2012 NSP Natural Sciences Publishing Cor. An Icon of ... · 72 Abdelkader Fidouh: An Icon of...

Semat. Vol 1 No1, 71-119 (May 2013) 71

An Icon of Mysticism in Modern Arabic Poetry

Abdelkader Fidouh

University of Bahrain, College of Arts, P.O Box 32038, Kingdom of Bahrain

Email: [email protected]

Received: 12 Nov 2012; Revised :9 Jan- 20 Feb 2013; Accepted: 23 Feb 2013

Abstract: This study investigates the mystical vision in modern Arabic poetry; by this I mean a constantly on-

going quest for a human symbol that is nothing but sublime. The study also connects the self to such a meaning in

order to identify the essence of the humanity of man, characteristics, ethics, and action. Such an essence is a

spiritual extension of the authenticity of the self, which always aspires towards more sublimity. Throughout the

meaning, the self is situated in the process of negotiation with the reality, which is based upon insightfulness and

meditation.

In fact, both the poet and mystic have refused to deal with the visible effects that are perceived by our senses, for

they drown us in a pragmatic perception. Generally, the work of creativity is conceived for the sake of the work

per se. Instead, the process of creativity should be taken into account in terms of meditation, discovering vision, in

the mystical sense, including concretes and transcending explorations. According to Henri Louis Bergson

appreciating arts is based upon the transformation from desire to meditation. Moreover, both the poet and mystic

have dealt mainly with the intrinsic while bringing about a visionary unity with her or his subject. At this very

moment, the poet and mystic submit to the intuitional capacity, after many attempts to escape the body for

celebrating the ideals that could be discovered. A number of poetic texts shall be analyzed in the context of the

interaction between poetry and mysticism; for the latter is a systematic introspection of a spiritual experience and

a n a t t e m p t t o u n c o v e r t h e t r u t h a s w e l l a s t r a n s c e n d t h e r e a l e x i s t e n c e o f t h i n g s .

Keywords: poetry, mysticism, arts, aesthetics.

International Journal of Semat © 2012 NSP

@ 2013 NSP

Natural Sciences Publishing Cor.

mailto:[email protected]

http://naturalspublishing.com/show.asp?JorID=8&pgid=0

72 Abdelkader Fidouh: An Icon of Mysticism in Modern Arabic Poetry

أيقونة شعر الفيلوصوفيا

عبد القادر فيدوح ـ جامعة البحرين

المدرك الباطني

التكيفات الحضارية "إلى " التكيفات البيولوجية الفطرية"لقد دلت نقلة اإلنسان من

عن تجربة الذات في محاولة تجاوز غريزتها، والتطلع إلى مداعبة أسرارها " الواعية

وال شك في أن الذات . الباطنية في صراعها المرير مع مقتضيات البيئة االجتماعية

قاعاتها الجوهرية قد تمثلت مقولة الصوفية في يقينها العميق، وذلك الشاعرة في إي

عبر وجود المعنى اإلنساني الملتحم بالحقيقة العليا، التي تستلهمها المدركات الباطنية

.في مقربها من الممكن وتحويله إلى معتقد أصيل

" اضح والو. ولعل الذات هنا، قد تجد في المعتقد الصوفي مخرجا لها من مأزقها

أن هذا الميدان خير ميدان تتفتح فيه ذاتية الشاعر وفرديته، فهو ينفصل عن المجتمع

ظاهريا، ليعيش آالمه ـ التي هي نفسها آالم المجتمع ـ بوجود مأساوي، ثم إن هذا

النوع من التصوف محاولة للتعويض عن العالقات الروحية، والصالت الحسية التي

"حد المادية الصلب الخشنفقدها الشاعر، وتلطيفا من 1

، وهذا شعور طبيعي تستلطفه

الذوات الظمأى لمعانقة الكلي، واحتضان المجهول، وتمثل المعنى، مقابل شعورها

.باإلحباط، وإحساسها الدائم بالغربة النفسية، والنفي الوجودي

العليا، والشاعر ال يرى، وإنما يدرك بإحساسه المفعم مرامه بارتقائه إلى المبادئ

ويحدس الوقائع بما يمتلك من حس، ال يشترك فيه مع غيره الذي ينظر إلى األمور

بطريق المعرفة االستداللية في ظاهرها، وهو ال يبصر وإنما يتبصر باطن الشيء

الذي تتحد به، ولذلك غالبا ما تبدو له األشياء على غير ما هي عليه في العيان، ومن

بصيرته فيما وراء الشيء ليستبطن مكنوناته، وهي المقولة ثم نجده ـ أيضا ـ يوغل ب

أرواحا لطيفة غريبة "التي استطاع ابن عربي أن يرى من خاللها في داخل األشياء

فيها استجابة مودعة لما يراد منها، هي سر حياتها، وتلك األرواح أمانة عند تلك

"نساني الذي قدرت لهاألشياء، محبوسة في تلك الصور، تؤديها إلى هذا الروح اإل2

1

802اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة ، ص : إحسان عباس 2

والنص مقبوس من الفتوحات المكية . 641ما الشعر العظيم ص : ينظر، يوسف اليوسف

Abdelkader Fidouh: An Icon of Mysticism in Modern Arabic Poetry 73

فاألشياء، إذا، تمتلك جوهريتها فيما يكتنفها من جدل جمالي تقيمه ضمن عالئقها

الداخلية، ولذلك فهي ال تبدو للشاعر كما هي في الظاهر، بل بما هي إسقاط لوجدانيته

وانفعاالته، ولذلك كله ظلت الذات المبدعة نقيضا دائما، مالزما لواقعها، بما هو واقع

مرئي ثابت، ال يتغير، مما ضاعف لديها الشعور بالقصور وضيق الرؤيا؛ األمر

الذي أفضى بها إلى البحث عن مالذ روحي تعوض به إحباطاتها، وانهزاماتها،

.وفشلها في وصل عالمها األرضي بما ينتج منه

ومن ثم، يمكن اعتبار الرؤية الصوفية في الشعر العربي بوجه عام هي بحث

عن الرمز اإلنساني في معناه األسمى، ومحاولة وصل الذات بهذا المعنى مستمر

لتأصيل جوهر إنسانية اإلنسان ـ من صفة، وخلق، وعمل ـ بوصفه امتدادا روحيا

ألصالة الذات في نشدانها العليائي، والمثال، عبر جدلها الدائم مع الواقع القائم على

.العيان، واالستبصار، والتأمل

أن الشاعر، أو المتصوف، كليهما يرفض التعامل مع تلك التأثيرات والحقيقة

العيانية التي تنزعها حواسنا من حيث المظهر الخارجي؛ ألنها تغرق صاحبها في

النظرة النفعية، وكأن العمل اإلبداعي في هذه الحالة يدرك من أجل العمل، في حين

من حيث التأمل بما ينطوي ينبغي التعامل مع حركية اإلبداع ـ بحسب منظورها ـ

عليه العيان واالستبصار، وتجاوز االستجالء إلى الرؤيا الكشفية، على اعتبار أن

، أو من الرغبة "االنتقال من اإلرادة إلى المشاهدة "الفن في تذوقه الجمالي قائم على

، نسبة إلىالبرغسونية" intuitionismإلى التأمل بحسب الرؤية الحدسية

"Bergson التي تستثير نار الوجدان على حين فجأة في دقة خصائصها، وعمق

. داللتها

وأن كال من الشاعر والمتصوف يتعامل مع الباطن، والمضمر، والخفي عندما

يتحد مع الموضوع الذي يشغل باله، وذلك حتى تتم عملية تماثل الرؤية االنفعالية

ي؛ حينذاك يستجيب كل من الشاعر التي من شأنها أن تتسبب في دفقة المشهد الشعور

والمتصوف للملكة الحدسية، بعد محاوالت مريرة للتخلص من الجسد؛ أي االنفالت

.من عالم المحسوسات، واالحتفاء بعالم المثل، الممكن االنكشاف


ـ كشف Char René يا الكشفية، هو بحسب ـ رونيه شارإن ارتباط الشعر بالرؤ

وهنا تقع الصوفية في تماس مع الشعر؛ ألنها . لكشفعن عالم يظل في حاجة إلى ا

استبطان منظم لتجربة روحية، ومحاولة للكشف عن الحقيقة، والتجاوز عن الوجود "

الفعلي لألشياء3

، ومن هنا وجد الشعراء منفذا إلى عالم الصوفية الممتلئ، محاولين

عادل الوجداني الهروب من عوالمهم المحيطة بهم، أمال في الخالص، وبحثا عن الم

فالواقع " لكياناتهم المفعمة بالسمو واالمتالء، وبوصفها ـ أيضا ـ المالذ الروحي لها

الموجود في العالم الخارجي المحيط بنا يصبح في أناة ذاتيتنا وأخطائنا، وبقوة هذا

فإننا نصل إلى لذة من الحقيقة بالنسبية؛ أي إننا " الخبرة "األلم والعمل المبذولين في

"نصبح واقعيين نسبيا4

هذه المرارة التي تعتمل في كيان الشاعر هي نصيبه من

خيبات العالم المتكررة، حين يتم إحباط األنا في مواجهة انكسارها الناتج من أي

عجز، أو تراجع عن المواجهة، لكن الذات هي وحدها التي تقاوم وترفض أن

، فالشاعر ـ مثله مثل الصوفي . تستسلم، فهي تمتلك وعيا عميقا بذاتها وبالعالم ومن ثم

ـ يلج األعمق، واألسمى، واألنبل، في محاولة تخطيه عوالم الحس المتدنية، واعتالئه

. عوالم األبدية المتعالية، حيث تنبجس حقائق الروح المثلى بكل معانيها وتجلياتها

على الالمتناهي وال شك في أن هذا الوعي غير منحبس، بل هو منفتح على الدوام

فليس هناك شيء خارج . واإلنسان العارف، الكامل، كامن في وعيه هذه الالنهائية"

العالم كله في الذات، ووعي الذات هو وعي العالم، فالذات والعالم وحدة، . الذات

وليس لوعي الذات حدود، فهي ال تعي المنتهى وحسب، وإنما تعي كذلك

"الالمتناهي5

إدراك الشاعر متوجها إلى البحث عن الوجه اآلخر ومن هنا، كان .

الموجود، انطالقا من مبدأ الهوية المتغايرة الذي يقول به أدونيس، والذي ال يفصل

الموضوع، بوصفها / الماهية، الذات/ الهوية، الوجود/ الصورة : بين الثنائيات مثل

أن الذات ال تدرك انطالقا من . قيما تحمل مركب الكينونة الباطنية لحقيقة الذات

حقيقتها إال بنقيضها، ونقيضها هو الوجه اآلخر لذاتها، ولذلك يقوم مبدأ الهوية

الشكل الصحيح للوجود ليس في المعنى منفصال عن " بالالنفصال، وحينئذ يكون

الصورة، أو في الصورة منفصلة عن المعنى، وإنما هو مركب المعنى والصورة،

ووحدتهما6

ي مقولة ، وتبدو هذه الفك رة أكثر تأصيال عند ابن عربي الذي ينم

، وهي فكرة فلسفية يبني "االسم اآلخر لمقولة وحدة الوجود"، بوصفها "الالمتناهي"

عليها ابن عربي تصوره حول وحدة الوجود التي تعني تالحم المتضادات في كيان

اته، حيث موحد، ونحن نلفي انعكاس ذلك على النص األدبي بوصفه كونا قائما بذ

يشكل اإلنسان جزءا من هذا الكون بمسعى االنتقال من القوة إلى الفعل، ومن الغيبة

. إلى المشهد

3 1891/ 4النزعة الصوفية في الشعر العربي المعاصر، مجلة فضول ، ع : محمد مصطفى هدارة

4 161معنى الخلود في الخبرات اإلنسانية ، ص : وليام أرنست هونكونج

5

.89الثابت والمتحول ـ األصول ـ دار العودة، ص : أدونيس 6

.89المرجع السابق ، ص


إن الرؤية بالوجدان والقلب ـ دون اعتبار ذلك تماهيا عاطفيا سلبيا ـ هي المعادل

الكشفي لدى الصوفية لكيان الذات الشاعرة في محاولتها المريرة؛ لمعانقة العالم وقواه

الباطنية المثلى، واقترانها بمبادئ التمرد، والمغايرة، ومالحقة المضمرات الخفية،

ومن ثم، يمكن تصنيف مظاهر . بوصفها تشكيال جوهريا لحقيقة مثالية ضائعة

الصوفية الوجودية إلى أنماط، أولها يتمثل في الصوفية الوجودية التي تعمل على

. رر باستمرار، وذلك عن طريق التساميتمرس الذات بقصد تمردها على واقع يتك

بينما يتمثل النمط الثاني في الصوفية السريالية، أو البحث عن حقيقة كبيرة ضائعة،

في حين تكمن الصوفية الثورية في امتزاج روح التمرد، بأبعاد ثورية، من أجل إعادة

.خلق الواقع

أنماط الصوفية

مصدر طاقتها من التسامي الروحي عن تستمد الصوفية :أوال ـ الصوفية الوجودية

طريق تالشي الوجدان البشري في الكينونة اإللهية المطلقة، بينما تستمد الوجودية

طاقتها من ينبوع الذات البشرية في حد ذاتها، على اعتبار أنها مصدر الطاقات

ر ومن ثم يكون اإلنسان خالق نفسه، أو إله ذاته، كما يزعم الوجوديون، غي. برمتها

أن كال من الصوفية والوجودية تشتركان في سعيهما، بتجاوز وجودهما، إلى الوجود

التعالي شعور صادر عن تجاوز " المطلق، ولذلك ظل في يقين الوجوديين أن

"Kierkegaard, soren كيركجارد"اإلنسان لوجوده نحو وجود اآلخرين، ويؤكد

إلى ذات الخالق، وتجاوز عالمه، وعالم أن اإلنسان يتعالى ـ هو كذلك ـ بغية التوصل

"وجوده الذاتي، عبر تجربة ذاتية ممكنة7

، وفي ذلك تأكيد على قدرة اإلنسان ويقينه

بما يحصل لتحقيق ذاتيته، وحينذاك يكون اإلنسان في نظر الوجودية قوة عظيمة

على ومن هنا كان رفضها للواقع مبنيا . تمتلك مصيرها وفق مبدئي الحرية واالختيار

نيتشه"التي ال يتمتع بها إال الرجل العظيم الذي تبناه " إرادة القوة"أساس

Nietzsche "في مشروعه الفلسفي .

والوجودي يتسامى عندما تكتمل فيه روح هذه اإلرادة، وما عدا ذلك فهو مجرد

عبث، لكن الصوفي يقتبس من بواطن األشياء لهيبها، ويقتنص أسرارها، ويالمس

والتوغل ". المابعدية"وال يقنع أبدا بظواهرها، بغية استشراف اتساع مداها كوامنها،

وحسب، [ الماوراء ـ مادي]في العمق صفة مميزة للصوفية، ليس لمجرد إشباع نزوة

اإلنسان في الفكر الصوفي ال "، وقد يعني ذلك أن [ميتافيزيقا ـ الروح]بل هي نزوة

ل إن اإلنسان هو الحقيقة األكثر حياة في هذا يعيش حالة من الالوعي، أو السلبية، ب

"الوجود8

7 . 55الوجودية فلسفة الواقع اإلنساني، مكتبة الحياة ، ص : غازي األحمدي

8 .1891/ 4النزعة الصوفية في الشعر العربي المعاصر، مجلة فضول ، ع : محمد مصطفى هدارة


لقد أراد الخطاب الصوفي أن يتوغل بالوعي اإلنساني نحو أعمق معاني السمو

من سجنه، ويخرجه من " األنا " على تفاهة الحياة وماديتها وحطتها، وأن يخلص

النبض هشاشة الواقع، ويحلق به في سموات المطلق الالمتناهي، بغية تجديد

األنا " وال شك في أن تجربة . وارتقاء أعلى درجات الصعود نحو المتعالي ،الروحي

المريرة ـ في شد فتلها وقوة عزيمتها ـ هي قبس من روحه المستخلص، ومن فيض "

المطلق اإللهي في انبثاقه الذي من شأنه أن يبثها أسراره، وذلك حينما يباشر الكشف

.لكون األعلى، لحظة مداعبة الروح في صمتهعن استسرارية عظمة ا

وإذا كان التملص من الذات هو نتيجة لحرمانها من موطنها األبدي، وإقصائها من

سرمديتها، فإن وعي الذات لذاتها قد أفرز نزعة وجودية تعنى بالنزوع إلى قيمة

ة إدراك التجرب"ولعل من سماتها . اإلنسان، وتفرده، ومعايشة الواقع وجدانيا

من حيث كون الذات وحدها هي من يملك الوجود ألجل ذاته، وأن سعيها " المعاشة

بيد أن تأكيد الذات من خالل المبادئ، والقيم، يحتم عليها . مشروع ال نهاية له

الخوض في البحث عن معنى الحياة، واألمثلة على ذلك في شعرنا العربي ـ قديمه

ألمل دنقل الذي عبر عن مرارة تجربته في وحديثه ـ كثيرة جدا، نكتفي بهذا المقطع

:عالقتها بالوعي الوجودي، في قوله

! وحدي ... وأنا كنت بين الشوارع

! وحدي ... وبين المصابيح

. أتصبب بالحزن بين قميصي وجلدي

!قطرة؛ كان حبي يموت ... قطرة

...وأنا خارج من فراديسه

!دون ورقة توت

الشجية، سواء من حيث عالقتها بالزمان أو " سفر ألف دال"والمقطع من قصيدة

الوجود، وكأنها صورة لسيرته في وقعها المرير، والمسيجة بالمآسي حد الموت،

ويمكن اعتبار هذه القصيدة أنها سلكت مسالك اإلبداع الوجودي، وعكست جوهر

أو الفلسفة العظيمة هي محاولة للتعبير الفن العظيم، أن "كينونة الواقع، انطالقا من


هنالك قيم أبعد من الحدود . عن حقيقة يستطيع اإلنسان استيعابها، أو لمحها على األقل

الضيقة للوعي اإلنساني، ومن الممكن أن نعي هذه القيم في الومضات الصوفية9.

لقد برهن الشعر العربي منذ ابن الفارض، وابن عربي، وأدونيس، وصالح عبد

الصبور، عن وعيه العميق لدروب الوعي الالمتناهية والتي ال يمكن رصدها، ولكن

يمكن تصورها من حيث كونها تجليات ال ندركها إال بالعقل الباطن، وال نعيها إال

هذا الهيام الوجداني المنبثق من كيان مفعم بالشوق األزلي الذي ال ينضب، . بالوجدان

ألبدي الذي يحتضن كل وجدان العالم المثلى، هو طريق والمتدفق بحرارة المتعالي ا

الصوفي العربي ابن الفارض مثال العلو الروحي والذي يجد متعته في متابعة الحقيقة

: الكلية الخبيئة، بما هي انسجام يدغم روحه في رحاب المطلق، ويغمرها

فهو لم يصبح ليجد نفسه في معانقة األبدي الالمرئي، وإنما هي نشوة أصيلة

.ماقبلية جبلت عليها النفس

بكل محموالتها هي فعالية ويبدو أن التجربة الصوفية في الشعر العربي المعاصر

ومجاهدته، وقد فضل الشاعر إقصاء ذاته من مجاالته التي تبدو له متناهية، الواقع

وفجة، ومنغلقة، ومما يبدو أن هذا اإلقصاء من العالم ناتج من صدمة وجودية،

أفرزتها صدمة الحضارة الجديدة، بخاصة حضارة العولمة، ولكن عوض أن يتشيأ

وحد به في سكون الخلق، ولعل الشاعر، ويتهشم، راح يخلق من ذاته كونا عظيما يت

: صوفي المتعالي عن هشاشة الواقعفي قول أدونيس ما يبرهن على قمة الحس ال

وحد بي الكون فأجفانه

تلبس أجفاني؛

وحد بي الكون بحريتي

فأينا يبتكر الثاني؟10

9 .188لشعر والصوفية، دار اآلداب ، ص ا: كولون ولسون

10

.46، ص1891وحدة، اآلثار الكاملة، المجلد األول، دار العودة، [ قصيدة ال تنتهي ] قصائد أولى : أدونيس

نشـأتي قبل ظهور وكانت نشوتي حيث ال وهمت بها في عالم األمر

وما أصبحت فيه منالحسن أمست مغرما، بها مثلما أمسيت أصبحت


وعالمه الخارجي [ الباطن]ويبدو أن هناك حدودا فاصلة بين عالمه الداخلي

ه، وإشباعه في الخارج فالداخل الذي يضيق ويتقلص لم يجد كماله وتمام[ الظاهر]

ويتراجع، فاتسعت الهوة بين العالمين، وتفاقمت أزمة الذات أمام تيهها، الذي يتكلس

وفقدان توازنها، ومن ثم جاءت دعوتها لالنسحاب من الحياة، ونشدان الموت في عالم

.ياتيقدس المحسوسات ويغيب الروح

إن الشاعر منهك بالحزن على الدوام، وكأنه درامي بطبعه، وبما أنه لم يكن

بإرادته امتالك قدره، فهو يجابه مصيره إما بالتملص، أو بالتسامي، عن طريق

اإلبداع، بحثا عن قيم جديدة تبحث فيها الذات عن معادلها الفكري، والروحي،

لتي تسببها غريزة التطلع في اإلنسان والوجداني، أو للتخفيف من حدة المعاناة ا

، ومما يضاعف إحساسه بالمرارة إدراكه "أناه البدئي"الرابضة في ال وعيه، و

أن في النظام البدئي لوجودنا الحيوي يقع وريد المتعة، ووريد المعاناة "اليقيني بـ

"جنبا إلى جنب، ويربطنا كل منهما بالحياة رباطا أقوى بسبب وجود اآلخر11.

لذات في غمرة الجماعة ال ترقد إلى ذاتها، وتعدها محض وجود نسبي، ومنته، وا

أما . ومسلم به، ومرهون بوجود اآلخر دائما، حيث يتم التعايش، وتستمر الحياة

إدراكها لذاتها في فرديتها الجوهرية فإنه ال يتم إال في غمرة اإلحساس العميق بعاطفة

ضربا من ست الحياة مجرد سلسلة من الشقاء، أو ؛ إذ لي"تجربة فردية" األلم، بوصفه

نزيف من الجدل المأساوي الذي ال ترقى إليه إال الذوات المعاناة، إنها ـ أيضا ـ

.العارفة

سمات األلم في لحظات انكباب المرء على ذاته، وانطوائه عليها من وهكذا، تبدو

نفصال عن كل وجود أسمى لحظات الفرح، وأغزرها بنشوة الصعود بالوجدان، واال

وإذن فإن األلم هو الذي يكشف لنا عن " ظاهري مستغرق في ديمومة الحسي،

"وجودنا الفردي في حدة قاسية، تتمزق معها الرابطة التي كانت توثقنا بالكون12

،

وفقدان هذه الرابطة معناه دخول الذات في صراع ال تفاعل فيه مع الكون ـ مع

هذه الذات م أفرزها التراكم ـ وفي أثناء ذلك تدركالوجود بوصفه مجموعة من القي

.معنى وجودها الحقيقي

وكلما اقترب الصوفي من ذاته تنكر لها، وكلما تعمق فيها أدركها أكثر، وسما

بكيانه إلى مواطن ال يصلها الحس، وال يالمسها، حتى تنال حظها من الدهشة في

11 .169معنى الخلود والخبرات اإلنسانية، ص : وليام أرنست هونكونج

.13مشكلة اإلنسان، مكتبة مصر، ص : زكريا إبراهيم 12


كل شيء، فإنما نرتفع أيضا فوق فنحن حين نرتفع فوق "تجربة التعالي العسيرة،

الفراغ والعدم، واالرتفاع والعلو بمعناهما األصيل، ارتفاع وعلو على الشيء وضده،

"أو على الكل والعدم، على السواء13

، وذلك أن التعالي هو نقيض العدمية التي تعمل

ن على تجريد المثل من مثاليتها، وتخلع عنها قيمها العليا، وال شك أن في اإلنسا

أنا أنظر إلى " Nietzscheنزوعا إلى المثال، وليس أدل على ذلك من قول نيتشه

." األسفل ألنني باألعلى، وأنتم تنظرون بطاقة المتناهية من االكتفاء الذي ال ينضب

وبذلك ينتزع اإلنسان قيم السمو والتعالي من إرادة الذات في تجاوز ذاتيتها وذوات

. اآلخرين

ة قوة من أجل الحقيقة، فإن الصوفية هي خوض في الحقيقة، وكما كانت الوجودي

ولذلك تلتقي كل منهما في مبدأ المواجهة، مواجهة الواقع، وتخطيه، من حيث كونه

ضربا من السخف والتدني، وأن بإمكان الذات التسامي على حطته والقدرة على

باطني لتكون مالذها بما فيها من إمكانات مذهلة يستوعبها الالوعي ال" ال"الصراع بـ

التعالي هو في جوهره انفتاح للفكر، واتساع " وخالصها المنتظر، يقينا منها أن

"آلفاقه، وتجاوز لكل الحدود14

وعلى الرغم من محدودية الكائن إال أنه يمتلك .

.شعورا بالالتناهي والالمحدودية

تواصلت مع وإن دهشة المتعالي نفسها ال تنفصل عن جزئيات الواقع، حتى وإن

أن تجربة المتعالي هي انطالق من الذات Plotinusكليات المطلق، وقد أكد أفلوطين

أما إذا وصلت بملكة المعرفة عندك إلى : وعودة إليها على حد ما جاء في قوله

الالمحدود، ألنه ليس من هذه األشياء، فاستند إلى هذه األشياء نفسها، ومنها

"شاهد15

ك الشيء من نقيضه، وهو بذلك يدعونا إلى معرفة ، ذلك أن الفيلسوف يدر

الكلي من خالل الجزئي، ومعرفة الالواقع عن طريق الواقع؛ أي تخيل الشيء ليس

بما هو، إنما بما يوحي به من نقائض، وهو إذ يجعل من األشياء الواقعة تحت البصر

ة حتى ال يتسنى لإلنسان أن يرى الرؤية الحق" كأساس للتبصر فمعنى ذلك أنه

"يغوص بكليته في هذه األرض، ويمأل عينيه من هذا الواقع المحسوس16

بكل

تجلياته، وتناقضاته، واحتماالته، وتوقعاته، ومهما حاول اإلنسان التعبير عن نفسه

، أو الداخل Le Dessusفهو يظل رهين الثالوث األزلي، المتعالي؛ أو الفوق

leDedan أو الخارج ،Le Dehors.

13

68مدرسة الحكمة ، دار الكتاب العربي، ص : بد الغفار مكاويع 14

97المرجع نفسه ، ص 15

54المرجع نفسه ، ص 16

.55نفسه ، ص


ضمن هذا الثالوث، إذا، يبقى كل من المعقول والالمعقول، والراهن والمرتقب،

والكائن والممكن، وكل ما يلزم الوجود من متناقضات، وما يصدر عنه من تضاد،

بوصفه أكثر الموجودات إحساسا بالزمن صفات دائمة ومميزة للكائن البشري،

والحياة، وإدراكا لوجوده، ولذلك فهو خاضع لغريزة التطلع التي تملي عليه ضروبا

.من المغامرات، وتمنيه بنجاوى متجددة

أ ـ الصوفية السريالية

يستلهم الصوفي الباطن في خوض تجربته، ويشغف بالقلب والروح، بينما يغوص

المعاني، ويبلغ معانيها العميقة ـ في ال وعيه لمساءلة ذاته، مقصيا السريالي ـ على

بذلك آليات العقل، ويولع بنشوة الفرح الماورائي بعيدا عن عالمه األرضي، واحتفاء

بالعالم الفني، هنالك حيث تنسجم الذات مع عالمها، وتسكن إليه في ألفة، وهي دعوة

لم الباطني، بوصفه قوة خفية ال تتجلى إال لمجافاة الواقع الخارجي، واستلهام العا

ألكثر الناس نفاذا في بواطنه بما يحملونه من رؤى كشفية، ما يتمتعون به من تبصر،

ولذلك فهم يجدون في ذواتهم من االمتالء والغبطة ما يغنيهم عما . ووعي، وإدراك

ال ينضب، كتفاء الذيهو موجود في الخارج، إنهم مزودون بطاقة ال متناهية من اال

أن اإلنسان يقرر، ويقدر، ويتوقف "دائما André Bretonأندري بريتون وقد بدا لـ

عليه وحده أن يملك كل ذاته؛ أي أن يبقى في حالة الفوضى عصابة رغباته، المتزايدة

الخطر يوما عن يوم، إنها تحوي في نفسها التعويض الكامل عن الشقاء الذي نعانيه،

منظمة، أيضا، لمجرد اعتبار أية خيبة غير صميمية ويمكن لها أن تصبح

"كفاجعة17

، فالذات بحسب السريالية ال تجد متعتها، وال مبتغاها، في ممارسة اليومي

بكل رغائبه، وإنما هي تسعى دائما إلى التواصل مع المتعالي، موطن اللذائذ

اني لوجودها، واللطائف، ومسكن السعادة العليا، إنها إذا تبحث عن المعادل الروح

ويصبو إلى تقمص قا بالظاهر من األشياء والحياة، ووجدانيته، حيث ال يحفل مطل

17

.11بيانات السريالية، ترجمة صالح برمدا، دمشق ، ص

(الفوق)المتعالي

(الظاهر)الخارج (الباطن)الداخل

اإلنسان


لحظة تتالشى فيها الذات حين تستلهم وجدها البدئي، والذي تنهله دونما ريب من

.الواعيتنا الجماعية

التجربة الصوفية "هناك، إذا، رغبة في مجافاة الواقع، ورفضه، وإدانته، فـ

فالصوفي منخلع من عالمه الواقعي، ...الرفض كأساس لها، كنقطة ابتداءتتضمن

"ومنبت، يعيش وإياه ال في حالة مشاقة وإنما في حالة قطيعة18

ولعل هذه هي همزة .

الوصل بين الصوفية والسريالية في اعتناقهما مبدأ الرفض كأساس جوهري لتجربة

وقف الواقعي ـ كما يقول بريتون أما الم"الذات في اقتناص الكلي، وتقمص المطلق،

Breton فيبدو لي وكأنه معاد لكل ارتقاء فكري وخلقي، إنني أمقته؛ ألنه مؤلف من

"بالدة، ومن بغضاء، ومن عجرفة فارغة19

إن مثل هذا الموقف صادر عن ذات .

تتقرب من العالم األسمى، وتلتحم به، لما تتلمس فيه من جدوى معاناتها، وما

غ الواقع وهشاشته، وحطته، ومن أجل ذلك فهي ترغب دائما في يعوضها عن فرا

إيجاد معادل آخر للحياة ولإلنسان، حتى وإن استمدت هذه المعادالت، أو المعاني، من

تمرد مطلق، وعصيان كامل، " فيض المجهول والالمعقول، ذلك أن السريالية

"وتخريب منظم، دعابة وعبادة الالمعقول20

ن مطلق بال جدوى ، وال يعني هذا إيما

التواصل مع الواقع األرضي، بقدر ما يعني أن ولع الذات بالحث المستمر عن

المضمر والخفي جعلها تستمر في البحث عن النقيض دون أن ترغب في الوصول

إليه، ونقيض الراهن هو الالمعقول الغائب والمستحضر على الدوام بقوته الخفية التي

اكتشاف ما فوق الواقع، أو الواقع "الشك في أن تمنحه القدرة على الحضور، و

" األسمى كان سببا في إنكار الواقع، أو رفضه21

.

بوصفه مفتاحا " الحلم"لقد اكتشفت السريالية وجودها األسمى في مرآتها المحطمة

الستسرارية الالشعور الغامض، هناك حيث يربض سر الخالص البشري، في حين

في معانقة الكلية اإللهية المطلقة، استجابة للوجد تمثلت الصوفية يقظة الروح

.الروحي، وليس تماهيا مع غرور الذات الالمبالية

والواقع أن الصوفية والسريالية كليهما تجربة عظيمة في تحرير الذات من أسرها

الذي يشدها إلى أسفل، أمال في التحليق باألنا، في فضاءات أنقى، وأنبل، لحظة

وأنة من أناته األكثر جراحا ونبال، واألعمق ألما وتوجعا، ,المتعالي االتحاد ببرهة

وهكذا نخلص إلى القول إن التجربة : "وقد خلص أدونيس إلى هذه النتيجة نفسها بقوله

المعرفية الصوفية كمثل التجربة السريالية مشروع تحرر من القيود التي تحد حرية

وذلك من أجل معرفة الذات والوجود معرفة اإلنسان، وحركيته، بأنواعها كلها،

18

. 157ما الشعر العظيم، ص : يوسف اليوسف 19

.19بيانات السريالية ، ص 20

.159الحداثة وحداثة النمط، ص أفق : سامي مهدي 21

.159المرجع نفسه، ص


، والشاعر مثله مثل الصوفي والسريالي يسعى إلى استجالء غوامض الذات "حقيقية

والغوص بها في األعمق للكشف عن جوهريتها، وموطن أزليتها، شأنه في ذلك

عن الغاية في التواصل مع شأنهما في السعي إلى معرفة الشيء من الباطن، والبحث

:األعلى

: ب ـ الصوفية الثورية

في كل إنسان طاقات هائلة للهدم والبناء تتجسد في تحويل الواقع المادي لألشياء،

والوجود، إلى واقع مثالي، يجرد الحياة من معانيها الحسية، ويرتفع بها إلى درجة

تمتلكه من قوى باطنية أقوى من أي السمو التي تطمح إليها الذات اإلنسانية، بما

وقد كان اإلبداع لدى الشاعر أهم بوابة الستشراف مثله العليا، كما . تصور خارجي

كان الفناء في هللا عن طريق تعطيل الحواس لدى الصوفي سبيله أيضا لتحقيق ذاته

ل ما ولما كانت الصوفية هدما كليا، وتحطيما كامال، لك. في أعظم مثلها وأنبل معانيها

يشمل الواقع اإلنساني، بوصفه ممارسة يومية تخلو من أي تعبير وجداني فقد شملت

كل معاني الثورة والتمرد والعصيان، سواء بما تمتلكه من يقين روحاني يتجاوز

المدركات الحسية، أو بما تتمتع به من مصادر قواها الخفية، المستمدة من عالمها

في تجاوز المأزق المأساوي " الجوهري/ إلنسانيا" والذي يمدها بالروح الباطني،

.للذات، والوجدان، والفكر

ولم تكن هذه الثورة وليدة نزوة عابرة، بل هي وليدة أزمة روحية وفكرية شكلت

صدمة للواقع واإلنسان، وحركت فيه بواعث الرغبة في التغيير، وتنقية الذات مما

ثابتة، ومسلم بها، ال يزعزعها شك، علق بها من شوائب، وما اختمر فيها من مبادئ

وقد عبرت الصوفية عن هذه الرغبة . وال تتواصل إال بما تحتمله من قيم يقينية

المتأججة بالنار المتقدة في القلب، والروح، والفكر، والوجدان، وذلك على لسان

، إن الهواء الذي أنفخه في هذه الناي نار وليس هواء: جالل الدين الرومي الذي يقول

وكل ما ليست له هذه النار فليمت22

، إنها حكمة الصوفي الذي يقدر الحياة بمدى ما

يبعث هو فيها من الحياة والنبض، والحركة، ليظل يحيا فيها على الدوام، وليس بما

22

.النزعة الصوفية في الشعر العربي الحديث ، مجلة فصول ، العدد السابق: ينظر، محمد مصطفى هدارة

الغناء تعطيل الحواس: الصوفي

اإلبداع استبطان الالشعور :السريالي

االستبصار غريزة االنفعال بالحدس: الشاعر


فيها من ثبات ويسر، ذلك أن اإلنسان في نظر الصوفي هو الذي يحتوي الحياة

وابتكارها، بما يمتلك من وعي، وحكمة، ويستوعبها، ويعيد خلقها، وتشكيلها،

وقد . وحدس، وإدراك، وتبصر، ومن لم يمتلك هذه المقدرة فال مكان له في الوجود

ذهب بعض الباحثين إلى ربط الواقع الراهن ببعض مفاهيم الصوفية القديمة، حيث

" الالنصياع" إن الصوفية لعبت دورا ثوريا يتسم باالحتجاج، ويمثل حالة" :يقول

" جتماعي أمام القائم السياسياال23

، وقد تمثل الشعر العربي المعاصر مقولتي

االحتجاج والالنصياع تمثال واعيا، وصميميا، وقياديا، إلى درجة الثورة، والتمرد

على جميع أشكال الموروث إيديولوجيا، وفكريا، وفنيا، واجتماعيا، تواصال مع

ع قدرة التفكير البشرية في مراحل حركات البعث بقصد زعزعة الثابت، وتماشيا م

.نموها

وهكذا يمكننا أن نخلص إلى أن الحدس اإلبداعي لدى الشاعر يستوعب اآلفاق

حاب في الكون، وأغوار الذات العميقة، مشكال بذلك أفقا لرؤاه، يتوسل إلى الر

ون الكشف الصوفي، ويستلهم الواقع من حيث كونه دافعا قويا للتغيير والثورة، من د

أسير لحظة انفعالية تتخلق فيها القصيدة على ما هجس في نفسه من "أن يبقى الشاعر

"شكل مألوف24

، بل يجب أن تكون نتيجة لتفاعل الذات مع لحظات البحث عن ذاتها،

لتظل صوفية الشاعر صيحة تستصرخ من شجون الحياة، وتصوغ من وجدانيتها

.الالمأساوية كيانا لها، ووجودا جوهريا، وأصي

وتكمن مظاهر الصوفية في إدراك أبسط األشياء، فكما يتعالى سلطان المدركات

الباطنية إلى أعلى مستويات الشعور، ويغوص في أعمق أغواره السحيقة، كذلك

يلتفت إلى األشياء األكثر بساطة في الحياة من حيث ارتباط الوعي واقترانه

صوفيا، على اعتبار ,Robert Brockفقد كان روبرت بروك . بالمدركات الحسية

أن رؤيته لألشياء وللمخلوقات مرتبطة بكل ما هو بسيط، وربما أدرك صوفيته حينما

إن صوفيتي ـ يقول : "تلمس معانيها، واكتشف جمالية العادي لدى الكائنات والبشر

روبرت ـ في أساسها هي النظر إلى الناس واألشياء لذاتهم، ال من حيث النفع، وال

الجانب األدبي، وال البشاعة، وال أي شيء آخر لديهم، إنما بوصفهم كائنات مخلوقة،

هذا هو على األقل وصف نظريتي إليهم بعبارة فلسفية، والذي يحدث هو أنني فجأة ما

أستشعر القيمة غير العادية، واألهمية البالغة لكل شخص ألقاه، وكل شيء أراه

"تقريبا25

، هي التي أتاحت لهذا المتصوف أن يضفي على الحياة إنها الرؤيا بالقلب.

" الماوراء"معاني النبل والبساطة، ويسقط عليها جمالية التبصر بقصد النفاذ إلى

. الخفي، بوصفه مؤشرا على معان إنسانية عميقة

23

.نفسه 24

.313إحسان عباس ، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، ص 25

مصطفى هدارة ، المرجع السابق


شفرات البرزخ

هناك مضامين وجدانية، وروحانية، تستلهم كيان الصوفي، وتقع في تماس مع

وهذه المضامين الذاتية هي . تجربة الشاعر اإلبداعية، وتمده باليخضورمدلوالت

بين الشاعر والصوفي، على اعتبار أن كليهما مولع " الرؤيوي/المعنوي "المشترك

باقتناص المطلقات، ووعي الكليات واستيعابها؛ األمر الذي جعل من الصوفية أن

كل ما ( استيعاب)هج شمولي يحاول الوجود والحياة، أو من( من)مقترب "تكون بـ

فالصوفية نمط حياة، أو شكل من أشكال انكشاف اإلنسان في . هو كائن على اإلطالق

"الزمان 26

.الذي باستطاعته أن يدرك مأزق الذات والوجود معا

غير أن هناك جوانب أخرى تشترك فيها الصوفية ـ بوصفها خطابا منهجيا لتحليل

لقراءة الحداثية التي تطمح إلى مقاربة النص استنادا إلى النصوص وتأويلها ـ مع ا

: شفرات المنهج الصوفي، وأهم هذه الشفرات

كشف الكشف/ أـ فيض البرهان

الرمز/ بـ ـ اللغة

البرزخ/ ج ـ الخيال

التأويلي/ د ـ الحامل السيميائي

كشف الكشف/ أ ـ فيض البرهان

ال تفصح عن ذاتها، بل هي تتوارى خلف أستار وحجب، وال تتجلى إال إن القصيدة

في شكل احتمال، أما الوارد فيها فهو محض عالمات دالة، تختبئ وراءها مدلوالت

جمة، ومحموالت متعددة، ومن ثم كان النفاذ إلى مستوياتها العميقة يتطلب،

ث إمكاناتها، بالضرورة، سبال ملتوية، وطرائق متنوعة، ال تختلف من حي

وتصوراتها، وفرضياتها، وحسب، ولكن أيضا من حيث كونها أشكاال غير ثابتة

تنزع إلى التحول، في الهيئة والشكل، والتنوع في الصور، والتلون في الدالالت،

فكما تتعدد مستويات النص، كذلك تتعدد مستويات التقبل والتحليل، وال شك في أن

هو أحد السبل المؤدية إلى فضاءات النص، فيض البرهان، أو كشف الكشف،

يشاهد من الشيء "وفجواته، والتواءاته؛ ألنه كما هو معلوم في خطاب الصوفية

فهو نظرة باطنية ملكية، تخلص األشياء من أعراضها وشوائبها وما . جوهره الصافي

" فضل عن صميمها، ابتغاء البلوغ إلى نواتها األولى، أو ينبوعها األصلي27

، فإذا

كانت القصيدة رؤيا، فإن الوصول إلى مضمراتها الخفية يحتاج إلى مثل هذه الطاقات

26

1898عام 79الصوفية والنقد األدبي، مجلة الناقد ، ع، : يوسف اليوسف 27

1898عام 79المرجع السابق ، الصوفية والنقد األدبي، مرجع سابق، مجلة الناقد ، ع،


الكشفية، ويقترن الكشف بالتفكيك في كثير من التصورات والرؤى، بحيث يبدو أن

كليهما يدعو إلى تشريح البنى العميقة للنص الستخالص المعنى الضمني، فالتفكيك

بنماذج ثابتة في التعاطي معه، ودون أن يبقى أسير إدراك ضمن النص، دون التقيد

إن حركات التفكيك ال Jacques Derridaالمتون الخارجية، وكما يقول جاك دريدا

تتناول البنى والهياكل الراسخة من الخارج، وال يمكن أن تصبح ممكنة وفعالة،

وتضرب ضربات صائبة، إال إذا سكنت هذه البنى من الداخل وتلبستها28

إنه حفر ،

في الجوف، وخوض في المنطق األكثر عمقا، وبذلك فهو يرتبط من المنظور

الصوفي بما يمتلكه الحس من إدراك وتصور، وليس بما يمليه العقل الذي ال يتوافر

.إال على احتياط أقل

ويعمل الكشف على تنشيط القوى لحركية الذهن في القدرة على اإلحساس

ة، وتفعيل طاقة الذاكرة بدافع االحتفاظ على التجارب بالظواهر النفسية المختلف

فالكشف، في الحق، ال يقل أبدا عن كونه استنفارا للطاقة االحتياطية الجاثمة "السابقة،

إن الجهد البرهاني، أو العلمي، ال يملك أن يستهلك جملة الطاقة . في الذهن البشري

اني النفسية أو الدماغية؛ بل هو ال يكاد أن يفيد إال من جزء يسير من طاقة العالم الجو

"الشديد الزخم والغزارة29 .

هناك، إذا، فائض في الطاقة الجوانية للوجدان البشري، يظل يلهم الذات على

الدوام، أما البذل البرهاني فهو لصيق بالجانب البراني للظواهر، وكأن النص في

م فيها، بحيث ال يلج أعماقه إال نظر الصوفية قطعة من وجدان ال دخل لسلطان العل

أما النقد "من تمرس على التعامل مع المعنى اإلنساني، النابع من جوهره الخبيء

؛ أي هو استبار للنص وشهادة "كشف الكشف"العملي أو التطبيقي فيصير نوعا من

"عليه30

، ينبغي إذا على القارئ أن يكشف عن مضامين النص الباطنية التي تنقلنا إلى

عالم الالتناهي في تفتحه المطل على مبدأ التجلي، وتجعلنا نتحد بصفاته ضمن وثبات

، ووفق "بالعمق الميتافيزيقي" كشف المضمرات، والمستورات، عن طريق التذوق

آليات الحدس، واالستبصار، والموقف، وهي من الموضوعات الصوفية التي تجمع

التنقيب عن األلطاف والنشوات، الشوق، والذوق، وصقل النفس، و"في مضامينها

ولقد دفعهم." عشق الجمال قنطرة إلى هللا: "وقد قال أحدهم. وكل ما هو جميل ونبيل

ذوقهم وشوقهم إلى الولع باللغة العالية، من جهة، وإلى التوله بالسفر ( المتصوفة)

ها والترحال، من جهة أخرى، وذلك ابتغاء االلتقاء بكل ما يصلح غذاء لنفوس ه م

28

.54/55التأويل والتفكيك ، مجلة الفكر العربي المعاصر، ع : ينظر، هاشم صالح 29

. 79د األدبي، مجلة الناقد ، ع، الصوفية والنق: يوسف اليوسف 30

.9المرجع السابق، ع


األول واألخير أن تتحول من الجلف إلى الهيف، ال قصد لها إال أن تصير جديرة

" بمجاورة هللا31

الرمز / ب ـ اللغة

بوصفهما مقولتين فلسفيتين " الرمز"و" اللغة"يستند المنهج الصوفي إلى مقولتي

دالة تحتمل وذهنيتين يشتركان في أداء الوظيفة الرامزة، وتوصيلها وفق شفرات

ولذلك سلكت الصوفية مسلك الرمز لما يحمله من طاقات . التأويل واالحتمال

الغموض، واإلبهام، واإليحاء، بقصد استلهام عوالمها الغامضة بوصفها مؤشرات

أضف . على الباطن الخفي، والداخل المستتر الذي ال تستوعبه إال الطاقات الكشفية

هلكه الشروح؛ أي إنه يكتم سرا ال يبوح به إال كيان مفتوح ال تست" إلى ذلك أنه

جزئيا، وبالتدرج، كما أنه ال يبوح به إال عن طريق الكشف، ال عن طريق البرهان،

"مادام الرمز ال يشع فحواه إال وفقا لمبدأ التلويح32

، فالبرهان سبيل العقل، ودليل

. العلم، أما الكشف فهو سبيل التأمل والوجدان

ال يؤسس أدونيس ـ بوصفه نموذجا لهذا التفكير ـ نظريته على أساس وفي هذا المج

وكأن الرمز لديه هو الوجه اآلخر للنص، أو هو النص الالمرئي، " الماوراء نص "

الرمز هو ما يتيح لنا أن نتأمل شيئا آخر : " أو المحتمل، أو الخفي، ولذلك فهو يقول

إنه اللغة التي تبدأ حين . إيحاءفالرمز هو قبل كل شيء معنى خفي، و. وراء النص

تنتهي لغة القصيدة، أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة، إنه

البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما ال حدود له، لذلك هو إضاءة للوجود

"المعتم، اندفاع نحو الجوهر33

فالنص على هذا النحو غير قادر على الوجود؛ ألن .

" لراموزه" ه منعدمة، ووجوده مجهول، لكنه ينبعث فور مداعبة القارئ حركيت

وقد كان أدونيس رائد الترميز، حين يلغم نصوصه الشعرية بكومة من . الصموت

بأيقونات ذات دالالت متعددة، ال يمكن أن تستوعب محموالتها كاملة إال الذات

المبدعة التي تمرست على مداعبة اللغة34

:تها األصيلة، ومساءلة مكونا

في الجرح أبراج ومالئكة

نهر يغلق أبوابه، وأعشاب تمشي

رجل يتعرى،

يفتت ريحانا يابسا ويملل

31 الصوفية إمداد للنقد األدبي: يوسف سامي اليوسف

32 1898عام 79، مجلة الناقد ، ع، . الصوفية والنقد األدبي: يوسف اليوسف

33 .167زمن الشعر ، دار العودة، ص : أدونيس

34ذات يروم قرال :تقوو ، بعرض جوانرب لقراءات الشراعرين نرزار قبراني وأدونريسمما جررى فري ملحة ابنة نزار قباني هدباء وتروي لنا

.، ثم يضحكون!"لمن تكتب يا أدونيس؟..بشرفك هل تفهم حالك جهد نفسي حتى أفهمك أنتأ يا أدونيس" :ألدونيس والدي


ثم ينقط الماء فوق رأسه

وهكذا يكف النص عن كونه استجابة لواقع أو ضرورة، ويستغني الشاعر عن

فكما يتحد الشكل ". الكونية الشعرية"الفكرة أو الصورة في سبيل الحصول على

والمضمون اتحادا كليا في الموسيقى، ويتحد الجسد والروح في أثناء الرقص، كذلك

لكون وللحياة، غير مجزأة، بل هي تمتلك القصيدة نشوة االتحاد من حيث كونها رؤيا ل

لحظة "إلى أن تكون وتسمو" لحظة انفعالية " كلية، وعليها أن تمتنع عن كونها

". كونية

والشك في أن هذا السمو إلى الكونية ال تستوعبه إال لغة تسعى إلى احتواء

اللغة ماهية ال ألن "المطلقات الجمالية، والروحية، والفكرية، والوجدانية، بكلياتها

العقل البشري، وحسب، بل ألنها األنا الوحيد الذي يسعى اإلنسان بواسطته من أجل

ح والالمحدود "احتواء هذا االتساع الالمتناهي، أو المفتوح على المطلق، والمسر35

،

واللغة هنا شأنها . وكذلك من أجل تجسيد أعظم لتأمالته، وحدوسه، وتطلعاته، ورؤاه

و وال يعلى عليها، فهي ليست خاصية فنية أو جمالية وحسب، ولكنها شأن الرمز، تعل

وكما "ميدان للتجاوز والتخطي من جهة، ومجال لالحتمال والممكن من جهة أخرى،

حطم الصوفي الحواجز والحدود التي تفصل بين األشياء، فجعل منها عالما واحدا

مع اللغة يذوب بعضه في بعض، ويغني بعضه عن بعض، كذلك كان شأنه

ومدلوالت ألفاظها، حيث تنزاح قوالب األلفاظ، ويتداخل بعضها في بعض وتكاد

".تتحول جميعها إلى نغم واحد36

والشاعر ليس أقل حظا من الصوفي في استخدام الرموز اللغوية في كل

محموالتها، وشحناتها، وكثافتها لإليحاء بجملة األفكار التي تراوده، والمعاني التي

اللغة إذا، . بها، والقيم التعبيرية، والوجدانية، التي يتفجر بها المعنى الباطنييهجس

مؤشر على الظاهر، والمستتر، والممكن، والمحتمل، والمعلوم، والمجهول، إنها، إلى

". اتساع الممكنات ال يقبل التناهي"؛ ألن "التناهيه"جانب ذلك، احتواء للكون في

، "األكوان الممكنة"في تعاطيها مع " الالمعقول الممكن"واللغة الصوفية هي ذلك

المستحيل "والتي ال تتعارض مع David lewis تحليال وتركيبا بحسب مفهوم

، ولعل هذا ما يجعل اللغة Michio Kakuكما عبر عنه العالم الفيزيائي " الممكن

ي سياقه الصوفية استثنائية حين تنفلت من المعقوالت برمتها لتعبر عن وجودها ف

35

المرجع السابق: يوسف اليوسف 36

145المعارف، ص التصوف النفسي، دار: عامر النجار


وهذه هي اللغة الرامزة، أو اللغة " التجلي"المبهم، كما أنها ال تتمظهر إال في شكل

ثم إن توله الصوفيين باللغة االستثنائية، " الرمز، التي تخلب قلوب المتصوفة،

وصالدة األسلوب العاري، وجودة التعبير الرفيع، هو أساس رصين لكتابة عربية

كتابة عميقة الغور من جهة، ومشحونة بالقدرة على المباغتة : كثيفة أو مركبة، أو قل

"والخلب، من جهة أخرى37

وقد رافق الشعراء مثل هذا الوله منذ الرومانسية إلى

الرمزية، والسريالية، ويزداد ولها واستغراقا ونشوة بجمالية الرمز، وسحره،

الحامل األسمى وهكذا ظلت اللغة بمثابة. وسلطانه، على الحس، والفكر، والشعور

.لمعنى الوجود بكل متناقضاته التي تشكل جوهر كل جمالية في الحياة

البرزخ / ج ـ الخيا

ليس البرزخ في مصطلح الصوفية حيدا بالذات، أو غيا بها، أو تماهيا عاطفيا

منها، بقدر ما هو طاقة وجدانية تتفجر بالمدهش والالمنظور، وتطفح بالمحسوس

البرزح في مثل هذه الحال ال يهبط إلى درك العالم السفلي فيجرده من و. والمعقول

حس باطن "فعاليته وينعدم، وال يرتفع إلى درجة الواقع األسمى فيفقد معقوليته، وإنما

ن، والتغير، والتبدل، . كما تصوره ابن عربي" بين المعقول والمحسوس سماته التلو

لها، وسفرها، وهذا ما يمنح النصوص األدبية بحسب أحوال النفس عبر ترحالها، وتنق

وهو إذ يستحضر . اإلشراق، ويمدها باليخضور، وينفي عنها صفات الثبات والرتابة

إنه مجال مفتوح على فضاءات " يصور ما ليس بكائن " الغائب ويبتكر المجهول

.المتناهية من الحرية

مطلق، وكذا الحسية لقد أراد ابن عربي أن ينفي عن الخيال صفة التجريد ال

علم الخيال هو علم " المطلقة، وهو ما جعله يضعه بين المنزلتين، على اعتبار أن

، ذلك أن غريزة التذوق اإلنساني ال تصل إلى عمقها الوجداني إال بما "البرزخ

تقتنصه المخيلة من الواقع، وتحوله الطاقة الجوانية، في تأملها الباطني، للذات

ن العالمات المتعالقة، والمتشاكلة، كونها متعددة المعاني المبدعة إلى فيض م

.والدالالت

وعلى النقد األدبي أن يغوص في مفهوم البرزخ أكثر ليمتاح منه نظرية لجمالية

الخيال، ويوسع من مقدرته الكشفية حتى تدركه األذواق، واألسماع، واألذهان،

فإذا تمكن الناقد المعاصر من . اتويصل إلى أقاصي الوجد، وينفتح على جميع الممكن

تثمل مقولة الخيال لدى الصوفية تمثال واعيا، يكون بوسعه حينها مقاربة النصوص

.مقاربة واعية ومتمكنة

37

.يوسف اليوسف ، المرجع السابق


التأويلي/ د ـ الحامل السيميائي

تتجسد فاعلية الفهم التأويلي ـ ضمن مستويات نظرية القراءة ـ في صرف الظاهر،

في األحوال إلى االستقرار، باعتباره مؤشرا عليه، واعتماد وتمكين الباطن، بالتقلب

مبادئ الحدس والرؤيا التأملية في فهم النصوص وفق دالالتها المختزنة، كما تتجسد

أنا "هذه الفاعلية أكثر في إسهام المتلقي في تحليل معادلة التأويل، ليس بوصفه

رتها على تفكيك النصوص توحي بمقد" أنا فاعلة"وحسب، ولكن بصفة أيضا " متقبلة

بما تمتلكه من رؤى بحيث تعلن كل قراءة جديدة عن والدة جديدة للمعنى، أو الداللة

فالشرط الجوهري لمعادلة التأويل هو "المتضمنة، أو التي تم إسقاطها على النص

"معرفة حياة العمل في وعي أجيال متعددة من القراء38

؛ مما يكسب المعنى الواحد

ينة، ويجعله غير منغلق، ولكنه مفتوح على إمكانات تأويلية ممكنة دالالت متبا

.ومحتملة، بإمكانها فسح المجال لظهور معان متعددة ومتنوعة

وقد اتخذ مفهوم التأويل قديما مأخذ الجد، حيث فكرة الصراع بين الظاهر والباطن

بن عربي شائعة في حقل معارف القدامى، بخاصة عند المتصوفة، ويمكن اعتبار ا

أحد األقطاب البارزين الذين اهتموا بقضايا التأويل، وجعلوا له مخرجا على المستوى

الوجودي بفكرة البرزخ، وعلى المستوى اإلنساني برحلة المعارف الخيالية من أجل

.الكشف عن جوهر المعرفة

اه تكمن في البحث عن األنساق العامة التي تتجلى في اكتن" التأويلية"إن خصوصية

المبدعة، بوصفها الكيان المرجعي الستحضار تصور نتاج الضمير الجمعي الذات

كإطار مرجعي ثابت، " بالماحدث"في تعامله اليومي؛ ذلك أن التأويلية ال ترتبط

الستكشاف البعد " للمايحدث" وإنما نزوعها إلى شبكة االحتماالت صفة متداولة

شظى في النص اآلخر، فتقترب التأملي، بحيث يخلق من النص األول نصا ثانيا، يت

النصوص فيما بينها لتشكل مجريات التناص، من خالل تفكيك الصورة الكلية إلى

وحدات جزئية، يكون التأويل فيها متساوقا مع وحدة الرؤيا الممكنة، ووحدة نتاج

تفاعالت المحصالت الخبرية المتساوقة، والمتصارعة؛ لتوليد أشكال جديدة من

.التأويالت

الموجهة لمعرفة الحقيقة، " الرؤيا"ن ثم، فإن سياق التأويل ال يحكمه مقياس وم

وإنما يعتمد باألساس على سياق منطق الباطن، هذا المنطق في طرق استنباطه ال

النهج "تحده مفاهيم مسبقة وال تحيط بالمتلقي دوافع خارجية لتؤثر فيه، بل غياب

المتحيزة، ومن هنا يسلم القارئ سلطانه يصبح شرطا أساسيا للمعرفة غير" الضابط

38

.54/55التأويل ، مجلة الفكر العربي المعاصر ، ع: ف، ي ، خاليزيف


من أجل " التأويل التوليدي"للعالم المجهول في أثناء عملية القراءة التي هي في عداد

خلق التأليف الثاني39

.

هناك مستويات خبيئة وال مرئية، تمنحها التأويلية لفاعلية االستنباط، بما تحمله من

يبيات دالالتها، فيما خفي من معاني سمات االنجالء، وتواظب على استحضار غ

الصور ومستورها، بوصفها األسلوب األوحد الستقراء منهجي له خصوصياته

فعالية "، ولذلك يكون االستنباط التأويلي ذا " نظرية القراءة"وتصوراته في منظور

شديدة الصلة بمقوالت الالتناهي، والتفتح، والخيال المطل على الغياب، والذي من

أن ينادي النائيات والمتباينات، بل قل إن التأويل تطبيق إجرائي لمبدأ التجلي شأنه

"الذي هو التفتح إياه، على وجه الدقة والتماهي40

.

بالموضوعات "وحتى نفيد من جوانب شتى من التجربة الصوفية سواء ما تعلق

من الوجود، بكل ما تحمله من مظاهر االغتراب، والقلق، أو ظاهرة االنسحاب الذاتية

أو التمرد على الواقع إلى واقع أسمى، أو البحث عن الجوهر المفقود، أو نشدان المثل

مثل الكشف، والرمز، "بالموضوعات المنهجية " المطلقة، أو ما يتعلق كذلك

حتى نفيد من ذلك ينبغي اتخاذ ـ هذه التجربة ـ كإجراء عملي وتطبيقي ..." والتأويل

فقد اتضح أنه بإمكان الصوفية أن تصبح منهال يتشرب منه . في الدراسات التحليلية

النقد العربي الحديث، من حيث مفاهيمه وأدواته اإلجرائية، ورافدا يهتدى إليه،

ويسترشد به، ويستقي من هذا الموروث العظيم كثيرا من القضايا المتعلقة بالمعنى

.ميقة، والبنى السطحيةوالمبنى، أو ما يعرف في المفاهيم الحداثية بالبنى الع

وعلى النقد العربي أن يعيد النظر في تصوراته وأدواته، ورؤاه، وما يشترك فيها

ويأخذ ببعضها مأخذ الجد لتنمية . مع الصوفية، فيتجنب بعضها اجتنابا واعيا ومركزا

.المشروع، والمساءلة لبلوغ الغاية، والوعي لبعث الفهم وسالمة اإلدراك

اللي االستبطان الد

إن أي عمل أدبي ال تكتمل فعاليته إال بمشاركة فعالة من قارئ مطلع، وذلك عبر

حل الشفرات المستخلصة، والتي غالبا ما توظف في النصوص بقصد التمويه

واالنحراف عن المعنى الحرفي لها، وهو ما يتوافق مع القراءة الداللية االستبطانية

محدد، ولكنها تعكف على مالحقة المضمر المفتوحة، كونها ال تنتهي إلى معنى

الداللي في جميع تمظهراته ومستوياته الترميزية والتشفيرية، وهكذا فإن سبل الكشف

عن صيغ معارج المعنى غير محددة، كما أنها قابلة للتحول أو اإلخفاق، على اعتبار

39

. في فصوله األولى" إراءة التأويل"و. 17، 34، ص دالئلية النص األدبي: لمزيد من التوسع انظر، كتابينا 40

.المرجع السابق: يوسف اليوسف


أن كل نص له متصور ذهني غائب، أو وهمي في وعي المتقي، يتشكل لديه من

تراكم الخبرات القرائية، والمخزون الذاكري، وما تضيفه قدراته اإلبداعية من خلق

.وابتكار

ومهما تعددت الرؤيا التحليلية للنص، وتنوعت معارج معناه، تبقي ثمة مفاهيم قابلة

لالستيعاب، وقابلة لتمرس القارئ السيميائي على التعامل معها، منها ما يرتبط

ومن ثم . النحوي، ومنها ما يرتبط بالسياق البنيوي الداللي للنصبالسياق التداولي أو

هذه التحاليل الداللية بال شك ليست إال طريقة توضيح، وبناء، وتنظيم، للحس "فإن

. الداخلي اللغوي الذي يفهمنا المساحة األسلوبية لرسالة لفظية على مستوى الكلمات

لذهنية على أساس من التقريبات وهكذا فإنها تسمح بقياس جمهور العمليات ا

"والتمييزات التي نقوم بها بالالوعي عند فك النصوص،41

سعيا منا إلى رصد

التباينات الداللية، واإليحائية، والعالئق الداخلية، ومالحقة المتناهيات، وضبط

الشعرية التي ال يقذف بها Iconاأليقونة المتباعدات، وتقريب النائيات، بقصد متابعة

.ص خارج تخومه، وإنما داخل أغوارهالن

يا مع هذه الرؤية الكشفية نحاول رصد السمات الصوفية في الشعر العربي وتمش

المعاصر، مع التركيز على بعض المحاوالت في الشعر الجزائري، على الرغم من

أننا نعرف مسبقا أنها ال ترقى ـ في كثير منها ـ إلى مستوى بعض الشعراء اآلخرين،

فسيلة المعاصر، ولكنها تتراءى لنا على أنها كما هو الشأن في تجربة الشعر العربي

ولعل أكثر . كإحساس يداعب كيانهم، في محاوالتهم البصيصة نابتة على النواة،

ليس من حيث المعجم اللغوي " عثمان لوصيف"الدانين بهذا الفيض، الشاعر

وحسب، ولكن من حيث المعجم اإليحائي والرمزي؛ إذ يسعى إلى تقمص وجدان

.أسمى تجلياتها الصوفية في

تمتلك الذات الشاعرة حسا ماورائيا تمتزج فيه الرؤيا بالقلب؛ أي بالمدركات

الباطنية في أشد حاالتها هدوءا وسكينة، وتعبر عن هذا الحدس بانفعاالتها الوجدانية

النابعة من كيان يذوب في مسافات المتناهية من الالوعي، كلما طرأ عليها طارئ

اإلمساك بلحظات الخلود السرمدية، وتجريد جواني، يحرك فيها دوافع الرغبة في

" وفيما تصل كيانها بوجدان العالم الكلي تنفصل عن عالمها الجزئي. العالم من حسيته

، محاولة منها إليجاد منفذ لتعاستها، وحسها المأساوي، في عالم يضيق "األصغر

، باستمرار، وال يتسع لهاجس المتعالي المطلق الذي هو صفة مميزة للمتصوفة

ولما كان الشعر حالة من . ومخرج وجداني للذات الشاعرة من مأزقها الوجودي

حاالت الوجد، وشكال من أشكال العاطفة، فإن إحساس الشاعر بالوجود يتجاوز

99دمشق ص . آن إينو ، مراهنات دراسة الداللة اللغوية 41


وهذا اإلحساس تصعده االنفعاالت الوجدانية وليس . ليرتقي دائما نحو األسمى" أناه"

ن يكون االنفعال الواقعي معيشا بوساطة االنفعاالت الوجودية أو الواقعية، ففي حي

، يوصفه واحدا من حاالته الباطنية، فإن االنفعال الشعري يكون محسوبا على "األنا"

باعتبار هذا تحويال " أنا أوجد"إن الحزن الواقعي تعيشه الذات على طريقة . الشيء

ى العكس من وعل. للذات نفسها، ويكون العالم الخارجي السبب الرئيس لهذا التحويل

ذلك فإن الحزن الشعري يدرك كصفة للعالم42

؛ لذا، فإن الحزن الشعري جوهري

بالمعنى اإلنساني العميق، ولصيق به، ولذلك فهو دائم الحضور في الذات، وبها،

ومن أجلها، إنه تأصيل لكل استمرارية لها، وهكذا فإن قصيدة الشاعر عثمان لصيف

زن الدافئ، حيث تبدو الذات في كليتها الوجدانية تنفتح على عوالم من الح" البرق"

كأنها تعيش ـ في معاناة ـ واحدة من أسمى لحظات التجلي، إنها لحظة االنخطاف التي

يالحقها خيال الشاعر القتناص إشعاعاتها في أثناء التوحد بإشراقات البرق، بوصفه

:رمزا الختراق الحجب، ومحو الظلمات، وتجلي األنوار

رق فتنثال المرايا يومض الب

بين عيني شفيفات ندية

يا رذاذات السموات البهية

ياغصون البرق

...يا نبع التجلي

ظمئت روحي، وجنت شفتاي

والمرايا هيجت بحر هوايا

وأنا جرح من الطين

أنا فلذة نبض

وخاليا أبجدية

صهرتها النار والحمى النبية

يومض البرق فتغوى مقلتاي

!.. ما أرحبه ... ةسرمد اللحظ

إن اللحظة أوسع من أن تستوعب دهشة الشاعر، وهو ال يقوى على اإلمساك بها،

لكن الذات التي تصر على انسجام خارج الزمان والمكان مع القوى المجهولة الغيبية

42

189بنية اللغة الشعرية ، ،ص : ينظر، جون كوهن


ـ باعتبارها النبع الفياض للعطاء السرمدي ـ تصطدم بواقعيتها، إال أن القلب البشري

بفيض الملكوت يخلع عن الذات خيبتها، حتى ال ينطفئ في أعماقها سر الذي يرتطم

وظمأ الذات إلى هذه الكليات المتعالية هو نصيبها من المتعة األزلية؛ . البدايات األولى

إنها ال تريد أن تحيا فقط، بل هي ترغب، أيضا، في الخلود، ولكنها ال تبحث عنه أبدا

ا تسعى إلى ما هو كائن على الدوام، متدفق، في واقعها من حيث هو موجود، وإنم

مستمر، ممتد، المتناه، وال محدود، يمتد إلى ما وراء الرؤيا، وال ينتهي إلى فضاء

يحاول الشاعر محو كل ". الذات، الوجود، الخلود" مفتوح على الالنهاية عبر ثالثية

: رسمةالبدايات بحثا عن سرمد اللحظة والهيكل، على نحو ما تبينه هذه ال

هذا البحث هو ما يؤجج في داخله لهب السؤال، وهو يلهث في رذاذات سمواته

ينبوع التجلي األعظم، ويتصاعد هاجس وقد أينعت غصون البرق، فيما يرد .البهية

وتطمح . الرؤيا، احتفاء بقدسيتها، المتدفقة من وله الذات؛ النتهاك الكوامن األزلية

هذه الذات، أيضا، إلى امتالك عرفانية كونية تتشظى في معتركها الروحي، ولذلك

ينادي، .حضر منه سوى الجانب األكثر غورايغيب الشاعر كل حواسه، وال ي

. يتساءل، يتشظى، وينخطف، ويتالشى، ويضيع، ثم يفنىو

بين فضائين من الرؤيا؛ بين المتصوف /وهكذا يبدو أن الذات المبدعة الشاعر

، ورؤية دنيا (إشراقة االنبعاث)الخلود، أو في حالة بين رؤيا دنيا الذات/البدء منتهى

حبس بين المقامين" ، وهي حالة يصفها ابن عربي بـ (إخفاقات اليقين)الواقع 43

."

43

.اصطالحات الصوفية الواردة في الفتوحات المكية: ابن عربي


فبينما ترتد هذه الذات وباستمرار إلى الفضاء المتمثل في الصبا ـ تمعنا في

ستقر في تتحول مع مرور الزمن إلى ماض منته، ومبالكينونة، واستشرافا باآلفاق ـ

بمحموالته الرمزية، بوصفه صورة متحركة في الكيان بغرض إثبات الذاكرة

، كما تعكس ـ هذه الذات في معارج باالنسجام واالتفاقالوجود، ومالزمة اإلحساس

معناها ـ صورة الطفولة األزلية، وسر البدء في انبثاقها األول، حيث نجدها تتوحد،

مرها معاني الخلود وأسراره في بلوغ، مداها برؤى متوهجة بالمشرق والمضيء، تغ

لقد تم امتزاج الروح بالمطلقات فأزيح الليل من األجفان، وامتدت الرؤيا . البدئية

: لتشمل القلب باألغاني واألنوار

زغب الضوء كساني... أيها البرق تمهل

واألغاني غسلت قلبي األغاني

غمرتني بفيوضات المعاني

من أزاح الليل عن جفني

من مسد أعصابي الطرية

وراحا كوكبيا...مسكا...وسقاني حبقا

من حباني ماسة خبأتها بين الحنايا

كانت أضاءت... لحظة

ثم تالشت...لحظة


األغاني . حتى األشياء تتجرد من تشييئها، وتبعيضها، لتخلع عنها سريتها الخبيئة

ونغماتها اللطيفة، ومعانيها العميقة، والضوء المقدسة تغمر القلب بفيوضاتها النبيلة،

وبينما الشاعر في غمرة الدهشة . الكوني يدثر الروح، ويلبسها روح المعاني الصوفية

العظمى إذ ينزاح الليل عن جفنيه، حيث تتسع مجاالت الرؤيا وتضيق العبارة، كل

، وانتشت شيء طري، ودافئ، ومتوهج، فقد تراءت المستترات، وانبثقت المضمرات

. الروح براحها الكوكبي، إنه السكر، هجران الظاهر، والرحيل إلى الداخل وتفجيره

اه ره من جميع جوانبه، ويترو وكل ما يقع تحت بصر الشاعر ال يبصره، ولكنه يتبص

الذهنالالثابت في "ليتبينه، إنه السفر إلى الذات، الذات الباطنية المشرقة بالالموجود

،فجر، والالجوهري، إال في بواطنها، والالمرئي، والالمتوهج، والالمت"رجوفي الخا

من : في قوله" Plotinus، على حد ما جاء به أفلوطين " ضمن كائناتها الروحية"

أراد أن يدرك النفس والعقل واآلنية األولى، فينبغي أن ينكمش إلى ذاته، ويهجر عالم

ويرفض الحواس، ويستعمل القوى الباطنية، فحينئذ ،الحس، ويغيب عنه بقدر إمكانه

يبصر من داخله إبصارا حقيقيا، وبنظر قوي، ونور مضيء، ويمتد نظره الباطن

"أضعاف ما كان يمتد بصره الظاهر44

وهذا يعني أن عين المتأمل أبعد نظرا، .

وأقوى بصيرة، وأشد عمقا، في استخالص معاني األشياء، ولعل الشاعر عثمان

لم يذهب بعيدا عن الخطاب األفلوطيني في انخطافه، وضياعه، وتفجره، لصيف

وفنائه، حيث كان ظامئا إلى ينابيع التجلي، مستغرقا في سكراته، منتشيا بفيوضات

:معانيه، وهذا ما توضحه القصيدة بحسب الخطاطة اآلتية

44 1896، 3/ 1قراءة في ديوان محمد عفيفي مطر، مجلة فصول ، ع : ينظر، شاكر عبد الحميد


ألبدية بفيض الرؤيا، هكذا يشتق الشاعر لغته من نبع األزلية ليمتزج عنفوان ا

ويجمع بين سر البدء، وسر اإلبداع، وكأن الكتابة ليست إال ذلك الطلسم الذي يتشكل

وأي . سحرا، ويتفجر بيانا، ويلقى في فضاءات من الرؤى والهواجس نبع سر الكشف

ولذلك فالشاعر ـ ة الروح، بوصفها معالم المطلق؟فضاء أرحب من داخل حكم

العودة والرجوع إلى البداية، ليس من أجل تكرار التجربة، والصوفي بخاصة ـ دائم

ولكن رغبة في االكتشاف، اكتشاف سر الخلق وسرمد األبدية، وفي كل رحلة تعقبها

أوبة تعلن عن النهايات التي ال تنتهي، والبدايات التي ال تجيء، وهو في أثناء ذلك

البرق العنيف، وفجآته التي يتمزق، ويتشظى، ويمد صدره العاري إلى بغتات لمع

: تخطف األبصار بومضاته المشحونة

أيها البرق الذي يخطف ـ خطفا

أيها المشحون ومضا وفجاءات وعنفا

يا رسول الرعد مزق صدري العاري

فجر حشايا ..وفجر أضلعي

علني ألقى فضائي وفنائي

علني ألقى شراراتي

أولى رؤايا... وأولى أنجمي

علني ألقى صبايا

وسموات غوايا

الذات، إذا، هي القربان الوحيد في مسارات سرابية ومجهولة، وما يدعم

الدالة على االحتمال، فالمبحوث عنه معلوم بما يدل عليه " عل"مجهوليتها هو تكرار

، لكنه ليس معلوما إال بما "شراراتي األولى، أولى أنجمي، أولى رؤايا"من العالمات

ي عليه هذه العالمات مدلوالت ظاهرية، ولذلك فهو يبقى مجهوال لما يحمله من تضف

.قرائن كامنة فيه

ففضاء الذات الحقيقي ليس موجودا إال فيما هو خارج الحياة، أما الالفناء فال يحمل

أية إمكانية لوجود هذا الفضاء، ومن ثم فقد كان الفناء أقصى درجات الوصول إلى

ث يتم محو جميع الفروقات بين عالم الذات الوجداني ومثلها األعلى، المتعالي، بحي

وقد مر الشاعر بمراحل من االنخطاف والضياع، بدءا من الظمأ الروحي، بوصفه


حركة نحو األعلى، إلى الفناء باعتباره حركة عليا سامية، وهو يتشوف بكل وجدانية

.تجددة، بعيدا عن الكون واإلنسانإلى رؤى م

: وأولى األوليات في هذه اللوحة إصرار الشاعر على أولى البدايات،يأتي

علني ألقى شراراتي

وأولى رؤايا... وأولى أنجمي

إن إصراره على هذه األوليات عائد إلى كونية هذه البدايات وما يرتبط بها من

ة، حاالت البراءة، والطهر، في البداية كان الطهر ثم غزته أشكال الدنس المختلف

ترتبط " الشرارات، األنجم، الرؤى"فالحنين إلى البداية هو حنين إلى هذه المعاني

الشرارات بجوهر تشكيل الكون، في حين ترتبط األنجم ببداية اإلنسان، بينما ترتبط

اإلبداع، بما هي تجربة إسقاطية، تطهيرية، لسعادة وجوده، / الرؤى ببدايات الكتابة

من الحضور القلبي الرباني، وفي التطهير بالخالص تكبالجود الغيبي في حال

: في مرامها" اإلرادة"مقومات

ويبقى اإلنسان هو محور الكون، وشرط االبتكار، بإعادة الخلق عبر جدل الحياة،

حيث كونه قوة خارجية إلى تفجير اإلنسان والكون، من" البرق"ولذلك يدعو الشاعر

:إنها دعوة النقراض جماعي من أجل إعادة الخلق

!... يا رسول الرعد

وفجر معي الدنيا... فجرني

!...فجرني شظايا ...آه

!...فجرني شظايا ....آه

اإلنسان

الرؤى الشرارات األنجم

اإلبداع الكون


باألحرى ، أو "معارج المعنى"فالمحموالت الداللية التي تعمل على تهذيب

انعطافاتها، لم تنبجس طويال بين حنايا صموتها المطبق؛ إذ ما يزال النص يقاوم

ويراوغ، في حين تعمل فعالية الفهم التأويلي على فته من الداخل، ومالمسة إمكاناته

.النص/ القراءة : الجمالية، وخرق مجازاته الداللية، عبر جدل

ان لوصيف دالالت وسمات صوفية، وتحمل للشاعر عثم" البرق"تكتنز قصيدة

من المفردات ما يدعم هذا الحس الباطني المتوهج، ولعل الصورة الكلية المقتنصة

من هذا النص تتجه إلى مغالطة أفق انتظارنا وإصابته بخيبة غير متوقعة، تفضي به

Robert Scholesإلى سراب، ولذلك فنحن مطالبون كما يشير روبرت شولز

إلى أعلى مستويات التجريد حيث تنبجس داللتها كتصور، أو شمول، أو " باالنتقال

دوام، أو لزوم، غير أنه تصور يقوى بانتقالنا من الصورة إلى الموضوعة التي تشير

الواضح في لغة القصيدة يكون نفسه انتهاكا [ االنتظام]إليها، وينبغي أن نالحظ أن

"للتوقعات الشعرية45

.ل النص سلسلة من التوقعات ال يمكن أن تنبئ بيقين، وبذلك يظ

فإننا نجد بعضا من " الرؤيا الصوفية"وبالعودة إلى ما مر بنا من حديث عن

سماتها تتجسد فيما عرضه علينا عثمان لوصيف في محاولة استلهام رؤياوية البدء،

وما [ الكتابة]ماليا وابتكاره ج[ اإلنسان]وابتداعه وجوديا[ العالم]وسر تشكله كونيا

حيث يقول في وشوق ملتهب،" بعين غاوية " زال خياله الجامح يالحق شهوة الخلق

": حورية الرمل"

وتعريت

تقدمت إلى ينبوعها الطهر

بعين غاوية

ماذا ؟ : قلت

وتنشقت حنين اللهب األول

صليت على دين المجانين

جعلت العشق ربا

ثم قدمت القرابين

مي في الساقيةومرغت د46

45

18/37النص الشعري، مجلة العرب والفكر العالمي، ع سيمياء 46

.تمثل هذه المقطوعة طقسا من طقوس التصوف ، أو شطحا من شطحاته


إنها صلوات العاشق المجنون، وترنيمة الروح المشتاقة، العطشى، إلى فيوضات

ولما كان االقتراب، من ينبوعه الطهور، مطلبا روحيا للجسد المتلف . األزل

، ولما كان القلب معنى، فقد كان لزاما "حنين اللهب األول"والوجدان المنصرم في

، فالعري معناه "تعريت: "كل ما يربطها بواقعها كليا على الذات أن تنفصل من

حالمة معها " الباطن"التجرد من كل ما له عالقة بالخارج لتغطس في كيان الداخل

وجدا حارا، ولهفة المتناهية، ويعتريها شعور باالمتالء، والنشوة باالرتياح، والرغبة

لمقدم على المغادرة في السكر، مثلما لم يسكر الناس من قبل، تلك هي سقوط ا

والرحيل، بحثا عن بؤرة مضيئة في مكان بعيد ،ومن أجل ذلك يسعى المتصوف ـ

يعمل، ويناضل من أجل أن "وخصوصا في عالم يمنع تصوفه ـ إلى تكثيف الجهد،

يغادر هذا العالم العائق من حيث هو عالم وجود فكري واجتماعي وسياسي، ال من

"فقطحيث هو وجود عالم أنطولوجي 47

، هكذا إذا، يعيش الشاعر المتصوف ظمأ

الروح إلى الحق بشكل مستمر في مطلبه، ومستغرق فيه بشهوة متأججة، واحتراق

س، متجدد، ساعيا إلى اكتشاف البدايات األولى لألرض، والصحراء، والرمل، والشم

: والطفولة، والبحر، والسموات

ظامئ للرمل

للصحراء

للجوهرة األخرى

لنار حامية

تشعل الشهوة في األرض الرديئة

ليد عذراء تمتد إلى الشمس

تعيد الرعشة األولى

هذا الظمأ الذي يستوطن أعماق الشاعر، ويلح عليه بشدة، هو في الحقيقة ظمأ

الوجه اآلخر لألشياء في توحده، وتوهجه، وما يكتنزه من حقائق، ولكن الظمأ الذي

يقصده الشاعر، بوصفه متصوفا، هو ظمأ الوجدان البشري في توقه إلى التوحد

وحد بالنوراني، فهو المعادل السيميائي بالعليائي، أو الغوص في األغوار السحيقة للت

لفقدان أنبل المعاني اإلنسانية وأنفس المثل الجوهرية، وغيابها في واقع الشاعر، وإذا

كان الشاعر يعبر عن محموالت داللية غامضة مشحونة بفيض من الرؤى، إال أنه

" ى الجوهرة األخر" يفصح عن رغبة جامحة في اكتشاف الجانب اآلخر من الوجود

فالنار الحامية التي تشعل الشهوة في "ليعيد للحياة عذريتها، وللعالم براءته األولى،

47

51/ 57االكتشاف الجسدي للذات في التجربة الصوفية، مجلة الفكر العربي المعاصر،ع : عبد المجديد االنتصار


هي القبس المقدس الذي يعيد لألرض دفئها، واخضرارها، وربيعها " األرض الرديئة

.المفقود، وبالتالي يعيد لإلنسان سموه وكرامته

في تفجير عالئق االختالف، إن القراءة الواعية المتأنية التي تعتمد نشوة التقبل

وتتخذ أسلوب التعارض في صلب النص الواحد، ال تسعى إلى إبراز الحقائق، أو

مطابقة المعنى، ولكن تسعى إلى مالمسة الدال في انزالقته، وانزياحاته، وتشاكالته،

فالنص غير نابض وال متحرك إال بالقدر الذي يتوافر عليه من جاذبية . واختالفاته

دأ التمايز واالختالف والتعدد، ويستبعد مبادئ الثنائية الضدية التي تنفي تعتنق مب

إمكانيات التفاعل بين مختلف األنساق النصية المتعارضة والمتباينة، والمتباعدة،

والمتقاربة، في تالحمها، وانفصالها، وتشاكلها، وتقابلها، ومع ذلك فالنص كما يقول

ذلك السرداب المظلم، يفتح على نوافذ من يبقى Jacques Derrida جاك دريدا

"ناحية، وهو غامض ومعتم من ناحية أخرى48

واألحرى بالقراءة المتأنية أن تؤكد .

رغبتها في فض فعالية النص المبهمة، وفك نائياته المنجرفة مع األهواء، والغوص

.في عوالمه المعتمة

ليل الخطاب الشعر، ومتباينة لقد أفرزت القراءة السيميائية طرائق متعددة في تح

في اتجاهات المعاني، وكانت تصدر ـ هذه القراءة ـ في معظمها عن مبدأ المغايرة،

داللة المطابقة الذي يعمل على إفشال داللة " مبدأ " واالختالف، والتعدد، ونبذ

: مافي كتابه Ogden &Richard وأوجدن أ ريتشارد.إاإليحاء، وقد عبر عن ذلك

يتم التفريق بين عنصرين حيث " the meaning of meaningمعنى المعنى "

:مختلفين

الشيء الواقعي كما هو في حد ذاته: المرجع المشار إليه .

الظاهرة الذهنية التي يدرك من خاللها . المقابل النفسي للشيء: اإلحالة

.المرجع

أسلوبين مختلفين، إنهما ومعنى ذلك أن المعنيين يحيالن إلى الشيء نفسه، ولكن ب

يوفران طريقتين مؤتلفتين إلدراكه49

، فاللغة كظاهرة نفسية واجتماعية، وكفعالية

ذهنية، أو كبنية رمزية ال تستجيب لمعطيات الفكر البشري إال من خالل الحقل، أو

وفي هذه الحال ترفض اللغة ـ بحسب هذا . السياق، أو الفضاء، الذي توجد فيه

يلي الرمزي، المنظور ـ في جانبها التطبيقي، وتقبل في إعطاء األولية للجانب التخي

من حيث كونه يضفي على النص مالمح دالة بما تستوجبه التجربة الثرة، وإدراك

. خبايا ما يستدعي فهمه، وتميز دالالته

48

1899/ 74ك واالختالف ، مجلة دراسات عربية ، ع جاك دريدا، التفكي: عبد العزيز بن عرفة 49

184بنية اللغة الشعرية ، ص : ينظر، جون كوهن


وفي مثل هذه الحال تكون العالقة بين الشعر والمطابقة مبتورة ومعطلة، في حين

تكون العالقة بين الشعر واإليحاء عالقة تضمين، فالشعر ينجذب وباستمرار إلى

اإليحائية التي تعمل على الدوام على وصل الكلمات بدالالتها وانفتاحها على

فضاءات المتناهية من المعاني، دون أن يكون في إمكان المؤول النهائي مالحقتها،

.أو ضبطها

وكما يعطل الشعر عالقته بالمطابقة، كذلك تعطل القراءة عالقتها باليقين في

تعاملها مع النص، باعتباره انبثاقا مستمرا، وتفجرا دائما، تبقى شظاياه دليال على ما

يهجس في ضمير الباث، وما يوحي به بثه، وما يرمز إليه، وهكذا تدنو رؤيتنا من

عثمان لوصيف لنكتشف ما تخبئه من دالالت، للشاعر" آيات صوفية "مكن قصية

: وما تحمله من إمكانات تأويلية، وما تتفجر به مع معان عبر مكونين


المكون التركيبي . 1

ويهتم بتحديد الجمل ووصف تركيبها، وتقوم البنية فيه على التقابل بين هذه

أن جميع مقاطعها تبتدئ " آيات صوفية"الجمل، وأول ما يلفت االنتباه في قصيدة

وحتى في المقطع الثاني الذي يتم فيه خرق هذه البنية تحل فيه جملة الجار [. بفعل]

مر سابق على الجملة، يتعلق به الجار والمجرور محل فعل؛ إذ الفعل قائم، ومض

: أراك، فأغمض عيني. أراك في السجود: والمجرور على تقدير

في السجود أراك فأغمض عيني

وباستثناء هذا، فإن الفعل يأخذ حيزا كليا، ظاهرا، بحيث يواصل النص انسيابه

الفعلية، وما وتدفقه؛ األمر الذي يجعل منه محورا حركيا لما يحمله من المركبات

تفتقر إليه من المركبات االسمية، فالفعل أكثر تعبيرا عن الرغبة في االندفاع، وقد

.يتراءى لنا ذلك جليا في المكون الداللي

المكون الداللي. 2

هناك عالمات تحكم نظام النص، وهي تحتوي، أيضا، على مكونات أساسية،

عرفتنا بمضامين النص بما تقيمه من ، تسهم في م"أيقونية "يمكن اعتبارها عالمات

عالقات تعارض، أو تقابل، أو تطابق، وال يمكننا التعرف إلى هذه األمارات إال

بوساطة المؤول المباشر الذي يقوم برصدها، والمؤول الدينامي الذي يدخل في سياق

مل أما المؤول النهائي فهو الذي يع. معرفتنا بالواقع، ويضفي على العالمة معانيها

: ن رموزه الباطنيةعلى مقاربة النص والكشف ع

هابط أرضك المستكينة في الغيب

أفتح في روضة األبدية دربي،

اخلع نعلي،.. وادخل مملكة هللا

وأمشي على التوت

واألقحوان السموي أوغل في

غبش الصلوات واهتف باسمك

أدنو من العرش

ألقاك يا امرأتي المستحمة في النور

عصفورة الناي، أقرأ أطلق


تعويذة العشق، ارفع عن وجهك

القدسي الحجاب وأسجد عند

التجلي

يرسم الشاعر في هذا المقطع عالما قريبا من عالم الجنة، أو حاالت النشوة في

عالم الجنة، فالعالمات التي يمكن رصدها في هذه المقطوعة والتي تشكل صلبها

: لشعري نجتزئ بمعاني هذه الصفاتالداللي أو مضمونها ا

جماد + فضاء + ثابت + محسوس + منخفض + خارجي + مكان «أرض

مجرد + ذهني + شيء «الغيب

خارجي+ محسوس + جماد + مكان «روضة

ذهني+ مجرد + فضاء «األبدية

ثابت + خارجي + محسوس + شيء «مملكة

خارجي + محسوس + شيء «التوت واألقحوان

مرتفع+ خارجي + محسوس + فضاء «اء السم

خارجي + ثابت+ محسوس + مكان «العرش

محسوس + إنسان «امرأة

مرتفع + خارجي + متحرك+ محسوس + شيء «النور

مرتفع + خارجي + متحرك + محسوس + حيوان «عصفورة

واألرض ولنأخذ على سبيل المثال العالقة بين األبدية والغيب، والمملكة والعرش،

فاألبدية والغيب فضاءان ذهنيان . والروضة، لنكتشف أنها عالقة تواز وتشاكل

مجردان، ينتميان إلى حيز المجهول، وكما يقاس الغيب بالمابعد األبدي كذلك تقاس

أما المملكة والعرش فباعتبارهما شيئين يحيالن إلى الرفعة . األبدية بالغياب األزلي

بط بالسلطان األرضي في حين يرتبط العرش بالسلطان والسلطان فإن المملكة ترت

أما األرض والروضة فيبرز تشاكلهما المعنوي من حيث كونهما فضائين . اإللهي

إال أن هذه العالمات العرفية . محسوسين ثابتين خارجيين، تحددهما أبعاد مكانية ثابتة

ذلك عندما يقع ، ويحدث "Indices"يحولها الشاعر إلى عالمات أيقونية أو قرائن

التماس بين فضائين مختلفين حين يتم نقل ما هو خارجي إلى ما هو باطني، ويرفع ما

هو أرضي إلى ما هو سماوي، ويرتطم ما هو حسي معلوم بما هو ذهني مجهول،

ويمتزج ما هو إنساني بما هو إلهي، عبر سلسلة من العالقات المتعارضة التي

صد بعض من هذه العالقات الواردة في الجمل يفجرها الشاعر، وذلك من خالل ر

:التالية

هابط أرضك المستكينة في الغيب


أفتح في روضة األبدية دربي

أمشي على التوت واألقحوان السموي

ألقاك يا امرأتي المستحمة في النور

المتباعد، ويحرك يبدو أن الشاعر يبلبل األشياء حين يبعثر المتالحم، ويصل

الثابت، وذلك من خالل تتبعنا للسمات التي تتضمنها هذه العالمات، فاألرض التي

هي مكان معلوم، ومحدد، ومحسوس تستكين إلى فضاء مجرد أو ذاكراتي غير

والروضة التي هي أيضا شيء معلوم له إطاره . موسوم إال بذاته كعالمة مجردة

التي هي " األبدية"تصبح معرفة باإلضافة ومرجعيته وسماته التي تحدده، حيث

ليست معلومة إال بقدر ما هي امتداد ال متناه لفضاء ما، في الرؤيا والضمير الجمعي

للبشرية، وهذا ما ينطبق أيضا على التوت واألقحوان بوصفهما عالمتين حسيتين

ي يدالن على الشيء الموجود في الواقع، ومحسوس، يصيرهما الحدس الكشفي الذ

يتمثل الصورة المجلوة، وتنقلها الرؤية الشعرية المصقولة، أيضا، إلى فضاء مفتوح،

ألقاك يا امرأتي )وإذا أتينا إلى الجملة األخيرة . موجود في األعلى، ومفعم بالحركية

نالحظ أن الشاعر ال يلقي صفات لعالمات في لغة على صفات ( المستحمة في النور

بين الكيان اإلنساني، والكيان اإللهي في توحدهما عالمات أخرى، وإنما يمزج

النوراني المتألق، والعالقة بينهما هي عالقة توحد وفناء وعطاء، وليست عالقة

ي من خالل تناقض أو انعكاس كما في النماذج الثالثة األولى، ويمكن توضيح ذلك ف

: هذه الجملة األخيرة

يا امرأتي المستحمة في النور

عالقة توحد

النور - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -المرأة

الحب االمتالء

الجمال الضياء

االنتشار الشفافية


غير أن ما يحرك هذه العالمات ليس ما هو متضمن فيها من سمات أساسية، بل

بما هو قائم على أهمية الفعل التي تزيد من توهجها وفاعليتها الوظيفية التعبيرية، على

اعتبار أن القصيدة في مجملها سلسلة من األفعال المسترسلة والمتواصلة، تقودها، في

". المتكلمةاألنا "أكثر حاالتها إشراقات

ومن الواضح أن التجربة الصوفية لدى الشاعر تتجه إلى الباطن السحيق عن

طريق الصعود إلى األعلى، وذلك من أجل اختطاف تلك اآلنية اللحظية واقتناصها

بدافع الرغبة في التسامي، والترفع عن الهابط والتعالي عنه إلى النوراني، حيث

عان ما يتخذ هذا الهبوط صفة الصعود لما تتوافر توغل الذات في سكينتها، لكن سر

عليه المقطوعة الشعرية من محموالت داللية بوصفها مؤشرا على ما هو مشار إليه،

وهذه المحموالت تلقي بذاكرة المفردات إلى النسيان، فينقلب محتواها، أو ما يسمى

اإليحائية، حتى تؤدي وظيفتها Le Contenu Inversé: في المصطلح السيميائي بـ

مملكة / السموي / األقحوان /التوت : ولعل ذلك ما يتضح في جملة األمثلة التالية

هذه مؤشرات، أو عالمات، دالة على كل ما هو موجود في األعلى؛ أي . العرش/ هللا

شيء شاعر ال يصعد وإنما يهبط، حيث كلكل ما هو مرتفع وخارجي، ومع ذلك فال

ألشياء غورا، لكنه في المقابل ال ينحدر إلى مكان ما يتم في الباطن وفي أعمق ا

محدد، بل إنه يبحر في عالم أرضي فسيح، وساكن في األعماق األبدية، ومزين

باألقحوان والتوت السماوي، ومرشوش بنور الصلوات المقدس، حيث تتجلى الرؤيا

ومحاولة لمرأى الذات التي تستدعي الباطن باستمرار، بقصد بلوغ جوهرها المستتر،

إيقاظ لذة االكتشاف فيها عند التجلي، حيث تمتلكها نشوة التأمل، مأخوذة بالسحر

.والجمال اإللهيين

وبين هبوط وصعود، وتأمل وانخطاف، ولقاء ورحيل، تعتلي الذات كل العروش

السماوية، وتنهل من كل الفيوضات المقدسة، بحثا عن خالص الروح اإلنساني، وعن

لسان حال الخلجات الغائرة في عمق تجربة الرؤية المتراكمة، على عكس ما يرمي

ا يخالطه من أي مخاضات وجدانية، إليه الخالص الدنيوي المحض، بما ال يشوبه أو م

ومن هنا تنبع الضرورة . إنها الخالص الكوني المفعم باألشياء المضاءة، والمضيئة

الذي يمتلئ به كيان الشاعر، فيتولد لديه مخاض " الالمنتمي"القائمة على االغتراب

ا تصاله النفوس احتراقا، وتفرضه حكمة اإلدراك المتسامي عن الحقيقة تشوفا، وبهذ

المعنى تترامى أطراف التجلي بما يستدعي خلق فضاء متجدد من الحركة،

والتصاعد، والتشظي، والتبعثر، واالنخطاف، والجنون، بوصفها كشفا في إبداع

: المتصوف، ورؤى يضيء بها وجودهالشاعر

تشتعل الوردة اآلدمية، تنحل

كل العناصر تتحد، النار بالنار والجرح


ض المعاني بالجرح ونصلي مخا

نولد بين ...ونعبر دوامة الموت

جناحين يخطفنا البرق، نغوي

نواصل هذا الجنون المقدس، نبدع

لحن الخلود ونبقى نسبح هلل، نبقى

نصلي، نصلي

يجمع الشاعر مرة ثانية بين جدل الخلق ومخاض الكتابة، ويشترط عبور هكذا،

دوامة الموت حيث يتم انقراض كل شيء كشرط أساسي لوالدة غير مشوهة، ال تخلو

من األلم، لكنها محملة بالخصوبة والنبض، غزيرة بالعطاء والتفتح، حيث ال توقف

.ستمر نحو الالنهاياتوال استقرار، وال وصل، وإنما هو سفر دائم ورحيل م

وإذا سلمنا مع ريفاتير50

M.Riffaterre ،بأن الشعر لقوله شيئا يقول شيئا آخر

أدركنا أن ما يلوح به النص كامن فيه، وأنه لن يكون إال كنه ذاته، ولذلك فإن إدراكنا

له كنص متناه يستدعي بالضرورة وجوده كمعنى ال متناه، ومن ذلك فإننا مطالبون

ن هذا الشيء اآلخر الالمعقول ـ الغائب والحضر ـ بوصفه الوجه اآلخر بالحث ع

للنص المقول، لكننا نزعم مع ريفاتير ـ كما هو راسخ في منظوره ـ أن شعرية

المنطوق النصي ال تتحقق إال ضمن الفضاء الداللي المفتوح على احتماالت المتناهية

بالواقع مدخل نقدي ذو أثر مقارنة القصيدة "كامنة فيه، ومندرجة ضمنه، وأن

"مشكوك فيه 51

لذي يقرن بين القرائن Yuri Lotman ، ولكننا نؤيد لوتمان

الموجودة في الواقع والعالم، وما تفرزه اإلبداعات، وبخاصة الشعر، من دالالت ذات

صلة مباشرة أو غير مباشرة، واعية أو غير واعية، بأنساق مختلفة من الواقع

إن الهدف من الشعر بالطبع ليس الصور، بل معرفة : "الشأن يقول وفي هذا . والذات

العالم والعالقات التي تربط بين الناس، ومعرفة الذات وتطور الشخصية اإلنسانية في

ويستحيل فهم طبيعته الخاصة إذا تجاهل المرء .لية التقدم واالتصال االجتماعي عم

إال حينما تدخل في صراع مع الضبط آليته وبنيته الداخلية، وال تنكشف هذه اآللية

"الذاتي للغة52

، فعندما تخترق اللغة الشعرية قانون المطابقة، وتعطل قانون المحاكاة

بوسع الشعر أن يحتل مساحة من شعورنا بالحياة في جدلها المستمر، كما باستطاعته

50

الكالم على ضربين ، ضرب أنت تصرل منره إلرى الغررض بداللرة اللفرظ وحرده، وضررب آخرر أنرت ال : ومن قبله الجرجاني ، يقول .

تصل منه إلى الغرض بداللة اللفظ وحده، ولكن بما يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضروعه فري اللغرة ، ثرم تجرد لرذلك المعنرى داللرة

، وكرل مرن الجرجراني 373انظرر دالئرل اإلعجراز، ص . مدار هذا األمر على الكنايرة واالسرتعارة والتمثيرلثانية تصل بها إلى الغرض، و

. وريفاتير ينطلق من النص المغلق النحوي إلى النص األدبي المفتوح

51 .سيمياء النص الشعري : ينظر ، روبرت شولز

52 .المرجع نفسه


زها أيضا أن يمنحنا شعورا مغايرا، وإحساسا مختلفا، عن طريق مداعبة اللغة لرمو

.الصامتة

والشك في أنه ما من واقع أشد قتامة، وأكثر مرارة، من الواقع العربي المشتت بين

واقعية الصمت، والقمع، واالستالب، والغربة، والضياع، والنفي؛ األمر الذي جعل

يأمل أن يكون أي شيء إال أن يكون ذاته، لما يحيط بها " عبد هللا العشي " الشاعر

يشملها من ترمد وأسى؛ كما كانت وجهة آماله، أيضا، أن يخرج هذا من ضبابية، وما

. الوطن من منفاه ليبعث في ظالل من النور والضوء متوجا بالفرح واألغاني

والواضح أن الحالة الصوفية التي يصدر عنها هذا الحس المتوهج، تتجسد في صور

تال، والهائم في الرفض، والالنصياع، والبحث عن الزمن العربي الهارب، والمخ

يتوحد الشاعر بالزمان العربي، في " بعيدا ال يبدأ السفر"دوامة النفي، ففي قصيدة

ي المزمن، والثابت في جرحه؛ ألنه ليس وجع اآلخر وحسب، بل ألنه ذلك األلم الباطن

: األعماق

....يا أنت ....آه

يا وجه قافلة رمدتها المنافي

....إنني نابت فيك

ت في لغتي مزورعة أن

صرت في سفري ومقامي اهتزاز دمي

....صوت ظلي

وصرت النخيل الذي يتحمل صرخة جرحي

وصرت الزمان الذي يحتويني

...نابت ...نابت

جرحك العربي بحقل دمي

...يا أنت ... آه

يا خنجرا وابتسامة 53

في جسد الذات المزروعة في فيافي الكالم، والمبثوثة "المتوغلة "األنت"من هذه

في نبض القلب والذاكرة، الساكنة بعمق الجرح، والمتوجة بخنجر وابتسامة؟ أليست

53

.1891أكتوبر 79، 76مجلة الضاد ، جامعة قسنطينة ، ع


هي العروبة التي تتفيأ بتخيلها جراحات الشاعر، وتسري في عروق دمه، وتنبت في

؟ المغتربة في زمن مغترب" األنت"خلجان حشاياه؟ من هذه

تمزق من الوجع في اتساع خرقه، ومساحات من الكآبة والتفتت، وال شيء يشبه

ال : هذا العطش، وال شيء يحتوي هذا الوجع؛ إذ ليست هنالك نافذة أخرى تحتويه

أقوى من أي إعصار، " الوجع البربري المؤثر"ضوء، وال عشب، وال مكان، هذا

الذي ال يحتويه إال الزمن العربي وأفسح من أي فضاء، إنه ذلك الوجع القديم

والذاكرة العربية، ولذلك تعود الذات إلى البداوة والنخيل، والسيف، والقصيدة،

ا أسمى من الوجود والفروسية التي يحمل إليها الشاعر مخاض األلم، ويتوسل وجود

.العربي الراهن

...علمني الزمن العربي بأن النخيل الذي يحتوي وجعي ـ ضجري

لي، وأن الدروب التي سوف تحمي خطاي من الطين والتيه هو نخ

هي الدروب التي حملتني زمان تملكت أغنيتي وكتبت قصائد

...شعري على شفة السيف ـ قادت خطاي على األرض

تحملني فارسا عربيا يلون وجه البرية بالحب

والنخل والكلم القدسي

...وعلمني الزمن العربي بأن الخالفة لي

أدنو من الضوء حيث

أحمله في لساني ـ عيوني ـ دمي كلماتي

. لعل القارئ يدرك أي جرح يحمل الشاعر، وأي ألم، وأي نوع من المعاناة يعاني

إنها معاناة االنسالخ من واقع الزمن الراهن المستلب، والمغترب، فهو يتمرد على

الماقبلي الحافل بالحب الزمن اآلني المتهرئ بقيمه ومبادئه الهشة، ويتوحد بالزمن

والبطوالت، وليس غريبا أن ترتد الذات إلى ماضيها، إلى القلب والذاكرة، تتوخى

وتتفيأ دفء ظالله التي ال تنفد، ونحن . والدة الفرح من نهر الضياء الذي ال ينضب

نوافق الشاعر إحساسه بالخيبة، وشعوره باالغتراب في زمنه اآلني؛ ألننا نرفض أن

، بوصفه األكثر إشراقا، ونبال، وضياء، "الماقبل الذاكراتي"الص في ننشد الخ

.وأصالة


بكل ما " الحلم/ الزمن"ولكن، ينبغي أن يستلهم فضاءه األنبل بغية استشراف

يحمله من إمكانات رؤياوية، تمتلك الذات بمشاعر الرفض احتفاء باستقدام اآلتي

ناء حلم يقاوم فراغات الصمت، ويمتص المحمل بقيمه التفكيكية، الهدمية، وإعادة ب

فيافي النفي والحزن، ويمضي نحو امتالك الفضاء األرحب في دعته، واألفسح في

.سعته، حيث ال شيء يحتويه أو يصده

عندما تنصهر اللغة يتم توليد المعنى، وعندما يولد المعنى تنصهر الرؤيا، وال شيء

، "وال يأتي/ يأتي "ه الرؤيا إال كمرتقب يحتمل االنتظار والترقب، حيث ال مكان لهذ

تلك هي كلمات الشاعر عبد هللا العشي التي تلمع فجأة في مداها المستحيل، واللمعان

.أيضا مجال للتأمل وفرصة له، ونوع من االنخطاف، وال شيء غير التمني

كلما لمعت ذروة في المدى المستحيل

شدني نحوها الظمأ القاحل

يا طريقي الثقيل

أيها الوجع القاتل،

ليس لي قمر أو دليل

وأنا سفر دائم

لو تعرت أماني السنون

وتعرى أمامي المدى الهائل

يا صداي الطويل

أيها الوجع القاتل54

فالذات هنا موطن للتيبس والعطش والخواء، والتمني هو المعادل الوجداني

لمعان لرؤية مستحيلة، يدلهم في لالخضرار واالرتواء، واالمتالء، ليس أمامها سوى

إن الداللة في هذا النص تنبني على اإلصرار على المناداة، وكأن . مداها الدجى

الشاعر يريد أن يقول أيها الوجع األزلي ليس هناك إال أنا وأنت في هذا المدى

.الالمتناهي

54 قصيدة ، ظمأ ، المرجع السابق


في إن ما تنطوي عليه الرؤيا من اإلحساس بخواء الحياة في مداها، وبالضياء

ن وجود قرينة تتضمن منتهاه المقصود، ال توحي بأية رسالة ثورية، على الرغم م

:سمات تمردية

" وأنا سفر دائم"

حيث الثورة ما هي إال ذلك الرحيل المستمر نحو بلبلة األشياء، وتثويرها، إال أن

عندما هذه الروح الثورية ال تتخذ سماتها األكثر وضوحا في حاالتها الصوفية إال

تتخذ أبعادا تجاوزية ومغايرة، وتنفلت من الحساسية الواقعية والنموذجية، وتبتكر

نموذجها الثائر الذي يفجر االستقرار، والثبوت، والسكون المقرف، فتأتي الثورة

مخاضا للحياة الفاضلة، وخالصا لها من سجنها وغربتها، وبعثا للوجود النبيل

: المضاد

ح أضيئي يا ربيع الرو

أضيئي لي

فهذا العالم الممدود كالخشبة

...موحش...أليم

كالغربة... كالسجن 55

إن وعي الذات لواقعها، ولذاتها، كفيل بأن يوقظ فيها مشاعر الثورة ومعاني

ويعمل على تثويرها وتحريكها، وهزها من الجذور، فليس من صفات العالم . التحرر

بل إن النبض والحركة، واالمتداد . المرتقب، السكون الموحش، والجمود الصلب

ددا من الفعالية واالحتكاك، ومن ثم واالنفتاح، صفات مميزة له، بوصفه انبثاقا متج

كان التوحد بالثورة في معناها اإلشاري ضرورة ملحة تفرضها حاجة الذات إلى

: الحرارة والدفء، حتى ال تحتضر ببطء، ويتضاءل في العمر الضياء

أضيئي لي فما في الروح من زيف

وما في الجسم من قدرة

...أضيئي لي

فهذا العالم المجنون

هذا العالم الخيبة

55

ربيع الروح ، المرجع السابق : قصيدة


.موجع، كالموت كالغربة...أليم

إن فقدان الحياة لضيائها، وحرارتها، ودفئها، يعني انعدام القيمة اإلنسانية المثلى،

والمعنى اإلنساني العظيم، وتحول العالم إلى خيبة كبرى، تجر في إثرها وجعا

للضياء يعني أن دروبه وطلب الشاعر . كالموت ثقال وبشاعة، وكالغربة تشردا ويتما

:مدلهمة، وأن العالم مهشم في باطنه، متهرئ في ظاهره، وأن الروح والجسم عليالن

أضيئي لي فما في الروح من زيف

وما في الجسم من قدرة

وأن الثورة المنتظرة ال بد أن تكون ذلك التغيير الشامل، والكلي، الذي يضرب في

مالمسة النواة البدئية للكيان البشري، وأن تشمل الفكر األعماق، ويوغل فيها بقصد

والروح والوجدان، وال تقتصر على نشاط سطحي، ما يلبث أن ينتهي إلى مجرد

.احتجاج أو لمعان، سرعان ما يتوارى

وعلى الثورة كذلك أن تنطلق من وعي الذات في ألمع حاالتها الصوفية، وأال تظل

فالعالم ليس معطوبا على الدوام، وليس سلسلة من . مجرد تعويض للخيبة واألمل

المآتم والمآسي، في كل وقت، بل هنالك ألوان قزحية للفرح ال يتوانى عليها الشعر،

فإن الشعر أوسع معرفة، " أي معرفة بالواقع تتضمن تغييرا في الواقع"فإذا كانت

ونيس فإن الشعر ال وأعمق إدراكا بالواقع وتغيراته، وكآباته، وشروخه، وكما يقول أد

ينقل الواقع وإنما يبدعه، وفي ذلك اإلبداع تتجلى الصور األكثر إشراقا، باعتبارها

انبثاقا لتحقيق مراد األماني، بعد كشف المستتر، وكل ما كان بساطه مطويا، وتفجير

مكنونات غريزة التطلع إلى مداعبة األسرار الباطنية، فيما يلوح لها في اآلفاق من

.تجود بيخضورهابارقة

"تجليات صوفية"المفيض في

بالمرأة في اإلبداع وافر، والتغزل بها أوفر، وأكثر حظا، بيد أن آالء االحتفاء

إفراط الحب بها روحا، والولع بها عشقا ساميا، كان من خاصة الشعراء العظماء من

لشيرازي، الحالج، وابن عربي، وابن الفارض والمقدسي، وسعد الدين ا: أمثال

، وغيرهم كثير من الذينوسنائي غزنوي، وفريد الدين العطار، وجالل الدين الرومي

في وصف لوازم الحب إلى وصفه بما يشبه متعة النجوى، ولذة القرب جاوزوا الحد

ـ إلى الورع، وجالل المشاهدة بالتقوى، ومن ثم كان ولعهم بالمرأة ـ من قبيل المجاز


لبلوغ المراد في الحب األزلي؛ لذا تعد صفات المرأة في من الصفات المائزة

جوهرها الروحي وسيلة الستبدال كيان النشوة بكيان الجسد الحسي، ولذلك أولوها

االهتمام البالغ، والواصل إلى غايته في الوحدة الدائمة للفناء، واالنشغاف بعظمة

وإذكاء جذوة اإللهام، وهو الخالق، كما رأوا فيها الوجد المحض، المنقدح في القلب،

المحبة : "ما عبر عنه ـ مثال ـ الحارث بن أسد بن عبد هللا المحاسبي البصري في قوله

ميلك إلي المحبوب بكليتك، ثم إيثار له على نفسك وزوجك ومالك، ثم موافقتك له سرا

".وجهرا، ثم علمك بتقصيرك في حبه

ا يوفي الغرض؛ ولكن حسبنا هنا أن لقد أفاض الدارسون الحديث في هذا الشأن بم

لنزار قباني، هذا النص الذي استطاع أن يستلهم صورة " تجليات صوفية"نقف عند

المرأة في شعر التصوف، اآلخذ بشقيه القديم والحديث، بكل ما تحمله األنظمة الداللية

: نجتزئ بقوله منها. داخل النسق الصوفي في تركيبته الروحية

نحاسي، ناك كقنديلعندما تسطع عي

على باب ولي من دمشق

..للصالة أفرش السجادة التبريز في األرض وأدعو

مدد: وأنادي، ودموعي فوق خدي

..يا أحد.. يا وحيدا

كي أفنى بمحبوبي، أعطني القوة

..وخذ كل حياتي

******

في مملكة اإليقاع، والنعناع، والماء، عندما أدخل

..فال تسعجليني

فأهتز كدرويش على قرع الطبول الحال، فلقد تأخذني

.. مستجيرا بضريح السيد الخضر وأسماء الرسول

..عندما يحدث هذا


.توقظيني فبحق هللا، يا سيدتي، ال

..واتركيني

الياسمين نائما بين البساتين التي أسكرها الشعر، وماء

..علني أحلم في الليل بأني

..دمشق صرت قنديال على باب ولي من

ليست صوفية السالك الذي يسلب صفاته من الحياة، اعتزاال، أو " تجليات صوفية"

كالراية، والعصا، والمسبحة، والدف، ) انطواء بالوسائل الطرقية في أداء الشعائر

على العكس من ذلك، إنها صوفية المفيض في تجليات فضائل ( والطبل، وما شابه

روح محبوبه، الهائم به، من قبل ومن بعد، سواء الحق بقدر استطاعته، مأخوذا بطاقة

، وفي كلتا الحالتين معا (الباطن) أو في الوجود الروحي( الظاهر) في الوجود الحسي

كانت صاحبته متجلية في صورة المقصود، ففي الحالة األولى ارتقى بها إلى مقصود

إجابة لسؤاله باالستقامة اإلعالء من شأنها، بينما في الحالة الثانية، أراد لها أن تكون

.واالنحناء إلى الطاعة في ذات الحق، وتسامي الروح

، حين كانت "فيلوصوفيا الحب"كان تألق نزار في جميع دواوينه عن المرأة يمثل

مع نفسه في االرتقاء بها إلى مصاف المرأة النموذج في كل شيء، " الواحد"حبيبة

، ومن "المسك"ها، ومن فتل قدها إلى رضابها بدءا من زغب خدها إلى بزة قوام

م ثغرها إلى تبلسم وجها، حيث تجلت فيها حكمة المحبة في خصائص تبعيضاتها، تبس

، المسكون "فيلوصوفيا التقوى"بينما كان حبه لها في تجليات صوفية مستمدا من الـ

. ها المعنويةبها بقرينة الحكمة النورانية في معالمها الروحية، وأرقى مستويات

، "مملكة اإليقاع"لقد رفع نزار من سمو مكانة المرأة إلى ما يعتوره من وجد داخل

بستر وهج الحال، وغياب القلب عن الخلق، وكأن شارة إلى انجذابه ـ في االتصال ـإ

طلب االستجارة من حال الشاعر المجذوب يمثل طلب الصلة الروحية بين الخلق في

ضريح السيد الخضر "جد، والحق في ذات صفاته تعالى في حضرة ذات المريد بالو


وهي خاصية كل مغيث في أن يشد الحق أزر المستجير، واألخذ " وأسماء الرسول

.بيده إلى حالة التقوى بال كلفة

مجدولة القوام، " أنثى"إذا كانت المرأة ـ دوما ـ حاضرة في قاموس نزار بوصفها و

، أو نسقا معرفيا "بنظرة األنوثة"وبهاء متألقا، كما يحلو للكثير من الدارسين وسمها

كما نتصوره، فإنها هنا في هذا النص تمثل المرأة النموذج في التجلي، والمرآة

بصفاتها في فضاء الكون، وبجوهرها يعرف حضوره العاكسة لرؤيا نزار، يبحر

فتح آخر غير الصورة السابقة لها في عالم " تجليات صوفية"األكمل، إنها في

األدران، فتح فك به أسرها لتتحول من شوق الجسد إلى شوق الورع، من البحث عن

سمى؛ الصنع في الخلق، إلى البحث عن الكشف في الحق، حيث المحل األرفع، واأل

إنه تحول في موقف نزار ـ . وإذ ذاك فهي مرآة عاكسة لوجوده اآلخر، العالم األكبر

من رفع مكانة المرأة ـ إلى اإلعالء من شأنها بالرغبة في الكشف عن المظاهر

ـ من قبل ـ من إمكان البوصلة الموصوفة باإلمكان في صورة الحق، كما حول

لسانها، ومن غريزة الجسد، إلى توشيح مفهوم الحديث عن نفسها إلى الحديث على

األنوثة بوسام الصفاء، أما في تجليات صوفية فإنه حول اتجاهها من رواسب تصنيف

كر، والمجاهدة باألوراد القلبية وكما قادها، . سلطة الذكر إلى التأمل بمعاول الذ

عن الحقيقة التي شعريا، إلى المحافل والقصور، هاهو يتمثلها، في طلب السؤال

تشمل مراتب المقامات، بعد أن اتخذها مثاال لصفاء الروح، وشريكا له في تفريغ

.إلى تقوى هللا واالقتصاد في أمره القلب لحسن التوجه

منبثقة من التعاليم اإلنسانية في جوهرها الجمالي، " وجد حبيبته"صوفية نزار في

عربي، أو الحبيبة اإلشراقية المطلقة إلى السماء عند ابن " الحبيبة الكونية"الشبيهة بـ

عزة "كما أن حبيبة نزار، في هذا المقام، ليست هي . كما هو الشأن عند الشيرازي

، بل هي تلك الحبيبة التي تواشجت فيها "نوبة"ليلى األخيلية صاحبة " وال هي" كثير

هي ليست ، والحب العذري، والحب اإللهي، ومن ثم ف"اإلنساني"خلوص الحب

الحبيبة المشحونة بالوجد المطلق، السابح في عالم الجسد، بل هي تلك الحبيبة

الممشوجة بكيان الحقيقة في صفات الحق المحض، والمتحد بما أطلق عليه المتصوفة

من منظور أن ( السر/ الروح/ القلب)أو ثالثية ( المشاهدة/ المحبة/ المعرفة)بثالثية

ناق الروح بعد المجاهدة بالمحبة للوصول إلى المقام، والسر القلب دنو المعرفة، واعت

وفي تقلبه يتدرج إلى الروح، وفي ارتقائه يرتقي إلى السر، فتقلب القلب . هو المشاهدة

بين أصابع الرحمن يؤدي إلى معرفة الوجود، ومحبة كل ما فيه، ويكشف عن المعنى

في جزئياته المتناهية56

.

56

.117، ص 3717، 1حكمة الروح الصوفي، دار المدى، ط: ميثم الجنابي


: رأ هذه الصورةويظهر ذلك جليا حين نق

مدد: وأنادي، ودموعي فوق خدي

..يا أحد.. يا وحيدا


..وخذ كل حياتي

إنه نداء صوفي لحلم يؤثر فيه لوعة الروح في محصول الفناء بالمحبوب؛ وإذ

االتحاد يطلب نزار استبدال القوة بالحياة فكأنما يطلب قوة اإلرادة التي تدفع به إلى

مع المجاهدات الروحية المنداحة ـ بجذبها ـ إلى روح الطهر، وهو بديل مشفوع

ع رائحة الفناء ، واالستغراق في عظمة الباري، وكأننا بالشاعر [الصوفي]بتضو

.يهيئ نفسه ليسكن سكون اليقين، المفضي إلى السعادة الروحية

د الذوقي، في مقام الكشف إننا أمام نص يطرح حالة من التجلي الروحي، والوج

ولعل الذوق في هذا المقام مستمد مما يراه من مدد فيض . فيما تستبصره رؤيا المرام

حين " فتوحاته"القانتين، الدائمين على طاعة الباري، أو من ذوق ابن عربي في

أول مبادئ التجلي، وهو حال يفجأ العبد في قلبه؛ فإن أقام نفسين "وصفه بأنه

"عدا كان شربافصا57

، وهو ما تعبر عنه ملكة إحساس نزار المتعالية في عالم الخيال

: المطلق، والمقيد، في آن، ويظهر ذلك جليا حين نقرأ هذه الصور

..تعتريني حالة نادرة

بين الصحو واإلغماء، بين الوحي واإلسراء، هي

والميالد، بين الكشف واإليماء، بين الموت

..وبين الكلمات.. اق للحببين الورق المشت

من خلفها أيضا بساتين، وتناديني البساتين التي

الفراديس التي من خلفها أيضا فراديس،

..من خلفها أيضا فوانيس الفوانيس التي

57 .481، ص 1891طباعة والنشر، بيروت، المعجم الصوفي، الحكمة في حدود الكلمة، دندره لل: سعاد الحكيم


نظره في يسعى الشاعر هنا إلى أن يكون واحدا مع ذاته الكاشفة ـ بما يؤديه إليه

متكامال مع كيان محبوبه بالروح المتحققة في البساتين، تجليات الحق في كل شيء ـ

والفراديس، والفوانيس، وكأن نزار يصف حالة الرغبة في انتقاله من الحكمة

النورانية، / إلى الصوفية الكونية" الفيلوصوفيا"الصوفية التي يطلق عليها بـ

لوب التمني في المشفوعة باألحوال الربانية، وذلك بعد أن ترجى محبوبه بإيثار مط

بتكامل الوجود الكوني، " الحلم"الغفلة والنوم، رغبة في تجلي الشعور األسمى في

. وتأكيد ما يرنو إليه في قنديل محرابه الذي ينادمه ليال

إن حالة الصحو في الربط بالمعراج الروحي هنا تمثل كمال المحو في اللوح

بدل المواقع بين األمر المخصوص من المسطور في الحياة الدنيا، بينما تمثل حالة ت

، (وحي السماء واإلسراء، والكشف واإليماء، والموت والميالد، والورق والكلمات)

موطن التحول في الوضع، كاالنتقال من عالم حياة الدنيا إلى عالم حياة الروح،

إنها ثنائية التاردف في الوحدة بتناظر األحول، واإلحاطة . واالستعداد لالستمداد

بالوسائل الروحية التي تأخذ بالسالك إلى بعض المقامات؛ ألخذ الورد المأذون،

الذي أصبح حقيقته لقد عانق نزار الحب السرمد. واالستقبال في حضرة األفق األعلى

: تجاوب مع أمنية الحالج حين قالاألولى في حياته األخيرة، وكأنه في ذلك ي

وأهون شيء عندنا ما تمنت تمنت سليمى أن أموت بحبها

يتفق نزار مع الحالج في مطلب الكون الجامع مع حقائق الوجود في القوة، وهو

:مطلب ال يتحقق إال لمن ركبت السجية الصالحة فيه


وخذ كل حياتي

...

..عندها

..إلى سبع سماوات يخطفني الوجد

لها سبعة أبواب

التأمل في خزائن فضائله تعالى، فإنما يطلب اإلغاثة ـ أيضا ـ " قوة"وإذ يطلب

أمام . بإمداده سر التفاني في المحبوب، حتى يسكن في فيض رحمة بديع السماوات

هذه الشمولية التي تتجلى في مرآة الروح الطاهرة ينظر الشاعر إلى الكلية فيما بين


هذه : "، على حد رأي ابن عربيفي عينهاالحق والخلق، وإن لم يكن لها وجود

األمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم

عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني، فتقبل الحكم في األعيان الموجودة وال تقبل

بها التفصيل وال التجزيء فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف

ل، ولم تتعدد بتعدد كاإلنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص، لم تتفص

"األشخاص، وال برحت معقولة58.

فأهتز كدرويش على قرع الطبول فلقد تأخذني الحال،

.. مستجيرا بضريح السيد الخضر وأسماء الرسول

..عندما يحدث هذا

.توقظيني فبحق هللا، يا سيدتي، ال

..واتركيني

الياسمين نائما بين البساتين التي أسكرها الشعر، وماء

..علني أحلم في الليل بأني

..دمشق صرت قنديال على باب ولي من

رسمه تحول المرأة نظر، تجعلنا نكتنه عالم نزار في إن قراءة هادئة، بأناة وإنعام

من حالة الحياة المادية بالصورة المتجلية بذاتها إلى حالة الحياة الروحية، من العامل

لدى شديد الرغبة المؤثر في الجسد إلى العامل المؤثر في الروح، من غريزة الشبق،

إلى غريزة السؤال من الئب بما يروي ظمأ الروح، فبعدما كانت تراها في الملذات،

ة، أصبح الشاعر يرى عينه فيها كجالء لمرآة الكون الجامع، الع ين كمرآة مجلو

والمختلف باختالف التجلي، من حال البذل في المعامالت باإليثار واألثرة في أمور

الدنيا، إلى حال المقام العلي في أمر اليقين الكامل بالتوحيد الخالص، كما تحولت

المنفرد بها في عالم العشق العاطفي، إلى المرأة مع نزار من حال الصاحبة

عشق الروح النورانية، ى حالةإل ، بالقلب الهائم،المصاحبة الوحيدة في المسعى

وفي كل األحوال تعد . المحل الدائم ومعانقة الطاعةالقائمة في رتبة الواحد حقا، حيث

، وأشرقت العليةحين كشفت عن معانيها تجليا آخر " المقدر"حبيبة نزار في تحولها

: قلبه بما يفتح فيضه الرباني بحضرة العشق

عندما تبدأ في عينيك آالف المرايا بالكالم

..كالم ينتهي كل

وأراني صامتا في حضرة العشق،

ومن في حضرة العشق يجاوب؟

. 51 – 51ص ، فصوص الحكم :ابن عربي 58


للرحيل يتوالني حنين

..حيث خلف البحر بحر

:فأنادي، ودموعي فوق خدي

!مدد

أحديا وحيدا، يا

..القدرة كي أصبح في علم الهوى أعطني

"...الصالحيه"واحدا من أولياء

:المراجع

802، عالم المعرفة ، ص اتجاهات الشعر العربي المعاصر: إحسان عباس

والنص مقبوس من الفتوحات المكية. 641ما الشعر العظيم ص : ينظر، يوسف اليوسف

6826/ 4، ع مجلة فضو النزعة الصوفية في الشعر العربي المعاصر، : محمد مصطفى هدارة

611، ص معنى الخلود في الخبرات اإلنسانية: وليام أرنست هونكونج

.89ـ دار العودة، ص الثابت والمتحو ـ األصو : ادونيس

.82المرجع السابق ، ص

. 55، مكتبة الحياة ، ص الواقع اإلنسانيالوجودية فلسفة : غازي األحمدي

.6826/ 4، ع مجلة فضو النزعة الصوفية في الشعر العربي المعاصر، : محمد مصطفى هدارة

.688دار اآلداب ، ص الشعر والصوفية،: كولون ولسون

.41، ص6896ة، ، المجلد األول، دار العودوحدة، اآلثار الكاملة[ قصيدة ال تنتهي ] قصائد أولى : أدونيس

.619، ص معنى الخلود والخبرات اإلنسانية: وليام أرنست هونكونج

18.1، مكتبة مصر، ص مشكلة اإلنسان: زكريا إبراهيم

18، ص دار الكتاب العربيمدرسة الحكمة ، : عبد الغفار مكاوي

90المرجع نفسه ، ص

54المرجع نفسه ، ص

.55نفسه ، ص

.16ترجمة صالح برمدا، دمشق ، ص بيانات السريالية،

. 650، ص ما الشعر العظيم: يوسف اليوسف

.69بيانات السريالية ، ص

.652، ص أفق الحداثة وحداثة النمط: سامي مهدي

.652المرجع نفسه، ص

.، العدد السابق مجلة فصو النزعة الصوفية في الشعر العربي الحديث ، : ينظر، محمد مصطفى هدارة

.868، ص اتجاهات الشعر العربي المعاصرعباس ، إحسان

مصطفى هدارة ، المرجع السابق

6828عام 02، ع، مجلة الناقدالصوفية والنقد األدبي، : يوسف اليوسف


6828عام 02، ع، مجلة الناقدالمرجع السابق ، الصوفية والنقد األدبي، مرجع سابق،

.54/55، ع جلة الفكر العربي المعاصرم التأويل والتفكيك ،: ينظر، هاشم صالح

. 02، ع، مجلة الناقدالصوفية والنقد األدبي، : يوسف اليوسف

.2المرجع السابق، ع

الصوفية إمداد للنقد األدبي: يوسف سامي اليوسف

6828عام 02، ع، مجلة الناقد، . الصوفية والنقد األدبي: يوسف اليوسف

.610، دار العودة، ص زمن الشعر: أدونيس

ذات يوم :، تقولبعض جوانب لقاءات الشاعرين نزار قباني وأدونيسمما جرى في ابنة نزار قباني ملحة هدباء وتروي لنا

، ثم !"لمن تكتب يا أدونيس؟.بشرفك هل تفهم حالك جهد نفسي حتى أفهمك أنتأ يا أدونيس" :ألدونيس قال والدي

.يضحكون

المرجع السابق :يوسف اليوسف

645، دار المعارف، ص التصوف النفسي: عامر النجار

.54/55، عمجلة الفكر العربي المعاصرالتأويل، : ف، ي، خاليزيف

. في فصوله األولى" إراءة التأويل"و. 10، 84دالئلية النص األدبي، ص : لمزيد من التوسع انظر، كتابينا

99دمشق ص . غويةمراهنات دراسة الداللة اللآن إينو ،

689، ،ص بنية اللغة الشعرية: ينظر، جون كوهن

.اصطالحات الصوفية الواردة في الفتوحات المكية: ابن عربي

6821، 8/ 6، ع ، مجلة فصو قراءة في ديوان محمد عفيفي مطر: ينظر، شاكر عبد الحميد

68/80، ع مجلة العرب والفكر العالميسيمياء النص الشعري،

56/ 50،ع مجلة الفكر العربي المعاصراالكتشاف الجسدي للذات في التجربة الصوفية، : المجديد االنتصار عبد

6822/ 04، ع مجلة دراسات عربيةجاك دريدا، التفكيك واالختالف ، : عبد العزيز بن عرفة

684بنية اللغة الشعرية ، ص : ينظر، جون كوهن

م على ضربين، ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بداللة اللفظ وحده، وضرب آخر الكال: ومن قبله الجرجاني ، يقول

أنت ال تصل منه إلى الغرض بداللة اللفظ وحده، ولكن بما يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم

انظر دالئل . ارة والتمثيلتجد لذلك المعنى داللة ثانية تصل بها إلى الغرض، ومدار هذا األمر على الكناية واالستع

.، وكل من الجرجاني وريفاتير ينطلق من النص المغلق النحوي إلى النص األدبي المفتوح808اإلعجاز، ص

.سيمياء النص الشعري : ينظر، روبرت شولز

.المرجع نفسه

.6821أكتوبر 09، 01جامعة قسنطينة ، ع مجلة الضاد،

قصيدة ، ظمأ، المرجع السابق

ربيع الروح ، المرجع السابق: قصيدة

.160، ص 8060، 6، دار المدى، طحكمة الروح الصوفي: ميثم الجنابي

.481، ص 6826، الحكمة في حدود الكلمة، دندره للطباعة والنشر، بيروت، المعجم الصوفي: سعاد الحكيم

. 51 – 56ص ،فصوص الحكم :ابن عربي

2012 NSP Natural Sciences Publishing Cor. An Icon of ... · 72 Abdelkader Fidouh: An Icon of...

Documents

Transcript of 2012 NSP Natural Sciences Publishing Cor. An Icon of ... · 72 Abdelkader Fidouh: An Icon of...