوى األساليب، فجميع صور التكرار فيها تحمل قيماً داللية مهمة، فضالً عـن

.قيمته الفنية والموسيقية داخل األبيات شـائعة فـي الـنص، - موسيقياً -رة اإلحالح الصوتي وظاه

، وصـوت الـسين فـي ثالثـة )١(فصوت الدال يتكرر داخل مفردات أربعة أبيات . وأصوات التاء والعين والغيب والحاء تموسق عدداً من أبيات الحمى)٢(أبيات

هد في ختام المش ٢٧، ٢٦كما يأتي صوت القاف بكثافة في مفردات البيتين . ونفوراً وضجراً، وبغضاً وصل قمته من هذه الزائرةقلقًاالشهير للحمى،

تكرار صوتي غير تام، بين لفظين، بسبب خالفات فـي .. والجناس الناقص .أو لسببين مجتمعين منها.. النوع الهيئة، أو العدد أو الترتيب أو

ـ اورة، أو واحتفل به المتنبي، ليصنع التجانس الموسيقي بني األلفـاظ المتجولتصنع الفوارق الداللية الصوتية كثافـة مـضافة تجـسد ... المتباعدة داخل البيت

. من النص٣٤ -٢٧ -١٩ -٥: األبيات أرقام) ١( . من النص١٣ -٨ -٧: األبيات أرقام) ٢(



-٢٠٣-

، وتكـرر مـرتين )١(فورد في أكثر من اثني عشر بيتاً من النص.. المعنى المقصود .في أربعة أبيات منها

، خلقـاً لموسـيقى )٢(كما عمد المتنبي إلى تكرار بعض المفردات داخل النص ى األذن وتتكرر، وتكثيفاً لدالالت ثابتة يلح عليها بالتكرار التام، تتوافـق متوازية تلح عل

معاكـسة، عميقـة القـصد / في ظاهرها، وتحورها إيحاءات النص إلى دالالت مغايرة . معنى سوى معنى- من الحمام إلى الحمام-ابتسام بابتسام.. والفعالية داخل التجربة

الحمى، تضع أيدينا على قدر كبيـر إن إعادة قراءة العناصر الموسيقية في مـع تيـاري - غالباً -من الحشود الداللية المتناقضة أو المتقابلة، تتوازى بمفارقتها

النص اللذين يسريان في عروق التجربة وشعيراتها الدقيقة في آن واحـد، بحيـث وخالياه، وجهة واحدة هي تحقيـق ) الظاهري والداخلي (يتوجه النص بكامل نسيجه

من التأثير الوجداني على المتلقي بتكثيف دالالت الحـزن واالنكـسار الشاعربغية .. وتكثيف دالالت الفرح والكبرياء والحركة والحيـاة .. والسكون والموت من ناحية

. من ناحية أخرى.. ثم الحلموقد حققت الموسيقى بكل أنماطها هذه الوظيفـة الدالليـة المزدوجـة فـي

قص تتقابل الدالالت وتتفارق فـي االتجـاهين المـذكورين التجربة ففي الجناس النا :للتجربة

بغامي/ عيين، بغام/ عيون-٤ وهذا/ بذا-٣ .الكالم/ املالم-٢ املالم- ملومكما-١: اجلناس الناقص يف األبيات) ١(

. املشوق/ مراقبة، شوق/ أراقب-٢٦ حاسدي / عائدي-١٩ ميل/ ملين-١٨ نبوة / حد، ينبو/ قد-١٤ .حم/ مرض، أمحم/ أمرض-٣٩ خالص/ خلصت-٣٣ جمرحاً/ جرحت-٢٩ الصدق/ يصدق-٢٧ .سلمت/ أسلم-٤٠

.٤٢، ٤٠، ٣٦، ٢٨، ٨: تكرار الكلمات) ٢( . من احلمام إىل احلمام-٤٠ من قتام يف قتام-٣٦ بنت.. أبنت الدهر-٢٨ . على ابتسام بابتسام-٨ .وهو غري اجلانس التام... معىن سوى معىن-٤٢



-٢٠٤-

.ينبو نبوة القضم... قد وحد-١٤ .حاسدي... عائدي-١٩ .ما حم... أحمم... ما مرض... أمرض-٣٩

وفي تكرار المفردات تكراراً تاماً، توجهنا قراءة التجربة إلى دالالت متناقـضة :بطريقة ما/ التجربةتياركس صورة من أو متغيرة بين الكلمتين، كل داللة تع

الحمام... الحمام عندي كل بنت... أبنت الدهر

وفي تكرار األصوات وشيوع داخل األبيات، كما رأينا، يقف صوت المـيم في عدد من األبيات التي يذيع فيها، على أعتاب تجسيد حال المتنبي فـي التيـارين

.المقصودين في التجربة كما رأينا :صوتا القاف والدال، يعضدان تيار الحزن في النصويقابله

ــوق ــر ش ــن غي ــا م ــب وقته أراق

ــر ــصدق ش ــا ال ــصدق وعه وي قليـــل عائـــدي ســـقم فـــؤادي

ــستهام ــشوق والمـ ــة الـ )١(مراقبـــام ــرب العظ ــي الك ــاك ف )٢(إذا ألق

ــى ــدي صــعب مرام ــر حاس )٣(كثي

:الحياة الحلم.. ولصوت الدال كثافة في التيار المعاكس سوى عدى لها برق الغمام ياه بغير هاد قد أرد الم

وإذا اعتبرنا تكرار الضمير تكراراً لغوياً صوتياً لمفرده داخل البيت، فلـن نهمل القيمة الداللية والصوتية له داخل األبيات، خاصة أنه يجـسد تيـاري الـنص

.)٤(بوضوح وقوة في كل مواضع تكراره وصوره

.١٤٧، ص٤ج: الديوان العكربي) ١( .١٤٧، ص٤ج: الديوان العكربي) ٢( .١٤٧، ص٤ج: الديوان العكربي) ٣( .١٤٥، ص٤ج: الديوان العكربي) ٤(



-٢٠٥-

لياً وصوتياً، في الحمى، بين األبيـات وللنفي كذلك هذه القيمة المزدوجة دال وهـو كثيـر فـي .. وداخل البيت الواحد، خاصة حين تكرر بالتشكيل اللغوي ذاته

.)١(النصكما تصنع أنماط العطف والوصل واإلضافة والجـار والمجـرور صـوراً

- رغم اختالف الصوت األصـلي -صوتية متوافقة النغم بالضبط اإلعرابي والتنوين . حريصاً عليها، وتشيع في الحمىيبدو المتنبي

:كما عمد إلى التكرار التركيبي والصوتي التامين، بين شطري البيت ثالث مرات يحب العـاقلون علـى التـصافي -١٠

ــال وداع -٣٤ ــب ب ــت الحبي وفارق فإن أمرض فما مرض اصطباري-٣٩

ــام ــى الوس ــاهلين عل ــب الج وح وودعـــت الـــبالد بـــال ســـالم

)٢(مي وإن أحمم فما حم اعتزا

:التقابل وثنائیة النص... المفارقة: ثالثًايبدو أن ثنائية اللوم، وصاحبيه ودالالته، في البيت األول من الـنص، هـي

سـيف : (هي العناصر التي فرضت نفسها على قصيدة الحمى، فمصدر اللوم ثنائي ، وموضوع اللوم، في غير موضعه، ودالالته تأنيب وعتـاب )الدولة ونفس المتنبي

لشخص أعظم وأكبر من التساؤل والتأنيب والعتاب، والالئمـان يعرفـان الحقيقـة المتضادة بين شخص المتنبي وطموحه وحلمه وقوته وحجم تطلعه لتحقيـق ذاتـه،

.في مصر) اآلن(وبين الحال الطارئة التي يعانيها

-٢، ٣٨ -١٧........ يقية لتكرار ال النافية والتركيب املوس-راجع ص من البحث، مع مالحظة القيم) ١(

٣٤ -١٥. .١٤٨، ص ٤ج: الديوان العكربي) ٢(



-٢٠٦-

سيف الدولة يدرك ثنائية الموقف، ونفس المتنبي هي أدرى بشخصه وقوتـه ية ورغبته الحقيقية في إثبات ذاته منذ الـصغر، وقدراتـه الدفينـة ودوافعـه الداخل .هي ثنائية أخرى) الحقيقة(وتعرف ). تلوم(وهي .. الكامنة

ومجموعة دالالت تـصب ... والئمين...إذن نحن منذ البيت األول أمم، لوم في اتجاهين محددين، ملوم منكسر مقيد ساكن، فشل في تحقيق حلمـه، وهـو فـي

وهـذه .. وقت ذاته شخصية ثائرة متمردة طموحة لن تهدأ عـن الحيـاة والحلـم الالثنائيات المتقابلة وجهت كل المشاهد، والتشكيالت اللغوية والموسيقية ومـصاحباتها

..واللوحات، والدالالت، في اتجاهين متقابلين دوماً حتى نهاية النص .ت تيار الحزن واالنكسار والقيد والسكون والمو:األول . تيار الفرح والكبرياء والحرية والحركة والحياة والحلم:الثاني

في مصر، وظاهر - اآلني -ظاهر المتنبي وواقعه : ويتبدى التيار األول في وجوده في مصر قد يعكس صورة مغايرة لقصة هروبه إليها، ثم متطلبات المتنبـي

افور لمتطلبـات ، وظاهرها والية أو إمارة، ثم ظاهر رفض ك )من كافور (في مصر للرفض، يعضدها ظاهر حبسه إياه في مـسكنه ال - داهية -المتنبي، واسباب واهية

يراه وال يمدحه شهوراً طويلة وال يلتقي أحداً من ذوي المكانة في دولة كافور، فـي .ظل سكون وقيد منعمين كمحكوم عليه بإعدام

مالبـساتها لكنه ال يجب أن يغيب عن ) ال يبتدي في الحمى (ثم ظاهر آخر -الطاهرة، ومهو اتصال المتنبي بفاتك قائد كافور ومدحه إيـاه، ثـم إدراك كـافور

لخطورة اتصالهما، أمره بدس السم لفاتك وقتله ثم ما يكمن في حزن المتنبي علـى .فاتك ورثائه إياه



-٢٠٧-

وعلى الطرف الثاني، المقابل للمالبسات الظاهرة حـول الحمـى، تكمـن ة، كل منها يقابل ظاهراً سابقاً، فوراء المتنبي تاريخ ثـوري مفارق) خفية(مالبسات

متمرد رافض ألوضاع الدولة المفككة الممزقة األوصال، ورغبـة فـي توحيـدها، بقيادة أمير بطل واحد، يثبت عزة اإلسالم وقوته، فوراء المتنبي حلم قديم متواصـل

.ء عبر مراحلها ارتدى من أزيامهما.. التجدد، لم يغب عنه لحظة طيلة حياته - عالقة خفية بسيف الدولة، ال يفـسرها التـسليم الـسريع -ووراء المتنبي

فحين التقيا لم يكن المتنبي شاعراً كبيراً إلى الدرجة التي يـدخل -بشاعرية المتنبي وال إلى الدرجة التي يـؤخر بهـا كـل ... بها على سيف الدولة على شروطه هو

لحمداني، ويقدمه هو عليهم جميعاً، ويصحبه فـي شعراء البالط، وفيهم أبو فراس ا ...و... غزواته

ثمة باطن خفي في العالقة فسر كافور على ضوئه مطالب المتنبي المعلنـة، وأدرك ما فيها من شر على دولته، فرفضها، ليس خشية من عصبة الشباب الـذين

د للمتنبـي ثاروا مع المتنبي قديماً في مطلع شبابه، وال خشية من األصحاب الجـد ال صاحب للمتنبي إال البطل القـومي ... ومنذ تسع سنوات .. ، بل ألنه )على قلتهم (

.، سيف الدولة...للعرب في القرن الرابع الهجريلم يكن رفض كافور لمطالب المتنبي رفضاً عادياً، وغضب المتنبـي مـن

الغضب وتبع .. الرفض كذلك لم يكن غضباً عادياً، تبع الرفض حبس وعزلة وقيود .صمت وتمرد عزوف وهرب وهجاء

وظاهر السكون والقيد في سجن كافور المنعم تقابله في شـخص المتنبـي ثورة جسدية وعقلية وفكرية، وحركة دينامية في دم يفور، وقوة وثابة تتطلـع إلـى



-٢٠٨-

وتحقيـق الـذات ) الفعـل (لحظة الخالص، قادرة على الحركة واالنقضاض نحـو بدولة عربية موحـدة، أو بـدعوة .. لمتجدد، الحاضر الغائب القديم ا .. وتحقيق الحلم ثـم .. وضد كـافور .. باتفاق مع سيف الدولة - فيما أظن -وكلتاهما.. شيعية عامة

.غيره من الحكام األعاجموخلف ثنائية المالبسات الظاهرة حول الحمى، والمالبسات الخفية حولهـا،

ال تتناقضان مثل كل ثنائيات ) بلالمستق(و) الماضي(تكمن حقيقة واحدة على محور حريـة والحيـاة الالنص ومالبساته، بل تتفقان وتصبان لتعضيد تيـار الكبريـاء و

.والطموح والحلمهذه الحقيقة هي حياة المتنبي منذ صباه بما فيها من حركة وحرية وتتطلـع وطموح ومستقبل هذه الحياة الذي ال يزال يتطلع فيه ويطمح ويصر علـى الحريـة

.لحركة والحياة نمواً نحو تحقيق الحلموابدايـة مـن .. ومفارقـة ... ثنائية تسري في نص الحمى، وتضاد، وتناقض

الالئمين في البيت األول كما رأينا، وتمتد إلى هذه المالبسات الظـاهرة ومقابالتهـا من المالبسات الخفية، وهي جميعاً خارج، لكن إشارات النص ورموزه دومـاً فـي

.بين دالالتهاوبالمارقة ذاتها .. جاه هذه المالبساتومض بارق توالموقـف األدبي دفقة واحدة متماسكاً من الرؤية والتجربة النص فإذا كان

الحياتي، تصاغ باختيار الشاعر، ومن خالل أسلوبه الخاص، فنـستطيع القـول إن الحمى نص يحمل مواصفات الوحدة، ويحمل فـي الوقـت ذاتـه ثنائيـة الداللـة،

بداية العمل األدبي ليست أكثر من واقعة أو فكرة أو صورة مبهمـة "فـ .. ضادهاوتيشعر الكاتب آخر الشاعر بأن لها قيمة أو داللة ال يمكنه تفسيرها ولكنـه يريـد أن



-٢٠٩-

، والشك أن شخص المبدع ينطـوي علـى )١(يواصل العمل بها حتى يكتشف سرها عنه العمل اإلبـداعي ينطـوي درعقلية جدلية من الطراز األول، فإن العمل الصا

كذلك على جدل داخلي خاص به، وعلى جدل من اآلخر، أما جدله مع نفسه فيتمثل في عالقته المتصلة والمنفصلة بـالواقع والتـاريخ وفـي حـواره مـع مبـدعات

.)٢(اآلخرينويؤكد الدكتور عز الدين إسماعيل أن هذا العمل اإلبـداعي لـيس رصـداً

ا يستكشفه المبدع، والعمل الفني إنما هو ثمرة لتلك العالقة الثنائية لحقائق الحياة، ولم بين العناصر الذاتية والموضوعية، التي تنصهر في العمل الفنـي لتـصبح ذاتيـة موضوعية، أي بنية معرفية موحدة لهذه الثنائية، وفي هذه البنية الموحدة يختلط مـا

.)٣(هو شعور بما هو حقيقةي بنائـه فل حتى نهايته هذه الثنائية، وهذا التقابل، والحمى نص شعري يحم

اللغوي، وتشكيالته، وتركيبه، وفي أصواته وموسـيقاه، وفـي مـشاهده ولوحاتـه .التصويرية المجسدة لمواقفه

فكل هذا يحمل ظاهراً داالً في اتجاه متناقض مع اتجاه آخر، كالهما يـؤدي ي اتجاهه، وليفضي إليه النص فـي إلى انتصار نهائي يقيني، تتجمع كل الدالالت ف

والتـي يطمـسها (النهاية، أال وهو إثبات وتعزيز وتأكيد صورة المتنبي الحقيقيـة .من القدرة والطموح واإلصرار على تحقيق الحلم) وجوده المهين في مصر

، ١، ط١٩٨٧دائرة اإلبداع، مقدمة يف أصول النقد، دار إلياس العصرية، القاهرة، سنة : شكري عياد. د) ١(

.١٣ص .١٤٠، ص١٩٩١، سنة ١ العدد١٠جدلية اإلبداع واملوقف النقدي، فصول مج: عز الدين إمساعيل. د) ٢( .١٤٢ص: املرجع السابق) ٣(



-٢١٠-

وكأنما يجيب الئميه عن تساؤالت حول هذا الحلم وسعيه نحوه، ومدى مـا . مؤكد هذه اإلجابة حتى بيته األخيروالنص كله.. يتمسك به منه.. الحزين المنكسر المقيد الساكن ) اآلن( داخل النص صورة الواقع -لتنهزم

:لتنهزم صورة الموت وال هو في العليق وال اللجام فأمسك ال يطال له فيرعى

الفـرح والعـزة والحريـة ) المـستقبل .. الماضي(ولتنتصر داخله صورة .الحياةوالحركة، لتنتصر صورة

ويدخل من قتام في قتام تعود أن يغير في السرايامـن خـالل بنياتـه ... وليتصارع على مدار النص تياراً الموت والحلـم

..وتشكيالته ...إذا ما فارقتني غسلتني

:في نهاية النص.. لينتصر تيار الحلم المفعم بالحرية والكرامة . فما مرض اصطباري- . فما حم اعتزامي- .ن الحمام إلى الحمام سلمت م-

) كمـا بـدأ (لتتواصل وشائج البنية وإيحاءاتها الدالة في الـنص، وليختـتم .. هذان الالئمان اللذان يخاطبهما فـي المـشهد األول ... بخطاب موجه إلى الئميه

ويسخر ممـا هـو .. ويبرر عجزه -يحكي ويستعرض فنه ويجسد معاناته (واللذان لهما مجـسداً حالـه فـي ) صعب مرامى : حلمه ويثبت قدرته وإصراره على -فيه

في مشهدي الحمى والطبيب، وهما هما كذلك اللـذان يتحـدث إليهمـا فـي . مصر .األبيات األربعة األخيرة من النص ويطمئنهما على مستقبله وعلى حلمه



-٢١١-

:الئمه األول(فيقول لسيف الدولة وإن أحمم فما حم اعتزامي إن أمرض فما مرض اصطباري

سلمت من الحمام إلى الحمام فما أبقى ولكنوإن أسلم ):الئمه الثاني(ويقول لنفسه

وال تأمر كرى تحت الرجام تمتع من سهاد أو رقادوتتوصل ثنائية الدالالت المتناقضة، والمقابالت بين النص من ناحية، وبينه وبين مرجعياته من حياة الشاعر من ناحية أخرى، لتمثل المفارقـة واضـحة فـي

ومع ذلك نالحظ انتصاراً كامناً ثابتاً لصورة المتنبـي .. يات متعددة بين بنياته مستوفـي الـنص ) الشخص والطموح والكبرياء والقدرة على الحركة والفعل والحلـم (

.ومرجعياته، رغم التناقضات والثنائيات الداللية :مفارقات الحمى

قابل بقدر ما سنجد تتناقض وتت ) أطرافاً(وبداية نقرر أننا لن نجد في الحمى تتناقض وتتقابل، وأصحابها محددة داخل النص، مـا دام يـدور ) صور(و) حاالت(

.حول المتنبيوالحمى نص شعري قائم على المفارقة، على عـرض المتقـابالت، ومـن اللقطة األولى منه نستشعر ثنائية األطراف، وضدية العالقات، تستشري فـي كـل

. كما سبق- قراءتهأبيات النص، وخالل كل مستوياتتثير التـساؤل حـول .. في ثنائية متضادة ] حاضر= غائب[فالحمى عنوان

في ثنائيـة متـضادة تثيرهـا لقطـة ] الصحة= المرض[موضوع النص، والحمى .تضع بذور تياري النص) الحمى(



-٢١٢-

في تـضاد يتكـشف ] الثورة العقلية والنفسية = المرض العضوي [والحمى قراءة، لتحمل الحمى المرض معاني الـضعف والمعانـاة منسرباً في النص خالل ال

.والهزال، وتحمل الثورة معاني الصحة والقوة والقدرةبمعنى يتـضاد مـع ) المالم(و) الئمين وملوم (وملومكما ثنائية متضادة بين

بمعنـى ) والفعال(يعظم عنه، " يجل"، فاللوم في غير موضعه ألنه ضد رجل )يجل( .يداً لعدم صواب اللوم وال الالئمينتأك) الكالم(يتضاد مع

وكأن الحمى السكون وعدم الحركة، وهما هما موضوع اللوم، فيكشفهما في بما تحمل من معنى الحـبس ] ذراني والفالة [البيت الثاني بثنائية متضادة كاشفة في

.والقيد، وطلب الحرية والحركة= أسـتريح (وليتجسد تياراً النص، وخصوصيتهما بالمتنبي خـالل تـضاد

، )اإلناخـة والمقـام (ولتصبح ثنائية الحركة والحرية واالنطالق في مقابـل ) أتعب - ذرانـي والفـالة - الفعال -يجل(ولتتواصل دالالت . السكون والقيد وعدم الحركة

المـالم، الكـالم، اإلناخـة (القوة والكبرياء، وتتواصل دالالت .. في اتجاه ) أستريح .عف والذلة والخنوعفي اتجاه الض) والمقام أتعب

لتتبدى مالمح المفارقة التي يبنى عليها النص، فإذا كان الالئم سيف الدولـة فـي ثنائيـات .. والملوم المتنبي، كما يرى الباحث، اتضح موضوع النص وأبعـاده

..اآلن= متضادة بين كان

× شخصیة المتنبي قدیمًا المتنبي× سیف الدولة كافور× سیف الدولة مصر× حلب یتھ اآلن في مصرشخص

مرضـه × صحة وطموح وسكونه

الريـاء × الوفاء واإلخالص الحلم المشترك والتوحد قيده× حريته وحركته والنفاق

الزمن الحاضر× الزمن الماضي



-٢١٣-

وفي البيت الثالث مفارقة ثنائية واضحة، تعتمد التقابـل بـين صـورتين، والمتنبي ) الماضي (ىورة المتبن التناقض قائم بينهما صراحة، وطرفا التقابل هما ص

من القـوة والحركـة واالنطـالق ومـن الـضعف : لتجسد المفارقة حالتين ) اآلن( .والسكون والقيد

، )والخـب ) (الود(وتتكرر المفارقة ذاتها في البيت الثامن، منطلقة من ثنائية الكـره والمكـر : بما تعكسه األولى من الحب والصدق واإلخالص، والثانية مـن

لرياء والخداع، والتناقض قائم، والتقابل بين حـال المتنبـي أيـضاً، وتحـوالت وا ).مصر(والحاضر ) حلب(شخصيته بين الماضي

وهي هي في البيت العاشر، وطرفا التضاد هما حالتا المتنبي وشخـصيته، بما تحمل المفارقة من صورتين متقابلتين من الحب، كان المتنبي على إحداههما مع

).كافور(وأصبح على األخرى مع ) دولةسيف ال(أخـالق (، داللة مضادة هي )أخالق اللئام (ومن مفارقة اللفظ الواحد، تحمل ، في تقابل بين المتنبي ومن حوله من الناس في مصر، في ثنائيـة تتنـاقض )الكرام

).األوالد(و) األجداد(وتتجسد بين تظهـر التنـاقض ..) وينبـو ) (من له قد ( وعالقة التضاد في السلوك -١٤

..وتؤكده في سلوك من يملكن القدرة على الفعل، وليس المتنبي من هؤالء ويؤكدها بتكرار التقابل في البيت التالي، تعجباً ممن يجد الطريق إلى -١٥

.. فال يتحرك ويسعى ويلهب مطاياه سعياً في الصحاري حتى تذو أسـنمتها × المجد عليه أن يـسعى ويجـد -من يجد الطريق للمعالي ف: فالتقابل بالنفي بين الصورتين .ويتعب مطاياه في طريق المجد



-٢١٤-

وفئة قادرة على التمام وإصالح هذه - في الناس فئتان فئة تمتلئ عيوباً والثنائية § . العيوب

والقدرة على إصالحه، مفارقة يصنعها التقـاعس مـن هـذا = وبين العيب § .اإلصالح

، )كان جنبي يملـه ) (ملني الفراش (وعالقة التضاد، والتناقض واضحة في ، الحاضر والماضي، لتـصنع )كان(و) اآلن(لتقابل بين طرفين حالتين للمتنبي، بين

ماللـة (معاني كثرة السكون والتزام النوم والفراش والراحة عن الحركة في مقابل .بما تحويه من كثرة الحركة والسعي والنشاط والطموح) لقاء الفراش

:١٩ -١٨ -١٧الخفية، شديدة العمق في فهم الحمى، األبيات ومن المفارقات تخب بي المطى وال أمامي أقمت بأرض مصر فال ورائي-١٧ يمل لقاءه في كل عام وملني الفراش وكان جبني-١٨ )١(كثير حاسدي صعب مرامى قليل عائدي سقم فؤادي-١٩

/ الـضعف المرضـي فالتقابل قائم خفي بين حالة السكون والقيد والنـوم و حالة الثورة والغليـان والطمـوح ) صعب مرامى (وبين ... الظاهر من حال المتنبي

.الخفي الباطن من حاله/ والرغبة في الحركة نحو الحلم الكامنسكون ونـوم أشـبه (وأمام حالتين ) خفية(و) ظاهرة(فنحن أمام صورتين

إلى سيف الدولة، كـي وهو تناقض أومأ به ) توثب وثورة وحلم الطموح (و) بالموتيفهم حقيقة ما عليه المتنبي، ال من مرض وضعف كما تشيع األبيات، بل من قـوة

).صعب مرامى(وإصرار وثبات على الموقف المشترك

.١٤٥، ص٤ج: الديوان، العكربي) ١(



-٢١٥-

وقوة وإصرار = وهي أيضاً مفارقة واضحة تقابل بين مرض وحمى الجسد ـ ين الجـسد وعزيمة النفس واإلرادة، في تناقض واضح بين الظاهر والبـاطن، وب

. تكشف جوهر رسالة الحمى إلى سيف الدولة- وبين اآلن وغداً-والنفسولذلك يؤكد هذه الرسالة في البيت التالي مباشـرة، مفارقـة بـين حـالتي

) اآلن(وبـين ... لكنه الموت الكريم فـي سـبيل حلـم عظـيم ) الموت(، و )الحياة( )...غداً(و

)١(إلى الحمامسلمت من الحمام وإن أسلم فما أبقى ولكنالموت : الحمام... (مع حالتين من الموت ) سلمت -أسلم(لتتقابل حالة الحياة الموت شرفاً وكرامة من أجل تحقيق الحلـم : الحمام(، و )ذالً ونوماً وقيداً في مصر

).في مكان آخرفـارقتني (مـع معنـى الغـسل فـي ) ذالً ونوماً وقيداً (وليتواصل الموت

الغسل طهارة، والغسل للمتوفى الحقيق الموت، إلـى معنـى ، ليرتقي فوق )غسلتنيالغسل من موت يومي يعانيه في مصر إذالالً وانكسار نفس وحزن، وإحساس مرير بالهزيمة، يحتاج غسالً يومياً ألنه موت نفـسي متجـدد يـصدع شـموخ المتنبـي

و الحمام للدوام واالستمرار اليومي وه ) كلما(معنى ) إذا(وشخصيته وحلمه، ولتأخذ .سلمت من الحمام إلى الحمام: األول الذي ختم به النص

، في مفارقـات )الحمى والمتنبي (وقد كانت العالقة عالقة تقابل وتضاد بين تجسدها صور مشهد الحمى، فهي شديدة التعلق به، تواظب على زيارته كل ليلة في

..ودهاموعدها، أما هو فشديد الكراهية لها، واإلحساس باأللم من وج

.١٤٩، ص٤ج: الديوان، العكربي) ١(



-٢١٦-

.باتت في عظامي... بذلت لها- .فتوسعه بأنواع السقام... يضيق الجلد- .من غير شوق.. أراقب وقتها- .والصدق شر.. ويصدق وعدها- .فتجري مدامعها.. الصبح يطردها-

) فنـي (فمجموع الصور السابقة تجسد هذه العالقة المتضادة فـي مـشهد ... تذرفها لفـراق المحبـوب متشبثةبيبة شعري متفرد، ينتهي بدموع غزيرة من ح

.فارقتني غسلتني والـذي ينتهـي بالتـصريح - في مصر -وهذا المشهد من المعاناة واأللم

بكل مـا فيـه مـن -الموت في الحمى ... يدعم تيار الحزن ... باإلحساس بالموت .مفارقات

.. والذي يتفارق مع تيار آخر يحمل مالمح مضادة، هـو تيـار االبتهـاج .على مستوى النص ككل حتى النهاية.. الحلم.. اةالحي



-٢١٧-

هذا البحث محاولة لقراءة أسلوبية لقصيدة الحمى للمتنبـي، يرصـد أهـم الظواهر اللغوية والصوتية المميزة ألسلوب الشاعر ويحللها، ليكشف القيم الجماليـة

كيفية التعبيـر، فـي إثـراء والفنية الكامنة فيها، ويتتبع األثر الداللي لالختيارات و تجربة الحمى برؤى مستجدة، من خـالل دراسـة الـضمائر، واألفعـال والجـار

.والمجرور والنفي واالستفهام، وغيرها، لغوياً وصوتياًوقد تحاولت بنيات النص داخليـاً، فـي مـستوى المفـردات والتراكيـب

لتجـسد تيـارين . والمصاحبات اللغوية، وكذلك في األنماط الموسـيقية المتعـددة متناقضين من االنفعال والشعور داخلها، تيار للحزن واالنكسار والسكون والمـوت،

.ح والكبرياء والحركة والحياةمدوتيار للأعانت القراءة األسلوبية مع التحليل واإلحصاء على كشف تآزر الـدالالت

نفـسية للمتنبـي واندفاعها نحو تجسيد المعاناة ال- لغوياً وصوتياً -في عناصر البناء تتوازى مع الحمى وتتمـرد / وقت اإلبداع، ومن تجسيد ثورة فكرية وعقلية وجسدية

فيما يجسد التيارين الرئيسيين فـي الـنص بمـا .. عليها وتحاول االنطالق من القيد يؤكد ثراء الداللة ودقة االختيار والتعبير في نقل حال الشاعر وانفعالـه وتجربتـه

.ككلت الداللية وتآزرها في الحمى عن تميز وانتـصار تيـار كما كشفت الشحنا

.الفرح الكبرياء والحياة، كأنه يجسد حلماً للمتنبي كان قديماً يطمح إليه ويسعىوكان لإلحصاء أهمية دالة على نسب الشيوع العالية في الضمائر واألفعـال

لياً وصوتياً والجار والمجرور والنفي، وحاول الباحث تعليل هذا الشيوع، فارتبط دال



-٢١٨-

للتيارات النفسية المنسربة في الحمى، لتحمل سمات التناقض الثنائية والتقابل التـي .تسري في النص مزدوجة منذ ملومكما وحتى النهاية، كما أثبت مبحث المفارقة) آنـي (وهذه المفارقة وهذا التقابل هو ما يعتري نفس المتنبي من شـعور

وهي هي ) والحلم.. (بالثورة والتمرد والقوة ) مستقبليداخلي وقديم و (و) بالذل والقيد السمات التي حملها تكرار صوتي الميم واأللف داخل النص لتتـآزر بنيـات اللغـة

.وأصواتها على نقل الدالالت العميقة لتجربة الحمىكما كان لشيوع الفعل المضارع وضمائر األنا آثار دالليـة فـي توجهـات

.لتيار في النهايةالتجربة نحو انتصار هذا ا مـع النـصوص - تجربة وداللة -وقد انطلق الباحث لدرس تحاول الحمى

الشعرية للمتنبي، من خالل استقراء زمني ألهم مراحـل حيـاة الـشاعر وطبيعـة بل وتحكمـت .. شخصيته واألطر التي وجهت طموحه، ووجهت عالقاته وحكمتها

..في الموضوع الرئيسي لشعرهتنبي وعروبته، وحلمه في صباه، واسـتمرار هـذا المشخصية فتوقف عند

وعها وذلها ورضاها ضبحثه الدائم في شعره عن بطل يقيل األمة من خ .. الحلم معه رغبة منه في تحررها وإعالء قيمهـا العليـا ... بسيطرة األعاجم والبويهيين عليها

ـ ... وتوحدها في دولة عربية بقيادة أمير عربي قوي عر وأثبت البحث أن أغلـب شوأثبت أن لقاءه سيف الدولة ومالزمته إياه ال تفسير لهـا .. المتنبي يدور هذه الدائرة

وأنهما اتفقا وبينهما رسـائل ... يحقق الحلم .. إال كون سيف الدولة بطالً قومياً قادراً .متبادلة تؤكد التوجه السياسي في عالقتهما



-٢١٩-

ـ ين نـصوص وخالل المباحث السابقة أقام الباحث تواصـالت حواريـة بالمتنبي وبين الحمى وأثبت توحد القضية التي يرمي إليها الشاعر عند سيف الدولـة وكافور وأبي العشائر وعضد الدولة، والمتفقة مع طبيعة الـشاعر وطموحـه منـذ

.صباهوقد أكدت القراءة الداللية للحمى في تحاورها الداخلي، وفي تحاورها مـع

وي عليه تجربة الحمى، باعتبارهـا رسـالة نصوص كثيرة للمتنبي، رمزي ما تنط سياسية من المتنبي يرد بها على سيف الدولة، ويعلن له التزامه بحملهما المـشترك،

) المـرض (حيث تختفي مالمـح الحمـى .. وإصراره على مواصلة السعي لتحقيقه لتظهر شخصية المتنبي ومشكلته ومنحتهه مـع نفـسه ومـع ماضـيه ... وتتوارى

.لهوحاضره ومستقبومن هنا أثبت البحث قيمة تجربة الحمى في شعر المتنبـي، وموضـوعها،

- كما ذهب البحث -حيث تمأل فراغاً حول حياة المتنبي وتجيب عن تساؤالت لتثبت تواصل شخصية المتنبي وثبات سماتها وطموحها وحلمها الدائم، منذ الـصبى، وأن

السير نحو الحلم، وليست كانت إحدى حلقات - مع كافور -مرحلة المتنبي في مصر .مرحلة سكون وفتور أو إهمال من المتنبي لحلمه ولعالقته بسيف الدولة

كما أثبت البحث من خالل تحاورات الحمى أن المتنبي ظل حتـى أواخـر أيامه يسعى في اتجاه حلمه السياسي القومي، وأنه مات كما تنبأ في الحمى من أجل

:هذا الحلم سلمت من الحمام إلى الحمام كن وإن أسلم فما أبقى ول



-٢٢٠-

الصفحة الموضـــوع

١ . عصور األدب العربي ٢٦ . الشعر الجاهلي

٢٧ .البناء المعماري للمعلقة ٣١ . الوحدة في شعر المعلقات

٤٣ .األطالل والمقدمة الطلية في الشعر الجاهلي.شرح المقدمات الطللية الستة في المعلقات ٤٧

٥٩ . اإلسالميالشعر ٦٠ "بانت سعاد: "قصيدة البردة ٦٣ ".كعب بن زهير: "قصيدة البردة

٧٤ . الشعر العباسي ٧٥ .أبو نواس وخمرياته

٨٢ .نماذج من خمريات أبي نواس ٩٣ التشكيل الفني لقصيدتي الغزل والمدح عند أبي فراس الحمداني

١٢٦ "دراسـة تحليلية "أبى فراس الحمدانيقصيدة المدح عند : ثانياً ١٣٠ أبو فراس الحمداني خصائص الشكل والمضمون في قصيدة المدح عند

١٤٤ .قراءة في شعر المتنبي ١٤٦.الحمى حوارية النص والنفس

١٤٩نـــص الحمــى ٢١٧ خاتمة



قراءة في شعر المتنبي

Documents

Transcript of قراءة في شعر المتنبي