التوازن التربوي

104
التوازن التربوي

Transcript of التوازن التربوي

Page 1: التوازن التربوي

التوازن التربوي

Page 2: التوازن التربوي

وأهميته لكل مسلم

تأليف

مجدي الهللي

2

Page 3: التوازن التربوي

مركز السل م للتجهيز الفني

0106962647عبد الحميد عمر

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الولى

م 2009هـ - 1430

بطاقة الفهرسة

فهرسة أثناء النشر إعداد الهيئة المصرية العامة

لدار الكتب والوثائق القومية

إدارة الشئون الفنية

25123/2008رقم الديداع:

دار السراج

توزيع

مؤسسـة اقـــــرأ للنشر والتوزيع والترجمة

ش أحمد عمارة - بجوار حديقة الفسطاط 10

0126344043- 0102327302 محمول:25326610القاهرة ت:

mail:[email protected]صلى ال عليه وسلم

Page 4: التوازن التربوي

المقدمة

رب ديسر وأعن ديا كرديم

ـى ـالمين، والـصـلة والـسـلم عـل ـد ـلـ رب الـسـماوات ورب الرض رب الـع الحـم

رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالتربية مصطلح شائع ومتداول بين الناس على اختل ف ثقافاتهم ومشاربهم، وهــو

يحمل في طياته معنى التغيير -سواء كان ـسـلبايا أم إيجاباـيـا- فاـلـذي يرـيـد ـمـن نفـسـه أو

اما في اتجاه (ما)، لبد من أن يتربى أو يربيهم عليه، فمــن أراد - اكا دائ ممن حوله سلو

مثل- اكتساب مهارة قيادة السيارات ل يكفيه التعر ف على قواعد وأساليب القيادة مــن

الناحية النظرية، بل لبد له من الممارـسـة العملـيـة للقـيـادة لـمـدة معـتـبرة، واـلـذي يرـيـد

ال، فـمـن الـضـروري أن يـمـارس الرياـضـة المؤهـلـة ـلـذلك اما مفـتـو عضلت قوية وجس

وباستمرار حتى يصل إلى هدفه... وهكذا.

ارا إيجاباـيـا ـفـي شخـصـيته أو والتربية ثابت من الثوابت ينبغي أن يتبناه كل ـمـن يرـيـد تغيـيـ

شخصية كل من يتولى أمرهم ويرجو صلحهم.

فما هي التربية؟

وما هو هدفها؟

ما مجالتها؟

وماذا يعني التكامل التربوي والرؤية التربوية؟

4

Page 5: التوازن التربوي

هل تتوقف التربية عند حد ما؟

وما هي السباب التي تؤخر ظهور ثمرة التربية؟

للجابة عن هذه السئلة وغيرها كانت تلك الصفحات، والتي نسأل اـلـ ـعـز وـجـل

ب الأن تصحبنا فيها معيته وتوفيقه، فهو وحده وـلـي ذـلـك والـقـادر علـيـه " لق ي لإ فولفي ومتتا وتتت وو

"ب لني له "أ في وولإول "ت ب كفل وو له وت في وعول لهلل .]88[هود: " لبا

* * *

5

Page 6: التوازن التربوي

معنى التربية

يقول عبد الرحمن النحلوي في حديثه عن مفهوم التربية:

إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة «التربية» أصول لغوية ثلثة:

ومتتاربا يربو بمعنى زاد ونما، وفي هذا المعنى نزل قوله تعالى: "الصل الول: وو

لهلل ود ا لعفن فر"بو وال ودي وف لس لل الب نا ووا فم لف ي وأ وو فر"ب وي رل ابا ل من في"تم وت .]39[الروم: " آ

ي ى يربى ومعناها: نشأ وترعرع.الصل الثاني: ي رىب

بر ب بمعـنـى أـصـلحه، وـتـولى أـمـره، وساـسـه، وـقـام علـيـهالـصـل الـثـالث: ب ي ـيـ ر

ورعاه.

وقد اـشـتق بـعـض العلـمـاء ـمـن ـهـذه الـصـول اللغوـيـة تعريـفـا للتربـيـة. ـقـال الـمـام

البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل):

«الرب في الصل بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيائا فشيائا».

وفي كتاب مفردات الراغب الصـفهاني: اـلـرب فـي الصـل التربيـة، وـهـو إنـشـاء

ال إلى حد التمام ال فحا . )1(الشيء حا

ويقول د. ماجد عرسان الكيلني: يـعـر ف علـمـاء التربـيـة الحديـثـة «التربـيـة» بأنـهـا

تغيير في السلوك. وهذا تعريف فيه قدر كبير من الدقة والصوابية شريطة أن يفهم من

.)2(السلوك حلقاته الثل:ث: حلقة الرادة، وحلقة الفكرة، وحلقة الممارسة

التغيير والثر الدائم:

من خلل ما تدل عليه التعريفات السابقة من معان يمكننا أن نصوغ تعريفا إـضـافايا

1 باختصار يوتصرف يسير – دار الفكر.13، 12( ) أصول التربية السلمية يوأساليبها لعبد الرحمن النحليوي ص

2 –مؤسسة الريان- لبنان.77( ) مناهج التربية السلمية د. ماجد عرسان الكيليني ص

6

Page 7: التوازن التربوي

للتربية بأنها: «إحدا:ث تغيير أو أثر دائم في الشيء».

فحدو:ث أثر لحظي ل يندرج تحت مسمى التربية، فالذي ينفق مرة أو مرتين نتيجة

تأثره اللحظي بموقف تعرض له، أو سماعه لموعظة عن النـفـاق ل يمـكـن أن نـصـفه

بأنه قد صار (منفقا) إل إذا صار النفاق سمة من سماته.

ال من الساعات في ليلة من اللـيـالي، واـسـتفاد ـبـوقته ـفـي ادا قلي والذي استطاع أن ينام عد

ـة الـنـوم إل إنجاز العديد من العمال، فإنه ل يصبح بهذه الليلة قد اكتسب أو تربى عـلـى قـل

اما له. إذا صار ذلك سمتا عا

إحدا:ث أثر دائم في الشيء... مع العلم بأن هذا الثر قد يكون إيجاباـيـافالتربية هي:

ذاابا، أو ـمـن ـيـتربى عـلـى ال ـشـح فيـصـير أو سلبايا، كمن يتربى عـلـى الـكـذب فيـصـير ـكـ

ادا. اما جوا احا، أو من يتربى على النفاق فيكون كري شحي

صــلىوعملية التربية تحتاج إلى ممارسة دائمة ومتكررة حتى تظهر ثمارها.. قال

.)3(»الخير عادة.. «ال عليه وسلم

الفارق بين التعليم والتربية:

هناك فارق كبير بـيـن التعلـيـم والتربـيـة، فـهـد ف التعلـيـم ـهـو إيـصـال المعلوـمـة إـلـى

المتعلم واستيعابه وفهمه لها دون النظر إلى تطبيقه أو عدم تطبيقه لمقتضاها.

ـدل ـا ـت أما هد ف التربية فهي إيصال المعلومة مع الممارسة المستمرة لمقتضاها وـم

امـا ينتـج عـنـه تغ يـر ـفـي ارا دائ عليه في الواقع العملي حـتى تنـشـئ ـفـي ذات المتلقـي أـثـ

سلوكه.

اسا في حياة الفرد، بل اعا ملمو فل تكفي المعرفة النظرية بالقيم والخلق لكي بتصبح واق

3 ).3348( ) حسن، ريواه ابن ماجه يوحسنه اللبايني في صحيح الجامع الصغير (

7

Page 8: التوازن التربوي

لبد من أن يتربى عليها، ويمارسها مرات ومرات.

من هنا ندرك أهمية التربية الصحيحة التي تهد ف إلى تكوين الفرد المـسـلم الـصـالح

لفتت يالمصلح؛ لذلك كان من أـهـم مهـمـات الرـسـل: التربـيـة والتزكـيـة " وث وعتت لذ ي وب وو اب لتت "هتت

وكتتا"نوا وولإ ن وة ومتت فك لح فل ووا وب لكوتا "م افل "ه "م وعل وو"دي فم له كي وز وو"دي له لت فم آوديا له في وعول فت"لو ودي فم "ه فن م ل اال "سو ور ون ميي "أل ا

"ن ملبي "ل وال وض لف ي "ل ول فب وق فن .]2[الجمعة: " لم

* * *

8

Page 9: التوازن التربوي

حاجة النسا ن إلى التربية

خلق ال عز وجل النسان وجعل تكوينه يشمل أربعة مكونات رئيسية ـهـي: العـقـل

والقلب والنفس والجسد.

مـنـذ خروـجـه ـمـن رـحـم أـمـه- بـهـذه المكوـنـات-والنسان يبدأ رحلته عـلـى الرض

ـدأ ـصـغيرة، مـحـدودة ـا اـلـ ـسـبحانه تـب ـل جعلـه ـو، ـب ـة النـم ـر مكتمـل ـع وـهـي غـي الرـب

المكانات، لتنمو بعد ذلك بما أودع فيها من خاصية النماء.

ونماء هذه المكونات يستلزم دوام إمدادها بالغذاء الذي يناسبها.

ارا ضعيافا، ولكي ينمو لبد له من ـغـذاء متـنـوع يـلـبي احتياـجـاته فالجسد يخلق صغي

اما طاقة تدفع صاحبه للنشاط والحركة. ويترك فيه أثره الدائم، وينتج عنه دو

ومع ضرورة إـمـداد الجـسـد بالـغـذاء المناـسـب لـبـد ـكـذلك ـمـن دوام تـوجيه نـشـاطه

وحركته بالطريقة التي تساهم في نجاح المرء في أداء وظيفته على الرض.

وما ينطبق على الجسد ينطبق على العـقـل والقـلـب والنـفـس، فلـبـد لـهـذه المكوـنـات

الثلثة من تربية وإنماء حتى تكتمل وتصلح ويساهم كل منها بأثره ـفـي تنـشـئة المـسـلم

ـيته ـادته وخـش الصالح المصلح الذي يقوم بوظيفته الساسية؛ أل وهي معرفة ربه وعـب

بالغيب، وإقامة دينه في نفسه، ثم في نـفـوس المـسـلمين، وأن يجتـهـد ـفـي تبليـغـه للبـشـر

اعا. جمي

وكما أنه من الضروري استمرار تعاهد البدن وإمداده بما يصلحه حتى يسـتمر فـي

النمو والتمتع بالصحة والحيوية؛ كذلك لبد من تعاهد العقل والقلب، والنـفـس بالـمـداد

بما يصلحهم، ودفع ما يضرهم ـحـتى يـسـتمر نـمـوهم المعـنـوي ـفـي التـجـاه الـصـحيح،

ال منهم يبدأ الحياة كما يبدأ الجسد.. محدود المكانات والقدرات، و لديه وبخاصة أن ك

متتنقابلية للنماء، فالعقل يبدأ الحياة وهو فارغ من أي مخزون معرفي " "كم وج ور فخ "هلل وأ ووا

9

Page 10: التوازن التربوي

وشفيل ائا و ن "مو فعول وال وت فم "ك لت وها ب م ل ن "أ "طو .]78[النحل: " "ب

متتا متتن مولتتود إال ديولتتد: «صلى ال علـيـه وـسـلموالقلب يولد على الفطرة كما قال

.)4(»على الفطرة

والنفس تبدأ رحلتها ـفـي الحيـاة ولـديها القابلـيـة للفجـور والنفلت، وكـذلك القابليـة

وها للستكانة والتطويع " ب وا وس وما وو "س فف وهاووون ووا فق وووت وها ور "جو "ف وها وم وه فل وفوأ .]8، 7[الشمس: "

ولئن كان أمر تعاـهـد الـبـدن وتربيـتـه ل يحـتـاج إـلـى ـتـوجيه داـئـم -فيـمـا يـخـص الـغـذاء-

باعتبار أنه أمر محـسـوس وـظـاهر؛ إل أنـنـا ل نتعاـمـل ـمـع عقولـنـا وقلوبـنـا وأنفـسـنا بنـفـس

الدرجة من الهتمام لننا -من ناحية- ل نراهم بأعيننا، ول نكاد نستشعر احتياجاتهم.

ومن ناحية أخرى فإن هذه المكونات الثلثة يحد:ث لها نمو ولكنه -في الغالب- ليس

بالشكل المطلوب، أو في التجاه الصحيح، فعلى سبيل المثال:

العقل -بعد الولدة- يبدأ في استقبال المعلومات من كل التجاـهـات دون تمييـز بيـن

صحيحها وسقيمها، ثم تـبـدأ ـهـذه المعلوـمـات ـشـيائا فـشـيائا ـفـي تـشـكيل يقيـنـه ومعتـقـداته

ونظرته للحياة ومفرداتها.

ضرورة التربية الصحيحة:

من هنا تبرز أهمية التربية الصحيحة، فالمسلم لن ينصلح حاله، ولن يكتـمـل نـمـوه،

ولن يرى الثمار الصحيحة لعبوديته لربه عز وجل إل إذا اهتم بالجوانب الربعة التي

تشكل كينونته.

فعندما بيترك العقل دون تربية وإنماء في التجاه الـصـحيح، فـمـن المتوقـع أن يفشـو

الجـهـل، وتتغـيـر الولوـيـات، وتـضـطرب المـفـاهيم، وتـكـثر الـشـبهات، وتظـهـر الـبـدع

والعقائد الفاسدة.

اعا لـه.. ارا للهوى تاب وعندما بيترك القلب بدون تعاهد وإمداد إيماني فإنه سيصبح أسي4

( ) ريواه البخاري يومسلم.

10

Page 11: التوازن التربوي

كلما اشتهى فعل، وكلما رغب اندفع.. ل يبالي بحلل أو حرام.. تتبلد مشاعره وتقسو،

فل يكاد يتأثر بموعظة.

ـان احا للفجور والطغـي وعندما تترك النفس بدون تزكية، فستجد أمامها المجال مفتو

وسوق صاحبها لفعل الفواحش والموبقات.

وعندما بتترك حركة المرء وجهده البدني بدون توجيه فمن المتوقع أن يستهلكها في

تحقيق شهواته ورغائبه دون ضوابط.

.. كل هذا سيؤدي إلى التخبط والضياع في الدنيا، والبتعاد عن الطريق المستقيم..

م يكون الخسران - والعياذ بال - في الخرة. تأـمـل طريق العبودية ل عز وجل ومن ث

وهو يصف حال أناس تركوا التزكيـة والتربيـة الصـحيحة، فتعطلـت-جل ثناؤه-قوله

ـو الرض ـاطهم نـح ـاتهم ونـش ـت حرـك ـوبهم، واتجـه ـهم وقـل ـولهم، ومرضــت نفوـس عـق

فموالطين لتحصيل واستيفاء الشهوات: " "هتت لس ول فنتت لل ووا ن لج ون افل م ل ارا وكلثي وم وهب ن وج ونا لل ورفأ وذ فد وق ووول

وك لئتت وهتتا "أوول و ن لب "عو وم فستت ب ال ودي وذا ن فم آ "هتت ووول وهتتا و ن لب "رو لص فب ب ال "دي فع"ي ن فم وأ "ه ووول وها و ن لب "هو وق فف ب ال ودي "ق"لو ب

و ن لف"لو وغا فل "م ا "ه وك ل "أووللئ وض فم وأ "ه فل لم وب وعا فن .]179[العرا ف: " وكاأل

فالذي ل يستخدم هذه المكونات فيما خلقت من أجله -بل ويمدها بما يـضـرها- كـمـن

فميتعلم ما يضره + "ه "ع وف وال ودين وو فم "ه ر "ض وما ودي و ن "مو وعب ل ، ومن ثم فإن مرتبتــه]102[البقرة: " وووديوت

تنحط لتصبح دون النعام، وكيف ل، والنعام ـلـم تكـلـف بـمـا كلفـنـا ـبـه، وـلـم تـعـط ـمـن

ب الالمكاـنـات مـثـل ـمـا أعطيـنـا " فم لإ "هتت ف ن و ن لإ لق"لتتو فع فو ودي و ن وأ "عو وم فستت فم ودي "هتت ور فكوث ب ن وأ "ب وأ وستت فح فم وت وأ

ل اال وسلبي ل وض فم وأ "ه فل لم وب وعا فن ].44[الفرقان: " وكاأل

لذلك فإن من يهمل التربية الصحيحة فإنه ينحدر إلى أـسـفل، وـيـزداد ـهـذا النـحـدار

كلما كانت تغذيته لعقلـه وقلبـه ونفسـه تغذيـة عكسـية.. وهكـذا حـتى يصـل إلـى أسـفل

بالسافلين، ويصبح مثل النعام في الهتمامات، ودونـهـا ـفـي المرتـبـة " ووا ب د ب ر التت وشتت ب ن لإ

و ن لم"نو فؤ وال "دي فم "ه وف "روا وف وك ون لذدي لهلل اب ل ود ا .]55[النفال: " لعفن

11

Page 12: التوازن التربوي

الحياة السعيدة:

اـهـا من هنـا نقـول بـأن إنـمـاء العقـل والقـلـب والنـفـس وـتـوجيه حرـكـة النـسـان توجي

احا أمر بالغ الهمية، والتكامل بينها ضروري لتـكـون الثـمـرة نـضـيجة، وـمـن ـثـم صحي

يتمتع المرء بالعافية في الدنيا، ويحـيـا حـيـاة ـسـعيدة حـيـث الـسـلم اـلـداخلي والطمأنيـنـة

».روضة من ردياض الجنةوالسكينة، ثم يستكمل هذه السعادة في قبره فيكون «

و نويوم القيامة " وز"نتتو فح فم وت فن"تتت وال وأ وو وم فو وي "م افل "ك في وعول فو ف وخ وال لد لعوبا ...]،68[الزـخـر ف: " وديا

وفي الجـنـة حـيـث النعـيـم المقـيـم، والـسـعادة اـلـتي ل تـسـتطيع جمـيـع مـفـردات اللـغـة أن

تصفها، وكيف تصف ما لم تره؟! بل هي قياسات وتشـبيهات، أمـا الحقيقـة فل يعلمهـا

ل اراإل ال " وكلبي ل اكا "مفل وو ل اما لعي وت ون فدي وروأ ب م وت وث فدي وروأ وذا ..]20[النسان: " وولإ

* * *

12

Page 13: التوازن التربوي

حاجة األمة الماسة إلى التربية

ـبحانه ـه ـس أكرم ال عز وجل أمتنا واختصها برسالة السلم، وهذا فضل عظيم مـن

"ت"على كل مسلم في هذه المة لضتتي ور وو وملتتت ي فع فم لن "ك في وعول "ت فم وم فت وووأ فم "ك لدديون فم "ك "ت ول ومفل فك وم وأ فو وي افل

لدديل انا وم وال فس لل "م ا "ك .]3[المائدة: "ول

.. هذه النعمة العظيمة تستوجب من أبناء المة أمرين عظيمين:

أن يقوموا بأداء تكاليف الرسالة في ذواتهم.الول:

أن يعملـوا عـلـى توصـيل هـذه الرسـالة، وتبليغهـا للبشـر ـفـي شـتى أنحـاءوالثاني:

الرض، وأن يبذلوا في ذلك غاية جهدهم، وأن يسعوا سعيا حثيـثـا ليـصـالها إـلـى ـمـن

ـإذن اـلـ- يمكنهم الوصول إليه من الناس في مشارق الرض ومغاربها حتى ينقذوا -ـب

كل من بداخله خير وشوق إلى الهداية، وحتى ل يـكـون لـحـد حـجـة أو ذريـعـة يـتـذرع

بها لكفره أو شركه بربه... فإذا ما ـكـان ـيـوم القياـمـة ـقـام أبـنـاء أـمـة الـسـلم -ـفـي ـكـل

عصر- بالشهادة أمـام اـلـ عـز وجـل علـى أبنـاء عصـرهم بمـدى قبـولهم أو رفضـهم

اليمان بما تضمنته الرسالة.

الخير المخبوء:

إن أغلب البشر فيهم خـيـر مخـبـوء ـفـي كيـنـونتهم لكنـهـم يحـتـاجون -فـقـط- إـلـى ـمـن

يحـسـن مخاطـبـة ـهـذا الخـيـر، واـسـتخراجه وإظـهـاره -ـبـإذن اـلـ-، والقلـيـل منـهـم ـهـم

المجرمون الذين يبغونها عوـجـا؛ تـكـبرا ـفـي أنفـسـهم، وحرـصـا عـلـى امتـيـازاتهم اـلـتي

فم"يـضـمنها لـهـم بـقـاؤهم عـلـى الكـفـر "كتت في وعول فتولتتى فن آوديتتالت ي "ت "كتت فم وت وفولتت "روا وأ وفتت وك ون لذدي ب متتا اب لتت وووأ

ون لمي لر فج م ل اما فو وق فم فن"ت "ك وو فم فر"ت فكوب فسوت .]31[الجاثية: "وفا

ولعل في قصة موسى عليه السلم ما يؤـكـد ذـلـك، فـكـل ـمـن فرـعـون والـسـحرة ـقـد

شاهدوا العصا تتحول إلـى حـيـة عظيـمـة، ـفـآمن السـحرة ولـم يـؤمن فرعـون، ليظهـر

13

Page 14: التوازن التربوي

الفارق في سبب الكفر واـضـحا، فالـسـحرة ـقـد منعـهـم الجـهـل ـمـن اليـمـان ـبـال؛ ـلـذلك

ون "عندما شاهدوا الـيـة العظيـمـة أذعـنـوا واستـسـلموا لمي وعتتاول فل ب ا ور ومب نتتا لبتت ب وقتتا"لوا آ ور

و ن "رو وها وو وسى .]48، 47[الشعراء: ""مو

فد"أما فرعون فكان سبب كفره هو إجراـمـه وـكـبره وحرـصـه عـلـى مـصـالحه وقتت ووول

وووأوبى وب ب ذ وك وف وها "كب ل لتونا وديا "ه آ فديونا ور .]56[طه: "وأ

وعندما آمنت بلقيس -ملكة سبأ- بعد دعوة ـسـليمان علـيـه الـسـلم لـهـا، ورؤيتـهـا الـيـات

الباهرات، وكانت من قبل -هي وقومها- يعبدون الشمس؛ نجد أن القرآن يبين سبب كفرـهـا

أنها نشأت بين قوم كافرين، أي ـكـانت جاهـلـة بالحقيـقـة ـلـذلك عـنـدما بلغتـهـا اـلـدعوة ورأت

ون"اليات آمنت: لردي لف وكتتا "م فو وقتت لمن فت وكاون وها لهلل لإب ن ل ن ا "دو لمن "د فع"ب وكاونت ب ت وما وها ب د وص ـل: "وو [النـم

43[.

أهمية الجهاد:

... إذا كان الكثير من الناس ليسوا مجرمين، بـل وفيهـم خيـر مخبـوء لكنهـم ضـلوا

الطريق الصحيح؛ فإن على أصحاب الرسالة أن يبذلوا غاية جهدهم في توصليها إليهم

وإلى غيرهم فيكونوا سببا في إنقاذهم من النار.

وليس معني هذا أنه ليس على هؤلء الـجـاهلين مـسـئولية ـفـي البـحـث ـعـن الطرـيـق

الصحيح، فالمسئولية مشتركة بينهم وبين أـصـحاب الرـسـالة... عليـهـم أن يبحـثـوا ـعـن

الحق، وعلى أصحاب الرسالة أن يجتهدوا في توـصـيل الـحـق إليـهـم.. ـمـن هـنـا ـنـدرك

قيمة الجهاد في السلم والحكمة من كثرة الحث علـيـه ـفـي الكـتـاب والـسـنة، وتفـضـيله

على كثير من العمال.. فجوهر الجهاد هو بذل الوسع والطاقة في سـبيل الـ، وإقامـة

ديـنـه، وتبلـيـغ دـعـوة الـسـلم -دون إـكـراه- فيـكـون وـسـيلة لنـقـاذ البـشـرية وإـسـعادها

فن"بالسلم لمتت لن ددي لفتت ي التت فم "كتت في وعول ول وعتت وج ومتتا وو فم "ك فجوتوبتتا وو ا "ه له لد وها لج ب ق وح لهلل لف ي ا "دوا له وجا وو

14

Page 15: التوازن التربوي

ل ادا لهي وش "ل "سو ب ر و ن ال "كو وذا للوي وه وولف ي "ل فب وق لمن ون لمي فسلل "م "م افل "ك ب ما وس وو "ه وم لهي ورا فب فم لإ "ك وة وألبي مب ل "ج ور وح

لس وعولى الب نا وء ودا وه "ش "كو"نوا وووت فم "ك في .]78[الحج: "وعول

ـام إن الجهاد هو الوسيلة العظيمة لتبليغ الدعوة وتوصيلها إلى الناس جميعا، ومن خلل قـي

فم"المسلمين به يتم إنقاذ الكثيرين من الضللة والنار "ك ووالل فم لبوأ "دوا له وجا وو ل اال وقا وولث ل افا وفا لخ "روا لف فن ا

و ن "مو فعول فم وت فن"ت "ك فم لإ ن "ك وخفي ر ب ل فم "ك وذلل لهلل لل ا وسلبي لف ي فم "ك لس "ف فن .]41[التوبة: "وووأ

بسئل رسول ال : ما يعدل الجهاد في سبيل ال؟صلى ال عليه وسلموعندما

ال»، فأعــادوا عليــه مرتيــن أو ثلثــا كــل ذلــك يقــول: «ال تستتتطيعونهقــال: «

».تستطيعونه

مثل المجاهد ف ي سبيل اهلل كمثل الصائم القائم القانت بآديتتات اهللتت ال ديفتتترثم قال: «

.)5(»من صيام وال صالة حتى ديرجع المجاهد

ارا كثيرة يجمعها معنى «الجهاد» وهو: بذل الجـهـد وغني عن البيان أن للجهاد صو

لهللتت"في سبيل ال، تأمل قوله تعالى: ون ا متت ور ة لفتت فغ وم فم ول "متتت فو لهللتت وأ لل ا لبي وستت لفتت ي فم "قلتفل"تتت فن لئ ووول

و ن "عو وم فج ب ما ودي م وخفي ر وم ة فح ور ، فلقد جمع ال عز وجل في ـهـذا الـيـة بـيـن]157[آل عمران: "وو

ـمـن يقـتـل ـفـي سـبيل اـلـ وبـيـن ـمـن يـمـوت دون قـتـال وهـو ـفـي سـبيل اـلـ، وجعلهـمـا

مشتركين في الجر.

إن توصيل رسالة الـ عـز وجـل للبشـر يحتـاج إلـى بـذل حقيقـي للجهـد وتضـحية

عظيمة بالغالي والنفيس، وصبر وثبات على المـحـن والعقـبـات اـلـتي تـعـترض طرـيـق

توصيل الرسالة، فل راحة للمسلمين حتى يكون الدين كله ل.

يقول المام حسن البنا: فرض ال الجـهـاد عـلـى ـكـل مـسـلم فريـضـة لزـمـة حازـمـة

لمناص منها ول مفر معها، ورغب فيه أعـظـم اـلـترغيب، وأـجـزل ـثـواب المجاـهـدين

5( ) ريواه البخاري يومسلم.

15

Page 16: التوازن التربوي

والشهداء، فلم يلحقهم ـفـي مـثـوبتهم إل ـمـن عـمـل بمـثـل عملـهـم، وـمـن اقـتـدى بـهـم ـفـي

جهادهم، ومنحهم من المتيازات الروحـيـة والعملـيـة ـفـي اـلـدنيا والـخـرة ـمـا ـلـم يمـنـح

سواهم وتوعد المخلفين القاعدين بأفظع العقوبات، ورماهم بأبـشـع النـعـوت والـصـفات

ووبخهم على الجبن والقعود، ونـعـى عليـهـم الـضـعف والتخـلـف، وأعـد لهـم ـفـي اـلـدنيا

خزايا ل يرفع إل أن جاهدوا، وفي الخرة عذابا ل يفلتون منه ولو كان لـهـم مـثـل أـحـد

.)6(ذهبا

ماذا لو فرطنا؟!

إن اتفقت معي -أخي القارئ- على ذلك، وـقـرأت آـيـات وأـحـاديث الجـهـاد ـمـن ـهـذا

المنظور، فستدرك -كما أدركت- مدى التقصير والتفريط اـلـذي وقـعـت فـيـه الـمـة ـفـي

حق البشرية بتخليها عن هذا المر اللهي، وخيانتـهـا ـلـواجب البلغ، وـسـتدرك ـكـذلك

ـمـدى خـطـورة تفرـيـط الـمـة ـفـي التـطـبيق الـصـحيح للرـسـالة ـفـي ذاتـهـا لن التـطـبيق

الصحيح للسلم يسعد أبناءه ويدفعهم لبذل غاية الجهد لنقاذ غيرهم.

فإن كان المر كذلك؛ فإن تفريط المة ـفـي القـيـام بـهـذين المرـيـن: (أن تتمـثـل ـفـي

ذاتها الرسالة، وأن تقوم بتبليغها) يضعها في دائرة العتاب والغضب اللهي، وكيف ل

وهي بذلك قد قصرت في أداء الماـنـة اـلـتي ائتمنـهـا اـلـ عليـهـا، وتخـلـت ـعـن موقعـهـا

ـى الريادي للبشرية، وما ينتج عن ذلك من ضياع الكثيرين والكثيرين حين يموتون عـل

الكفر رغم ما فيهم من خير مخبوء وشوق إلى الهداية.

إن الخسارة التي تخسرها البشرية بتخلي أمة السلم عن وظيفتها خسارة فادحة،

فالل ف -كل يوم- يموتون على الضللة والكفر، ولو أن الرسالة قد بلغتهم بطريقة

صحيحة لمن الكثير منهم.

لماذا نعاقب؟!

6- دار التوزيع يوالنشر السلمية- مصر.421( ) رسالة الجهاد من مجموع رسائل الما م حسن البنا ص

16

Page 17: التوازن التربوي

لعل ما قيل في السطر السابقة يجيب عن السئلة التي تتردد على ألسنة المســلمين

ـئلة: ـذه الـس اءا، وكلما تعالت هجمات أعدائها عليها... فمن ـه كلما ازداد حال المة سو

لماذا نعاقب بهذه العقوبات المتولية؟! إلى متي الذل والهوان الذي تعيشه أمتنا منذ أـمـد

بعيد؟لماذا يتركنا ال هكذا نسام سوء العذاب من اليـهـود وغيرـهـم وـهـو ـسـبحانه ـقـادر

بأن يكف بأسهم عنا وينصرنا عليهم؟

إن الرؤية اليمانية لهذه العقوبات لبد وأن تنطلق من عدة أمور.

وقتتى" أن هذا العقوـبـات تـأتي بعـلـم اـلـ وإذنـه ومشـيئته أولها: وت فل وم ا فو وديتت فم "ك وب وصتتا ومتتا وأ وو

لهلل ل ن ا فذ وفلبلإ ل ن وعا فم وج فل "ه".. ]166[آل عمران: "ا وع"لو وف وما وك ورب وء وشا فو .]112[النعام: "ووول

أن هذا العقوبات صورة من صور العتاب اللهي للـمـة لنـهـا تخـلـت ـعـنوثانيها:

اعا. رسالتها، ولم تعمل بما تضمنته، وتركت مهمة توصيلها وإبلغها للبشر جمي

فم" "ك لس "ف فن لد وأ لعفن فن لم وو "ه فل "ق وذا وه فم وأب نى "قفل"ت وها في فثول م وصفب"تم فد وأ وق لصيوب ة م "كم فت وب وصا ب ما وأ وو ول "وأ

.]165[آل عمران:

أن هذه العقوبات تعد بمثابة وسيلة قوية ليقاظ المة وإفاقتـهـا ـمـن غفلتـهـا،وثالثها:

و ن"وإعادتها إلى رشدها "عتتو لج فر فم ودي "ه وعب ل لب ول وذا وع فل لبا "هم فذونا وخ ـصـلى، ..ـقـال ]48[الزـخـر ف: "وووأ

إذا تباديعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضتتيتم بتتالزرع، وتركتتتم: «ال عليه وسلم

.)7(»الجهاد: سلط اهلل عليكم ذال ال دينزعه حتى ترجعوا إلى ددينكم

ل اال: إصال ح الداخل أو

ل يمكن للمة أن تؤدي أمانة البلغ، ومن ثم الشهادة على الناس إل إذا تمثلت في أبنائها

معاني الرسالة؛ فيستمدون منها -بعون ال- القوى الروحية الدافعة للعمل والجهاد، ويستشعرون

من خلل تطبيقها الصحيح معنى العزة بال، فتفيض عليهم السعادة في كيانهم، فينطلقون راشدين

7 ).423( ) صحيح، ريواه أبو دايود، يوصححه اللبايني في صحيح الجامع الصغير (

17

Page 18: التوازن التربوي

لتحقيق مراد ربهم بأن يكون الدين كله ل.

وحين يهملون تطبيق الرسالة: تنحط اهتماماتهم، وينكفئون عـلـى ذواتـهـم، ويـصـبح

ل تفكيرهم في كيفية تحصيل متطلبات الطين، وشهوات النفس. بج

من هنا نقول بأن نقطة البداية الصحيحة لرفع العقوبات عن المة، وتغيير ما حاق

وما"بها ونزل بساحتها؛ هو إصلحها من الدخل "روا وغي وحب تى "دي "م فو وق وما لب "ر وغي وال "دي وهلل ب ن ا لإ

فم له لس "ف فن .]11[الرعد: "لبوأ

فإن لم يحد:ث ذلك؛ فستظل العقوبات والمحن تتوالى عليها، ولن يرفعها مجرد

الدعاء أو المساعدات للمنكوبين -على أهميتها- بل لبد من دفع ضريبة التغيير

الحقيقي.

وحتى لو هدمت المساجد، وبقتل النساء والطفال هنا وهناك فلن بيرفع البلء إل إذا

فدونا"سرنا في طريق التغيير "ع فم "عدت ف ن .]8[السراء: "وولإ

والتغيير المنشود يشمل كيان النسان بمحاوره الربعة:

تغيير وإصلح المفاهيم والتصورات في العقول، وإعادة بناء اليقين الصحيحأول:

فيها.

إصلح اليمان في القلوب وتقوية الرادة.ثانيا:

ترويض النفس وجهادها على ـلـزوم الـصـدق والخلص ـلـ ـعـز وـجـل، ـمـعثالثا:

نكران الذات والتواضع غير المصطنع.

اعا: التعود على بذل الجهد في سبيل ال.راب

وسيأتي -بإذن ال- بيان ذلك كله بشيء من التفصيل في الصفحات القادمة.

.. عندما تكتمل هذا الحلقات الربع، ـسـيحد:ث -ـبـإذن اـلـ- التغيـيـر الحقيـقـي للـفـرد،

18

Page 19: التوازن التربوي

ومن ثم المة.

اـمـا، وـهـذا ارا إيجاباـيـا دائ ارا يـحـد:ث أـثـ ارا لحظيا ـبـل تغيـيـ والتغيير المطلوب ليس تغيي

احا حقيقايا. يستلزم التربية الصحيحة لفراد المة؛ هذا إن أردنا إصل

ولنعلم جميعا بأنه مهما ألقيت الدروس والمواعظ، ومهما نشرت المقالت، إل أنـهـا

-مع أهميتها- لن يكون لها نفع حقيقي ودائم إل إذ مورست من خلل منظومة تربويــة

بتعنـي بإحـدا:ث أثـر إيجـابي دائـم -وليـس لحظيـا- ينتـج عنـه ظـهـور المـؤمن الصـالح

المصلح.

ال بدديل عن التربية:

إن التغيير المنشود للمة يستلزم تربية أفرادها تربية صحيحة متكاملة، والتربية تحتاج

إلى استمرارية ممارسة معاني السلم من خلل ـجـو ترـبـوي تـتـم فـيـه المعايـشـة والتعاـهـد

ـصـلى اـلـوبث الروح وضبط الفهم وتوجيه الجهد واستنهاض الهمم.. هـكـذا فـعـل محـمـد

وع" وهو يبني المة الجديدة... تأمل قوله تعالى وهو يخاطبه: عليه وسلم ومتت وك وستت فف فر ون فصلب ووا

وة لزديونت "د لرديت فم "ت "هت وعفن وك وعفيونتا "د فعت وال وت وو "ه وه فج وو و ن "دو لردي ي "دي لش وع فل ووا لة ودا وغ فل "هم لبا ورب ب و ن "عو فد ون ودي لذدي اب ل

ل اطتتا "ر "ف "ه "ر فم و ن وأ وكا وو "ه ووا وه وع وواب توب لرونا فك لذ وعن "ه وب وقفل ونا وففل فغ فن وأ وم فع لط وال "ت وو فنويا د لة ال وحويا فل ـف:"ا [الكـه

28[.

يقـوم علـى تربيـة أصـحابه وتعاهـدهم ودوامصـلى اـلـ عليـه وسـلملقد كان محمد

ـن خلل ـك ـم توجيههم وذلك في المرحلتين المكية والمدينة... ففي مكة كان يمارس ذـل

تواجده المستمر بينهم، ولقائه الدائم بهم في دار الرـقـم بـيـن أـبـي الرـقـم عـنـد الـصـفا،

ـم ـمـن خلل المـسـجد، وـمـن خلل التواـجـد ـة والتعلـي ـي التربـي ـة اـسـتمر ـف ـي المديـن وـف

ل اال"المستمر بين أصحابه ومعايشتهم ومتابعة أحوالهم "ستتو ور ون مييتت "أل لف ي ا وث وع لذ ي وب وو اب ل "ه

لفتت ي "ل ول فبتت وق فن لمتت وكتتا"نوا وولإ ن وة ومتت فك لح فل ووا وب لكوتتتا فل "م ا "ه "م وعل وو"دي فم له كي وز وو"دي له لت فم آوديا له في وعول فت"لو ودي فم "ه فن م

19

Page 20: التوازن التربوي

"ن ملبي "ل وال .]2[الجمعة: "وض

... لبد إذن من أن يقوم الدعاة بالتواجد بين الناس وممارسة معاني الـسـلم معـهـم

حتى يتم التغيير المنشود، ولقد كان هذا هـو دأب الرسـل -عليـهـم الـصـلة والـسـلم- ..

ون"تأمل قوله تعالى في قصة هود عليه السـلم: لذدي وواب لتت ل ادا "هتتو ب جفيونتتا "رونتتا ون فم وء وأ وجتتا ب متتا ووول

"ه وع وم وم"نوا .]58[هود: "آ

وك وديتتا"وفي قصة شعيب عليه السلم: وجب نتت لر فخ له ول"ن لم فو وقت لمتتن "روا فكوب فسوت ون ا لذدي "أل اب ل وم فل ول ا وقا

لتونا لمب ل لف ي ب ن "د "عو وت فو ول فروديلتونا وأ وق لمن وك وع وم وم"نوا ون آ لذدي وواب ل "ب في وع .]88[العرا ف: ""ش

"ه"وفي قصة موسى عليه السلم: وع وم وم"نوا ون آ لذدي وء اب ل فبونا فق"ت"لوا وأ .]25[غافر: "وقا"لوا ا

"هفالملحظ في هذه اليات قوله تعالى عن أتباع ـكـل رـسـول : ( وعتت وم وم"نتتوا ون آ لذدي )،اب لتت

»، فـ (مع) تعطي دللة على المعية والصحبة والمعايشة، و(به) لآمنوا بهولم يقل: «

تعطي ذلك، وهذا يحمل في طياته بعض الدللت عـلـى أن ـكـل رـسـول ـلـ ـكـان يـقـوم

على تربية من يؤمن بالدعوة ول يكتفي بتعليمهم فقط.

هل من الضروري تربية المة كلها؟!

ارا حقيقا، ومـن ثـم فـإن عـلـى جميـع الـدعاة ل بديل -إذن- عن التربية إن أردنا تغيي

والعاملين للسلم أن يكون هذا ـهـو ـهـدفهم الـسـاس حـيـن يتـعـاملون ـمـع الـنـاس، وأن

يوـحـدوا جـهـودهم ول يبعثروـهـا ـفـي غـيـر ـهـذا المـجـال ـحـتى تـبـدأ الـمـة ـفـي اليقـظـة

الحقيقية..

لبد وأن يكون عمل كل من يريد خدـمـة الـسـلم ـمـن خلل التواـجـد بـيـن الـنـاس...

يأكل مما يأكلون منه، ويشرب مما يشـربون، وليـس ذلـك فحسـب بـل عليـه أن يكـون

هدفه من تواجده بينهـم هـو التربـيـة وإـحـدا:ث أـثـر إيـجـابي دائـم فـي ذواتـهـم ـمـن خلل

المحاور الربعة للتربية.

20

Page 21: التوازن التربوي

إن المطلوب من خلل التواجد بين الناس ليس فقط مساعدة الفقراء، أو البحث ـعـن

عمل للـعـاطلين أو مواـسـاة المبتلـيـن، أو الـصـلح بـيـن المتخاـصـمين، أو افتـتـاح مراـكـز

لتحفيظ القرآن، أو عقد الندوات، أو....، فكل هذا مع أهميته إل أنه ل بد أن يوضع في

سياق المنظومة التربوية التي تهد ف إلى التغيير الشامل واـلـدائم ـفـي شخـصـية المـسـلم

بزر منعزلة ووسائل منفصلة عن بعـضـها بج كما أسلفنا، وأل يتم التعامل معها على أنها

البعض.

من هنا نقول بيقين: إن معركة الصلح والتغيير الحقيـقـي للـمـة روحـهـا التربـيـة،

ولبد أن يتم تطويع جميع الوسائل لخدمة هذا المر، فإن تركنا هـذه المعركـة فسـنظل

ـة، في أماكننا نراوح بين أقدامنا، ونشتكي من كثرة المحن والبتلءات التي تمر بالـم

وـسـيعلو ـصـراخنا ونحيبـنـا، وترتـفـع أـيـدينا باـلـدعاء والتـضـرع إـلـى اـلـ كلـمـا أـصـاب

المسلمين جرح جديد، وسـيعلو صـوت الـدعاة فـي الفضـائيات وعلـى المنـابر بأهميـة

العودة إلى ال، وتغيير ما بالنفس، ثم تهـدأ العاصـفة ويسـتقر الـجـرح فـي جسـد الـمـة

ويتعود على وجوده الجميع، ثم يتكرر المر بعد ذلك مع جرح جديد وهكذا...

فإن قلت: ولكن هل من الضروري تربية المة جميعا؟!

ليس المطلوب أن يكون جميع الفراد على مستوى عال ورفيع من الصلح،

فسيظل هناك السابق بالخيرات، والمقتصد، والظالم لنفسه، ولكن يبقى من الضروري

توافر الحد الدنى للصلح في المة.

فالمطلوب هو إصلح المجتمع بأن تشيع فيه روح السلم ومعانيه، وأن تغلب

عليه مظاهر العفة، والتراحم، والتعاون على البر والتقوى، ونكران الذات، والمر

بالمعرو ف والنهي عن المنكر، واستشعار المسؤولية تجاه المة والبشرية، وفي

المقابل تختفي منه مظاهر السلبية والنانية والعجاب بالنفس والتفسخ الخلقي،

والباحية... ، وهذا لن يتم إل بجهد تربوي متقصد يبذله الدعاة والعاملون للسلم مع

21

Page 22: التوازن التربوي

الناس... ك ل يعمل في محيطه.

الجمرة المشتعلة:

اـعـا لكي ينجح الدعاة والعاملون للسلم وكل من يتوق لخدمة السلم.. لكي ينجـحـوا جمي

في تغيير وإصلح المة لبد ـمـن أن يـبـدأوا ـمـع أنفـسـهم فتتمـثـل فيـهـم مـعـاني الـسـلم اـلـتي

يريدون أن يربوا الناس عليها.

إن الخطأ الشائع الذي يقع فيه بعض الدعاة هو مطالبة الناس بشيء ل يفعلونه هم

مع أنفسهم، فتفقد كلماتهم الروح والحرارة والتأثير في الخرين.

لذلك ـفـإن نقـطـة البداـيـة الـصـحيحة لتربـيـة الـمـة تنطـلـق ـمـن وـجـود الـفـرد المـسـلم

المتوهج الذي تتمثل فيه معاني السـلم والحرـقـة علـى الـدين، وبـدون هـذه البداـيـة ل

يمكن للعملية التربوية أن تنجح.

فعلى سبيل المثال: لو أردـنـا إـشـعال مجموعـة مـن الفحـم فإنـنـا -ـفـي الغـالب- نـقـوم

بإحضار فحمه مشتعلة ومتوهجة ونـضـعها وـسـط مجموـعـة الفـحـم، ـثـم نـقـوم بتحرـيـك

الهواء عليهم جميعا فينتقل الشعاع والتوهج من الفحمة المتوهجة إـلـى بقـيـة الفـحـم...

ادا ـفـإن ـكـان توـهـج الفحـمـة -الساـسـية- متوـسـطا ـكـان الـثـر عـلـى بقـيـة الفـحـم مـحـدو

ارا لتوهج ـفـي عـمـوم الفـحـم، وضعيفا، وإن كان التوهج ضعيفا فمن المتوقع أل نري أث

وقد تنطفئ الفحـمـة ذات التوـهـج الـضـعيف بـمـرور اـلـوقت، فعـلـي ـقـدر توـهـج الفحـمـة

«الساس» يكون الثر على من حولها.

ارا إيجابايا كما يحب ربنا ... من هنا يتضح لنا بأنه وإن كان تغيير المة تغيي

ويرضي يستلزم تربية أفرادها على معاني السلم؛ فإن نجاح هذه التربية مرهون

بوجود أفراد متوهجين بدأوا بأنفسهم وساروا بها في طريق التغيير، وقطعوا فيه

شوطا معتبرا حتى يستطيعوا -بعون ال- أن يأخذوا بأيدي الناس ويسيرون بهم في

22

Page 23: التوازن التربوي

الطريق الذي سبقوهم بالسير فيه.

تبقى نقطة أخيرة في هذه المسألة وهي أن البعض قد يفهم من ـهـذا الكلم أن تربـيـة

الـنـاس عـلـى مـعـاني الـسـلم ـمـن خلل المـحـاور الربـعـة الـسـابق ذكرـهـا (المعرفـيـة

-واليمانية- والنفسية- والحركية) يستلزم تحققها بشكل كامل فيمن يريد ممارستها.

... ل ـشـك أن الفـضـل ـهـو ذـلـك، ولـكـن لـصـعوبة تحقـقـه فيـنـا يبـقـي الـحـد الدـنـى

لممارسة التربية مع الخرـيـن هـو أن نربيهـم عـلـى مـا تحـقـق فيـنـا بصـورة مرضـية،

ـة ـأمر تربـي ادا في أنفسنا قمنا بتربيتهم عليه، وبذلك يمكن أن يـقـوم ـب وكلما استكملنا جدي

ـالفتى المة عدد كبير من الدعاة والعاملين للسلم، وكل من يتوق إلى خدمة الدين.. ـف

عليه أن يقوم بتربية الطفال على ما تحقق فيه، والشاب يقوم بتربـيـة الفتـيـان عـلـى ـمـا

تمثل فيه، والرجل يقوم بذلك مع الشباب، والنساء مع الفتيات والطفال وذلك ـفـي ـكـل

مكان يتيسر فيه المعايشة والتعاـهـد، وـيـأتي عـلـى رأس ذـلـك: المـسـجد فـهـو المحـضـن

التربوي الول الذي ينبغي أن يستفيد منه الجميع في إنجاح العملية التربوية بإذن ال.

فإن قلت: أريد تفصيل أكثر للمحاور الربعة التي سأقوم بتربية نفسي ومن حولي

عليها.. كان الجواب: هذا مما ستتضمنه الصفحات القادمة بمشيئة ال.

* * *

23

Page 24: التوازن التربوي

المحول األول

العقل والتربية (المعرفية)

خلق ال عز وـجـل النـسـان وأـسـكنه الرض، وأـتـاح ـلـه حرـيـة الختـيـار، وـطـالبه

ل نبعبادته بالغيب " "دو فع"ب وي ب ال لل وس لإ للفن ووا ب ن لج فل "ت ا فق وخول وما .]56[الذاريات: " وو

وجوهر العبادة هو استسلم العبد ل سبحانه، وطاعة أواـمـره، ودوام الـسـتعانة ـبـه

والتوكل عليه في المور كلها، مع حبه وإجلله وتعظيمه وهيبته وخشيته.

ولكن كيف يمارس النسان هذه الصورة من العبودية ل عز وجل وهو ل يراه؟

.. كيف يعظم أو يهاب أو يخشى أو يحب أو يطيع من ل يراه؟!

ادا الجابة عن هذه السئلة تنطلق من حقيقة مفادها أن ال ـعـز وـجـل ل يـطـالب أـحـ

وهابشيء فوق وسعه " وع فس "و ب ال ل اسا لإ فف "هلل ون "ف ا وكل لذلك فقد هـيـأ للنـسـان]، 286[البقرة: " وال "دي

من السباب والمكانات ما يعينه على أداء وظيفته كعبد له ـسـبحانه، وذـلـك ـمـن خلل

أمرين عظيمين.

أن ال ـعـز وـجـل ـقـد أودع ـفـي الـكـون المحـيـط بالنـسـان -ـبـل وـفـيالمر الول:

النسان ذاته- الكثير والكثير من المعلومات التي تدل عليه.

أنه -جل ثناؤه- قد أعطى للنسان الوسيلة التي ـمـن خللـهـا يـسـتطيعالمر الثاني:

جمع تلك المعلومات عن ربه، ليتسنى له معرفته، ومن ثم عبادته.

الكل يعمل من أجلك

بخىلق من أجلك أيها النسان " ب متتا.. نعم، فكل ما تراه عيناك قد "كتتم وق ول وخولتت لذ ي وو اب لتت "ه

ل اعا لمي وج لض فر وأل .]29[البقرة: " لف ي ا

24

Page 25: التوازن التربوي

هذه الجبال الشاهقة.. هذه البحار العظيمة.. هذه النهار.. الشجار.. الدواب..

الحشرات.. الطيور.. السماك.. الجمادات.. الشمس.. القمر.. النجوم.. السماء..

لمالرض... كل هذا مخلوق لك " وها للألونا وع وض وو وض فر وأل .]10[الرحمن: " ووا

خر لك ومخلوق من أجلك لكي تنجح في مهمة عبادة ربك بالغيب " بمس ورالكل ب خ وس وو

"ه فن م ل اعا لمي وج لض فر وأل لف ي ا وما وو لت ووا وما ب س لف ي ال ب ما "كم ].13[الجاثية: " ول

ـك؛ بخلقت من أجلك.. من أجل تعريفك برـب فالرض وما عليها، والسماء وما تحتها

وتيسير حياتك الدنيوية.

كل مخلوق في هذه الحياة قد أودع ال فيه بعض المعلومات عنه -سبحانه- فهذا

يحمل معلومات عن ال العظيم، القوي، الجبار (كالجبال والبحار).

وهذا يحمل معلومات عن ال الرحيم، الكريم (كالماء والنبات).

وآخر يدل عـلـى أن اـلـ ـعـز وـجـل ـهـو الـنـافع الـضـار، الـخـافض الراـفـع، الـقـابض

الباسط (كالرياح والمطر والمرض...).

وهكذا تتنوع المعلومات بتنوع المخلوقات:

ومتتافهذه النواع الكثيرة من المخلوقات التي تراها أو تسمع عنها لـم تخـلـق عباـثـا " وو

ون لعلبي وال وما "ه فيون وما وب وو وض فر وأل ووا لت ووا وما ب س فقونا ال ق.. وخول وح فل ب ال لبا وما لإ "ه فقونا وخول وما .]39، 38[الدخان: "

فكل مخلوق له مهمة، وكل مخلوق يحمل رسالة تعريف بال عز وجل..

تأمل سطور

الكائنات فإنها

من المل العلى إليك

رسائل وقد خط فيها لو

تأملت خطها

أل كل شيء خل ال

باطل تشير بإثبات

الصفات لربها

فصامتها يهدي ومن

.. ولكن كيف يمكن للنسان أن يحصل على هذه المعلومات؟!هو قائل

من هنا ندرك أهم حكمة لخلق «العقل».

25

Page 26: التوازن التربوي

الوسيلة المتفردة

كلما ازدادت معرفة النـسـان بالـشـيء تغـيـرت مـعـاملته ـلـه، «فالمعامـلـة عـلـى ـقـدر

المعرفة».

ولن واجبات العبودية ـمـن ـحـب وخشـية وطاـعـة وتوـكـل... مـا ـهـي إل مـعـاملت

ينبغي أن يعامل بها العـبـد رـبـه؛ ـلـذلك ـفـإن نقـطـة البداـيـة الـصـحيحة لتحقـيـق العبودـيـة

والتجلبب بها هي «معرفة ال» عز وجل، وكلما تعر ف الـمـرء عـلـى رـبـه أـكـثر كلـمـا

عامله بصورة أفضل، وكلما جهل المرء ربه كلما ابتـعـدت مـعـاملته ـلـه ـعـن الـصـورة

لهالمطلوبة " لر فد وق ب ق وح وهلل "روا ا ود وق وما .]67[الزمر: " وو

ـصـلى اـلـ علـيـهأخرج عبد بن حميد عن صالح بـن مـسـمار ـقـال: بلغـنـي أن النـبي

لم تل هذه الية "وسلم لرديتت وك فل وك ا وربتت وك لب ب ر وغتت ومتتا " ن وستتا للفن وهتتا ا . ـثـم ـقـال:]6[النفـطـار " وديتتا وأدي

.)8(جهله

فكلما ازدادت معرفة النسان بربه ازداد حـبـه ـلـه، وافتـقـاره اـلـدائم إلـيـه، واعتـمـاده

عليه، واستسلمه المطلق له.

ولكي يعر ف النسان ربه لبد وأن يجمع المعلومات عنه -سـبحانه- واـلـتي تحملـهـا

الكائنات التي تحيط به في كل مكان وزمان، وتحملها كـذلك أـحـدا:ث الحـيـاة اـلـتي تـمـر

ـي به، بل إن النسان نفسه يحتوي على معلومات عن ال عز وجل ل توجد مجتمعة ـف

ون مخلوق آخر " "مولقلني فل لض آوديا ت ل فر وأل و نوولف ي ا "رو لص فب وال "ت وف فم وأ "ك لس "ف فن وولف ي وأ "

].21، 20[الذاريات:

وكما قال الشاعر:

ىج مرم وتزعم أنك

صغير

وفيك انطوى العالم

ولـقـد مـنـح اـلـ ـعـز وـجـل النـسـان الوـسـيلة اـلـتي ـمـن خللـهـا يـسـتطيع أن يجـمـعالكبر

8- دار الكتب العلمية- بيريوت.534/ 6( ) أيورده السيوطي في الدر المنثور

26

Page 27: التوازن التربوي

المعلومات عنه سبحانه من جميع مخلوقاته، هذه الوسيلة هي العقل.

يقول الحسن البصري: «لما خلق ال عز وجل العقل قال له: أقبـل، فأقبـل، ثـم قـال

ـك بأـعـر ف، ي منك، إني بك بأعبد، وـب له: أدبر، فأدبر، وقال: ما خلقت خلاقا هو أحب إل

.)9(وبك آخذ، وبك أعطي»

فالعقل من أعظم مخلوقات ال عز وجل، وبه من المكانات والملكات ـمـا ل يمـكـن

وصفه أو الحاطة به، وإذا أردت أن تتأكد من ذلك فانظر إلى هذا الكون وما فيـه مـن

اـعـا مخلوـقـة ـمـن أجـلـك، وـتـذكر بليين المخلوقات الكبيرة والصغيرة، وتذكر أنـهـا جمي

كذلك أن الذي خلقها، قد طالبك بالنظر إليـهـا، والتفـكـر فيـهـا، والـسـتدلل ـمـن خللـهـا

"ءعليه سبحانه " ف ي وشتت لمن "هلل وق ا وخول وما وو لض فر وأل ووا لت ووا وما ب س لت ال "كو ومول لف ي "روا "ظ فن فم ودي وو ول "وأ

ـتي]185[العرا ف: فكيف لك أن تفعل ذلك إل إذا كان ال عز وجل قد منحك الوسيلة اـل

تمكنك من النجاح في هذا المر؟!

العرض المتحرك:

.. أنت -أيها النسان- محـور هـذا الكـون.. الكـل يـدور حوـلـك، ويعمـل مـن أجلـك

وينتظر إشارتك..

.. إن هذا الكون يـعـد بمثاـبـة شاـشـة ـعـرض ـكـبيرة ومتحرـكـة، تـعـرض عروـضـها

أمامك كل يوم وكل ليلة، وفي كل عرض تظـهـر ـلـك مـشـاهد جدـيـدة، وـعـوالم جدـيـدة،

وأبطال جدد.

فالشمس والقمر يتحركـان، والليـل والنهـار يتقلبـان.. كـل ذلـك يحـد:ث أماـمـك أيهـا

ـة ـع لينـظـروا إـلـى المخلوـقـات المختلـف ـأنه مـسـرح مكـشـو ف أـمـام الجمـي النـسـان، وـك

الشكال، والـلـوان، والحرـكـات، والـصـوات.. كلـهـا تهـتـف باـسـم اـلـ، وكأنـهـا تـقـول

9 ) – دار الكتب العلمية - بيريوت.4632( ) شعب اليمان للبيهقي برقم (

27

Page 28: التوازن التربوي

بلسان حالها:

بخىلقنا من أجلك أيها النسان، فل تتركنا دون أن تنتفع بنا، وتتـعـر ف عـلـى رـبـك لقد

ادا، وبـعـد الـغـد، وـكـل ـيـوم ـحـتى تنتـبـه من خللنا، وإن غفلت عنا اليوم فسنمر عليك غ

وتنتفع بنا، ولكن احذر أن تغفل عنا طويل، فالعرض الذي نقدمه لك كل يوم وليلة قــد

ووينتهي بمجرد موتك وفي أي لحظة، فبادر واغتنم الفرصة.. ألم يقل ـلـك رـبـك: " "هتت وو

ل ارا "كو "ش ود ورا فو وأ ور وأ ب ك ب ذ ود وأ ن ب دي ورا فن وأ وم ل اة ل وف لخفل ور وها ووالب ن ول في ول الب ل وع وج لذ ي .]62[الفرقان: "اب ل

هيا أبصر واعتبر:

ربك يحرك الكون كله من أجلك.. تتغـيـر المـشـاهد، ويتغـيـر البـطـال لـكـي ل تمـل،

"ألوللتت يولكي تستمر في البصار والعتبار " ل اة ور فب لع وك ول وذلل لف ي ب ن ور لإ وها ووالب ن ول في "هلل الب ل "ب ا وقل "دي

لر وصتتا وألفب ـور: " ا ـماوات]،44[الـن ـوت الـس ـي ملـك ـر ـف ـام وانـظ ـى الـم ـأطلق بصــرك إـل ـف

بخىلقت لمر عظيم آـخـره ارا إلى أسفل قدميك، فلم بتخلق للطين، بل والرض، وكفى نظ

"طالخلود والنعيم " ورا لصت وعولتتى لواديا وستت لشتت ي فم ب متن ب دي ود ى وأ فهتت له وأ له فج وو وعولى لكابا "م لش ي فم ومن ب دي وف وأ

"م لقي فسوت .]22[الملك: " م

إنك -كما يقول محمد إقبال- غاية وجود هذا الكون، ولجلك خـلـق اـلـ ـهـذا الـعـالم،

.)10(وأبرزه إلى الوجود

ـه إن هذا الكون، الذي يتركب من لون وصوت، والذي تسرح فيه العين، وتتمتع فـي

الذن... إنه ليس وكرك الذي تستريح فيه، والغاية التي تنتهي إليها.

إن هنالك عوالم وأكواانا لم تقع عليها عين بعد.. إن هذه الـعـوالم متـشـوقة لهجوـمـك،

ـه وغارتك، وزحفك.. متشوقة لبكار أفكار، وبدائع أعمالك.. إن هذا العالم يدور دورـت

.)11(لتنكشف عليك نفسك وحقيقتك

10 – لبي الحسن النديوي- دار القلم.122( ) ريوائع إقبال ص

11.139( ) المصدر السابق ص

28

Page 29: التوازن التربوي

.. ل تـسـفه نفـسـك ـفـأنت (فاـتـح ـهـذا الـعـالم، ويعـجـز البـيـان ـعـن وـصـفك، وتعـجـز

.)12(الملئكة عن مرافقتك، وعن غايتك)

واعلم أنه (ل حياة لك ول قوام، ول شر ف ول كرامة إل بهذه المعرفة، فإذا ملكتها

.)13(ملكت العالم، وإذا فقدتها أصبحت من سقط المتاع)

ـل.. إن كل ما في العالم من الظواهر الكونية، أو الجرام الفلكية، راحل زاـئـل، وـغـائب آـف

أيها النسان المسلم- بطل المعركة، وقاـئـد الجـيـش، وـكـل ـمـا حولـك ـمـن ـسـافل وـعـال،-أنت

.)14(ورخيص وغال، من جنودك وأتباعك

الذنب األكبر:

إذن فالحكمة العظمى من خلق العقل هو استخدامه في التعر ف على الـ عـز وجـل

من خلل التفكر في مخلوقاته والتعر ف على ما تحمله ـمـن معلوـمـات عـنـه -ـسـبحانه-

لفت ي" لر ي فجتت لك اب للتت ي وت "ففلت فل ووا لر وهتا ووالب ن لل فيتت لف الب ل وال فخلت ووا لض فر وأل ووا لت ووا وما ب ست لق ال وخفلتت لف ي ب ن لإ

وهتتا فولت وم ود فعتت وض وب فر وأل له ا فحويا لب وفوأ "ء ب ما لمن لء وما ب س ون ال لم "هلل ول ا وز فن وما وأ وو وس "ع الب نا وف وما ودين لر لب فح وب فل ا

لض فر وأل ووا لء وما ب ست ون ال فيت وب لر ب خ وست "م لب افل وحا ب ست ووال ل ح روديتا لف ال لردي فصت وووت "ة وداب بت ل "ك لمن وها لفي ب ث وووب

و ن لق"لو فع "م ودي فو وق "ت ل .]164[البقرة: " وآلوديا

كر القرآن بأهمية استخدام العقل في التفـكـر والعتـبـار لفـهـم آـيـات اـلـ ارا ما يذ وكثي

ورا تالمبثوثة في كونه: " ب خ وست "م "م "جتو ووالن ور ومتت وق فل ووا وس فم ب شت ووال ور وهتتا ووالب ن ول فيت "م الب ل "ك ور ول ب خ وس وو

و ن لق"لو فع "م ودي فو وق "ت ل وآلوديا وك وذلل لف ي ب ن له لإ لر فم . ]12[النحل: " لبوأ

ـا ـه، وظلمـه وحين بيعطل المرء عقله، ول يستخدمه فيما خلق من أجله فقد سىفه نفـس

12.140( ) المصدر السابق: ص

13.92( ) المصدر السابق: ص

14.93( ) المصدر السابق: ص

29

Page 30: التوازن التربوي

اما لنه بذلك قد سار بها إلى الهاوية.. تأـمـل مـعـي ـحـال أـهـل الـنـار -والعـيـاذ اما عظي ظل

"كب نتتابال- وهم يتذكرون أسباب هلكهم وضياعهم " ومتتا "ل لقتت فع فو ون "ع وأ وم فستت "كب نتتا ون فو وقا"لوا ول وو

لر لعي ب ستت لب ال وحا فص .. والملـحـظ أنـهـم ـلـم ـيـذكروا كفرـهـم أو ـشـركهم أو]10[المـلـك: " لف ي وأ

معاصيهم وهم يؤنبون أنفسهم على ما وصلوا إليه، ـبـل ذـكـروا تعطيلـهـم لعـقـولهم ـعـن

الستخدام الصحيح.

.. نعم، لو استخدموا عقولهم وتفكروا في آيات ال المرئية في كونه، والمقروءة في

م لطـاعوه وعبـدوه ولمـا كـفـروا ولمـا أـشـركوا، رسالته، لتعرفوا على ربهم، ومن ثـ

ور"فواومن ثم لما دخلوا النار، لذلك كان التعقيب اللهي على اعترافهم بالحقيـقـة + فعوت وفتتا

لر لعي ب س لب ال وحا فص وأل ل اقا فح "س وف فم له وذنلب .]11[الملك: " لب

.. بالفعل: إن ذنبهم الكبر هو هذا الذنب، وما الكفر، ومـا الـشـرك، وـمـا الكـبر، إل

توابع لتعطيل العقل، فالذي يعطل هذه النعمة العظيمة فإنما يحرم نفسه من خير عظيم

ونكان في متناول يده، ومن ثم تنحط مرتبته، ويهبط ويهبط حتى يصبح " لفللي وسا ول فسوف "وأ

.]5[التين:

ال" ي سىبي ي ض ل به مم ي أ ىم ي ب مل ي عا ي كال من ل به مم ىإ ي ن ىإ من ي ن ي أ مو ي ي معىقبلو بعو ي م به مم ي ي مس ي ر ن ي أ مكي ث بب ي أ ي س "ي أ مم ي ت مح

].44[الفرقان:

وصدق عباس العقاد حين قال: «التفكير فريضة إسلمية».

العلم الحقيق ي:

إن كان العقل هو محل العلم والمعرفة، فإن العـلـم الحقيـقـي اـلـذي ينبـغـي أن ينـشـغل

ـه العبد بتحصيله هو العلم بال عز وجل، وكيف ل ومن خلله تتحقق العبودية الحقة ـل

ب السبحانه، لذلك قال بعض المفسـرين فـي ـقـوله تـعـالى: " وس لإ فنتت لل ووا ب ن لجتت "ت افل فقتت وخول ومتتا وو

ل ن "دو فع"ب وي أي: إل ليعرفون.]56[الذاريات: " لل

30

Page 31: التوازن التربوي

لماذا؟!

لنهم إذا عرفوه: أحبوه، وعظموه، وهابوه، وأطاعوه، وتوكلوا عليه...

جاء في الثر أن موسى عليه السلم سأل ربه فقال: يا رب، أي عبادك أخشى لك؟

.)15(قال: أعلمهم بي

.. إذن فتحصيل العلم بال هو أهم غاية لخلق العقل، وأي علم آخر فينبغي أن يكون

اعا منه.. ألم يقل سبحانه " اعا له، وفر "هللتاب ب ال ا وه لإ وال لإول "ه فم وأب ن فعول .]19[محمد: " وفا

فلكي يدرك المرء حقيقة التوحيد، ويوقن بها فإنه يحتاج إلى التعر ف على ربه مــن

"هخلل آياته الدالة عليه " فم وأب نتت "هتت ون ول وحب تتتى وديوتوبب يتت فم له لستت "ف فن وولفتت ي وأ لق وآلوفا لف ي ا لتونا فم آوديا له لردي وس"ن

لهي د وش "ء ف ي وش ل "ك وعولى "ه وك وأب ن ورب لف لب فك فم ودي ووول ق وأ وح فل .]53[فصلت: " ا

اـضـا لذلك نجد جواب موسى عليه السلم عندما سأله فرعون عن اـلـ، أـنـه ذـكـر بع

من المعلومات عنه -سبحانه- من خلل آثار أـسـمائه وـصـفاته المتجلـيـة ـفـي مخلوـقـاته

وسى " "مو وما وديا "ك ب رب ومن وف ول ود ى وقا وهت ب م "ه "ثت وقت وخفل "ء ف ي وشت ب ل "ك وطى فع لذ ي وأ وربونا اب ل ول وقا ول وقتا

"ألوولى ل ن ا "رو "ق فل "ل ا وما وبا وستتى وف وال ودين وو وربتت ي ل لضتت ب ال ودي "ب لكوتا لف ي ورب ي ود لعفن وها "م لعفل ول وقا

له فجونا لبتت ور فخ وفوأ ل اء وما لء وما ب س ون ال لم ول وز فن وووأ ل اال "س"ب وها لفي فم "ك وك ول وسول وو ل ادا فه وم وض فر وأل "م ا "ك ول ول وع وج لذ ي اب ل

وشب تى "ت من ب نوبا ل اجا ووا فز وهتتى وأ "ألوللتت ي الن "ت وآلوديا وك وذلل لف ي ب ن فم لإ "ك وم وعا فن فوا وأ وع فر ووا [طــه: ""ك"لوا

وفي هذا المعنى يقول الحافظ ابن رجب:]54- 49

أخبر سبحانه أنه ما خلق الـسـماوات والرض وـنـزل الـمـر إل لنعـلـم ـبـذلك ـقـدرته

ال على معرفته ومعرفة صفاته، كمـا ـقـال تـعـالى: " وقوعلمه، فيكون دلي وخولتت لذ ي "هللتت اب لتت ا

"ء ف ي وشتت ل "كتت وعولى وهلل ب ن ا "موا وأ فعول وت ب ن لل "ه فيون وب "ر فم "ل األ ب ز ب ن وديوتون "ه فثول لم لض فر وأل ون ا لم وو "ت ووا وما وس وع وسفب

ل اما لعفل "ء ف ي وش ل "ك وط لب وحا فد وأ وق وهلل ب ن ا وووأ لددي ر .]12[الطلق: " وق

15 ).366( ) أخرجه الدارمي (

31

Page 32: التوازن التربوي

وأخبر أنه إنما يخشاه من عباده العلماء، وهم العلماء «به».

"ءقال ابن عباس في قوله: " وما "عول فل له ا لد لعوبا فن لم وهلل وشى ا فخ وما ودي .]28 [فاطر: "لإب ن

قال: أي إنما يخافني من عبادي من عر ف جللي وكبريائي وعظمتي.

فأفضل العلم العلم بال، وهو العلم بأسمائه وصفاته، وأفعاله التي ـتـوجب لـصـاحبها

معرفة ال وخشيته ومحبته وهيبته وإجلـلـه وعظمـتـه، والتبـتـل إلـيـه، والتوـكـل علـيـه،

والرضا عنه، والشتغال به دون خلقه.

ـأوامر ويتبع ذلك العلم بملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وتفاصيل ذلك، والعلم ـب

ال ونواهيه وشرائعه وأحكامه، وما يحبه من عباده من الـقـوال، والعـمـال الـظـاهرة

.) 16(والباطنة، وما يكرهه من عباده من القوال والعمال الظاهرة والباطنة

العلم النافع:

من هنا يتأكد لدينا أن العلم النافع هو الذي يؤدي إلى تحقـيـق التوحـيـد ـقـول وعمل،

أو بمعنى آخر: هو الذي يؤدي إلى تحسين المعاملة مع ال عز وجل فيزداد الـمـرء ـلـه

د العـلـم اـلـذي خشية وطاعة ومحبة وإنابة واستقامة على صراطه المستقيم، فإن ـلـم بـيـؤ

يتعلمه المرء إلى ذلك صار علما غير نافع.

أعتتوذ بتتاهلل متتن أنه كان يقـول: «صلى ال عليه وسلموفي صحيح مسلم عن النبي

ل اعتتا،»، وـفـي ـحـديث آـخـر ـقـال: «علم ال دينفع، ومن قلب ال ديخشع ل امتتا ناف ستتلوا اهللتت عل

، وهذا يدل -كمـا يـقـول ابـن رجـب- عـلـى أن العـلـم)17(»وتعوذوا باهلل من علم ال دينفع

.)18(الذي ل يوجب الخشوع في القلب فهو علم غير نافع

ضل العلم لنه بيتقى ال به، وإل كان كسائر الشياء. ويقول سفيان الثوري: إنما بف

16 – الفاريوق الحديثة للطباعة يوالنشر – القاهرة.41، 40/ 1( ) مجموع رسائل ابن رجب

17 ).3635( ) صحيح الجامع الصغير (

18اما ) لبن رحب الحنبلي. ( ) شرح حديث أبي الدرداء (من سلك طرياقا يلتمس فيه عل

32

Page 33: التوازن التربوي

وكان المام أحمد يقول: أصل العلم خشية ال، وقال كثير ـمـن الـسـلف: لـيـس العـلـم

.)19(كثرة الرواية وإنما العلم الخشية

ي ر منته الخشية فلك، وإل فعليك». وفي حكم ابن عطاء: «العلم إن ي قا

ـال: وعندما سئل المام أحمد عن معرو ف الكرخي، وقيل له: هل كان معه علم؟ فـق

.)20(كان معه أصل العلم، خشية ال عز وجل

ارا ـمـا ـتـدور ـحـول ـهـذا المعـنـى كـقـوله ومن الملحظ أن كلمة العلم في الـقـرآن ـكـثي

"ءتعالى: " وما "عول فل له ا لد لعوبا فن لم وهلل وشى ا فخ وما ودي .]28[فاطر: " لإب ن

لهوقوله: " وربتت وة ومتت فح ور "جتتو فر ووودي وة ور لختت وآل "ر ا وذ فح ل اما ودي لئ وقا وو ل ادا لج وسا لل في وء الب ل وقالن ت آونا وو "ه فن ب م وأ

و ن "مو فعول وال ودي ون لذدي وواب ل و ن "مو فعول ون ودي لذدي لو ي اب ل فسوت فل ودي وه فل .]9[الزمر: " "ق

غادية العلم:

لكي ندرك أكثر وأكثر غاية العلم علينا أن نتذكر غاية وجود النسان على الرض

والتي تتمثل في تحقيق العبودية الحقة ل عز وجل وما تشمله من مـعـان مختلـفـة يـقـف

على رأسها: طاعته سبحانه، وخشيته، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والنس به، ودوام

النابة إليه، والستسلم له، والستعانة به، والتضحية من أجله، وإقرار شرعه.

ولن هذه المعاني ل يمكن تحقيقها إل من خلل المرور من بـاب «المعرـفـة» بـال

التعتترف علتتى الحقتتائق التتت ي تصتتلعز وجل -كما أـسـلفنا- ـكـانت غاـيـة العـلـم ـهـي: «

».بالمرء إلى تحقيق العبوددية هلل عز وجل بمعانيها المختلفة

بهذا ندرك مفهوم العلم النافع ومدى ارتباطه بتحسين المعاملـة مـع الـ عـز وجـل،

ـم اضا- يمكننا التعر ف على مدى بقرب أو بعد العلوم المختلفة من العـل وبهذا المفهوم -أي

19( ) المصدر السابق.

20.787/ 2( ) مجموع رسائل ابن رجب

33

Page 34: التوازن التربوي

النافع، مع الخذ في العتبار أن معرفة الحكام الشرعية، وما يرضي اـلـ ـعـز وـجـل

ـاته وما يبغضه من الهمية بمكان، وهي تحتل المرتبة التالية للعلم بال ـعـز وـجـل وآـي

وأفعاله في خلقه، وذلك لضرورتها في تحقيق العبودية الحقة له ـسـبحانه، فاـلـذي امتل

قلبه خشية ل ـعـز وـجـل يحـتـاج أن يـعـر ف ـمـا اـلـذي بيرـضـي رـبـه فيفعـلـه، وـمـا اـلـذي

يبغضه فيتجنبه.

ىعلمين (العلم بال، والعلم بأحكامه) فقد حاز قـصـب الـسـبق ـفـي لذلك فإن من جمع ال

ركب العلماء، ويلـي ذلـك العلـم بـال دون العلـم بجميـع أحكـامه، أمـا الصـنف الثـالث

والذي يتمثل فيمن يعلم الحكام وليس لديه علم حقيقي بال، فهذا الصـنف ـمـذموم لنـه

وع هذا العلم في اتجاه هواه وكل ما يجعله محل رضى الناس فيـكـون ذـلـك ـسـبابا ي ط قد بي

في هلكه والعياذ بال.

قال سفيان الثوري: «كان يقال: العلماء ثلـثـة: ـعـالم ـبـال يخـشـى اـلـ ولـيـس بـعـالم

ـس بأمر ال، وعالم بال عالم بأمر ال يخشى ال فذلك العالم الكامل، وعالم بأمر ال لـي

.)21(بعالم بال ل يخشى ال فذلك العالم الفاجر»

الباب األعظم:

أول ما ينشغل- هو العلم-من هنا نقول أن العلم الحقيقي الذي ينبغي أن ينشغل به العقل

بال عز وجل، وأن أي علم آخر ينبغي أن يكون تاليا له، منطلاقا منه.

اعا، إن علم التوحيد الحقيقي هو «الباب العظم» الذي ينبغي أن ندخل منه جمي

وبعد ذلك ندخل إلى العلوم المختلفة حتى نتمكن من الستفادة الحقيقية منها في تحقيق

ازا العبودية ل عز وجل، فإن لم يحد:ث هذا، وبدأ المرء في تعلم العلوم المختلفة متجاو

العلم بال عز وجل فإن مقصود هذه العلوم لن يتحقق بالصورة المطلوبة.

21 ) المقدمة.367( ) أخرجه الدارمي (

34

Page 35: التوازن التربوي

فعلى سبيل المثال: عندما يتعلم المرء العلوم الكونية قبل تعلمه العلم بال ـعـز وـجـل

فإنه لن يستطيع -بتلقائية- أن يربطها ـبـال ـعـز وـجـل، وـمـن ـثـم ـلـن تزـيـده معرـفـة ـبـه

سبحانه، وإن تكلف ذلك.

أما إذا تعلمها بـعـد دـخـوله ـمـن «الـبـاب العـظـم» للعـلـم ـفـإنه سيـسـتفيد بـهـا اـسـتفادة

عظيمة في الستدلل على ال عز وجل وأسمائه وصفاته، وأفعاله الدالة عليه، فيزداد

وهللتتبهذه العلوم معرفة بربه ومن ثم خشيته وهذا ـمـا يؤـكـده ـقـوله تـعـالى: " ب ن ا ور وأ وتتت فم وأولتت

ود د لبيتت ض "جتت لل لجوبتتا فل ون ا لمتت وو وهتتا ووا"ن ل افتتا وأفل فخوتلل م "ت ورا ومتت له وث فجونتتا لبتت ور فخ وفوأ ل اء وما لء وما ب س ون ال لم ول وز فن وأ

"ستتو د "ب لبيتت ورا وغ وو وهتتا ووا"ن فخوتللتت ف وأفل م فم ر "ح فخوتللتت فوو "م لم وعتتا فن وواأل ب ووا ب د ووالتت لس ون الب نتتا لمتت وو

"ء وما "عول فل له ا لد لعوبا فن لم وهلل وشى ا فخ وما ودي وك لإب ن وذلل وك "ه ووا"ن فل .]28، 27[فاطر: " وأ

وما ينطبق على العلوم الكونية ينطبق عـلـى العـلـوم الـخـرى، ـفـالعلم بالتارـيـخ عـلـم

مهم ولكن ينبغي أن يكون تالايا ومنطلاقا ـمـن العـلـم ـبـال ـعـز وـجـل، فـنـرى ـمـن خلـلـه

أفعاله سبحانه، وسنته في خلـقـه عـبر الحـقـب والزمـنـة الـسـابقة فـيـزداد تع رفنـا عليـه،

وخشيتنا له، وتعلقنا به.

ب طل: "مع العقل ال

خلصنا مما سبق إلى أن وظيفة العقل الولى هي التعر ف على ال عز وجل، ـلـذلك

اما أن يـقـوم بتنمـيـة عقـلـه، وتوسـيع ـمـداركه، وفـتـح نوافـذه فإن المطلوب من المسلم دو

لتحصيل هذه المعرفة.

إن العقل البشري به كم هائل من النوافذ والخليا التي تقوم باستقبال وتخزين

المعلومات، ويكفي أن تعر ف أن بعض البحا:ث العلمية أثبتت أن عدد خليا المخ

بليون خلية.. هذه الخليا لديها من الكفاءة ما يمكنها - بإذن200يصل إلى ما يقارب

بليون معلومة، وأن أقصى ما يستخدمه النسان من هذه100ال- من تخزين حوالي

35

Page 36: التوازن التربوي

%).. والسبب الرئيس في ذلك هو ابتعاده عن10الكفاءة لم يتجاوز العشرة بالمائة (

أداء الوظيفة التي خلق من أجلها، والتي تستلزم منه التفكر فيما يراه من أحدا:ث، وما

يتجدد من مشاهد لمخلوقات متنوعة، وأحدا:ث متقلبة، والستدلل من خلل هذا

التفكر على صفات خالقه.

ـرة ـات المبـه ومهما نجح النسان في اكتشا ف الجديد، ومهما استخدم عقله في الختراـع

النافعة إل أن هذا كله - مع أهميته وضرورته- ل يستهلك سوى قدر مـحـدود ـمـن إمكاـنـات

بخلـق لوظيفـة العقل، في حين تظل أغلب نوافذ هذا العقل مغلقـة، لنـه - ـفـي السـاس- ـقـد

عظيمة تستلزم منه أن بيطل على العوالم المختلفة المحيـطـة ـبـه، وعـلـى ذاـتـه اـلـتي تحـتـوي

على صورة مصغرة من كتاب الكون، فيتعر ف من خللها على ربه.

من هذا التصور لوظيفة العقل الولى بندرك أن الهتماـمـات العلمـيـة ـفـي العـصـور

الخيرة للبشرية -مع أهمية الكثير منها في نفع حياة النسان «الطينية»- تنحـصـر ـفـي

و نقشرة صغيرة، وسطور قليلة من كتاب الكون العظـيـم، وـصـدق اـلـ العظـيـم " "متتو فعول ودي

و ن لف"لو وغا فم "ه لة ور لخ وآل لن ا وع فم "ه وو فنويا د لة ال وحويا فل ون ا م ل ارا له ب متتاوظا لهم لس "ف فن لف ي وأ "روا ب ك وف فم وديوت وو ول وأ

ون متت ل ارا وكلثيتت ب ن وولإ امى وستت م "ل وجتت وووأ ق وح فل ب ال لبتتا ومتتا لإ "ه فيون وب ومتتا وو وض فر وأل ووا لت ووا وما ب ستت "هللتت ال وق ا وخولتت

و ن "رو لف وكا فم ول له ورب لء وقا لس لبلل .]8، 7[الروم: " الب نا

فلننتبه قبل فوات األوا ن:

فإن كان المر كذلك، وإن استمرت غفلتنا عن حقيقة وجودنا، وعن أهمية استخدام

العقل في التـجـاه الـصـحيح، فـمـن المتوـقـع أن مـشـاعر الحـسـرة والـنـدم ـسـتتملكنا عـنـد

الموت، وبعد انكشا ف الغطاء الذي يفـصـل بـيـن ـعـالم الغـيـب وـعـالم الـشـهادة.. سيـشـتد

الندم على تضييع العمر وعدم النتفاع بالعقل في الوصول إلى معرـفـة اـلـ ـعـز وـجـل

36

Page 37: التوازن التربوي

لددي د" وح وم فو وي وك افل "ر وص وفوب وك وء وطا لغ وك وعن ففونا وش وك وف وذا وه فن م "ة ففول وغ لف ي وت "كن فد وق .]22[ق: " ول

ادا لهذا المعنى قوله لفتت ي بـعـد نـزول اليـات: "صلى ال علـيـه وسـلمويكفيك تأكي ب ن لإ

لب وبتتا "ألوللتت ي األفل "ت وآلوديتتا لر وهتتا ووالب ن لل فيتت لف الب ل وال فخلت ووا لض فر وأل ووا لت ووا وما ب س لق ال [آل عـمـران:" وخفل

.) 22(»وديل لمن قرأ هذه اآلديات ثم لم ديتفكر بها: «]190

ولعل المثال التال ي ديقرب لنا المعنى أكثر وأكثر:

ال سافر إلى مكان ما للنزهة والستجمام، وأقام في حجـرة بأجـمـل فـنـدق لو أن رج

في هذا المكان.. هذه الحـجـرة تـطـل عـلـى مـنـاظر سـاحرة خلـبـة مـا بـيـن نـهـر ـجـار،

وحدائق غناء، ومناظر مبهرة تخطف بالبصار..، وـكـل جـهـة ـمـن جهاتـهـا بـهـا ـعـدد

بسبتر، فما ـكـان ـمـن ـهـذا الرـجـل إل أن ـسـأل ـعـن بغطاة بال كبير من النوافذ المغلقة والم

النافذة التي تطل على مدخل الفندق، والساحة المحيطة به حيـث تقبـع سـيارته، وظـل

طيلة وجوده ينظر من هذه النافذة فقط ويراقب حركة القادمين والمغادرين، ويطمئــن

ـه على سيارته، وبعد انتهاء مدة إقامته، وبينما هو يغادر الفندق إذا به يلتقي بصديق ـل

كان يقيم في نفس المكان، وإذا بحالة من النبهـار تسـيطر علـى هـذا الصـديق والـتي

ترجمتها كثرة حديثه لصاحبنا عن المناظر الخلبة التي رآها، وأـشـعة الـشـمس وـهـي

تتعانق مع صفحة الماء، وألوان الزـهـار اـلـتي تـسـر الـنـاظرين و..، ويـسـتمر ـحـديث

ي ر أي ـشـيء ـمـن ـهـذا لـنـه ـلـم يـحـاول فـتـح ال، فهو ـلـم ـيـ الصديق وصاحبنا يقف مذهو

بعـشـر معـشـار ـمـا النوافذ التي تمتلئ بها حجرته، واكتفى بفتح واحدة منها لم تنقل ـلـه

رآه صديقه!!

ـيظل ـة، وـس .. بل شك ستتملك صاحبنا مشاعر الحسرة والندم على ما فاته من متـع

يقول في نفسه: يا ليتني حاولت فتح النوافذ الخرى، يا حسرتي على الجازة اـلـتي ـلـم

ارا. أستفد بها إل يسي

22( ) ريواه ابن أبي حاتم يوابن حبان في صحيحهما.

37

Page 38: التوازن التربوي

.. هذا الحسرة ل ترقى بأي حال من الحوال إلى ـجـانب حـسـرة ـمـن ينـشـغل طيـلـة

ارا من عقله للحفاظ على حـيـاته الطينـيـة دون اءا يسي حياته بطين الرض، ويستخدم جز

بخلق لجله. أن يحاول فتح نوافذه ليطل من خللها على العالم الكبير الذي

فضيلة التفكر:

من هنا ندرك أهميـة التفكـر، وكيـف أنـه عبـادة عظيمـة ينبغـي عليـنـا أن نمارسـها

اعـا لهـا درجـة باستمرار لنفتح من خللها نوافذ العقل، فتزداد مساحة الرؤية، وتتسع تب

تفكروا ف ي خلق اهللتت، وال تفكتتروا: «صلى ال عليه وسلمالمعرفة بال عز وجل.. قال

.)23(»ف ي اهلل

وقال الحسن البصري: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

ارا ما يتمثل بقول القائل: وكان سفيان بن عيينة كثي

إذ المرء كانت له

فكـــــــرة

ففـي كل شـيء له عبرة

فبالتفكر ل يترك المسلم (مسارح النظر ترقد ول تكـرى إل وـهـو يقظـان الفكـر.. نـهـار

يحول، وليل يزول، وشمس تجري، وقمر يسري، وسحاب مكفهر، وبحر مـسـتطر، وواـلـد

.)24(يتلف وولد ي يخبلف، ما خلق ال هذا باطل، وإن بعد ذلك ثواابا وعقاابا)

علم اليقين:

ليس المقصد من تحصيل العـلـم ـبـال ـعـز وـجـل ـهـو المعرـفـة الـعـابرة اـلـتي تختـلـط

بالمعار ف المختلـفـة ول تـشـكل يقـيـن النـسـان، بـل المقـصـد معرـفـة ترـسـخ ـفـي العـقـل

الـبـاطن، وتـشـكل اليقـيـن، فتـتـداخل وتتـشـابك وتـصـوغ تـصـوراته ومـفـاهيمه، فيـصـبح

23 ).3976( ) صحيح الجامع الصغير (

24 – دار الكتب العلمية- بيريوت.347/ 3( ) فيض القدير للمنايوي

38

Page 39: التوازن التربوي

لهصاحبها من الراسخين في العلم بال عز وجل " لب ومب نا و ن آ "قو"لو ودي لم لعفل فل لف ي ا و ن "خو لس ب را ووال

وربونا لد لعفن فن م .]7[آل عمران: " "ك ل

ولكي نصل إلى هذه الدرجة لبد من كثرة عـرض المعلومـات عـن اـلـ عـز وجـل

على العقل بأساليب مختلفة حتى ل يألفها فتنتقل تـلـك المعلوـمـات ـمـن منطـقـة الـشـعور

اءا ـمـن إلى منطقة اللشعور أو (العـقـل الـبـاطن)، وـمـن ـثـم تـشـكل بـمـرور اـلـوقت ـجـز

.)25(اليقين

مستهدف التربية المعرفية:

بعد أن تعرفنا على الوظيفة الساسية للعقل، والحكمة ـمـن خلـقـه يمكنـنـا الـقـول ـبـأن

هـد ف التربيـة المعرفيـة هـو: إنمـاء العقـل وتوسـيع مـداركه، وفتـح نوافـذه، وإكسـابه

التلقائية في التفكير في كل شيء يحد:ث حوله والعتبار به، والتعر ف من خلله علــى

لضال عز وجل وعلى حتمية العودة إليه " فر وأل ووا لت ووا وما ب ستت لت ال "كتتو ومول لف ي "روا "ظ فن فم ودي وو ول وأ

فم "ه وج"ل وب وأ ور فقوت لد ا وق و ن "كو وسى وأ ن ب دي وع ف ن وووأ "ء ف ي وش لمن "هلل وق ا وخول وما .]185[العرا ف: " وو

أو بعبارة أخر ى:

المطلوب من المسلم إنماء عقله ـمـن خلل تحصـيل العلـم الراسـخ الـنـافع ـبـال عـز

وجل والذي يؤدي إلى تحسين المعاملة معه -سبحانه-، وأي علم آخر يرـيـد أن يتعلـمـه

وه "النسان ينبغي أن يتم الدخول إليه من هذا الباب.. «باب التوحـيـد» وال لإولتت "ه فم وأب نتت فعول وفتتا

مى25 ( ) أي معلومة يتلقاها الينسان من خلل سمعه أيو بصره أيو حواسه المختلفة تذهب إلى جزء في العقل يس(العقل المدرك ) أيو (الشعور )، فإذا قبلها العقل المدرك اينتقلت إلى الجزء الخر من العقل يوهو (الغير مدرك )أيو (اللشعور )، يوالذي يشكل منطقة العلم الراسخ، أيو اليقين، أيو المعتقدات، سواء كسساينت صسسحيحة أيو فاسسسدة،يولكي يستقر مدلول المعلومة في منطقة اللشعور لبد من تكرار مريورها على العقل المدرك مرات يومسسراتفيمررها إلى (اللشعور ) حتى تستقر فيه.. مثال: تعلم قيادة السيارة: في البداية يتم تحصيل المعلومات بالعقلالمدرك، يواستخدامها به كذلك يوهذا يظهر من خلل تركيز السائق الشديد في القيسادة يوعسد م التجسايوب مسسع أيأحداث تحدث حوله، يوبعد تكرار يوتكرار مريور معلومسسات القيسادة إلسى العقسل غيسر المسسدرك يحسدث اسسستقرارلمدلولها فيه، يومن ثم يمكن للسائق أن يقود السيارة بل تفكير، بل إينه يمكنه الحديث مع من حوله يوهسو يقسودالسيارة، يومثال آخر: تعلم أحكا م التجويد يوممارستها: في البداية يكون بالعقل المدرك يوبعد ذلك يكون بالعقسسل

غير المدرك، يوينطق القارئ اليات بترتيل ديون تفكير في مواضع أحكا م التجويد.

39

Page 40: التوازن التربوي

"هلل ب ال ا .]19[محمد: " لإ

* * *

40

Page 41: التوازن التربوي

المحور الثان ي

القلب والتربية الديمانية

يحكي أحد الصدقاء أنه في يوم من اليام استقل سيارة (أجرة)، وفي الطرـيـق ـبـدأ

يتجاذب أطرا ف الحديث مع سائقها الشاب، وتطرق حديثه معه عن الصـلة ثـم سـأله:

هل تواظب على أداء الصلة؟! فكانت إجابته بالنفي، وما إن بـدأ صـاحبنا يحـدثه عـن

ال عز وجل وعن نعمه المتوالية علينا وأن شكر هذه النعم يستوجب طــاعته و...، إذا

بالسائق يقاطعه بحديث عظيم عن ال عز وجل ونعـمـه الـسـابغة، وقـيـوميته، وحفـظـه،

وأنه لول ال ما أبصر أو سمع أو تكلم أو تحرك..، واستمر السائق في حديثه عن الــ

حتى وصل صاحبنا إلى المكان الذي يريده، وهبط من الـسـيارة وـهـو يـسـأل نفـسـه: إن

كان هذا الرجل يعر ف عن ال عز وجل كل هذه المعرـفـة فلـمـاذا ـلـم ينعـكـس أـثـر هـذه

المعرفة على سلوكه فيطيع ربه ويحافظ على أداء الصلة؟!

الجابة عن هذا السؤال تستدعي التعر ف على الفارق بين العقل والقلب..

مركز الرادة:

لو كان العقل هو الذي يحرك النسان، لكانت المعرفة العقلية وـحـدها تكـفـي ـكـدافع

للسلوك إل أن المـر ليـس كـذلك، فمـع أهميـة المعرفـة وضـرورتها كبوابـة أساسـية

لتحقيق العبودية ومن ثم الستقامة؛ إل أنها ل تكفي لتغيير السلوك.. لماذا؟!

لن الذي يصدر الوامر بالحركة الرادية داخل النسان هو القلب وليس العقل.

فالقلب يـعـد بمثاـبـة مرـكـز الرادة واتـخـاذ الـقـرار، ومـنـه تنطـلـق الواـمـر بالفـعـال

أال إ ن فتت ي الجستتد: «ـصـلى اـلـ علـيـه وـسـلمالرادية وما على الجميع إل التنفيذ.. قال

41

Page 42: التوازن التربوي

.) 26(»مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إال وه ي القلب

.. هذا القلب تتجاذبه قوتان: «قوة الـهـوى» وـمـا تمـيـل إلـيـه النـفـس وتـشـتهي، وـقـوة

«اليمان» (أو التصديق والطمئـنـان) بـمـا فـي العقـل مـن أفكـار وقناـعـات، والـقـوى

منهما وقت اتخاذ القرار هو الذي يستولي على الرادة، ويوجه القرار لصالحه.

اعا فعندما يسمع المسلم أذان الفجر ويريد أن ينـهـض ـمـن ـنـومه للـصـلة ـفـإن ـصـرا

ينشب داخله، بين إيمانه بأهمية ضرورة القيام لصلة الفجر وبين ـهـوى نفـسـه وحبـهـا

للراحة والنوم وعدم التعرض للمشقة، فإن استيقظ فإنما أيقظه إيمانه اـلـذي ـكـان أـقـوى

من الهوى في هذه اللحظة، وإن نام فإنما أنامه هواه الذي كان أقوى من إيمانه في هذه

اللحظة.

وعندما تقع عين المسلم على وجه امرأة أجنبية عنه، فعليه أن يـغـض بـصـره، ـفـإن

لم يفعل، فذلك معناه أن هـوى نفسـه فـي إطلق البـصـر والنظـر إلـى المـرأة فـي هـذه

اللحظة كان أقوى من إيمانه بال، وضرورة طاعة أوامره بغض البصر.

وو ى* * فاليمان هو الدافع للسلوك اليجابي " فقتت لمتتن وت وهتتا وفلإب ن لهلل ور ا لئ وعا وش فم ظ وع ومن "دي وو

لب "ق"لو فل .]32[الحج: " ا

و ن* * والهوى هو الدافع للسلوك السلبي " "عتتو ومتا وديب تلب فم وأب ن فعول وفتا وك لجي"بوا ولت وت فست فم ودي وفلإ ن ب ل

فم "ه وء ووا فه .]50[القصص: " وأ

معنى ذلك أنه إن لم يحد:ث للمعار ف والقناعات الموجودة بالعقل اطمئنان وتصديق

قلبي بالقدر الذي يقاوم الهوى المضاد لهذه القناعات وينتصر عليه؛ فإن هذه القناعات

لن تترجم إلى سلوك عملي، ومن ثم يصبح كلم المرء وقناعاته ـفـي ـجـانب، وـسـلوكه

في جانب آخر.

26( ) متفق عليه.

42

Page 43: التوازن التربوي

فل يكفي المرء اقتناعه بالفكرة لكي يمارس مقتضاها في واقـعـه العمـلـي، ـبـل لـبـد

من تحويل هذه الفكرة إلى إيمان عميق في القلب ينتصر على الهوى.

ىرجم لهـا، بـل ول يكفي كذلك وجود إيمان بالفكرة في القلب لكي يثمر الـسـلوك الـمـت

لبد وأن يكون اليمان أقوى من الهوى المضاد لهذه الفـكـرة ـحـتى يـسـتطيع النتـصـار

عليه وقت اتخاذ القرار.

امـا للعبـد؛ لبـد ـمـن اكا دائ فعلى سبيل المثال: لكي يصبح النفاق في سـبيل اـلـ سـلو

تمكن اليمان والتـصـديق والطمئـنـان القـلـبي ـبـأهميته، وفـضـله ـحـتى يـسـتطيع الـمـرء

-بإذن ال- مواجهة قوة هواه الشديدة لحب المال والحرص عليه والشح به.

مع الخذ في العتبار ضرورة التغذية الدائمة لهذا اليمان حتى يتمكن المـسـلم ـمـن

المقاومة المستمرة لهوى نفسه وشحها.

المعرفة وحدها ال تكف ي:

المعرفة العقلية -إذن- ل تكفي لحدو:ث الستقامة والقيام بواجبات العبودـيـة ـلـ ـعـز

وجل، بل لبد وأن تتحول ـهـذه المعرـفـة إـلـى إيـمـان عمـيـق يرـسـخ ـمـدلوله ـفـي القـلـب

وينتصر على الهوى لينعكس أثره على السلوك.

.. لبد من تعانق الفكر بالعاطفة لينشأ اليمان بإذن ال، ويتجلى هذا المر في قوله

فمتعالى: " "ه "ق"لتتو"ب "ه وت ولتت فخلبتت وف"ت له لبتت لم"نوا فؤ وف"ي وك ب رب لمن ق وح فل "ه ا وم وأب ن لعفل ون "أو"توا افل لذدي وم اب ل فعول وي "وولل

.]54[الحج:

ولبد كذلك من استمرار هذا التعانق حتى يرسخ اليمان في القلب ومـن ثـم يتمكـن

من النتصار على الهوى، ويظهر أثره على السلوك، وهذا يستلزم تغذـيـة دائـمـة لـهـذا

اليمان.

43

Page 44: التوازن التربوي

فتت ي جتتوف أحتتدكم كمتتا ديخلتتق)27(إ ن الديمتتا ن ليخلتتق: «صلى اـلـ عليـه وـسـلمقال

.) 28(»الثوب، فاسألوا اهلل أ ن ديجدد الديما ن ف ي قلوبكم

أفال تتقو ن؟

ـامه ـه، وبقـي ولقد أخبرنا القرآن عن أناس يقرون بربوبيته -سبحانه- على جميع خلـق

على شئونهم، ومع هـذا القـرار فهـم ل يخشـونه، ول يستسـلمون لـه، وهـذا يؤكـد أن

اضا وـلـم ينـشـأ ـبـه إيـمـان ـفـي القـلـب، وـمـن الـيـات اـلـتي ارا عقلايا مح إقرارهم كان إقرا

و ن تخبرنا بذلك قوله تعالى: " "متتو فعول فم وت فن"تتت "ك وهتتا لإ ن لفي ومن وو "ض فر وأل لن ا وم و ن"قل ل "قو"لو وي وستت

و ن "رو ب ك وذ وتتت وال وف فل وأ "قتت لم لهللتت لظيتت وع فل لش ا فر وعتت فل ب ا ور وو لع فب ب ستت لت ال ووا وما ب ستت ب ال ب ر ومتتن فل "قتت

و ن "قو وال وتب ت وف فل وأ "ق لهلل و ن "قو"لو .]87- 84[المؤمنون: " وسوي

ومتتنوقوله: " وو ور وصتتا وألفب ووا وع فم ب ستت "ك ال فمللتت ب متتن ودي لض وأ فر وأل ووا لء وما ب ستت ون ال م "كم "ز"ق فر ومن ودي فل "ق

فل "قتت وف "هللتت و ن ا "قو"لو وي وستت وف ور فم "ر األ ودب ومن دي وو ي وح ون افل لم وت ومي فل "ج ا لر فخ وو"دي لت ومي ون افل لم ب ي وح "ج افل لر فخ دي

و ن "قو وال وتب ت وف .]31[يونس: " وأ

بل إن القرآن الكريم يقص علينا حال أـنـاس يـقـرون بأنفـسـهم - بوـضـوح ـشـديد- أن

بهدى، لكنهم ل يستطيعون اتباعه خوافا على حياتهم ومـصـالحهم " وقتتا"لواالسلم هو ال وو

لضونا فر فن وأ لم فف ب ط وخ وك "نوت وع وم ود ى "ه لع افل .]57[القصص: " لإ ن ب نب تلب

.. من هنا تظهر أهمية التربية اليمانية؛ فلـئـن ـكـانت التربـيـة المعرفـيـة تـهـد ف إـلـى

إنمـاء العـقـل بـالعلم النـافع الراسـخ أل وـهـو العـلـم ـبـال عـز وجـل، فـإن تربـيـة القلـب

الصحيحة تهد ف إلى: تمكين اليمان بهذه المعرفة وترسيخها فـيـه ـحـتى تهيـمـن علـيـه،

وتقهر الهوى، فيسهل على المرء القيام بأعمال العبودية بصورها المختلفة.

ارا حقيقاـيـا إيجاباـيـا لـبـد أن ينطـلـق ـمـن إـصـلح .. معنى ذلك أن تغيير السلوك تغيـيـ27

( ) يخلق: أي يبلى.28

).1090( ) صحيح، ريواه الطبرايني يوالحاكم يوصححه اللبايني في صحيح الجامع الصغير (

44

Page 45: التوازن التربوي

ارا سلبايا في السلوك فإن ذـلـك يعـكـس تمـكـن الـهـوى القلب باليمان، وعندما نشاهد تغيي

من القلب وضعف اليمان فيه.

عندما ديضعف الديما ن:

لعل هذا الحديث عن اليمان وعلقته بالسلوك يفسر لنا ظاهرة ابتعاد الفـعـل ـعـن الـقـول،

والعمل عن العلم.

فكلما ضعف اليمان تمكن الهوى؛ لن مساحة القلب واحدة؛ ليترتب على ذلك آثار

سلبية خطيرة تزيد وتنقص بحسب درجة ضعف اليمان.

أنك قد تجد شخصا كثير الحديث عن القـيـم، والمـثـل، .. فمن آثار ضعف اليمان:

والخلق، لكنه يمارس عكس ما يتحد:ث عنه، وفي بعض الحيان تـجـده وـقـد اـعـتراه

الضيق من ـحـاله وواقـعـه لكـنـه ل يـسـتطيع تغيـيـره لن ـهـواه ـقـد ـسـيطر عـلـى إرادـتـه

واستولى عليها.

اضا: الترخص فيما ل ينبغي الترخص فـيـه، والتـسـاهلومن آثار ضعف اليمان أي

والتـبـاطؤ ـفـي تنفـيـذ أواـمـر الـشـرع، والبـحـث ـعـن الرـخـص والـعـذار، وتبـنـي الراء

وغ للتفلت من التطبيق الصحيح للدين. المرجوحة والضعيفة ليجاد المبرر والمس

ـشـدة الهتـمـام باـلـدنيا، والـحـرص عـلـى تحـصـيلها، وارتـفـاع ـسـقف: وـمـن آـثـاره

الطموحات فيها، وانشغال الفكر بها، مع كثرة أحلم اليقظة بالثراء والرفاهية.

شدة الحرص على الـمـال والـحـزن الـشـديد عـلـى نقـصـانه، ودوام ومن تلك الثار:

إحـصـائه، وـكـثرة التفكـيـر ـفـي ـسـبل إنـمـائه، واـسـتيفاء الـمـرء لحـقـه الـمـالي الـتـام ـمـن

الخرين، وفي المقابل قد نجـده يـحـاول التمـلـص ـمـن أداء واجـبـاته والتزاـمـاته المالـيـة

كاملة تجاههم.

ادا لـسـعار العملت،ومنها: اـعـا جـيـ شدة تركيز المرء ـفـي أـمـور اـلـدنيا، فتـجـده متاب

45

Page 46: التوازن التربوي

والراضي، والعقارات، والسيارات...

ـا: ـرةومنـه ـن داـئ ـتراب ـم ـبهات، والـق ـرة الـش ـي داـئ ـوع ـف ـورع، والوـق ضــعف اـل

ـالعهود ـاء ـب ـدم الوـف ـة، وـع ـة كامـل ـول الحقيـق ـدم ـق ـذب وـع ـهال الـك ـات كاستـس المحرـم

والمواعيد.

الحسد، حيث تتجه نظرة المرء إلى دنيا غيره - وبخاصة أقرانه - أكثر منومنها:

اتجاهها إلى دينهم، وتترجم هذه النظرة شعوره اـلـداخلي بالـضـيق عـنـدما ـيـرى عليـهـم

ادا في الدنيا. اوا جدي عل

ضعف الشعور بالمسئولية تجاه الدين وقـضـايا الـمـة، وينعـكـس ذـلـك عـلـىومنها:

أداء الفرد في الدعوة، فتجده متراخايا في القيام بالواجبات، يتحين أي فرصة للهــروب

من التكاليف.. كثير العذار، كثير النقد لغيره.

ضعف الخوة في ال، فالخوة قرينة اليمان تزيد بزيادته، وتنقــصومنها كذلك:

وو ةبنقصانه " فخ و ن لإ لم"نو فؤ "م فل وما ا .]10[الحجرات: " لإب ن

عدم الكترا:ث بتـضـييع اـلـوقت ـفـي ـتـوافه الـمـور،ومن مظاهر ضعف اليمان:

والمجالس الفارغة، ومشاهدة الفضائيات.

ـة بـيـن الـفـراد،ومنـهـا: ـعـدم النـضـباط بـضـوابط الـشـرع ـفـي المـعـاملت المادـي

ونوبخاصة بين الشركاء " لذدي ب ال اب لتت "ض لإ فعتت وعولتتى وب فم "ه "ضت فع لغت ي وب فب وي لء ول وطا "خول ون افل م ل ارا وكلثي ب ن وولإ

لت وحا ب صالل لم"لوا ال وع وو وم"نوا . ]24[ص: " آ

عدم الحزن على فوات الطاعة، أو الوقوع في المعصية..ومنها كذلك:

يقول عبد ال بن مسعود: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخا ف أن يقع

46

Page 47: التوازن التربوي

(أي: نـحـاه بـيـده أو)29(عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا

. دفعه)

اليمان يصنع المعجزات:

وفي المقابل.. كلما قوى اليمان تحسن السلوك بشكل تلقائي، واقتربت المسافة بين

اما طاقة، وقوة دافعة للقيام بأعمال البر القول والفعل، وكيف ل واليمان الحي يولد دو

المختلفة حسبما يقتضيه الوقت والظرو ف.

ارا طيبـة " اما- ثما "هللتت.. اليمان هو الشجرة المباركة التي تثمر -دو وب ا ور وضتت وف فيتت وك ور فم وتتت وأولتت

لء وما ب س لف ي ال وها "ع فر وووف وها وثالب ت فص"ل "ة وأ وطيوب "ة ور وج وش وك ل اة وطيوب ل اة وم وكلل ل اال ل نوموث فذ "ن لبلإ لحي ب ل "ك وها "كول فؤلت ي "أ "ت

وها .]25، 24[إبراهيم: " ورب

.. اليمان يدفع الـمـرء لـبـذل أقـصـى ـمـا يمـكـن بـذله ـفـي ـسـبيل رـضـى رـبـه، ـفـتراه

ارا بالمعرو ف، ناهايا عن المنكر. اصا على دعوة الناس، آم حري

بـشـعلة ـمـن النـشـاط، ل يـهـدأ، ول يـكـل، ول صاحب اليمان الحي شخص إيـجـابي،

ـل اعا لفعل الخيرات في ـك اما مسار يمل من تبليغ دعوة ربه ودللة خلقه عليه.. نجده دو

التجاهات.. ينتظر أي باب يفتح أمامه للتقرب إلى ال ليلج فيه.

.. روى النسائي عن أبي سعيد بن المعلى ـقـال: كـنـا نـغـدو إـلـى المـسـجد عـلـى عـهـد

ـصـلى اـلـ علـيـه فنـصـلى، فمررـنـا يوـمـا ورـسـول اـلـ صلى ال عليه وسلمرسول ال

هذهصلى ال عليه وسلم قاعد على المنبر، فقلت: لقد حد:ث أمر، فقرأ رسول ال وسلم

ورالية " فط وشتت وك وهتت فج وو ل وو وفتت وها وضتتا فر ل اة وت فبولتت لق وك ويب نتت وول وفول"ن لء وما ب ستت لفتت ي ال وك له فج وو وب وقل ور ى وت فد ون وق

لم ورا وح فل لد ا لج فس وم فل .]144[البقرة: " ا

حتى فرغ من الية، فقلت لصاحبي: تعال نركع ركعتين قـبـل أن يـنـزل رـسـول اـلـ

29 ).6308( ) ريواه البخاري (

47

Page 48: التوازن التربوي

، فنكون أول من صلى (في اتجاه الكعبة)، فتوارينا فصليناها، ثــمصلى ال عليه وسلم

. )30(، وصلى بالناس الظهر يومئذصلى ال عليه وسلمنزل النبي

.. كلما ازداد اليمان ودخل نوره القلب، انفتـح القلـب وانشـرح ودبـت الحيـاة فيـه،

وشعر صاحبه بالسكينة والطمأنينة، وزاد انتـبـاهه ويقظـتـه، وكلـمـا اـسـتيقظ القـلـب ـمـن

غفلته زاد تشميره للسعي نحو الخرة، وـقـل اهتـمـامه باـلـدنيا ورغبـتـه فيـهـا، واـشـتدت

رغبته فيما عند ال، وانعكس ذلك في تعامله مع المال، فيزداد إنفاقه له..

يجلـس بيـنصـلى الـ عليـه وسـلم.. في يوم مـن اليـام، وبينمـا كـان رسـول الـ

"هأصحابه إذ تل عليهم قوله تعالى: " "ه ول وف لع وضا وف"ي وسل انا وح ل اضا فر وق وهلل "ض ا لر فق لذ ي "دي وذا اب ل "ومن

ـصـلى اـلـ، فإذا بأحد الحاضرين وهو «أـبـو الدـحـداح» يـقـول لرـسـول اـلـ ]11[الحديد:

: أيستقرضنا ال؟عليه وسلم

».نعم: «صلى ال عليه وسلمفيجيبه

فيقول له: لقد أقرضت ربي حائطي (بستاني)..

هذا البستان كان به من النخل ما يقارب الستمائة نخلة.

وانطلق الرجل إلى البـسـتان، وـمـا إن وـصـل إلـيـه ـحـتى ـنـادى عـلـى زوجـتـه: ـيـا أم

الدحداح هيا بنا نخرج من البستان فقد أقرضته ربي.

.)31(فقالت المرأة الصالحة لزوجها: ربح البيع أبا الدحداح.. ربح البيع أبا الدحداح

الحارس المين:

اليمان الحـي يقـوي الـوازع الـداخلي ليكـون بمثابـة الحـارس اليقـظ الـذي يراقـب

ـصـاحبه فيـدفعه إلـى عـمـل الـصـالحات، ويبـعـده ـعـن المعاـصـي والشـبهات.. ل يـدعه

30 - مكتبة العبيكان.168/ 1( ) تفسير القرآن العظيم لبن كثير

31( ) ريواه الطبرايني.

48

Page 49: التوازن التربوي

يشارك في غيبة أو نميمة.. يدفعه لتحري الصدق والتحـلـي ـبـه، وإـلـى الوـفـاء بالوـعـد،

ورد المانة.

عن عائشة -رضي ال عنها- قالت: كان لبي بكر رضي ال عـنـه غلم بيـخـرج ـلـه

اعا اما بشيء، ووافق من أبي بكر جو الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يو

فأكل منه لقمة قبل أن يسأل عنه، فقال له الغلم: تـدري مـا هـذا؟ فقـال أبـو بكـر: ومـا

هو؟ قال: كنت تكهنت لنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة، ولكني خدعته، فلقيني

فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر إصبعه فـي فـيـه، فـقـاء ـكـل شـيء

.)32(في بطنه

الديما ن وحل المشكالت:

كلما قوى اليمان في القلوب نقصت وقلت المشكلت بين الناس، لن كل مشكلت

النسان -كما يقول أبو الحسن الندوي- نبعت من عبادة النفس والـشـهوات، نبـعـت ـمـن

النانـيـة.. نبـعـت ـمـن النـظـر القاـصـر المـحـدود.. نبـعـت ـمـن ـحـب الرئاـسـة.. واليـمـان

.)33(يستطيع أن يتغلب على كل هذا، ويصنع من المة أمة جديدة

ويكفيك لتأكيد هذا المعنى أن تعلم أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه عندما تولى الخلفة

قام بتعيين عمر بن الخطاب رضي ال عنه قاضايا على المدينة، فمكث عـمـر ـسـنة ـلـم يفتـتـح

ىـمـ من جلسة، ولم يختصم إليه اثنان، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال له أبو بـكـر: ي أ

مشقة القضاء تطلب العفاء يا عمر؟!

فقال: ل يا خليفة رسول ال، ولكن ل حاجة بي عند قوم مؤمنين، ـعـر ف ـكـل منـهـم

ـل ما له من حق فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه.. أحب ـك

منهم لخيه ما يحبه لنفسه.. إذا غاب أحدهم تفـقـدوه، وإذا ـمـرض أـحـدهم ـعـادوه، وإذا

32( ) ريواه البخاري.

33.23( ) ينفحات اليمان لبي الحسن النديوي ص

49

Page 50: التوازن التربوي

افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه.. دينهم النصيحة، وخلقهم المر

بالمعرو ف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون؟ ففيم يختصمون؟!

اليقظة الدائمة:

ـذه ـدينا.. ـه كلما قوي اليمان وتمكن نوره من القلب ازدادت حالة اليقظة والنتباه ـل

الحالة هي التي ستجعل معاملتـنـا ـمـع اـلـ ل ـمـع غـيـره، فحـيـن بنعـطـي الـصـدقة للفقـيـر

"ذنستشعر أن ال هو الذي يأخذها " "ختت وووديفأ له لد لعوبا فن وع وة فووب "ل الب ت فقوب وو ودي "ه وهلل ب ن ا "موا وأ فعول فم ودي وأول

لت وقا ود ب ص .]104 [التوبة: "ال

حالة النتـبـاه ـهـي اـلـتي ـسـتجعلنا ـنـزن ـكـل ـشـيء بمـيـزان الـشـرع، فـيـزداد اـلـورع

والخو ف من الوقوع في دائرة الشبهات.

اـمـا للـسـتيقاظ قـبـل الفـجـر لمناـجـاة اـلـ، وـبـث .. حالة النتباه هي اـلـتي ـسـتدفعنا دو

شكوانا إليه والتعبير عن حبنا وشوقنا له.

.. حالة النتباه هي التي ستجعلنا دوما نحافظ على صلة الفجر في المـسـجد، وـهـي

اـلـتي ـسـتبعدنا ـعـن إـهـدار الوـقـات فيـمـا ل نـفـع فـيـه، وتـصـرفنا ـعـن ـكـثرة مـشـاهدة

الفضائيات.

غر مـن حجـم ي ـصـ .. ستدفعنا هذه الحالة إلى القيام بواجبـات اـلـدعوة خـيـر قـيـام، وسبت

الدنيا في أعيننا، وستقلل طمعنا فيما في أيدي الناس.

.. ومع احتمالية وقوعنا في زلت وغفلت نتيجة ضعفنا البشري، فإن ـهـذه الـحـال

ومستدفعنا -بعون ال- للنهوض من الكبوة وـسـرعة التوـبـة وتجدـيـد العـهـد ـمـع اـلـ " فعتت لن

ب وا ب "ه وأ "د لإب ن فب وع فل .]30[ص: " ا

هكذا كان حال الصحابة:

ـاه ـة انتـب الملحظ أن السمة العامة للصحابة -رضوان ال عليهم- أنهم كانوا في حاـل

50

Page 51: التوازن التربوي

ويقظة، وليس أدل على ذلك من ـسـرعة إذـعـانهم واـسـتجابتهم لربـهـم ولرـسـوله، فـهـذا

حنظلة يسمع منادي الجهاد وقد كان في هذا الوقت في فراشه مع زوجته، فماذا فعل؟!

سارع يلبي النداء دون أن يفكر في أي شـيء آخـر... حـتى الغسـل لـم يفكـر فيـه...

ىهد، وعندما أراد الصحابة دفنه وجدوا بدنه يقطــر بش بحد واست والتحق مع المسلمين في بأ

بأن الملئكـة قـد غـسـلته، بعـد أن عـر فصلى ال عليه وسلمماء فأخبرهم رسول ال

من زوجته الحالة التي خرج بها.

ترى ما الذي دفع حنظلة لفعل ذلك؟!

ال و.... ثـم يخـرج بعـد ذلـك؟! لكنـه سـارع ألم يكن مـن الولـى أن يجهـز نفسـه أو

بالخروج انطلاقا من حالة اليقـظـة القلبـيـة اـلـتي ـكـان يعيـشـها ـحـتى وإن ـكـان ـفـي أـشـد

لحظات الستمتاع بالدنيا.

ارا إذ ـجـاء رجـل وفي يوم من اليام كان أنس بن مالك يسقي أبا طلحـة وغـيـره خمـ

بحرـمـت الخـمـر. ـقـالوا: أـهـرق ـهـذه فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فـقـالوا: وـمـا ذاك؟ فـقـال:

القلل يا أنس.

.)34(قال أنس: فما سألوا عنها ول راجعوها بعد خبر الرجل

ـهألم يكن من الطبيعي أن يستوثقوا من الخبر بأن يذهبوا لرسول ال ـ علـي صلى اـل

فيعرفوا طبيعة المر وحقيقة التحريم قبل أن يتخذوا أي إجراء؟!وسلم

لم يفعلوا ذلك، بل دفعتهم شدة حساسيتهم اليمانية، وورعهم ويقظتهم إلى ما فعلوه.

ـصـلى إـلـى بـيـتصلى ال عليه وسلم... وعن البراء رضي ال عنه أن رسول ال

ارا، وكان يعجبه أن تكون قبلته ىقبي ل البيت، ارا أو سبعة عشر شه المقدس ستة عشر شه

وأنه صلى صلة العصر وصلى معه قوم، فخرج رـجـل مـمـن ـصـلى مـعـه فـمـر عـلـى

34 ).4251( ) صحيح البخاري (

51

Page 52: التوازن التربوي

ـصـلى اـلـ علـيـه وـسـلمأهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بال لقد صليت مع النبي

ىقـي بل مكة، فداروا كما هم ىقي بل البيت.

ويقول عمارة بن أوس رضي ال عنه: بينما نـحـن ـفـي الـصـلة نـحـو بـيـت المـقـدس

ولت إـلـى الكعـبـة؛ ـقـال: فأـشـهد عـلـى ونحن ركوع إذا نادى مناد بالباب: إن القبلة قد ح

.)35(إمامنا أنه انحر ف فتحول هو والرجال والصبيان وهم ركوع نحو الكعبة

أرأيت -أخي- كـيـف اسـتجاب هـؤلء الخـيـار بهـذه الـسـرعة لكلمـة ـسـمعوها وهـم

راكعون؟! مع العلم بأنهم لو كانوا قد أكملوا صـلتهم علـى وضـعهم الول لمـا لمهـم

أحد؟

* * *

35.168/ 1( ) تفسير القرآن العظيم

52

Page 53: التوازن التربوي

مستهدف التربية الديمانية:

الهد ف القريب الذي ينبغي أن تحققه التربية اليمانية هو زـيـادة اليـمـان ـفـي القـلـب

حتى يعلو على الهوى، أو بمعنى آخر: زيادة اليمان في القلـب بالدرجـة الـتي تـوقظه

من غفلته وتجعله في حالة من اليقظة والنتباه، ومظاهر هذه الحال قد ذكرـهـا رـسـول

عندما سأله الصحابة عن علمات دخـول النـور القلـب فقـال:صلى ال عليه وسلمال

النابتتة إلتتى دار الخلتتود، والتجتتاف ي عتتن دار الغتترور، واالستتتعداد للمتتوت قبتتل«

.)36(»نزوله

ـا .. هذا هو الهد ف القريب الذي إن تحقق فعلينا أل نقف عنده ونكتفي ـبـه، ـبـل عليـن

أن نسعى لتحقيق الهد ف البعيد وهو تمكين وهيمنة اليـمـان عـلـى القـلـب ـحـتى تتـحـرر

اما يستقبل الحدا:ث ويتعامل مع مستجدات الحياة بدوافع إيمانية إرادته ويصبح قلابا سلي

وعللي م" "ء ف ي وش ل "ك "هلل لب ووا "ه وب وقفل لد فه لهلل ودي فن لبا لم فؤ ومن "دي ، فكل ما يصيبه حينـئـذ]11[التغابن: " وو

ارا «ومعاملة إيمانية» كما قال عجل ابا ألمر المؤمن،: «صلى ال عليه وسلميجد له تفسي

ل ارا لتته، إ ن أمره كله له خير، وليس ذلك إال للمؤمن، إ ن أصابته سراء شكر وكا ن خيتت

ل ارا له .)37(»وإ ن أصابته ضراء صبر فكا ن خي

.. التربية اليمانية الصحيحة أن تصل بالمرء إلى تنوير قلبه، حتى يصبح قلابا

أبيض، فتستنير بصيرته، وتعلو حساسيته تجاه كل ما يرضى ال عز وجل فيتسابق

إلى فعله، وإلى كل ما يبغضه فيسارع إلى تركه.

ىخضع مشاعر النسان ل عز وجل كما قال صلى ال.. التربية اليمانية عليها أن بت

متتن أحتتب هللتت، وأبغتتض هللتت، وأعطتتى هللتت، ومنتتع هللتت، فقتتد استتتكمل: «علـيـه وـسـلم

36( ) ريواه الحاكم يوالبيهقي في الزهد.

37( ) ريواه مسلم.

53

Page 54: التوازن التربوي

.)38(»الديما ن

غاية التربية اليمانية الوصول لمرحلة الحـسـان اـلـتي ذـكـرت ـفـي ـحـديث جبرـيـل

.)39(»أ ن تعبد اهلل كأنك تراهالمشهور: «

* * *

38 ). 5965( ) صحيح، ريواه أبو دايود يوصححه اللبايني في صحيح الجامع (

39( ) ريواه مسلم.

54

Page 55: التوازن التربوي

المحور الثالث

النفس وضرورة تزكيتها

كان «زيد» وصديقه يعملن سويا في شركة من الـشـركات، وكاـنـا مـمـن بيحـسـبون

على أصحاب التوجه السلمي من حيث المحافظة على أداء الصلوات، واللتزام إلى

حد ما بضوابط السلم وهديه.

وفي يوم من اليام، وبينما كانا يقومان بأداء عمل مشـترك إذ حـد:ث خطـأ مـا، كـان

زيد هو المتسبب فيه، فلمه صـديقه علـى خطئـه وخاصـة أن وضـعه فـي الشـركة قـد

ادا ـلـم يـعـتر ف بخطـئـه، ـبـل واعـتـبر أن ـصـديقه ـهـو يتأثر بسبب ـهـذا الخـطـأ، إل أن زـيـ

المخطئ، وأراد أن يؤكد ذلك له فاقترح عليه أن يقوم (فلن) صديقهما بالتحكيم بينهـمـا

ادا هو المخطئ.. وتحديد المخطئ، فذهبا إليه وقصا عليه ما حد:ث، فكان قراره بأن زي

استشاط زيد غضابا واعتبر ذلك التحكيم «محاباة» لـصـديقه فطـلـب أن يحتكـمـا إـلـى

آخر، وتم له ما أراد ليكون قرار الحكم الثاني ـبـأنه ـهـو المخـطـئ.. ازداد غـضـب زـيـد

اضـا بالمجاملـة والمحابـاة لنـه تربطـه وطلب حكما ثالاثا بعـد أن اتهـم الحكـم الثـاني أي

بصديقه صلة قديمة و...، فذهبا للـثـالث ويـسـتمع إليهـمـا بإمـعـان ـثـم يـكـون حكـمـه مـثـل

ادا هو المخطئ وعليه العتذار لصديقه... فهل رضخ زيد لهذا المر؟! سابقيه بأن زي

ـاته، للسف لم يحد:ث هذا بل ازداد غضبه واتهامه للجميع بمجاملة صــاحبه ومحاـب

وأن هناك مصالح بينهم وبينه تدفعهم للنحياز له.

ادا .. هذه قصة حقيقية، وليست من نسج الخيال، ليبـقـى الـسـؤال: ـمـا اـلـذي ـيـدفع زـيـ

ـان، للتشبث بموقفه الرافض للعترا ف بخطئه -الظاهر البين- الذي لم يختلف عليه اثـن

وخاصة أن اعترافه بخطئه لن يترتب عليه عقوبات تصيبه؟

55

Page 56: التوازن التربوي

هل لنه ل يريد أن يظهر بمظهر المخطئ؟!

هل لن نفسه تأبى عليه العترا ف بذلك؟!

اطا من قدره؟! هل لنه يعتبر هذا العترا ف منقصة في حقه، وح

بل شك هناك سبب داخلي في ذات زيد دفعه لتخاذ هذا الموـقـف اـلـذي تـكـرر مـنـه

في مواقف كثيرة سابقة، فتشبثه برأـيـه، وـعـدم اـعـترافه بخطـئـه بـهـذه الطريـقـة يعـكـس

ال من أن يقودها إلى التواضع وخـفـض الجنـاح للخريـن ال في تعامله مع نفسه، فبد خل

ال من أن يـقـوم ـبـذلك، ـحـد:ث والعترا ف بالخطأ عند الوقوع فيه، والعتذار عنه.... بد

العكس فقادته نفسه إلى الشعور بالعزة الزائفة والتمـيـز عـلـى الخرـيـن، فـكـان مـنـه ـمـا

كان في الموقف السابق وغيره من المواقف المشابهة.

.. هذه للسف ليست مشكلة زيد فقط، ولكنها مشكلة متكررة، قد نراـهـا ـفـي أـمـاكن

ارا سلبية خطيرة. كثيرة، ونشاهد معها آثا

من هنا تظهر قيمة وأهمية التعر ف على النفس، وضرورة جهادها وتزكيتها.

ما ه ي النفس؟!

ي مع الشهوات داـخـل النـسـان، ـلـذلك فـمـن طبيعتـهـا أنـهـا ي م مج من تعريفات النفس أنها

اما لتحقيق ما تهوى وترغب، وتريد أن يكون لها حظ ونصيب في ـكـل عـمـل تطمح دو

يقوم به النسان دون النظر إلى عواقب ذلك، كالطـفـل اـلـذي يـقـوم بالـضـغط واللـحـاح

ب نعلى أبويه للحصول على شيء قد يكون فيه ضرره، فالنفس كما وـصـفها الـقـرآن " لإ

لء سو ور ة لبال ب ما وس أل فف .]53[يوسف: " الب ن

وهي ل تأمر بالسوء لحب السوء في ذاته، ولكن ظانا منها بإمكانية تحصيل الشهوة

منه.

56

Page 57: التوازن التربوي

اـعـا .. ومن صفاتها أنها شحيحة تحب الستئثار بكل شيء فـيـه نـفـع لـهـا وـلـو ـكـان نف

ادا " ب حمحدو ش "س ال "ف لت األفن ور لض فح .]128[النساء: " وو"أ

ـة ـض وتربـي ـدون تروـي ـا صــاحبها ـب ـان إذا تركـه ـور والطغـي ـة للفـج ـديها القابلـي .. ـل

بروـضـت وزكـيـت " "سومتابعة.. ولديها كذلك القابلية للستكانة والتطوـيـع إذا ـمـا ففتت ووون

وها ب وا وس وما وهاوو ووا فق وووت وها ور "جو "ف وها وم وه فل وفوأ .]8، 7[الشمس: "

.. أشد ما يسعدها شعورها بالتميز عن الخرين، وأشد ما يشقيها ويحزنها شعورها

بالنقص عنهم.

وهي ميدان التكليف.. من يزكيها يفلح ويـفـوز، وـمـن يتركـهـا دون تروـيـض يخـيـب

وها ويخسر " ب كا وز ومن وح ففول فد وأ وها وق ب سا ود ومن وب وخا فد وق .]10، 9[الشمس: " وو

ويكفي في بيان قوة طغيانها عندما بتترك بدون تزكية وتربية ما فعلته مع قوم ثمـود

عندما أبت عليهم نفوسهم اليمان بالية العظيمة (الناقة)، بل ودفعتهم إلى قتلهـا ليـحـق

وها عليهم العذاب الوبيل " ووا فغ وط "د لب "مو فت وث ب ذوب وها وك وقا فشتت وث وأ وع لذ انوب "ل لإ "ستتو ور فم "هتت ول ول وقتتا وف

وها فقويا "ستت وو لهللتت وة ا وقتت لهلل ونا وها ا ب وا وستت وف فم له وذنلب فم لبتت "هتت ورب فم لهتت في وعول وم فمتتد ود وف وهتتا "رو وق وع وف "ه ب ذ"بو وكتت "وف

.]14- 11[الشمس:

"هوكذلك ما فعلت بابن آدم عليه السلم " وقوتولتت وف له لخيتت ول وأ فتتت وق "ه "س فف "ه ون فت ول وع ب و وط ـدة:"وف [الماـئ

30[.

أقسام هو ى النفس:

اما إلى تحصيل الشهوات.. هذه الشهوات تنقسم إـلـى قـسـمين: النفس تهوى وتميل دو

ي. ي، وقسم خف قسم جل

هي اللذة الناتجة عن الطعام والشراب و...فالشهوة الجلية:

57

Page 58: التوازن التربوي

فهي تلك اللذة الناتجة عن مدح الناس وثـنـائهم، وـكـذلك الـشـعورأما الشهوة الخفية:

بالعلو والتميز على الخرين، وارتفاع المنزلة عندهم، والتقدم عليهم.

ـه ولن النـفـس محبوـبـة، وـمـا ـتـدعو إلـيـه محـبـوب نـجـد الـكـثير ـمـن الـنـاس ل ينتـب

لخطورتها، بل ويسترسل مع هواها في تحصيل الشهوات -وبخاصة الخفيــة- دون أن

يدرك أنه بذلك يخونها ويظلمها عندما يتبع هواها، ويساهم في طغيانها، ويـقـتر ف ـمـن

أجلها الذنوب والمخالفات التي تستدعي وتستوجب العقاب اللهي ـفـي اـلـدنيا والـخـرة

و ن" "مو فظلل فم ودي "ه وس "ف فن وكا"نوا وأ فن لك ووول "هلل "م ا "ه وم وظول وما .]33[النحل: " وو

.. البعض قد يستشعر أهمية المعرفة، فينمي عقله بالعلوم النافـعـة، وـقـد ينتـبـه لقلـبـه

ـاله ـتربص بـكـل أعـم فيتعاهده بالوراد التي تزيد اليمان، ولكنه ينسى أن بداخله من ـي

ليأخذ نصيبه وحظه ولذته منها، فيتعرض بذلك عمله لخطر ـعـدم القـبـول.. إنـهـا نفـسـه

التي بين جنبيه.

الشهوة الخفية:

.. إذن فالنفس هي العقبة الكؤود بينـنـا وبيـن اـلـ ـعـز وـجـل، ولـقـد خلقـهـا اـلـ -ـعـز

وجل- بهذه الصفات ليختبر مدى صدق عبوديتنا له، فلول وجودها لما وـجـد العـبـد أي

مشقة في القيام بالطاعة، والخلص ل عز وجل.

وـشـهوات النـفـس الجلـيـة ـقـد ـضـبطها الـشـرع وـحـددها ـمـن حـيـث الحلل والـحـرام

والمباح والمكروه، لذلك فمن السهل على صاحب اليمان الحي أن يلتزم -بـعـون اـلـ-

بهذه الضوابط.

أما الشهوات الخفية فمع تحذير الشرع الشديد من السترسال معها إل أن الـكـثيرين

ل ينتبهون إلى هـذا التـحـذير ول يتـعـاملون مـعـه مـثـل تـعـاملهم الـحـذر والمنـضـبط ـمـع

الشهوات الجلية، وذلك لن الشهوة الخفية ألذ وأحب إلى النفس من الشهوة الجلية.

58

Page 59: التوازن التربوي

ومن أهـم الشـهوات الخفيـة الـتي تسـكر النفـوس، وتجعلهـا فـي حالـة مـن السـعادة

والنشوة: الشعور بالرضا عن النفس، والتميز ـعـن الخرـيـن، وعـلـو المنزـلـة عـنـدهم،

ـن وإذا أردت تخيل هذه المشاعر فما عليك إل أن تتذكر حالك عندما تتعرض للمدح ـم

غيرك...

ـاس ـد الـن .. ومن صور الشهوات الخفية التي تحرص عليها النفس: علو المنزلة عـن

من خلل تحسين وتجويد العمل أمامهم، وذكر ما خفى من العمال اليجابية لهم، كل

ذلك قد يفعله المرء من أجل اـسـتنطاق ـمـدحهم وثـنـائهم علـيـه، وعـلـو المنزـلـة عـنـدهم،

ومن ثم استجلب الشعور بالرـضـا ـعـن النـفـس... وـمـا أدراك ـمـا ـشـعور الرـضـا ـعـن

النفس وما فيه من لذة وحلوة!!

.. وليس حرص المرء على إظهار عمله أو التحد:ث عنه هو وـحـده اـلـذي يـسـتجلب

به مشاعر الرضا عن نفسه، بل هناك ما هو أخـطـر ـمـن ذـلـك لمكانيـة ملزمتـه لـكـل

عمل - في السر والعلن- أل وهو إعجاب المرء بعمله أو إمكاناته، واستعظامه لهما.

هذا المر إذا ما تـجـاوب مـعـه النـسـان واستـسـلم ـلـه ـفـإنه ـيـؤدي ـبـه إـلـى الـغـرور،

ـن، ورـفـض ـى الخرـي ـالي عـل ـى الـكـبر والتـع ـه ـكـذلك إـل ـؤدي ـب والنـخـداع بنفـسـه وـي

النـصـياع للـحـق والـعـترا ف بالخـطـأ، ويكـفـي أن إبلـيـس رـفـض أـمـر اـلـ ـعـز وـجـل

"هبالسجود لدم بسبب تمكن هذا المر منه " فن م وخفي ر ونا ول وأ .]12[العرا ف: " وقا

خطورة الرضا عن النفس والعجاب بها:

الرضا عن النفس والعجاب بهـا مـن أمـراض القلـوب، وهـو يحـبـط العـمـل الملزم لـه،

النتتادم دينتظتتر الرحمتتة، والمعجتتب: «صلى ال عليه وسلمويعرض صاحبه لمقت ال.. قال

. )40(»دينتظر المقت

40 ).7254( ) أخرجه البيهقي في شعب اليمان (

59

Page 60: التوازن التربوي

ب ظم ف ي نفسه، واختال ف ي مشيته، لقى اهلل وهو عليه غضبا نوقال: « .)41(»من تع

فأمتتا المهلكتتات:: «صلى ال علـيـه وـسـلموهو من المهلكات التي تهلك المرء. قال

.)42(»فشح مطاع، وهو ى متبع، وإعجاب المرء بنفسه

وقيل للسيدة عائشة رضي ال عنها: متى يكون الرـجـل مـسـيئا؟ ـقـالت: إذا ـظـن أـنـه

محسن.

بعجب يؤدي إلى الخذلن وقلة التوفيق " فم.. وال وفولتت فم "كتت ور"ت فث وك فم "كتت فت وجوب فع فذ وأ "ن لإ فيتت "حون وم فو ووودي

ون لردي فدلب م في"تم ووب ل ب م فت "ث "حوب ور وما "ض لب فر وأل "م ا "ك في وعول فت وق وضا وو وشفيل ائا فم "ك وعن لن فغ .]25[التوبة: ""ت

وعندما توالت انتصارات خالد بن الوليد رضي ال عنه في العراق، بعث إلـيـه أـبـو

بعـجـب فـقـال ـلـه: بكر الصديق رضي ال عنه برسالة يهنئه على النصر ويحذره ـمـن ال

فليهنئك أبا سـليمان النيـة والحظـوة، فـأتمم يتمـم الـ لـك، ول يـدخلنك عجـب فتخسـر

دل بعمل فإن ال له المن وهو ولي الجزاء .)43(وتخذل، وإياك أن بت

"عجب؟! ما هو ال

العجاب بالنفس كما بيعرفه عبد ال ـبـن المـبـارك: «أن ـتـرى أن عـنـدك ـشـيائا لـيـس

.)44(عند غيرك»

بضبلهم بها فقد تلـبـس فعندما يرى المرء أنه يملك أشياء ذاتية ل يملكها غيره، وأنه يي ف

بالعجب.

وعندما يرى المرء أنه يملك أشياء ذاتية يمكنه -من خلل الستعانة بها- تحقيق ـمـا

يريد فقد تلبس بالعجب.

41 ).6157( ) صحيح، ريواه الما م أحمد، يوالبخاري في الدب المفرد، يوأيورده اللبايني في صحيح الجامع (

42 ).3045( ) حسن: أخرجه الطيالسي عن ابن عمر، يوأيورده اللبايني في صحيح الجامع (

43.385/ 3 – دار اليندلس الخضراء- جدة – ينقل عن تاريخ الطبري 129( ) الخفياء لوليد سعيد باحكم ص

44 -مؤسسة الرسالة- بيريوت.407/ 8( ) سير أعل م النبلء للذهبي

60

Page 61: التوازن التربوي

فإن قلت: ولكني بالفعـل عنـدي أشـياء ليسـت عنـد غيـري.. عنـدي صـوت حسـن،

عندي سرعة بديهة، عندي مقدرة على الستيعاب.

لهللتتفي الحقيقة هذه الشياء ما هي إل إمكانات وهبها ال لك، فهي ملك لربك " "لإب نا

.]156[البقرة:

ب نوقد أعارك إياها لجل مـسـمى " لهتت لفي ومتتا وو لض فر وأل ووا لت ووا وما ب ستت "ك ال "مفلتت ـدة:"لهللتت [الماـئ

120[.

"عوسيستردها منك متى شاء " لز وووتنتت "ء وشتتا ومتتن وت وك "مفلتت فل فؤلت ي ا لك "تتت "مفلتت فل وك ا وماللتت ب م "ه لل الب ل "ق

"ء وشا فن وت ب م لم وك "مفل فل و ن،"]26[آل عمران: " ا "عو وج فر فيونا "دي وولإول وها في وعول فن وم وو وض فر وأل "ث ا لر ون "ن فح ون "لإب نا

.]40[مريم:

.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه المكانات ل يمكنـهـا بـذاتها أن بتـحـد:ث

وتنشئ النتائج، فال عز وجل ـهـو اـلـذي يـبـث فيـهـا الفاعلـيـة لحـظـة بلحـظـة، وآاـنـا ـبـآ ن

وكى" فب وووأ وك وح فض وو وأ "ه "ه .]43[القمر: " وووأب ن

لر" فح فلوب ووا ر وب فل لف ي ا فم "ك "ر وسي لذ ي "دي وو اب ل .]22[يونس: " "ه

ـدون فكيف بتعجب بشيء ليس ملكك؟ وكيف تفرح بشيء ل يمكنك استخدامه ول تفعيله ـب

مدد ال؟

.. إذا أردت أن تعجب وتفرح، فافرح بربك الذي وهبك هذه المكانات، ومكنك من

لهاستخدامها " فضلل وف لمن "هلل "م ا "ه وتا وما آ ون لب لحي لر .]170[آل عمران: " وف

.. هذا بخصوص العجاب بالنفس وبإمكاناتها.

أما العجاب بالعمل فهو أن ينسب المرء أي نجاح يحققه لنفسه، وينسى أن ال عز

وجل هو المتفضل عليه بالعانة والتوفيق والمداد.

61

Page 62: التوازن التربوي

قال المحاسبي: «العجب هو حمد النفس على ما عملت أو علمـت، ونسـيان أن النعـم مـن

.)45(ال عز وجل»

(والعجب خاطر يهيج في داخلك يدعوك لـسـتعظام عمـلـك واـسـتكثاره، فتـقـول ـفـي

نفسك: لقد قويت وصبرت واستطعت فعل كذا.. لقد جاهدت.. لقد فهـمـت ـكـذا.. ـصـمت

اـمـا لـهـا، ـمـع نـسـيان احا ـمـن نفـسـك بقوتـهـا، معظ في يوم شديد الحر.. لقد أنفقت كذا، فر

.)46(نعمة ال عليك في القيام بذلك)

"عجب العمل؟ لماذا ديحبط ال

ـه، ـى أداـئ اصا لوجهه، واسبتعين به -سبحانه- عـل ال عز وجل ل يقبل إل ما كان خال

أما المعجب فيستعين بنفسه أكثر مما يستعين بال، لذلك قال ابن تيمية:

بمعجب بنفسه ل يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي ل يحقق إياك نعبد». «ال

بعجب يحبط العمل الصالح الذي لزمه لنه ينافي الخلص ل عز وجل. فال

.. كان المسيح عليه السلم يقول: «يا معشر الـحـواريين ـكـم ـمـن سـراج ـقـد أطـفـأته

. )47(الريح، وكم من عابد قد أفسده العجب»

لو لم تكونوا تذنبو ن، لخفتتت: «صلى ال عليه وسلممن هنا ندرك خطورة تحذيره

"عجب "عجب، ال .)48(»عليكم ما هو أكبر منه: ال

ادا فيـقـول: إـيـاكم والعـجـب، ـفـإن العـجـب مهلـكـة ارا ـشـدي ويطلق يحيى بن معاذ تـحـذي

ـا ويـصـبح اـم لهله، وإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. فالذي يبيت نائ

اما ويصبح معجابا. نادما، خير ممن يبيت قائ

45 – دار اليقين- المنصورة.420( ) الرعاية لحقوق ال للمحاسبي ص

46.422، 421( ) المصدر السابق ص

47( ) الزهد للما م أحمد.

48 ).5303( ) صحيح الجامع الصغير (

62

Page 63: التوازن التربوي

.)49(وقال ابن الحاج في المدخل: من كان في نفسه شيء فهو عند ال ل شيء

ل احا ترضاه: وأ ن أعمل صال

ـوس إن ادا إلى النـف الرضا عن النفس والعجاب بها مرض خطير يعر ف طريقه جي

لم يتم النتباه إليه والتح صن ضده، والوقو ف له بالمرصاد.

اعا أنه ليست العبرة في أداء المـرء للعمـل الصـالح فقـط، بـل فـي إحسـان هـذا ولنعلم جمي

العمل، وأل تخالطه آفة تفسده، وأعظم آفة تفسد العمل هو إعجاب المرء به، واستعظامه له،

والدلل به، واستشعار صاحبه أن له منزلة خاصة عند ال، أو عند الناس بسبب قيامه بهذا

"رالعمل " فكلث فسوت فن وت فم"ن وال وت .]6[المدثر: " وو

ول.. لـبـد وأن يـكـون ـشـعارنا ونـحـن نـقـوم بالعـمـل ـقـول العـبـد الـصـالح: " ومتت فع ف ن وأ وووأ

"ه وضا فر .]15[الحقا ف: " وصاللحل اتا وت

عـلـى الـمـرء أن يعـمـل العـمـل وأن يجتـهـد ـفـي أن يـكـون ـتـوجههأو بعبارة أـخـرى:

وقصده ونيته التي تحركه للقيام بهذا العمل هو ابتغاء رضى ال، ولـيـس ـهـذا فحـسـب،

لهبل عليه أن يستعين به سبحانه على أداء هذا العمل " في وعول فل ب ك وو وووت "ه فد فع"ب ]123[هــود: " وفا

لهللتتوبعد العمل، عليه أن يفرح بربه أن أـعـانه ووفـقـه للقـيـام بهـذا العمـل " لل ا فضتت وف فل لب "قتت

"حوا ور فف وي وففل وك وذلل وفلب له وملت فح ور ـي]58[يونس: " وولب ، وعليه كذلك أن يلزمه الشعور بالتقصير ـف

اءا جنب ال، ومن ـثـم الـسـتغفار لن ـهـذا العـمـل ل يلـيـق بجلـلـه، ول يـوفي وـلـو ـجـز

ي دي منه المستحق عليه.. دين النعم المتوالية بالليل والنهار بشتى ارا من حقه سبحانه، و يسي

أنواعها.

ويدل على أهمية ملزمة هذا الشعور للعبد بعد نجاحه في أداء الطاعة قوله تعالى:

وهللتت" "روا ا لف فغ وت فستت ووا "س وض الب نتتا وفا "ث وأ وحفي فن لم "ضوا لفي ب م وأ وء وـقـوله: "]199[البـقـرة: " "ث وجتتا وذا لإ

49 – دار الكتب العلمية -بيريوت.25/ 2( ) المدخل لبن الحاج

63

Page 64: التوازن التربوي

"ح فت وف فل ووا لهلل "ر ا فص ل اجتتا ون ووا فف لهلل وأ لن ا لددي لف ي و ن "خ"لو فد وس ودي وت الب نا فدي وروأ وك وو وربتت لد فمتت وح فح لب وستتب وف

ل ابا ب وا و ن وت وكا "ه "ه لإب ن فر لف فغ فسوت .[سورة النصر]" ووا

جاء في كتاب الزهد للمام أحمد أن نبي ال موسى عليه الـسـلم ـمـر برـجـل ـيـدعو

ويتضرع، فقال: ـيـا رب ارحـمـه، ـفـأوحى اـلـ إلـيـه: ـلـو دـعـاني ـحـتى تنقـطـع ـقـواه ـمـا

. )50(استجبت له حتى ينظر في حقي عليه

فإن لم نفعل ذلك، وإن سكن المرء إلى نفسه، واسـتعان بإمكاـنـاته عنـد أداء العـمـل،

ولم يستعن بربه استعانة حقيقية، ولم ينسب الفضل إلـيـه، وأعـجـب بنفـسـه بـعـد العـمـل،

رض هذا العمل للحباط والعياذ بال. فقد ع

ماذا لو أهملت التربية النفسية؟!

عندما يهمل المرء تزكية نفسه فمن المتوقع أن تظهر عليه، وعلى الدائرة المحيطة

به الكثير من الثار السلبية.. هذه الـثـار ـسـتتفاوت ـمـن ـشـخص لـخـر بحـسـب درـجـة

إهمال تزكية النفس.

ي ـجـب بنفـسـه عـلـى الـحـديث ـفـي أي لـقـاءفمن تلك الـثـار المتوقـعـة: بمع اـسـتحواذ ال

يجمعه مع غيره لنه يرى أنه أحسن من يتكلم.

را على فرض رأـيـه عـلـى ول له نفسه أنه أحسن من يفكر، لذلك قد تجده مص وسبتس

ـا بمعرضا عن الستماع إلى آراء الخرين، بل قد يسفه آراءهم، ول يقيم لـه من حوله،

ارا. اعتبا

إكثاره من نصح الخرين وتـوجيههم، ونقـد آرائهـم وأفعـالهم، .. ومن تلك الثار:

وفي نفس الوقت تجده ل يقبل النصح من أحد وخاصة من أقرانه أو ـمـن ـهـم أـقـل مـنـه

سنا أو شأنا، ول يسمح لحد بنقد آرائه أو أفعاله.

50 – دار الكتب العلمية. 88( ) الزهد للما م أحمد ص

64

Page 65: التوازن التربوي

.. يصعب عليه العترا ف بخطئه، ويجتهد في تبرئة نفسه ـمـن أي اتـهـام بالتقـصـير

ولو اضطره ذلك إلى الكذب أو اتهام الخرين بالتجني عليه وظلمه.

.. إذا ما تولي رئاسة عمل (ما) تراه شعلة نشاط، فإذا ـمـا ـتـم ـتـأخيره وـلـو لخـطـوة

دم غيره عليه؛ أصابه الفتور، وأخذ يتهرب من أداء التـكـاليف، ـمـع تـصـيده ي وتق واحدة،

لخطاء من أخذ مكانه، وكثرة نقده والتقليل من شأن أعماله.

... ل يحب الناجحين من أقرانه، ويتحاشى الحديث عنهم، فإن اـضـطر ـلـذلك تـجـده

يجتهد في إبراز سلبياتهم، والتقليل من حجم نجاحهم.

.. عندما يتحد:ث في أي محفل فإنك تجـده دومـا يصـبغ كلمـه بالحـديث عـن نفسـه

(أنا.. لي.. عندي)، ول يمل من تكرار ذلك.

... ل يقوم بتفويض غيره من أقراـنـه، أو ـمـن يعمـل تحـت يـديه بـأداء أعـمـاله ذات

الصبغة التوجيهية ولو كانت صغيرة، لنه ل يري أن هناك من يمكـنـه أن ـيـؤدي مـثـل

أدائه المتفرد، ويوجه مثل توجيهه المتوحد.

.. كل هذه وغيره قد يؤدي إلى نفور الناس منه، وضيقهم من حديثه، وعدم العـمـل مـعـه

رحمه ال-: «إن نـصـف اـلـذكاء ـمـع التواـضـع-بتفان وحب، فكما يقول مصطفي السباعي

.)51(أحب إلى قلوب الناس وأنفع للمجتمع من ذكاء كامل مع الغرور»

نماذج مضيئة:

أدركت الجيال الولى خطورة إهمال تزكية النفس، والسكون إليها، والرضا عنها

وأدركوا أن أخطر آفة يمكن أن تصيب المرء هي أن ـيـذوق طـعـم نفـسـه، فيـطـوع ـكـل

ـدل أعماله وأقواله وحركاته لسعادها، وسقايتها ما تستلذ به فكانت أحوالهم وأقوالهم ـت

على ذلك.

51( ) هكذا علمتني الحياة لمصطفي السباعي.

65

Page 66: التوازن التربوي

ـد ـر الرـسـول محـم ـذا الـم ـي ـه ـدوتهم ـف ـان ـق ـد ـك ـلمولـق ـه وـس ـسـيدـصـلى اـلـ علـي

قـد بأتـي لـهصلى ال عليه وسـلمالمتواضعين.. أخرج ابن المبارك في الزهد أن النبي

بطعام فقالت له عائشة: لو أكلت يا نبي اـلـ وأـنـت متـكـئ ـكـان أـهـون علـيـك، فأـصـغي

بتتل آكتتل كمتتا ديأكتتل العبتتد وأنتتا جتتالس كمتتابجبهته حتى كاد يمس الرض بها وقال: «

.)52(»ديجلس العبد،فإنما أنا عبد

إ ن اهلل أوحى إلى أ ن تواضعوا حتى ال ديفخر أحد على أحد، وال ديبغ يومن أقوله: «

.)53(»أحد على أحد

رحتتم اهللتت: «صلى ال علـيـه وـسـلمومن صور استصغاره وتواضعه مع نفسه قوله

فع: "أخ ي ديوسف لو أنا أتان ي الرسول بعد طول الحبس ألسرعت الجابة حين قال لج فر ا

لة وو فس "ل الن وما وبا "ه فل فسوأ وفا وك ورب .)54(]50[يوسف: "» لإولى

هتتو ن عليتتك، فتتإن يوعندما دخل عليه رجل فأصابته من هيبته رـعـدة، فـقـال ـلـه: «

.)55(»لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قرديش تأكل القدديد

وهذا صاحبه أبو بكر الصديق -رضي ال عنه- يصعد على المنبر ـفـي أول خطـبـة

يخطبها بعد توليه الخلفة ويقول: «لقد وليت عليكم ولـسـت بخيرـكـم»، ـمـع إـنـه بـنـص

الحاديث النبوية خير المة، ولكنه لم يعش مع هذه الحقيـقـة، ولـم يتـجـاوب معهـا، بـل

كان دائم الحذر من نفسه، وكان يلبس خاتما بنىقش عليه: «عبد ذليل لرب جليل».

وتقول السيدة عائشة رضي ال عنها: لبست ـمـرة درـعـا ـلـي جدـيـدة فجعـلـت أنـظـر

إليها، فأعجبت بها. فقال أبو بكر: ما تنظرـيـن؟ إن اـلـ لـيـس بـنـاظر إلـيـك، قـلـت: وـمـم

ذاك؟ قال: أما علمت أن العبد إذا دخله العجب بزينة اـلـدنيا مقـتـه اـلـ ـعـز وـجـل ـحـتى

52 ).53 ) في زيادات ينعيم بن حماد ص (193( ) الزهد لبن المبارك برقم (

53( ) ريواه مسلم.

54 ).3491( ) صحيح، أخرجه الما م أحمد، يوصححه اللبايني في صحيح الجامع (

55 ).7052( ) صحيح الجامع الصغير (

66

Page 67: التوازن التربوي

يفارق تلك الزينة؟

.)56(قالت: فنزعته فتصدقت به.. فقال أبو بكر: عسي ذلك أن يكفر عنك

ـال: ـمـا زال الـشـيطان وهذا أبو عبيدة بن الجراح وقد أم قوما يوما، فلما انصر ف ـق

ادا .)57(بي آنفا حتى رأيت أن لي فضل على من خلفي، ل أؤم أب

ونادى عمر بن الخطاب يوما: الصلة جامعة.. وصعد المـنـبر وـقـال: أيـهـا الـنـاس،

لقد رأيتني أرعى على خالت ـلـي ـمـن بـنـي مـخـزوم فيقبـضـن ـلـي القبـضـة ـمـن التـمـر

والزبيب، فأظل في يوم وأي يوم.. ثم نزل!!

فقال عبد الرحمن بن عو ف: وال يا أمير المؤمنين ما زادت على أن قمئت نفسك.

فقال عمر: ويـحـك يـا اـبـن ـعـو ف، إنـي خـلـوت فحـدثتني نفـسـي فقـالت: أـنـت أميـر

المؤمنين فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن أعرفها نفسها.

ـت: وقال عروة: رأيت عمر بن الخطاب رضي ال عنه وعلى عاتقه قربة ماء، فقـل

ـي ـت ـف يا أمير المؤمنين ل ينبغي لك هذا، فقال: لما أتتني الوفود بالسمع والطاعة دخـل

نـفـس نـخـوة، فـأحببت أن أكـسـرها، ومضـى بالقرـبـة إلـى حـجـرة امـرأة مـن النـصـار

.)58(فأفرغها في إنائها

* * *

مستهدف التربية النفسية:

لما كانت تزكية النفس أمر غاية في الهمـيـة، ـكـان لـبـد ـمـن تعاـهـد الـمـرء لنفـسـه،

وعدم الطمئنان لها، أو الوثوق بها.

56.1/37، ينقل عن حلية اليولياء لبي ينعيم 98( ) العجب لعمر بن موسي ص

57.287 ) ص 834( ) الزهد لبن المبارك برقم (

58.5/435( ) صلح المة في علو الهمة للعفايني

67

Page 68: التوازن التربوي

لبد من تزكية النفس، وتربيتها على العبودية ـلـ عـز وجـل، والـتي تصـل بـالمرء

إلى اليقين بأنه بال وبإمداداته ل بنفسه العاجزة المارة بالسوء، وأن يـوقن كـذلك بـأن

"كتتمبينه وبين الكفر أن يتركه ال عز وجل: " لمن وكا وز وما "ه وم"ت فح ور وو فم "ك في وعول لهلل "ل ا فض وف وال فو ووول

ل ادا "د وأوب وح فن وأ ب ي، ألم يكن من دعاء إبراهيم -علـيـه الـسـلم-: "]21[النور: " م وووبلنتت فبلنتت ي فج"ن ووا

وم فصونا ود األ فع"ب .]35[إبراهيم: " وأ ن ب ن

..ويوقن أيضا بأن أي طاعة يؤديها فال -عز وجل- وحده هو اـلـذي أـعـانه وحـبـب

ـأنها أن إليه القيام بها، وبعث فيه القوة اللزمة لدائها، وأزاح عنه العوائق التي من ـش

ورب يتعطله عنها " ب ي لح ي لإول وما "ديو وفلب "ت فدي ود فهوت ل ن ا .]50[سبأ: " وولإ

.. التربية النفسية تهدف إلى: تحقيق نكرا ن الذات، وممارستتة التواضتتع بصتتورة

ل ارا، وأ ن ديتتر ى تلقائية غير متكلفة، وتهدف كذلك إلى أ ن ديكو ن المرء عند نفسه صتتغي

ل ادا فتإ ن العاقبتة الناس جميعا أفضل منه، كما ديقول المتام النتوو ي: «ال تستصتغر أحتت

ور نفستتك عليتته، فربمتتا وتتتت منطودية، والعبد ال ديدر ي بم ديختم له. فإذا رأديت عاصتتيا فال

كا ن ف ي علم اهللت أعلتى منتك مقامتا، وأنتتت متن الفاستتقين، وديصتتير ديشتفع فيتك ديتوم

القيامة...».

* * *

68

Page 69: التوازن التربوي

المحور الرابع

بذل الجهد ف ي سبيل اهلل

(التربية الحركية)

من طبيعـيـة النـسـان أي إنـسـان الحرـكـة وـبـذل الجـهـد ـفـي ـسـبيل تلبـيـة احتياـجـاته،

وتحقيق أهدافه، فالحركة دليل الحياة.

ـي .. هذه الحركة لبد لها من توجيه صحيح حتى تكون مثمرة، تؤدي إلى النجاح ـف

تحقيق هد ف وجود النسان على الرض.

فال -عز وجل- لم يخلقنا ويسكننا الرض لكي نأكل أو نشرب أو نتزوج، بل خلقنا

لداء اختبار العبودية له -سبحانه- بالغيب.

.. نعم، علينا ونحن نؤدي هذا الختبار أن نـقـوم بالمحافـظـة عـلـى أجـسـادنا والعـمـل

ـن على نموها الصحيح بالغذاء النافع حتى نستطيع أن نؤدي تكاليف الختبار، ولبد ـم

التزاوج حتى تظهر الجيال الجديدة التي قدر ال وجودها.. وهكذا.

ـة، وـعـدم ـار العبودـي ولن ال عز وجل يريد للناس جميعا الخير، والنجاح في اختـب

النشغال بزينة الحياة الدنيا فقد أرسل إليهم رسائل متعددة كان آخرـهـا رـسـالة الـقـرآن

و نوالتي كلف أمة السلم بنشرها في العالمين " "رو "م وتتتأ لس فت لللب نتتا وجتت لر فخ "ة "أ ب م ور "أ وخفي فم فن"ت "ك

لهلل و ن لبا لم"نو فؤ وو"ت لر وك فن "م فلت لن ا وع و ن فو وه فن وووت لف "رو فع وم فلت ، لذلك ـفـإن ـمـن أـهـم]110[آل عمران: " لبا

واجبات المسلم نشر دعوة السلم لستنقاذ كل من فيه خير وشوق إلى الهداية.

لهللتتفمن أحب العمال إلى ال دعوة الخلق إليه " وعتتا لإولتتى ا ود ب متتن م ل اال فو وق "ن وس فح فن وأ وم وو

ون لمي فسلل "م فل ون ا لم ول لإب نلن ي وووقا ل احا وصالل ول لم وع .]108 [فصلت: "وو

69

Page 70: التوازن التربوي

جومن أحب العمال إلى ال ـكـذلك ـبـذل الجـهـد ـفـي ـسـبيله: " وحا فلتتت وة ا ودي وقا لستت فم وعفل"تتت وج وأ

وال لهللتت لل ا لبي وستت لفتت ي ود وهتت وجا وو لر لختت وآل لم ا فو ويتت فل ووا لهلل ون لبتتا ومتت فن آ ومتت وك لم ورا فلحوتتت لد ا لج فس فلتموتتت وة ا ور وما لع وو

لهلل ود ا لعفن و ن "وو فسوت .]19[التوبة: " ودي

ل مصادمة للفطرة:

ليس المقصد من بذل الجهد في سبيل ال ترك الدنيا، والتفرغ لـلـدعوة؛ فالـسـلم ل

صلى ال عليه وسلميصادم الفطرة، بل يلبي احتياجاتها دون إفراط أو تفريط كما قال

.. فإ ن لجسدك عليتتك حقتتا،وإ ن لعينتتك عليتتك حقتتا، وإ ن لتتزوركلعبد ال بن عمرو: «

.)59(»عليك حقا، وإ ن لزوجك عليك حقا

اـصـا لتلبـيـة ارا ـمـن حرـكـة المـسـلم مخص اءا معـتـب فمن الضروري أن يكون هناك جز

احتياجاته، واحتياجات ـمـن يـعـولهم دون إخلل بواجـبـاته الدعوـيـة كـمـا ـسـيأتي بـيـانه.

ولكي يستفيد المرء من هذا الجزء المعتبر من الجهد المبذول؛ ـمـن المناـسـب أن يتعـلـم

ويكتسب بعض المهارات التي من شأنها أن تحسن أداءه، والتي يطلقون عليها مـسـمي

«تطوير الذات»، ومن أمثلة تلك المهارات:

إدارة الوقت، التواصل مع الخرين، التخطيط، فن التعاـمـل ـمـع الزوـجـة والولد،

مع الـخـذ ـفـي العتـبـار ـضـرورة الـحـذر ـمـن النبـهـار بـهـذا الـمـر والنـسـياق وراءه

بالدرجة التي تشغل الوقت والفكر، وتبـعـد المـسـلم ـعـن مهمـتـه الساـسـية ـفـي إـصـلح

نفسه ودعوة غيره.

ـسـنات للطـعـام، فـهـي ل تـصـنع شخـصـية بمح إن هذه المـهـارات ينبـغـي أن تـكـون كال

متكاملة، ول تبني فكرا، ول تنور قلبا، ول تزكي نفسا.

سن الداء -بعون ال- ولكن لبد من وضعها ـفـي مكانـهـا الـطـبيعي .. بالفعل هي بتح

59( ) ريواه البخاري.

70

Page 71: التوازن التربوي

في سلم أولويات التربية حتى ل ينساق المرء وراء بريق ـشـعاراتها، وبـمـا تحقـقـه ـمـن

نجاح سريع في بعض الجزئيات، فتأتي عنده بنتيجة عكسية، ويظن أن إتقانه لعدد من

المهارات كفيل بتكوين شخصيته، وتقويم سلوكه، وأن ـمـا ينـقـص الـمـة ـهـو الهتـمـام

ـة أكثر بهذه المهارات..كل ذلك قد يحد:ث نتيجة الفراغ الداخلي، وـعـدم وـضـوح الرؤـي

لطبيعة وظيفة المسلم على الرض.

ونعود فنؤكد بأن هذا الكلم ليس معناه الزهد في هذا (الفن) ـبـل معـنـاه وـضـعه ـفـي

حجمه الطبيعي،فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أولى الناس بها.

بذل الجهد ف ي سبيل اهلل:

بالضافة إلى حركة المرء لتلبية احتياجاته المعيشية؛ فإن على المسلم أن يكون لــه

جهد وحركة في سبيل ال من خلل محورين أساسيين:

المحور األول: العمل الصالح

على المسلم أن يعمل بالطاعات والعمال الصالحة التي أمره ال بها، ويجتـهـد ـفـي

القيام بالعمال المندوبة والتي تسمي «فضائل العمال» قدر المستطاع.

فدفلكي يرسخ اليمان في القلب لبد من إتباعه بالعمل الصالح: " وق لمل انا فؤ "م له لت وديفأ ومن وو

"عال فل "ت ا وجا ور ب د "م ال "ه وك ول وف"أووللئ لت وحا ب صالل ول ال لم .]75[طه: " وع

فعلى المسلم أن تكون دائرة بذل جهده الولى ـهـي نفـسـه وأن يجتـهـد ـفـي اـسـتكمال

جوانب التربية الثلثة المشار إليـهـا آنـفـا (المعرفـيـة واليمانـيـة والنفـسـية)، وأن يجتـهـد

كذلك في العمل بكل ما يبلغه من أعمال صالحة موافقة للسنة حتى يكتب من أهلها.

ديقول المام النوو ي: دينبغ ي لمن بلغه ش يء من فضائل األعمتتال أ ن ديعمتتل بتته ولتتو

مرة واحدة ليكو ن من أهله،وال دينبغ ي أ ن ديتركه مطلقا، بل ديأت ي بما تيسر منتته، لقتتول

ف ي الحدديث المتفق على صحته: «إذا أمرتكم بشتت يء فتتأتواصلى ال عليه وسلمالنب ي

71

Page 72: التوازن التربوي

.)60(منه ما استطعتم»

المحور الثان ي: دعوة الخلق إلى اهلل:

لبيلل يوعلى المسلم أن يكون له جهد معتبر يبذله ـفـي اـلـدعوة إـلـى اـلـ " وستت له لذ وهتت فل "قتت

لهلل "عو لإولى ا فد .]108[يوسف: " وأ

فل يكفي أن يكون المسلم صالحا في نفسه ليحـقـق العبودـيـة الحـقـة الكامـلـة ـلـ ـعـز

فل لإنتت ي ولتتنوجل، بل لبد من قيامه ـبـواجب تبلـيـغ رـسـالة رـبـه، ودـعـوة خلـقـه إلـيـه " "قتت

ل ادا وح "مفلوت له "دولن لمن ود لج فن وأ ووول وح د لهلل وأ ون ا لم ورلن ي لجي له"دي واللت وسا لر وو لهلل ون ا م ل اغا وال ب ال وب ـن:" لإ [الـج

22 ،23[.

ارا اختياريا، بل هو تكليف إلهي لمة السلم منذ أن اختارها اـلـ ـعـز وليس هذا أم

وجل لتقود البشرية وتسعدها بالسلم.

وء.. إنه تكليف إلهي بالشهادة على الناس " ودا وه "ش "كو"نوا وت ل اطا ل وس وو ل اة ب م فم "أ "ك ونا وعفل وج وك وذلل وك وو

لس .]14[البقرة: " وعولى الب نا

ولكي نشهد على الناس شهادة صحيحة لبد من تبليغهم الرسالة أول على أحسن ما

ي سي أي لنا ال عز وجل يوم يكون التبليغ، ثم التعر ف على موقفهم من هذه الرسالة، فإذ ما

القيامة عن هذه الشهادة كان الجواب المفترض أن نجيب بمثله: إننا قمنا بتبليغ الرسالة

إلى قوم (كذا) و (كذا) فاستجاب بعضهم ولم يستجب الخر.

.. من هنا نقول بأن تربية الفرد ل تكتمل إل إذا ـكـانت ـلـه حرـكـة وجـهـد يـبـذله ـفـي

تبليغ رسالة ربه ودعوة خلقه إليه.

يؤكد المام حسن البنا على هذا المعنى فيقول: كـلـف اـلـ الـمـؤمنين بمهـمـة، وألـقـي

على عاتقهم بواجب هو: هداية البشر إـلـى الـحـق، وإرـشـاد الـنـاس جميـعـا إـلـى الخـيـر،

60 - دار الهدى- الرياض.28، 27( ) الذكار للنويوي ص

72

Page 73: التوازن التربوي

وم"نتتواوإنارة العالم كله بشمس السلم، ـفـذلك ـقـوله تـبـارك وتـعـالى: + ون آ لذدي وهتتا اب لتت وديتتا وأدي

و ن "حو ففلل فم "ت "ك وعب ل ور ول وخفي وع"لوا افل فف ووا فم "ك ورب ب "دوا فع"ب ووا "دوا "ج فس ووا "عوا وك فر ب ق ا وح لهلل لف ي ا "دوا له وجا وو

"م "ك ب ما وستت وو "هتت وم لهي ورا فب فم لإ "ك وة وألبي مب ل "ج ور وح فن لم لن ددي لف ي ال فم "ك في وعول ول وع وج وما وو فم "ك فجوتوبا وو ا "ه له لد وها لج

وعولتتى وء ودا وه "شتت "كو"نتتوا وووت فم "كتت في وعول ل ادا لهي وشتت "ل "ستتو ب ر و ن ال "كتتو وي وذا لل وهتت وولفتت ي "ل فبتت وق لمن ون لمي فسلل "م فل ا

لس . ]78، 77[الحج: " الب نا

ـى البـشـرية القاـصـرة، ـم المـسـلمين أوـصـياء عـل ـم يقـي ـرآن الكرـي ـي ـهـذا أن الـق معـن

ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصايا النبيلة.

ويستطرد قائل تحت عنوان: وصاية المسلم تضحية ل استفادة.

ثم بين ال تبارك وتعالى أن المؤمن في سـبيل هـذه الغايـة قـد بـاع ـلـ نفـسـه ومـاله

فليس له فيها شيء، وإنـمـا ـهـي وـقـف عـلـى نـجـاح ـهـذه اـلـدعوة وإيـصـالها إـلـى قـلـوب

"مالناس، وذلك قوله تعالى: " "ه ب ن ولتت لبتوأ فم وواوله"ت فم وووأ فم "ه وس "ف فن ون وأ لملني فؤ "م فلت ون ا لم ور ى فشوت وهلل ا ب ن ا لإ

وة وجب ن فل .]111[التوبة: "ا

ومـن ذـلـك ـنـرى أن المـسـلم يجـعـل دنـيـاه وقفـا علـى دـعـوته ليكـسـب آخرـتـه ـجـزاء

تضحيته.

اذا يتصف بكل ما يجب أن يتحـلـى ـبـه الـسـتاذ ـمـن ـنـور ومن هنا كان الفاتح المسلم أستا

.)61(وهداية ورحمة ورأفة، وكان الفتح السلمي فتح تمدين وتح ضر وإرشاد وتعليم

واإسلماه:

ولئن كان بذل الجهد في سبيل ال مطلوابا من المسلم فـي كـل وقـت؛ إل أن الحاجـة

تشتد إليه في هذا العصر أكثر من أي وقت مـضـى، كـيـف ل والمـسـلمون ـقـد أصـبحوا

تحت أقدام أعدائهم، وتراجع دورهم الحضاري، وأصبحوا عالة على الـمـم الـخـرى،

61 بتصرف يسير.35، 34( ) رسالة إلى أي شيء يندعو الناس؟ ص

73

Page 74: التوازن التربوي

بالـضـافة إـلـى تغلـغـل المـشـروع الـصـهيوني ـفـي دـيـار الـسـلم، واـسـتعلء الباـطـل،

وارتفاع رايات المادية والعلمانية، مع ابتعاد المسلمين عن تطبيق تعاليم دينهم بصورة

صحيحة..

من هنا تبرز الحاجة لبذل غايـة الجهـد فـي اتجـاه تغييـر هـذا الوضـع، والمسـاهمة

ومتتاالفعالة في بناء المشروع السلمي الذي ينطلق من قوله تـعـالى: " "ر وغيتت وال "دي وهللتت ب ن ا لإ

فم له لس "ف فن لبوأ وما "روا وغي وحب تى "دي "م فو وق .]11[الرعد: "لب

مستهدف التربية الحركية:

ـاة، وـهـدفها أن التربية الحركية لبد وأن تشمل ضبط وتوجيه حركة المسلم في الحـي

"تيكون له أثر طيب في كل مكان يحل فيها " "كن وما فديون ل اكا وأ ور "موبا وعوللن ي وج ، وأن]31[مرـيــم: " وو

يساهم مساهمة بناءه في إقامة المـشـروع الـسـلمي اـلـذي يـهـد ف إـلـى اـسـتئنا ف الحـيـاة

السلمية الصحيحة، ويهد ف كذلك إلى إنقاذ البشرية من الضياع، وإـسـعادها بالـسـلم

لهلل" "ه "كل "ن ددي و ن ال "كو ].39[النفال: " ووودي

التكامتتتتتتتتتل التربتتتتتتتتتتو ي

.. عقل المسلم بحاجة إلى تغذيته بالمعرفة النافعة حتى يكتمل نموه، وتتفتح نواـفـذه،

وتتسع مداركه.

.. وقلبه بحاجة إلى إيمان متجدد حتى يستضيء، وينفتح ويصبح قلبا سليما.

.. ونفسه بحاجة، إلى ترويض وتزكية حتى يسلس قيادها وارتداؤها رداء العبودية

ل عز وجل.

.. أما حركة المسلم فهي بحاجة إـلـى ـتـوجيه مـسـتمر ـحـتى يـكـون ـلـه أـثـر ـنـافع ـفـي

الحياة، وحتى يحقق -من خلل ذلك الثر- مراد ربه من وـجـوده كمـسـلم يحـمـل ـطـوق

74

Page 75: التوازن التربوي

النجاة للبشرية جمعاء.

.. هذه المور الربعة ل يكفي لتحقيقها اهتمام لحظي، أو إمداد عابر، بل ل بد من

دوام المداد والرعاية حتى يظهر الثر المطلوب.

رـفـه برـبـه، ويعرـفـه ـبـأوامره ي ع * فالعقل بحاجة إلى دوام التغذية بالعلم النافع الذي بي

ونواهيه، وما يرضيه وما يغضبه، ويعرفه كذلك بكيفـيـة تحقـيـق ـمـراده سـبحانه بنـشـر

دينه، وإسعاد خلقه بالسلم، وـمـا يـسـتدعيه ذـلـك ـمـن أن يـكـون عالـمـا بزـمـانه، فاهـمـا

اكا لحوال المخاطبين، وبيئاتهم المختلفة. لدينه، مدر

ويلحق ـبـالعلم الـنـافع معرـفـة ـكـل ـمـا ـمـن ـشـأنه أن بيي يـسـر عـلـى المـسـلم أداء حـقـوق

العبودية ل عز وجل.

مع الخذ ـفـي العتـبـار ـضـرورة اـسـتمرار تغذـيـة العـقـل بـهـذه المـعـار ف إن أردـنـا

تحقيق مستهد ف «التربية المعرفية».

وعندما يغذي المرء عقله بمعلومات عـشـوائية يـسـمعها ـفـي (فـضـائية)، أو يقرؤـهـا

ـمـن خلل تـصـفحه للـشـبكة العنكبوتـيـة (الـنـترنت)، أو بقراءـتـه بـضـع ـصـفحات ـمـن

ىد:ث الثر الذي تحدثنا عنه، بل سيكون أـثـره لحظـيـا، كتاب.. فالغالب أن هذا كله لن بيح

ناهيك عن نوعية ما يقرأ، ومدى قربه أو بعده عن مفهوم العلم النافع.

ارا تربوـيـا حقيقاـيـا للعـلـم الـنـافع فلـبـد ـمـن الـسـتذكار والمدارـسـة، أـمـا إذا أردـنـا أـثـ

والصبر على الكتاب حتى نهايته، مع استخراج الجديد والمفيد منه.

ل اال: إحسا ن العمل أو

أما بخصوص القلب: فلكي يتنور، ويصبح قلابا سليما لبد من دوام إمداده باليمــان

حتى تتحرر إرادته من أسر الهوى، ومن ثم يسهل على صاحبه اتـخـاذ الـقـرار بالعـمـل

الصالح في أي وقت، وأي اتجاه.

75

Page 76: التوازن التربوي

ولـيـس المطـلـوب لتحقـيـق مـسـتهد ف «التربـيـة اليمانـيـة» ـهـو الكـثـار ـمـن الوراد

والعمال الصالحة فقط دون النظر إلى كيفية أدائها والثر الناتج عنها، ـبـل المطـلـوب

هو الجتـهـاد ـفـي حـضـور القـلـب وتحرـكـه وانفـعـال المـشـاعر وتأثرـهـا وتجاوبـهـا ـمـع

وذاالعمل، فأوقات التأثر هي أوقات زيادة اليمان " وولإ فم "ه "ق"لتتو"ب فت لجول وو "هلل ور ا لك "ذ وذا ون لإ لذدي اب ل

ل انا وما فم لإدي "ه فت ود وزا "ه وديا"ت فم آ له في وعول فت .]2[النفال: " "تللوي

والتأثر «عنوان» حركة القلب والمشاعر مع العمل، وهو يختـلـف باختلفـهـا، فـفـي

اة، وـمـع الدعاء يسمي تضرعا، وفي الصلة خشوعا، ومع آيات الوعـيـد: خواـفـا ورهـبـ

ـع ارا وهكذا... وعندما ل يحد:ث التأثر والنفعال ـم آيات الوعد والرجاء: فرحا واستبشا

العمل فهذا معناه أن القلب لم يستفد منه بزيادة اليمان فـيـه، وـهـذا ـقـد يفـسـر لـنـا ـسـبب

التناقض في شخصية البعض ممن تراه محافظا على الصـلوات، ومكـثرا مـن النوافـل

والوراد ومع ذلك فهو ل يتورع عن الكذب، أو الغش، وقد تراه يحرص عـلـى الـمـال

ويسيء معاملة من حوله.

ـزد فالتشخيص الصحيح لهذه الحالة أن أثر العمال الصالحة لم يصل للقلب، ولم ـي

ـصـلى اـلـ علـيـهاليمان فيه، ومن ثم لم يثمر تحسنا في السلوك، لذلك كان من دـعـائه

.)62(»اللهم إن ي أعوذ بك من صالة ال تنفع: «وسلم

ـام وكان ابن عباس رضي ال عنهما يقول: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قـي

.)63(ليلة والقلب سا ه

وديقول ابن رجب: كا ن السلف ديوصو ن بإتقا ن العمل وتحسينه دو ن الكثتتار منتته،

فإ ن العمل القليل مع التحسين والتقا ن أفضل متتن الكتتثير متتع الغفلتتة وعتتدم التقتتا ن.

وقال بعضهم:إ ن الرجلين ليقوما ن ف ي الصف، ومتتا بيتتن صتتالتهما كمتتا بيتتن الستتماء

62 ).1546( ) ريواه أبو دايود(

63 ).927( ) الزهد لبن المبارك برقم (

76

Page 77: التوازن التربوي

.)64(واألرض

احذر نفسك:

ومع دوام إمداد القلب باليمان على المرء أل ينسى نفسه، أو يغفل عنها، وعليه أن

يسيء الظن بها، مع مجاهـدتها دومـا علـى لـزوم الصـدق والخلص ـلـ عـز وجـل،

وعلـيـه ـعـدم الـتـوجه بالعـمـل لغـيـره سـبحانه، وكـذلك ـفـإن علـيـه أن يرـبـي نفـسـه عـلـى

الستعانة بال في أـمـوره كلـهـا، وأن يـضـبط فرـحـه بـعـد نـجـاحه ـفـي أداء العـمـل، وأن

احا بال وبفضله أن أعانـة ووفقـه علـى إتمـام هـذا العمـل، وعليـه يجعل هذا الفرح: فر

أيضا أن يربي نفسه على نكران الذات، والتواضع، وأن يكون في

اعـا أفـضـل مـنـه، وأن يلزـمـه الشـعور عيـن نفـسـه صـغيرا، وأن يـرى الـنـاس جمي

باليأس من النجاة بعمله، وأن عمله مهما كثر فلن يوفي مثقال ذرة من ـحـق اـلـ ودي ي مـنـه

المستحق، وأن يوقن بأن نجاته متعلقة بعفو ال عنه ورحمته إياه..

.. ـهـذه المـعـاني ل يكـفـي مـجـرد معرفتـهـا لـكـي تتحـقـق، ـبـل لـبـد ـمـن ممارـسـتها،

والتربية عليها، واختبار النفس دوما فيها.

الحركة المباركة:

ـة ومع الهتمام بالتربية المعرفية واليمانية والنفسية لبد من الهتمام كذلك بالتربـي

الحركية التي تهد ف إلى التعود على بذل الجهد في سبيل ال وتبليغ دعوته.

كما أسلفنا- أن يتحرك ويبذل جهده من أـجـل خدـمـة ديـنـه حـسـبما تتحـيـن-ول يكفي

ظروفه، بل ينبغـي أن تشـكل عنـده «منهـج حيـاة»، وأن يضـعها فـي أولويـاته عنـدما

يخطط لوقته.

ماذا لو "أهملت التربية؟

64.1/352( ) مجموع رسائل ابن رجب

77

Page 78: التوازن التربوي

ـى مـحـور اعا، وعدم التركيز عـل هذه المحاور الربعة للتربية علينا الهتمام بها جمي

دون الخر، ولو حـد:ث هـذا لكـان النتـاج: تشـوه فـي الشخصـية، وعـدم ظهـور ثمـرة

التربية المتكاملة أل وهي تحقيق العبودية ل عز وجل بمفهومها الصحيح.

ـة ـتكون النتيـج فعندما يحد:ث اهتمام بتحصيل العلم دون الهتمام بزيادة اليمان، فـس

ـادئ ـم والمـب اظا للنصوص، كثير الحديث ـعـن القـي المتوقعة: شخص كثير التنظير، حاف

ـو ـرات، فـه والمعاني العظيمة، لكنك تجد في المقابل واقعا يختلف عن القوال والتنظـي

يتحد:ث عن العدل والمساواة، بينما ل يتعامل هو مع الخرين بهذه القيم وبخاـصـة ـمـع

من يرأسهم..يتحد:ث عن الزهد في الدنيا وأهمية العمل للخرة في حين يـحـرص عـلـى

جمع المال، وينفق منه بحساب شديد، ويدقق في كل شيء، وفي أتفه المور.

ـذي ـالعلم، فاـل .. كل هذا وغيره بسبب عدم الهتمام باليمان بنفس درجة الهتمام ـب

يقرب المسافة بين القول والفعل، ويترجم العلم إلى سلوك هو الطاـقـة والـقـوة الروحـيـة

المتولدة من اليمان كما أسلفنا.

أما عندما يتم الهتـمـام باليـمـان دون العـلـم فسـتجد أماـمـك شخـصـا ـجـاهل مـشـوها

يتشدد فيما ل ينبغي التشدد فيه، ويترخص فيما ل ينبغي الترخص فيه.

ستجد شخصا ضيق الفق ل يستطيع أن يتعامل مع فقه الواقع ومستجدات العصر،

اعا-ولعل في قصة التائب قاتل المائة- ما يؤكد ذلك، فهذا الرجل الذي كان ـقـد قـتـل تـسـ

وتسعين نفسا ثم تاقت نفسه للتوبة فسأل عن أعبد الناس فدلوه على راهب، فذهب إلـيـه

ـه وأخبره بما فعله ثم سأله: هل لي من توبة؟!! فكانت إجابته بالنفي تعـكـس ـمـدي جهـل

ـة، ـن التوـب بال عز وجل الغفور الرحيم، فما كان من الرجل إل أن قتله بعد أن يأسه ـم

ليكمل به الضحية المائة.

وبعد ذلك تاقت نفسه مرة أخرى للتوبة، فسأل ـعـن أعـلـم النـاس، فـدلوه عـلـى ـعـالم

ـة بمفهوم العلم الصحيح أل وهو العلم بال وبأحكامه فذهب إليه وسأله: هل لي من توـب

78

Page 79: التوازن التربوي

بعد كل ما فعلته؟!، فطمأنه هذه العـالم، وأجـابه بـأن لـه توبـة فـال -عـز وجـل- يغفـر

اعا، ثم طلب منه أن يغادر بلدته إلى بلدة أخرى حتى تحسن توبته بوجــوده الذنوب جمي

كره بماضيه. ي ذ في وسط طيب ل بي

فما أضر على النسان من الجهل!! وما أخطر على النسان من ضعف اليمان!!

أعلم ولكن ال أستطيع:

.. وفي حالة الهتمام بالتربـيـة النفـسـية والتـعـر ف عـلـى النـفـس وـمـدى خطورتـهـا عـلـى

النسان مع إهمال التربية اليمانية الصحيحة، فمن المتوـقـع أن تـجـد أماـمـك شخـصـا ـكـثير

النقد لنفسه، حزيانا على حاله وكيف أنه يـكـثر ـمـن الـحـديث ـعـن نفـسـه وإنجـازاته، لكـنـه ل

يستطيع ترك ما يتضايق منه لنه ل يجد القوة الدافعة لجهاد نفسه أل وهي قوة اليمان.

عبادة الذات:

أما في حالة الهتمام ـبـالعلم واليـمـان ـمـع ـعـدم النتـبـاه للنـفـس، وإهـمـال تزكيتـهـا،

فسيكون النـتـاج: ـشـخص ـكـثير العـبـادة، ـكـثير المعلوـمـات.. ـسـباق لفـعـل الخـيـر وـبـذل

ـك، الجهد، لكنه متورم في ذاته،ل يرى نفسه إل بعدسة مكبرة، ويرى غيره بعـكـس ذـل

لن عبادته وأوراده وبذله في الغالب سيغذى إيمانه بنفـسـه وبـقـدراته وأـنـه أفـضـل ـمـن

داء العجـب،-غيره، فيتمكن منـه -بمـرور اليـام واسـتمرار النجـازات والنجاحـات

ومن ورائه الغرور والكبر والعياذ بال، فيعرض نفسه لمقت ربه وحبوط عمله.

ادا ـمـن جاء في الثر: قال تعالى: يا داود إني ـقـد آلـيـت عـلـى نفـسـي أن ل أثـيـب عـبـ

ادا قد علمت من طلبه وإرادته وإلقاء كنفه بين يدي أنه ل غنى له عني... عبادي إل عب

...)65(وأنه ل يطمئن إلى نفسه بنظرها وفعالها إل وكلته إليها

تفرديغ الطاقة وبذل الجهد:

65( ) المحبة ل للجنيد.

79

Page 80: التوازن التربوي

ومع ضرورة الهتـمـام بالتربـيـة المعرفـيـة واليمانـيـة والنفـسـية ـتـأتي ـكـذلك أهمـيـة

التعود على بذل الجهد في سبيل ال وـفـي دعـوة النـاس إلـيـه، فـلـو ـلـم يتحـرك المـسـلم،

ويعلم الناس ما تعلمه، ويأخذ بأيديهم لتغيير ما بأنفسهم بإذن ال فإنه سيـصـاب بـالفتور

والخمول والكسل، ولن يدرك أسرار الكثير من المعاني التي يتعلمها، وكيف ل، وـهـو

ىـسـنت ل يمارسها في الواقع العملي، كالبئر التي إذا ما بترـكـت وـلـم يـسـتخدمها الـنـاس أ

وغاض ماؤها وجفت.

فعلى سبيل المثال: القرآن الكريم الـذي يعـد بمثاـبـة المـصـدر الول للعـلـم واليـمـان

وتزكية النفس ل يدرك أـسـراره قاـعـد -كـمـا يـقـول ـسـيد قـطـب- ول يعـلـم ـمـدلولته إل

.)66(إنسان يؤمن به ويتحرك به

ويقول: والذين يتلمسون معاني الـقـرآن ودللـتـه وـهـم قاـعـدون، يدرـسـونه دراـسـة

ادا ـ بيانية أو فنية ل يملكون أن يجدوا من حقيقته شيائا في هذه القعدة الباردة الساكنة بعـي

ادا .)67(عن الحركة... إن حقيقة القرآن ل تنكشف للقاعدين أب

خطورة الحركة بدو ن زاد:

وفي المقابل ، فإن الحركة وبذل الجهد في سبيل ال، إن لم يكن وراءها زاد متجدد

ـصـلى اـلـفإن عواقب وخيمة ستلحق بصاحبها، ويكفيك في بيان هذه الخـطـورة ـقـوله

مثتتل التتذ ي ديعلتتم النتتاس الخيتتر، ودينستتى نفستته، مثتتل الفتيلتتة، تضتت يء: «عليه وـسـلم

.)68(»للناس، وتحرق نفسها

... فلبد من المرين معا: لبد من الزاد، ولبد من التحرك بهذا الزاد.

إن العلقة بين الزاد والحركة، كالعلقة بين خزان المـيـاه، وـضـغط المـيـاه المـتـدفق

66.4/2038( ) في ظلل القرآن

67.4/1864( ) المصدر السابق

68 ).5837( ) صحيح، ريواه الطبرايني يوصححه اللبايني في صحيح الجامع (

80

Page 81: التوازن التربوي

من الصنبور المتصل به، فعلى حسب كمية المياه ـفـي الـخـزان تـكـون ـقـوة ـتـدفقها ـمـن

الصنبور، فإذا نقص منسوب المـيـاه ـفـي الـخـزان بشـكل كـبير، ـفـإن تـيـار الـمـاء يـنـزل

ـاء)، ضعيافا من الصنبور، أما إذا ما أصبح الخزان فارغا، فإن الصنبور لن يخرج (ـم

اء) وهذا هو حال الداعية اـلـذي ينـسـى نفـسـه، ول ـيـتزود بـمـا يحـتـاجه بل سيخرج (هوا

وينفعه، فهو قد ينجح في قيامه بأعمال دعوية بين الناس، لكنها أعمال غـيـر ـمـؤثرة أو

ـه ـى نفـس منتجة .. يبذل جهدا، وينفق وقتا ومال ولكن دون أثر إيجابي بيذكر، سواء عـل

أو الخرين.

ال استثناء ألحد:

ـصـلى اـلـ علـيـه.. لو جاز لحد أن يترك نفسه بدون زاد، لجاز لسيد البشر محـمـد

وذا، فمع انشغاله الشديد بتبليغ دعوة ربه، نجد الخطاب اللـهـي الـمـوجه إلـيـه: "وسلم وفتتلإ

فب وصتت فن وفا وت فغتت ور ـاس، فانـصـب]7[الشــرح: " وف ـاد، ودـعـوة الـن ـن الجـه ، أي إذا فرـغـت ـم

.)69(للعبادة

يجده حريصا على دوام ذكر اـلـ، وـقـراءةصلى ال عليه وسلموالذي يتأمل واقعه

القرآن، وقيام الليل، لدرجة أنه لم يترك القيـام فـي سـفر أو حضـر كمـا أخـبرت بـذلك

.)70(السيدة عائشة رضي ال عنها

ولك أن تتأكد أكثر وأكثر بضرورة عدم التهاون في اـلـتزود الـيـومي ـبـالزاد الـنـافع

إذا ما قرأت هذا الحديث:

ـصـلى اـلـعن أوس بن حذيفة الثقفي أنه كان في الوفد الذين وفدوا على رسول ال

من بني مالك فأنزلهم في قـبـة ـفـي المـسـجد، ـقـال: فـكـان يأتيـنـا فيـحـدثنا بـعـدعليه وسلم

العشاء، وهو قائم حتى يراوح بين قدميه من طول القيام.. فاحتبس عنا ليلة،

69.4/479( ) اينظر: تفسير القرآن العظيم لبن كثير

70( ) ريواه أبو دايود.

81

Page 82: التوازن التربوي

ورأ فقلنا: يا رسول ال لبثت عنا الليلة أكثر مما كنت تلبث! فقال: « وط نعم

.)71(»عل ى حزب ي من القرآ ن، فكرهت أ ن أخرج من المسجد حتى أقضيه

ـزاد وعلى هذا النهج كان الصحابة -رضوان ال عليهم- كانوا دوما يوازنون بين اـل

والحركة، ويدركون خطورة إهمال التزود؛ فهذا عبد الرحمن ـبـن عـبـد الـقـاري يـقـص

علينا قصة عجيبة حدثت له مع عمر ـبـن الخـطـاب رـضـي اـلـ عـنـه، يـقـول: اـسـتأذنت

.)72(على عمر بالهاجرة، فحبسني طويل، ثم أذن لي وقال: إني كنت في قضاء وردي

وإن تعجب فعج ب فعل الوائل في المعارك.. فعلى الرغم من الجـهـد العظـيـم اـلـذي

بيبذل في ـسـاحات القـتـال إل أنـنـا نـجـدهم يحرـصـون عـلـى قـيـام اللـيـل، وتلوة الـقـرآن،

والتضرع إلى ال عز وجل!! ولك أن تتأكد من هذا المعنى بقراءة هذا الخبر:

ـلمين بعد معركة القادسية؛ والتي استمرت بضعة أيام، وانتهت بانتصار جيش المـس

إـلـى عـمـررضي ال عـنـهعلى جيش الفرس أرسل قائد الجيش سعد بن أبي وقاص

بن الخطاب رضي ال عنه رسالة يبشره فيها بالفتح، فكان مما جاء فيها:

«وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ، وفلن، وفلن، ورجال من

كانوا ديدوو ن بالقرآ ن إذا جن المسلمين ل يعلمهم إل ال، فإنه بهم عالم..

.)73(عليهم الليل كدو ى النحل، وهم آساد ف ي النهار ال تشبههم األسود»

هكذا كانوا:

وعندما ننظر إلى حال المصلحين الذين كان لهم أثر إيجابي في تاريخ

المة، نجدهم قد حققوا التوازن بين الهتـمـام بتحـصـيل اـلـزاد وبـيـن الحرـكـة وبـذل

71( ) ريواه أبو دايود، يوابن ماجه، يوأحمد.

72( ) فضائل القرآن لبي عبيد الهريوي.

73.7/50( ) البداية يوالنهاية لبن كثير

82

Page 83: التوازن التربوي

الجهد في سبيل ال.

يقول القاضي ابن شداد عن القائد العظيم صلح الدين اليوبي:

رحمه اهللش - شدديد المواظبة عليها، حتى إنه ذكر ديوما أنه من-وأما الصالة، فكا ن

سنين ما صلى إال جماعة، وكتتا ن ديتتواظب علتتى الستتنن الرواتتتب، وكتتا ن لتته صتتلوات

رحمتته اهللتتش - ديحتتب-ديصليها إذا استيقظ من الليل، وإال أتى بها قبل قيام الفجر، وكا ن

سماع القرآ ن العظيم، وكا ن خاشع القلب، غزدير الدمع، إذا سمع القرآ ن ديخشتتع قلبتته

.)74(وتدمع عينه ف ي معظم أوقاته

وعندما نقرأ في رسائل المام المجدد حسن البنا، نجد أن هذا المعـنـى واـضـح تـمـام

الوضوح في كلمه.

يقول -رحمه ال- في رسالة إلى أي شيء ندعو الناس:

وم"نتتواإن مهمة المسلم الحق لخصها ال تبارك وتعـالى فـي قـوله: " ون آ لذدي وهتتا اب لتت وديتتا وأدي

و ن "حتتو ففلل فم "ت "كتت وعب ل ور ول وخفيتت وع"لوا افل فف ووا فم "ك ورب ب "دوا فع"ب ووا "دوا "ج فس ووا "عوا وك فر لهللتتا لفتت ي ا "دوا لهتت وجا وو

وو "هت وم لهيت ورا فب فم لإ "كت وة وألبي مب لت "ج ور وحت فن لمت لن ددي لف ي الت فم "ك في وعول ول وع وج وما وو فم "ك فجوتوبا وو ا "ه له لد وها لج ب ق وح

وء ودا وه "شتت "كو"نتتوا وووت فم "كتت في وعول ل ادا لهي وشتت "ل "ستتو ب ر و ن ال "كتتو وي وذا لل وهتت وولف ي "ل فب وق لمن ون لمي فسلل "م "م افل "ك ب ما وس

فوولى ومتت وم افل فعتت وفلن فم "ك وال فو ومتت وو "هتت لهلل "موا لبتتا لصتت فعوت ووا وة وكا ب ز ووآ"توا ال وة وال ب ص "موا ال لقي وفوأ لس وعولى الب نا

"ر لصي وم الب ن فع .]78، 77[الحج: " وولن

ـوا ويـسـجدوا .. هذا كلم بين ل لبس فيه ول غموض.. يأمر ال المسلمين أن يركـع

وأن يقيموا الصلة، وأن يفعلوا الخير ما استطاعوا...وتـلـك ـهـي المهـمـة الفردـيـة لـكـل

مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوة أو جماعة.

ثم أمرهم بعد ذلك أن يجاهدوا في ال حق جهاده بنشر الدعوة وتعليمها بين الناس.

74.436، 1/435( ) رهبان الليل لسيد حسن العفايني

83

Page 84: التوازن التربوي

وقد كشف ال عن سر هذا التكليف وحكمة ـهـذه الفريـضـة، ـفـبين لـهـم أـنـه اجتـبـاهم

واس خلقه، وأمنائه على شريعته، وورثة رسول اـلـ بس واصطفاهم دون الناس ليكونوا

فـي دعـوته.. وتلـك هـي المهمـة الجماعيـة الـتي نـدب اـلـ إليهـاصلى ال عليه وسـلم

ادا، وكتلة وقوة، وأن يكوـنـوا ـهـم جـيـش الخلص المسلمين جميعا..أن يكونوا صفا واح

الذي ينقذ البشرية ويهديها سواء السبيل.

ثم أوضح الحق تبارك وتعالى للناس بـعـد ذـلـك الرابـطـة بـيـن التـكـاليف الفردـيـة ـمـن

صلة وصوم.. بالتكاليف الجتماعية، وأن الولى وسيلة للثانية، وأن العقيدة الصحيحة

أساسهما معا، حتى ل يكون لناس مندوحة ـمـن القـعـود ـعـن فرائـضـهم الفردـيـة بحـجـة

أنـهـم يعمـلـون للمجـمـوع، وـحـتى ل يـكـون لخرـيـن مندوـحـة ـعـن القـعـود ـعـن العـمـل

للمجموع بحجة أنهم مشغولون بعباداتهم، مستغرقون في صلتهم بربهم.

ويستطرد قائل:

أيها المسلمون.. عبادة ربكم، والجهاد في سبيل التمكـيـن ـلـدينكم وإـعـزاز ـشـريعتكم

هي مهمتكم في الحياة، فإن أديتموها حق الداء فأنتم الـفـائزون، وإن أديـتـم بعـضـها أو

وعوبل اثتتاأهملتموها جميعا فإليكم أسوق قول ال تبارك وتعـالى: ” فم "ك فقونتتا وخول ومتتا فم وأب ن فب"ت لستت وح وف وأ

و ن "عو وج فر وال "ت فيونا فم لإول "ك قوووأب ن "ك افلحوت فلموتلل "هلل ا وعاولى ا وفوت .]116، 115[المؤمنون: )75("

بأ ي الجوانب نبدأ؟!

بعد أن تعرفنا على الحتياجات التربوية الساسية للمسلم وأهمـيـة ـكـل ـجـانب منـهـا

يبقي السؤال: بأي الجوانب نبدأ؟!

75 باختصار يوتصرف يسير.43- 41( ) رسالة إلى أي شيء يندعو الناس؟ ص

84

Page 85: التوازن التربوي

"هللتتبل شك أن العلم هو البداية: " ب ال ا وه لإ وال لإولتت "ه فم وأب نتت فعول ، ـفـالعلم أـسـاس]19[محـمـد: " وفا

العمل، ومع ذلك فليس المطلوب علما نظريا يعمق الفجوة بين القول والفعل، بل نريده

علما نافعا راسخا يزيد القلب خشية وإيمانا.

العلتتم بتتاهلل عتتزلـذلك فعلينـا الجتهـاد بتحصـيل أصـل العلـوم وأنفعهـا، أل وهـو «

»، والجتهاد في تحويل هذه المعرفة إلى إيمان.وجل

ولن التربيـة اليمانـيـة -بمفهومهـا الصـحيح- تركـز عـلـى معرـفـة اـلـ عـز وـجـل،

ـد وتركز كذلك على ترجمة هذه المعرفة إلى معان يرسخ مدلولها في القلب -أي أنها ـق

جمعت بين الخيرين- كان من المناسب البدء بجانب التربية اليمانية.

من فوائد البدء بالتربية الديمانية:

هناك حلقة مفقودة بيـن القـوال والفـعـال، والسـبب الرئـيـس فـي ذلـك هـو ـضـعف

اليمان، فعندما يهيمن اليمان الحي على القلب فإنه يولد ـفـي ذات ـصـاحبه باـسـتمرار

ـذلك طاقة عظيمة، وقوة روحية تدفعه للقيام بالفعال التي تناسب المواقف المختلفة.. ـل

فلو تجاوزنا البدء بالتربية اليمانية فإن الفجوة ـسـتزداد بـيـن اـلـواجب والواـقـع.. فعـلـى

سبيل المثال:

اما ينبـغـي أن ـتـزال، وأنـنـا لو بدأنا بالتربية النفسية فإنـنـا ـقـد نقتـنـع أن ـبـداخلنا أـصـنا

مصابون بداء العـجـب واـسـتعظام النـفـس، ولكنـنـا ـلـن نـسـتطيع مقاوـمـة ـهـذا الـمـرض،

والوقو ف له بالمرصاد، لضعف القوة الروحية اللزمة لذلك.

ونفس المر لو بدأنا بالتركيز عـلـى التربـيـة الحركـيـة وـبـذل الجـهـد ـفـي سـبيل اـلـ،

فسيتحول المر بمرور الوقت إلى أداء شكلي روتيـنـي بل روح، وـسـيزحف إـلـى ـمـن

يفعل ذلك الشعور بالفتور والوحشة وضيق الصدر، وسيفقد تأثيره على الخرين شيائا

فشيائا.

85

Page 86: التوازن التربوي

والـذي)76(من هنا تظهر الحاجـة إلـى البـدء بالتربيـة اليمانيـة بمفهومهـا الصـحيح

يعـمـل باـسـتمرار عـلـى توليـد الـقـوة الروحـيـة، وتنمـيـة الـدافع الـذاتي، وتقوـيـة اـلـوازع

الداخلي، وبث الروح في القوال والفعال، ومن ثم يسهل على المرء بـعـد ذـلـك القـيـام

لةبالعمال المطلوبة لتحقيق أهدا ف التربية النفسية والحركية " وي فشتت وخ فن متت "هم ون لذدي ب ن اب ل لإ

و ن "قو فشلف م لهم و ن ورب لم"نو فؤ فم "دي له ورب لت "هم لبآوديا ون لذدي وواب ل و ن "كو لر فشتت وال "دي فم لهتت ورب "هتتم لب ون لذدي وواب ل

و ن "عتتو لج ورا فم لهتت ورب فم لإولتتى "هتت لجولتت ة وأب ن وو فم "ه وو"ق"لتتو"ب فوا وتتت ومتتا وآ و ن فؤ"تتتو ون "دي لذدي وواب لتت وك لئتت "أوول

و ن "قو لب وسا وها فم ول "ه وو لت ورا وخفي لف ي افل و ن "عو لر وسا .]61، 57[المؤمنون: " "دي

* * *

76( ) ينسأل ال عز يوجل أن يتفضل علينا بكرمه، يوييسيسر لنا إتما م كتاب «التربية اليماينية» فلعلك تجد فيه – إن شئت- ما

يعطيك صورة متكاملة عن التربية اليماينية بمفهومها الصحيح.

86

Page 87: التوازن التربوي

ديتتتتتة الرؤديتتتتتة التربو

بعد أن تعرفنا على الحتياجات التربوية للـفـرد المـسـلم، وـضـرورة التكاـمـل بينـهـا،

وخطورة إهمال جانب منها، يصبح من اليسير تشخيص الحالة التربوية لي شخص.

بمعنى أن المحاور التربوية الربع السابق ذكرها يمكنـهـا أن بتـشـكل المنـظـار اـلـذي

من خلله يتم تقييم الفرد واحتياجاته التربوية.

فعلى سبيل المثال: لو تحد:ث إنسان وأجاد التعبير، وجادل وناظر، وأبهر من حوله

ـتواه ـد مـس ـد تحدـي ـذي يرـي ـي اـل ـر المرـب ـي أل يبـه ـك ينبـغ ـإن ذـل ـرة ـف ـاته الغزـي بمعلوـم

واحتياجاته التربوية، فالعلم الغزير ل يكفي، ناهيك عن مدى قربه أو بعده ـمـن مفـهـوم

العلم النافع، بـل لبـد وأن يـصـحبه اـلـتزام ـصـحيح بالعبـادات والمعـاملت فـي دواـئـر

اـضـا: جـهـد يـبـذل ـفـي الحركة المختلفة، مع نكران للذات وتواـضـع غـيـر مـصـطنع، وأي

سبيل ال وتبليغ دعوته.

اـلـذي ـمـن خلـلـه يـتـم تحدـيـد ـجـوانب النـقـصالمنظتتار» الرؤية التربوية إذن هي «

التربوي عند الفرد أيا كان موقعه أو عـمـره أو ثـقـافته، وعـلـى ـضـوء ـهـذه الرؤـيـة يـتـم

تحديد احتياجاته التربوية.

ضوابط ال بد منها:

ومما تجدر الشارة إليه أن هذا المنظار ينبغي أن يستخدمه كل منا ـمـع نفـسـه أول،

وأن يوجهه إلى ذاته ليرى جوانب نقصه، ويحدد احتياجاته.

وفي المقابل عليه أل يوجهه إلى الخرـيـن طالـمـا أـنـه ل يـقـوم عـلـى أـمـر تربيتـهـم،

فليس المطلوب منا تقييم من حولنا طالما ل يوجد مبرر شرعي لذلك.

87

Page 88: التوازن التربوي

ولنتذكر أن من أعظم شهوات النفس الخفية الكلم عن الخرـيـن، وتقيـيـم ـمـواقفهم،

وتجريحهم لنها حينئذ تشعر بتم يزها عليهم، ومما يجعلها تستـصـغر أي نـقـص ـلـديها،

ديبصتتر: «صلى ال عليه وسلموشيائا فشيائا يتعود المرء على ذلك حتى يتحقق فيه قوله

.)77(»أحدكم القذ ى ف ي عين أخيه، ودينسى الجذع ف ي عينه

أما المربي الذي يتـولى أـمـر تربيـة غـيـره ـكـالب مـع أبـنـائه، فـلـه أن يسـتخدم هـذا

المنظار معهم، ويحدد من خلله احتياجاتهم التربوية، بعد أن يكون قد وجهه إلى نفسه

أول، واجتهد في استكمال ما ينقصه، حتى ل تكون هذه الرؤـيـة فتـنـة ـلـه... يـقـول اـبـن

عطاء: من اطلع على أسرار العباد، وـلـم يتخـلـق بالرحـمـة اللهـيـة ـكـان اطلـعـه فتـنـه

عليه، وسببا لجر الوبال إليه.

جاء في كتاب الزهد للمام أحمد عن مالك بـن دينـار قـال: أوحـى الـ إلـى عيسـى

عليه السلم: أن يا عيسى عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإل فاستحي مني.

* * *

77 ).8013( ) صحيح الجامع الصغير (

88

Page 89: التوازن التربوي

استتتتتمراردية التربيتتتتتة

كان هـنـاك ـشـخص حرـيـص عـلـى تنمـيـة ذاتـه... كـثير الـقـراءة والطلع... واسـع

المعرفة، منضبطا في التزامه بأوامر الشرع، مسارعا في الخيرات، له جهد يبذله ـفـي

ارا يحمل دوما الجديد والجديد. دعوة الناس إلى ال، وكان حديثه شياقا مؤث

واستمر على ذلك الحال سنوات طويلة، ثم بدا له أن ينتقل من عمله الذي يعمل فيه

ساعات قليلـة إـلـى عمـل آخـر يحقـق ـمـن خلـلـه طـمـوحه اـلـوظيفي الـدنيوي، وكـانت

ضـريبة هـذا النتقـال اسـتهلك هـذا العمـل لغلـب وقتـه، لينعكـس ذلـك علـى حيـاته

ـا ـاد يـجـد وقـت والتزامه وجهده الدعوى، فالوقت مستهلك، والجسد منهك، ومن ثم ل يـك

يمد فيه عقله بالعلم النافع، ول قلـبـه باليـمـان، ول نفـسـه ـبـالترويض والجـهـاد، فـكـانت

النتيجة أن تغير حاله بالسلب، وأصبح جهده في الدعوة قليل، وأثره ـضـعيف، إن تكـلـم

في الدعوة فكلمه مكرر يفتقد الحماس والروح... تغيرت اهتماماته، وطموحاته لتتجه

أكثر وأكثر نحو الرض والطين.

هذه الحالة التي تزداد نسبة وجودـهـا يوـمـا بعـد يـوم ـتـدفعنا للـحـديث ـعـن ـضـرورة

استمرارية التربية.

إلى مت ي التربية؟!

يقول الستاذ محمد قطب: «التربية ل تنقطع ول تتوقف عند فترة معنية، ول ينصــر ف

.)78(الناس عنها إلى أمر آخر، لن المر الذي استوجبها دائم ل ينقطع ول يتوقف»

فطالما أن النسان حي فهو بحاجة إلى تغذية مستمرة لمكوناته الربع؛ فالتوجيه اللهي

"نبعبادة ال حتى الموت " لقي فلوي وك ا لتوي وحب تى وديفأ وك ورب ب فد فع"ب ، يستلزم استمرار]99[الحجر: " ووا

التعاهد والنماء ودفع المضار عن المكونات الربع حتى تتحقق العبودية الحقة ل عز

78- دار الشريوق.28( ) مكاينه التربية في العمل السلمي ص

89

Page 90: التوازن التربوي

لهوجل وتستمر حتى الممات.. تأمل قوله تعالى: " "سولل ور وو لهلل لم"نوا لبا وم"نوا آ ون آ لذدي وها اب ل وديا وأدي

له وكلت واللئ وم وو لهلل فر لبا "ف فك ومن ودي وو "ل فب وق لمن ول وز فن لذ ي وأ لب اب ل لكوتا فل ووا له "سولل ور وعولى ول ب ز لذ ي ون لب اب ل لكوتا فل ووا

ل ادا لعي ل اال وب وال وض ب ل وض فد وق وف لر لخ وآل لم ا فو فلوي ووا له "سلل "ر وو له "ك"تلب ، (أي حافظوا على]136[النساء: " وو

إيمانكم، استمروا فيه، ل تغفلوا عنه.. ل تفتروا عن المحافظة عليه.. ل تفتروا عن

.)79 (معاهدته ورعايته وتغذيته وتقويته والحرص عليه)

إ ن الديمتتا ن ديخلتتق فتت ي القلتتوب: «صلى ال عليه وسلمومما يؤكد هذا المعنى قوله

.)80(»كما ديخلق الثوب فجددوا إديمانكم

يقول د. عبد الستار فتح ال في تعليقه على هذا الحديث:

والحديث من جوامع الكلم، وهـو علـى إيجـازه يشـتمل علـى حقيقـة نفسـية مؤكـدة،

وعلى تشبيه يجعلها كالمحسوس، وعلى أمر صريح بتجديد اليمان.

ادا انظر إلى ثيابك -مثل- كم بيبذل فيها غسل، وإصلحا، ومحافظة، ورتقا، ثم تجدي

ال إذا بليت، وهذا يتكرر مع الساعات واليام، والشـهور والعـوام، ول يمـل مـنـه شام

أحد.

ول شك أن (اليمان) أولى وأجدى وأبقى، فينبغي أن تتعهده ليظل على إشراقه في

.)81(القلوب

(إن القلب البشري سريع التقلب، سريع النسيان، وهو يشف ويـشـرق فيفـيـض ـبـالنور...

فإذا طال عليه المد بل تذكير ول تذكر، تبلد وقـسـا، وانطمـسـت إـشـراقته، وأظـلـم وأعـتـم،

.)82 (فلبد من تذكير هذا القلب.. ولبد من اليقظة الدائمة كي ل يصيبه التبلد والقساوة)

79.26( ) المصدر السابق ص

80.ي. ( ) ريواه الما م أحمد يوغيره، يوخلق الثوب بمعني .بل

81.6( ) آن اليوان لتجديد اليمان ص

82.6/3489( ) في ظلل القرآن

90

Page 91: التوازن التربوي

عتاب للصفوة:

ـتربوي ـداد اـل لعل في عتاب ال -عز وجل- للصحابة ما يجعلنا نجتهد دوما في الـم

وعالمستمر لذواتنا.. هذا العتاب نجده في قوله تعالى: + وشتت فخ وم"نتتوا وأ ن وت ون آ لذدي ل ن للب لتت فأ وديتت فم وأولتت

ول وطتتا وف "ل فبتت وق لمتتن وب لكوتتتا فل ون "أو"تتتوا ا لذدي وكاب لتت "كو"نوا وال ودي وو ق وح ون افل لم ول وز وما ون وو لهلل لر ا فك لذ فم لل "ه "ق"لو"ب

فم "ه "ق"لو"ب فت وس وق وف "د وم "م األ له في .]16[الحديد: " وعول

وقد روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة، فلما ـهـاجروا أـصـابوا اـلـرزق والنعـمـة

ففتروا عما كانوا عليه من الخشوع، فنزلت الية.

وعن ابن مسعود رضي ال عنه: ما كان بين إسلمنا وبين أن عوتبنا بهذه الية إل

أربع سنين، والية مدنية بالجماع، ولعل المقصود (هجرتنا) بدل (إسلمنا) كما يقول

د. عبد الستار فتح ال، وذلك للجمع بينها وبين الرواية التالية:

ـى رأس عن ابن عباس رضي ال عنهما: إن ال استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم عـل

.)83(ثل:ث عشرة سنة من نزول القرآن الكريم

فمهما تقدم عمر المرء، ومهما ارتقى ف ي سلم المسئولية فالبد له من االستتتمرار

ف ي التربية حتى ديستمر قيامه بحقوق العبوددية هلل عز وجل،وأ ن تشتمل هتذه التربيتة

المكونات األربع السابق ذكرها.

83- مكتبة العبيكان. 4/279( ) تفسير القرآن العظيم لبن كثير

91

Page 92: التوازن التربوي

لماذا ال تظهر ثمرة التربية؟!

ثمرة التربية هي ظهور المسلم الصالح المصلح، أو بعبارة أـخـرى: ظـهـور المـسـلم

العالم بربه، الفاهم ـلـدينه، الـعـار ف بزـمـانه اـلـذي تتمـثـل فـيـه مـعـاني الـسـلم بـصـورة

صحيحة من إخلص ل، وإحسان في عبادته، وتضحية ـمـن أجـلـه، وعـمـل داـئـب ـفـي

سبيله، وصبر وثبات على طريقه، وأخوة صادقة مع إخوانه المـسـلمين.. ويـصـبغ ـهـذا

كله بصبغة التواضع ونكران الذات.

.. هذا الثمرة ينبغي أن تكون نتاج الجهد الذاتي الذي يبذله الفرد ـمـع نفـسـه، ويـبـذله

معه المربون (كالبوين وغيرهما) على مسار حياته. ولكن الواقع ل يقول ذلك، فعلـى

الرغم من الجهد الكبير الذي بيبذل في مجال التربية إل أن الشكوى متـكـررة ـمـن ـعـدم

ظهور الثمرة المرجوة من هذا الجهد.

ولن التربية ـهـي الطرـيـق الـصـحيح للتغيـيـر وـمـن ـثـم إـصـلح الـفـرد والـمـة، فل

مناص من التفكير العميق الجاد في هذه الشكوى والبحث عن الـسـباب الحقيقـيـة لـعـدم

ظهور الثمرة ولعل الصفحات السابقة قد ألقت الضوء عـلـى بـعـض ـهـذه الـسـباب، إل

أن هناك أسباابا أخرى تسهم -إلى حد كبير- في عدم ظهور ثـمـرة التربـيـة، منـهـا: عـدم

وجود الستعداد الكافي لدي الفرد للتربية والتغيير.

ومنها ـكـذلك اكتـمـال مـلـء الفراغـات التكوينيـة الرئيـسـة ـفـي شخـصـيته -ـسـواء كـان ذلـك

بطريقة صحيحة أو خاطئة- مما يحول بينه وبين حسن التلقي لي جديد، ومن ثم التغيير.

السن الصغيرة واالستعداد الكبير:

ـر ـوجيه والتغيـي من أهم عناصر نجاح العملية التربوية: وجود الستعداد للتلقي والـت

لدي الفرد.

92

Page 93: التوازن التربوي

ارا في الصغر، ويتناقص بمرور اليام والشهور والسنين. هذا الستعداد يكون كبي

وتحليل ذلك أن الطفل بعد ولدته يبدأ ـشـيائا فـشـيائا ـفـي تحـسـس خـطـواته ـفـي اـلـدنيا

فيفاجأ أنه يحتاج إلى الكثير والكثير كي يستطيع التعامل مع الموجودات المختلفة.

ينظر لمن حوله فيجدهم يحـسـنون التعاـمـل ـمـع ـكـل ـشـيء.. ـمـع الـمـاء، ـمـع الـنـار، ـمـع

ـذلك البواب والنوافذ، مع التلفاز والجهزة المختلفة، بينما ل يستطيع هو أن يفعل مثلهم، ـل

ينظر إليهم نظرة إجلل وإكبار، ويضعهم في مقام الستاذية والـتـوجيه، فيـسـلم لـهـم قـيـاده،

ـاهيم ـدونه ـمـن مـف وبيملكهم من ذاته بالكلية ليمدوه بخبراتهم وما تعلموه في الحياة، وما يعتـق

وأفكار سواء كانت صحيحة أم خاطئة -وـفـي الـغـالب تـكـون أول جـهـة ـلـذلك الـتـوجيه ـهـي

البوان اللذان تتفتح عيناه في الدنيا فيجدهما أمامه.

فالبن في السن الصغيرة ينظر إلى أبويه نظرة استعظام، لما يراه منهما من قدرة عـلـى

ـأثر التعامل مع الشياء ولنهما أيضا مصدر شعوره بالراحة والمان والشبع، لذلك فهو يـت

ارا بالغا، ويأخذ منهما كل ما يمكن أـخـذه ـفـي ـهـذه الـسـن.. وـفـي ـهـذا المعـنـى يـقـول بهما تأث

ما من مولود إال ديولد على الفطرة، فأبواه ديهودانه، أو دينصرانه،: «صلى ال عليه وسلم

.)84(»أو ديمجسانه

فعلى سبيل المثال: الطفل الذي يولد في الصين يولد وـهـو ل يـعـر ف الـصـينية لكـنـه

يجد أبويه ينطـقـان بأـصـوات ل يعرفـهـا، وـتـؤدي ـهـذه الـصـوات إـلـى ـحـدو:ث التـفـاهم

بينهما، وقيام كل منهما بأفعال نتيجة سماعه لها، فهو يـسـمع أـمـه تـقـول ـشـيائا فيحـضـر

اما، وهكذا، فيؤدي ذـلـك إلـى أبوه شرابا (الماء)، ويسمعها تقول شيائا آخر فيحضر طعا

زيادة شغفه لتعلم هذه الصوات، فينصت لهما، ويتعلم منهما ليكتـسـب بـمـرور اـلـوقت

القدرة على الفهم والنطق والتعامل باللغة الصينية.

84( ) ريواه البخاري يومسلم.

93

Page 94: التوازن التربوي

ـبر هذا الطفل لو ولد في الهند لتعلم الهندية، ولو ولد في مصر لتعلم العربية، فالبن يعـت

أبويه هما عالمه ومصدر توجيهه، لذلك يستسلم لهما، ويأخذ منهما كل ما يمـكـن أـخـذه ـمـن

أقوال وأعمال وردود أفعال،وتعامل مع الشياء مهما كانت نوعية هذه المور.

ل كذلك استعداده للتلـقـي منـهـم، وتـبـدلت وكلما كبر سن هذا الطفل قل احتياجه للخرين وق

ادا ل بأس به نظرته لغيره من نظرة انبهار بما عندهم إلى نظرة عادية، فقد أصبح يمتلك رصي

من المعرفة والتجارب والمعتقدات تمكنه من السير في الحياة والتعاـمـل ـمـع مـسـتجداتها. ـفـإذا

ـاقص ل احتياجه للخرين قلت رغبته في التلقي منهم، وهذا ل يحد:ث في يوم وليلة بل يتـن ما ق

شعوره بالحتياج للخرين تدريجايا بعد مرور سنوات عـمـره الوـلـى.. ـهـذا التـنـاقص يعـكـس

تقلص مساحة الفراغات الموجودة في شخصيته.

اليقين الراسخ وصعوبة تغييره:

ىـضـية ـهـو رـسـوخ بـعـض بمر والـسـبب الـخـر لـعـدم ظـهـور ثـمـرة التربـيـة بـصـورة

المفاهيم والمعتقدات داخـل النسـان سـواء كـانت صـحيحة أو خاطئـة.. هـذا الرسـوخ

ارا عسيرا. يزداد عمقا كلما تقدم العمر،ومن ثم فإن تغييره يصبح أم

ـإن ولئن كانت التربية السلمية هي إحدا:ث أثر «إيجابي» دائم في ذات النسان، ـف

هذا الثر الدائم تزداد صعوبة إحداثه كلما تقدم العمر وذلك لرسوخه وتأصله.

.. هذا الرسوخ يزداد عمقا وتجذرا بمرور السنين، ويصبح كالجبال الرواسي.

اعا يقبـل النصـح مـن الخريـن، ويعطـي لهـم سـمعه، اصا متواض فلو فرضنا أن هناك شخ

وبصره، ولديه استعداد جيد للتلقي من غيره فإن هذا ل يكـفـي ـفـي عملـيـة التغيـيـر الـجـذري؛

لنه مهما بلغت قوة تأثير الخرين عليه إل أنها ل تصل للحد الذي يؤدي إلى إحدا:ث التغيير

وزلزلة ما رسخ لديه وأصبح كالجبال الرواسي.

ارا لحظايا وسرعان ما .. نعم، قد يتأثر بما يسمع أو يقرأ، لكنه في الغالب سيكون تأث

94

Page 95: التوازن التربوي

يعود لسابق حاله الذي يعكس ما رسخ لديه من مفاهيم ومعتقدات وتصورات.

وهذا مما يفسر لنا عدم ظهور ثمرة التربية.

هل نترك التربية؟!

ـرك هذا الحديث عن أسباب عدم ظهور ثمرة التربية بصورة صحيحة ليس معناه ـت

التربية، فالتربية أمر ل بديل عـنـه إن أردـنـا تغيـيـر ـمـا بأنفـسـنا وإـصـلح ـحـال الـمـة،

ولكن معناه البحث والتركيز على وسائل ذات أثر بالغ في القوة، لكي نتمكن بعون اـلـ

من التأثير في الثوابت الخاطـئـة اـلـتي تربيـنـا عليـهـا منـذ الـصـغر، وزلزلتـهـا، وإـبـدالها

.)85(بالمعتقدات والمفاهيم الصحيحة

ومعناه كذلك الهتمام الشديد بتنشئة الطفال تنشئة ـصـحيحة ـقـدر المـسـتطاع ـحـتى

يستقيم عودهم منذ البداية.

85القرآن ل رآن، ف ن الق يوجد له مثيل في قوة تأثيره يوزلزلته لكل الفكار يوالتصورات الخاطئسسة يوهسسدمها، حسستى يولسسو كسساينت هسسذه الفكسسار يوالتصسسورات قسسد( ) لعل هذا الكل م يجيب عن تساؤل المتسائلين عن السبب الذي يدفع كاتب هذا السطور إلى كثرة الحديث عرسخت في يقين الينسان رسوخ الجبال الريواسي، فالقرآن قادر بإذن ال على هدمها يوإحلل المفسساهيم الصسسحيحة مكاينهسسا، ألسسم يقسسل

[ ﴾هللسبحاينه في يوصف قوة تأثيره: ﴿ [ ﴾ةا ا يشةي ةخ ينا م م اع اا ةصد مةت م اع اا [ ﴾ش ةخ ا خ ها ييةت ةرةأ ل لا ل ةجةب ةعةل ىا ةنا يرنآ خ ق يل ةذاا ا ةه ةزيلةن اا ين يوا ةأ يو]، يوقسسال: ﴿21﴾ [الحشر: ةل ةوةللليوةت ى﴾ ةملل يل [ ﴾ها ا ةما [ ﴾بلل خ كل يوا خ ضا ةأ ير ةأل [ ﴾ها ا يتا [ ﴾ب ةع ط خ ق يوا خ لا ةأ [ ﴾جةب ا يل [ ﴾ها ا يتا [ ﴾ب ةر خ سي يرنآم ان اا خ ق نا ]، يوجسسواب الشسسرط محسسذيوف يوتقسسديره: لكسسان هسسذا31 [الرعد: ةأ

القرآن.. يولعل ما حدث من تغيير جذري في جيل الصحابة خير دليل على مدي قوة تأثير القرآن، فلقد كان منهم من تعدى الثلثيسسنادا ل زالت تفخر به البشرية حتى الن. يوالربعين يوالخمسين سنة يوقت إسلمه، يومع ذلك صنع القرآن منهم جيل فري

يولئن كاينت التربية ل بديل عنها لصلح الفرد يوالمة؛ يولئن كان الجهد المبذيول فيها علسسى ضسسخامته ل يسسأتي بسسالثمرة المطلوبسسة، فسسإنالحل المثل لهذا الشكالية يكمن في العودة الصحيحة إلى القرآن، يوحسن التعامل معه، يوالتعرض لقوة تسسأثيره، يوتحقيسسق الوصسسال بينسسهيوبين العقل يوالقلب، يوبالضافة إلى القرآن تسسأتي الوسسائل التربويسسة الخسرى كوسسائل تكميليسة، يوفسسي المقابسل فإيننسسا إن تجايوزينسسا القسسرآن

كوسيلة متفردة للتأثير يوالتغيير فسنظل ينعايني يوينشكو يوينتساءل لماذا ل ينتغير يول ينتحسن؟!يوالناظر في تاريخ المصلحين يجد أن محور دعوتهم كان يركز على العودة الصحيحة للقرآن، يوالينتفاع بقسسوة تسسأثيره الضسسخمة، يومسسن

هؤلء بديع الزمان النورسي، محمد إقبال، حسن البنا، عبد الحميد بن باديس يوسيد قطب.يقول محمد إقبال: إن القرآن ليس بكتاب فحسب... إينه أكثر من ذلك، إذا دخل القلب تغير الينسان، يوإذا تغير الينسان تغير العسسالم

). يوعندما تحدث الما م حسن البنا عن مقاصد الدعوة قسسال: تصسسحيح فهسسم المسسسلمين لسسدينهم، يوشسسرح دعسسوة158(ريوائع إقبال ص احا.. ثم جمع المسلمين عمليا على مبادئ كتابهم الكريم بتجديد أثره البالغ القوى فسي النفسوس (رسسالة فسي احا يواض القرآن الكريم شر

اجتماع رؤساء المناطق ).يويقول عبد الحميد بن باديس: ل فلح للمسلمين إل بالرجوع إلى هدايته، يوالستقامة على طريقته.

يويقول سيد قطب: إن الناس يخسريون الخسارة التي ل يعارضها شيء بالينصسسراف عسسن هسسذا القسسرآن..يوإن اليسسة الواحسسدة، لتصسسنعأحياينا في النفس -حين تستمع لهسسا يوتنصسست- أعسساجيب مسسن الينفعسسال يوالتسسأثير يوالسسستجابة يوالتكيسسف يوالرؤيسسة يوالدراك يوالطمأينينسسة

يوالراحة، يوالنقلة البعيدة في المعرفة الواعية المستنيرة.. مما ل يدركه إل من ذاقه يوعرفه! يوإن العكوف على هذا القرآن في يوعي يوتسدبر ل مجسرد التليوة يوالسترينم! لينشسئ فسي القلسب يوالعقسل مسن الرؤيسة الواضسحة البعيسدةالمدى، يومن المعرفة المطمئنة المسستيقنة؛ يومسن الحسرارة يوالحيويسة يوالينطلق! يومسن اليجابيسة يوالمعرفسة يوالتصسميم مسا ل تسداينيه

).3/1425رياضة أخرى أيو معرفة أيو تجريب! (في ظلل القرآن

95

Page 96: التوازن التربوي

م وتوكلالخطوة األولى... عز

لو أن صاحب شركة من الشركات قد أيقظه رنين الهاتف في منتصف الليل،

وأخبره المتصل بأنه قد حد:ث حريق في الشركة.. ماذا تتوقع أن يكون رد فعله؟ هل

سيقول في نفسه: سأذهب لطمئن على الوضع في الصباح ثم يستكمل نومه؟ بالتأكيد

سيفزع ويشعر بالخطر الشديد، ويسارع إلى الشركة باذل غاية جهده في محاولة

تقليل الخسائر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالشعور بالخطر هو الذي يحرك العزائم،

صلى الويستنفر الطاقات المخزونة في ذات النسان؛ ولقد أكد هذا المعنى قوله

.)86(»من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل: «عليه وسلم

ـرد من هنا نقول بأن استشعار خطر ترك التربية الصحيحة المتكاملة المؤثرة للـف

والمة هو البداية الصحيحة لتدارك ما فات، واستكمال ما ي نبقص، ولعل مـا قيـل فـي

الصفحات السابقة يكون سبابا -بـإذن الـ- لشـعارنا بـالقلق والخطـر وبحاجتنـا إلـى

التربية، ويدفعنا لستكمال ما ينقصنا، ويجعلنا دوما في حالة من التوقد واليجابية.

المداد على قدر االستعداد:

قبل أن نبدأ رحلة استكمال ما ينقصنا، علينا أن نتذكر حقيقة مهمة وهي أن ال ـعـز

"ءوجل هو الذي يزكي ويربي، فهو ـسـبحانه: " ف ي وشتت ل "كتت وعولتتى وو "هتت وو "ء ف ي وشتت ل "كتت "ق وختتالل

لكي ل .]62[الزمر: " وو

ب الوأمر صلحنا وفلحنا في خزائنه " "ه لإ ز"لتت ومتتا "نون وو "ه لئ"ن وزا وخ ودونا لعن ب ال "ء لإ ف ي وش من وولإ ن

"م فع"لو ب م "ر ود وق .]21[الحجر: " لب

ولقد جعل سبحانه أهم سبب لمداد النسان بما يصلحه هو: وجـود الرغبـة الكيـدة

ديتتا عبتتاد ي كلكتتم ضتتال إال متتن هتتدديته فاستتتهدون يلديه، كما ـفـي الـحـديث القدـسـي: «

86 ).6222( ) صحيح الجامع الصغير (

96

Page 97: التوازن التربوي

.)87(»أهدكم

فالـحـديث يؤـكـد عـلـى أن الهداـيـة ـمـن عـنـد اـلـ، وأـنـه ـسـبحانه يمنحـهـا ـمـن يـسـألها

وكتتاويريدها، ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: " وز ومتتا "ه وم"ت فح ور وو فم "ك في وعول لهلل "ل ا فض وف وال فو ووول

وعللي م لمي ع وس "هلل ووا "ء وشا ومن ودي ك ي وز وهلل "دي ب ن ا لك ووول ل ادا "د وأوب وح فن وأ م "كم .]21[النور: " لمن

فال عز وجل هو الذي بيزكي.. هذه هي الحقيقة، ولكن بيزكي من؟!

ادا للتزكيـة، ولهـذا ختمـت اليـة بقـوله: ( لمي عيزكي من يراه مستعدا ومريـ وستت "هللتت ووا

).وعللي م

فالمداد بحسب الستعداد، وعلى قدر الصدق في طلب الشيء يكون المدد ـمـن اـلـ

.)88(»إ ن تصدق اهلل ديصدقك: «صلى ال عليه وسلمعز وجل، كما قال

ومتتن ديتحتتر الخيتتر ديعطتته ومتتنفمن يرد الخير بصدق يدله ال عليه ويمنحه إيـاه «

.)89(»ديتق الشر ديوقه

.)90(»ومن ديستعفف ديعفه اهللومن يصدق عزمه في طلب العفة يعفه ال «

ومن يصدق عزمه في طلب العلم يعلمه ال «إنما العلم بالتعلم».

العزديمة على الرشد:

فالخطوة الولى -إذن- في طريق اـسـتكمال نواقـصـنا التربوـيـة ـهـي الـصـدق ـفـي

طلب ذلك، والعزم الكيد على تزكـيـة عقولـنـا وقلوبنـا وأنفسـنا وجـهـدنا، وأن نكـون

"ةممن عناهم ال -عز وجل- بقوله: " لذب لت "ه وأ لحبتوون وو"دي فم "هت لحب "م "دي فو وقت "هللت لب فألت ي ا وديت وف فو وست وف

"م وة اللئ وم فو و ن ول "فو وخا وال ودي وو لهلل لل ا وسلبي لف ي و ن "دو له وجا ون "دي لردي لف وكا وعولى افل "ة ب ز لع ون وأ لملني فؤ "م فل "وعولى ا

87( ) ريواه مسلم.

88 ). 1415( ) صحيح، ريواه النسائي يوصححه اللبايني في صحيح الجامع (

89 ).2328( ) حسن، أخرجه الخطيب البغدادي، يوحسنه اللبايني في صحيح الجامع (

90( ) ريواه البخاري يومسلم.

97

Page 98: التوازن التربوي

و ن، فعلي قدر العزم يكون المدد: "]54[المائدة: وكتتا وهللتت ول ود"قوا ا وصتت فو وفولتت "ر فمتت وم األ وز وعتت وذا وفلإ

فم "ه ل ارا ب ل ، فالخير كله -كما يقول ابن رجب- مـنـوط بالعزيـمـة الـصـادقة]21[محمد: " وخفي

على الرشد، وهي الحملة الولى التي تهزم جيوش الباـطـل، وـتـوجب الغلـبـة لجـنـود

الحق.

.. قال أبو حازم: إذا عزم العبد على ترك الثام، أتته الفتوح.

بسئل بعض السلف: متى ترتحل الدنيا من القلب؟ قال: إذا وقعت العزيـمـة ترحـلـت و

ـب الدنيا من القلب، ودرج القلب في ملكوت السماء، وإذا لم تقع العزيمة اضطرب القـل

ورجع إلى الدنيا.

ويستطرد ابن رجب قائل:

ي من صدق العزيمة يئس منه الشيطان، ومتى كان العبد مترددا طمع فـيـه الـشـيطان،

وفه ومناه. و س

.. ديا هذا: كلما رآك الشيطا ن قد خرجت من مجالس الذكر كما دخلت،

.)91( وأنت غير عازم على الرشد فر ح بك إبليس

فعو ن اهلل للعبد علتتى قتتدر قتتوة عزديمتتته وضتتعفها، فمتتن صتتمم علتتى إرادة الخيتتر

.)92(أعانه اهلل وثبته

فالبداية-إذن- عزم أكيد ثم الستعانة الصادقة بال في تحقيق هذا العزم:

لهلل " وعولى ا فل ب ك وو وفوت وت فم وز وع وذا .]159[آل عمران: " وفلإ

ـه اعا أن ال -عز وجل- وحده هو الذي يملك إمدادنا بما عزمنا عليه، وأـن ولنعلم جمي

سبحانه يريد أن يرى منا صدقنا فيـمـا نعـزم، وأهـم صـورة لظهـار هـذا الصـدق هـو

91.1/348( ) مجموع رسائل ابن رجب

92.1/344( ) المصدر السابق

98

Page 99: التوازن التربوي

اللحاح عليه، والتـضـرع بـيـن يـديه.. تـضـ رع واـسـتغاثة تـشـبه اـسـتغاثة الغرـيـق اـلـذي

يستغيث بمن حوله ليسارعوا في إنقاذه.

إذا دعا أحتتدكم فال ديقتتل: اللهتتم اغفتتر لتت ي إ ن شتتئت،: «صلى ال عليه وسلم يقول

.)93(»وليعزم المسألة، ول"يعظم الرغبة، فإ ن اهلل ال ديعظم عليه ش يء أعطاه

اعزم وتوكل وانطلق:

وبعد صدق العزم والتوكل على ال علينـا أن نشـرع فـي اسـتكمال مـا ينقصـنا مـن

جوانب التربية المختلفة، وإن كان من الفـضـل أن نـبـدأ بالتربـيـة اليمانـيـة كـمـا أـسـلفنا

ونتبعها بعد ذلك بالجوانب الخرى حتى يتحقق التوازن التربوي بعون ال.

ولعل من أهم السباب التي تعين المرء على الستمرار في تربية نفسه وبذل جهده

في سبيل ال هو وجوده في وسط صالح، وصحبة طيبة، إذا نـسـي ذـكـروه، وإذا ـعـزم

يأعانوه، وإذا غاب تفقدوه " لشت وع فل ووا لة ودا وغت فل "هتم لبا ورب ب و ن "عو فد ون وديت لذدي وع اب لت ومت وك وست فف فر ون لب فصت ووا

"ه وبتت وقفل ونتتا وففل فغ فن وأ وم فع لط وال "ت وو فنويا د لة ال وحويا وة الفت لزديون "د لردي فم "ت "ه وعفن وك وعفيونا "د فع وال وت وو "ه وه فج وو و ن "دو لردي "دي

ل اطا "ر "ف "ه "ر فم و ن وأ وكا وو "ه ووا وه وع وواب توب لرونا فك لذ .]28[الكهف: " وعن

اـعـا عـلـى وفي النهاية نسأل ال عز وجل أن يتقبل منا ما وفقنا إلـيـه، وأن يعينـنـا جمي

ادا مخلصين له غير ضالين ول مضلين. استكمال ما ينقصنا لكي نكون عبي

والحمد هلل الذ ي هدانا لهذا وما كنا لنهتد ي لوال أ ن هدانا اهلل.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

93 ).530( ) صحيح الجامع الصغير (

99

Page 100: التوازن التربوي

فهرس المحتوديات

الموضوعالمقدمة

.............................................................................معنى التربية

ــــــــــــــــــــدائم ــــــــــــــــــــر اـل ــــــــــــــــــــر والـث التغـي.............................................................................ــــــــــــة ــــــــــــم والتربـي ــــــــــــن التعلـي ــــــــــــارق بـي الـف.............................................................................

حاجة النسا ن إلى التربيةــــــــــــــــة الصـــــــــــــــــحيحة ضـــــــــــــــــرورة التربـي.............................................................................

.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــعيدة ــــــــــــــــــــــــــــــــــاة الـس الحـي.............................................................................

ب سة للتربية حاجة األمة الماــــــــــــــــــــــر المخـبــــــــــــــــــــــوء الخـي

.............................................................................أهمـيـــــــــــــــــــــــة الجـهـــــــــــــــــــــــاد

.............................................................................ــــــــــــــــا؟ ــــــــــــــــو فرطـن ــــــــــــــــاذا ـل ـم

.............................................................................لـمـــــــــــــــــــــــــــــــــــاذا بنـعـــــــــــــــــــــــــــــــــــاقب؟.............................................................................ال إـصــــــــــــــــــــــــــــــلح اـلــــــــــــــــــــــــــــــداخل أو.............................................................................ل ـبــــــــــــــــــــديل ـعــــــــــــــــــــن التربـيــــــــــــــــــــة .............................................................................

هـــــل مـــــن الضـــــروري تربيـــــة المـــــة كلهـــــا؟ .............................................................................

الجمـــــــــــــــــــــرة المشـــــــــــــــــــــتعلة .............................................................................

100

Page 101: التوازن التربوي

الموضوعالمحور األول: العقل والتربية المعرفية

الكـــــــــــــــل يعمـــــــــــــــل مـــــــــــــــن أجلـــــــــــــــك.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــردة الوســـــــــــــــــــــــــــــــــيلة المتـف.............................................................................ـــــــــــــــــــــــــــــــرك ـــــــــــــــــــــــــــــــرض المتـح الـع.............................................................................هيـــــــــــــــــــــا أبصـــــــــــــــــــــر واعـتـــــــــــــــــــــبر.............................................................................اـلـــــــــــــــــــــــــــــــــــذنب الـكـــــــــــــــــــــــــــــــــــبر.............................................................................العلـــــــــــــــــــــــــــــــــــم الحقيقـــــــــــــــــــــــــــــــــــي.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــافع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــم الـن العـل.............................................................................ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة العـل غاـي.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــاب العظـــــــــــــــــــــــــــــــــــم الـب.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــل ــــــــــــــــــــــــــــــــــل المعـط العـق.............................................................................فلننتـبــــــــــــــــــه قـبــــــــــــــــــل ـفــــــــــــــــــوات الوان.............................................................................فضـــــــــــــــــــــــــــــــــــيلة التفكـــــــــــــــــــــــــــــــــــر.............................................................................عـلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم اليقـيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــن.............................................................................مـســـــــــــــــــتهد ف التربـيـــــــــــــــــة المعرفـيـــــــــــــــــة.............................................................................

المحور الثان ي: القلب والتربية الديمانيةمرـكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــز الرادة.............................................................................ـــــــــــــــــي ـــــــــــــــــة وحــــــــــــــــــدها ل تكـف المعرـف.............................................................................

101

Page 102: التوازن التربوي

الموضوعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ أفل تتـق.............................................................................عنـــــــــــــــــــدما يضـــــــــــــــــــعف اليمـــــــــــــــــــان.............................................................................ـــــــــــــــــزات ـــــــــــــــــان يصــــــــــــــــــنع المعـج اليـم.............................................................................ـــــــــــــــــــــــــــــــــن الـحـــــــــــــــــــــــــــــــــارس المـي.............................................................................اليـمــــــــــــــــــان وـحــــــــــــــــــل المـشــــــــــــــــــكلت.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــة ــــــــــــــــــــــــــــــــــة الدائـم اليقـظ.............................................................................هـكـــــــــــــذا ـكـــــــــــــان ـحـــــــــــــال الـصـــــــــــــحابة .............................................................................مـســـــــــــــــــتهد ف التربـيـــــــــــــــــة اليمانـيـــــــــــــــــة.............................................................................

المحور الثالث: النفس وضرورة تزكيتهاــــــــــــــــــــــس؟ مـــــــــــــــــــــــا هـــــــــــــــــــــــي النـف.............................................................................أقـســـــــــــــــــــــام ـهـــــــــــــــــــــوى النـفـــــــــــــــــــــس.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــة ــــــــــــــــــــــــــــــــــهوة الخفـي الـش.............................................................................خطـــــورة الرضـــــا عـــــن النفـــــس والعجـــــاب بهـــــا.............................................................................ــــــــــــــــــــــب؟ ــــــــــــــــــــــو العـج ــــــــــــــــــــــا ـه ـم.............................................................................بعجـــــــــــــب العمـــــــــــــل؟ ــــــــــــط ال لمـــــــــــــاذا يحـب.............................................................................وأن أعـمـــــــــــــــــل ـصـــــــــــــــــالحا ترـضـــــــــــــــــاه.............................................................................ــــــــية؟! ــــــــة النفـس ــــــــت التربـي ــــــــو أهمـل ــــــــاذا ـل ـم.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــاذج مضـــــــــــــــــــــــــــــــــــيئة نـم.............................................................................

102

Page 103: التوازن التربوي

الموضوعمســــــــــــــــــتهد ف التربيــــــــــــــــــة النفســــــــــــــــــية.............................................................................

المحور الرابع: بذل الجهد في سبيل الل مصـــــــــــــــــــــــــــــــادمة للفطـــــــــــــــــــــــــــــــرة.............................................................................ـــــــــــــــل الـصـــــــــــــــالح المـحـــــــــــــــور الول: العـم.............................................................................ــــــى اـلــــــ ــــــق إـل ــــــاني: دـعــــــوة الخـل المـحــــــور الـث.............................................................................واإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلماه.............................................................................ـــــــــــــــــة ـــــــــــــــــة الحركـي مـســـــــــــــــــتهد ف التربـي.............................................................................

التكامل التربو يـــــــــــــــــــــــــــــــل أول ـــــــــــــــــــــــــــــــان العـم إحـس.............................................................................اـحــــــــــــــــــــــــــــــــــــذر نفـســــــــــــــــــــــــــــــــــــك.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــة ــــــــــــــــــــــــــــــــة المبارـك الحرـك.............................................................................مــــــــــــــاذا لــــــــــــــو أهملــــــــــــــت التربيــــــــــــــة؟.............................................................................ـــــــــــــــــــتطيع ـــــــــــــــــــن ل أـس ـــــــــــــــــــم ولـك أعـل.............................................................................عبــــــــــــــــــــــــــــــــــــادة الــــــــــــــــــــــــــــــــــــذات.............................................................................تفرـيـــــــــــــغ الطاـقـــــــــــــة وـبـــــــــــــذل الجـهـــــــــــــد.............................................................................خطـــــــــــــــــورة الحرـكـــــــــــــــــة ـبـــــــــــــــــدون زاد.............................................................................ـــــــــــــــــــــــــــــــــد ـــــــــــــــــــــــــــــــــتثناء لـح ل اـس.............................................................................هكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــذا كـــــــــــــــــــــــــــــــــــــانوا.............................................................................

103

Page 104: التوازن التربوي

الموضوعــــــــــــــــــــدأ؟ ــــــــــــــــــــأي الجـــــــــــــــــــــوانب نـب ـب.............................................................................ــــــــة ــــــــة اليمانـي ــــــــدء بالتربـي ــــــــد الـب ــــــــن فواـئ ـم.............................................................................

الرؤدية التربوديةـــــــــــــــــــــد منـهـــــــــــــــــــــا ـضـــــــــــــــــــــوابط لـب.............................................................................

استمراردية التربيةـــــــــــــــــــــة؟ ـــــــــــــــــــــتي التربـي ـــــــــــــــــــــى ـم إـل.............................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــاب للـصــــــــــــــــــــــــــــــــــفوة عـت.............................................................................

لماذا ال تظهر ثمرة التربية؟الـســــــــــن الـصــــــــــغيرة والـســــــــــتعداد الـكــــــــــبير.............................................................................اليقـيـــــــــــن الراـســـــــــــخ وـصـــــــــــعوبة تغيـيـــــــــــره.............................................................................هـــــــــــــــــــــل نـــــــــــــــــــــترك التربيـــــــــــــــــــــة؟.............................................................................

الخطوة األولى: عزم وتوكلــــــــــــتعداد ــــــــــــدر الـس ــــــــــــى ـق ــــــــــــداد عـل الـم.............................................................................العزيـمــــــــــــــــــــة عـلــــــــــــــــــــى الرـشــــــــــــــــــــد.............................................................................ـــــــــــــــــــق ـــــــــــــــــــل وانطـل ـــــــــــــــــــزم وتوـك اـع.............................................................................ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرس الفـه.............................................................................

* * *

104