الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

332
ق ل ا خ ل له ا ل ا ق ل ا خ ل له ا ل ا رس ست ب م ي ل س س ل ر كت ران مط ل ا رس ست ب م ي ل س س ل ر كت ران مط ل ا ة# ئ ط و ت مان ي+ الإ ون ت ا ق: د خ م ل ا ودة4 ش ب# ا مان ي+ الإ ون ت ا ق مهّ د ق م: واحد ل له ا+ الإ ب مان ي+ الإ ول# الإ ل ص ف ل ا1 - رات ا ص ح ل ا ف ل ت خ م ي ف له لءا ما س# ا2 - واحد ل له ا+ ى الإ ل+ ا ه ه لT د الإّ عد ت ن م3 - له ل ىا ل+ لاُ ب س ل وا# له ا ل ود ا ج يو عل ن هي را لت ا4 - مان ي+ د والإ خا ل+ الإ نc ي ب5 - مان ي+ الإ رة ت خ: د دب خ ل هد ا ع ل ا ي ف تT ه الإ ل ل ا ى ن ا4 ب ل لا ص ف ل ا1 - د ب ح و ل له ا+ الإ2 - سان ب+ الإ ن م ب ير لق له ا+ الإ3 - وت ك ل م ل له ا+ ا4 - مه ح ر ل وا مه ع ن ل له ا+ ا5 - v ةّ ئ خ م للا ما ك ي ف له للا ما ك6 - سان ب+ ه والإ ل ل ا: ق ل ا خ ل له ا ل ا4 ب ل ا4 ب ل لا ص ف ل ا ة# ئ ط و ت: سّ د ق م ل ا ات ب ك ل ا ي ف ق ل خ ل ا ول# م الإ س ق ل ا- م ي د ق ل هد ا ع ل ا ي ف# ا1 - ن ي م والد عل ل ا نc ي ب ق ل خ ل ا ا ب ي روا2 - ق ل خ ل لإص وا خ ل ا3 - ق ل خ ل ا يَ ت ي روا ر ست ق ت4 - ق ل خ ل ا ي ف م ي د ق ل عدة ا ل ما ي ل عا ت ن م ج ت ن ب س ب ا ماد- د دب خ ل هد ا ع ل ا ي ف ت1 - ق ل ا خ ل له ا ل ا2 - ج ت س م ل ا ب ق ل خ ل ا1

Transcript of الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Page 1: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الله الخالقالله الخالقالمطران كيرلس سليم بسترس المطران كيرلس سليم بسترس

توطئةقانون اإليمان

مقد�مة: قانون اإليمان أنشودة المجدالفصل األول: اإليمان باإلله الواحد

- أسماء الله في مختلف الحضارات1- من تعد�د اآللهة إلى اإلله الواحد2- البراهين على وجود الله أو السب9ل إلى الله3- بين اإللحاد واإليمان4- خبرة اإليمان5

الفصل الثاني: الله اآلب في العهد الجديد- اإلله الوحيد1- اإلله القريب من اإلنسان2- إله الملكوت3- إله النعمة والرحمة4- كمال الله في كمال المحب�ة5- الله واإلنسان6

الفصل الثالث: الله الخالقتوطئة

القسم األول: الخلق في الكتاب المقد�سأ- في العهد القديم

- روايتا الخلق بين العلم والدين1- الخالص والخلق2- تفسير روايتQي الخلق3- ماذا نستنتج من تعاليم العده القديم في الخلق4

ب- في العهد الجديد- الله الخالق1- الخلق بالمسيح2

القسم الثاني: مفهوم الخلق في الالهوت المسيحيأ- تصو�رات خاطئة عن الخلق

- الخلق ليس بداية في الزمن1- الخلق ليس انبثاقاY من الله2- الخلق ليس صنعاY من مادة سابقة3

ب- المفهوم الصحيح للخلقج- الخلق والتطو�ر

1

Page 2: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- نظري�ة التطو�ر1- هل من تناقض بين نظري�ة التطو�ر وعقيدة الخلق؟2

الفصل الرابع: الشر� والخطيئة األصلي�ةتوطئة

القسم األول: تفسيرات خاطئة - تفسير ميثولوجي في األديان التي تعتقد بتعد�د1

اآللهة- تفسير الغنوصي�ين والمانوي�ين: الشر� في الماد�ة2- تفسير الشر� بالعودة إلى العناية اإللهي�ة3

القسم الثاني: هل يكون الشر� نتيجة الخطيئة األصلي�ة؟- الخطيئة األصلي�ة في كتابات القديس أوغوسطينوس1- الخطيئة األصلي�ة في سفر التكوين2- الخطيئة األصلي�ة في العهد الجديد3- تساؤالت حول الخطيئة األصلي�ة4

؟ القسم الثالث: هل من تفسير للشر�- الشر� الطبيعي�1- الشر� األدبي�2

الفصل الخامس: يسوع المسيح ابن الله في العهدالجديد

توطئة- قيامة يسوع نقطة انطالق إيمان الرسل به1- كيف ظهر يسوع في حياته؟2- مQن هو يسوع؟3

أ- يسوع هو "المسيح"ب- يسوع هو "ابن البشر"

ج- يسوع هو "الرب"د- يسوع هو "ابن الله"

هـ- يسوع هو "االبن" و- يسوع هو "الكلمة"

خاتمة

الفصل السادس: يسوع المسيح اإلله واإلنسان فيتعاليم المجامع المسكونية

توطئة

2

Page 3: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

القسم األول: يسوع المسيح إنسان حقيقي�د1 - يسوع هو الكلمة المتجس�د يفرض وجود نفس بشري�ة في المسيح2 - التجس�

القسم الثاني: يسوع المسيح إله حقيقي�- الشكالني�ة1- التبن�وي�ة2- اآلريوسي�ة3

القسم الثالث: يسوع المسيح شخص واحد فيطبيعتين

أ- البدعة النسطوري�ةب- بدعة "الطبيعة الواحدة في المسيح"ج- بدعة "المشيئة الواحدة في المسيح"

الفصل السابع: الخالص والفداء بيسوع المسيحالقسم األول: ما هو الخالص؟

- حالة اإلنسان1- الخالص من الله2- مرادفات الخالص3- إختبار الخالص في العهد القديم4

القسم الثاني: الخالص بيسوع المسيحده1 نا بتجس� Qصmيسوع المسيح خل -نا بأعماله2 Qصmيسوع المسيح خل -نا بموته3 Qصmيسوع المسيح خل -نا بقيامته4 Qصmيسوع المسيح خل -

الفصل الثامن: من قيامة المسيح إلى مجيئه الثانيالقسم األول: شهود قيامة المسيح

- أعمال الرسل1- رسائل بولس2- األناجيل3

القسم الثاني: أبعاد قيامة المسيح- قيامة المسيح اعتالن لقدرة الله1- قيامة المسيح تصديق لرسالته من قبل الله2

3

Page 4: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- القيامة بتمجيد يسوع: صعوده إلى السماء وجلوسه3عن يمين الله اآلب

- قيامة المسيح عربون قيامتنا4- قيامة المسيح حدث الخالص وبدء الحياة األبدية5

القسم الثالث: المجيء الثاني- المجيء الثاني هو تأكيد االنتصار النهائي� للمحب�ة1- المجيء الثاني والدينونة2- خالصة3

ــــــــــــــــــــــــــ

�ة �ةتوطئ توطئ تشهد المسيحية في نهاية هذا القرن العشرين ظاهرتين

متناقضتين. فمن جهة وعند فئات كثيرة من الشعب فتور في الممارسات الدينية وابتعاد عن اإليمان وإلحاد، ومن جهة أخرىA عن األولى عودة إلى القيم وعند فئات من الشعب ال تقلB عددا

الروحية ورغبة متزايدة في التعمBق في مختلف أبعاد االيمانوالدين.

لقد كان يومL ظنB فيه االنسان أن العلم سيحلB كل مشكالته. فتطوOر� العلم وبلغ باالنسان والسيم�ا في البلدان الراقية قمة�

الرفاهية وبحبوحة العيش. إال أنه لم يتمكBن من مساعدة االنسانعلى إزالة ما يشعر به في أعماق كيانه من فراغ وضياع.

وكان يومL ظنB فيه االنسان أن مشكالته ناتجة عن رزوحه تحت نير العبودية والطغيان واالستعمار وان الثورات هي السبيل الوحيد

للبلوغ بالبشر الى الحرية واالخوBة والمساواة. فقات الثوراتZنشئت أنظمة جديدة حاولت ضمان الحريات وتبدBلت الحكومات وأ

Bر ال في حياة A لم يتغي والحقوق لألفراد والجماعات. إال أنB شيئا االنسان االجتماعية وال في عمق كيانه. فقد ظلB في حياته

االجتماعية والسياسية عرضة للتعسBف وكبت الحريات وشتىA عن ذاته. A غريبا A ضائعا المظالم، وبقي في أعماق كيانه حائرا

فال بدB والحالة هذه من إعادة طرح موضوع االيمان والدين بشكل جذري. فاالبتعاد عن االيمان ورفض الدين هل هما ابتعاد عن االيمان

Bهما ليسا في الواقع سوى الحقيقي ورفض للدين الصحيح، أم إنBف ورفض لدين خاطئ؟ ابتعاد عن إيمان مزي

4

Page 5: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ان التحدBيات التي يجابها الدين المسيحي اليوم إن من قبل الفلسفات الملحدة التي ترفض وجود الله، وإن من قبل األديان األخرى التي يحسب كل مها ذاته الدين القويم، وإنi من قبل ما

Bم علينا العودة أحرزه العقل البشري في ميادين العلم والتقنية، تحتZني علها إيماننا للتأكد من قوة ثباتها ومدى إلى األسس التي ب

مالءمتها لالنسان المعاصر.

هذا ما سنحاول تحقيقه في سلسلة من المقاالت الالهوتية نوجز فيها العقيدة المسيحية في مختلف جوانبها وتعاليمها. كثيرون من

Bة للديانة التي وZلدوا فيها، وكثيرون المسيحيين يجهلون المبادئ األولي يتساءلون عمBا بقي من الدين المسيحي عقب اكتشافات المذهلة التي شاهدها القرن العشرون في مختلف ميادين العلم والتاريخ

والدروس الكتابية.

A في هذه المقاالت هو هدف مزدوج. فمن جهة عرض هدفنا إذا شامل، وان بإيجاز واقتضاب، لجميع عقائد االيمان المسيحي، ومنBز به االيمان المسيحي عن االديان األخرى جهة أخرى إظهار ما يتمي وعن العلم وااليديولوجبات المختلفة، ومن ثمB إبراز موافقة الدينالمسيحي لالنسان المعاصر في بعده الشخصي وبعده الجماعي.

A للملحدين وأتباع وال نقصد من هذه المقاالت أن نبرهن عقليا الديانات األخرى انهم على ضالل وأن الديانة المسيحية هي وحدها

الديانة الحقيقية. فالبراهين التي تستند إلى العقل إلظهار صحة الدين المسيحي وضالل سائر الديانات لم تعد مقبولة في الالهوت

A على عرض موضوعي لما نؤمن به المعاصر. سيقتصر عملنا إذا نحن المسيحيين وعلى إيضاح األسباب التي تدفعنا إلى التمسBك

بهذا االيمان.ــــــــــــــــــــــــــ

قانون االيمانقانون االيمانyبعه فهو تصميم "قانون االيمان" الذي ال أما التصميم الذي سنت

Bرين فيه عن مجمل يزال المسيحيون يتلونه منذ القرن الرابع معبالعقائد التي يؤمنون بها. فنعالج على التوالي:

* االيمان بالله الواحد اآلب الضابط الكل.* االيمان بالله خالق السماء واألرض.

* االيمان بيسوع المسيح ابن الله الوحيد.* االيمان بالروح القدس والثالوث األقدس.

5

Page 6: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

* االيمان بالكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية.* االعتراف بالمعمودية واألسرار المقدسة.

* رجاء قيامة الموتى والحياة في الدهر اآلتي.

سنعالج في هذا الجزء األول المواضيع الثالثة األولى، على أملمعالجة سائر المواضيع في أجزاء الحقة من هذه السلسلة.

ــــــــــــــــــــــــــ

مق�دBمةمق�دBمة

قانون اإليم�ان أنشودة المجدقانون اإليم�ان أنشودة المجدالق�سم األول لمحة تاريخية، من بدعة آريوس إلى مجمع نيقية

- البدعة اآلريوسية1 في بداية القرن الرابع كان يعيش في اسكندرية مصر كاهن

فيلسوف ومعلم مقتدر يدعى آريوس. وكان هذا الكاهن الفيلسوف قد أفلح في إشاعة الفكر المسيحي بين عامة الشعب في تعابيرB أنه في الوقت نفسه أدخل إلى الالهوت ومصطلحات فلسفية. إال

ب إلى مسيحيي االمبراطورية في Bالنهج العقالني الذي كان قد تسر الشرق والغرب، كما أنه استخدم، في عرض االيمان المسيحي

وتفسيره، المناهج الفلسفية اليونانية التي كانت آنذاك قد اجتاحتاألوساط المسيحية وبدأت تنخر قلب الكنيسة.

ج آريوس في مدرسة انطاكية الشهيرة واقتبس من أساليب Bتخر سها لوقيانوس الذي رأى فيه اسكندر أسقف االسكندرية باعث� Bمؤس

العقالنية اآلريوسية. لقد أخذ آريوس عن لوقيانوس، إال أنه فاقA في النفوذ. فبتأثير من آريوس معلمه فصاحة في الجدل واتساعا

ومن مدارس التعليم الديني في انطاكية واالسكندرية، انتشرت المناقشات والمجادالت الفلسفية بين األساقفة والكهنة وعامة

الشعب، وسيطرت على الجميع الرغبة في عرض أسرار الديانة.A A عقليا المسيحية عرضا

ان الغيرة والمحبة لوحي المسيح تحمالن المسيحيين على أنA مستعدBين ليجيبوا كل من يسألهم حجBة عن الرجاء "يكونوا دوما

(.15: 3 بط 1الذي فيهم"، حسب قول القديس بطرس الرسول )A في هذا الميدان A منهم، من أمثال آريوس، ذهبوا بعيدا لكن بعضا

حتى طغى العقل عندهم على اإليمان. لقد حاولوا أن يفسBروا�ا ما يفوق قدرة العقل البشري، فتقلBص الوحي اإللهي A عقلي تفسيراBوا وتاهوا في الهرطقة. عندهم إلى أفكار بشرية محض. لذلك ضل

6

Page 7: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bدوا على الدوام وحدانية ان المسيحيين واليهود والمسلمين قد أك الله. فاليهودية تعلن: "اسمع يا اسرائيل ان الرب إلهنا هو رب

(. واالسالم يشهد: "الله أكبر! ال إله إال4: 6واحد، وإله واحد" )تثنية الله". والمسيحيون يعترفون: "نؤمن بإله واحد". فالديانات الثالثA العقيدة نفسها في وحدانية الله. فالله فيها كلها هو واحد، Oم إذا تعل

وليس من إله آخر سواه.

B أن وحدانية الله في اإليمان المسيحي تختلف عما هي عليه في إال اليهودية واالسالم. فالعقيدة الجوهرية في المسيحية هي االيمان،

ليس بوحدانية الله وحسب، بل بوحدة ثالثة أقانيم في الله. ولما بلغ وحي الثالوث كماله في وعي الكنيسة، حاول المسيحيون تفسير

التناقض الظاهر بين تأكيد وحدانية الله واالعتراف باألقانيم الثالثة، اآلب واالبن والروح القدس. وقد كان جلB اهتمام المسيحيين في

بداية القرن الرابع تبيين االنسجام بين الوحدانية والثالوث.

إال أنه باالقتصار على استخدام مفاهيم الفلسفة البشرية لم يكن من سبيل منطي يمكBن من القول "إن الله واحد، وفي الوقت

نفسه آب وابن وروح قدس"، كما تقول المسيحية. وكان آريوس يقبل المبدأ القائل ان الله واحد في ثالثة أقانيم، آب وابن وروح قدس، غير أن تفكيره الفلسفي العقلي قاده إلى القول انه، منA إله منذ A وجوهريا بين األقانيم الثالثة في الله، اآلب وحده هو حقا

A وال الروح هو إله. ويزعم آريوس أنه كان األزل، أما االبن فليس إلها وقتL وZجد فيه اآلب وحده. ويعترف كذلك أن االبن هو "قبل كل

الدهور"، ويعتقد أنه أعظم من كل خليقة مادية وغير مادية، لكنهA. "ويضيف انه قد يصحB القول عن اإلبن انه إلهي يعتبره خليقة محضا وفي صورة اآلب، ولكن ال يجوز القول انه "من جوهر اآلب"؛ فاالبن

A، بل A حقا مختلف في جوهره عن اآلب، لذلك لم يكن المسيح إلها انه مخلوق ومن صنع اآلب. ويتابع آريوس تفسيره بالتأكيد أنه عندما نقوك إن المسيح هو ابن الله، فاننا ال نعتي البنوBة بالمعنى الحقيقي

الكياني، بل بالمعنى المجازي األدبي.

وينتج من ذلك، في رأي آريوس وأتباعه، ان المسيح غير مساو�A من إله، إنما هو فقط من أصل إلهى. إال أن لآلب. فهو ليس إلها

A لدى اآلب. فهو الوسيط بين A رفيعا كأنه من أصل إلهي يعطيه مركزاA الوسيط في الخلق. وهو الذي، في لحظة اآلب والخالئق، وهو أيضاiع اآلب، كذلك من األزل، خلق الروح القدس. فكما أن االبن هو صZن

iع االبن. تلك بإيجاز تعاليم اآلريوسية. الروح القدس هو صZن

7

Page 8: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

لقد كانت لتلك التعاليم نتائج خطيرة فإنها تهدم كل ما أوحى اللهBه به إلينا عن حياة الثالوث فيه، وتنكر على الجنس البشري التأل واالتحاد الحقيقي بالله، وال تعترف للفداء بأي مفعول جذري في

الطبيعة البشرية، بل تقرB فقط بتأثير له أدبي وروحي. وهكذا تناقضاآلريوسية مناقضة صريحة الحقائق الجوهرية في الدين المسيحي.

فجوهر الدين المسيحي يقوم على أن المصالحة بين الله والبشر لم تتمB على يد مرسل من العالء وال على يد بنيB ملهم، بل على يد الكلي القدرة نفسه، صانع الكون والخالق الذي أبدع األشياء كلها،Bهها قد حققهما الله Zرى. إن فداء البشرية وتأل Zرى منها وما ال ي ما ي

نفسه ينبوع الكائنات األوحد وغير المنقسم.

إن المسيحية تؤمن بأنه ليس في مقدور إنسان أن يعيد إلىد يمكنه Bاإلله المتجس .A البشر صورة الله إال إذا كان هذا اإلنسان إلها

وحده أن يعيد إلى جنسنا الساقط صورته االلهية األولى، ويؤلهناA من A من إله، نورا A. لذلك كان ال بدB من أن يكون المسيح "إلها حقا

A من اآلب وغير A من إله حق"، وبالتالي "مولودا A حقا نور، إلهامخلوق".

اننا، بسبب حدود عقلنا البشري، نميل إلى تقريب ما هو متسام� وإلهي إلى مستوانا البشري ليسهل علينا تحليله وإدركه. انه ألسهلA بكثير على عقلنا البشري أن نقول ان الله لم يصبح هو نفسه كائناA إلى العالم. كما انه ألسهل بكثير أن بشر،، بل أرسل باسمه إنسانا

Bه بل رفعنا إلى درجة أدبية أما. نقول اننا لم نؤل

A ان صراع المسيحية في هذا الميدان من االيمان ليس فلسفياA إقناع البشر بأنهم من A. فقد يصعب جدا وحسب، بل هو نفسيB أيضا أصل إلهي، وبأن كيانهم الراهن هو إلهي، وبأنB مصيرهم كذلك هوBم المسيح. لقد اؤتمن الدين المسيحي على الحقيقة إلهي، كما يعلA لنصبح نحن إلهيين ونجلس عن القائلة ان الله نفسه أصبح انسانا يمين الله اآلب. قد تبدو تلك الحقيقة أروع ما يمكن تصديقه. انهاA واقعة. اننا نخاف من سموB كياننا. إنB قصد الله رائعة، ولكنها أيضا هو االرتقاء بنا إلى مستواه. ولكننا نحن، لوعينا ما نحن عليه من

ضعف وعجز، نحاول أن ننزل به إلى مستوانا. لم يستطع آريوسA أن يؤمن بقصد الله السامي تأليه الكائنات البشرية، فاختلق إلها

على صورة البشر .

8

Page 9: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

نشر آريوس وأتباعه أفكارهم في كل مكان بالمناقشات الفلسفية العلنية وال سيم�ا بالترانيم الشعبية، بحيث انه في نهاية القرن الرابع

أفاقت الكنيسة المسيحية في الشرق والغرب من كابوس المجادالت الفلسفية وإنشاد الترانيم الهرطوقية لتجد نفسها على

شفير اآلريوسية.

وكلما كان آريوس وأتباعه يمضون في محاوالتهم تفسير الثالوثA، كانت اآلراء تتشعBب وتزداد الفوضى بين A فلسفيا األقدس تفسيراس� تلك

� Bسع شقBة الخالف في جسم الكنيسة. ورأ المسيحيين، وتتZوتوا الفصاحة الفلسفية والبالغة المجادالت بعض األساقفة ممBن أ

الالهوتية، فنشأت كنيسة دعاها مسيحيو االسكندرية "الكنيسة المتفلسفة". فالكاثوليك والهراطقة والمنشقBون وتالميذ اثناسيوس

وأتباع آريوس وأتباع دوناتيوس، جميع هؤالء دخلوا في صراعمحموم اختلطت فيه اآلراء وتباينت المذاهب.

Bر الكاتب الالتيني أمانيوس ببضع كلمات عن شعور الشعب وقد عب المسالم حيال الصراع الشديد الذي أدBى بالمسيحيين إلى المعاداة واالضطهاد بعضهم لبعض، فقال: "ان الوحوش المفترسة ال تظهر

عداءها للبشر بقدر ما يظهر المسيحيون بعضهم لبعض الحقدالمميت".

على خالف ذلك كانت الكنيسة في القرنين الثاني والثالث تؤكد على الدوام ضرورة عدم وضع أن حدB لحرية المعتقد والتسامح. لقد قال ترتوليانوس: "ال يجوز أن ننكر على االنسان ما أنعمت به عليه

ة"؛ والقول السائد Bالطبيعة، أعني الحق في عبادة الله عبادة حر كان: "يجب الدفاع عن الدين ال يقتل اآلخرين بل بالموت ألجلهم"،ة"؟ وأما يوحنا Bوكذلك: "ليس من أمر كالدين هو قضية االرادة الحر

الذهبيB الفم، في العصر الذهبيB لالمبراطورية، فقد كان يردBد باستمرار : "لم يلجأ المسيح إلى القتل بل مات في سبيل

الحقيقة". هذا كان موقف المسيح واالنجيل من حرية المعتقد،(.24: 4"فالعابدون الحقيقيون يعبدون اآلب بالروح والحق" )يو

ق الشرق، كان االنشقاق الدوناتي Bفي حين كانت اآلريوسية تمز شمالي أفريقية كالجرح المفتوح فيجسم الكنيسة الغربية، وقد غذBاه

التعصBب األعمى وأنماه الصراع الطبقي والحقد العرقي. وهكذا كانت المسيحية في القرن الرابع تنزف في االمبراطورية الرومانية

من جرحين بليغين: العقالنية اآلريوسية في الشرق والتعصBبالدوناتي في الغرب.

9

Page 10: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- مجمع نيقية2 إنB تفاقم التصلBب في المواقف الدينية واشتداد حدBة االضطهادات

دفعا االمبراطور قسطنطين إلى التدخBل بحزم وشدBة، فدعا إلى مجمع مسكوني يعقد في نيقية في آسية الصغرى، بغية تحديد

�ا ووضع حدB لهذا التصلBب. وتوافد األساقفة A جلي عقائد االيمان تحديدا من الشرق والغرب، من الشمال والجنوب، من جميع أطراف

االمبراطورية الرومانية الشاسعة، ومن خارجها، من بالد فارس،Zوتوه من عم وقداسة، في نيقية "مدينة النصر". والتأموا، بما أ

تناقش األساقفة325 حزيران من سنة 19 أيار حتى 20من عقائد الدين المسيحي. وقد زاد حدBة النقاش ما كانوا عليه من

Bب B أن ما صدر عن مداوالتهم تجن اختالف في التعابير الفلسفية. إالروا طبيعة الله، Bكل المفاهيم الفلسفية العقلية. وبدل أن يفس

A له. أنشدوا أنشودة مجد تعظيما

أما اللفظة الفلسفية الوحيدة التي نسبوها إلى المسيح فهي لفظة ، التي تعني "من ذات جوهر" اآلب. إال أن كلمة لم تكن تعني الجوهر في ذلك الوقت. فاالفالطونية الحديثة والغنوصية استعملتاها في القرن الثالث للداللة على الكائن أو الكائن العاقل أو الشخص.

A لألشياء المادية. فقطعتان من المادة نفسها وكانت تستعمل أيضاكانت تطلق عليهما لفظة ، يعني أنهما من كيان واحد.

Zعلم اآلباء أن تعني Bر فجأة معنى الكلمة، وأ إال أنه في المجمع تغي "الجوهر" وليس "الكيان". فإطالقها على المسيح يعني أن المسيح

هو من جوهر اآلب ذاته. وقد أحدث تغيير معنى هذه اللفظة بلبلة في الكنيسة كلها. فاألساقفة والفالسفة الذين لم يحضروا المجمع اغتاظوا لسماعهم أن المجمع قد نسب تلك اللفظة إلى المسيح،

A عن وراحوا يتساءلون: من أعطى لفظة معنى "الجوهر" عوضا "كيان"؟ ومن الذي أقرB أن تعني "الوحدة في الجوهر"، وليس، كما

يقول الهراطقة، "الوحدة في الكيان"، أي في األقنوم؟ فلفظة تعني "كائن". فالشخص هو كائن، كما ان الجوهر كائن. وخافوا من أن ينتقل البعض بسهولة من "وحدة المسيح مع اآلب في الجوهر"

إلى "وحدته معه في الكيان" أي في األقنوم، وعندئذ� يصبح االبنA مع اآلب كما كان يقول الهرطوقي سابيليوس. A واحدا أقنوما

A لقد كان الغرب مهد الهرطقة التي تقول ان في الله أقنوماA، فوقعت الشبهة على الكنيسة الغربية واتهمت بأنها هي التي واحدا

10

Page 11: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

نسبت الى المسيح لفظة ، وذلك إلدخال بدعة سابيليوس فيBلي الكنيسة الغربية في الكنيسة الشرقية. ورغم ضآلة عدد ممث

Bهموا بأنهم كانوا من أتباع مجمع نيقية وربما بسبب ضآلة عددهم، اتBم�ا ان االمبراطور قسطنطين الذي دعا إلى المجمع سابيليوس، السي�ا وكان يناصرهم. فلهذا السبب وألسباب ورأسه كان هو نفسه غربي

أخرى، راح أساقفة الشرق، بعد عودتهم من نيقية إلى كنائسهم، يرفعون إمضاواتهم عن قانون االيمان. وما زاد البلبال قرار أصدره

االمبراطور يفرض فيه لفظة بالقوة.

�ا في تنظيمه فقط، أما في روحه A غربي لقد كان مجمع نيقية رومانياBر عن عقائد االيمان فكان له نفحة كتابية شرقية ويهودية، ولقد عب

بألفاظ يونانية. إال أن آباء المجمع لم يقبلوا أن يفرض أي منBزت عبقريتهم، بأنهم حموا فوق المفاهيم الفلسفية. وبهذا تمي

الفلسفة البشرية وابتعدوا عن جميع المناهج الفلسفية الخاصة،�ا، بحيث اتخذت كلمة المعنى الجديد فأعطوا لفظة معنىA مسيحي التالي: "بما أن االبن هو من جوهر اآلب، فاإلبن إله كما أن اآلب

إله. وبالتالي يجب القول إن المسيح هو أي من الجوهر الواحد معاآلب".

�اني قانون االيمان أنشودة تأليه االنسان الق�سم الث في قانون االيمان أعلن اآلباء بوضوح كلBي فكرتين أساسيتين

متماسكتين: الفكرة األولى هي أن الله واحد، آب وابن وروح قدس،Bحد هو نفسه د ات Bخلق الكون كله، ما يرى منه وما ال يرى، وبالتجس

بخليقته، وبصعوده إلى السماء أصعد معه الخليقة وأجلسها على عرش األلوهة. والفكرة الثانية هي أن الجنس البشري قد اشترك

A في حياة الله ومحبته ومجده األزلي. قال أحد A حقيقيا اشتركاA بأحرف من نور على الشعراء: "ال يقبل وحي إال إذا كان مخطوطا كبد الشمس". وقانون إيمان نيقية خطB الوحي المسيحي أنشودة

على كبد شمس األلوهة.

- التعابير الالهوتية وخبرة الله1 لم يكن قانون إيمان نيقية مجموعة من الصيغ الفكرية الجامدة،

م باأللفاظ والتعابير التي Zر� بل كان أنشودة مجد. فالمجمع لم يه الالمتناهي، بل كان مرامه Bاستخدمها احتواء الله وتفسير سر

توجيه التفكير الالهوتي الالحق. فالتعابير العقلية تعجز عن االحاطةBله وال نهاية. وال شيء يسعه اإلحاطة به. جل Bبالله الحق الذي ال حد

ما يمكن التعابير البشرية القيام به هو تقريبنا إلى م�ن لن نتمكنA من التعبير عنه، ومساعدتنا على التحاور بعضنا مع بعض. أما أبدا

11

Page 12: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

أن نعتبرها تحديدات مطلقة فهذا يؤدي بنا إلى التصلBب ويقتل كلA في تاريخ حوار وكل انسجام في عالقاتنا. وقد حدث هذا مرارا

الكنيسة كما حدث في تاريخ سائر الديانات.

االستخدام المفرط للفلسفة في الدين ورفض كل تعبير فلسفي كالهما يقود إلى التصل�ب في الرأي، وعن التصل�ب ينجم التعص�ب

واالضطهاد. فالتعابير البشرية عن حقائق الله ليست مطلقة بحيث تقدyم لها العبادة. إنما هي اشارات استدالل هدفها جعل الحوار

Zل الحوار والتناغم. ب Zفال يجوز أن تكون السبب في قطع س ،A ممكناوالدين المسيحي هو في جوهره دين الحوار والتناغم.

نحن المسيحيين ال نؤمن بصيغ وتعابير. إيماننا ارتباط بحدث. وهذا الحدث هو شخص حيB نختبر صداقته ونلتزم محبته. المرحلة األولى

في مسيرة إيماننا هي مرحلة اختبار لشخص نعبB من بحر حياته،Bر عنها لشخص هو األقانيم اإللهية الثالثة. وخبرتنا هذه هي التي نعب

في كلمات بشرية. فالصيغ نحن نخلقها، والتعابير نحن نصنعها. لذلك فالصيغ والتعابير ال تفي من خبرتنا إال بالنزر اليسير. خبرة

إيماننا هي خبرة حياة في حركة دائمة، هي ريح تعصف بنهجنا دون توقBف. فان اقتصر إيماننا على الصيغ والتعابير، سكنت الريح

وأمست خبرتنا في ركود. خبرتنا هي التي تعطي التعابير معناها، ونقيض ذلك انحراف وضالل. والذي نختبره هو شخص اآلب الينبوع

الحيB الذي يخلق، وشخص االبن الحياة التي تخلBص وتفتدي،وشخص الروح القدس الشعلة التي تحيي.

قانون إيمان نيقية ليس مجموعة من عقائد. انه بالحري إعالن لحقيقة الله واعتراف بما صنع لنا. انه إعالن لمالقاتنا األقانيم االلهيةBر عنها بألفاظ عقلية Bه شخصنا البشري. وهذه المالقاة ال نعب التي تؤلBهنا بمجد بل نعلنها كحدث: الله يسعى إلينا ونحن نجد أنفسنا قد تأل

يفوق كل توقBع بشري.

Oر عنها قانون االيمان، ليست صفة مبهمة ان حقيقة الله، كما يعبدة اختلقها العقل البشري Bكالصالح" أو "الفضيلة"، وال فكرة مجر" ك األول". والله ليس "العجوز األعزب" وال Bكالطبيعة" أو "المحر"

A، في "الفرد المنعزل" الذي "يسكن في أعالي السماء، هناك، بعيدا مكان� ما"، على ما يظن به الفيلسوفZ الملحد نيتشه إله

المسيحيين. الله، في عرفنا، إله شخصي، آب وابن وروح قدس. الشخص وحده يستطيع أن يتكلم ويوحي بنفسه. الشخص هو في

جوهره عالقة مع شخص آخر.

12

Page 13: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- الله محبة في ثالثة أقانيم2.A تعلن المسيحية أن الله محبة. وتلك المحبة ليست فكرة محضا

انها حقيقة قائمة في شخص حيB. وألنها تقوم في شخص، ندعو هذا الشخص "األقنوم" أي الذي تقوم فيه المحبة. واألقانيم في الله ثالثة. أي ان المحبة تقوم في الله على ثالثة أوجه: الحب الذي

يعطي وهو أقنوم اآلب، والحب الذي يتلقى عطاء اآلب وهو أقنوم االبن، والحب الذي يصل اآلب باالبن واالبن باآلب وهو أقنوم الروح

القدس. فاألقنوم األول ندعوه "اآلب" ألنه في ذاته فيض من الحب. واألقنوم الثاني ندعوه "االبن" ألنه يقوم في ذاته على محبة اآلب له، لذلك نقول ان االبن "مولود من اآلب قبل كل الدهور"، أي ان

الله منذ األزل هو محبة وعطاء. وال وجود للمحبة إن "لم يكن أقنوم ثان� يفيض عليه اآلب محبته، وتلك المحبة التي تنبثق من اآلب

لتفيض على االبن هي االقنوم الثالث، الروح القدس "المنبثق مناآلب".

A. انه في ذاته عالقة حب أزلية A جامدا فالله في المسيحية ليس إلها وحركة عطاء دائمة بين اآلب واالبن والروح القدس. إله واحد،

Bطبيعة إلهية واحدة، أي محبة واحدة في ثالثة أقانيم. هذا هو سر األسرار، سرB حياة الله الباطنة التي ال تستطيع خليقة من المالئكة

رها. لهذا السبب ال نتلو قانون االيمان في Bوالبشر أن تدركها أو تفس ليتورجيا الموعوظين حيث يمكن اللجوء إلى تفسيرات عقلية، بل في قلب الصالة االفخارستية، في ليتورجيا المؤمنين التي تفرض تخطBي كل تفسير عقلي والدخول في عالقة صميمة مع الله. وال

نتلوه إال بعد أن تغلق جميع األبواب في وجه الذين لم يستنيروا بعدبنور االيمان ولم يدخلوا في سرB الله.

- االيمان عالقة شخصية مع الله3 هذا السرB ال يدركه إال اإليمان. "إذ ما من سبيل، بحسب قول

القديس مكسيموس، إلى عقد عالقة بين االنسان والله إال باإليمان. فاإليمان قوة. انه قوة خاصة توحBد االنسان المؤمن والله الذي به

A يفوق الطبيعة البشرية". A كامال A مباشرا يؤمن توحيدا

A قد يكون لهم ليس االيمان عالقة عقلية وحسب. فالشياطين أيضا (. إنما اإليمان ارتباط حياتي يطال19: 2مثل هذا اإليمان )يعقوب

الشخص البشري بكامله بما يفوق إدراك البشر. لذلك يرى اآلباءA إال اذا شمل الشخص A حقيقيا القديسون أن اإليمان ال يكون إيمانا كله وحوBله إلى صورة المسيح. هناك عبارة كتابية يردBدها الشرق

13

Page 14: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

المسيحي في صالته: "بنورك نعاين النور". وتعني تلك الصالة الشعبية اننا بنور اآلب -ونور اآلب هو الروح القدس- نستطيع أن

نرى المسيح النور الحقيقي.

Bحد بأشخاص دة، بل يت Bباإليمان ال يعتنق المسيحي عقيدة مجر أحياء، بحضور حقيقي. اإليمان هو جواب اإلنسان على� دعوة

شخصية يكشف له فيها كل من اآلب واالبن والروح القدس عنA. وجواب المؤمن على تلك الدعوة A محييا A وحضورا A حيا ذاته شخصا يقوم بأن يرتمي في أحضان كل من اآلب واالبن والروح القدس

ليغرف من بحر حضور الله كما كشف عن ذاته. والله قد كشف عن ذاته انه آب يرسل االبن للخالص وبواسطة االبن يمنح الروح للحياة.

A، إنما هو A فكريا فاإليمان، في عرفنا نحن المسيحيين، ليس تحليالدخولنا في حياة األقانيم االلهية لتتحقق فيها كل ممكنات كياننا.

Zومن بإله واحد آب ضابط الكل...". عندما يتلو المؤمن قانون "أ اإليمان ال يكتفي بترداد كلمات، بل يغرق في بحر الحياة، في اآلب

الذي منه يولد االبن وينبثق الروح.

Zومن برب واحد يسوع المسيح...". أقول هذا وأغرق في بحر "أ الحب، في االبن "الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خالصنا نزل

."A من السماء... وصار إنسانا

Zومن بالروح القدس الرب المحيي...". أقول هذا وأغرق في "أZمجBد بحر النور، في الروح الذي فيه يتحقق لي الوجود "ألعبد وأ

اآلب واالبن".

ان خبرتنا الشخصية لله هي خبرة عالقة "األنا" و"األنت" بين الوجود االلهي والوجود البشري. فالله يوحي بذاته ملء الحياة

والنور والمحبة، ونحن نقبل وحي الحياة والنور والمحبة. نقبل وحي الحياة وننفتح بكل جوارح ذاتنا على الحياة، فنمتلئ من ملء الحياة،

A من محبة، ونقبل وحي النور ونقبل وحي المحبة فنصبح دفقا فنضحي أشعة من نور. وهكذا نتخطى نحن البشر كل حدودنا

Zلوهته. البشرية وندخل في النهاية الله ونشترك في أ

نحن� المسيحيين نلجأ إلى أفكار ونصيغ تعابير، لكننا نحتفلA هو الحدث. والحدث يعني، في بشخص. اننا نعبد ونمجBد شخصا

Bر الشخص عن ذاته التعبير المسيحي، الحقيقة القصوى التي بها يعب في عالقة حياة مع الغير. فالله ليس فكرة بل حدث: انه في صميم

14

Page 15: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ذاته عالقة حياة بين اآلب واالبن والروح، ومن صميم تلك الحياة،د والفدأء. Bحياة اآلب واالبن والروح، يتدفق الله في الخلق والتجس الحدث هو تلك العالقة الجوهرية التي تصل الله بخليقته صلة حياة

ومحبة. ان جوهر الحقيقة هو حدث. وجوهر الله هو هذا الحدث المزدوج المتكامل: الله في صميم ذاته آب وابن وروح، وفي عالقته

د والفداء Bباالنسان استمرار وحي ودفق عطاء في الخلق والتجس والقيامة والصعود. يقول القديس غريغوريوس النزينزي: "الله هو

ك دون انقطاع الوجدان Bاستمرار كشف ودوام وحي لذاته، يحر البشري وينير ظلماته".

يعلن قانون اإليمان أن ديانتنا ليست مجرد أقوال، بل هي يقين وموقف حياة. لذلك نحن بحاجة إلى سماع قانون اإليمان كل يومA وفي صالة النوم وفي صالة A وظهرا وعدBة مرات في اليوم، صباحاA إن أردنا تأكيد وجودنا الديني. ال الليل. ال غنية لنا عن ترداده مراراA Bقا A لنعلن ارتباطنا بالله وتعلBق عقلنا ونفسنا تعل بدB من ترنيمه مرارا

A بمن هو عمق حياتنا، قيل بكياننا إلى مماثلة كيانه. قانون مطلقا اإليمان هو ترنيمة يجب إنشادها على الدوام، كما يقول

ZتلZ قانون اإليمان اغوسطينوس أسقف ايبونة في شيلي أفريقية: "أA ومساءA. أتله لنفسك أو بالحري لله... ردBده دون كل يوم، صباحا انقطاع... أال ترتدي ثوبك كل يوم؟ انك عندما تتلو قانون اإليمان

يرتدي قلبك رداء الله".

نحن المسيحيين على يقين من أقانيم الله. لسنا بحاجة إلى براهين عقلية إلثبات يقيننا أو تفسيره. فالله ذات وجودنا وخالصنا.

ال شك في أن المسيحية في العصور السابقة لجأت إلى براهين فلسفية وتفسيرات عقلية إلثبات وجود الله. وقد تجمBعت لديها تالل

ضخمة من المفاهيم الفلسفية ومتاحف برمBتها من النظرياتالالهوتية.

ولن تتوقف المسيحية عن السعي إليجاد طرق عقلية ونفسيةBر بها عن خبرة سرB الله. ولكنها في الوقت نفسه Bة تعب وعلمي

Bر عنه قانون اإليمان، بتلك ستتمسك بيقين مطلق بالوحي الذي يعب "الحقيقة المخطوطة على كبد الشمس". عندما تبحث المسيحيةBده. عن تعابير فلسفية، ال تعلBق إيمانها وال ترتاب في يقين ما تؤك انها تتقلBب في مختلف األفكار القديمة والتعابير المستحدثة بغية

استجالء خبرتها لسرB الله، ولكن دونما خوف من أن ما سيبلغهالعقل قد يناقض إيمانها.

15

Page 16: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- قانون االيمان سمفونية بحركتين4 إن أردنا تحليل قانون اإليمان وجدنا انه سمفونية بحركتين.

الحركة األولى هي حركة انحدار تبسط سرB حياة الله الباطنة، حياة اآلب واالبن والروح القدس، وتصف تدفBق هذه الحياة في الخلقBم د والفداء والقيامة والصعود. انها "رحمة سالم" كما نرن Bوالتجس

في الليتورجيا البيزنطية. أما الحركة الثانية فهي حركة ارتقاء، "ذبيحة تسبيح"، عودة االنسان والكون إلى الله. في الحركة األولى

نعترف بأن كل شيء يأتي من الله، "وان كل عطية صالحة وكل (،17: 1هبة كاملة تنحدر من فوق، من لدن أبي األنوار" )يعقوب

وفي الحركة الثانية نعلن أن كل شيء يعود إلى قلب الله فيالمجد.

في قانون اإليمان نعلن تلك الحقيقة، بصوت جهير، حتى يستطيع العالم أجمع سماعنا، اننا من الله جئنا، واننا في الله نستريح، واننا

ر في كل صفحة Bإلى الله سنعود. تلك هي الحقائق الثالث التي تتكر من صفحات االنجيل والتي نحن بحاجة إلى سماعها والعيش

بمقتضاها. علينا تذكير البشرية أن بشريتنا هي من أصل إلهي، وأند المسيح Bوضع كياننا الراهن هو إلهي، وأن مصيرنا إلهي. بتجس

A مع الله، وبقيامة المسيح تحوBلنا إلى حياة أصبحت بشريتنا واحدا أبدية الله، وبصعود المسيح جلسنا عن يمين الله على عرش المجد

والكرامة.

أ- الحركة األولى: انحدار الله إلى االنسان في القسم األول من قانون اإليمان نعلن أن الله حقيقي، بل هوA به ال حقيقة له وال جوهر الحقيقة. وكل ما ليس منه أو ليس متصال

وجود. كل الموجودات "ما يرى منها وما ال يرى" هي من أصل إلهي ويحيط بها جوB إلهي. لذلك نعلن: "نؤمن بإله واحد، آب ضابط الكل،Zرى". بقولنا ان الله خالق Zرى وما ال ي خالق السماء واألرض، كل ما ي

Bان ومبدع وشاعر. فلفظة "خل�ق" في اليونانية تعني نؤكد أنه فن"أبدع الشعر". فانه قد أبدع الكون كما يبدع الشاعر الشعر.

A يقوم بأعمال سحر وبراعة. انه شاعر يخلق إلهنا ليس ساحرا الحياة ويبدع الجمال. انه شاعر ينير كل ما يلمسه بالمجد والبهاء.

الشاعر يخلق ما هو نفسه عليه. انه في بالمفاجآت ألنه في شعرهOر عن أعماق ذاته. يعب

الله هو الشاعر األسمى. ال بدB لنا لمعرفة شاعر من درس شعرهBان والباحث هم الدارسون لشعر الله. وحصيلة �م والفن وأعماله. العال

16

Page 17: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

درسهم تنهBدات أعجاب ورهبة أمام روعة عمله. وهذا اإلعجاب، وما يرافقه من تنهBدات، هو الطريقة الفضلى لعبادة الله والسجود له.

A يتشرBب شعره ويمتلئ منه. المسيحي ثم ان من يعاشر شاعرا�م والفنان والباحث هم الالعبون يعيش في ألفة إله شاعر. العال

Bمون لموسيقاه وشعره. عندما نفكر الملهمون أللعاب الله والمرنA كشاعر مبدع: "أومن بإله واحد، الخالق الشاعر، بالله نفكر به دوما

مبدع السماء واألرض، كل ما يرى وما ال يرى".

A ال يحمى من القصائد. نظم� قصيدة ودعاها لقد نظم الله عددا "السماء"، ونظم قصيدة أخرى ودعاها "األرض"، ونظم أيضا قصائد أخرى دعاها "النجوم" و"الكواكب" و"الماء" و"الحيوان" و"المالك"

و"الشجر" و"الزهر" و"الزرع". كل قصيدة من قصائد الله هي مصدر مفاجأة ومدعاة فرح. كل قصيدة من قصائد الله هي ينبوع

.A A وابتهاجا ع إمكاناتنا وتمألنا إعجابا Bمفاجآت توس

صنع الله السماوات واألرض بكلمة واحدة منه، بفعل واحد منرB الله Zوس ."A إرادته. قال الله "ليكن"، فكان. وكل ما كان "كان حسنا

بما صنع. لقد أحبy الله عمله: النور في السماء والشجر على األرض والعصافير في الفضاء والحيوانات والزحBافات. كل ذلك كان

A". البذور الصغيرة والحيتان الضخمة جاءت إلى الوجود، "حسناوكلها كانت "حسنة". جمال في الصنع وروعة في العمل!

واذ رأى الله أنB ما صنعه على جانب كبير من الجمال، أراد أنZنموا واكثروا وامألوا البحار والمحيطات يتكاثر. وباركهم الله وقال: أ واألرض والسماء. وكلما نظر الله إلى ما نظمه من شعر، كانت ترد

�ي اآلب واالبن والروح القدس كلمة إعجاب: "ورأى الله على شفت ذلك أنه حسن". إن أصل الكون هو في قلب الله، ان أصل العالم

إلهي.

A قصة خلق االنسان. فعندما أنهى الله تروي كتبنا المقدBسة أيضاBف في األزل، صمت عميق لفBصنع الخليقة المادية، حدث توق

السماء واألرض، اضطراب عظيم مأل الخليقة كلها، وسرت فيZنشودة خاصة، يكتب أرجاء الكون رعشة من ترقBب. الله ينظم أ

أروع قصائده. انها قصيدة حياته الخاصة يرغب في أن يشرك فيها اآلخرين. لقد أراد أن يعكس ذاته في شخص يمكنه بدوره أن

يعكس وجه الله. وقال الله: "لنصنع االنسان على صورتنا ومثالنا، وليتسلBط على سمك البحر وطير السماء وكل حيوانات األرض.

17

Page 18: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Zنثى A وأ فخلق الله االنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراA وامرأة. خلقهم". وكانت قصيدة االنسان رجال

إن أروع قصائد الله كلها وأعجب عجائب خلقه هو بال مراء الكائنA من قدرته وجماله. القصيدة البشري الذي وضع فيه الله بعضا

االنسان هي موجز روائع الخلق وأسمى تعبير لحب الله. وبعد أن خلق الله االنسان لم يقل، كما قال بعد سائر أعمال الخلق: "انه

حسن"، بل، لدى مشاهدته معجزة االنسان، الرجل والمرأة، هتف."A هتاف االنتصار والمجد: "انه حسن جدا

A آية في الحسن والجمال. وهو أثمن من الكائن البشري هو حقاات التي تولBدت في Bن من مليارات الذرBالكون بأسره. انه مكو األفران السماوية، في النجوم، منذ ماليين السنين. لذلك يرى علماؤنا المعاصرون "ان الكائنات البشرية هي أوالد النجوم".

والمسيحية تعطي تاريخ الجنس البشري ملء معناه بقولها "انأوالد النجوم هم اآلن أوالد الله".

لقد خرجت الطبيعة البشرية من يد الله على جانب كبير منBحد هو نفسه بالجسد البشري فيلبسه ر أن يت Bالجمال بحيث انه قر

د... وصار Bده. نقول في قانون اإليمان: "وتجس Bهه في تجسB ويؤلBويحيا في الجسد! ان A A أن يكون كائن إنسانا A". يا للمفخرة إذا إنساناBه البشرية المرتكز األساسي للمسيحية، إذ د الله قد جعل تأل Bتجس A هو في قلب �ه كان مقصده األخير. فأصل االنسان إذا إن هذا التأل

.Bالله. إنه إلهي

خZلق االنسان على صورة الله. فهو يملك حرية العقل والخيال. إنA، ويجبB كل شيء، ويهوى له الحرية أن يجعل من كل شيء عيدا

بنوع خاص نبض الحياة في عروقه، ويشغف باللعبة العظيمة، لعبةالحياة، ويعيش في االعجاب الدائم بروعة أعمال الله.

انها مفخرة االنسان تلك القدرة التي له على اإلعجاب بمغامرات الله في الكون وعلى التعبير عن إعجابه ورهبته حيالها. هذا هو

بالذات عمل العبادة. قوام عبادة الله اإلعجاب بخالئقه. واالنسان المؤمن هو االنسان الذي يختبر الخليقة فينشأ فيه االشتياق الى

الله الخالق "الشاعر المبدع". مصير االنسان أن يحيا في استمرار من التسبيح واإلعجاب، لمشاركته في المغامرة الحياة التي من

A منشد A وامرأة، هو حقا خاللها يختبر الله. الكائن االنسان، رجالقصائد الله.

18

Page 19: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ب- الحركة الثانية: ارتقاء االنسان إلى الله الحركة الثانية في سمفونية قانون االيمان هي حركة ارتقاء الىA من الله: الله تتبسBط في األمجاد التي يحصل عليها االنسان ميراثا�ية، ونعترف بمعمودية "ونؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسول واحدة لمغفرة الخطايا". ان الذين يعتمدون في المسيح يصبحون

A بعضهم مع بعض، ويكوBنون الكنيسة الواحدة. A معه وواحدا واحدا فالمعمودية، بحسب قول بولس الرسول، تجعل من كل إنسان

A في المسيح ) (. وجميع الذين اعتمدوا هم جسد15: 6 كور 1عضوا ( رأسه المسيح "الذي منه ينال الجسد كله13: 12 كور 1واحد )

(. إنB م�ن يقبل سرB العماد يدخل في16: 4التنسيق والوحدة" )أف ية هي الكنيسة، ويحيا في المسيح كما في سائل سماوي Bسرة سرZ أ

A للملكوت. A لله ووارثا يستقي منه النعمة والقداسة وبه يصبح ابنا

نعلن في قانون االيمان أن الكنيسة واحدة ألن رأسها واحد وهو المسيح، وألن اآلب واحد وجميع أعضاء الكنيسة هم أبناؤه، وألن

الروح فيها واحد وهو الذي يحيي الجميع. ورغم انقسام المسيحيين كنائس مختلفة، فالكنيسة مع ذلك ال تزال واحدة. نقول في

أ وال ينقسم، يؤكل كل حين Bالليتورجيا االلهية إن جسد المسيح "يجز A". فالكنيسة، رغم تجزئتها وانقسامها، تبقى واحدة، ألن وال ينفد أبداA أعضاء في جسد المسيح الواحد، معموديتنا واحدة تجعل منا جميعا

A في الثالوث األقدس. Bرنا واحدا ومن خالل المسيح تصي

A "جامعة" أو "كاثوليكية". تشير هذه اللفظة اليونانية الكنيسة أيضا األصل إلى شمولية االيمان، وتعني "ما هو موضوع اإليمان لدى كل

إنسان في كل مكان وفي كل آن". ليست الكنيسة محصورة في موضع أو بلد، في الشرق أو في الغرب، وحياتها ليست مرتبطة

Bنة. الكنيسة جامعة ألنها تجمع الشرق والغرب، الصينيين بثقافة معيعة على جميع الناس من أقاصي الشرق إلى Bواألسكيمو. إنها مشر

أقاصي الغرب. انها أوسع من البيزنطيين والرومانيين، أي إنه ال يجوز اعتبار هاتين الكنيستين التعبير الوحيد عن كنيسة المسيح. ال

تعصBب في الكنيسة وال تسل�ط من قبل ثقافة على أخرى، وال حصرBق. الكنيسة جامعة ألنها تفسح لكل إنسان في نمط واحد ضي

A A تاما المجال للتعبير عن ذاته، وألن جميع الثقافات تأتلف فيها ائتالفاA. الكنيسة تنسج وحدتها من مختلف إسهامات األفراد منسجما

والثقافات.

19

Page 20: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A "أرثوذكسية". إنB لفظة "ذZكسا" تعني في تدعى الكنيسة أيضاA الرأي. فالجماعة األرثوذكسية هي A المجد، وتعني ثانيا اليونانية أوالA الجماعة التي تنشد التسابيح لمجد الله. ولكنB تلك اللفظة قد أوال

A بعد المجمع المسكوني الخلقيدوني ) (،453اتخذت معنىA خاصاA للكنيسة التي قبلت قرارات هذا المجمع وسارت على فأصبحت نعتا

"رأيه القويم وعقيدته القويمة". لذلك كانت لفظتا "ارثوذكسية"Bتا و"كاثوليكية" مترادفتين تستعمالن الواحدة بدل األخرى، وظل

A إلى ما بعد المجمع تنسبان إلى الكنيستيين البيزنطية والرومانية معا (. ولدى انقطاع الشركة بين بطريركية787النيقاوي الثاني )

القسطنطينية وبطريركية الغرب في القرن الحادي عشر، اختصت الكنيسة الغربية بلفظة "كاثوليكية"، وانفردت الكنيسة الشرقية

B أنB كل واحدة منهما ادBعت وال تزال تدBعي بلفظة "أرثوذكسية". إال."A أنها في جوهرها "كاثوليكية وأرثوذكسية معا

الكنيسة واحدة جامعة و"مقدBسة". فعلى الرغم من خطايا أعضائها، تبقى الكنيسة مقدسة ألنها جسد المسيح وقد افتداها

Bاها وأرسل إليها روحه القدوس Bها وتبن وغسلها بدمه، وألن اآلب أحبليمكث فيها ويحييها.

A "رسولية" ألنها تأسست على إيمان الرسل والكنيسة أخيرار بتلك الكرازة. Bوكرازتهم، وألنها ال تزال تعلن هذا االيمان وتبش

ويختم النشيد� بمجد ترنيمةL لمصير البشرية االهي، أي للقيامة والحياة األبدية: "ونترجBى قيامة الموتى والحياة في الدهر اآلتي.

آمين".

انه لضالل وانحراف أن تهمل بعض الكنائس المسيحية في عصرنا ترتيل قانون االيمان، وال سيم�ا في أثناء الليتورجيا االلهية، فتستبدله

A وينقصها A جافا ببعض الترانيم المستحدثة التي تعطي غذاءA عقليا الملء واألصالة. لقد فقد قانون االيمان النيقاوي فتنته ومجده في األوساط المسيحية منذ أن جعل منه المجمع التريدنتيني مجموعة

ر براهين فلسفية في "التعليم المسيحي" الذي Bعقائد وعبارات تفس وضعه. وهكذا غاب عن بالنا أن قانون االيمان ال يعرض االيمان

المسيحي في عبارات عقلية وعقائدية بل في شهادة حياتية تجعلA. االيمان المسيحي يصلنا صلة A ومجدا المسيحي يهتزB حياةA وفرحا

مباشرة بالحياة، بالمجازفة، بالمغامرة. انه ال يدخلنا في أمان العقل وطمأنينته الهنيئة الزائفة، بل يرمي بنا في بحر الالنهاية، في عالم

الله.

20

Page 21: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ــــــــــــــــــــــــــ

الفصل األوBلالفصل األوBل

اإليم�ان باإلله الواح�داإليم�ان باإلله الواح�د

"نؤمن بإله واحد...""نؤمن بإله واحد..." أخذت المسيحية عن اليهودية إيمانها باإلله الواحد، ثم أخذ االسالم

A إيمانه باإلله الواحد. فاإليمان باإلله عن المسيحية واليهودية معاA عنصر مشترك بين هذه الديانات الثالث. أما أن يقول الواحد هو اذا

بعض المسلمين عن المسيحيين إنهم مشركون ألنهم يؤمنون بالثالوث األقدس فهذا دليل جهل مطبق للمبادئ األولية في الديانة

المسيحية، سنردB عليه في الجزء الثاني من هذه المقاالت، في معرض حديثنا عن الروح القدس والثالوث األقدس. نكتفي اآلن

بالقول أن المسيحية هي من الديانات التي تؤمن باإلله الواحد. ماذانعني بذلك؟

- أسماء الله في مختلف الحضارات- أسماء الله في مختلف الحضارات11 إنB كلمة "إله" مشتقBة من كلمة "إيل" وهو االسم الذي كانت

Bة تدعو به آلهتها، ويعني "القوة والقدرة". أما جميع الديانات السامي كلمة "الله" فناتجة من إدخال ال التعريف على كلمة إله، فأصبحت

"اإلله"، ثم من إدغام األلف في وسط الكلمة بالالم التي قبلها وتشديد الالم، فأصبحت "الله". فالله هو اإلله األعظم بين سائر

اآللهة، عند العرب قبل االسالم. أما في اليهودية والمسيحيةواالسالم، فالله هو اإلله الوحيد.

( واللغاتDeusأسماء الله في اللغات اليونانية والالتينية )( وااليطالية )Dieuاالوروبية المشتقBة من الالتينية، كالفرنسية )

Dio( واالسبانية )Diosة من السنسكريتية وهي أقدمBمشتق ،) اللغات الهندية األوروبية؛ ففي هذه اللغة "ديو" تعني "النور". وحتى

يومنا هذا كلمة "ديوا" تعني "المصباح الصغير" في بعض اللغاتالهندية.

(Gott( وااللمانية )Godأما أسماء الله في اللغة االنكليزية ) وسائر اللغات الجرمانية، فمشتقBة من كلمة "غوتو" التي تعني في

اللغات الهندية االوروبية "الذي ندعوه أو نبتهل إليه".

في العهد القديم استعمل الشعب اليهودي كلمتين لإلشارة إلى الله، كلمة "ايلوهيم" وهي اسم جمع أو تفخيم لكلمة "إيل" التي

21

Page 22: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bة للداللة على الله، وكلمة استعملتها مختلف الشعوب السامي "يهوه" وهي مشتقBة من فعل "هيا" ويعني في العبرية "كان".

A لهذا االسم في فاسم "يهوه" يعني "الذي يكون". ونجد تفسيراBيقة المحترقة على جبل سيناء. رواية ظهور الله لموسى في العل فعندما سأل موسى الله عن اسمه أجابه "أكون الذي أكون"، ثم

:3قال له: "كذا قل لبني اسرائيل: أكون أرسلني إليكم" )خروج (. وفي اآلية التالية يضيف النص: "وقال الله لموسى ثانية: كذا14

قل لبني اسرائيل يهوه إله آبائكم إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب بعثني إليكم. هذا اسمي إلى الدهر وهذا ذكري إلى جيل

فجيل".

- من تعدBد اآللهة إلى اإلله الواحد:- من تعدBد اآللهة إلى اإلله الواحد:22خبرة الشعب اليهودي في العهد القديم

نشأت الديانة اليهودية وسط شعوب وحضارات كانت العقيدة السائدة فيها االيمان بتعدBد اآللهة، كالبابلية والمصرية والفينيقية

واليونانية. وقد توصBل الشعب اليهودي إلى االيمان بوحدانية اللهA مع ابراهيم وسائر اآلباء وبشكل واضح ونهائي مع موسى. تدريجيا

س هذا االيمان في الوصية األولى من وصايا الله: "أنا يهوه Bوتكر )الرب( إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية. ال يكن

(.3، 2: 20لك آلهة أخرى تجاهي" )خروج

أ- إله الحياة وإله الخالص لم يكن وصول الشعب اليهودي الى االيمان بوحدانية الله نتيجة تفكير فلسفي في ضرورة وجود كائن مطلق يملك كمال الكيان،

كما توصBل إلى ذلك بعض فالسفة اليونان كأفالطون وأرسطوطاليس، بل كان نتيجة خبرة حياتية عرفها الشعب في تاريخه الطويل. فمع ابراهيم ظهر الله للشعب إله الوعد وإله

الحياة. فبينما كان ابرام بعد في حاران دعاه الله ووعده بأن يعطيهA جديدة ويجعل منه أمBة كبيرة: "قال الرب ألبرام: انطلق من أرضا

أرضك وعشيرتك وبيت أبيك الى األرض التي أريك، وأنا أجعلك أمBةZعظOم اسمك وتكون بركة" )تكوين Zباركك وأ (.2، 1: 12كبيرة وأ

ومع موسى ظهر الله إله الخالص الذي أخرج شعبه من أرضyم� الله موسى وقال له: أنا يهوه. أنا العبودية إلى أرض الحرية: "كلA على كلB شيء. A قادرا Bيت البراهيم واسحق ويعقوب إلها الذي تجل

22

Page 23: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Zعلنه لهم. وأقمت معهم عهدي على أن أما اسمي يهوه فلم أA قد سمعت Zعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم التي نزلوا بها. وأيضا أ

أنين بني اسرائيل الذين استعبدهم المصريون، فذكرت عهدي.Bكم من تحت أثقال لذلك قل لبني اسرائيل: أنا يهوه، ألخرجن

ZخلOصكم من عبوديتكم، وأفديكم بذراع مبسوطة المصريين وأA، وتعلمون أني A، وأكون لكم إلها Bحذكم لي شعبا وأحكام عظيمة، وأتZدخلكم أنا يهوه إلهكم، الخرج لكم من تحت أثقال المصريين. وسأ

Zعطيها البراهيم واسحق A أن أ األرض التي رفعت يدي مZقسماA، أنا يهوه" )خروج Zعطيها لكم ميراثا (.8- 2: 6ويعقوب، فأ

في كالم الله هذا لموسى يأخذ اسم "يهوه" كل معناه. ان الله "يكون مع" شعبه ليخلBصهم. فالله هو، في العهد القديم، إله الوعد

والحياة والقدرة وإله الخالص والفداء.

A A نظريا وإيمان اليهود بالله، في العهد القديم، لم يكن إيماناA بأنB اإلله الوحيد الذي خلق A عمليا A وجوديا A، بل كان إيمانا فلسفيا،A A أبديا A وصنع معهم عهدا السماوات واألرض قد اختارهم له شعبا

وانه سيبقى معهم إله الحياة وإله الخالص مهما انتابهم من محنومصائب.

لذلك في أثناء سبيهم في بابل نسمع أشعيا الثاني يعدهم بالخالص: "هكذا قال الله، يهوه، خالق السماوات وناشرها، باسط األرض مع ما ينبت ما، الذي يعطي الشعب عليها نسمة والسالكين

A. أنا، يهوه، دعوتك ألجل البرB وأخذت بيدك وحفظتك فيها روحاA لألمم" )اشعيا A للشعب ونورا (. "هكذا قال6، 5: 42وجعلتك عهدا

Bي قد يهوه، خالقك يا يعقوب وجابلك يا اسرائيل: ال تخف فانBي معك، Bك لي. اذا اجتزت في المياه فان افتديتك ودعوتك باسمي. انZلذ�ع، وال يلفحك أو في األنهار، فال تغمرك، واذا سلكت في النارفال ت

(.2، 1: 43اللهيب" )اشعيا

Zبوyة الله ب- أZبوyة على هذا اإليمان باختيار الله لشعبه بنى العهد القديم فكرة "أ

الله". نقرأ في تثنية االشتراع هذا النصB الذي يعود إلى القرن السابع قبل المسيح: "أبهذا تكافئ يهوه، أيها الشعب األحمق الذي

:32ال حكمة له؟ أليس انه هو أبوك الذي فطرك وأبدعك؟" )تثنية 6.)

23

Page 24: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A األب Bد األنبياء على تلك الفكرة. فاإلله الوحيد هو أيضا وقد أك الوحيد لشعبه. يقول النبي مالخيا: "أليس أب واحد لجميعنا؟ أليس

(. 10: 2إله واحد خلقنا؟" )مالخيا

A الله في صالته: "انك أنت، يهوه، أبونا ويقول النبي اشعيا مخاطبا وفادينا. منذ الدهر اسمك... اآلن، يهوه، أنت أبونا. نحن الطين وأنت

A عمل يديك" )اشعيا (.8: 64؛ 16: 63جابلنا، ونحن جميعا

Zبوyة الله بتعابير مليئة بالعطف والحنان: "إذ كان ويصف هوشع أجت افرائيم Bأحببته ومن مصر دعوت ابني... أنا در A اسرائيل صبيا

(.3- 1: 11وحملتهم على ذراعيB" )هوشع

A، لم يصل A طبيعيا ان اإليمان بوحدانية الله، الذي نعدBه اليوم أمراB من خالله خبرة عاشوها على مدى تاريخهم. وتلك إليه الحدود إال الخبرة قد قادتهم إلى رفض تعدBد اآللهة وإلى اإليمان بوجود إلهA واختار الشعب اليهودي ليصنع واحد خلق الكون والبشر جميعا

Zمم األرض وشعوبها. A مع جميع أ بواسطته عهدا

ج- اإليمان باإلله الواحد في عصرنا الحاضر

لم يبق� اليوم أي مشكلة بالنسبة إلى االعتقاد بتعدBد اآللهة. فجميع الذين يؤمنون اليوم بالله يؤمنون بإله واحد. فالله هو كمال الكيان،A بين اثنين. والله هو مبدأ الكون، وال يمكن أن يكون الكمال منقسما

وال يمكن أن يكون للكون مبدأان. فمن يؤمن بالله يؤمن بأنBقة بكائن مطلق كامل هو أصل جميع الكائنات الخالئق كلها متعل

ومبدأها وغايتها.

لذلك ينقسم الناس اليوم، بالنسبة إلى اإليمان بالله، إلى فئتين: فئة تؤمن بوجود الله، وهم المؤمنون، وفئة ترفض وجود أي إله،

وهم الملحدون.

م�ن م�ن الفئتين على حق وم�ن منهما على ضالل؟ هل يستطيع المؤمن أن يبرهن للملحد بالبراهين العقلية الجازمة انه على ضالل

Bن وان الله موجود؟ ومن جهة أخرى هل يستطيع الملحد أن يبي للمؤمن بالبراهين العقلية الجازمة انه على ضالل، وان ال وجود ألي

إله؟

24

Page 25: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Zل إلى الله33 Zل إلى الله- البراهين على وجود الله أو السب - البراهين على وجود الله أو السب هناك ثالثة أنواع من البراهين لجأ إليها الالهوت المسيحي عبر

A للوصول القرون إلثبات وجود الله، يمكن أن يكون كل منها سبيالإلى الله:

- براهين ترتكز على وحي الله نفسه، إذ ترى أن العقل البشري1دة إثبات أي شيء أكيد عن الله. Bال يمكنه بقواه المجر

- براهين تنطلق من الطبيعة والعالم وترى أن العقل يستطيع2من خالل الكون إثبات وجود الله.

- وبراهين وتنطلق من االنسان ومن شعوره الكياني بأن لحياته3A وغاية ومعنى، وتظهر أنB الله هو مبدأ حياته وأساسها A وأساسا مبدأ

وغايتها.

أ- البراهين التي ترتكز على وحي الله يرى بعض الالهوتيين البروتستنتيين من أمثال كارل بارت

ورودولف بولتمن ان االنسان ال يمكنه معرفة الله إال إذا أوحى الله له بذاته. وقد تمB هذا الوحي في الكتاب المقدBس الذي هو وحده

كالم الله وفيه وحده يستطيع االنسان أن يعرف الله معرفة حقيقية.A عن وحي الله لذاته في وكل ما يقوله االنسان عن الله خارجا

Bفة لإلله الحقيقي، ألنه الكتاب المقدBس ليست سوى صورة مزيد انعكاس لرغبة االنسان في االرتفاع من واقع ضعفه وحدوده Bمجر

إلى المطلق األسمى.

Bه االنسان صورة رغباته البشرية هو الذي ان الخوف من أن يؤل حمل كارل بارت على رفض كل معرفة لله خارج الوحي. ال ريبره. غير أن االيمان بالله، وان ارتكز Bفي أن هذا الخوف له ما يبر

A إلى خبرة انسانية ومعرفة على الوحي، ال بدB له من االستناد أيضاد وهم أو شريعة Bال أساس له أو مجر A بشرية، وإال أصبح افتراضاBم على االنسان القبول بها دون محاولة تفرض من الخارج ويحت

تفهBمها.

A أعمى بل هو إيمان مسؤول. فااليمان ال يمكن أن يكون إيماناBخذ كل مؤمن لذلك ال يفرض االيمان على االنسان من فوق، بل يت

Bصلة بواقع حياته. A من خبرة شخصية مت قرار االيمان انطالقا

25

Page 26: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ب- البراهين التي تستند إلى الطبيعة والعالم والمخلوقات يعتقد الالهوت الكاثوليكي التقليدي أن االنسان يستطيع التوصBل

إلى معرفة الله من خالل الكون والطبيعة وسائر المخلوقات. فالتأمBل بالمخلوقات وبما فيها من جمال ونظام يمكن أن يقود إلى

االعتراف بوجود إله خالق خلقها ووضع ما فيها من جمال ونظام.

ويرتكز الالهوتيون الكاثوليكيون في تحليلهم على البراهينZسسها أرسطوطاليس وأفالطون، الفلسفية لوجود الله التي وضع أع فيها Bمها وتوسBوأدخلها القديس اغوسطينوس في الالهوت، ثم نظ

القديس توما االكويني.

( هذا الموضوع1870وقد عالج المجمع الفاتيكاني األول )سنة Bة توما االكويني بعد أن أدخل عليها بعض التعديل. فبينما وأخذ بنظري

A أن يبرهن عن يقول توما االكويني إن العقل البشري يمكنه مبدئياA أن يعرف وجود الله، اكتفى المجمع بالقول إن االنسان يمكنه مبدئيا

A بفضل الله، ويضيف أن هذه االمكانية المبدئية قد أصبحت واقعاوحي الله.

A هذا الموقف في "الدستور Bى المجمع الفاتيكاني الثاني أيضا وتبن (، الذي يعلن فيه "ان1965العقائدي في الوحي االلهي" )سنة

العقل البشري يستطيع بنوره الطبيعي أن يعرف الله مبدأ كل شيء وغايته معرفة أكيدة، وذلك عن طريق المخلوقات".

:1ويستشهد بما يقوله بولس الرسول في رسالته الى الرومانيين ) ( "ان صفات الله غير المنظورة، وال سيم�ا قدرته األزلية20

Zلوهته، تبصر منذ خلق العالم، مدركة بمخلوقاته". ثم يضيف وأى إلى الوحي أن األمور اإللهية Zعز� المجمع: "إال أنه من الواجب أن ي التي ليست في حدB ذاتها صعبة المنال على عقل االنسان، يستطيع

الجميع، حتى في ظروف الجنس البشري القائمة، أن يعرفوهاA ال يخالطه غلط" )رقم A ثابتا (.6بسهولة، وأن يتيقBنوا منها يقينا

ان هذا الموقف، الذي دZعي بالالهوت الطبيعي، هو حلB وسط بينA موقف العقالنيين الذين ينكرون الوحي وال يرون في االيمان إال عمال

A، وموقف الذين يرفضون االرتكاز على أي معرفة عقلية لله عقلياA لله ولكالمه. وال يرون في االيمان إال استسالما

ويؤكد الالهوت الطبيعي أن هناك نوعين من المعرفة: معرفة طبيعية ترتكز على العقل البشري، ومعرفة فائقة الطبيعة ترتكز

على الوحي وااليمان. فالمعرفة الطبيعية هي نقطة االنطالق التي

26

Page 27: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

يوجد فيها االنسان عندما يسمع كالم الوحي. عندئذ� ينتقل منالمعرفة العقلية إلى االيمان.

ان السبيل إلى الله من خالل الكون والطبيعة والتفكير العقلي ال يزال يعتمده الكثيرون من الالهوتيين المعاصرين. إال أن كثيرين

A بعد يوم، يرون أن البراهين العقلية عن غيرهم، وعددهم يزداد يوما وجود الله قد ضعفت قدرتها على االقناع، وال سيم�ا بعد ما أظهر

الفيلسوف االلماني كانط حدود العقل البشري وعدم قدرته على تأكيد أي شيء يخرج عن نطاق الطبيعة والخبرة االنسانية. فالعقل ال يمكنه، في نظر كانط، أن يقدBم براهين جازمة عن وجود الله وال

عن عدم وجوده.

ال شك أن كانط يصل إلى االيمان بوجود الله عن طريق أخرى. فيقول إن تأكيد وجود الله هو من المسلBمات التي يفترضها االنسانA ما يشعر به في داخله من واجب يدفعه إلى عمل ويقبل بها انطالقا

الخير ومن رغبة في السعادة الالمتناهية مرتبطة بتتميم هذا الواجب. فالشعور بالواجب غير ممكن إن لم يكن هناك إله يفرض هذا الواجب. والرغبة في السعادة غير ممكنة إن لم يكن هناك إله

يشبع تلك الرغبة ويكافئ بالسعادة األبدية من يصنع الخير في حياتهعلى األرض.

غير أن تلك المسلyمات، كما يرى بعض الالهوتيين المعاصرين، هيA بحاجة إلى إثبات، وال يمكنها بالتالي أن تقود إلى تأكيد وجود أيضا

الله.

ج- السبيل إلى الله من خالل خبرة االنسان* القلق الوجودي

ان من ينظر إلى ما يختبره االنسان في واقع حياته يرى أنA A عن تحقيق ما تصبو إليه نفسه، وأن هناك تباينا االنسان يعجز دوما

A A بين ما يريد أن يكون وما هو عليه في الواقع. يريد كيانا مستمراA، يريد A مائتا A ووجودا A محدودا A وال يختبر إال كيانا A خالدا A ووجودا مطلقا

حياة مليئة بالقيم وال يختبر إال الفراغ والعبث، يريد عمل الخير وراحة الضمير ويصطدم بالشرB والشعور بالذنب. ونتيجة لتلك

الخبرة يساوره الخوف وينتابه القلق.

27

Page 28: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

( حالة1965- 1886لقد أوجز الالهوتي االلماني "بول تيليخ" )yز� فيه ثالثة االنسان هذه في كتاب دعاه "الجرأة على الكيان"، مي

أنواع من الخاطر تهدBد كيان االنسان في أبعاده الثالثة:- فالمصائب والموت تهدد االنسان في حياته ووجوده،

- والشعور بالفراغ والعبث يهدBدان كيانه الروحي،- والشعور بالذنب والهالك األبدي يهدBدانه في كيانه األدبي

A لما تحدثه من دمار وتكون هذه المخاطر نسبية أو مطلقة وفقاA في كيان االنسان: فالمصائب واألمراض تهدBد حياة االنسان تهديداA، والفراغ يهدBد كيان االنسان A، أما الموت فيقضي عليها نهائيا نسبيا

A؛ والشعور A، وأما العبث فيقضي عليه نهائيا A نسبيا الروحي تهديداA، أما الهالك األبدي A نسبيا بالذنب يهدBد كيان االنسان األدبي تهديدا

.A فيقضي عليه نهائيا

والقلق الذي يعانيه االنسان ينتج ما يشعر به من خوف حيال تلك.A A مطلقا A وإما قلقا A نسبيا A إما قلقا الخاطر. لذلك يكون هو أيضا

* السيطرة على القلقBن االنسان بعد هذا التحليل للوضع االنساني، يصف تيليخ كيف يتمك

من السيطرة على القلق. فيرى أن االنسان ال يمكن أن يبقى في الوجود رغم ما يهدBد كيانه من مخاطر إال إذا كانت له "الجرأة على

الكيان". وتلك الجرأة يستمدBها االنسان من مصادر ثالثة: منالمجتمع ومن ذاته ومن الله.

فاالنسان يشعر بأنه جزء في مجتمع يتفاعل معه فيعطيه ويأخذ منه ويجد فيه الراحة لنفسه والمعنى لحياته. كما يشعر االنسان انه

شخص له كرامته وهدف يسعى إليه وفيه يحقBق ذاته. وبقدر ما يندمج االنسان في المجتمع ويحقBق فيه ذاته بقدر ذلك يمكنه أن يتغلBب على ما يهدBد وجوده من مخاطر وما يعانيه في كيانه من

قلق.

إال أن تلك الجرأة التي يستمدBها االنسان من المجتمع ومن ذاته ال تقوى على السيطرة إال على المخاطر النسبية التي تهدBد كيان

االنسان في مختلف أبعاده وعلى ما ينتج عن ذلك من قلق نسبي. فأي قوة يستطيع االنسان أن يجدها في ذاته أو في المجتمع

للسيطرة على القلق الذي يشعر به إزاء الموت والعبث والهالكاألبدي؟

28

Page 29: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

في تلك الحاالت القصوى، يقول تيليخ، ال يبقى لالنسان إال ملجأ واحد يلجأ إليه، وهو االيمانZ بوجود حقيقة قصوى تفوق الطبيعة وتسمو على الكون، واالعترافZ بوجود كائن مطلق يستطيع أن

يرتمي في أحضانه بثقة كاملة. وحده االيمان بالكائن المطلق يمكBن االنسان من التغلBب على القلق المطلق الذي يعانيه حيال المخاطر

A في مختلف أبعاده. A مطلقا التي تهدBد كيانه تهديدا

ب والضياع Bالتغر *Bن االنسان من ان هذا القلق الوجودي العميق، إن لم يتمك

ب. والضياع. Bمن أن يقوده إلى التغر Bالسيطرة عليه، ال بد

A في الفلسفة ب والضياع كلمتان لمفهوم واحد تردان كثيرا Bالتغر A عن نفسه المعاصرة للتعبير عن حالة االنسان الذي يعيش غريبا

A في عالم وZجد فيه دون أن يعرف من أين أتى وعن اآلخرين، ضائعاوإلى أين هو ذاهب.

ب االنسان: "غريب هو الكائن Bيقول شارل مالك في وصف تغر A وغرابة، وغريب هو في كونه االنسان -غريب في امتالئه سرا

ب إياه. Bأسراره يكمن في ذلك التغر Bب. وسر Bغريب متغر -A با Bمتغر ب Bب عن م�ن؟ ونجيب انه متغرBب عن ماذا؟ متغرBلذلك نسأل: متغر

ب Bعن شيء كانه أو بإمكانه أن يكونه، لكنه، وهو في حالة التغر A عنه، وحنينه األخير هو في هذه، يكون دون ذلك الشيء أو بعيدا

A عن شيء با Bالرجوع إليه. فغرابة االنسان، إذن، هي في كونه متغر A أيB غريب، وأزعم، أيها Bنا غرباء. أنا أعرف تماما يحنB للرجوع إليه. كل

A غريب. غرابتك انك طافح باألسرار التي القارئ، أنك أنت أيضاA. وهذا هو األغرب. غرابتك انك أجهل، بل، والتي تجهل أنت أيضا

A منها أنت نفسك. انك مثلي، تتلمBس تجيش بالمهام التي لست واثقاك الدفين هو Bس. ان سرBأسرارك ومعنى حياتك كلها في هذا التلم

Bش، مثلي، عن بك والعودة إلى كيانك، وتفت Bأنك تريد، مثلي، إنهاء تغر طريق العودة. متى نعود؟ وكيف نعود؟ وإلى أين بالذات؟ وإلى م�ن؟ ثم هل نستطيع العودة؟ أم انه قZضي علينا بالتغرBب طيلة

العمر؟ وهل من طبيعة كياننا أن نبقى غرباء، نعاني حسراتالغربة؟ تلك هي األسئلة األخيرة الحاسمة... "

A A عن غاية وجوده، بعيدا A هو حالة االنسان العائش غريبا ب اذا Bالتغر به والعودة إلى كيانه ما لم Bعن معنى حياته. ولن يستطيع إنهاء تغر

يجد غاية وجوده ومعنى حياته. كيف السبيل إلى ذلك؟

29

Page 30: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

* اكتشاف القيمة القصوى في وجود كل انسان قيم متعدBدة يسعى إلى تحقيقها ألنه يرى في

A لذاته. وتختلف هذه القيم باختالف الحاجات والرغبات ذلك تحقيقا واألطباع واألميال. فهناك حاجات بيولوجية ال بدB من إشباعها

كالحاجة إلى الطعام والكسوة والمسكن، وهناك حاجات فكرية كالحاجة الى المعرفة والجمال؛ وهناك حاجات اجتماعية كالحاجة

إلى عائلة ومجتمع ووطن.

ويختلف البحث عن تلك القيم باختالف أهميتها. فمن القيم ما هو أساسي في حياة االنسان ومنها ما هو ثانوي. وفي الواقع لكل

لyم يضع Zم من القيم يبنيه هو نفسه، وفي أعلى هذا السyل Zإنسان س قيمة أساسية قصوى، كالحب، والصداقة، والمال، والشرف،

والسلطة، والمكانة االجتماعية، والحزب، والوطن، الخ... وهذه القيمة القصوى هي التي تعطي معنى لوجود االنسان وتساعده

على تحمBل صعوبات الحياة والتغلBب على ما يعانيه من حيرة وقلق. لذلك يوجBه إليها كل قواه، وال ينظر إلى الحياة إال من خاللها، وال

يبحث عن سائر القيم إال بقدر ما تتيح له تحقيق تلك القيمةA A لذاته، وفي فقدانها فقدانا القصوى، ألنه يرى في تحقيقها تحقيقا

A لذاته، فهي محور نظرته الى الكون والواقع، ومركز ائتالف وضياعاكيانه وشخصيته.

معظم الناس يختارون لذواتهم قيمة قصوى يسعون لتحقيقها فيحياتهم، ولكن المهم في األمر ليس االختيار بل حسن االختيار.

به، هو انه، في Bومشكلة االنسان الكبرى، التي هي في أساس تغر معظم األحيان، يخطئ في اختياره. يختار لنفسه قيمة قصوى من

بين هذه األمور التي تشبع رغباته الوقتية وحاجاته الزمنية، ولكنها ال تقوى على إشباع رغبته في المطلق وعطشه وإلى الالمتناهي، وال�مy إزالة الخاطر المطلقة التي تهدBد االنسان في عمق تستطيع من ث

كيانه: خطر الموت وخطر العبث وخطر الهالك األبدي. لذلك ان اكتفى بها االنسان ووضع فيها رجاءه األخير، ال بدB له من الشعور

ب عن غاية وجوده ومعنى حياته. Bبخيبة األمل وبالتغر

ان األمر الوحيد الذي يستطيع أن يكون الغاية القصوى الحقيقيةA شارل مالك عن الحقيقة: لالنسان يجب أن يصحB فيه ما يقوله أيضا "انه شيء موجود، شيء حقيقي ثابت وأكيد، ال غشB فيه وال زيف،

شيء ال يخدع وال يغالط، وهو، على بعده وخفيته، شيء متاح،A، بل ممكن األخذ والمنال، شيء يرتاح إليه العقل ويطمئنB تماما

30

Page 31: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ليس في مقدور العقل أن يشكB فيه، أو يتساءل عنه، أو يدور حوله، انه شيء يقنع ويشبع، شيء مضبوط ال عطب في أيB من جوانبه

كافة، يمأل النفس، فتطمئنB إليه، وتجد فيه سعادتها، شيء باق� أركنA منذ األزل وهو إليه بسالم، وهو حين أجده أقول انه كان موجودا

الذي كنت أبحث عنه طيلة حياتي؛ شيء يغنيني عن أيB شيء آخر إن أنا وجدته ومكثت فيه؛ شيء مباح عمومي بمقدار ما هو

Bنت من A، شيء إن أنا حزته واعتنقته تمك خصوصي أمتلكه شخصيا،A شرحه ونقله إلى غيري، وتمكBن غيري من حيازته واعتناقه هو أيضاة من حيازتي له واعتناقي إياه، شيء بقدر Bدون أن ينتقص مثقال ذر

Bما أشرحه وأكونه وأشهد له، وأشرك فيه غيري، بقدر ما يزداد في A". ولكن هل من سبيل للتأكد من وجود هذا الكائن A ووثوقا Bنا تمك

المطلق؟

- بين اإللحاد واإليمان- بين اإللحاد واإليمان44

أ- اإليمان واإللحاد كالهما ممكنA اننا ال نستطيع أن نثبت بالبراهين العقلية ال بدB لنا من اإلقرار أوال

الجازمة التي ال تقبل الشك لوضوحها وصفائها وجود هذا الكائن المطلق وتلك الحقيقة القصوى. فكثافة الجسد الذي نحن فيه

A وكثافة المادة التي تكتنفنا تحوالن دون ظهور هذا الكائن ظهوراBلذلك يستحيل علينا إقناع الملحدين بالبراهين العقلية أن .A جليا

إلحادهم خاطئ.

A ال ولكن من جهة أخرى ال بدB للملحدين من اإلقرار بأنهم هم أيضاBيستطيعون أن يبرهنوا بالبراهين العقلية الجازمة التي ال تقبل الشك

ان هذا الكائن المطلق الذي نؤمن بوجوده هو وهمL محض وصنعخيال.

A االيمان ممكن وااللحاد ممكن، وكالهما ال فمن الناحية المبدئية اذاA يرتكز على براهين عقلية. انهما موقفان يختارهما االنسان انطالقا من نظرة أساسية شاملة إلى الكون والحياة فااليمان يرتكز على نظرة إيجابية، نظرة ثقة بالكون والحياة، بينما يرتكز اإللحاد على

نظرة سلبية، نظرة شكB وتشاؤم بالكون والحياة.

ب- اإليمان واإللحاد موقفان من الحياة المؤمن يرى ان للحياة مبدأ ومعنى وغاية، وان الله هو مبدأ

الكائنات ومعناها وغايتها. لذلك يستطيع ان يتغلBب على ما يشعر به

31

Page 32: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

من قلق. فالموت لن يعود في نظره نهاية كل شيء بل دخول فيA، بل اشتراك مع الله في A وعبثا حياة الله؛ والحياة لن تعود فراغا متابعة خلق العالم؛ والخطيئة لن تقوده إلى اليأس والخوف من

الهالك األبدي، بل تحمله على الرجاء برحمة الله الالمتناهية. وهكذا يجد في الله الحلB الله الذي ينشده للخروج من قلقه والسيطرة

على تناقضات حياته والعيش في أمان وسالم.

اما الملحد فبرفضه الله يرفض أن يكون للحياة مبدأ دائم ومعنى مطلق وغاية أخيرة. فهو يكتفي بأن يحيا في النسبي من األمور.ر الحياة ويجعلها حلوة في نظره، فلن Bوإن رأى في الكون ما يبر يتمكBن من حلB مجمل ألغازها واإلجابة على التساؤالت القصوى

A في ميادين المعرفة والعمل والرجاء: التي ال بدB له من طرحها يوما - ماذا نستطيع أن نعرف؟ لم� الحياة ولم� الكون؟ من أين يأتي

االنسان؟ وإلى أين هو ذاهب؟ ولم� هذا العالم؟ - ماذا يجب علينا أن نعمل؟ لماذا نحن مسؤولون وأمام م�ن؟ ما هو المصير الذي يجب أن يتوق إليه االنسان؟ وما هو المصير الذي

ر مصير االنسان؟ وما معنى األمانة Bيجب أن يجتنبه؟ ما الذي يقر والصداقة؟ لماذا العذاب؟ لماذا الخطيئة؟

- ماذا يمكننا أن نرجو؟ ما هي غاية وجودنا؟ ماذا سيحدث للكون؟ ما هو مصيرنا: الموت النهائي الذي سوف يقضي على كل شيء؟

ما الذي يحملنا على البقاء بجرأة على قيد الحياة؟ وما الذي يحملناA على قبول الموت بجرأة؟ أيضا

A: الجهBال والحكماء، الضعفاء إن تلك األسئلة تهمB الناس جميعااء، المائتين واألحياء. في وسط كل ما Bواألقوياء، المرضى واألصح

�ر والزوال والفناء، هل من حقيقة ثابتة هو معرyض للتحوBل والتغي تسند الكون وتسند االنسان وتمنعه من االنقياد إلى اليأس؟ ال

جواب ألي من تلك األسئلة عند الملحدين.

فالملحد ال يرى إال ما تقع عليه حواسه، وال يقبل إال ما يدركه عقلهA. ولكنه برفضه االنفتاح على ما يتجاوز العقل A مباشرا إدراكا

والحواس، يحصر االنسان في حدود ضيقة هو مدعو الى تجاوزها، ويغلق على العقل في آفاق قصيرة المدى هو مدعو الى الذهاب

أبعد منها. وبذلك يجرم الى االنسان والى العقل االنساني ويبقيهمافي حيرة وخوف وقلق.

يرى الملحد أن المادة. أصل كل شيء وكل فكر وكل روح؛ انها أزلية ال شيء قبلها وال كائن آخر أوجدها. أما المؤمن فيرى ان

32

Page 33: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

كها، ال يمكن أن يخرج منها الروح. Bالمادة، إن لم يكن هناك روح يحر ويرى ان االنسان، ذاك الكائن الضعيف المعرBض للموت، ال يمكن

أن يكون هو أصل كيانه، إذ ال يملك في ذاته ما يجعله يكتفي بذاته. االنسان متعلOق بالكائن األسمى المطلق الذي يملك كل شيء وهو

أصل كل شيء وغاية كل شيء.

�ق� ليموت" بعد فترة من الوقت ل Zخ A الملحد يعدB االنسان "كائنا�ق� ليحيا" مع ل Zخ A يقضيها على األرض. أما المؤمن فيعدB االنسان "كائنا

الله إلى األبد. الملحد يعيش دون رجاء، أما المؤمن فيحيا فيالرجاء.

الملحد والمؤمن كالهما يختبر ضعف االنسان وحدود كيانه في المرض واأللم والشقاء والموت. ولكن بينما يغلق الملحد على ذاته في تلك الخبرة ويضيع فيها كيانه، يتجاوزها المؤمن ليرى فيها دعوة

الى االتحاد بمن ال حدود لكيانه وال نهاية لحياته.

إن لم نتمكBن من إثبات وجود الله بالبراهين العقلية الجازمة، فإننا نستطيع أن نظهر أن إيماننا ال يناقض العقل، بل، على العكس من

ذلك، يجيب على تساؤالته وقلقه وتطلباته أكثر من اإللحاد.

ال يدBعي اليوم المؤمنون أنهم يستطيعون إقناع الملحدين بالبراهين العقلية. حسابهم أن يشهدوا على ما يؤمنون به وعلى ما

يختبرونه في إيمانهم.

- خبرة اإليمان- خبرة اإليمان55

ب Bأ- اإليمان والتغرA لبعض العقائد A لبعض المبادئ النظرية أو قبوال ليس اإليمان اعتناقا

الموضوعية البعيدة عن حياة االنسان. إنما اإليمان خبرة حياتية تشمل نظرة االنسان إلى الكون بأسره وإلى وجوده في هذا

الكون.

A في وتلك الخبرة هي الناحية اإليجابية لما يختبره االنسان سلبياب ليس Bب. فبااليمان يدرك االنسان أن ما يشعر به من تغر Bالتغر

سوى غشاء يحجب الحقيقة األخيرة، وانه بامكانه االتحاد بتلك الحقيقة، وإنi من خالل الغشاء الذي يحجبها. بااليمان يدرك االنسان

ان ما يبحث عنه ليس مجرد سراب ووهم خيال، بل هو كائن

33

Page 34: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

حقيقي، هو الكيان بالذات، أصل كل الكائنات ومبدأها وغايتها، هوالموجود األول الذي لواله ما وZجد شيء.

ومن خالل وجود هذا الكائن المطلق ينظر المؤمن إلى الكون وإلى نفسه. فال يغدو الكون عمل الصدفة أو السحر، بل عمل مبدع

خالق منظBم أبدع الكون من ال شيء وخلق االنسان من العدمودعاه إلى مشاركته في تنظيم الخلق وإلى متابعة عمل الخلق.

بموجب تلك النظرة اإليمانية يرى المؤمن في معطيات الكونZعطيت له من قبل الله لتحقيق ذاته A أ والواقع والعالم والتاريخ نعما

ونموB كيانه. ال يتعامى المؤمن عن النواحي السلبية والجوانب الشاقة التي ال بدB لكل كائن بشري من أن يصطدم بها في الكون.

إنما ال يتوقف عندها وال يبقى أسيرها، بل يرى في وجودها دعوة إلى تجاوزها وتحقيق حريته أن خاللها. فيدرك من جهة انه مرتبط

بالكون وباآلخرين وبالله بعالئق ال يستطيع أن يحيا من دونها، ويعرف من جهة أخرى انه حر، غير انه ال يحسب حريته قائمة على

رفض تلك العالئق، بل باألحرى على تحويلها إلى عالئق تكاملوصالت محبة.

ب- أبعاد اإليمانA من الحياة يتيحان هكذا يبدو اإليمان نظرة إلى الكون وموقفا

لالنسان اكتشاف عمق األشياء وأصلها ومستقبلها في نظرة شاملةتحيط بكل أبعاد الواقع.

* نظرة إلى عمق األشياءBها ال يتوقف المؤمن عند القشرة من األشياء بل ينفذ إلى لب

وجوهرها، ال يكتفي بالنظر إلى سطحيات األمور، بل يسبر غورهاZرى، من خالل الرمز Zرى يكتشف ما ال ي وعمق معناها. من خالل ما ي

يكتشف المعنى.

Zهدى له عالمة فكما ان االنسان يرى في ابتسامة أوفي باقة ورد ت صداقة، هكذا في جمال الخالئق يرى جمال الخالق، وفي الكون

والحياة يشاهد وجه الكائن واإلله الحي الذي خلق االنسان ليشركهفي كيانه ويمأله من حياته.

تلك النظرة إلى عمق األشياء توصل االنسان إلى اكتشاف أساسها الراسخ الثابت األمين، وبالتالي إلى اكتشاف قيمتها. فهي

34

Page 35: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ليست نتيجة الصدفة بل عمل الله الذي خلقها ليحقBق االنسان ذاتهمن خاللها.

تلك النظرة إلى عمق األشياء من شأنها مساعدة االنسان فيمحاولته السيطرة على ما يشعر به من حيرة وقلق وتغرBب وضياع.

* نظرة إلى أصل األشياءA إلى أذهاننا أسئلة عن أصل األشياء في حياتنا اليومية تتبادر دوما وأصل االنسان: م�ن صنع هذا الشيء وما هو مصنوع؟ من أين أتى هذا االنسان؟ م�ن هم ذووه؟ أين وZلد وأين تعلyم؟ من خالل ماضي

االنسان نحاول أن نكتشف حاضره. وللتعمBق في معرفة ذواتناA تاريخنا الماضي وحياتنا السالفة. Bر نحن أيضا نحاول أن نتذك

ال يكتفي االيمان بتلك العودة في الزمن إلى ماضي األشياء وماضي االنسان، بل يحاول اكتشاف األصل الالزمني لجميع

Bة وجودها ومبدأ كيانها. الكائنات، أي عل

كل انسان يختبر حدود وجوده في المكان والزمان، وال سيم�ا في أوقات الضيق والمرض والضعف والموت. من خالل تلك الخبرة

يكتشف المؤمن أن الكائن المحدود ال يمكن أن يكون هو أصل ذاته. عندئذ� ينفتح الكائن المطلق ويرى فيه أصل كل كيان وكل وجود.

Zعطيت له من قبل الله. ويدرك إذBاك ان حياته هي نعمة أ

Bرعنه في عقيدة الخلق. هذا ما تؤمن به مختلف الديانات وتعبBة تهدف إلى تفسير الطريقة التي وتلك العقيدة ليست نظرية علمي خلق الله بها الكون، بل تعبير عن إيمان االنسان بعالقته بالله أصل

Bة وجوده. كيانه وعل

* نظرة إلى مستقبل األشياء االيمان بأن الله هو خالق الكون ال يقتصر على الزمن الماضي. فالخلق عمل دائم، ألن العالقة بين الله والكون هي عالقة دائمة.

لذلك ال يكتفي المؤمن بالنظر إلى الماضي والحاضر، بل يتجاوزهما إلى المستقبل. وفي كل نقص يختبره في الحاضر يرى دعوة من الله للعمل في سبيل بناء مستقبل يحقBق فيه كل انسان ما تصبو

إليه انسانيته.

35

Page 36: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A نظرة إلى الكون واالنسان كما يريدهما الله أن فااليمان هو إذاA التزام لإلسهام مع الله في تحقيق تصميمه يكونا، وفي آن معا

وإرادته في الكون واالنسان.

A إلى هذا االلتزام الذي هو من صميم االيمان، ندرك أن استناداyفات العصور السابقة، كما يدBعي الملحدون، االيمان ليس من مخل

بل هو أساس لبناء المستقبل. انه الركيزة الثابتة التي يستطيع االنسان أن يعتمد عليها للحفاظ على تفاؤله بانتصار الخير على

جميع قوى الشر المعادية، وللثبات في جهاده لبناء أرض تسود فيها المحبة ويسود السالم. فالمؤمن موقن انه ال يعمل وحده، يل يعمل مع الله الساكن فيه، وانه بقوة الله يستطيع أن يحقBق ما ال يستطيع

A عند الناس، االنسان تحقيقه وحده. فاذا كان هذا العمل مستحيال(.26: 19"فعند الله كل شيء ممكن" )متى

* نظرة شاملة إلى الكون والحياةA نظرة شاملة إلى الكون والحياة. ال ريب في أن وااليمان هو أخيرا

A الخبرة البشرية، بسبب حدود االنسان وحدود معرفته، هي دوماBه. إنما كل خبرة جزئية. أي ان االنسان ال يمكنه أن يختبر الواقع كل حدث فردي من أحداث الواقع يمكن أن يحيلنا إلى الكل. لذلك ال

يغلق المؤمن على ذاته ضمن ما يجري في حياته من أحداث فردية،A في إطار نظرة شاملة لحياته ومصيره. بل يضعها دوما

Bبه له هذا الحدث المفجع فإزاء موت قريب له أو صديق، وما يسب من حزن وألم، يتساءل المؤمن ليس عن نهاية حياة هذا االنسان وحسب، بل عن نهاية حياته هو ونهاية حياة كل انسان. من خالل

تلك الخبرة يدرك أن االنسان لم يخلق فقط لبضع سنوات يقضيها على هذه األرض، بل خZلق للحياة الدائمة مع الله. عندئذ� ال يعود

A إلى حياة الله. الموت في نظره نهاية كل شيء بل مرورا

ج- اإليمان بالله هو اإليمان بالمحبة ال شك في أن تلك النظرة لن تزيل من حياته كل ألم. فالفواجعA ال يمكنه كإنسان إال التي تنتابه والمصائب التي تلمB به تبقى أحداثا أن يشعر بمرارتها وقسوتها. ولكنه يؤمن ان الله أعظم منها، وان محبة الله له أقوى من الموت وأقوى من كل ما يمكن أن يحدث

له.

36

Page 37: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bعندما أراد يوحنا االنجيلي التعريف بالله لم يلجأ إلى تعبير فلسفي نظريB، بل قال: "ان الله محبة. فمن ثبت في المحبة ثبت في الله

(. وفي تعريفه بالمحبة يقول: "على16: 4 يو 1وثبت الله فيه" )yنا وأرسل Bا نحن أحببنا الله، بل هو نفسه أحب هذا تقوم المحبة: ال أن

فنا يوحنا بالله من10: 4 يو 1ابنه كفBارة عن خطايانا" ) Bلقد عر .) خالل عالقة الله بالبشر. وتلك العالقة هي عالقة محبة.

ويجد هذا التعريف بالله صدى في قول جبران خليل جبران: "أماأنت إذا أحببت فال تقل: الله في قلبي، لكن قل: أنا في قلب الله".

هذا هو موقف المؤمن الحقيقي إزاء الحياة والكون وكل ما يمكن أن يحدث له في اليسر والضيق، في الفرح والحزن، في السعادةA في هذا الكون والشقاء، في الحياة والموت، يؤمن انه ليس وحيدا

Bه واختاره وقبله. A في هذه الحياة. فالله قد أحب وال غريبا

انه في قلب الله إلى األبد.

رنا بها يسوع المسيح في كالمه Bتلك هي البشرى الصالحة التي بش عن الله، وفي حياته كلها وموته وقيامته.

كيف ظهر لنا الله في شخص يسوع المسيح؟ــــــــــــــــــــــــــ

Bاني Bانيالفصل الث الفصل الث

الله اآلب في الع�هiد الج�ديدالله اآلب في الع�هiد الج�ديد"نؤمن بإله� واحد� آب� ضابط� الكل...""نؤمن بإله� واحد� آب� ضابط� الكل..."

"الله لم يره أحد قط، اإلله، اإلبن الوحيد الذي في حضن اآلب هو(.18: 1نفسه قد أخبر" )يو

ان اإلله الذي يتوق كل إنسان إلى معرفته والذي ظهر لألنبياء في العهد القديم، قد ظهر لنا في ملء األزمنة في شخص ابنه يسوع

المسيح. وقد رسمت لنا األناجيل المقدسة، في لوحات رائعة، صورة الله كما تجلyت من خالل تعاليم يسوع وأعماله وموته

A اعتدناها في العهد القديم وقيامته، ونجد في تلك الصورة خطوطاA جديدة برزت لنا في المسيح. وخطوطا

37

Page 38: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- اإلله الوحيد- اإلله الوحيد11 فعلى غرار العهد القديم، يبدو لنا اللهZ في العهد الجديد اإلله�

الوحيد الذي له وحده يجب السجود والعبادة، واإلله القريب مناالنسان، الذي يعتني بجميع الناس ويدعوهم إلى دخول ملكوته.

ر بإله جديد، بل باإلله الوحيد Bفعندما يتكلم يسوع عن الله ال يبش الذي ظهر في العهد القديم البراهيم واسحق ويعقوب وموسى

A أحد الكتبة يسوع عن أولى الوصايا، وسائر األنبياء. وقد سأل يوماZولى الوصايا هي: اسمع يا A كنت العهد القديم: "أ فأجابه يسوع مردBدا اسرائيل: الرب إلهنا هو الرب الوحيد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك

؛ راجع تثنية30، 29: 12وكل نفسك وكل ذهنك وكل قوBتك" )مر (.5، 4: 6االشتراع

وللتعريف بهذا اإلله ال يلجأ يسوع إلى لغة فلسفية وتعابير نظرية تصف الله في ذاته، بل يستخدم، على مثال أنبياء العهد القديم، لغةف بالله في ذاته بقدر ما Bة ال تعرB A شعبي حياتية وتعابير واقعية وأمثاال

ف به في عالقته بالعالم واالنسان. فيبدو الله، في تعاليم يسوع، Bتعر A من العالم واالنسان، على خالف آلهة الفالسفة األقدمين. قريبا

دة للخير، وهو Oفالله، عند أفالطون، هو الفكرة المطلقة المجر بعيد كل البعد عن هذا العالم، عالم الظواهر الحسية والمادة

الفاسدة. وينتج من تلك النظرة إلى الله موقف عداء للمادة ورذلللجسد.

والله، عند أرسطوطاليس، وان كان قد أبدع الكون، إال أنه يحيا�ه وال يبالي A عن الكون. فهو العقل الذي يعقل ذات منذ األزل بعيدا

بالعالم: ال عالقة له بشؤون البشر، فال يعتني بهم وال يطلب منهم.A شيئا

والله، عند أفلوطين، هو الواحد المنفصل عن الكون، الذي منه انبثق عالم المادة. إال أن العالم، بانبثاقه من الواحد، سقط في

فساد الكثرة والتعدBدية. لذلك، بينما اإلله الواحد هو إله الخير، الBم من ثم على يرى أفلوطين في المادة إال الشر والفساد. ويتحتر Bاالنسان الذي يريد الوصول إلى الله أن يبتعد عن المادة ويتحر

منها.

38

Page 39: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- اإلله القريب من االنسان- اإلله القريب من االنسان22 هذا التناقض بين الله والكون ال وجود له في العهد القديم وال في تعليم يسوع. فالله، منذ العهد القديم، هو الذي خلق الكون والمادةA، "ورأى ذلك كله انه حسن". وبعد أن A وجسدا وخلق االنسان روحاA ما خلق. فهو خلق الكون واالنسان لم يتخلy عنهما بل بقي ملتزما

Bد االنسان، وهو الذي يقود البشرية جمعاء إلى Bد التاريخ وسي سي الخالص. وقد أعلن لالنسان مشيئته القدوسة في ما رسم له من

أحكام ووصايا، وطلب منه الطاعة ألحكامه واألمانة لوصاياه. ومهماBره A من االنسان يخاطبه ويذك ابتعد االنسان عن الله، يبقى الله قريبا

A من خالله أحداث بعهده ووصاياه، تارة في كالم األنبياء وطوراة ويقاصBه. Bبه مرB ة ويداعبه، ويؤن Bالتاريخ، يالطفه مر

هذا اإلله يصوBره لنا الكتاب المقدBس منذ سفر التكوين في مالمح�ع�د ويهدBد ويقاصB ويسامح ويتطلBب بشرية. فنراه يتكلم ويأمر وي ويغار ويغضب ويندم، يشعر بالفرح والحزن، بالمحبة والكره. ال تعني تلك التصاوير البشرية أن الله هو على مثال االنسان في

Bر طبعه ومزاجه. فالقصد منها إظهار قرب الله تقل�ب عواطفه وتغيمن االنسان وعنايته الدائمة به وغيرته المستمرة عليه.

دة. وليس هو بالفراغ Bوال حقيقة مجر A A مبهما فالله ليس كائنا المظلم الذي ال يمكن التعريف به وال الهاوية التي ال يمكن تحديدها.A A شخصيا الله في تعليم يسوع، كما في العهد القديم، يظهر لنا كائنا

A A محبا A أعطى الحياة لإلنسان، وكائنا A حيا يمكن التحدBث إليه، وكائنا يعتني بالبشر كما يعتني األب بأبنائه. وهذا الكائن الشخصي الحي

A إياه المحب هو الذي أخذ المبادرة وأوحى بنفسه إلى االنسان داعياBة، وعالقات محبة. Bة وحي إلى أن ينشى معه عالقات شخصي

فالله هو الذي يقترب من االنسان ويريد أن يقترب منه االنسانA A ساجدا A شاكرا بثقة ومحبة فيخاطبه ويتحدث إليه في الصالة داعياA. ومن خالل تلك العالقات يريد الله من االنسان أن يزيل من مبتهال

نفسه كل خوف وقلق يمكنه أن يشعر بهما في هذا العالم، ويثقبالله ثقة الصديق بصديقه ويحبه محبة االبن ألبيه.

لذلك ال نجد ال في العهد القديم وال في تعاليم يسوع براهين فلسفية عن وجود الله. فيسوع ال ينطلق من الكون واالنسان

B أنه عندما يتكلم عن الكون ليبرهن من خاللهما عن وجود الله. إالA مرتبطين بكائن آخر هو مبدأ كيانهما وثبات واالنسان يظهرهما دوما وجودهما. ال يرى يسوع العالم إال في نور الله، فاذا به عالم حسن

39

Page 40: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

يستطيع االنسان، دون خوف وقلق، أن يحقBق فيه ذاته ويصل منخالله إلى سعادته وغاية وجوده.

A ليس على رفض وهكذا يظهر وجود الله في تعليم يسوع جوابا الملحدين وال على فضولية علمية تحاول تقصBي أسرار الكون، بل

على حاجة وجودية كامنة في أعماق كيان االنسان.

A كما فالله، في نظر يسوع، ال يهمل الناس بل يعتني بهم جميعاB يعتني بطيور السماء وزنابق الحقل. لذلك يجب على االنسان أال يعيش في الخوف والقلق واالضطراب. وهذا معنى عدم االهتمام

المفرط بأمور الحياة الذي يطلبه يسوع بقوله:

"ال تهتموا ألنفسكم بما تأكلون، وال ألجسادكم بما تلبسون. أليست النفس أفضل من الطعام، والجسد أعظم من اللباس؟ انظروا إلى

طيور السماء، فإنها ال تزرع وال تحصد، وال تجمع إلى األهراء، وأبوكم السماوي يقوتها؛ أفلستم أنتم أفضل منها بكثير؟ م�ن منكم

A واحدة؟ ولماذا يستطيع، مع الجهد، أن يزيد على عمره ذراعا تقلقون بشأن اللباس؟ تأمBلوا زنابق الحقل كيف تنمو، إنها ال تتعب

وال تغزل؛ وأنا أقول لكم: ان سليم�ان نفسه، في كل مجده، لم يلبس كواحدة منها. فاذا كان عشب الحقل، الذي يكون اليوم،

A، يلبسه الله هكذا، فكم باألحرى يلبسكم أنتم، Bور غدا ح في التن Zطر� وي يا قليلي االيمان؟ فال تقلقوا إذن قائلين: ماذا نأكل؟ أو: ماذا

نشرب؟ أو: ماذا نلبس؟ فهذا كله يطلبه الوثنيون، وأبوكم السماويه، Bملكوت الله وبر A عالم بأنكم تحتاجون إلى هذا كله. بل اطلبوا أوال

Zزاد لكم".)متى Bه ي (34- 25: 6وهذا كل

�ل القاضي الجائر الذي كانت تأتي A في م�ث وهذا ما يعنيه يسوع أيضاإليه أرملة قائلة: أنصفني من خصمي.

Bقي A، ثم قال في نفسه: اني وإن كنت ال أت A طويال "فامتنع زمانا الله، وال أرعى للناس حرمة، أنصف هذه المرأة بما أنها تبرمني، لئال

تعود، على غير نهاية وتوجع رأسي". ثم قال الرب: "اسمعوا ما يقول القاضي الجائر! والله، ترى، أفال ينصف مختاريه الذينA؟ وهل يتوانى عنهم؟ أقول لكم: انه A وليال يصرخون إليه نهارا

A".)لوقا (8- 4: 18ينصفهم سريعا

Bه يسوع الله باألب الذي يعرف أن يعطي العطايا الصالحة ويشبألوالده:

40

Page 41: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

"إسألوا فتعطوا، اطلبوا فتجدوا، إقرعوا فيفتح لكم. فإن كلB منZفتح له. أي إنسان منكم Zعطى، ومن يطلب يجد، ومن يقرع ي يسأل يBة؟ فاذا A؟ أو يسأله سمكة فيعطيه حي A فيعطيه حجرا يسأله ابنه خبزا

، تعرفون أن تعطوا العطايا الصالحة Bكنتم، مع ما أنتم عليه من الشر ألوالدكم، فكم باألحرى أبوكم الذي في السماوات يمنح الصالحات

(11- 7: 7للذين يسألونه!")متى

في تلك التصاوير والتشابيه واألمثلة يجد االنسان الجواب على ما يالقيه في حياته من صعوبات ومضايق: في الشدBة والعذاب، في

الضيق واأللم، في الحزن والحرمان، يعلم أن الله ال يهمله، بل هو قريب منه، وانه باستطاعته في كل لحظة أن يلتجئ إلى الله فيجد

الراحة والسالم والفرق والحياة.

لم يأت� يسوع ليشبع فضولية االنسان ويكشف له عن أسرارA من الحياة، موقف إيمان بأن A جديدا الكون، بل جاء ليعطيه موقفا

الحياة هي عطية من الله األب المحبB القريب من االنسان.

- إله الملكوت- إله الملكوت33 إنB قZرب الله من االنسان قد تحقق بشكل خاص بمجيء الملكوت

في شخص يسوع المسيح. كان اليهود في العهد القديم ينتظرونA فيزيل من األرض A مباشرا A يملك فيه الله على البشر ملكا زمنا

A بالله الحاضر A صميما Bحدين اتحادا الشقاء والظلم، ويحيا الناس متA ومتمBمين على الدوام إرادته المقدسة. A دائما في العالم حضورا

Bعندما باشر يسوع كرازته بدأها بالتبشير مجيء الملكوت: لقد تم Bة على الزمان واقترح ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا باإلنجيل. واألدل قرب الملكوت أعطاها يسوع في ما اجترح من معجزات. ففيA على قرب نقاش مع الفريسيين قدBم لهم يسوع معجزاته دليالZخرج الشياطين، فقد اقترب الملكوت: "اذا كنت أنا بروح الله أ

(.28: 12منكم ملكوت الله" )متى

وبينما كان يوحنا المعمدان في السجن أرسل اثنين من تالميذه يسأالن يسوع: أأنت اآلتي أم ننتظر آخر؟ فأجابهما يسوع: "انطلقوا

�موا يوحنا المعمدان بما تسمعون وترون: العمي يبصرون وأعل والعرج يمشون والبرص يطهرون والصمB يسمعون والموتى

رون وطوبى لمن ال يشكB فيB" )متى B11ينهضون والمساكين يبش: 4 -6.)

41

Page 42: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

كل تلك المعجزات هي آيات، أي أعمال رمزية تظهر حضور الله وعمله في العالم بشكل نهائي في شخص يسوع المسيح، وتدعو الناس إلى االيمان بالمسيح ودخول الملكوت. وال يستطيع أحد أن

يالقي الله ويدخل ملكوته إال بتجديد حياته. فالسامرية والمرأةار وبطرس، جميعهم Bار ونيقوديمس ومتى العش Bا العشB الزانية وزك

دخلوا الملكوت عندما آمنوا أن الله قد حضر اليهم في شخص يسوع. التقوا الله في االيمان بالمسيح ومن ثم جدBدوا حياتهم ليحيوا

حياة الله فيهم.

A قلنا في الفقرة الثانية إن يسوع ال يبرهن عن وجود الله فلسفياA لوجود بل يرى كل شيء في نور الله، فيبدو وجود الله أساسا

الكون ووجود االنسان.

A Bلة البشر وال انعكاسا A وال صنع مخي نضيف هنا أن الله ليس وهما لرغباتهم كما يدBعي الملحدون من أمثال وماركس وفويرباخ فالله،

في نظر يسوع حقيقة تسبق االنسان وكائن ال يستسلم لرغبات االنسان بل يدعوه إلى تجديد حياته للولوج إلى حياة الله. وقد أصبح

A بمجيء المسيح. ذلك ممكنا

ان الله الذي هو قريب من االنسان منذ أن خلقه، والذي التزمA في الكون ومع محبة االنسان منذ أن أوجده، قد أصبح حاضراA في شخص يسوع المسيح. ففي Bزا A وممي A خاصا الناس حضورا

المسيح يسوع يملك الله على البشر ال كما يملك ملك على عبيده، بل ال يملك الحق في قلب عاشق الحق. وفي المسيح يسوع يحيا الناس مع الله، ال كما يحيا عبيد مع أسيادهم بل كما يحيا أبناء مع

أبيهم. فبيسوع ابن الله يستطيع الجميع أن يصبحوا أبناء الله.

A A من امرأة، مولودا "لما بلغ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداBي" )غال :4تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس وننال التبن

A أن يصيروا أبناء الله" )يو5، 4 (، "وكل الذين قبلوه آتاهم سلطانا1 :12.)

لذلك في العهد الجديد يبدو لنا الله إله والملكوت وإله النعمةوالرحمة في آن واحد.

42

Page 43: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- إله النعمة والرحمة- إله النعمة والرحمة44Zعطي لنا بموسى، وأما النعمة والحق فبيسوع "إن الناموس قد أ

(.17: 1المسيح قد حصال" )يو

إن قمة كشف الله عن ذاته في العهد القديم هي في ظهورهA مع بني اسرائيل لموسى على جبل سيناء. فهناك أبرم الله عهدا

وهناك أعطاهم الناموس ووعدهم بأن يكون معهم إن حفظوا وصاياه. وأصبح الناموس في العهد القديم الطريق الذي يقود

االنسان إلى الله.

أما في العهد الجديد فالله ليس إله الناموس بل إله النعمة والرحمة. وهذا ما أظهره يسوع في عمله وفي تعليمه. فنراه ينقض

الناموس ليجري األشفية يوم السبت، فيشفي اليابس اليد )متى (، ويرفض أن17- 10: 13(، والمرأة الحدباء )لوقا 14- 1: 12

Bق شريعة موسى القائلة برجم المرأة الزانية ويستبدلها بالرحمة تطب(.11- 3: 8والمغفرة )يو

ارون Bلقد أظهر يسوع بنوع فائق رحمة الله للخطأة. "فكان العش A يقبلون إليه ليسمعوه، ما جعل الفريسيين والكتبة والخطأة جميعا يتذمBرون قائلين: ان هذا الرجل يقبل الخطأة ويأكل معهم" )لوقا

15 :1 ،2.)

Bع كفرناحوم: "يا رجل مغفورة لك خطاياك"، ثم فيغفر لمخل :5يشفيه: "لك أقول: قمi واحمل فراشك وامض� إلى بيتك" )لوقا

17 -26.)

يسي يغفر للمرأة الخاطئة التي جاءت إليه Bوفي بيت سمعان الفر تبكي وتبلB رجليه بالدموع وتمسحهـا بشعر رأسها، ويقول لسمعان:

"A Bت كثيرا "إن خطاياها، خطاياها الكثيرة، مغفورة لها، بما أنها أحب(.50- 36: 7)لوقا

A: "اليوم قد حصل الخالص لهذا البيت، ار قائال Bا العشB ويغفر لزكA ابن البراهيم. ألن ابن البشر قد جاء ليطلب ما قد فإنه هو أيضا

(.10- 1: 19هلك ويخلBصه" )لوقا

A لموقفه من الخطأة يصف في عدة أمثال موقف الله وتفسيرا نفسه من الخطأة. وقد جمع لوقا في الفصل الخامس عشر من

43

Page 44: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

إنجيله ثالثة من هذه األمثال: الخروف الضالB والدرهم المفقودواالبن الشاطر.

Bل الخروف الضال� أ- م�ث فالله يشبه الراعي الصالح الذي ال يرضى بأن يهلك أحد من

A منها، يترك التسعة خرافه، "فاذا كان له مئة خروف وأضاع واحداية ويمضي في طلب الضالB حتى يجده، واذا ما Bوالتسعين في البر

A، ويعود إلى بيته ويدعو األصدقاء وجده يحمله على منكبيه فرحا والجيران ويقول لهم: افرحوا معي، فإني قد وجدت خروفي

A الفريسيين والكتبة الذين كانوا ". ثم يردف يسوع منتقدا Bالضال A الصورة المشوBهة التي يتذمBرون لقبوله الخطأة ومؤاكلتهم، ومنتقدا كانوا يرون الله من خاللها: "أقول لكم: هكذا في السماء يكون فرح

A ال يحتاجون إلى بخاطئ يتوب أكثر ما يكون بتسعة وتسعين صدBيقا (. ويعني بهؤالء التسعة والتسعين الفريسيين الذين7- 4: 15توبة" )

يعتقدون أنهم صدBيقون وأنهم ليسوا بحاجة إلى توبة )راجع في ذلكار، لوقا Bل الفريسي والعش� (.14- 9: 18م�ث

�ل الدرهم المفقود ب- م�ثA وراء الخاطئ كما تسعى المرأة الفقيرة وراء والله يسعى أيضا

Oس البيت، A وتكن درهم أضاعته من دراهمها العشرة، "فتوقد سراجا وتطلبه في اهتمام حتى تجده؛ واذا ما وجدته تدعو الصديقات

: افرحن معي، فاني قد وجدت الدرهم الذي Bوالجارات وتقول لهن أضعت". ثم يضيف يسوع: "أقول لكم، إنه هكذا يكون الفرح عند

(.10- 8: 15مالئكة الله بخاطئ يتوب" )

�ل اإلبن الشاطر أو األب الرحيم ج- م�ث�ل اإلبن أما قمBة الوحي االنجيلي بصورة الله فنجدها في م�ث

الشاطر. فالله الملك يصبح الله األب، وعالقة الله مع الناس لم تعد عالقة ملك مع عبيده، بل عالقة أب مع أبنائه، الخطأة والصدBيقين،

األشرار والصالحين.

فالله هو ذلك األب الذي ينتظر عودة ابنه األصغر الذي أخذ حصBتهA في التبذير. من الميراث وقصد إلى بلد بعيد وأتلفها هناك عائشاكت أحشاؤه Bأبصره أبوه، فتحر ،A ولدى عودته، "وإذ كان بعد بعيدا

( "A yله طويال (. ولما20: 15وبادر إليه وألقى بنفسه على عنقه وقب

44

Page 45: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A: "يا أبتاه، قد خطئت إلى أراد االبن أن يعتذر عمBا صنعه، قائالA A" قاطعه األب قائال Zدع�ى لك ابنا السماء وإليك، وال أستحقB بعد أن أA Bة وألبسوه وضعوا في يده خاتما A بأفخر حل لغلمائه: "هلمBوا سريعاiتوا بالعجل المسمyن واذبحوه، ولنأكل ونفرح، وفي رجليه حذاء، وأ

� فوZج�د" ) A فعاش، وكان ضاال (.24- 22: 15ألن ابني هذا كان ميتا

�ل "األب �ل "اإلبن الشاطر"، بل م�ث �ل، ال م�ث يجب أن يدعى هذا الم�ثBز على Bز على موقف اإلبن الشاطر بقدر ما يرك الرحيم"، ألنه ال يرك

موقف األب من ابنه األصغر ثم من ابنه األكبر. فاألب يغفر البنهA، ثم يدعو ابنه األكبر الذي يغضب ما yاألصغر ويعيده إلى بيته مكر

ويرفض الدخول إلى البيت، إلى مشاركته الفرح بعودة أخيه األصغر� فوZج�د" ) A فعاش وكان ضاال (.32: 15"الذي كان ميتا

Oل الفريسيين في كبريائهم وقسوتهم تجاه موقف فاالبن األكبر يمثف االبن األكبر عن أبيه الخدمة يسوع من الخطأة. كل ما عر�

yواألوامر. فيقول ألبيه: "كم لي من السنين في خدمتك، ولم أتعد A من أوامرك" ) (. وكل ما عرف الفريسيون عن29: 15قط أمرا

الله الناموس والوصايا. ولكن الله، في نظر يسوع، ليس إله األوامر والنواهي والناموس والوصايا، بل الله هو إله الرحمة والمحبة،

وبقدر ما يبتعد أبناؤه عنه، بقدر ذلك تزيد محبته لهم. وهذا ما لمA أعمى بحرف �قا يستطع أن يفهمه الفريسيون المتعلقون تعل

الناموس.

الله، في نظر يسوع، ليس إله الكبت والضغط واإلكراه، بل إلهر االنسان من حواجز التقاليد االجتماعية واألحكام Bر الذي يحر Bالتحر

ارين عن Bالبشرية التي تفصل السامريين عن اليهود والعش الفريسيين، وتغلق على الخطأة في خطيئتهم وعلى المنبوذين في

انتباذهم وعلى المحرومين في حرمانهم وعلى الضعفاء فيضعفهم.

الله، في نظر يسوع، هو إله الممكنات الذي يفتح أمام االنسانره من قيود نفسه ويدعوه إلى تجاوز ذاته Bآفاق المستقبل، فيحر

باستمرار؛ الله فيض من العطاء المجاني ال نستطيع أن ندرك عمقهأو سعة امتداده.

وااليمان بهذا اإلله ال يستطيع االنسان أن يصل إليه عن طريق التحليل الفكري بل عن طريق االختبار الشخصي. ان اإلله الحقيقي

قد ظهر لنا في شخص يسوع المسيح. والرسل والتالميذ الذين

45

Page 46: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

آمنوا بيسوع وعاشوا معه اختبروا من خالله الله وعرفوا وجههالحقيقي.

ف بالله كما ظهر له من خالل Bوعندما أراد يوحنا االنجيلي أن يعر تعاليم يسوع وحياته، ومن خالل خبرته الشخصية وخبرة سائر

الرسل، لم يجد أجمل وأعمق وأصدق من هذا التعبير : "ان الله(.16: 4 يو 1محبة" )

- كمال الله في كمال المحبة- كمال الله في كمال المحبة55 في نهاية الفصل الخامس من انجيل متى، يطلب يسوع من

Bكونوا كاملين كما أن A Bهوا بكمال الله: "فأنتم اذا مستمعيه أن يتشب(.48: 5أباكم السماوي هو كامل" )متى

قد يتبادر إلى أذهاننا أن كمال الله هو في قدرته المطلقة علىهه عن المادة، وأزليته Bكل شيء، وعلمه الكامل بكل شيء، وتنز

Bره. ونتساءل: التي ال يستطيع أحد أن يدرك مداها، وعدم تحوBله وتغي كيف يسعنا، نحن البشر الضعفاء المحدودين في الوجود والمعرفة،

Bه بكمال الله؟ أن نتشب

ان يسوع يعلم ضعف البشر وحدودهم، ومع ذلك يطلب منهم أن يكونوا كاملين مثل الله. ذلك ألنه أوجز جميع صفات الله في صفة

واحدة هي في متناول االنسان، وتلك الصفة هي المحبة:

"سمعتم أنه قيل: أحبب قريبك وأبغض عدوBك. أما أنا فأقول لكم:Bوا ألجل الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا أبناء Bوا أعداءكم، وصل أحب

أبيكم الذي في السماوات، فانه يطلع شمسه على األشرار والصالحين، ويمطر على األبرار واألثمة. فإنكم إن أحببتم من يحبكم

ارون أنفسهم يفعلون ذلك؟ وإن لم Bأجر لكم؟ أليس العش Bفأي B على اخوانكم فقط، فأيB عمل خارق تصنعون؟ أو�ليس Oموا إال تسل

Bالوثنيون أنفسهم يفعلون ذلك؟ فأنتم إذن كونوا كاملين كما أن (48- 43: 5أباكم السماوي هو كامل".)متى

Bه لن يصل االنسان إلى كمال الله، في نظر يسوع، إال بالتشب بمحبة الله الشاملة لجميع الناس. "قل لي م�ن هو إلهك، أقZل لك م�ن أنت". إلهنا محبة، فينبغي أن نكون نحن محبة. والله هو الذيyنا، يطلب منا أن A من تلك المحبة التي أحب بادرنا بالمحبة. وانطالقاA. بهذا فقط نستطيع أن نصل إلى الله: "ان الله نحبB بعضنا بعضا

46

Page 47: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

:4 يو 1محبة، فمن ثبت في المحبة ثبت في الله وثبت الله فيه" )16.)

A وغفر لنا خطايانا. فنحن البشر كلنا نشبه ذلك Bنا أوال ان الله قد أحبBده وعليه عشرة آالف وزنة، وإذ لم يمن له العبد الذي قZدOم� إلى سي

�ل في متى Bده وترك له الدyين. )راجع الم�ث Bن عليه سي ما يوفي به، تحن (. وكما غفر لنا الله دون حدB، كذلك يطلب منا أن نغفر35- 21: 18

ات بل إلى سبعين Bتنا، وذلك ليس فقط إلى سبع مرB بعضنا لبعض زالة سبع مرات أي دون أي حد. Bمر

أ- صفات اللهBز المسيحية عن سائر الديانات، في نظرتها إلى الله. ان بهذا تتمي

إله المسيحية لم يخترعه المسيحيون كما يدBعي الملحدون. فالله هو الذي أظهر لنا ذاته في شخص يسوع وتعليمه. وقد ظهر لنا

A دة. فالمحبة هي التي تحدBد الله في المسيحية وانطالقا Bمحبة متجس من هذا التحديد تأخذ صفات الله التي تتحدBث عنها الفلسفة

ومختلف الديانات معاني جديدة:

A فأزلية الله ال تعني ابتعاده عن الزمن، بل حضور محبته حضوراA لجميع األزمنة. A ومعاصرا دائما

هه عن المادة الفاسدة، بل سلطته المطلقة Bوروحانيته ال تعني تنز على الخليقة كلها وشمول محبته الكون بأسره؛ فالروح يهبB في

كل مكان وال يستطيع أحد أن يوقف عمله.

A لما فيه من خير بقدر ما هو عمل A طبيعيا وصالحه ليس إشعاعااختيار عطوف ومحبة حرة.

وعدم تحوBله ال يعنى الجمود بل األمانة الكاملة لذاته ولمحبته.A لنظام الزمني، وعدله ال يعني مجازاة كل واحد بحسب أعماله وفقا

بل هو فيض من المحبة والرأفة والخالص.

وعدم ادراكنا له ال يعني اننا أمام كائن مبهم وحقيقة غامضة، بل ان الله يسمو على كل ما يستطيع االنسان أن يتصوBره، وان محبته

A أن يسبر عمقها، حسب قول بولس الرسول: ال يمكن أحدا

47

Page 48: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

"يا لعمق غنى حكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن التنقيب وطرقهA؟ من عن االستقصاء! فمن عرف فكر الرب؟ وم�ن كان له مشيرا

سبق فأعطاه، فيردB اليه؟ ان كل شيء هو منه وبه وإليه. فله المجد(.36- 33: 11إلى الدهور، آمين")روم

ب- المحبة حتى الموت ولقد ظهرت محبة الله في أقصى حدودها في موت يسوع على

الصليب: "فانه هكذا أحبB الله العالم حتى انه بذل ابنه الوحيد لكي(.16: 3ال يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة األبدية" )يو

فالله اآلب بذل ابنه ألجل العالم. ويسوع ابن الله بذل ذاته ألجلA ما قاله لتالميذه: "ليس ألحد حبB أعظم من أن يبذل العالم متمما

(. واالبن في بذل ذاته حتى13: 15الحياة عن أصدقائه". )يو (.9: 14الموت هو صورة لله اآلب: "م�ن رآني فقد رأى اآلب" )يو ان يسوع المسيح هو صورة لله اآلب ليس فقط في حياته

A وبنوع خاص في موته. ومعجزاته وموقفه تجاه الخطأة، بل أيضا فاالبن في محبته لنا حتى الموت هو صورة حقيقية لآلب الذي أحبنا

حتى أقصى حدود المحبة.

yن� غضب الله الثائر يتصوBر البعض أن يسوع على الصليب قد سكاء خطاياهم. ان هذا التصوBر البشري بعيد كل Bعلى البشر من جر

البعد عن الموقف االلهي. فيسوع في بستان الزيتون كان يخاطب�جزi عني هذا الكأس. ولكن ال تكن A: "يا أبتاه، إن شئت� فأ الله قائال

(. الكأس هنا هي كأس العذاب42: 22مشيئتي بل مشيئتك" )لوقا ولكنها في الوقت نفسه كأس الخالص. ومشيئة الله ليست في

االنتقام من الخطأة بل في خالصهم وتبريرهم. ويسوع في وسطBا"(؛ ففي لحظة عذابه عذابه يستعمل لفظة يا أبتاه )بالعبرية "أب

Bحدة بإرادة الله اآلب وموته، كما في كل حياته، نرى ان إرادته متلخالص البشر بالمحبة حتى الموت في سبيلهم.

Bرنا بحوار اسحاق ان حوار يسوع مع أبيه في بستان الزيتون يذكBا ليقدBمه ذبيحة مع أبيه ابراهيم عندما أصعده ابراهيم إلى جبل موري

!BنيZ Bيك يا ب Bم� اسحاق ابراهيم أباه وقال: يا أبتاه! قال: لب لله: "فكل قال: هذه النار والحطب، فأين الح�م�ل للمحرقة؟ فقال ابراهيم: الله

A" )تكوين . ومضيا كالهما معا BنيZ ،7: 22يرى الح�م�ل له للمحرقة يا ب8.)

48

Page 49: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A كآلهة الوثنيين العطشى إلى دم A سفاحا إن إله ابراهيم ليس إلها البشر، وإله يسوع كان بإمكانه أن يرسل لنصرته اثنتي عشرة

جوقة من المالئكة. ولكن إله يسوع، كإله ابراهيم، ليس إله الحرب والقتل والدمار، إنه أب إلبن وحيد. وهذا االبن قد أسلمه ألجلنا نحن،

حسب قول بولس الرسول: "اذا كان الله معنا، فم�ن علينا؟ هوA، كيف ال يهبنا الذي لم يشفق على ابنه الخاص بل أسلمه عنا جميعا

(.32، 31: 8معه كل شيء؟" )روم

بموت يسوع ظهرت صورة الله الحقيقية. فالله ليس إله القدرة والتسلBط والعظمة واالنتقام. إنه إله العطاء والمحبة الذي بذل ابنهالوحيد للموت ليظهر للبشر محبته لهم ويمنحهم الفداء والخالص.

إال أن الموت ليس نهاية كل شيء. فالله الذي أظهر أقصى محبتهA أقصى للعالم ببذل ابنه إلى الموت ألجل حياة العالم، أظهر أيضا

محبته البنه وللعالم بإقامته يسوع من بين األموات وإدخاله البشرية إلى مجده السماوي. "فالله ليس إله أموات، بل إله أحياء" )متى

(. ثم "ان المسيح قد قام من بين األموات، باكورة32: 22(.20: 15 كور 1للراقدين" )

- الله واالنسان- الله واالنسان66 هل انكشف لنا، من خالل ما قلناه، وجه الله الحقيقي؟ لربما لم يتضح لنا وجه الله في ذاته بقدر ما اتضح لنا وجه الله في عالقته

A. اننا باالنسان. فالله في ذاته ال يستطيع انسان أن يراه ويبقى حيا نبقى إزاء سرB الله كموسى الذي ظهر له الله على جبل سيناء فطلب إليه أن يريه وجهه فقال له الله: "ال يستطيع انسان أن

A". لم يقدر موسى أن يشاهد وجهه، لكنه شاهد يراني ويبقى حياA من حضوره، لم يعرف موسى الله إال من خالل مجده أي بعضا

عمله. فلما أخرج الله شعبه من عبودية مصر، عرف موسى ان اللههو إله الخالص والمحبة والحرية.

أ- يسوع المسيح طريق االنسان إلى اللهA عرفنا الله من خالل ابنه يسوع الذي هكذا في العهد الجديد أيضا

هو حضور الله بالجسد.

جميع الذين يؤمنون باإلله الواحد يعترفون بأن الله هو خالق الكون وخالق االنسان. وجميع الذين يؤمنون بالوحي يعترفون بأن

الله قد أوحى بذاته لالنسان بواسطة أنبيائه ومرسليه. إال أن اإليمان

49

Page 50: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

م�ة خاصة. فإله الكون وخالق yسم في المسيحية بس� باإلله الواحد يتA هو، الدنيا الذي يؤمن بوجوده المسيحيون والمسلمون واليهود معا

A لإليمان المسيحي، إله المحبة الذي لم يكتف� بإظهار وجوده في تبعا الكون والطبيعة وإعالن إرادته لبعض األنبياء المختارين كإبراهيمA في وموسى عند اليهود ومحمد عند المسلمين، بل ظهر شخصيا تاريخ البشر وأوحى بذاته في شخص ابنه وكلمته يسوع المسيح،

A في حياته االلهية. ليشرك البشر جميعا

A عديدة وبشتى A باألنبياء مرارا yم� اآلباء قديما "ان الله، بعد إذ كلA yمنا نحن، في هذه األيام األخيرة، باإلبن الذي جعله وارثا الطرق، كلA أنشأ العالم، الذي هو ضياء مجده، وصورة لكل شيء كما وبه أيضا

(3- 1: 1جوهره، وضابط كل شيء بكلمة قدرته".)عبرانيين

Bز االيمان المسيحي عن إيمان اليهودية واالسالم: "ان بهذا يتميZعطي بموسى، وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح الناموس قد أ

قد حصال. الله لم يره أحد قط، اإلله، االبن الوحيد الذي في حضن(18، 17: 1اآلب، هو نفسه قد أخبر" )يو

ان الناموس الموسوي هو الطريق الذي يقود اليهود إلى الله، والقرآن المحمBدي هو الطريق الذي يقود المسلمين إلى الله؛ أما

الطريق الذي يقود المسيحيين إلى الله فهو شخص يسوع المسيح،د، الذي هو "الطريق والحق والحياة وال يأتي أحط Bابن الله المتجس

(.6: 14إلى اآلب إال به" )يو

ماذا يعني شخص يسوع المسيح بالنسبة إلى البشر؟ لقد تمB في شخص يسوع المسيح اتحاد الله واالنسان. فيسوع المسيح هو ابن الله الذي أظهر لنا اإلله الحقيقي، وهو االنسان الكامل الذي كان،A بالله اآلب. لذلك A تاما A اتحادا Bحدا في عمق كيانه وفي كل حياته، مت

حقBق في ذاته وفي حياته حلم االنسان الدائم ببلوغ االتحاد الكيانيبالله.

ان المسيحيين، بقبولهم يسوع المسيح واتحادهم به، يكرزون برؤية جديدة للكون وللواقع االنساني. فالكون الذي يرى فيه كل

A وجه الله المخلص، مؤمن وجه الله الخالق يرون هم فيه أيضا بيسوع المسيح الكائن الجديد الذي حقق في الكون الخليقة

الجديدة وصالح االنسان مع الله ومع نفسه ومع اآلخرين.

50

Page 51: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

نؤمن نحن المسيحيين أن الكيان االنساني قد ظهر في الوجود والتاريخ دون نقص أو اعوجاج في شخص يسوع المسيح الذي،

ب والضياع Bب� على المخرyباتحاده العميق بالله في كيانه وحياته، تغل وبلغ كمال االنسانية. ان الكائن الجديد قد ظهر في شخص يسوع المسيح. وهذا الكائن الجديد وحده يطابق جوهر االنسان ما يجب

أن يكون.

وعلى هذا اإليمان نرتكز لنؤكد أن االنسان يستطيع أن يتغلBب على ما يشعر به من تغرBب وضياع وقلق ويحقBق ما يصبو إليه في عمق

بهم وقلقهم، بل Bعلى تغر A A نظريا كيانه. فالبشر ال يطلبون جوابابهم والخالص من قلقهم، وهذا ما Bيطلبون السيطرة على تغر

يجدونه في االشتراك في الكيان الجديد الذي ظهر في شخص يسوع المسيح. عندما يعتمدون بالمسيح يلبسون المسيح ويصبحون خالئق جديدة: "أنتم الذين للمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم" )غال

(؛ "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، فالقديم قد27: 3(.17: 5 كور 2اضمحلB وكلB شيء قد تجدBد" )

لقد رأينا في الفصل األول أن هناك ثالثة أنواع من الخاطر تهدBد االنسان في أبعاد كيانه الثالثة: فالشعور بالفراغ والعبث يهدBدانه في

كيانه الروحي، والشعور بالذنب والهالك األبدي يهدBدانه في كيانه األدبي، والمصائب والموت تهدBده في وجوده وحياته. وقد أظهر لنا

يسوع في حياته وأعماله وموته وقيامته انB من يؤمن بالله ويحياA به ال يمكن أن يخاف من بعد أو يقلق إزاء أي من تلك Bحدا مت

الخاطر.

فال شعور من بعد بالفراغ والعبث عندما نعلم أن لحياتنا قيمةBنا إلى حدB أنه بذل ابنه الوحيد ألجلنا. المتناهية، إذ ان الله أحب

وال شعور من بعد بالذنب وال خوف من الهالك األبدي عندما نعلم أن الله هو إله الرحمة والمغفرة الذي ال يريد موت الخاطئ بل

يسعى إليه كالراعي الصالح ليعيد إليه الحياة، وينتظر عودته كما. Bينتظر األب الرحيم عودة ابنه الضال

وال خوف من بعد أمام المصائب وال قلق أمام الموت، عندما نعلم أن الله نفسه يمنحنا قوته لنتغلب على المصائب ونزيل الشرB من

A على الموت وندخل مع ابنه القائم من بين العالم، وننتصر أخيرااألموات إلى الحياة األبدية.

51

Page 52: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ب- حياة االنسان مع الله يتساءل بعض الناس اليوم: ماذا يفيد االنسان أن يؤمن بالله فية والعلم والتقنية؟ لقد توصل العلم إلى اكتشاف أسرار Bعصر الذر الكون وتوصلت التقنية المعاصرة إلى تلبية معظم حاجات االنسان

المادية. فما الحاجة بعد إلى االيمان بالله؟

ال يهدف االيمان بالله إلى كشف أسرار الكون لالنسان وال إلى تلبية حاجاته المادية. "نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل". اإليمان

بالله، في المسيحية، هو اإليمان بأن الله هو أب لجميع البشر، وبأن هذا األب قد أوحى لنا بذاته في شخص ابنه يسوع المسيح ليصبح

A لله. كل إنسان في المسيح ابنا

الله محبة، والمحبة عالقة بين أشخاص. لذلك فاإليمان بالله هوA اإليمان بأن الله بادرنا بالمحبة وأعطانا ابنه الوحيد ليظهر لنا أوال

A عمق تلك المحبة ويكون هو نفسه العالقة بيننا وبين الله، وهو ثانياالدخول إلى تلك المحبة والحياة بموجبها.

وبقدر ما يحيا المسيحي بموجب تلك المحبة، وبقدر ما تتوطBد أواصر العالقة بينه وبين المسيح، بقدر ذلك ينكشف له الله: "م�ن

كانت عنده وصاياي وحفظها، يقول يسوع، فهو الذي يحبني، والذيZظهر له ذاتي" )يو Bه وأ Zحب Bه أبي، وأنا أ (. لن يظهر21: 14يحبني يحب

الله ذاته لالنسان ولن يعرف االنسان الله إال بقدر ما يحفظ االنسان وصايا الله ويحيا في المحبة. فكما ان المعرفة بين األشخاص تزيد

بقدر ما تزيد محبتهم بعضهم لبعض، كذلك تنمو معرفتنا لله بقدر ماBه، وإليه Bني أحد يحفظ كلمتي، وأبي يحب تنمو محبتنا له: "إن أحب

(.23: 14نأتي، وعنده نجعل مقامنا" )يو

الهدف من اإليمان بالله هو البلوغ باالنسان إلى أن يحيا في ذاته حياة الله، فيقيم الله فيه ويقيم هو في الله. عندئذ� يسيطر على

به، ويجدBد كيانه على صورة المسيح يسوع ابن Bقلقه وضياعه وتغر (.10: 14الله القائل: "أنا في اآلب واآلب فيy" )يو

،A "إن الله لم يشاهده أحد قط، ولكن إن نحن أحببنا بعضنا بعضا(.12: 4 يو 1أقام الله فينا، وكانت محبته كاملة فينا" )

الله لم يره أحد قط، ولكن من يحيا في المحبة على مثال المسيح وباالتحاد معه يستطيع أن يختبر الله، ولن نقوى نحن

52

Page 53: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

المسيحيين على أن نقود الناس إلى االيمان بالله وإلى اختبار اللهفي ذواتهم إال عن طريق المحبة.

"إنB الله محبة. فمن ثبت في المحبة ثبت في الله وثبت الله فيه"(.16: 4 يو 1)

ــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثالثالفصل الثالث

الله الخ�القالله الخ�الق�ة �ةتوطئ توطئ

Zرى". Zرى وما ال ي "خالق� السماء� واألرض، كلO ما ي في التعبير عن اإليمان المسيحي بالله الخالق نجد صلة وثيقة بينZبوyة الله. فاإلله الذي نؤمن بأنه خلق السماء واألرض ليس الخلق وأ

Oر المتسلOط بل الله اآلب. لذلك نعتبر أن اإليمان بالله اإلله المتجب الخالق هو اإليمان بأن محبة الله هي التي أوجدت الخالئق كلها،

. Bوان العالم ليس وليد صدفة بل ثمرة اختيار الله وقصده المحب

لقد أوجز يوحنا االنجيلي فحوى اإليمان المسيحي بقوله: "نحن قدBا بها" ) (. إنB في أصل16: 4 يو 1عرفنا المحبة التي لله فينا وآمن

A من فيض محبته يعطي الوجود A محبا الكون وفي أصل اإلنسان كائنالجميع الكائنات.

ان اإليمان بالله الخالق هو نتيجة لقاء بين كشف الله عن ذاته وخبرة االنسان لمحبة الله. وهذا اللقاء نقرأ حكايته في الكتاب

المقدBس في كال العهد�ين القديم والجديد. ففي العهد القديم اختبرA اليهود محبة الله المخلBص الذي أنقذهم من عبودية مصر، وانطالقاBهم من تلك الخبرة راحوا يتأملون في اإلله الخالق. فاإلله الذي أحبBهم وخلقهم وخلق الكون بأسره. وخلBصهم هو نفسه اإلله الذي أحب

كذلك في العهد الجديد: فلقد ظهر خالص الله في شخص يسوعBر A من اال يمان بالله الذي خلBصنا بالمسيح يعب المسيح؟ وانطالقا

الرسل والمسيحيون األوBلون عن إيمانهم بالله الذي خلقنا بالمسيح.

Bر عنه ق فيه الى اإليمان بالله الخالق كما عب Bبعد قسم كتابي نتطر العهد القديم ثم العهد الجديد، ننتقل إلى المفهوم الالهوتي للخلق

ونعالج المشكالت التي نتجت من مختلف اكتشافات المعاصرة.

53

Page 54: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الق�سم األولالق�سم األولالخلق في الكتاب المقدسالخلق في الكتاب المقدس

أ- في العهد القديم

- روايتا الخلق بين العلم والدين1 ان رواية الخلق في العهد القديم نجدها في الفصلين األوBلين من

سفر التكوين. إال أنB علماء الكتاب المقدس يجمعون اليوم على أن هذه الرواية تضمB في الواقع روايتين مختلفتين: رواية أولى تعود

(، وقد كتبت في4: 2- 1: 1إلى القرن السادس قبل المسيح )تك محيط كهنوتي في أثناء جالء بابل؛ ورواية ثانية أقدم من األولى

ترجع إلى القرن العاشر قبل المسيح، وضعها كتبة وحكماء من بالط (. وبعد العودة من جالء بابل25 ب- 4: 2سليمان الملك )تك

جمعت الروايتان ودZوOنتا الواحدة تلو األخرى في الفصلين األوBلينمن سفر التكوين.

ماذا كان قصد كاتبي هاتين الروايتين؟

عندما استقرB الشعب اليهودي في فلسطين بعد خروجهم منA إلى روايات شفوية مصر مع موسى، راحوا يكتبون تاريخهم استناداB أن تاريخهم ال يعود إلى أبعد وصلت إليهم من األجيال السالفة. إال من ابراهيم أي إلى القرن التاسع عشر قبل المسيح. ولكن ماذا

جرى قبل ذلك؟ إنB الذي دعا ابراهيم "ليجعل منه أمBة عظيمة" )تك (، ألم تكن له عالقات مع البشر قبل ابراهيم؟ وسائر2: 12

الشعوب التي تدين بأديان أخرى وتؤمن بآلهة أخرى هي في الواقع (، ما هي15: 134"أصنام من ذهب وفضة من صنع أيديهم" )مز

عالقتها بهذا اإلله األوحد؟ واألرض وما عليها من نبات وحيوان،�دها من كواكب ونجوم، ما هي عالقتها بالله ل والسماء وما في ج�

A؟ أيضا

لقد عاش ابراهيم في القرن التاسع عشر قبل المسيح، ولكنBن لنا اليوم أن ظهور أول إنسان على األرض يعود إلى العلم قد بي

أكثر من مليون سنة، وان تكوين األرض يرجع إلى ما يقاربZعق�ل والحالة هذه أن تكون العشرة مليارات من السنين. فهل ي روايات الكتاب المقدBس للحوادث التي جرت منذ إنشاء العالمZعقل أن يكون وصفها تاريخية بالمعنى الحديث للكلمة؟ وهل ي

A؟ A علميا لتكوين األرض والسماء وصفا

54

Page 55: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A يهدف إلى وصف كيفية A علميا ان الكتاب المقدBس ليس كتاباA، بالمعنى الحديث للكلمة، يروي A تاريخيا تكوين الكون، وال كتابا

بالتدقيق سيرة البشر منذ ظهور أول إنسان على األرض. وهنا، من الناحية التاريخية، ال بدB لنا من التمييز بين الحوادث التي يرويها

الكتاب المقدس ابتداءA من ابراهيم )أي ابتداءA من الفصل الثاني عشر من سفر التكوين(، والحوادث التي سبقت ابراهيم والتي نقرأ روايتها في الفصول األحد عشر األولى من سفر التكوين. فاذا كانت

رواية حوادث ابراهيم على جانب كبير من الموضوعية التاريخية، فالفصول األحد عشر األولى من سفر التكوين هي مجموعة

أساطير استقاها الشعب اليهودي من آداب الشعوب المجاورة وال سيم�ا األدب البابلي؛ وما ق�صiدZه في روايتها إال إظهار عالقة شعوب العالم أجمع وارتباط الكائنات جميعها باإلله األوحد الذي هو وحده

Bد جميع الشعوب. خالق الكون وسي

فالكتاب المقدBس هو قبل أي شيء آخر كتاب ديني. لذلك ال يعنى بتفسير كيفية تكوين األشياء بقدر ما يعنى بإظهار معنى وجودها.

فبينما يحاول العلم أن يعرف كيف نشأ العالم كيف تكوBنت األرضBن الدين معنى تكوين العالم وغاية حياة كيف ظهر االنسان، يبي

A وتحليل الجسم A كيميائيا االنسان. يستطيع العلم تحليل المادة تحليالA، إال أنه ال يقوى على إدراك غاية وجود A بيولوجيا البشري تحليال

المادة، ويعجز عن الدخول إلى أعماق النفس البشرية وفهم عالئقالمحبة واإليمان التي تربط االنسان بالله.

هذا اإليمان بالله وبمحبته هو ما أراد كاتبو األسفار المقدسة التعبير عنه في روايتهم لتاريخ الكون منذ خلقه ولتاريخ الشعوب

منذ نشأتها.

- الخالص والخلق2 لقد تأثرت كتابة واضعي األسفار المقدسة لكال التاريخين ليسA بما اختبروه في حياة شعبهم باآلداب المجاورة فحسب بل أيضا

طيلة الزمن الذي دوBنوا فيه تلك األسفار.

قلنا إن رواية خلق العالم كما نجدها في سفر التكوين قد اتخذت شكلها النهائي في القرن السادس بعد عودة الشعب اليهودي من جالء بابل. ففي بابل اختبر اليهود الذلB والعبودية وراحوا ينتظرون

Bرين إنقاذ الله لهم من مصر على يد خالصهم وتحريرهم متذكBرين عن إيمانهم بالله مخلBصهم. وقد انطلقوا من هذا موسى، ومعب

55

Page 56: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

االختبار لخالص الله على مدى تاريخهم لتأكيد عمل الله الخالق في بدء األزمنة. فاإلله المخلBص الذي يصنع المعجزات مع شعبه

وينقذهم من أعدائهم هو نفسه اإلله الخالق الذي في بدء األزمنةA على جميع قوى الشرB المعادية. خلق الكون مسيطرا

Bر عنها أجمل تعبير تلك الصلة بين اإلله المخلBص واإلله الخالق يعبZتب في سفر اشعيا النبي، وال سيم�ا في القسم الثاني منه، الذي ك

أثناء السبي في بابل. فقد كان اليهود عندئذ� بحاجة إلى سلطة تقوى على سلطة بابل، فاتخذ اإليمان بالله الخالق أهمية كبري، إذ جمع أول عمل خارق قام به الله في خلقه العالم، والعمل الخارق

الذي كان الشعب ينتظره منه اآلن أي نصرته على أعدائه الذينB يخافوا ممن كانوا يستعبدونه. لذلك يطلب اشعيا من الشعب أال

يعتبرون ذواتهم أسياد الكون والتاريخ. فالله خالق السماواتBد الكون والتاريخ: واألرض هو وحده سي

"هكذا قال الرب صانعك وجابلك الذي أعانك منذ البطن: ال تخف يا يعقوب عبدي... أنا الرب صانع الكل، ناشر السماوات وحدي

Bافين، وراد Bق العرBوباسط األرض بنفسي، مبطل آيات الكذبة ومحم Oت كالم عبده ومتمB مشورة الحكماء إلى الوراء ومسفOه علمهم، مثبZقيم Zبنين، وأنا أ رسله، القائل ألورشليم ستعمرين ولمدن يهوذا ست

(.26- 24، 1: 44المتهدBم منها" )اشعيا

هذا اإلله صانع الكل، ناشر السماوات وحده وباسط األرضبنفسه، كيف يروي سفر التكوين خلقه للعالم؟

- تفسير روايتQي الخلق3 أ(4: 2- 1: 1الرواية األولى )تك

"في البدء خلق الله السماوات واألرض. وكانت خربة وخاليةوعلى وجه الغمر ظالم وروح الله يرفB على وجه المياه.

اليوم األول:خلق النور وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن. وفصل.A A والظالم سمyاه ليال الله بين النور والظالم. وسمىy الله النور نهارا

وكان مساء وكان صباح يوم واحد.

56

Page 57: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ل�د اليوم الثاني: خلق الج�A بين مياه "وقال الله: ليكن جلد في وسط المياه وليكن فاصال

�د والمياه ل �د وفصل� بين المياه التي تحت الج� ل ومياه. فصنع الله الج��د سماء. وكان مساء ل �د، فكان كذلك. وسمyى الله الج� ل التي فوق الج�

وكان صباح يوم ثان� .

اليوم الثالث: خلق اليبس والبحار والنبات والشجر المثمر "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى موضع واحد وليظهر

A ومجتمع المياه سمBاه اليبس. فكان كذلك. وسمىy الله اليبس أرضاA A. ورأى الله ذلك انه حسن. وقال الله لتنبت األرض نباتا عشبا بحارا

A بحسب صنفه بزره فيه على A يخرج ثمرا A مثمرا A وشجرا يبزر بزراA بحسب A يبزر بزرا A وعشبا األرض. فكان كذلك. فأخرجت األرض نباتا

A بزره فيه بحسب صنفه. ورأى الله ذلك أنه A يخرج ثمرا صنفه وشجراحسن. وكان مساء وكان صباح يوم ثالث.

اليوم الرابع: خلق الشمس والقمر والكواكب �د السماء لتفصل بين النهار والليل، ل Bرات في ج� "وقال الله لتكن ني

�د السماء ل Bرات في ج� وتكون آليات وأوقات وأيام وسنين، وتكون نيOر Bرين العظيمين الني لتضيء على األرض. فكان كذلك. فصنع الله النيOر األصغر لحكم الليل والكواكب. وجعلها الله األكبر لحكم النهار والني

�د السماء لتضيء على األرض، ولتحكم على النهار والليل ل في ج� وتفصل بين النور والظالم. ورأى الله ذلك انه حسن. وكان مساء

وكان صباح يوم رابع.

اليوم الخامس: خلق الحيوانات البحرية والطيورA تطير Bة وطيورا "وقال الله لتفض المياه زحافات ذات أنفس حي

Bد السماء. فخلق الله الحيتان العظام وكل� ل فوق األرض على وجه ج�Bذي نفس حية فاضت به المياه بحسب أصنافه وكل Bمن كل Bداب طائر ذي جناح بحسب أصنافه. ورأى الله ذلك انه حسن. وباركها

A انمي واكثري وامألي المياه في البحار وليكثر الطير على الله قائالاألرض. وكان مساء وكان صباح يوم خامس.

اليوم السادس: خلق الحيوانات البرية والبهائم وخلق االنسان "وقال الله لتخرج األرض ذوات أنفس حية بحسب أصنافها بهائم

ودبابات ووحوش أرض بحسب أصنافها. فكان كذلك. فصنع الله وحوش األرض بحسب أصنافها والبهائم بحسب أصنافها وكل دبابات األرض بحسب أصنافها. ورأى الله ذلك انه حسن. وقال الله لنصنع

االنسان على صورتنا كمثالنا، وليتسلBط على سمك البحر وطير

57

Page 58: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bة على األرض. السماء والبهائم وجميع األرض كل الدبابات الدابZنثى A وأ فخلق الله االنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرا

خلقهم. وباركهم الله وقال لهم انموا واكثروا وامألوا األرض وأخضعوها وتسلBطوا على سمك البحر وطير السماء وجميع الحيوان الدابB على األرض. وقال الله ها قد أعطيتكم كل عشب يبزر على

.A A يكون لكم طعاما وجه األرض كلها وكل شجر فيه ثمر يبزر بزرا ولجميع وحش األرض وجميع طير السماء وجميع ما يدبB على

A. فكان األرض ما فيه نفس حية، جميع بقول العشب جعلتها مأكالA. وكان مساء كذلك. ورأى الله جميع ما صنعه فاذا هو حسن جدا

وكان صباح يوم سادس.

اليوم السابع: فيه استراح الله "فأكملت السماوات واألرض وجميع جيشها. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، واستراح في اليوم السابع من جميع

عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدBسه ألنه فيه استراحمن جميع عمله الذي خلقه الله ليصنعه.

"هذه مبادئ السماوات واألرض اذ خلقت".

* تناقضات بين هذه الرواية والعلم إن أول ما يصدمنا في قراءة هذه الرواية أنها تناقض في بعض

عناصرها معطيات العلم األولية. فالنور يخلق في اليوم األول، بينما ال تخلق الشمس إال في اليوم الرابع. ونحن نعلم اليوم أن النور�د السماء، ل مرتبط بالشمس. ثم هناك ذكر لمياه علوية فوق ج�

والعلم يؤكد لنا أن ال وجود لمثل هذه المياه. وتقول لنا هذه الرواية أن الكون خZل�ق في ستة أيام، بينما يؤكد لنا العلم أن تكوين "األرض

والسماء" استغرق مليارات من السنين.

لحلB تلك التناقضات بين الكتاب المقدس� والعلم، ال بدB لنا منA A يحوي دروسا A علميا التأكيد من جديد أن الكتاب المقدس ليس كتابا في علم الكون أو في علم الحياة؛ إنما هو كتاب ديني يحتوي تعاليم

عن عالقة الكون بالله خالقه. وعندما يعمد إلى وصف عمل الله الخالق ال يستطيع أن يصفه إال في إطار الصورة التي كان البشر

في القديم يرون فيها العالم: فاألرض في نظرهم صفحة منبسطة تعوم على وجه المياه، والدليل على ذلك ظهور الينابيع التي تتفجBر

�د )أي الفضاء( الذي فوق ل من هنا ومن هناك من جوف األرض. والج� األرض هو نصف كرة ترتكز أطرافها على حدود األفق. وفوقه وضع

A على األرض عندما يفتح لها الله المياه العلوية التي تنزل مطرا

58

Page 59: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

�د أثبت الله الكواكب وخطB للشمس والقمر ل �د. وتحت الج� ل سدود الج� مسيرهما. أما النور فهو مستقلB عن الشمس، والدليل على ذلك

ظهور النور حتى عند احتجاب الشمس وراء الغيوم.

Bالت البدائية. ال ريب في قد نبتسم ابتسامة االستهزاء لتلك التخي أن العلم قد تقدBم وأننا ال نستطيع بعدZ قبول تلك التفسيرات. لكن

الله ال يكلمنا إال عن طريق البشر، والكتاب المقدس الذي هو كالم الله ال يمكنه أن يعطينا تعاليمه إال في لغة الشعب الذي نشأ فيه،

A من فهم تلك العقلية وتلك وفي عقليته وتصوراته للكون. فال بدB اذاالتصورات الكتشاف إرادة الله وإدراك تعاليمه المقدسة.

* تعاليم هذه الرواية نجد في هذه الرواية أجوبة دينية على أسئلة طرحت البشر منذ

Zطرح اليوم: ما أصل الكون؟ ما عالقة أقدم العصور وال تزال ت االنسان بالشمس والقمر والكواكب، وهل هي آلهة أم خالئق؟ ما

عالقة االنسان بسائر الخالئق، وهل له سلطة على كل ال في األرض من نبات وحيوان؟ ما عالقة الرجل بالمرأة، وهل المرأة مساوية

A في االسبوع، وما شأن الله والصالة في يوم �م� الراحة يوما للرجل؟ لالراحة هذا؟

الله الخالقA في كل آية من A أن لفظة الله هي التي تتكرر تقريبا نالحظ أوال

آيات هذا الفصل. "خلق الله"، "قال الله"، "رأى الله"، "سمBى الله"، "فصل الله"، "صنع الله"، "باركها الله"، الخ... ال يقصد الكاتب المقدس في رواية الخلق هذه وصف الخالئق وتكوينها

وميزاتها بقدر ما يقصد إظهار عالقتها بالله الخالق؛ فالله وحده هو أصل جميع الكائنات ومبدع كل الخالئق، هو وحده خالق األرض وما

فيها من نبات وحيوان وبشر، وهو وحده خالق السماء وما يدور فيهامن كواكب ونجوم.

"ورأى الله ذلك أنه حسن" تعاد هذه العبارة ست مرات في النص، وفي المرة السادسة

A". وفي ذلك يؤكد الكاتب أن "جميع ما صنعه الله... هو حسن جدا اسم إعالن لمجال الحمل الذي قام به الله وتركيز على قيمة

الخالئق، ليس في تكوينها البيولوجي، بل في عالقاتها بالله. فالله أو الري أرادها، لذلك لها قيمة كبرى في ذاتها. وهذا التركيز على حسن الخالئق هو في الوقت نفسه شهادة على وحدانية الله

الخالق ورفض لالزدواجية التي نجدها في بعض الديانات القديمة

59

Page 60: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

والتي تؤكد وجود إلهين في أصل الخالئق، إله الخير وإله الشر. أما هنا فالكتاب المقدس يعلن وجود إله واحد قد خلق جميع الكائنات؛

لذلك هي حسنة. أما موضوع الشرB فسنعالحه في القسم الثاني منهذا البحث.

"وكان مساء وكان صباح..."A، في نهاية كل يوم من أيام تعود تلك العبارة ست مرات أيضا

ة الشعب بالذبيحتين اللتين كانتا تقامان كل مساء وكل Bالخلق، مذكر صباح. فذبيحة المساء كانت تقام "نحو مغيب الشمس" معيدة إلى

األذهان العمل الخالصي الذي قام به الله عندما أخرج شعبه من (؛ وذبيحة الصباح كانت تقدBم بالغداة "محرقة6: 16مقصر )تثنية

(، معيدة ذكرى العهد6: 28دائمة كما قدمت في سيناء" )العدد الذي أبرمه الله مع شعبه على يد موسى في سيناء.

ترتيب خلق الكائنات ألهميتهاA ج تصاعدي وفقا Bنالحظ أن الكائنات قد برزت للوجود في تدر ألهميتها. ففي البدء لم يكن سوى أرض خربة خالية وعلى وجه

الغمر ظالم. ثم خلق الله النور فالمياه فاليابسة فالنبات فالعشب فالشجر فالكواكب، فالحيوانات البحرية فالطيور فالحيوانات البرية فالبهائم، ثم توBج عمله بخلق االنسان على صورته كمثاله ليتسلBط

على جميع الخالئق.

االنسان صورة الله بينما تأتي النباتات واألشجار والحيوانات إلى الوجود "كلB بحسب

Zخلق االنسان "على صورة الله كمثاله".24، 11: 1صنفه" ) (، ي تقوم صورة الله في االنسان على اشتراك االنسان في سيادة الله على سائر الخالئق. وتلك السيادة تفرض العقل والحرية واالرادة.

فقد خلق االنسان "ليتسلBط على سمك البحر وطير السماء والبهائم (. أما لفظة كمثالنا في قوله تعالى:28، 26: 1وجميع االرض" )

"لنصنع االنسان على صورتنا كمثالنا"، فيقصد الكاتب بها إلغاء المساواة التامة بين االنسان والله. فاالنسان هو على صورة الله

A له في األلوهة. وقد رأى بعض اآلباء القديسين ولكنه ليس مساويا الشرقيين في الصورة الطبيعة التي خZلق عليها االنسان، وفي

المثال الدعوة� التي هو مدعو لبلوغها. فقد خZلق على صورة الله،ولكنه مدعو إلى أن يصبح على مثال الله في قداسته.

A على هذا والمرأة هل هي مساوية للرجل في تلك الصورة؟ جوابا السؤال يؤكد الكاتب المقدس مساواة الرجل والمرأة. فكالهما

60

Page 61: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

خZلق على صورة الله: "فخلق الله االنسان على صورته، علىZنثى خلقهم" ) A وأ (.27: 1صورة الله خلقه، ذكرا

األيام الستةع على ستة أيام عمل الخلق الذي قام به الله. يجب Bان الكاتب وز

A للمدة الزمنية التي استغرقها A علميا B نرى في هذا العدد تحديدا أالBها ستة م الكاتب المقدس الكائنات كل Bتكوين العالم. فقد قس

Bن أن الله قد خلقها في ستة أيام، ثم استراح في اليوم أقسام، وبيA لعمل السابع. وما ذلك إال طريقة تعليمية تظهر في عمل الله مثاال

االنسان وتؤكد ضرورة تقديس يوم السبت كما جاء في الوصية الثالثة من وصايا الله: "اذكر يوم السبت لتقدBسه. في ستة أيام تعمل وتصنع جميع أعمالك. واليوم السابع سبت للرب إلهك، ال

A لك، أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك تصنع فيه عمال ونزيلك الذي في داخل أبوابك. ألن الرب في ستة أيام خلق السماوات واألرض والبجر وجميع ما فيها، وفي اليوم السابع

-8: 20استراح، ولذلك بارك الرب يوم السبت وقدBسه" )خروج 11)

(25 ب- 4: 2الرواية الثانية )تك األرض الجافة

"يوم صنع الرب اإلله األرض والسماوات، كلB شجر البرية لم يكن بعد في األرض كلB عشب البرية لم ينبت بعد، ألن الرب اإلله لميكن قد أمطر بعد على األرض، ولم يكن انسان ليحرث األرض.

خلق االنسانA من األرض ونفخ في أنفه �ل� االنسان ترابا "وان الربB اإلله جب

Bة. A حي نسمة حياة، فصار االنسان نفسا

غرس الجنةA وجعل هناك االنسان الذي "وغرس الرب اإلله جنة في عدن شرقا جبله. وأنبت الرب اإلله من األرض كل شجرة حسنة المنظر وطيبة

المأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير. وكان نهر يخرج من عدن فيسقي الجنة، ومن ثم يتشعب Bوالشر

فيصير أربعة رؤوس: اسم أحدها فيشون وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب، وذهب تلك األرض جيد، هناك المقل وحجر

الجزع. واسم النهر الثاني جيحون وهو المحيط بجميع أرض الحبشة. واسم النهر الثالث حدBاقل وهو الجاري في شرقي أشور.

والنهر الرابع هو الفرات.

61

Page 62: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

وصية الله لالنسان "وأخذ الرب اإلله االنسان وجعله في جنة عدن ليفلحها ويحرسها.

A: من جميع شجر الجنة تأكل، أما وأمر الرب اإلله االنسان قائال شجرة معرفة الخير والشر فال تأكل منها، فانك يوم تأكل منها

.A تموت موتا

خلق الحيوانات "وقال الرب اإلله ال يحسن أن يكون االنسان وحده، فأصنع له

A بإزائه. وجبل الرب اإلله من األرض جميع حيوانات البرية عونا وجميع طير السماء وأتى بها آدم ليرى ماذا يسمBيها، فكلB ما سمBاه

به آدم من نفس حية فهو اسمه. فدعا آدم جميع البهائم وطير السماء وجميع وحش الصحراء بأسماء. وأما آدم فلم يوجد له عون

بإزائه.

خلق المرأةA على آدم فنام، فاستلB إحدى أضالعه "فأوقع الرب اإلله سباتا

وسدB مكانها بلحم. وبنى الرب اإلله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، فأتى بها آدم، فقال آدم: ها هذه المرة عظم من عظامي

Zخذت. ولذلك ولحم من لحمي. هذه تسمى امرأة ألنها من امرئ أA. وكانا A واحدا Zمه ويلزم امرأته، فيصيران جسدا يترك الرجل أباه وأ

كالما عريانين آدم وامرأته وهما ال يخجالن".

A أقدم تعود هذه الرواية إلى القرن العاشر قبل المسيح. فهي اذا من األولى. إال أنها ليست من كاتب واحد؛ فهي بدورها تجمع

A أول يتكلم عن خلق االنسان ) (8 ب- 4: 2تقليدين مختلفين، تقليداA يدور حول حوادث الخطيئة24- 18: 2وخلق المرأة ) A ثانيا (، وتقليدا

A اإلطار الذي ستجري فيه تلك الحوادث، أي األولى. فيصف أوال الجنة وما فيها من أشجار وال سيم�ا شجرة الحياة وشجرة معرفة

الخير والشر. ثم يتكلم عن وصية الله باالمتناع عن األكل من (. ثم يتابع هذا التقليد روايته17- 9: 2شجرة معرفة الخير والشر )

في الفصل الثالث فيروي قصة التجربة وعصيان آدم وحواء أوامر(.24- 1: 3الله )

الله الخالقA اإلله الوحيد الذي خلق وحده يبدو لنا الله في هذه الرواية أيضاBز صورة الله كل شيء، االنسان والجنة والحيوانات والمرأة. وتتميA انسانية، فتصفه وهو في هذه الرواية بأنها تنسب إلى الله أعماال

62

Page 63: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A من أضالعه A ليصنع االنسان، ثم يأخذ ضلعا يغرس الجنة ويجبل تراباى Bمكانها بلحم. وفي الفصل الثالث نراه "يتمش Bليصنع المرأة، ويسد

(، ويصنع آلدم وحواء بعد الخطيئة8: 3في الجنة عند نسيم النهار" ) (. تظهر هذه الرواية قرب الله21: 3"أقمصة من جلد ليكسوهما" )

A من قدرته، فهو من االنسان وعطفه عليه، إال أنها ال تقلBص شيئا وحده الخالق، وهو وحده السيد الذي يعطي االنسان وصاياه وفي

يده الحياة والموت.

خلق االنسانA تصف هذه الرواية خلق االنسان بطريقة بدائية. فالله يجبل ترابا

وينفخ فيه. من البديهي أن الله روح وليس له جسد وال يدان ليجبل التراب. لقد استخدم الكاتب صورة معروفة في عمره ليعطي من

A. فاألساطير المصرية القديمة كانت تصوBر اإلله A دينيا خاللها تعليما الكبش يكوBن الملك على آلة الخزاف. فمن خالل تلك الصورة يؤكد

الكاتب ان االنسان هو من صنع الله في جسده وروحه.

الجنة ان اإلطار الذي ستجري فيه حوادث الخطيئة األولى هو "جنة فيA". يستحيل على علماء الكتاب المقدس اليوم تحديد هذا عدن شرقا

Bة من أصل A. إال أن لفظة "عدن" مشتقBة بالعبري الموضع جغرافيا يعني "النعيم". وبما ان الرواية ليست رواية تاريخية بل تعليمية، نكتفي بهذا المعنى لنستنتج منه هدف الكاتب المقدس، أال وهو

التشديد على محبة الله لالنسان. فبعد أن خلقه وضعه في "جنة نعيم" فيها كل ما كان االنسان القديم العائش في الصحراء يتمناه:

واحة ظليلة مليئة بالشجر المثمر والمياه الغزيرة. وكذلك القول عن األنهر األربعة التي كانت تخرج من الجنة، وعن أسماء البلدان التي تسقيها، فانها ليست مواضع جغرافية نستطيع تحديدها، إنما تعني أن األنهار التي تسقي جهات األرض األربع تخرج من الجنة،

A من صنع الله. فهي اذا

العمل "وأخذ الرب اإلله االنسان وجعله في جنة عدن ليفلحها ويحرسها"

A أراده له الله منذ أن15: 2) (. يعتبر الكاتب عمل االنسان أمراA على الخطيئة األولى، كما يقال خلقه. فليس العمل في ذاته قصاصا

A. ان نتيجة الخطيئة ستكون المشقBة في العمل، كما ورد في أحيانا قول الله آلدم: "إذ سمعت لصوت امرأتك فأكلت من الشجرة التيA ال تأكل منها، فملعونة األرض بسببك، بمشقة تأكل منها نهيتك قائال

Zنبت لك" )تك A ت A وحسكا (.18، 17: 3طول أيام حياتك، وشوكا

63

Page 64: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A في طبيعة االنسان وفي عالقاته مع A كانت، تحدث خلال فالخطيئة، أيا الله ومع اآلخرين ومع الكون. أما العمل فهو في ذاته من صلب

الطبيعة االنسانية.

سيادة االنسان على الحيوانات بعد أن خلق الله الحيوانات "أتى بها آدم ليرى ماذا يسمBيها. فكل

(. ان الله قد19: 2ما سمBاه به آدم من نفس حية، فهو اسمه" )Bرت عنها أعطى االنسان السيادة على الحيوانات. وهذه السيادة عب

الرواية األولى بقوله تعالى لالنسان: "تسلBطوا على سمك الحر (. أما هذه28: 1وطير السماء وجميع الحيوان الدابB على األرض" )

Bر عن الفكرة عينها بقولها ان الله قد ترك الرواية الثانية فتعبلالنسان نفسه تسمية الحيوانات.

خلق المرأة يتصوBر الكاتب أن الله خلق المرأة من ضلع الرجل. هذه صورة شعبية للداللة على أن المرأة والرجل هما من جبلة واحدة: "هذه

(، وانهما متساويان23: 2تسمى امرأة، ألنها من امرئ أخذت" )A إصرار على أن في الطبيعة االنسانية. وفي هذه الصورة أيضا

الزواج أمر مقدBس أراده الله نفسه: "ال يحسن أن يكون االنسانA بإزائه" ) (. ويضيف الكاتب: "لذلك18: 2وحده، فأصنع له عونا

( "A A واحدا Zمه ويلزم امرأته فيصيران جسدا :2يترك الرجل أباه وأ (. وهذا النص سيعود إليه يسوع في حديثه عن الزواج وشجبه24

(.6- 3: 19الطالق )متى

الخلق والعهد وشجرة معرفة الخير والشرA ان الكاتب المقدس لم يقصد أن A في هذه الرواية أيضا نالحظ إذا يروي بالتدقيق ما جرى من حوادث في فجر البشرية، بل أن يبرز

عالقة الله باالنسان وعالقة االنسان بالكون وعالقة الرجل بالمرأة،كما أرادها الله منذ خلق الكون واالنسان والرجل والمرأة.

ان عالقة الله باالنسان هي عالقة عهد على مدى التاريخ منذ بدءA بأن يكون معهم الكون. فالله الذي قطع مع الشعب اليهودي عهداA ويخلBصهم من أعدائهم، هو نفسه قد قطع مع البشرية جمعاء عهداA منذ خلق االنسان األول. ويمكننا أن نجد أوجه شبه متعددة مماثال

بين عهد الخالص وعهد الخلق:

- فكما ان الله خلBص اسرائيل إذ أخرجه من مصر وقاده عبرA"، هكذا خلق الله A وعمال الصحراء ليقيمه في أرض خصبة "تدرB لبنا

64

Page 65: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(،5: 2االنسان األول على أرض "لم يكن فيها أي شجر أو عشب" )ثم غرس له جنة وأقامه فيها ليفلحها ويحرسها.

- وكما ان الله أعطى شعبه على جبل سيناء بواسطة موسىA من الوصية األساسية "ال يكن لك آلهة وصاياه وأحكامه انطالقا

(، هكذا، منذ خلق االنسان، أوصاه أال يأكل3: 20تجاهي" )خروج من شجرة معرفة الخير والشر. وترمز تلك الشجرة، ال إلى التمييز بين الخير والشر- ألن هذا من صلب طبيعة االنسان العاقل، والله

قد أعطى االنسان هذا التمييز منذ أن خلقه- إنما إلى السلطة على تحديد الخير والشر. وتلك السلطة هي بيد الله وحده، فهو الذي

، وهو الذي يعطي الوصايا التي توضح ما الخير Bد الخير والشرBيحد الذي يجب فعله وما الشر الذي يجب االبتعاد عنه. فاألكل من

A رفض لله واالستقالل عنه في كل شجرة معرفة الخير والشر هو إذا ما يتعلBق بالخير والشر، والتخلBي عن وصاياه، انه رفض االنسان أن

A بالله. A مرتبطا يكون خليقة، أي كائنا

- وفي عهد سيناء وعد الله بالبركة من يتبع وصاياه وهدBد بالموت من يخالفها: "انظر، اني قد جعلت اليوم بين يديك الحياة والخير

والموت والشر. بما اني آمرك اليوم أن تحب الرب إلهك وتسير في طرقه وتحفظ وصاياه ورسومه وأحكامه لتحيا وتكثر ويباركك الرب

إلهك. وان زاغ قلبك ولم تسمع وملت وسجدت آللهة أخرىA" )تثنية -15: 30وعبدتها، فقد أنبأتكم اليوم أنكم تهلكون هالكا

A هدBد الله االنسان بالموت إن لم يتبع وصاياه:18 (. وفي الجنة أيضا "أما شجرة معرفة الخير والشر فال تأكل منها، فانك يوم تأكل منها

( "A (. ليس القصد من الموت في هذه الجملة15: 2تموت موتا الموت الجسدي، ألن الموت الجسدي هو طبيعي لالنسان، بل موت

"A A" هي مرادفة لعبارة "تهلكون هالكا النفس؛ فعبارة "تموت موتا التي نقرأها في سفر تثنية االشتراع. ان االنسان الذي يرفض الله ويريد أن يكون هو إله نفسه ال محالة هالك. كل ما يستطيع بلوغه

Bر عنه من دون الله إنما هو اكتشاف عريه وبؤسه، وهذا ما عب الكاتب المقدس بقوله ان آدم وحواء بعد خطيئتهما "انفتحت

(. وما طرد آدم وحواء من7: 3أعينهما فعلما أنهما عريانان" )تك ( إال صورة رمزية للموت الروحي الذي حصل لهما23: 3الجنة )تك

بعد الخطيئة، أي لفقدانهما بركة الله وحياة األلفة معه.

65

Page 66: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- ماذا يمكننا أن نستنتج من تعاليم العهد القديم في4موضوع الخلق؟

من كل ما سبق يمكننا استخالص التعاليم التالية:

( ان الله هو اإلله الوحيد الكائن منذ األزل، الذي لم يأخذ كيانه1من أي كائن آخر.

( ان الله هو الخالق الوحيد للكون كله ولالنسان. وعمل الخلق2 هو فيض من محبته، فالله حاضر مدى الدهر مع االنسان بصالحه

ومحبته وقدرته.

3A Bدا A وال مقي ( ان عمل الخلق هو عمل حر، لم يكن فيه الله مرغمابأي عامل خارجي. والكون الذي ينتج من عمله ال يتعلBق إال به.

( ان عمل الخلق هذا تصفه تقاليد مختلفة من سفر التكوين في4 عبارات وتصاوير وتشابيه متأثرة بالمحيط الذي نشأت فيه تلك

التقاليد وبالبيئة التي كتب فيها سفر التكوين، وال سيم�ا بالحضارتينالبابلية والمصرية.

ب- في العهد الجديد ال نجد في العهد الجديد كما في سفر التكوين روايات خاصة بخلق العالم. إال أن اإليمان بالله الخالق هو األساس الذي يرى من خالله العهد الجديد عالقة الله باالنسان. ثم ان الذين عاشوا مع المسيح

أدركوا باإليمان أنهم يحضرون في شخص يسوع المسيح تحقيق مواعيد الله ومقاصده التي سبق فحدBدها منذ إنشاء العالم. لذلكZبوBة الله الشاملة لجميع خالئقه ومن يؤكد العهد الجديد من جهة أ

جهة أخرى وساطة يسوع في الخلق كما في الخالص.

- الله الخالق1Bد الرسل في كرازتهم إزاء العالم الوثني الذي كان يعبد األصنام أك

عبادة الله األوحد "خالق السماء واألرض". فبولس الرسول، في خطابه في لسترا، طلب من مستمعيه أن يرجعوا "إلى الله الحي

:14الذي صنع السماء واألرض والبحر وجميع ما فيها" )أعمال (؛ وفي خطابه في أثينا في اآلريوباغس، قال للجموع المحتشدة15

لسماعه:

66

Page 67: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

"ان اإلله الذي صنع العالم وجميع ما فيه ال يسكن، إذ هو رب السماء واألرض، في هياكل صنعتها األيدي، وال تخدمه أيدي البشر

A وكل كأنه محتاج إلى شيء� ما، إذ هو يعطي الجميع حياةA ونفسا شيء. وهو الذي صنع من واحد كلB أمة من البشر، ليسكنوا علىA لهم مدى األزمنة وتخوم مساكنهم، لكي وجه األرض كلها، محددا

Bهم يجدونه متلمBسين، مع انه غير بعيد من كل واحد يطلبوا الله، لعلBا A بعض شعرائكم: "إن ك ونوجد، كما قال أيضا Bمنا، إذ به نحيا ونتحر

Bته" )أعمال (.28- 24: 17نحن ذري

فالله، بحسب تعليم بولس، هو الذي صنع السماء واألرض، وهوA خالق الكون وجميع Zمم األرض. فهو إذا الذي صنع من واحد جميع أ

البشر، وبه نحيا ونتحرك ونوجد.

- الخلق بالمسيح2 يضيف العهد الجديد إلى اإليمان بالله الخالق فكرة جديدة، وهيBاب: أن الله خلق كل شيء بالمسيح. ترد هذه الفكرة عند ثالثة كت بولس الرسول ويوحنا االنجيلي وفي الرسالة إلى العبرانيين التي

yن أنها ليست من وضع بولس الرسول. �بي ت

* النصوصBين إن20- 12: 1)كولسي ( يقول بولس في رسالته إلى الكولسي

المسيح هو "صورة الله غير المنظور، المولودZ قبل كل خلق، إذ فيهZرى... به Zرى وما ال ي خZلق جميع ما في السماوات وعلى األرض، ما ي

:1وإليه خلق كل شيء، انه قبل كل شيء، وفيه يثبت كل شيء" )15 -17.)

Zنشده يبدو أن هذا المقطع هو جزء من نشيد مسيحي قديم كان ي المسيحيون األوBلون مؤكدين إيمانهم بدور المسيح في الخلق كما في الخالص. فبعد اإلشادة بدور المسيح في الخلق يتابع بولس:

A رأس الجسد، أي الكنيسة، انه المبدأ، البكر من بين "الذي هو أيضا األموات -لكي يكون هو األول في كل شيء- ففيه ارتضى الله أن يحلB الملء كله، وأن يصالح به، لنفسه، كل ما على األرض وفي

(.20- 18: 1السماوات، بإقراره السالم بدم صليبه" )

( "فنحن إنما لنا إله واحد، اآلب، الذي منه كل6: 8 كورنثس 1) شيء ونحن إليه، ورب واحد يسوع المسيح، الذي به كل شيء

ونحن به".

67

Page 68: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

يعلن بولس إيمانه بالله اآلب الخالق كل شيء، ثم إيمانه باالبنA في الذي هو الوسيط في الخلق: "به كل شيء". وهو الوسيط أيضا

الخالص: "فنحن به" أي به افتدينا وتقدBسنا وأصبحنا خليقة جديدة.

A، على18- 1: 1)يوحنا ( ان الفصل األول من انجيل يوحنا هو أيضا ما يرجBح، مستقى من نشيد مسيحي قديم يشيد بدور المسيح كلمة الله في الخلق والخالص، فيعلن أن المسيح هو الكلمة الذي، خلقBه مساو� لله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة الله اآلب الكون، وأن

(. ثم تشير اآلية الثالثة إلى1: 1كان لدى الله، وكان الكلمة الله" ) وساطة الكلمة في الخلق: "به كوBن كل شيء وبدونه لم يكن شيء

ZوOن"، وتعود الفكرة عينها في اآلية العاشرة: "العالم به واحد مما كZو�ن". ك

وفي اآلية الرابعة يبدو لنا الكلمة، الذي وZصف بأنه الوسيط فيA في الخالص: "فيه كانت الحياة والحياة كانت الخلق، الوسيط أيضا

نور الناس، والنور يضيء في الظلمة..."، فالحياة والنور لفظتان : "ومن امتالئه16تعنيان في انجيل يوحنا الخالص، وكأنك في اآلية

نحن كلنا أخذنا ونعمة فوق نعمة".

yم� اآلباء3- 1: 1)الرسالة إلى العبرانيين ( "ان الله، بعد أن كلyمنا نحن، في هذه A عديدة وبشتى الطرق، كل A باألنبياء مرارا قديماA أنشأ A لكل شيء، وبه أيضا األيام األخيرة، باالبن الذي جعله وارثا

العالم، الذي هو ضياء مجده وصورة جوهره وضابط كل شيء بكلمة قدرته، الذي بعد أن طهBرنا من خطايانا، جلس عن يمين

الجالل في األعالي".

A مستقاة من نشيد مسيحي في هذه اآليات التي قد تكون أيضا قديم يجمع الكاتب عمل المسيح الخالصي الذي به "طهBرنا من

خطايانا"، ووساطته في الخلق. فبالمسيح "أنشأ الله لعالم". والمسيح هو "ضابط كل شيء بكلمة قدرته". فالخلق بالكلمة،

A الذي هو من عمل لله في سفر التكوين، تؤد هذه الرسالة أنه أيضا من عمل االبن كلمة الله والوسيط الوحيد في الخلق كما في

الخالص.

* مصادر فكرة "الخلق بالمسيح"Bر فيها العهد الجديد عن "الخلق ان المراجع الثالثة التي يعب

Bة بعضها عن بعض. ومعظم المقاطع التي ترد بالمسيح" هي مستقل

68

Page 69: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فيها تلك الفكرة هي بقايا من أناشيد كان المسيحيون األولونOر عن يتلونها في صلواتهم. ومعروف أن األناشيد والصلوات تعب

اإليمان. فنستنتج من هذا كله ان فكرة الخلق بالمسيح قد ظهرتBر عن إيمان الرسل في السنوات األولى للمسيحية، وهي تعب

والمسيحيين األوBلين بأن يسوع المسيح هو كلمة الله الذي به خZلقكل شيء. ماذا يعني هذا التعبير، وما هو مصدره؟

ان المسيحيين األوBلين قد رأوا في شخص يسوع المسيح تحقيقyروا عن إيمانهم كل ما ورد في العهد القديم في الحكمة اإللهية، وعب

بتعابير استقوها من الفلسفة اليونانية وال سيم�ا من أقوال فيلوناالسكندر في العقل االلهي الذي نظBم العالم.

الحكمة في العهد القديم ان العهد القديم قد تصوBر الحكمة موجودة مع الله منذ خلق

العالم. وهذه بعض اآليات التي نجدها في األسفار الحكمية:

"أنا الحكمة... الرب حازني في أول طريقه قبل ما عمله منذ البدء. من األزل مسحت ومن األول من قبل أن كانت األرض. وZلدت حين لم تكن الغمار والينابيع الغزيرة المياه... حين وضعZسس األرض، للبحر رسمه فالمياه ال تتعدى أمره، وحين رسم أ

A" )األمثال (.35- 22: 8وكنت عنده مهندسا

"كل حكمة فهي من الرب وال تزال معه إلى األبد... قبل كل شيء حيزت الحكمة، ومنذ األزل فهم الفطنة. ينبوع الحكمة كلمة

(.5، 4: 1الله ومسالكها الوصايا األزلية" )يشوع بن سيراخ

"هب لي الحكمة الجالسة إلى عرشك... ان معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم وهي عارفة ما

(.9، 4: 9المرضيB في عينيك والمستقيم في وصاياك" )الحكمة

نجد في هذه النصوص تعابير سيرى العهد الجديد تحقيقها في المسيح. فهو مولود كالحكة قبل كل خلق "حين لم تكن الغمار

والينابيع الغزيرة". وهو "من الرب"، وهو "كلمة الله"، وهو"الجالس إلى عرش الله"، وهو "حاضر مع الله عند خلق العالم".

"الكلمة" في الفلسفة اليونانية وردت لفظة "الكلمة" في الفلسفة اليونانية للداللة على العقل

A أدنى اإللهي الذي نظBم العالم. واعتبر فيلون االسكندري الكلمة إلها

69

Page 70: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

بواسطته خلق الله الكون. فالكلمة، حسب قوله، "صورة الله التيلق الكون كله". كذلك يتكلم فيلون عن الحكمة التي "بها خZلق Zبها خ

كل شيء".

فالجماعة المسيحية اليونانية األصل نسبت تلك العبارات إلىدة وكلمة الله الذي ظهر Oالمسيح الذي رأت فيه حكمة الله المتجس

في العالم وكان منذ البدء مع الله قبل خلق العالم. ففي الخلق كما في الخالص ال وساطة غير وساطة المسيح الذي هو كلمة الله

المولود من الله منذ األزل.

وهكذا نشأت في الكنيسة األولى تلك األناشيد التي تستخدم الثقافة اليونانية للتعبير عن سرB المسيح وإظهار عالقته الفريدة

بالله اآلب. فهو وحده ابن الله الكائن منذ األزل مع الله، وبه وحده تمy خلق العالم، كما انه به وحده تمy الخالص الذي هو"خلق جديد":

Bإن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. فالقديم قد اضمحل" (.17: 5 كور 2وكل شيء قد تجدBد" )

المسيح هو المبدأ والغاية ان الخلق الجديد هو الذي يعطي الخلق األول ملء معناه. فالخلق

A ليجد كماله في المسيح. لذلك فان األول كان منذ البدء موجBها المسيح هو في الوقت ذاته مبدأ الخلق وغايته األخيرة، والهدف

الذي يجب أن يسير إليه كل انسان. لذلك يقول بولس: "به وإليه (. ان لفظة "به" تعني أنه المبدأ،16: 1خلق كل شيء" )كولسي

ولفظة "إليه" تعني انه الغاية. ويردف بولس: "انه قبل كل شيء، (. فكما أن كل عمل يقوم به17: 1وفيه يثبت كل شيء" )كولسي

A الفكر والتصميم والمبدأ، هكذا فان المسيح كائن عاقل يسبقه دوما هو المبدأ الذي سبق خلق العالم، "انه قبل كل شيء". وكما ان كل

A المسيح هو الغاية األخيرة عمل يسير نحو غاية أخيرة، هكذا أيضاالتي يسير إليها الخلق، لذلك "فيه يثبت كل شيء".

هذا اإليمان بما للمسيح من دور فريد في الخلق كما في الخالص،A يوحنا في سفر الرؤيا بقوله إن المسيح هو "األلف yر� عنه أخيرا عب

(.13: 22والياء، األول واآلخر، المبدأ والغاية" )رؤيا

70

Page 71: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

�اني �انيالق�سم الث الق�سم الثمفهوم الخلق في الالهوت المسيحيمفهوم الخلق في الالهوت المسيحي

أ- تصورات خاطئة عن الخلقA بعض تصورات لكي نوضح المفهوم الصحيح للخلق، سنعرض أوال

خاطئة رأى من خاللها الناس الخلق على مرB العصور. منهم من رأىA من الله، وآخرون الخلق بداية في الزمن، ومنهم م�ن ع�دyه انبثاقا

A من مادة سابقة. صنعا

- الخلق ليس بداية في الزمن1A تمy على مراحل في كثيرون من الناس يتصوBرون الخلق عمال

الزمن: مرحلة أولى ال وجود فيها ألي كائن غير الله، ومرحلة ثانية يقصد فيها الله خلق العالم، ومرحلة ثالثة ينفBذ فيها قصده فيخلق

Oزون العالم الذي ينتقل هكذا من الالوجود والعدم إلى الوجود. ويميعلى هذا النحو الزمن الذي قبل الخلق والزمن الذي بعد الخلق.

ان هذا تصو�ر بشري يرى االنسان من خالله عمل الله في الخلقA يمتلك على مثال أعمال البشر. فعندما يريد انسان أن يبني بيتا

A بالتصميم والتخطيط، ثم ينفBذ تصميمه A ال بناء عليها، فيقوم أوال أرضا فيبني البيت؛ في المرحلة األولى لم يكن على األرض بيت، وفي

المرحلة األخيرة وZجد البيت.

يعتبر هذا التصوBر للخلق ان الخلق هو "بداية في الزمن". وإذا عدنا إلى معظم تصاوير الكتاب المقدس نرى أنها تتصوBر الخلق

على هذا النحو: قبل الخلق لم يكن شيء سوى العدم، وبعد الخلقOر بواسطته ظهرت الخالئق إلى الوجود. وهذا التصوBر هو الذي يعب

آباء الكنيسة ومعلOموها عن إيمانهم بالله الخالق.

إال أننا نعم أن عمل الله ال يمكن أن يكون على مثال عمل االنسان، ألن االنسان عائش في الزمن وفي النسبي، فيتقلBب

Bر، وينتقل من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل. ويتحوBل ويتغي وهكذا كل ما يصنعه االنسان ينتقل معه من مرحلة الالوجود في

الزمن إلى مرحلة الوجود: قبل مدة من الزمن لم يكن هناك بيت، وبعد قليل وZج�د البيت. بيد أنB الله فوق الزمن؛ انه المتعالي

Bر، إذ "ليس فيه ظل تحوBل وال المتسامي عن الزمن وعن التغي دوران"؛ انه "هو هو أمس واليوم وإلى الدهور"، لذلك ال نستطيع أن

نتصوBر عمله على مثال أعمال البشر .

71

Page 72: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ثم كيف يمكننا أن نتكلم عن "قبل الخلق" و"بعد الخلق"، فيBران عن الزمن؟ فهما �ي "قبل" و"بعد" هما لفظتان تعب حين أنB لفظت

A وZج�دتا مع الزمن، وال وجود للزمن قبل الخلق. إذا

B يستخدم ولكن هل بإمكان االنسان، في كالمه عن الله وعمله، أال األلفاظ والتعابير نفسها التي يستخدمها للكالم عن األمور الزمنية؟

، اذا أردنا التفكير والكالم Bنحن العائشين في الزمن وفي النسبي عن الله، ال نستطيع أن نفكر ونتكلم إال بموجب مفاهيم وتعابير

تتالءم وعقلنا البشري، وإال أرغمنا على الصمت. غير أننا، فيBه إلى عجز تفكيرنا وكالمنا عن جميع أمور الله، ال بدB لنا من التنب

مفاهيمنا وتعابيرنا البشرية عن االحاطة بسرB الله وبعمله.

ثم ان مسألة قدم العالم، أي أن يكون العالم قد ابتدأ في زمن محدد أم أن يرجع وجوده إلى ما ال نهاية له في الزمن، هي اليوم

مسألة يترك الالهوت للعلم أمر البتB فيها. ال شك أن معظم العلماء اليوم ال يرون كيف يمكن الرجوع بالعالم إلى ما ال نهاية له؛ فالمادة

لها قوة محددة، وال بدB انها بدأت في زمن محدد.

Bن أن العالم، ولكن مهما يكن من أمر، فإنه يعود لالهوت أن يبي وان افترضنا وجوده منذ زمن ال نهاية له، إنما هو متعلق بالله على مدى الزمن وعلى مدى الالنهاية، وإنB جوده النسبي مرتبط بوجود

كائن مطلق هو الله، منه يأخذ الوجود ويستقي الكيان.

ان جميع التصاوير البشرية التي يرى الكتاب المقدس من خاللها الخلق ال تهدف إلى اإلجابة عن مسألة بدء الخلق في الزمن بقدر

ما تقصد إظهار االرتباط الوثيق بين الخالئق والله، فالخالئق مرتبطةكلها بالله على مستوى كيانها ووجودها.

- الخلق ليس انبثاقاY من الله2A من الله. إن كان بعض الفالسفة األقدمين يعتبرون الخلق انبثاقا

تلك النظرة خاطئة، ألن االنبثاق يعني المساواة بين جوهر الله وجوهر الخالئق وهذا ما ال يمكننا قبوله. فجوهر الله مختلف تمام

االختالف عن جوهر الخالئق: الله مطلق أما الخالئق فنسبية؛ كيانBر وال الله هو من ذاته، أما كيان الخالئق فهو من الله؛ الله ال يتغي

Bر عنه Bر والتحوBل. وهذا ما يعب يتحوBل، أما الخالئق فهي عرضة للتغي الكتاب المقدس، عندما يتكلم عن قداسة الله إزاء خطيئة االنسان،

72

Page 73: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

وعن النور إزاء الظلمة، وعن ثبات الله وأمانته لنفسه ولخالئقه إزاءتقل�ب االنسان وخيانته.

- الخلق ليس صنعاY من مادة سابقة3A عمل على مادة سابقة. فالمادة نجدها ان عملنا البشري هو دوما

قبلنا، فال نخلقها بل نطوBرها ونضيف إليها مواد أخرى أو نقسBمهاBين كل طاقاتها الدفينة. أما الخلق فهو، في النظرة أجزاء مستغل المسيحية، "خلق من العدم". وهذا التعبير يعني أن ال وجود أليA عن الله، فكل ما هو موجود يأخذ من الله، وجميع شيء خارجا

الكائنات تأخذ كيانها من الله.

يصعب على الفكر البشري تصوBر" الخلق من العدم"، ألنه يفوق اختبار االنسان، إذ إنB في كل عمل إنساني أربعة عناصر: العامل

والمادة السابقة التي سيعمل عليها العامل وتحول المادة إلى مادة أخرى والنتيجة النهائية. اما في عمل الله، في الخلق، فالعنصر

الثاني والعنصر الثالث ال وجود لهما، إذ ال وجود لمادة سابقة والA في وجود بالتالي ألي تحول من مادة إلى أخرى، فال يبقى إذا

مفهوم الخلق سوي عنصرين: الله والخليقة، وبين الخليقة واللهعالقة ارتباط دائم.

ب- المفهوم الصحيح للخلق هذا هو في النهاية المفهوم الصحيح للخلق: إن بين الخليقة والله

�قها بمبدإ وجودها Bقة بالله تعل A، فالكائنات كلها متعل A دائما ارتباطاومصدر كيانها.

ان عقيدة الخلق في اإليمان المسيحي ال تقصد تفسير كيفية وجود العالم وكيفية تكوينه. بل جلB قصدها إظهار معنى وجود العالم والتأكيد أن هذا الوجود يستقيه من الله ينبوع كل وجودA تفسير كيفية تكوين ومصدر كل كيان. واذا استطاع العلم يوما

A -كل التفسيرات التي يعطيها اليوم العلم A ونهائيا A أكيدا العالم تفسيرا إنما هي مجرد نظريات قابلة للنقاش- فاإليمان وحده يستطيع

اكتشاف العالقة الحميمة التي تربط هذا العالم بالله.

وتلك العالقة هي عالقة محبة، فالعالم هو فيض من محبة اللهBة مجانية من إله العطاء والمحبة. الالمتناهية وعطي

73

Page 74: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

اآلن يتضح لنا بأجلى بيان ما قلناه في القسم األول من هذا البحث عن العالقة التي يراها الكتاب المقدس في العهد�ين والقديم والجديد بين الخلق والخالص. فالله المخلص هو نفسه الله الخالق؛

وكال الخلق والخالص فيض من محبة الله.

لتفسير كيفية خلق العالم وخلق االنسان، تستخدم الرواية األولى من سفر التكوين عبارة "وقال الله...". وتعود تلك العبارة عشر

مرات في النص مذكرة بوصايا الله العشر. فكلمة الله في الوصيايا تمنح االنسان الخالص والحياة، وكلمة الله في الخلق تمنح االنسان

الوجود والكيان. وكل كلمة وقول عالقة حوار بين أشخاص. فاالنسان الذي أتى إلى الوجود بكلمة من الله، إنما هو في صميم

A ليس كيانه عالقة حوار مع الله، والحوار يفترض الحرية، فالخلق إذاA لكرامته. A لكيانه وال امتهانا A لالنسان وال احتقارا استعبادا

لقد رفض ماركس وجود الله الخالق ألنه اعتبر ان مثل هذا الوجود ينقص من قيمة االنسان. ولكن ماركس لم يفهم معنى

الخلق الصحيح، وما رفضه لله الخالق إال رفض لصورة خاطئة عن الله الخالق. فبالخلق يعطي الله االنسان الوجود، إال أن عطاءه هذاBد لعبد وال عطاء محسن لمستجدي، بل عطاء صديق ليس عطاء سي لصديقه وأب البنه وحبيب لحبيبه. "ان الله محبة"، والخلق هو أول

أعماله التي بها أظهر محبته. يبقى أن يفتح االنسان قلبه لتلكA على محبته تعالى له. المحبة، لتكون حياته وكلها جوابا

في تلك النظرة العميقة لمفهوم الخلق ندرك أن عمل الله في الخلق ال يقتصر على منح الكائنات وجودها في بدء الزمن، بل هو�ة التي تربط الله وخالئقه دائمة عمل دائم أبد الدهر، وعالقة المحب

كذلك إلى األبد.

ج- الخلق والتطوBرBزتان إلى الكون، نظرة الهوتية تسبر أعماق A نظرتان متمي هناك إذا

الكون للبحث عن معنى وجوده وتظهر ما بين الخالئق والله من عالقة حميمة على صعيد الكيان والوجود، ونظرة علمية تحاول

Oن كيف برزت إلى الوجود. ماذا يقول العودة إلى أصل الكائنات لتبي لنا العلم اليوم عن أصل الكائنات، وهل يتفق ما وصل إليه مع

معطيات الوحي واإليمان؟

74

Page 75: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- نظرية التطو�ر1 ان نظرية التطور هي نظرية علمية ترى التطور في جميع مرافق

الكون، من المادة، في جميع أصنافها على األرض والكواكب، إلى الحياة في مختلف فروعها النباتية والحيوانية والبشرية. وقد حدث

هذا التطوBر على ثالث مراحل:

ففي البدء لم يكن سوى أولى انفجرت فأعطت غازات محرقة، ولما خفBت حرارة تلك الغازات تحوBلت إلى مليارات من النجوم.

والشمس هي إحدى تلك النجوم، تكوBنت حولها فيم�ا بعد الكواكبوظهرت األرض. وكان ظهورها منذ خمسة مليارات سنة.

اء yوفي المرحلة الثانية ظهرت الحياة على األرض من جر إشعاعات الشمس على جوB األرض. فالحياة النباتية بدأت في

A، ثم تحوBلت إلى حياة حيوانية، أعماق البحار حيث وجدت غذاءA مالئما فتكوBنت قبل كل شيء األسماك، ومن البحر انتقلت الحياة الحيوانية

، وتطوBرت الحيوانات وتنوBعت. Bإلى البر

اما الحياة االنسانية فلم تظهر إال نتيجة تطور بعض أنواع القردة. وبدأ ذلك منذ سبعين مليون سنة، عندما أخذت بعض أنواع القردة

التي لم يعد لها اآلن أي أثر تنتصب على قدميها، ثم واصلت تطورها، فراحت تستخدم اآلالت من حجارة وعظام؛ وظهر عندئذ�

االنسان القديم الذي اكتشف النار منذ مليوني سنة؛ ومنذ مئة ألفA من آالتهم الحجرية سنة بدأ يدفن موتاه ويضع في مدافنهم بعضا

A لهم لحياة ما بعد الموت التي أخذ يؤمن بها. A زادا وطعاما

ومنذ خمسة وثالثين ألف سنة ظهر "االنسان العاقل" آخر حلقة من مرحلة طويلة. بدأ هذا االنسان باستخدام عقله وذكائه في

رسوم يرسمها على جدران المغاور للتعبير عن أفكاره ورغباته؛ ومنذ خمسة آالف سنة اخترع الكتابة ودوyن� أفكاره ومعتقداته في

أساطير ال نزال نقرأها حتى اليوم.

- هل من تناقض بين نظرية التطو�ر وعقيدة الخلق؟2 هذه النظرية هي اليوم النظرية الشائعة بين العلماء. ولكن أالA كيف A علميا ر تفسيرا Bتناقض عقيدة الخلق؟ ان تلك النظرية تفس

B انها ال تجيب على ظهر الكون وتكوBن النبات والحيوان واالنسان؛ إال السؤال الذي ال بدB من طرحه: هل تلك الكائنات التي اكتشف العلم تطورها هي نفسها مبدأ وجودها، أم أنها مرتبطة بكائن آخر أعطاها

75

Page 76: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الوجود؟ وهذا السؤال ال بدB من طرحه، سواء تكوBن العالم في لحظة واحدة أم على مراحل استغرقت مليارات من السنين؛ وهذا

السؤال ال يستطيع العلم االجابة عليه، ألن العلم يحلBل المادة ويدرس تركيبها ويتقصBى تطورها، غير انه ليس من شأنه البحث في

مبدإ وجودها.

وهذا ما يجيب عليه االيمان والوحي. لذلك ال تناقض بين االيمانA به: العلم يبحث عن كيفية والعلم. ألن لكل منهما ميدان بحث خاصا

ظهور األشياء، أما اإليمان فيرى أن هذه األشياء والخالئق كلها ليست هي بذاتها مبدأ وجودها، إنما هي مرتبطة بالله الذي يعطيها

الكيان والوجود.

* االنتقال من الحياة الحيوانية إلى الحياة البشرية ولكن اذا قبلنا نظرية التطور، فكيف يمكننا تفسير االنتقال منكه روح غير عاقلة إلى جسد بشري تحييه روح Bجسد حيواني تحر

عاقلة؟

ان تطوBر الكون واالنتقال من مستوى حياة إلى مستوى حياةA في الكيان؛ وهذا االزدياد في A للذات وازديادا أرقى يتطلBب تخطBيا

Bالكيان ال يمكن الكائنات أن تحصل عليه بقواها الخاصة، لذلك ال بد من اإلقرار بوجود كائن يملك الكيان المطلق ويستطيع أن يعطي

الكائنات هذا االزدياد في الكيان ويساعدها على تخطBي ذاتها واالنتقال من حياة نباتية إلى حياة حيوانية ثم من حياة حيوانية إلى

حياة انسانية.

يرى بعض الالهوتيين ضرورة القول بتدخBل مباشر من قبل الله في لحظة االنتقال من حياة إلي حياة، وال سيم�ا من الحياة الحيوانية

إلى الحياة البشرية ليخلق النفس االنسانية في الجسم الحيواني المتطوBر؛ ولكننا نقول مع البعض اآلخر من الالهوتيين ان هذا

التدخل المباشر غير ضروري، فعمل الله يرافق التطور منذ بدايته؛A لعمل A موازيا لذلك يجب أال نتصوBر عمل الله في التطوBر عمال

الخالئق، به يتدخل الله من الخارج وفي فترات متقطعة، بل هو عمل من الداخل وعمل دائم، فالله هو المبدأ والقوة والسبب في

بلوغ الكائنات قمة تطوBرها في االنسان.

Zصول عديدة؟ * أصل واحد للبشر أم أهناك مشكلة أخيرة تعترضنا إذا قبلنا نظرية التطوBر.

76

Page 77: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ر تلك النظرية التحوBل من الحياة الحيوانية إلى الحياة Bفعندما تفس االنسانية، ترى أقرب إلى الواقع أن يكون هذا التحوBل قد حدث في فترات متقاربة في الزمن وفي مواضع عديدة من الكرة األرضية؟A من أصل واحد بل من أصول متعدBدة. ولكن سفر فليس البشر إذا

A بين التكوين يتكلم عن أصل واحد هو آدم؛ أفال نجد هنا تناقضاالكتاب المقدس والعلم؟

Bن، بل تعني A لشخص معي ان لفظة "آدم" في العبرية ليست اسما "االنسان"، فكل ما يريد الكاتب المقدس تعليمنا إياه هو ان الله قد خلق "االنسان"؛ وقد أعطانا هذا التعليم في إطار نظرة قديمة هي

أقرب إلى األسطورة منها إلى العلم، تعتبر أن البشر كلهم ينحدرونBن ان انحدار من أصل واحد. أما اليوم، فإذا استطاع العلم أن يبي

البشر من أكثر من إنسان هو أقرب إلى الصواب، فال شيء يمنع من قبول تلك النظرة العلمية، شرط المحافظة على جوهر التعليم الكتابي، أال وهو أن الكائنات كلها، من جماد ونبات وحيوان وبشر،A كان أم تستقي وجودها وكيانها من الله، وان االنسان األول، أفردا

عدBة أفراد، لم يصل إلى الحياة االنسانية إال بقوة الله.

لذلك ال نزال، اليوم، في عصر العلم واالكتشافات الحديثة، نعلن قائلين: "نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء واألرض، كل

Zرى". Zرى وما ال ي ما يــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الرابعالفصل الرابع

�ة األصلية �ة األصليةالشر� و�الخطيئ الشر� و�الخطيئ�ة �ةتوطئ توطئ

رأينا في الفصول السابقة أن الله هو اإلله األوحد، اآلب الضابط الكل، الذي بفيض من محبته خلق السماء واألرض وكل ما فيها من جماد ونبات وحيوان، وجعل من االنسان قمة الخالئق. ورأينا كذلكBالله كلي Bأن B أن الكائنات كلها تستقي من الله وجودها وكيانها. إال. Bإلى جنب الخير والشر A الصالح، أما في سائر الكائنات فنجد جنبا

A، إنi كان الله ينبوع الخير والصالح؟ فمن أين الشر إذا

يمكننا تعريف الشرB بقولنا انه خلل في الكائنات. والشرB على نوعين، طبيعي وأدبي. فالشرB الطبيعي هو الذي يحدث من دون

Bب إرادة االنسان، كالمرض والموت والكوارث الطبيعية التي تسبBلالنسان األذى والضرر، كما لزالزل والفيضانات واألوبئة... أما الشر

77

Page 78: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

األدبي فهو الخلل الذي يحدثه االنسان بملء ارادته في نفسه وفياآلخرين؛ وهذه هي الخطيئة على مختلف أنواعها.

ال ريب في أنه بإمكاننا تفسير الشرB األدبي، أي الخطيئة، بالعودة إلى حرية االنسان. فعندما يقتل إنسان أخاه، أو يظلمه، أو

Bه كأداة لتحقيق مآربه األنانية، ال يخطر على بال يستعبده، أو يستغلBهم الله ويعزو إليه مسؤولية ذلك، فاالنسان هو المسؤول أحد أن يت

عما يحدث في العالم من جرائم ومظالم.

Zحدث ولكنB الشرB الطبيعي، الذي يقع من دون إرادة االنسان، فيBب له المرض واأللم أو يقوده A في جسمه أو في نفسه، ويسب خلال إلى الموت، م�ن المسؤول عنه؟ واذا كان االنسان يخطأ، أفليس

ألنه من طبيعته يميل إلى الخطيئة؟ وإن كان باستطاعة االنسان أن يقتل أخاه، أفليس ألن االنسان من طبيعته مائت؟ وطبيعته هذه من

A اإلله الكلي الصالح خلق في طبيعة خلقها؟ أليس الله؟ فلماذا إذا؟ ولماذا اإلله الكلي المحبة وضع في Bاالنسان الميل إلى الشر

Bة الموت؟ طبيعة االنسان إمكان األلم وحتمي

الق�سم األولالق�سم األولتفسيرات خاطئةتفسيرات خاطئة

لقد أعطيت، على مرB العصور، وفي مختلف األديان، تفسيراتللشرB لم تعد مقبولة اليوم.

- تفسير ميثولوجي في األديان التي تعتقد بتعدBد اآللهة1 كان االعتقاد السائد عند اليونانيين والبابليين أنB الخير هو من صنع

اإلله األعظم، وأنB الشرB هو من عمل اآللهة األدنين. وتلك هيBاألسطورة التي نقرأها في كتاب طيم�اوس ألفالطون: ان الله الكلي A على مثاله، فكوBن الصالح قد أراد أن يكون كلB ما في الكون صالحا، ومنحها الخلود، ووكل Bهو نفسه اآللهة األدنين، وأزال عنها كل شر A من روح وجسد، إليها مهمBة صنع سائر المخلوقات، فجبلتها مزيجاB؛ ونشأ هكذا أصل كل الشرور. وإن Bمن خلود وموت، من خير وشر

، وتلقي Bه اإلله األعظم عن خلق الشر Bهذه األسطورة إذ تنز . Bلمعضلة الشر A المسؤولية على اآللهة األدنين، تجد حال

78

Page 79: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bين: الشرB في المادة2 Bين والمانوي - تفسير الغنوصي لتفسير وجود الشرB يقول الغنوصيون -وهم بدعة ظهرت في

القرون المسيحية األولى- ان المادة انبثقت من الله ولكن على مراحل متعدBدة. وفي كل انبثاق كان الخير يتقلBص والشرB يزيد، إلى

Bها. أن انبثقت المادة الحالية التي هي شرB كل

أما المانويون -وهم أتباع الفيلسوف الفارسي ماني، الذي توفي بعد المسيح- فال يعتقدون بوجود إله واحد273في فارس سنة

خالق للكون، بل بوجود مبدأين أزليين وغير مخلوقين، النور والظلمة، أحدهما صالح واآلخر شرير. فالنور هو إله الخير، والظلمة. وفي أساطيرهم انه حدث Bأما المادة فهي ظلمة، أي شر . Bإله الشر

A أن أشرق إله الخير بنوره على المادة المظلمة، فأرادت أن يوما ترتفع إلى مستواه، فصدBها، وخلق االنسان األول لمساعدته على

مقاومتها. إال أن الظلمة كانت أقوى من االنسان، فسجنته في المادة. ومن هذا االنسان المقهور وZلد�ت االنسانية الحالية التي ال

ر من قيود المادة إال بالمعرفة الحقيقية. Bتستطيع التحر

، هو أنهم Bين، في تفسير الشرB Bين والمانوي ان ما يجمع بين الغنوصيBه في المادة. أمBا الله فال وجود للشرB فيه، ألنه روح يرون الشرB كل

A الخير والصالح في ذاته. محض؛ فهو إذا

- تفسير الشرB بالعودة إلى العناية اإللهية:3الشرB الجزئي يقود إلى الخير العام

A شاملة" هي عناية الله التي يقول أفلوطين إنB في العالم "نفسا تنتشر من تلقاء ذاتها في العالم وتقوده إلى الخير، لذلك ال وجودا، من زاويتنا الضيقة، فهو في في العالم. أما ما نعتبره شر� Bللشر

yد في الدولة. الحقيقة خير ضروري للنظام العام ضرورة� الجال

Bر به بعض آباء الكنيسة، كالقديس وهذا التفسير قد تأث أوغوسطينوس الذي يرى أنB العناية االلهية تنظBم كل شيء بحكمة،وانB كل شرB ينتابنا، علينا أن نقبله بفرح ألنه يقودنا إلى الخير العام.

A في القرن الثامن عشر عند الفيلسوف هذا التفسير نجده أيضاA لمجده A جميال A يبني قصرا األلماني اليبنيتز الذي يتصوBر الله مهندساB ننظر إلى ، أال Bالخاص. ويقول انه يجب علينا، لتفسير معضلة الشر قباحة بعض التفاصيل بل إلى روعة البناء بجملته. وأكثر من ذلك،

79

Page 80: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فان قباحة تلك التفاصيل تزيد روعة البناء وتضاعف إعجابنا بحكمة الله الذي يستخدم الشرB ليخرج منه الخير األعظم. لذلك، وان كانت

هناك عدBة عوالم ممكنة، فالعالم الذي خلقه الله هو أفضلها.

إن تفسير الشرB بالرجوع إلى العناية اإللهية ال يزال التفسير السائد مختلف األوساط المسيحية التي تؤمن بصالح الله وال تريد

Bا، فاذا سمح �علم خيرنا أكثر من . فتقول إن الله ي Bشر Bأن تعزو إليه أي ، فما ذلك إال ليقودنا إلى الخير. وقد نسمع، لدى موت شاب Bبالشر

Oر ألنه يعلم في ريعان العمر، أن الله قد أراد له هذا الموت المبك. Bه لو بقي على قيد الحياة لعاش في األلم والشرB بعلمه السابق أن

؛ أما في نظر الله الذي يعلم كل شيء Bفموته هو في نظرنا شر A، فإنما هو خير. A سابقا علما

وفي نظرة مماثلة يرى البعض أن الشرور الطبيعية، من أمراض وأوبئة وفيضانات وزالزل، إنما هي "ضربات" يرسلها الله للبشر

A على خطاياهم. لذلك نسمع بعض الناس يتذمBرون وينتقدون عقابا الله قائلين: ماذا فعلت من إثم لكي يعاقبني الله؟ أيB ذنب اقترفت

ليميت الله ولدي؟

، حتى Bعن الشر A وفي هذه النظرة يصبح اإلنسان هو نفسه مسؤوال عن الشرB الطبيعي: فالشرB هو عقاب الخطيئة. وهذا يقودنا إلى

التفسير التقليدي في المسيحية: الشرB هو نتيجة الخطيئة األصلية.

�اني �انيالق�سم الث الق�سم الثهل يكون الشرB نتيجة الخطيئة االصلية؟هل يكون الشرB نتيجة الخطيئة االصلية؟

Bة في كتابات القديس أوغوسطينوس1 - الخطيئة األصلي هناك تفسير للشرB بدأ في المسيحية في القرن الخامس مع

القديس أوغوسطينوس، وساد الفكر المسيحي الغربي طوال قرونA عديدة، وتأثرت به عقليتنا الشرقية، في حين كان في البداية غريبا

عن تفكير آباء الكنيسة الشرقية القدامى.

يقول القديس أوغوسطينوس ان آدم هو، كما يروي سفر التكوين، أول إنسان خلقه الله على األرض. وهذا االنسان قد

ارتكب الخطيئة األولى التي يروي الفصل الثالث من سفر التكوينBز في الفردوس ومسؤوليته الشاملة أحداثها. وبسبب وضعه الممي

كجدB للبشرية كلها، فقد انتقلت الخطيئة بالوراثة منه إلى جميعBة ليست من الناس. وفي رأي أوغوسطينوس أن الهوة الجنسي

80

Page 81: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

صZلب الطبيعة البشرية، أي ان الله لم يضعها في االنسان عندما خلقه، بل هي نتيجة خطيئة آدم وحواء. وبما أنها نتجت من الخطيئة

A إلى الخطيئة. لذلك كل انسان يولد إنما هو ثمرة فهي تقود حتما الشهوة وبالتالي ثمرة الخطيئة. بخطيئة آدم لم تصبح البشرية

A خاطئين. فآدم هو Zناسا Bد أ خاطئة وحسب، بل فوق ذلك أصبحت تولA فيه عندما ارتكب األصل الذي كان الجنس البشري بجملته حاضرا خطيئته. فخطيئته هي األصل والسبب لجميع الخطايا التي ارتكبها

البشر على مدى التاريخ. لذلك يدعو أوغوسطينوس خطيئة آدم"الخطيئة األصلية".

ال يمكننا فهم تفسير أوغوسطينوس هذا إال إذا وضعناه في إطارهA على تعاليم المبتدع التاريخي. فهذا التفسير ليس إال جوابا

بيالجيوس، الذي كان يدyعي أن طبيعة االنسان ليست خاطئة وال فاسدة، وأنB كل إنسان بالتالي يستطيع الحصول على الخالص

ودخول� الملكوت بأعماله البشرية، دون أي حاجة إلى فداء المسيح.د معلBم ومثال. ال ريب Bفالمسيح لم يفتد� الناس، بل كان لهم مجر

في أن تعاليم بيالجيوس هذه تقتلع سرB الفداء من جذوره، إذ تزيل عن المسيح كل وساطة في الخالص؛ لذلك ثار عليها

A إذ فا Bأوغوسطينوس؛ إال أن تفسيره للخطيئة األصلية كان متطر حمBل آدم وحده مسؤولية كل ميل إلى الخطيئة في االنسان.

وتبع معظم الالهوتيين الغربيين نهج أوغوسطينوس وأضافوا إليه، فلم يكتفوا بتحميل آدم مسؤولية الميل إلى الخطيئة وحسب، بل

حمBلوه فوق ذلك مسؤولية المرض والموت وسائر الشرور الطبيعيةA من نتائج الخطيئة األصلية. التي اعتبروها أيضا

ماذا يقول لنا الكتاب المقدBس عن خطيئة آدم هذه؟

- الخطيئة األصلية في سفر التكوين2 ان رواية خطيئة آدم وحواء في الفردوس متعلقة بالرواية الثانية

للخلق، التي نجدها في الفصل الثاني منB سفر التكوين. فبعد روايةخلق االنسان، يقول الكاتب:

A، وجعل هناك االنسان "وغرس الرب اإلله جنة في عدن شرقا الذي جبله. وأنبت الرب اإلله من األرض كل شجرة حسنة المنظر

Bبة المأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة وطيA: من جميع شجر الجنة الخير والشر... وأمر الرب اإلله االنسان قائال

81

Page 82: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

تأكل، وأما شجرة معرفة الخير والشرB فال تأكل منها، فانك يوم تأكل( "A (.17، 16، 9، 8: 2منها تموت موتا

ثم يتابع الكاتب في الفصل الثالث رواية الخطيئة:

التجربة�ل جميع حيوان البرية الذي صنعه الرب اإلله، Bة أحiي "وكانت الحي

Bة؟ فقالت A قال الله ال تأكال من جميع شجر الجن فقالت للمرأة: أيقيناBة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في Bة: من ثمر شجر الجن المرأة للحي

اه كي ال تموتا. فقالت Bة، فقال الله ال تأكال منه وال تمسB وسط الجنBة للمرأة: لن تموتا! إنما الله عالم أنكما في يوم تأكالن منه الحي

. ورأت المرأة أن Bتنفتح أعينكما وتصيران كآلهة عارفي الخير والشر Bة للعيون، وان الشجرة منية للعقل، الشجرة طيبة للمأكل وشهي

السقوط في التجربةA معها فأكل، "فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت بعلها أيضا

�ما أنهما عريانان، فخاطا من ورق التين وصنعا فانفتحت أعينهما فعللهما منه مآزر.

قصاص اللهBة عند نسيم النهار، "فسمعا صوت الرب اإلله وهو متمشª في الجن

Bة. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب اإلله في ما بين شجر الجن فنادى الرب اإلله آدم وقال له: أين أنت؟ قال: إني سمعت صوتك

Bة فخشيت ألني عريان فاختبأت. قال: فم�ن أعلمك أنك في الجن عريان، هل أكلت من الشجرة التي نهيتك عن أن تأكل منها؟ فقال

آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب اإلله للمرأة: ماذا فعلت؟ فقالت المرأة: الحية أغوتني

فأكلت. فقال الرب اإلله للحية: اذ صنعت هذا فأنت ملعونة من بينAا تأكلين البهائم وجميع وحش البرية، على صدرك تسلكين وتراب طول أيام حياتك، وأجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، فهو يسحق رأسك وأنت ترصدين عقبه. وقال للمرأة:

ألكثرنB مشقات حملك، باأللم تلدين البنين والى بعلك تنقاد أشواقك وهو يسود عليك. وقال آلدم: اذ سمعت لصوت امرأتك فأكلت من

A ال تأكل منها، فملعونة االرض بسببك، الشجرة التي نهيتك قائالAا تنبت لك، وتأكل Aا وحسك بمشقة تأكل منها طول أيام حياتك، وشوكا حتى تعود الى األرض التي Aعشب الصحراء. بعرق وجهك تأكل خبز

Zخذت منها، ألنك تراب والى التراب تعود. أ

82

Page 83: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الطرد من الفردوسZمB كلB حيB. وصنع الرب اإلله آلم "وسمBى آدم امرأته حوBاء ألنها أ وامرأته أقمصة من جلد وكساهما. وقال الرب اإلله: هوذا آدم قدBه يمدB يده فيأخذ من صار كواحد منا يعرف الخير والشر، واآلن لعل

A فيحيا إلى األبد. فأخرجه الرب اإلله من جنة شجرة الحياة أيضاZخذ منها. فطرد آدم وأقام شرقي جنة عدن ليحرث األرض التي أ

عدن الكروبين وبريق سيف متقلBب لحراسة طريق شجرة الحياة".

(3)تك

أ( فن أدبي خاص إن أول ما يسترعي انتباهنا، لدى قراءتنا تلك الرواية، هو أنها

تجعل الحية تنطق وتقود االنسان إلى الخطيئة. والغريب في األمرA أن أحداثها تدور حول شجرة في وسط الجنة يدعوها الكاتب أيضا

A لوصية الله. "، يأكل منها االنسان، خالفا Bشجرة معرفة الخير والشر" وكذلك تتكلم الرواية عن شجرة أخرى هي شجرة الحياة، ال

يستطيع االنسان الوصول إليها، ويطرده الله من الجنة قبل أن يأكل منها. ونحن نعلم أن الحية ال تتكلم، وأنه ال وجود لشجرة معرفة

، وال لشجرة الحياة. Bالخير والشر

من هنا نستخلص أن الرواية ليست رواية لحدث تاريخي جرى مرة في بدء الخليقة، إنما هي رواية رمزية تعليمية هدفها تفسير واقع الخطيئة، الذي يختبره االنسان في ذاته وفي اآلخرين. كل

إنسان يسأل: ما هي الخطيئة؟ ما هي عالقتها بالله؟ ما هيBنتائجها؟ لإلجابة على تلك األسئلة يلجأ الكاتب المقدس إلى فن

أدبي معروف في األدب العبري وفي مختلف اآلداب القديمة والحديثة، وهو فن "األمثال". وهذا الفن األدبي هو الذي سيلجأ إليه�ل اإلبن الشاطر، وهو نقيض يسوع في تعليمه. ومن أشهر أمثاله م�ث حكاية آدم وحواء. فبينما يخرج آدم وحواء من الجنة، أي من الحياة

مع الله، يعود اإلبن الشاطر إلى بيت أبيه بعد أن اختبر أن ال حياة له�ل إلى أن إال بالقرب من الله. وكأن يسوع يشير في هذا الم�ث مسؤولية مغادرة الجنة واالبتعاد عن الله تقع كلها على عاتق

االنسان الذي بملء إرادته غادر البيت األبوي. أما الله فال يزال ذلكZعيد األب المحبB الرحيم الذي ينتظر عودة أبنائه إليه ليغفر لهم وي

إليهم الحياة.

وتحت تأثير األدب األسطوري القديم، أدخل الكاتب على فمنA في A هاما األمثال عناصر من فمن "األسطورة"، فأعطى الحية دورا

83

Page 84: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

روايته. فاألدب المصري كان يتصوBر الحية تعترض سبيل اإللهةA الشمس لمنعها من الظهور؛ والحية عند الكنعانيين كانت رمزا

للجنس في بعض العبادات؛ وفي أسطورة جلجامش البابلية تلعبA للدور الذي تلعبه في قصة آدم وحواء، فهي التي A مماثال الحية دورا

تسرق من البطل جلجامش "نبتة الحياة" التي استطاع الحصولعليها بعد عناء كثير.

Bر باآلداب ال شك في ان اختيار الكاتب المقدس للحية قد تأث المجاورة. ولكن تعليمه عن الخطيئة وأسبابها مخالف لتعاليم

األديان القديمة. فبينما يرى البابليون أن اآللهة هم الذين خلقواA، يعتبر سفر التكوين أن الخطيئة ليست من البشر خطأة وأشرارا

طبيعة االنسان، بل بدأت بتجربة من الخارج في مقدوره أنA المسؤول عن الخطايا التي يرتكبها. يرفضها. فهو إذا

ب( الخطيئة رفض الله لتعريف الخطيئة يتكلBم سفر التكوين بأسلوب روائي، في حين يتكلBم سفر تثنية االشتراع بأسلوب تشريعي. يقول الله للشعب

على لسان موسى:

"إن هذه الوصية التي أنا آمرك بها اليوم ليست فوق طاقتك وال بعيدة منك. ال هي في السماء فتقول م�ن يصعد لنا إلى السماء

فيتناولها ويسمعنا إياها فنعمل بها. وال هي في عبر البحر فتقول م�ن يقطع لنا هذا البر فيتناولها ويسمعنا إياها فنعمل بها. بل الكلمة

A في فيك وفي قلبك لتعمل بها. أنظر اني قد جعلت قريبة منك جدا... وان زاغ قلبك ولم Bاليوم بين يديك الحياة والخير والموت والشر تسمع وملت وسجدت آللهة أخرى وعبدتها، فقد أنبأتكم اليوم أنكمA، وال تطول مدBتكم في األرض التي أنتم عابرون يكون تهلكون هالكا

االردن لتدخلوها وتمتلكوها. وقد أشهدت عليكم اليوم السماء واألرض بأني قد جعلت بين أيديكم الحياة والموت، البركة واللعنة،

(.20- 11: 30فاختر الحياة لكي نحيا أنت وذريتك" )تثنية

نرى في هذا النص التشريعي العبارات نفسها التي ترد في حكاية" هي بين أيدي Bآدم وحواء. "فالحياة والموت"، و"الخير والشر

االنسان. فان سمع وصية الله حصل على الحياة، وإال نال الموت.A واللعنة وهلك هالكا

" التي يتكلم عنها سفر التكوين ال Bان "شجرة معرفة الخير والشر ، فهذا من ميزات االنسان Bتعني مجرد التمييز بين الخير والشر

84

Page 85: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

، Bالعاقل، بل باألحرى السلطة على تقرير ما هو خير وما هو شر وهذا أمر محفوظ لله الذي يعلBم االنسان ما هو خير وما هو شرB في

ما يعطيه من وصايا.

د على الله ورفض وصاياه. Bتقوم على التمر A فخطيئة االنسان إذا وهنا ال بدB من االشارة إلى أنه ال تناقض بين وصايا الله وخير

االنسان. فالله ال يوصي إال بما يقود االنسان إلى الخير ويمنحه الحياة. لذلك مخالفة وصايا الله هي في الوقت نفسه مخالفة ما

يقود االنسان إلى الخير ويمنحه الحياة.

ج( نتائج الخطيئةBر عنها الكاتب في ثالثة أما النتائج التي تقود إليها الخطيئة فيعب

تصاوير:

الخجل من العري "فانفتحت أعينهما فعلما أنهما عريانان، فخاطا من ورق التين وصنعا لهما منه مآزر". ان االبتعاد عن الله ال يقود االنسان إلى

المعرفة والحكمة، كما قالت الحية: "تنفتح أعينكما وقصيران كآلهة"، بل يقوده إلى اكتشاف عريه. والعري هنا Bعارفي الخير والشر

يعني ضعف االنسان وعجزه. ثم ان كلمة عريان في العبرية )عيروم( قريبة من كلمة محتال )عاروم(، وقد قيل في أول الرواية

إن الحية "أحيل جميع حيوان البرية"؛ فاالنسان الذي يسمع كلمةA. وإنB الخجل من A محتاال الشرير المحتال يصبح على مثاله شريراA تعبير واقعي عن سيطرة الشهوة على االنسان. العري هو أخيرا

A فالنتيجة األولى التي تقود إليها الخطيئة هي أنها تجعل االنسان خجالA إزاء اآلخرين A وشريرا A إزاء شهوته، محتاال من نفسه، عاجزا

التعب والمشقBة قال الرب للمرأة: ألكثرنy مشقBات حملك، باأللم تلدين البنين وإلى بعلك تنقاد أشواقك وهو يسود عليك. وقال آلدم... ملعونة

A A وحسكا األرض بسببك، بمشقBة تأكل منها طول أيام حياتك، وشوكاA حتى تعود Zنبت لك، وتأكل عشب الصحراء، بعرق وجهك تأكل خبزا ت

Zخذت منها". إنB النتيجة الثانية التي تقود إليها إلى األرض التي أ الخطيئة هي الخلل في العالقات بين االنسان ونفسه، وبين االنسان

واآلخرين، وبين االنسان وعمله. وقد رأى الكاتب أمثلة عن هذا الخلل في األلم الذي يرافق الوالدة، والتعب الذي يرافق العمل،

وعدم االنسجام في العالقات بين الرجل والمرأة.

85

Page 86: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فقدان الحياة مع اللهBة عدن ليحرث األرض التي أخذ "أخرج الرب اإلله االنسان من جن منها": إنB "جنة عدن"، أو "جنة النعيم"، هي صورة لحياة االنسان مع الله، والخروج من الجنة تعبير عن فقدان االنسان صداقة الله. لقد رفض االنسان شريعة الله التي تحدBد له "الخير والشر"، وأراد

أن يكون هو إله نفسه وشريعة نفسه، فقطع العالقة الشخصية التيA كانت تربطه بالله. فال عجب من ثمy أن يشعر بأنه قد أصبح بعيدا

.A عن الله، وبأن الله قد أصبح عنه غريبا

- الخطيئة األصلية في العهد الجديد3 ال نجد في العهد الجديد روايات خاصة عن الخطيئة األصلية: إنما

هناك مقطعان من رسالة القديس بولس إلى الرومانيين، يقارن األول منها بين الخطيئة التي دخلت إلى العالم مع آدم والنعمة التي

حصل عليها البشر بالمسيح، ويصف الثاني حالة االنسان الخاطئالذي تسيطر عليه الخطيئة.

19- 12: 5أ( روم ان الفصل الخامس هو القسم الرئيسي من الرسالة إلى

Bن بولس الرسول أن برB الله ونعمته قد ظهرا الرومانيين، فيه يبي للناس في موت يسوع وقيامته. ثم يقارن بين آدم والمسيح،

فيقول: "كما انه بانسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، ألن

yة واحدة كان القضاء على جميع ل جميعهم قد خطئوا... كما انه بز� الناس، كذلك ببرB واحد يكون لجميع الناس تبرير الحياة. ألنه كما

جZعل الكثيرون خطأة بمعصية انسان واحد، كذلك بطاعة واحد."A Zجع�ل الكثيرون أبرارا ي

يظهر أن بولس يرى في آدم أول انسان خلقه الله، بينما روايةA لكل إنسان. ينطلق بولس من سفر التكوين ترى في آدم رمزا

تفسير معاصريه اليهود الذين كانوا يعتبرون لفظة "آدم" اسم علم ألول انسان على األرض، ويبني برهانه عليه فيقول: كما انه بانسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، كذلك بانسان واحد دخل البرB إلى

A: "ألن جميعهم قد خطئوا". ان هذه العبارة قد العالم. ثم يردف قائال نقلها آباء الكنيسة الالتينية إلى: "ففيه )أي في آدم( جميعهم قد

روا نتائج الخطيئة األصلية yإلى هذه الترجمة فس A خطئوا". واستنادا بقولهم إن جميع الناس قد خطئوا في شخص آدم. فآدم يصبح في

هذا التفسير المسؤول الوحيد عن دخول الخطيئة إلى العالم.

86

Page 87: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

أما آباء الكنيسة اليونانية فرأوا أن خطيئة آدم كانت الخطيئة األولى، وأنB الجميع خطئوا بعد االنسان األول. فالخطيئة األصلية

A من A، في نظرهم، ليس من خطيئة آدم وحسب، بل أيضا مكوBنة إذاخطايا جميع الناس.

لذلك بينما ينظر أوغوسطينوس وآباء الكنيسة الالتينية إلى الخطيئة في أصلها التاريخي، فيتكلمون عن "خطيئة أصلية" اقترفها

آدم وانتقلت منه بالوراثة إلى جميع البشر، ينظر آباء الكنيسة اليونانية إلى الخطيئة في واقعها االنساني الشامل. وفي هذه

النظرة تصبح مسؤولية الخطيئة مسؤولية شخصية يتحمBلها جميعالناس كما تحمBلها االنسان األول.

A عندما وهذا االختالف في النظرة إلى الخطيئة األصلية يبدو واضحاBم اآلباء عن معمودية األطفال. فالنظرة األولى ترى أن يتكل

المعمودية ضرورية لألطفال لتنزع عنهم الخطيئة األصلية التيBد معمودية األطفال، ال لنزع ورثوها عن آدم؛ أما النظرة الثانية فتؤي

الخطيئة عنهم، بل إلدخالهم في حياة النعمة. وبينما يتساءلA وبال خطيئة؟ يجيب ترتوليانوس: لماذا نعمOد األطفال، إذا كانوا أبرارا�م� ال نعمOدهم؟ إنهم بال خطيئة، لذلك تستطيع القدسي كبريانوس: ول

A رأي القديس يوحنا النعمة أن تعمل فيهم بدون عائق. وهذا أيضا الذهبي الفم: "وإن كان األطفال بال خطايا، فإننا نعمOدهم ليزداد

فيهم البرB والقداسة ويصبحوا هياكل للروح القدس".

25- 7: 7ب( روم Bن في القسم الذي يضمB الفصول السادس والسابع والثامن، يبي

بولس كيف يستطيع المسيحي، باإليمان والمعمودية، الدخولA في الخالص الذي يقدBمه المسيح لجميع البشر. ففي Bا شخصير الروح القدس االنسان من عبودية الخطيئة. Bة يحرB المعمودي

وإلظهار جمال تلك الحالة الجديدة، يصف بولس بكل دقBة حالة الضياع والعبودية التي يقع فيها الخاطئ. وهذا الوصف نجده من

Bها تدور حول العبارة التالية: "اني ال25 إلى اآلية 14اآلية ، وكلZريده ال أفعله، وما أكرهه إياه أفعل" ) (.15: 7أعرف ما أفعل. فما أ

تعود فتوضح األمر: "أريد أن أفعل الخير، وإذا الشر21Bواآلية حاضر لديB". ففي االنسان نزعتان: نزعة إلى الخير تحمله على أن

22A: 7"يسرB بناموس الله" ) (، ونزعة نحو الشرB تجعله "أسيرا(.17: 7لناموس الخطيئة الذي في أعضائه" )

87

Page 88: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

تلك الحالة اليائسة التي تجعل بولس يصرخ: "يا لي من إنسان (، ال أحد يستطيع24: 7شقيB. م�ن ينقذني من جسد الموت هذا؟" )

أن ينقذنا منها إال المسيح. لذلك يختم بولس وصفه بقوله: "الشكر(.25: 7لله بيسوع المسيح ربنا" )

ولكن تلك الحالة ما هو سببها؟ وكيف يصل إليها االنسان؟ على:13- 7هذا السؤال يجيب بولس في اآليات

"ماذا نقول؟ أو� يكون الناموس خطيئة؟ كال، وحاشا. بيد أني ما عرفت الخطيئة إال بالناموس. فاني ما كنت عرفت الشهوة لو لمiفعلت ،A يقل الناموس: ال تشته�. فاذ اتخذت الخطيئة بالوصية سبيال فيy كل شهوة، ألن الخطيئة بدون الناموس ميتة. أجل لقد كنت

A من قبل إذ لم يكن ناموس، ولكن لما جاءت الوصية عاشت عائشا الخطيئة، فمتB أنا. والوصية التي لي للحياة وZجد�ت هي نفسها

A فأغوتني وقتلتني بها. للموت. ألن الخطيئة قد اتخذت بالوصية سبيالA مقدBس والوصية مقدBسة وعادلة وصالحة. فما هو فالناموس إذا

A؟ كال، وحاشا. بل هي الخطيئة، لكي تظهر A صار لي موتا صالح إذاA، حتى تصير الخطيئة بالوصية خطيئة، عملت فيy بالصالة موتا

خاطئة للغاية".

يدور هذا النص حول عمل الخطيئة في االنسان. وبشكل فلسفي وتحليلي، يعطي بولس هذا العمل التفسير نفسه الذي يعطيه سفر

Zسطوري في قصة آدم وحواء. وفي كال التكوين بشكل روائي وأ النصyين نجد العناصر ذاتها: حياة االنسان قبل الخطيئة، التجربة

والسقوط فيها، نتائج الخطيئة وانكشاف خداع التجربة.

A، في تحليل بولس، Bال فموضوع الحديث هو االنسان عامةA، ممث..."، وفي سفر التكوين ... مت� Zكنت ... Zبضمير المتكلم: "عرفت

بشخصين رمزيين يدعوهما الكاتب المقدس باللغة العبرية آدم )أي االنسان( وحواء )أي التي تعطي الحياة(. ففي كال النصين ليس

المقصود شخص بولس، وال أول رجل وأول امرأة ظهرا في التاريخ،Bبل كل إنسان يعيش على هذه األرض ويسقط في الخطيئة. وإن

A من قبل، إذ لم يكن ناموس"، يعيد بولس، بقوله "لقد كنت عائشا إلى األذهان حالة آدم وحواء اللذين، قبل الخطيئة، كانا في جنة نعيم، أي في الحياة الحقيقية، ويعيد بالتالي حالة اإلنسان قبل

الخطيئة.

88

Page 89: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ير خارج عن إرادة Bين عامل شرBب فهو في كال النص Bأما المجر Bة في سفر التكوين، والخطيئة االنسان، يرمز إليه شخص الحي

المشخBصة عند بولس.

ب يلجأ في كال النصBين إلى االسلوب نفسه: يستخدم Bوهذا المجر . فالوصية، في سفر Bالوصية إلغواء االنسان واجتذابه إلى الشر

التكوين، هي: "أمBا شجرة معرفة الخير والشرB فال تأكل منها. فانكA"؛ وفي تحليل بولس فهي: "ال تشته�". يوم تأكل منها تموت موتا وهذه الوصية هي، كما يقول بولس، "مقدBسة وعادلة وصالحة"،

Zدخل في قلبه لكنB المجرBب يصوBرها لالنسان كأنها وصية ظالمة، في الشك وفي نفسه الشهوة. وهذا ما صنعته الحية إذ أدخلت في قلب

A قال الله ال تأكال من Bة الله: "أيقينا آدم وحواء الشك في صدق ني�م أنكما في يوم تأكالن منه تنفتح جميع شجر الجنة؟... إنما الله عال

"؛ كما أدخلت في Bأعينكما وتصيران كآلهة عارفي الخير والشر نفسيهما الشهوة: "ورأت المرأة أن الشجرة طيبة للمأكل وشهية

A ما يعنيه بولس بقوله: للعيون وان الشجرة منية للعقل". وهذا أيضاA، وفعلت فيy كل ب( اتخذت بالوصية سبيال Bالخطيئة )أي المجر"

شهوة... فأغوتني وقتلتني بها".

A نفسها في كال النصBين: وأمBا الرحلة التي تلي التجربة فهي أيضا يسقط االنسان في التجربة، ويكتشف انه قد خZدع و"اغوي"، وان

وصية الله كانت في الواقع "مقدسة وعادلة وصالحة". يقول بولس: "ان الخطيئة قد أغوتني وقتلتني". وحواء تقول: "ان الحية قد أغوتني فأكلت". آدم وحواء، بعد سقوطهما، طZردا من الجنة،

وتحقق كالم الله: "إن أكلت من شجرة معرفة الخير والشرB تموتA الموت الروحي، أي االبتعاد عن الله A". المقصود هنا هو أوال موتاA يتكلم عن الموت الذي ينتج من الخطيئة: والضياع. وبولس أيضا

"هي الخطيئة، لكي تظهر خطيئة، عملت فيy بالصالح )أي عنA؛ ثم يردف: "حتى تصير الخطيئة، طريق الوصية الصالحة( موتا

بالوصية، خاطئة للغاية". فالموت الروحي الذي يسقط فيه االنسان الخاطئ يكشف خداع التجربة، ويظهر حقيقة الخطيئة التي ال تقودBه، كما ادBعت الحية بقولها آلدم وحواء "تصيران كآلهة"، بل إلى التألA للخطيئة تقود إلى الموت والعبودية والضياع، فيصبح االنسان "مبيعا

وتحت سلطان الخطيئة"، وهذه هي العبودية، و"ال يعود يعرف ما يفعل"، وهذا هو الضياع. وتلك الحالة يصفها بولس في اآليات التي

(.25- 14بدأنا بتفسيرها )

89

Page 90: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- تساؤالت حول الخطيئة األصلية4 بعد هذا التفسير لرواية الخطيئة األصلية كما وردت في سفر التكوين وفي رسالة بولس إلى الرومانيين، سنعرض اآلن بعض

األسئلة التي يطرحها المؤمنون وغير المؤمنين حول هذه الخطيئة،ثم نحاول تحديدها.

أ( هل آدم اسم علم لشخص عاش في التاريخ؟ تتكلBم رواية سفر التكوين عن خطيئة آدم وحواء، ويقارن بولس

Bالرسول بين خطيئة آدم وقداسة المسيح. وفي رأي البعض أن لفظة "آدم" هي اسم علم لشخص عاش في زمن محدد من

A في الكون واالنسان، التاريخ، وارتكب خطيئة كبرى أحدثت خلالت على البشر العذاب والموت، وقد كما نوا قبل خطيئة آدم Bوجر

Bه ال وجود آلدم وحواء غير خاضعين لهما، بينما يرى البعض اآلخر ان في التاريخ، وانB قصتهما هي أسطورة خيالية، ويستنتجون من ذلكBه ال وجود للخطيئة األصلية: ليس إال خطايا شخصية يرتكبها الناس أن

بشكل فردي، وكل إنسان هو مسؤول عن خطيئته.

كال الرأيين، في نظرنا، على خطإ، ألنهما ال ينظران النظرةالصحيحة إلى الخطيئة األصلية.

فالرأي األول على خطإ، ألن آدم ليس اسم علم لشخص محدد عاش في بدء التاريخ؛ فكلمة "آدم" لفظة عبرية تعني "االنسان"، كما ان حواء تعني "التي تعطي الحياة"؛ لذلك آدم وحواء هما رمز

لكل انسان، وقصة خطيئتهما هي قصة خطيئة كل إنسان.

إن كاتب سفر التكوين يتحدBث من الفصل الرابع حتى الفصل الحادي عشر عن الفساد والقتل والعنف ومختلف الجرائم

والمظالم التي اجتاحت البشرية حتى كارثة الطوفان. ثم يسأل: م�ن المسؤول عن تلك المظالم؟ هل يريد الله كل هذا الشر؟ ويجيب

على السؤال، في الثالثة الفصول األولى، بقوله إن الله قد خلق كلA، وإنB البشر هم الذين يجنون على أنفسهم باختيارهم شيء صالحا الشرB بدل الخير والموت بدل الحياة. وهذا االختيار يقوم به الناس على مدى التاريخ منذ االنسان األول. ومهما تنوBعت خطاياهم فهي

كلها إنكار لله ورفض لتعاليمه ووصاياه.

لذلك يجب التمييز بين جوهر الجواب الذي يعطيه سفر التكوين، واألسلوب الذي جاء فيه هذا الجواب. فقصة آدم وحواء هي قصة

�ل" يكشف أسطورية، إال أن تعليمها تعليم إلهي. لهن خالل هذا "الم�ث

90

Page 91: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

لنا الكتاب المقدس عن حقيقة دينية ثابتة، وهي ان االنسان لمA وانB الخطيئة ليست من صلب طبيعته البشرية. ان الله Zخل�ق خاطئا ي

"، ومنحه الحرية Bقد وضع أمامه "الحياة والموت والخير والشر واالرادة. فاالنسان هو مسؤول عن خطيئته.

Bز بين الخطيئة الشخصية � كذلك ألنه ال يمي والرأي الثاني على خطإ التي يرتكبها كل انسان، ووضع العالم الخاطئ الذي يوجد فيه

االنسان منذ والدته. فإذا رفضنا أن تكون لفظتا "آدم" و"حواء" إسم�ي علم لشخصين عاشا في بدء التاريخ، إال أنه ال بدB من

A. متى بدأ؟ وكيف بدأ؟ هذا من االعتراف بأن االنسان قد بدأ يوما شأن العلم، ال من شأن الدين، البحث عنه. وال بدB لنا من االعتراف بأن هذا االنسان، في جميع العصور وعلى مدى التاريخ، قد خطئ،

فال يمكننا إنكار خطيئته.

A وحده في جزيرة؛ انه عضو في A عائشا ثم ان االنسان ليس فردا مجتمع؛ واألعضاء في الجسد الواحد يتأثر بعضها ببعض. اني لستA إال عن الخطايا التي أرتكبها أنا نفسي، ولكن الخطايا التي مسؤوال

Bر في غيري. والخطايا التي ارتكبها البشر على مدى أرتكبها تؤثA إلرادة الله. وعندما A مناقضا A خاطئا األجيال خلقت في العالم وضعا

�د في عالم خاطئ هو بحاجة إلى خالص الله Zول �د أنا، إنما أ Zول أ ونعمته. "الجميع قد خطئوا، يقول بولس الرسول، وأعوزهم مجد

(. فالخطايا التي يرتكبها كل إنسان هي خطايا23: 3الله" )روم شخصية، أما الوضع الذي يولد فيه فإنما هو وضع عالم خاطئ.

ب( أسئلة خاطئة من ردBنا على الرأي األول نستنتج أن هناك أسئلة خاطئة ال تزالح اليوم، كل مرة يؤتى على ذكر الخطيئة األصلية. ماذا كانت Zطر� ت خطيئة آدم وحواء في الفردوس، أخطيئة زنى أم خطيئة من نوع

آخر؟ كم من السنين عاش آدم وحواء في الفردوس قبل الخطيئةضين للعذاب yاألصلية؟ أين كان الفردوس؟ هل كان آدم وحواء معر

والموت قبل الخطيئة األصلية؟

Zطرح من ان جميع تلك األسئلة نعتبرها اليوم أسئلة خاطئة، ألنها ت نقطة انطالق خاطئة هي أن آدم وحواء هما إسما علم للشخصين اللذين عاشا في بدء التاريخ وارتكبا خطيئة كبرى. عندئذ� ال بدB من

التساؤل: ماذا كانت خطيئتهما؟ وكم من الزمن عاشا قبلA ال يتعذBب وال يموت، ثم الخطيئة؟ وكيف يرضى الله أن يخلق إنسانا يحكم عليه بالعذاب والموت ألجل خطيئة واحدة ارتكبها؟ واألسئلة

91

Page 92: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A بعد ان اكتشف العلم أن االنسان لم تكتمل A وإحراجا تزداد إلحاحا إنسانيته إال على مدى ماليين من السنين. ففي أي مرحلة من

ت الويالت Bالتطور االنساني ارتكب تلك الخطيئة الكبرى التي جر على البشرية جمعاء؟

Bها تسقط، إذا فهمنا رواية سفر التكوين على ان هذه األسئلة كلBن حقيقتها: انها ليست رواية لحدث تاريخي محدBد جرى في زمن معي

من التاريخ، بل رواية رمزية تروي ما يجري لالنسان -لكل إنسان، منذ االنسان األول- عندما يرفض الله ويرفض وصاياه. ومن خالل

تلك الرواية يدو الله إله القداسة والمحبة والصالح، الذي ال يريد أنBب لنفسه الهالك، بل أن يرجع إليه يعيش االنسان في الخطيئة ويسب

ويجد فيه الحياة والخالص.

لذلك ال يمكننا القول إن آدم وحواء قد عاشا فترة من الزمن قبلBتهما المرض yبا لذري الخطيئة األصلية، وال إنهما، بخطيئتهما، سب

والعذاب والموت، وقلبا نظام الكون بأسره. إن ما ينتاب االنسانBم الذي يسير إليه جميع البشر، ال من أمراض وأوجاع، والموت المحت

يمكن أن يكون نتيجة لخطيئة انسان واحد عاش في فجر التاريخ؛ فكل هذه الشرور الطبيعية هي من صلب طبيعة االنسان

المحدودة. والتطور الذي أظهر العلمZ أنه شمل العالم� واالنسان، الBر يمكن أن يتمB دون وجود الموت الذي يفسح المجال أمام التغي

والتقدBم.

فالتفسير التقليدي الذي يرى في الموت عاقبة الخطيئة ال يصحB إالA، أي بالنسبة إلى الموت الروحي. فالخطيئة تبعد االنسان عن جزئيا

الله. لذلك ما ينتج من الخطيئة إنما هو الموت الروحي والقلق الوجودي. وهذا أوBل ما يريد سفر التكوين وبولس الرسول تأكيده.

أما الموت الجسدي فهو أمر متعلق بطبيعة االنسان المحدودة، وهو، للمؤمن بقيامة المسيح، انتقال من حياة مائتة إلى حياة خالدة

مع الله.

ج( الخطيئة األصلية حالة تضامن مع خطيئة العالم اذا قلنا إنB الخطيئة األصلية ال يمكن أن تكون فقط خطيئة أولA نحدBدها؟ ان عبارة رجل وأول امرأة ظهرا على األرض، فكيف اذا "الخطيئة األصلية" لم تستعمل في الالهوت إال ابتداءA من القديس

اوغوسطينوس. إنB العهد الجديد يتكلم عن "خطيئة العالم": فالمسيح هو، حسب قول يوحنا االنجيلي، "حمل الله الذي يرى

(؛ وبولس يصف، في الفصول الثالثة األولى29: 1خطيئة العالم" )

92

Page 93: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

من رسالته إلى الرومانيين، كيف شملت الخطيئة جميع الناس،A هم تحت A ويونانيين، ويختم بقوله: "ان اليهود واليونانيين جميعا يهودا

سلطان الخطيئة. إذ ليس من فرق، فالجميع قد خطئوا وأعوزهمA، بالفداء الذي رون مجانا BبرZ مجد الله". ثم يردف: "والجميع بنعمته ي بالمسيح يسوع، الذي سبق الله فأقامه أداة تكفير بااليمان بدمه،ه -بعد أن تغاضى عن الخطايا السالفة في عهد صبره Bإلظهار بر

A من را Bومبر A ا Bفي الزمان الحاضر بإعالنه بار ،A ه، اذا Bااللهي- إلظهار بر (.26- 23، 9: 3آمن بيسوع" )روم

انB الخطايا السالفة التي صبر عليها الله، هي التي يندBد بها اشعيا النبيB بقوله في مطلع نبوءته: "استمعي أيتها السماوات وأنصتي

Bيت بنين ورفعتهم، لكنهم قد أيتها األرض، فان الربB قد تكلم: اني رب. عرف الثور قانيه والحمار معلف صاحبه، لكنB اسرائيل Bدوا علي Bتمر

لم يعرف، وشعبي لم يفهم. ويل لألمة الخاطئة، الشعب الموقyر(.4- 2: 1باإلثم، ذرية المجرمين، البنين الفجBار" )اشعيا

لقد جاء المسيح ليفتدي من الخطيئة هذا "الشعب الموقyر باإلثم،ار". ولتعريف الخطيئة األصلية يجب أن Bذرية المجرمين، البنين الفج نقارن، مع بولس الرسول، بين حالة البشرية الخاطئة، ألن "الجميع قد خطئوا"، والفداء الذي حصلت عليه البشرية بالمسيح يسوع، ألنA A بالفداء الذي بالمسيح يسوع". فال يمكننا إذا رون مجانا Bالجميع يبر"

أن نفهم الخطيئة األصلية إال بالمقارنة مع الفداء بالمسيح. فالخطيئة األصلية هي حالة التضامن مع خطيئة العالم، أي مع جميع الذين خطئوا عبر التاريخ منذ االنسان األول؛ والفداء بالمسيح يدخلنا

. Bفي حالة جديدة هي حالة النعمة والبر

A خطيئة انسان واحد عاش في بدء ليست الخطيئة األصلية إذاB لكان كل انسان التاريخ، ويرثها كل انسان يولد من ذريته؛ وإال

يسأل: ما ذنبي أنا لكي يعاقبني الله على خطيئة ارتكبها االنسان األول؟ إنما الخطيئة األصلية حالة نتجت من خطايا جميع البشر

الذين عاشوا عبر التاريخ منذ االنسان األول. فالبشرية خاطئة، وهذا واقع ال يمكننا إنكاره، وإنB الحروب الكثيرة التي نسجت تاريخ البشر

بجرائمها ومظالمها أفصح دليل عليه. فعندما يولد االنسان، يولدA ضمن تلك البشرية الخاطئة، أي في حالة تضامن معها، وهذا أيضاA على A محتوما واقع ال يمكننا تجاهله. إال أن هذا التضامن ليس أمرا

رنا، وهو يدعونا إلى Bاالنسان البقاء فيه، فالمسيح قد افتدانا وبر االنتقال من حالة التضامن مع البشرية الخاطئة إلى حالة التضامن

Bيها االنسان بقبوله المعمودية؛ فالذين يعتمدون معه. وتلك الدعوة يلب

93

Page 94: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

للمسيح يجدBدون في ذواتهم موت المسيح وقيامته: "فكما ان المسيح بموته قد مات للخطيئة إلى األبد، وبحياته يحيا لله، كذلكA للخطيئة، أحياء لله في المسيح A، احسبوا أنفسكم أمواتا أنتم أيضا

(.11، 10: 6يسوع" )روم

�الث �الثالق�سم الث الق�سم الثهل من تفسير للشر؟هل من تفسير للشر؟

نعود اآلن إلى السؤال الذي طرحناه في مستهلB بحثنا: إذا كان الله ينبوع الصالح والخير، فم�ن أين الشر؟ إذا لم يكن الشر عمل

Bا في القسم األول، وال نتيجة خطيئة االنسان إرادة إله شرير، كما بيناألول، كما أظهرنا في القسم الثاني، فمن أين يأتي؟

قلنا ان الشر على نوعين، طبيعي وأدبي. واالنسان معرBض لكالين؛ فهو من طبيعته خاضع للمرض والموت، ومن طبيعته Bالشر

A بل خليقة. فالشرB الطبيعي ناتج معرBض للخطيئة، إذ انه ليس إلها من كون االنسان خليقة محدودة، والشرB األدبي من كونه خليقة

ة. Bحر

- الشرB الطبيعي1A أ( حدود الطبيعة البشرية: الخلق ليس والدة وال انبثاقا

ضة للمرض والموت؟ ذلك yلماذا لم يخلق الله طبيعة غير معر مستحيل، ألنه لو وZجدت تلك الطبيعة، لما كانت طبيعة مخلوقة، بل

طبيعة إلهية غير منفصلة عن طبيعة الله، ولما كان بالتالي وZجد خلق، بل كان الله وحده في ذاته االلهية. فالفرق جوهري بين

الوالدة والخلق. نؤمن، نحن المسيحيين، ان كلمة� الله مولودL من اآلب منذ األزل، لذلك فهو واحد مع اآلب في الجوهر؛ وكذلك نؤمن

A أن الروح القدس منبثق من اآلب قبل كل الدهور، لذلك هو أيضا واحد مع اآلب في الجوهر. فالتمييز بين األقانيم االلهية ال ينتج منه

اختالف في الطبيعة. أما الخالئق فليست مولودة وال منبثقة منA جوهر الله، بل هي مخلوقة، لذلك فهي مختلفة عن الله اختالفا

.A جوهريا

إنB الله ال حدود لكيانه وال نهاية لذاته؛ انه منذ األزل وإلى األبد. أما الخالئق فمحدودة في الزمان والمكان وخاضعة للمرض والموت.

وكما ان كمال الله هو فيه صفة جوهرية وأمر متعلق بجوهره، كذلك نقص الخالئق هو فيها أمر جوهري أي مرتبط بجوهرها. ومن

هذا النقص ينتج ضعف االنسان ومرضه وموته.

94

Page 95: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A ب( اإللحاد هو رفض االنسان أن يكون انساناA هذا االختالف بين طبيعة االنسان وطبيعة الله قد يبدو لنا أمرا

ضين للمرض Bيخلقنا محدودين ومعر A A، فنثور عليه، ونرفض إلها جائرا. وقد يقود هذا الرفض إلى اإللحاد؛ Bوالموت، بينما هو كامل أزلي فكثيرون من الملحدين يرفضون وجود الله ألنهم ال يستطيعون

التوفيق بين صالح الله ووجود الشرB في العالم.

A، أي ان هذا اإللحاد هو في الواقع رفض االنسان أن يكون انسانا خليقة محدودة في طبيعتها. إن في أعماق االنسان رغبة في

" Bاالرتفاع إلى مستوى الله، ترمز إليها "شجرة معرفة الخير والشر Bوإن ." Bو"شجرة الحياة": "تصيران كآلهة عارفي الخير والشر

A عن الخطيئة تكمن في محاولة االنسان تحقيق تلك الرغبة خارجاالله، عندئذ� يرفض االنسان حدود طبيعته وارتباطه بالله.

ج( بالتجسد شارك الله بطبيعة االنسان ليرفعها إليهA عن الله قد حقBقه الله إنB ما لم يستطع االنسان تحقيقه خارجا

A في شخص يسوع المسيح. ويسوع، في A بشريا نفسه، إذ أخذ جسدا، وفي موته وقيامته انتصر على الموت Bحياته، عمل على إزالة الشر

وأقام معه االنسان المائت إلى حياة الله.

A للشرB بل عمل على إزالته Zعط� تفسيرا يسوع لم ي يروي يوحنا، في الفصل التاسع من انجيله، أن يسوع "فيم�ا كان

Bم، A أعمى منذ مولده. فسأله تالميذه قائلين: يا معل A رأى رجال مجتازا م�ن خطئ، هذا الرجل أم أبواه، حتى وZلد أعمى؟ أجاب يسوع: الZظهر أعمال الله فيه. فما دام النهار هذا خطى وال أبواه، وإنما لت

ينبغي أن نعمل أعمال من أرسلني. فسيأتي الليل حيث ال يستطيعA. ما دمت في العالم فأنا نور العالم". ثم طلى بالطين أحد عمال�ي األعمى وأرسله يغتسل في بركة سلوام. فمضى واغتسل عين

ورجع وهو يبصر بجالء.

ان سؤال التالميذ يسوع يطرح معضلة وجود الشرB الطبيعي في العالم. لماذا وZلد هذا الرجل أعمى؟ هل مرضه نتيجة خطيئة أبويه؟ ويمكننا أن نطرح السؤال بشكل عام: هل المرض والموت وسائر

الشرور الطبيعية هي نتيجة خطيئة أبوينا األوBلين؟ على هذا السؤال يردB يسوع بالنفي: الشرB الطبيعي ليس نتيجة خطيئة االنسان وال

A، إنما A نظريا خطيئة الجدyين األولين. ولكنB يسوع ال يعطي جوابا جوابه عملي، وكأنه يقول إنB الجواب الوحيد على مشكلة الشرB هو

95

Page 96: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

العمل على إزالته: "يجب أن تظهر أعمال الله فيه". وأعمال الله هي شفاء المرض، وهذا ما صنع يسوع إذ "كان يجول في جميع

المدن والقرى، يعلOم في المجامع، ويكرز بانجيل الملكوت، ويشفي(.35: 9كل مرض وكل سقم" )متى

قيامة يسوع هي الجواب األخير على وجود الشرB الطبيعي ان يسوع، في شفائه المرضى، عمل على إزالة المرض، وفي

آالمه وموته وقيامته انتصر على األلم والموت. لذلك، وإن لم نستطع إيجاد تفسير نظري للشرB الطبيعي في العالم، إال أنه يمكننا التوفيق بين صالح الله ووجود العذاب والموت، ألننا نؤمن أن يسوع

بقيامته انتصر على العذاب والموت.

A لأللم والعذاب، ه األلم والعذاب قد أصبح مثلنا قابال Bم�ن ال يمس Bإن ليزيل بألمه وعذابه ألمنا وعذابنا؛ إنB م�ن ال يعرف الموت قد دخل

في عالمنا المائت ليقضي على الموت الذي، بدون الله، يقضي علينا؛ إنB م�ن ال حدB لكيانه قد اتخذ طبيعتنا المحدودة ليرفعها إلى

االتحاد بكيانه غير المحدود. انB الموت ال يقطع عالقة االنسان بالله، بل هو الطريق الذي ال بدB لالنسان أن يسلكه لتتحوBل طبيعته من

طبيعة مائتة محدودة إلى طبيعة تشارك الله في حياته الخالدةBة الحنطة التي، إن لم تمت، تبقى وكيانه الالمحدود. إنB االنسان كحبBقة، وأمBا إن ماتت فتأتي بثمر كثير وحدها، معزولة في حدودها الضي

وتدخل في ال نهاية الله.

A، إن لم ترتكز على A وخياال ان آمال االنسان بالخلود تبدو وهما قيامة المسيح. لذلك يرى بولس الرسول في قيامة المسيح أمانة

A لم يقم. لقيامة األموات: "إن كان األموات ال يقومون، المسيح أيضا وإن كان المسيح لم يقم، فإيمانكم باطل وأنتم بعد في خطاياكم؛

ومن ثمy فالذين رقدوا في المسيح قد هلكوا. ان كان رجاؤنا في المسيح في هذه الحياة فقط، فنحن أشقى الناس أجمعين. ولكن

ال، فإنB المسيح قد قام من بين األموات، باكورة للراقدين. ألف، بماA قيامة األموات. فكما انه في ان الموت كان بانسان، فبانسان أيضا

A في المسيح سيحيا الجميع" ) كور1آدم يموت الجميع، كذلك أيضا15 :16 -22.)

Bه بواسطة المسيح اإلله التأل وهكذا ال يستطيع االنسان أن يفهم نفسه ويفهم الكون إال علىد المسيح وحياته وموته وقيامته. فالشر الطبيعي الذي Bضوء تجس يختبره االنسان في نفسه وفي الكون ليس نهاية كل شيء. فقد

96

Page 97: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

�ه بواسطة المسيح Bهها. وهذا التأل أخذ كلمةZ الله طبيعة البشر ليؤل اإلله قد تحدBث عنه آباء الكنيسة الشرقية بطريقة رائعة، وفيه وحده

ه. يقول القديس كيرلس Bوسر Bل لغز الشرBيمكن االنسان أن يتحم A"؛ A لكي يصير االنسان إلها االسكندري: "لقد صار اإلله انسانا

A لكي نستطيع نحن والقديس اثناسيوس: "لقد أصبح الكلمة جسداBه"؛ واكليمنضوس االسكندري: "ان A، بما نناله من روحه، أن نتأل أيضا

A لكي نتعلBم من االنسان كيف يستطيع كلمة الله قد صار انساناA"؛ وغريغوريوس النزينزي: "فلنصرi آلهة به، االنسان أن يصير إلها

."A بما انه، ألجلنا، صار إنسانا

- الشرB األدبي2أ( في الحرية إمكان الخطيئة

Bمن طبيعة االنسان المحدودة، فالشر A اذا كان الشرB الطبيعي ناتجا األدبي ناتج من سوء استعمال االنسان حريته. إن الله لم يخلق

A. وفي الحرية يكن إمكان الخطيئة؛ A، بل خلقه حرا االنسان خاطئا�ه. فالله ال يستطيع أن يصنع A يكمن إمكان التأل ولكن في الحرية أيضا

A على رغمه، لذلك على االنسان أن يشارك في بلوغ االنسان إلهاكماله في الله. تلك هي الحرية.

، بل هي Bالحرية ليست مجرد إمكان االختيار بين الخير والشر باألحرى إمكان اإلسهام في بناء الذات. إنB م�ن يختار الشرB يظن، بحسب قول يسوع: Bإال أنه في الواقع مستعبد للشر ،A نفسه حرا

Bما جاء34: 8"كل من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة" )يو (. وإنركم االبن، كنتم في Bرنا من تلك العبودية: "فان حر Bالمسيح ليحر

A" )يو (.36: 8الحقيقة أحرارا

ب( في المسيح االنتصار على الخطيئة (؛ "وأما النعمة20: 5"حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة" )روم

(.17: 1والحق فبيسوع المسيح قد حصال" )يو

Bيسأل يوحنا الدمشقي: "لماذا خلق الله الكون، مع علمه أن الشر سوف يحدث فيه؟". ويجيب: "لو كان الله قد امتنع عن خلق الكون

واالنسان بسبب ما سيحدث فيهما، لكان أظهر أنه أضعف من." Bالشر

A؛ وفي هذه الحرية إمكان السقوط في لقد خلق الله االنسان حرا الخطيئة؛ إال أن الله لم يكتف� بخلق االنسان، بل أرسل إليه ابنه

97

Page 98: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A، لينتصر على الشرB والخطيئة، ويكون A وفاديا يسوع المسيح مخلصا هو نفسه القوة التي بها يستطيع االنسان أن يتغلBب بملء حريته

على الشرB والخطيئة.

فالمسيح يكشف لالنسان انه لن يستطيع تحقيق ذاته برفض اللهBر لوصاياه، بل باالتحاد به وبتتميم وصاياه. إنB حياة المسيح والتنك

كلها كانت حياة اتحاد بالله: "إن طعامي هو أن أعمل مشيئة الذيA لتلك المشيئة االلهية:34: 4أرسلني" )يو (؛ ولقد قبل الموت تتميما

"يا أبتاه، إن شئت فأج�زi عني هذه الكأس. ولكن، ال تكن مشيئتي (؛ وصالته األخيرة إلى اآلب: "يا أبتاه،42: 22بل مشيئتك" )لوقا

(، قالها وهو على الصليب،46: 23في يديك أستودع روحي" )لوقا وفي قلبه ملء الثقة وااليمان بأن الله ال يزال أباه حتى في الموت،

وانه من الموت سيبعث الحياة.

لقد قضى المسيح على الشرB والخطيئة دون القضاء على حرية االنسان، وذلك بتجديد االنسان من الداخل، وتصحيح نظرته إلىBحد به بملء حريته. الله، بحيث يرى فيه الخير األعظم ويحبه ويت

وهكذا افتدى المسيح االنسان وقوyم� ما في الطبيعة البشرية. Bالمحدودة من ضعف وميل إلى الخطيئة والشر

ان خطيئة آدم األول، االنسان القديم، تكمن في نظرته الخاطئة إلى ما يعطي الحياة وما يجلب الموت، إذ قد ظن أنه باالتحاد بالله

يجد الموت، وبمقاومته يحصل على الحياة.

أما يسوع، آدم الثاني واالنسان الجديد، فقد قبل الموت في االتحاد بالله ووجد الحياة في القيامة، والشى هكذا خطيئة آدم

A السبيل Bنا A وجه الله الحقيقي، مبي األول، وجدBده من الداخل، مظهرا الوحيد الذي ال بدB لالنسان أن يسلكه إذا أراد تحقيق ذاته، ومن

Bن لالنسان خالل الموت الذي هو لالنسان حجر عثرة وسب شك، بيA االب الذي يعطي الحياة. أن الله هو أبدا

خالصةA لوجود الشرB في العالم؟ ربما هل يجد القارئ في ما قلناه تفسيرا، على ضوء المسيح وحياته وموته وقيامته، ال يعود Bال. غير ان الشر

ذلك اللغز الخانق الذي يقود إلى اليأس. فنحن المسيحيين نؤمن أن، في مختلف مظاهره، في الموت الذي هو نتيجة طبيعة Bالشر

االنسان المحدودة، وفي الخطيئة التي هي نتيجة إرادته الضعيفة،Bد المتسلBط الذي يستعبد االنسان. ففي المسيح لم يعد ذلك السي

98

Page 99: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

، Bرنا من عبودية الشر Bالذي سحق الموت وانتصر على الخطيئة وحر ، وأصبح في مقدورنا، باتحادنا بالمسيح، Bانكشف لنا عجز الشر

السيطرة على الموت واالنتصار على الخطيئة، بحسب قول بولس الرسول في كالمه عن القيامة: "متى لبس هذا الجسد الفاسد عدم

الفساد، ولبس هذا الجسد المائت عدم الموت، فحينئذ� يتم القولZلع الموت في الغلبة. أين غلبتك� أيها الموت؟ أين الذي كتب: "لقد ابت

شوكتك أيها الموت؟". ان شوكة الموت هي الخطيئة، وقوة الخطيئة هي الناموس. ولكن الشكر لله الذي يؤتينا الغلبة بربنا

(.57- 54: 15 كور 1يسوع المسيح" )

A لنا وإليماننا بالله اآلب A، إال أنه لم يعد عائقا ولئن بقي الشرB سرا الضابط الكل الخالق كل شيء؛ بل إنه، على العكس، يعطي

االنسان كرامة أوفر، إذ يتيح له أن يسهم مع الله في إكمال عمل الخلق، ويسهم مع المسيح في تجسيد الفداء في ذاته وفي اآلخرينA وفي الكون كله، حتى يزول الشرB وتزول الخطيئة "ويصير الله كال

( " B28: 15 كور 1في الكل.)ــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الخامسالفصل الخامس

يح ابنZ الله في الع�هد الج�ديد وع المس� Zس� يح ابنZ الله في الع�هد الج�ديدي وع المس� Zس� ي�ة �ةتوطئ توطئ

"... وبربª واحد� يسوع� المسيح، إبن� الله الوحيد، المولود� من اآلب قبل كلB الدهور، نور� من نور، إله� حق من إله� حق، مولود� غير�

مخلوق، مساو� لآلب في الجوهر، الذي به كان كل� شيء، الذي من أجلنا نحنZ البشر ومن أجل� خالصنا، نزل من السماء وتجسBد من

Bس". الروح� القZدس� ومن مريم العذراء وتأن

بهذه الكلمات يبدأ القسم الثاني من قانون اإليمان. ففي القسم األول نعلن إيماننا بالله اآلب الخالق. أما في القسم الثاني فنعلن

إيماننا بابن الله يسوع المسيح. وفي هذا القسم يظهر بأجلى بيانBز الديانة المسيحية عن سائر الديانات. فاإليمان باإلله الواحد ما يمي

خالق السماء واألرض هو، في جوهره، إيمان مشترك بين معظم الديانات وال سيم�ا المسيحية واليهودية واالسالم. وقد يقبل العقل

دون ارتياب هذا اإليمان باإلله الواحد، ولكن اإليمان بأن يسوع المسيح االنسان الذي وZلد من مريم العذراء بالجسد هو نفسه "ابن

الله الوحيد المولود من اآلب قبل كل الدهور"، وانه بالتالي "إله حق من إله حق ومساو� لآلب في الجوهر"، قد يبدو ألول وهلة

99

Page 100: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A للعقل البشري، جهالةA لليونانيين وعثرة لسائر المؤمنين من مناقضاA، ويرى فيه اليهود A وبهتانا يهود ومسلمين، يعتبره العقالنيون جنونا

Zعق�ل أن A لعظمته. فكيف ي A على اسم الله وتحقيرا والمسلمون تجديفاZقال عن إنسان وZجد في الزمن انه هو بدء الزمن؟ وعن كائن فرد ي

وZلد من كائن آخر انه خالق كل الكائنات وأساسها منذ األزل؟ وكيف ينحصر معنى التاريخ كله في إنسان واحد عاش في حقبة محددة

من التاريخ؟

Zلوهية يسوع المسيح، الذي أنكره اليهود ورفضه ان هذا اإليمان بأ المسلمون، بقي على مدى التاريخ حجر عثرة لكثيرين من

المسيحيين أنفسهم. ويمكننا اختصار تاريخ الالهوت المسيحي بقولنا إنه تاريخ مدB وجزر حول تحديد هوية شخص يسوع المسيح.

فاإلنجيل هو، بحسب القديس مرقس، "إنجيل يسوع المسيح ابن (. ومعظم المجامع المسكونية، وال سيم�ا في القرنين1: 1الله" )

الرابع والخامس، كان موضوعها المسيح في شخصه وفي طبيعته االلهية واالنسانية. والموضوع نفسه يعالجه اليوم بإسهاب

الالهوتيون المعاصرون في مختلف البلدان المسيحية محاولينب من إدراك سرB ظهور الله في الزمن في شخص ابنه يسوع Bالتقر

المسيح.

ق في هذا الفصل إلى اإليمان بالمسيح كما يظهر من Bسنتطر خالل أسفار العهد الجديد، ثم نعالج في الفصل السادس تعاليم

المجامع المسكونية والعقائد التي أعلنتها عن شخص المسيح وعن طبيعته االلهية واالنسانية، وفي الختام نخلص إلى ما يعنيه لنا اليوم

شخص يسوع المسيح ابن الله الوحيد.

- قيامة يسوع نقطة انطالق إيمان الرسل به- قيامة يسوع نقطة انطالق إيمان الرسل به11A A كامال لقد كانت قيامة المسيح نقطة االنطالق إليمان الرسل إيمانا

. يستند البعض إلى ما Bبأن يسوع هو المسيح ابن الله الحي A ثابتا رواه انجيل متى عن اعتراف بطرس في قيصرية فيلبس ليؤكدوا

أن الرسل، حتى في أثناء حياة يسوع، آمنوا بأن يسوع هو ابن الله. فانجيل متى يذكر أنه لمBا سأل يسوع تالميذه: "في نظركم، أنتم،

م�ن أنا؟"، أجاب سمعان بطرس وقال: "أنت المسيح ابن الله"، فقال له يسوع: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، فانه ليس Bالحي

:16اللحم والدم أعلنا لك هذا، بل أبي الذي في السماوات..." )A من إنجيل متى، لدى17- 15 (. إال أن إنجيل مرقس، األقدم عهدا

روايته الحدث نفسه، يضع على لسان بطرس االعتراف التالي"Bالموجز: "أنت المسيح". وهذا دليل على أن عبارة "ابن الله الحي

100

Page 101: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A ليس إيمان بطرس في أثناء قد أضافها كاتب إنجيل متى، معلناZلوهية حياة يسوع، بل إيمان بطرس والرسل والكنيسة األولى بأ

المسيح من بعد قيامته.

ولدينا دليل آخر على صحة هذا التفسير، وهو ما يقوله متى في الفصل الرابع عشر عن اعتراف الرسل بيسوع قبل اعتراف بطرس. فبعد أن يروي متى كيف "مشى يسوع على الماء"،

يضيف: "ولما صعد إلى السفينة سكنت الريح، فسجد له الذينA ابن الله" ) (. فلو كان33: 14كانوا في السفينة قائلين: "أنت حقا

A اعتراف بطرس والرسل، حقy لنا أن نتساءل: ما متى يذكر حرفيا ف�ضiلZ بطرس على سائر الرسل في االعتراف بأن يسوع هو ابن

الله، إذ إن الرسل اعترفوا بذلك قبله؟ من هنا نستنتج أن ما يضعه اإلنجيل على فم بطرس وسائر الرسل ليس ما فاهوا به في أثناء

حياة يسوع، بل ما وصل إليه إيمانهم به من بعد قيامته.

روا به بعد حلول الروح القدس عليهم. yوهذا اإليمان هو ما بش ففي الخطاب األول الذي ألقاه بطرس أمام الجموع المحتشدة يوم

العنصرة، نشمعه يعلن دون تردBد: "إن يسوع الناصري، االنسانBده الله لديكم بالعجائب والمعجزات واآليات، التي أجراها الذي أي

Zسلم بحسب على يديه في ما بينكم -كما أنتم تعلمون-، ذاك الذي أA بأيدي األثمة، مشيئة الله المحدودة وعلمه السابق، فقتلتموه صلباA شهود بذلك". ثم A قيود الموت... ونحن جميعا قد أقامه الله ساحقا

A جميع بيت اسرائيل أن الله قد A يقينا ينهي خطابه بقوله: "فليعلم إذاA" )أعمال A ومسيحا Bا (.36- 22: 2جعل يسوع هذا الذي صلبتموه رب

لم يصل إيمان الرسل بيسوع المسيح إلى كماله إال بعد حلول الروح القدس عليه. ويروي لوقا في سفر أعمال الرسل أنهم، حتىA يكلOمهم عن شؤون بعد أن قام يسوع "وتراءى لهم مدة أربعين يوما

ملكوت الله"، سألوه في ظهوره األخير لهم: "يا رب، أفي هذا (. لقد بقيت نظرتهم6- 3: 1الزمان تردB المZلك إلسرائيل؟" )أعمال

إليه نظرة دنيوية خاطئة حتى آخر لحظة من وجوده معهم.

لكننا نجد جذور إيمان الرسل بيسوع في مشاهدتهم أعماله وسماعهم تعاليمه طوال حياته العلنية. لقد تبع الرسل يسوع

وعاشوا معه حياة ألفة وصداقة مدة ثالث سنوات، ورأوا عجائبهه، إال أن عيونهم لم Bمن سر A واستمعوا إلى أقواله، واختبروا بعضا

A ولم ينجل� الغشاء عن بصائرهم إال من بعد قيامته، كما تنفتح تماما حدث لتلميذ�ي عماوس اللذين ظهر لهما يسوع "وسار معهما، إال أن

101

Page 102: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Zمسكت عن معرفته... وبعد أن اتكأ معهما وأخذ الخبز أعينهما أ وبارك وكسر وناولهما، انفتحت أعينهما وعرفاه. ولكنه غاب عنهما. فقال أحدهما لآلخر: أو�لم تكن قلوبنا مضطرمة فينا، إذ كان يخاطبنا

ر لنا الكتب!" )لوقا B32- 16: 24في الطريق، ويفس.)

هكذا سار الرسل مع يسوع طوال حياته العلنية يستمعون إليهر لهم الكتب ويكلBمهم عن ملكوت الله فتضطرم فيهم القلوب، Bيفس

ويشاهدون عجائبه فتمأل الحيرة أذهانهم. يرونه يشفي المرضىBه هو Zرى هذا الرجل، ألعل ويغفر للخطأة فيروحون يتساءلون من ت

المسيح الذي كانوا ينتظرون مجيئه في آخر األزمنة؟

- كيف ظهر يسوع في حياته؟22أ( رسالة يسوع: التبشير بملكوت الله

Zلقي يوحنا في السجن، يقول مرقس في مستهلB إنجيله: "بعدما أ أتى يسوع إلى الجليل وهو يكرز بإنجيل الله، ويقول: لقد تمy الزمان

Oر15، 14: 1واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا باالنجيل" ) (. يعب هذا القول الذي وضعه انجيل مرقس على فم يسوع عن مضمون

رسالته األساسي، أال وهو قرب مجيء ملكوت الله. مع ملكوت الله وسيادته العالم كان اليهود ينتظرون أن ينتشر السالم بين األفراد

والجماعات والشعوب وتسود العدالة عالقات الناس بعضهم ببعض ويحظى الفقراء بالحماية والمساندة. في هذا المعنى، بدل لفظة "الملكوت" يستعمل يوحنا لفظة "الحياة" وبولس لفظة "البر".

واأللفاظ الثالث مرادفة للفظة "الخالص".

منذ أقدم العصور يتوق البشر إلى السالم والعدالة والحياة والخالص، لكنهم ال يستطيعون بلوغ تلك القيم، فيعتقدون وجود

قوى معادية تمنعهم من ذلك، تلك القوى التي يدعوها الكتاب المقدس "الشياطين". من خالل هذا المفهوم المستقى من

Bر الكتاب المقدBس عن خبرة الثقافات القديمة الميثولوجية، يعبBنه بقواه البشرية من تحقيق ما تصبو إليه االنسان القديمة بعدم تمك

نفسه من سالم وعدالة وحرية وحياة.

Bد الحياة والتاريخ، وهو في نظر الكتاب المقدBس الله وحده هو سي وحده يستطيع أن يسحق جميع القوى الشريرة المعادية لالنسان ويمنح االنسان الخالص والحرية والحياة. هذا هو مضمون ملكوت

الله الذي بدأ يسوع رسالته بالتبشير بقرب مجيئه.

102

Page 103: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

يروي انجيل متى انه "قZدBم إلى يسوع مجنون أعمى وأخرس،Zهت الجموع كلهم، وقالوا: فشفاه، حتى ان األخرس تكلBم وأبصر. فب

أفال يكون هذا ابن داود؟ وسمع الفريسيون، فقالوا: هذا الرجل الZخرج الشياطين إال ببعل زبول، رئيس الشياطين. واذ أدرك يسوع ي

أفكارهم، قال لهم: كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه ال يثبت. فان كان الشيطان يخرج

A تثبت مملكته؟... وان الشيطان فقد انقسم على نفسه، فكيف إذاZخرج الشياطين، فذلك أن ملكوت الله قد انتهى كنت أنا بروح الله أB أن إليكم. وهل يستطيع أحد أن يدخل بيت القويB، وينهب أمتعته، إال

A؟ عندئذ� فقط، ينهب بيته" ) (.29- 22: 12يربط القويB أوال

يبدأ ملكوت الله بتدمير مملكة الشيطان وتحرير االنسان من جميع أنواع الشر: من الخطيئة والمرض والجنون واستحواذ األرواح الشريرة. لذلك ال يقتصر ملكوت الله على حياة ما بعد الموت، بل

A في هذه الحياة. وليس هو حقيقة روحية وحسب، بل يشمل يبدأ أوالA لمستقبل بعيد، إنما االنسان كله في روحه وجسده. وليس هو وعدا

يبدأ اآلن وهنا في كل انسان يقبل رسالة المسيح فيتوب وينفتحلعمل الله في داخله.

بعد أن أرسل يسوع تالميذه االثنين والسبعين للتبشير بملكوت الله عادوا إليه يقولون: "ان الشياطين أنفسها تخضع لنا باسمك".

A من السماء كالبرق" )لوقا :10فأجابهم: "لقد رأيت الشيطان هابطا (. وهذا يشير إلى أن مZلك الشيطان ال يمكنه أن يثبت أمام18، 17

A A جديدا مZلك الله. فملكوت الله ينشئ في قلب العالم القديم عالماBة إبليس كل إنسان يقبل في ر من عبودي Bيجتاح العالم القديم ويحر A. ان طريق الحرية في ذاته حياة الله ويتبع يسوع ويصبح له تلميذاB يستسلم االنسان لمZلك آخر غير Bباع يسوع يعني أال Bباع يسوع، وات ات

ملZك الله األوحد الذي أعلنه يسوع وسيلة نهائية للخالص.

وهكذا يظهر يسوع نفسه مرسل الله وممثله ووكيله في تحقيق الملكوت. والشعب الذي ينشئه يصبح شعب الله النهائي. وكل منBباع يسوع واالنضمام إلى شعب الله يحصل على المصالحة يقبل ات

والمسامحة والسالم والخالص والحرية التي يذBخرها الله للذينيخضعون لملكه.

ان جميع أعمال يسوع، من شفاء المرضى ومسامحة الخطايا وطرد الشياطين، يدعوها االنجيل المقدس "آيات"، أي عالمات

A تشير إلى بدء تحقيق الملكوت. فهي تدلB على أن الله أصبح قريبا

103

Page 104: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A من كل إنسان، وال سيم�ا الفقراء من االنسان بمحبته، قريبا والضعفاء والمرذولين والخطأة. وهذا هو معنى جواب يسوع عندما

A من تالميذه يسألونه: "أأنت م�ن أرسل إليه يوحنا المعمدان بعضا يأتي، أم ننتظر آخر؟ فأجاب يسوع وقال لهم: انطلقوا وأعلموا

يوحنا بما تسمعون وترون: العZمي يبصرون، والعZرج يمشون،Zرص يطهرون، والصZمB يسمعون، والموتى ينهضون، والمساكين والب

رون، وطوبى لمن ال يشكB فيy!" )متى B6- 2: 11يبش.)

إنB الدواعي كثيرة للشك في يسوع. فكيف يمكن أن ينشأ ملكوت الله على يد رجل وضيع قادم من قرية حقيرة في الجليل، يتبعه

ارين والخطأة والزواني، ويقول عنه Bبعض التالميذ ورهط من العش (.21: 3ذووه أنفسهم "انه متهوBس"؟ )مر

لذلك يتكلم يسوع عن ملكوت الله بأمثال تظهر أن الله هو الذيA سوف يعمل من خالل عمل يسوع الوضيع، وان ما يبدو اآلن صغيرا

Bة خردل ينمو ويكبر بقوة عمل الله: وهكذا "يشبه ملكوت الله حبA؛ بيد أنهما أخذها انسان وزرعها في حقله: إنها أصغر البذور جميعاA؛ ثم تصبح شجرة حتى ان طيور اذا نمت تصير أكبر البقول جميعا

ش في أغصانها". وكذلك يشبه ملكوت الله Bالسماء تأتي وتعش Bأتها في ثالثة أكيال من الدقيق، حتى "خميرة أخذتها امرأة وخب

(. هناك تناقض بين صغر البذرة33- 31: 13اختمر الجميع" )متى وعبر الشجرة وبين اليسير من الخميرة والكية الكبيرة من الدقيق.

A، ولكنه يكبر كما تكبر A ومختبئا هكذا ملكوت السماوات يبدأ صغيراBة الخردل ويمتدB امتداد الخميرة في العجين، وينمو نموB الزرع حب

�ل الزارع: مرقس (. وال أحد20- 3: 4فيثمر ثالثين وستين ومئة )م�ث يستطيع أن يمنع ملكوت الله من النمو، فكما أن القمح ال يزال ينمو

حتى في وسط الزؤان، هكذا ملكوت الله ينمو في وسط الشر�ل الزؤان: متى (.43- 24: 13)م�ث

Bد هو ابن وما شأن يسوع في هذا كله؟ "ان الذي يزرع الزرع الجي (. وقوBة الله هي التي تنمي الزرع بشكل37: 13البشر" )متى

�ل ملكوت : "م�ث Bولكن في الوقت ذاته بشكل ثابت ومستمر Bخفي �ل إنسان ألقى الزرع في األرض. فسواء أنام أم استيقظ، الله كم�ث في الليل وفي األنهار، فالزرع ينبت وينمو، وال يدري كيف. فاألرض

A، ثم السنبلة، ثم الحنطة ملء اق أوال Bمن ذاتها تثمر: تخرج الس ، في الحال، ألنه قد السنبلة، فإذا أدرك الثمرZ أعمل فيه المنجل�

(.29- 26: 4أحصد" )مر

104

Page 105: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ب( سرB يسوع من خالل أعماله وتعاليمه لقد ظهر ملكوت الله في أعمال يسوع، وال سيم�ا في شفائه

المرضى وطرده الشياطين وموقفه من الخطأة. وظهر في الوقتBل الله في نفسه بعض الشيء من سرB يسوع. إنB يسوع هو ممث

أعماله وفي تعاليمه.

أعمال يسوع هذا ما يبدو بوضوح في جميع أعمال يسوع، وال سيم�ا في موقفه

Bمن شرائع الناموس ومن الخطأة. فالشرائع والوصايا التي ينص عليها الناموس هي شرائع الله ووصاياه، وال أحد يستطيع أن ينقضها

A انه هو إال الله وحده. لكننا نرى يسوع ينقض شريعة السبت معلنا -18: 2(، ونراه ينقض شرائع الصوم )مر 29: 2"ربB السبت" )مر

( وجميع المراسيم المتعلقة بغسل األيدي وغسل الكؤوس22A يغفر الخطايا وهو يعلم أن23- 1: 7والجرار )مر (. ونراه خصوصا

(. إن7B: 2"ما من أحد يقدر أن يغفر الخطايا إال الله وحده" )مر A أن عمله هو عمل Bنا A خاصة بالله، مبي يسوع يعمل على األرض أعماال

Bع: "يا ابني مغفورة لك الله وارادته إرادة الله. يقول للمخل" )لو 5: 2خطاياك". )مر :7(، وللمرأة الخاطئة: "مغفورة خطاياك�

(. ومن خالل صيغة المجهول يدرك المستمعون أن الله هو الذي48Bل الله وعمله A هو ممث يغفر الخطايا في شخص يسوع. فيسوع إذا

انعكاس لعمل الله.

في شخص يسوع ظهر ملكوت الله، ملكوت المسامحة والسالمارين إلى Bر من الخطيئة. لذلك يدعو يسوع الخطأة والعش Bوالتحر

Bون قائلين: "ماذا؟ يأكل مع تناول الطعام معه. واذ يتذمBر الفريسيارين والخطأة؟"، يجيبهم يسوع: "ليس األصحBاء في حاجة إلى Bالعش

طبيب بل المرضى. اني لم آت� ألدعو الصدBيقين بل الخطأة" )مرA للوليمة17، 16: 2 (. لقد كان الطعام المشترك عند اليهود رمزا

السماوية أي لالتحاد بالله في دار الخلود. لذلك لم يكن تناول يسوعA عن سعة أفكاره االجتماعية ارين تعبيرا Bالطعام مع الخطأة والعش

وعن تفهBمه البشري لضحايا المجتمع بقدر ما هو تعبير عن بدء تحقيق ملكوت الله، ملكوت المحبة والمسامحة والخالص، ملكوت األخوBة التي تجمع في شركة واحدة جميع أبناء الله. واهتمام يسوع بالخطأة والفقراء والمهملين والمنبوذين دليل على مجيء الملكوت

في شخص يسوع.

تعاليم يسوع

105

Page 106: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bل الله وأنه يظهر يسوع في تعاليمه، كما في أعماله، أنه ممث أعظم من الكتبة واألنبياء. فالمعلمون والكتبة كانوا يقتصرون، في

تعليمهم، على تفسير ناموس موسى. أما يسوع فيتخطBى الناموس، أو باألحرى يوصل الناموس إلى كماله، كما يقول هو نفسه: "ال

Bوا أني جئت ألنقض الناموس أو األنبياء؛ إني ما جئت ألنقض بل تظنZكمOل" )متى (. لذلك يردف: "اني أقول لكم: إن لم يزد17: 5أل

كم على ما للكتبة والفريسيين، فلن تدخلوا ملكوت السماوات" Bبر (.20: 5)متى

كذلك األنبياء كانوا يتكلمون باسم الله، فيبدأون نبوءاتهم بالعبارة التالية: "هكذا يقول الرب". ال نجد أي أثر لتلك العبارة في أقوال

يسوع، بل إنما يتكلم بسلطته الخاصة، كما نسمعه يردBد في عظته على الجبل في الفصل الخامس من انجيل متى: "سمعتم أنه قيل لألقدمين... وأنا أقول لكم". "قيل لألقدمين": صيغة المجهول في

تلك الجملة تعبير مألوف يشير إلى الله. ومن يستطيع أن يزيد كالمA أو أن يدBعي الوصول بهذا الكالم إلى كماله إال الله نفسه؟ الله شيئا ومع ذلك نسمع يسوع يضيف: "وأنا أقول لكم". وهذا دليل على أن

يسوع يدرك أن كالمه ليس كالم إنسان بل كالم الله نفسه، وانه، في تعليمه، يوصل كالم الله الذي أعطي في العهد القديم إلى

A هكذا إرادة الله األخيرة والنهائية. كماله، معلنا

- م�ن هو يسوع؟- م�ن هو يسوع؟33ر أنB ملكوت الله قد أتى في شخصه وفي Bكيسوع يبش A إن انساناBم تعاليم الله، م�ن تراه يكون؟ ان أعماله، فيعمل أعمال الله. ويعل

" ال يكفي للتعبير عن رسالته. لذلك يقول عنه االنجيل انه Bلقب "نبي (. لقد42، 41: 12"أعظم من يونان" و"أعظم من سليمان" )متى

رأى فيه الرسل والمسيحيون األوBلون "المسيح" و"ابن البشر"و"الرب" و"ابن الله" و"كلمة الله".

أ( يسوع هو "المسيح" يروي انجيل مرقس انه عندما سأل يسوع تالميذه في قيصرية

فيلبس: "في نظركم، أنتم، م�ن أنا؟" أجاب بطرس وقال له: "أنت (. ويروي انجيل يوحنا أن أندراوس الرسول، بعد29: 8المسيح" )

ف إلى يسوع، لقي أخاه سمعان فقال له: "لقد وجدنا Bأن تعر Bا، أي المسيح" ) Bس نثنائيل، فقال له:41: 1ماسي (. ثم "صادف فيلب

A قد وجدناه. ان الذي كتب عنه موسى في الناموس واألنبياء أيضا(.45: 1فهو يسوع بن يوسف من الناصرة" )يو

106

Page 107: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فم�ن هو هذا المسيح الذي كتب عنه موسى واألنبياء والذي كانينتظره اليهود؟

A للنبي والكاهن كانت لفظة "المسيح" في العهد القديم نعتاZمسحون بالزيت داللة على تكريسهم لخدمة والملك، ألنهم كانوا ي الله وخدمة شعب الله. فموسى مسح هارون وبنيه ليكونوا كهنة

A على30: 30الله )خروج (، وصموئيل مسح داود "ليكون ملكا (. والمسحة بالزيت7: 12 ملوك 2؛ 13- 1: 16 ملوك 1اسرائيل" )

هي رمز منح الروح القدس، كما يوضح ذلك سفر الملوك: فعندما "أخذ صموئيل قرن الدهن ومسح داود من بين اخوته، حلB روح

( "A (.13: 16 ملوك 1الربB على داود من ذلك اليوم فصاعدا

وقد وعد الله داود على لسان ناتان النبي انه سيقيم له من نسلهA "وسيقرB عرش ملكه إلى األبد" ) (. عاش اليهود13: 7 ملوك 2ملكا

على مدى أجيال العهد القديم وهم ينتظرون تحقيق تلك النبوءةZمس�ح" كسائر ملوك اسرائيل ولكن ال بمجيء ملك من نسل داود "ي

A بعد تدمير مملكتهم يكون لمZلكه انقضاء. وازداد رجاؤهم إلحاحا وسبيهم إلى بابل. وعندئذ� راح األنبياء يصفون مالمح هذا المسيحA A من الروح القدس، نبيا الذي سوف يأتي في آخر األزمنة ممتلئا

A يوطBد مملكة اسرائيل إلى األبد. وملكا

Bق انجيل لوقا على يسوع إحدى تلك النبوءات. فقد دخل ويطب يسوع يوم سبت مجمع اليهود في الناصرة، "وقام ليقرأ. فدZفع إليه

؛ فلما نشر السفر وقع على الموضع المكتوب Bسفر أشعيا النبي ر المساكين، وأرسلني OبشZ فيه: روح الربB عليy، ألنه مسحني أل

Zنادي للمأسورين بالتخلية، وللعميان بالبصر، وأطلق المرهقين ألA، وأعلن سنة نعمة للرب. ثم طوى السفر، ودفعه إلى أحرارا الخادم، وجلس. وكانت عيون الذين في المجمع شاخصة إليه

Zليت على بأجمعها. فشرع يقول لهم: "اليوم تمBت هذه الكتابة التي ت(.21- 16: 4مسامعكم" )

وقد تالقت نبوءة ناتان وسائر األنبياء من بعده مع ما أعلنه الرب�ا على لسان موسى: "سيقيم لكم الرب اإلله من بين إخوتكم نبي مثلي؛ فله تسمعون في جميع ما يكلBمكم به؛ وكل من ال يسمع

Zقطع من بين الشعب" )تثنية (.19، 15: 18لذلك النبيB ي

107

Page 108: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ولقد رأى الرسل أن نبوءة موسى هذه وسائر نبوءات العهد القديم المتعلقة بالمسيح قد تمBت كلها في شخص يسوع )راجع

(.26- 17: 3أعمال الرسل

، كما كان A من الروح القدس، ولكنه لم يأت� جاء المسيح ممتلئاA. "فمملكته ليست من هذا العالم" كما A زمنيا يتوقBعه اليهود، ملكا

(. ولذلك عندما أراد اليهود أن يقيموه36: 18قال لبيالطس )يو A توارى عنهم، كما يروي يوحنا االنجيلي بعد آية تكثير عليهم ملكا

الخبزات: "فلما عاين الناس اآلية التي صنعها يسوع، أخذوا يقولون: هذا الرجل هو في الحقيقة النبيB اآلتي إلى العالم. واذ علم يسوع

A في A، اعتزل أيضا أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليقيموه ملكا(.16- 14: 6الجبل وحده" )يو

وهذا هو المعنى العميق للتجارب التي يروي االنجيليون أن يسوع (. فهذه التجارب11- 1: 4تعرBض لها في بدء حياته العلنية )متى

ليست رواية لما جرى ليسوع مرة قبل البدء بكرازته بقدر ما هي تفسير بشكل روائي للعراك الذي قام به يسوع طوال حياته العلنية

ليقاوم نظرة اليهود إلى المسيح المنتظر. فبينما كان اليهودA يبهر الناس بالعجائب الخارقة، فيحوBل الحجارة إلى ينتظرون مسيحا

Zصاب بأذى، خبز، ويرمي بنفسه من قمة جناح الهيكل دون أن ي ويستعبد نفسه للقوى الشيطانية للحصول على ممالك الدنيا

A من الروح القدس يحيي الجائعين A ممتلئا ومجدها، جاء يسوع مسيحاA يقدBم ذاته على الحب ذبيحة فداء لتحقيق A متألما بكلمة الله ومسيحا

ملكوت الله في قلوب الناس.

Zقتل "اجتذبه بطرس لذلك عندما أنبأ يسوع تالميذه بأنه سيتألم ويBة. A: معاذ الله، يا رب، ال، لن يكون ذلك البت إليه وطفق يزجره قائال أما هو فالتفت وقال لبطرس: إذهب خلفني، يا شيطان! انك لي

:16معثرة. ألن أفكارك ليست أفكار الله، بل أفكار الناس )متى (. أفكار الناس في المسيح المنتظر هي، في نظر يسوع،23- 21

أفكار شيطانية ألنها ترى طريق المجد في السلطة الزمنية والملك المادي. أما طريق المجد، بحسب منطق الله، فهي طريق المحبة والتضحية والعطاء حتى الموت، كما قال يسوع للتلميذين اللذين صادفهما في الطريق إلى عماوس وقد قطعا كل رجاء بعد موت يسوع: "ما أقصر أبصاركما، وما أبطأ قلوبكما في اإليمان بكل ما

نطقت به األنبياء. أما كان ينبغي للمسيح أن يكابد هذه اآلالم ويدخل(.26، 25: 24إلى مجده؟" )لوقا

108

Page 109: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

بعد آالم يسوع وموته وقيامته، فهم الرسل أقوال األنبياء في المسيح المتألم، وراحوا يكررون أن تلك األقوال قد تمBت فيه. ولنا

مثال ذلك في نصB من اشعيا النبي ورد في ما رواه سفر أعمالBم ملكة الحبشة: "كشاة سيق إلى الرسل عن كرازة فيلبس لقي

Bته ه، هكذا ال يفتح فاه. في مذل Bالذبح، وكحمل صامت أمام الذي يجز Zزعت من ألغي قضاؤه، وأما مولده فم�ن يصفه؟ ألن حياته قد انت

(. ويتابع سفر أعمال الرسل: "أجاب8، 7: 53األرض" )اشعيا الخصيB وقال لفيلبس: أرجو منك أن تخبرني عمBن يقول النبيB هذا؟

أعن نفسه أم عن رجل آخر؟ ففتح فيلبس فاه وابتدأ من تلكره بيسوع" )أعمال y34- 32: 8الكتابة وبش.)

ب( يسوع هو "ابن البشر"A من األناجيل38ينسب هذا اللقب إلى يسوع في A مختلفا مقطعا

Zطلق على االزائية. ويعتبره مفسBرو الكتاب المقدBس أقدم لقب أ يسوع في العهد الجديد. ويرجع هذا اللقب إلى الفصل السابع من

A على نبوءة دانيال: "ورأيت في رؤى الليل فإذا بمثل ابن البشر آتياZوتي ب إلى أمامه، وأ BرZسحاب السماء، فبلغ إلى القديم األيام وق A. فجميع الشعوب واألمم واأللسنة يعبدونه، A وملكا A ومجدا سلطانا

(.14، 13: 7وسلطانه سلطان أبديB ال يزول، وملكه ال ينقرض" )

تشير هذه النبوءة إلى مجيء انسان ملكي وسماوي يظهر في آخر األزمنة، فيزيل سلطان سائر الملوك، ويملك إلى األبد. لقد

رأى الرسل في يسوع هذا االنسان السماوي الذي أرسله الله في آخر األزمنة لينشى ملكوت الله الذي ال ينقرض. وتجدر االشارة إلى

أن معظم المقاطع التي يدعى فيها يسوع "ابن البشر" ترد في إطار الحديث عن آخر األزمنة وعن الدينونة: "أقول لكم: ان كل

م�ن يعترف بي قدBام الناس يعترف به ابن البشر قدBام مالئكة الله" (. "الحق أقول لكم: إنB في القائمين ههنا م�ن ال9، 8: 12)لوقا

A في ملكوته" )متى :16يذوقون الموت حتى يروا ابن البشر آتيا (. كذلك يقول يسوع في حديثه عن مجيئه األخير: "كما أن البرق28

ينبثق من المشرق ويلمع حتى المغرب، كذلك يكون مجيء ابنA البشر... عندئذ� تظهر عالمة ابن البشر في السماء، وعندئذ� أيضاA على سحاب ينوح جميع قبائل األرض ويشاهدون ابن البشر آتيا

(.30: 24السماء في كثير من القدرة والمجد" )متى

ويبدأ يسوع وصفه للدينونة األخيرة بقوله: "متى جاء ابن البشر بمجده وجميع المالئكة معه، حينئذ� يجلس على عرش مجده،

وتحشر لديه جميع األمم، فيفصل بعضهم عن بعض كما يفصل

109

Page 110: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الراعي الخراف عن الجداء. ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن�ل الزؤان يقول يسوع:33- 31: 25يساره" )متى (. وفي تفسير م�ث

ق، كذلك يكون في منتهى الدهر: Zحر� Zجمع وي "فكما أن الزؤان ي يرسل ابن البشر مالئكته فيجمعون من مملكته كل المعاثر وفاعلي اإلثم، ويلقونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصريف األسنان.

(.43- 40: 13عندئذ� يضيء الصدBيقون في ملكوت أبيهم" )متى وعندما يسأل رئيس الكهنة يسوع في أثناء المحاكمة: "أأنت

المسيح ابن المبارك؟" يجيبه يسوع: "أنا هو". ثم يردف: "وسترونA على سحاب السماء" )مر A عن يمين القدرة، وآتيا ابن البشر جالسا

14 :61 ،62.)

ان سلطة ابن البشر ال تقتصر على يوم الدينونة في آخر األزمنة. فملكوت الله قد بدأ بمجيء يسوع، لذلك يمارس يسوع سلطة ابن البشر في أثناء حياته. "فابن البشر له على األرض سلطان مغفرة

(، و"ابن البشر قد جاء ليطلب ما قد هلك10: 2الخطايا" )مر (.28: 2(، و"ابن البشر هو ربB السبت" )مر 10: 19ويخلBصه" )لو

غير أن سلطة ابن البشر على هذه األرض ليست سلطة للسيادة بل للخدمة. "فالثعالب لها أوجرة، وطيور السماء أوكار، أما ابن

(. "وابن20: 8البشر فليس له موضع يسند إليه رأسه" )متى �خدم ويبذل نفسه فداء عن كثيرين" Zخدم بل لي البشر لم يأت� لي

ة ينبئ يسوع تالميذه بآالمه يدعو نفسه28: 20)متى Bوكل مر .) (. وكذلك عندما ينبئ33: 10؛ 31: 9؛ 31: 8"ابن البشر" )مر

بخيانة يهوذا له: "ان ابن البشر يمضي، على حسب ما هو مكتوب�م ابن البشر" )مر ل iسZ (.21: 14عنه، ولكن، ويل لذلك الرجل الذي ي

وعندما يأتي يهوذا ليقبض عليه يقول لتالميذه: "لقد قضي األمر�م إلى أيدي الخطأة!" )مر ل iسZ :14وأتت الساعة! هوذا ابن البشر ي

Bله قال له يسوع: "يا يهوذا، أبقبلة41 (. ولما دنا يهودا من يسوع ليقب(.48: 22تسلم ابن البشر!" )لو

ان يسوع بآالمه وموته وقيامته قد حقق نبوءة دانيال وأنشأ ملكوت الله الذي ال ينقرض. ويرى انجيل يوحنا عالقة وثيقة بينBأ يسوع عن موته في موت ابن البشر ودينونة العالم. فعندما يتنب

الفصل الثاني عشر من انجيل يوحنا يقول: "اآلن دينونة هذا العالم،فعت عن األرض Zوأنا متى ر .A اآلن رئيس هذا العالم يلقى خارجا

اجتذبت إليy الجميع". ويوضح يوحنا: "قال يسوع هذا ليدلB على أيةA أن يموتها. فأجابه الجمع: "لقد علمنا من الناموس ميتة كان مزمعا

Zرفع ابن A تقول أنت: ينبغي أن ي أن المسيح يثبت إلى األبد. فكيف إذا

110

Page 111: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

البشر؟ م�ن هو ابن البشر هذا؟" فقال لهم يسوع: "ان النور معكمبعد إلى حين، فسيروا ما دام النور معكم، لئال يغشاكم الظالم" )

(. ويؤكد يوحنا في موضع آخر العالقة بين النور36- 31: 12 والدينونة: "على هذا تقوم الدينونة: ان النور قد جاء إلى العالم،

:3والناس آثروا الظلمة على النور، ألن أعمالهم كانت شريرة" ) (. ويرى يوحنا في موت يسوع تمجيده. فعندما خرج يهوذا من19

العشاء الفصحي ليسلم يسوع، قال يسوع: "اآلن تمجBد ابن البشر،Bة في31: 13وتمجBد الله فيه" ) (. "وكما أنB موسى قد رفع الحي

Zرف�ع ابن البشر" ) Bة، كذلك ينبغي أن ي (. فيسوع المرفوع14: 3البريعلى الصليب هو نفسه ابن البشر المرتفع في مجد الله.

ج( يسوع هو "الرب" يدعو العهد الجديد يسوع في مواضع كثيرة بلقب "الرب". وهذاBد" اللقب هو ترجمة اللفظة اليونانية "كيريوس" التي تعني "السيA على وجه العموم كل صاحب سلطة على و"الرب". يدعى سيداBد مكان أو قطعة من األرض هو األشخاص أو على األشياء. فسي

Bد الشخص الذي يملك ذلك المكان أو تلك القطعة من األرض. والسي والرب بالمعنى المطلق هو الله، ألنه خالق الكون بأسره، والخليقة

كلها خاضعة لسيادته.

A لفظة "كيريوس" على أي من الناس، وذلك في وتطلق أيضاBد". ونجد هذا معرض االكرام واالحترام. وتترجم بالعربية بلفظة "سي

االستعمال في عدBة مقاطع من العهد الجديد. فالمرأة السامرية..." )يو B؛19: 4تخاطب يسوع بقولها: "يا سيدي، أرى انك نبي)

Bع بركة بيت حسدا يقول ليسوع: "يا سيدي، ليس لي من ومخلك الماء" )يو B؛ ومريم المجدلية، لدى7: 5يلقيني في البركة اذا تحر)

مشاهدتها يسوع بعد قيامته سألته، وقد ظنت أنه البستاني: "يا سيدي، إن كنت أنت قد ذهبت به، فقلi لي أين وضعته وأنا آخذه"

(؛ وفي المعنى ذاته يخاطب بعض اليونانيين فيلبس: "يا15: 20)يو Bد، نرغب في أن نرى يسوع" )يو (.21: 12سي

إال أن هناك مقاطع أخرى من العهد الجديد يدعو فيها الرسل يسوع بلقب "كيريوس" ويعنون به أكثر من مجرد االكرام

واالحترام. في تلك المقاطع تعني لفظة "كيريوس" الرب بالمعنى المطلق. ولفهم هذا االستعمال ال بدB لنا من العودة إلى العهد

القديم.

111

Page 112: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

لقد كان اليهود في العهد القديم يمتنعون عن لفظ اسم اللهA له. لذلك في قراءاتهم العمومية للكتاب المقدس، "يهوه" احتراما

كلما كانوا يشاهدون اسم "يهوه"، كانوا يقرأونه "أدوناي" أي "الرب". ومن ثم أصبحت لفظة "الرب" مرادفة السم الجاللة "يهوه". وعندما ترجم يهود االسكندرية كتب العهد القديم من

العبرية إلى اليونانية في القرن الثالث قبل المسيح في الترجمة المعروفة "بالسبعينية"، ترجموا اسم "يهوه" بكلمة "كيريوس" التي

تعني "الرب".

من هنا نستنتج أن الرسل، باعترافهم بأن يسوع هو "الرب"، يعترفون له بلقب مختصB بالله نفسه. لذلك ترد لفظتا الرب واإلله

A إلى جنب كمترادفين. ولنا مثال على ذلك في إعالن توما إيمانه جنبا بيسوع لدى ظهوره له في اليوم الثامن لقيامته. فعندما قال يسوع

لتوما: "هات� إصبعك إلى ههنا وانظر يديB؛ وهات� يدك وضعها فيA"، أجاب توما وقال له: "ربي! جنبي وال تكن غير مؤمن، بل مؤمنا

(.28، 27: 20وإلهي!" )يو

ان هذا اللقب مع ما يحمله من معنى األلوهة لم يطلقه الرسل على يسوع إال بعد قيامته. فعندئذ� فقط انكشف لهم سرB شخصه

وأدركوا أنB الصلب لم يكن بالنسبة إليه نهاية كل شيء، ألن الذي صZلب ومات قد قام وظهر لهم وأوكل إليهم مهمBة تبشير جميع

األمم بقوة السلطان الذي دZفع إليه: "لقد دZفع إليB كل سلطان في السماء وعلى األرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع األمم، وعمBدوهم باسم

(. وراحوا20- 18: 28اآلب واالبن والروح القدس..." )متى رون أن يسوع الذي صلبه اليهود قد أقامه الله وأجلسه عن Bيبش A ومنحه كل سلطان. وفي قيامة يسوع �ا ومسيحا يمينه وجعله رب

�ا وجد الرسل الجواب كل السؤال الذي طرحه يسوع واعتالنه ربA على الفريسيين قبل آالمه: ان المسيح هو ابن داود، فكيف اذا

Bه؟ )راجع متى (. وهذا ما قاله بطرس45- 41: 22يدعوه داود رب الرسول في خطابه األول يوم العنصرة: "ان داود لم يصعد قط إلىBي: اجلس عن يميني السماوات، ومع ذلك فإنه يقول: قال الرب لربBي" A لقدميك". "قال الرب" أي الله، "لرب حتى أجعل أعداءك موطئا

أي للمسيح، "اجلس عن يميني"، والجلوس عن يمين الله يعنيA A يقينا A: "فليعلم اذا الحصول على سلطة الله. ثم يختم بطرس قائال جميع بيت اسرائيل ان الله قد جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم

A" )أعمال �ا ومسيحا (.36- 34: 2رب

112

Page 113: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

�ا ال يعني أن يسوع بقيامته قد نال من الله ما ان إعالن يسوع رب�ا بعد د انسان ثم أصبح رب Bلم يكن يملكه من قبل، أي كان مجر

قيامته. إن قيامة يسوع هي كشف وإعالن أمام المأل لسرB شخص يسوع كما هو في ذاته منذ األزل. وهذا ما يوضحه نشيد قديم يعود

إلى المسيحيين األوBلين، وقد أدخله بولس في رسالته إلى الفيليبيين(2 :6 -11.)

يصف هذا النشيد في ست فقرات المراحل المتعدBدة التي مرy بهاشخص يسوع:

وجوده قبل التجسBدهو القائم في صورة الله لم يعتدB مساواته لله حالة مختلسة

تجسBدهA بالبشر، فوZجد كبشر A شبيها A صورة عبد، صائرا بل الشى ذاته آخذا

في الهيئة،

تنازله حتى الموتA حتى الموت، بل موت الصليب. ووضع نفسه، وصار طائعا

تمجيده لذلك رفعه الله رفعة فائقة، وأنعم عليه باالسم الذي يفوق كل

اسم،

سجود الخالئق له لكي تجثو السم يسوع كل ركبة ممBا في السماوات وعلما األرض

وتحت األرض

�ا إعالنه ربويعترف كل لسان بأن يسوع هو ربB لمجد الله اآلب.

ان االسم الذي يفوق كل اسم والذي أنعم الله به على يسوع هو اسم الله نفسه، اسم "الرب". ويصل العهد الجديد في هذا اللقب

إلى قمBة االيمان بالمسيح. لذلك يقول بولس في رسالته إلى، وآمنت في قلبك Bالرومانيين: "ان اعترفت بفمك أن يسوع هو رب

(. ويؤكد9: 10أن الله قد أقامه من بين األموات، فإنك تخلص" ) بطرس في أعمال الرسل أمام محفل رؤساء كهنة اليهود: "ما من

113

Page 114: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

خالص بأحد غيره، إذ ليس تحت السماء اسم آخر أعطي في(.12: 4الناس، به ينبغي أن نخلZص" )

Bز ليسوع في العهد الجديد. فيبدأ ويصبح لقب "الرب" اللقب الممي بولس معظم رسائله بالتحية التالية: "نعمة لكم وسالم من الله أبينا

؛2: 1 كور 2؛ 3: 1 كور 1؛ 6: 1والرب يسوع المسيح" )روم الخ...(، كما ينهيها بالتحية نفسها: "نعمة ربنا يسوع المسيح مع

(، "نعمة ربنا23: 4؛ فيليبي 18: 6؛ غال 23: 16 كور 1روحكم" )يسوع المسيح ومحبة الله، وشركة الروح القدس معكم أجمعين" )

(.13: 13 كور 2

A وقد اتخذت الشهادة المسيحية على أن يسوع هو الربB مدلوالA في القرون األولى في إطار االمبراطورية الرومانية. فبينما خاصا

A"، كان A" و"إلها Bا كان الوثنيون يعلنون امبراطور رومة "رب المسيحيون، مقابل ذلك، يعلنون أن يسوع وحده هو الرب، وال

إنسان فينه يستحق هذا اللقب اإللهي.

وهذا ما أراد آباء مجمع نيقية تأكيده عندما أعلنوا في قانونااليمان: "وبربO واحد� يسوع المسيح".

د( يسوع هو "ابن الله"ابن الله في العهد القديم والحضارات القديمة

ان عبارة ابن الله كانت مستعملة في العهد القديم وعند المصريين والبابليين والرومانيين، ولكن ليس بالمعنى الذي يحمBلها

إياه العهد الجديد، وال سيم�ا بعد قيامة يسوع.

iني نقرأ في المزمور الثاني: "أنت ابني، أنا اليوم ولدتك، سلA لك" ) A لك وأقاصي المسكونة م�لكا Zمم ميراثا Zعطيك األ (.8، 7فأ

كانت هذه العبارة تستخدم في حفلة تتويج ملوك اسرائيل، وقد أخذها اليهود عن البابليين والمصريين. فعند هؤالء الشعوب كانZعلن "ابن الله". ولكن بينما كان المصريون الملك، يوم تنصيبه، ي

يعتبرون ملوكهم أبناء الله بالجسد بطريقة أسطورية، كان البابليونBي القانوني. وهذا المفهوم البابلي هو يعتبرون تلك البنوBة بمعنى التبن

Bاه البالط الملكي االسرائيلي، وهو الذي نجده في مختلف الذي تبن أسفار العهد القديم. فالملك هو ابن الله ليس ألن الله ولده

Bقة Bاه، فإنB إرادة الله إرادة خال بالجسد، بل ألن الله اختاره وتبن، يقول فيكون؛ يقول الله للملك: Bوكلمته كلمة مبدعة، يريد فيتم

114

Page 115: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

"أنت ابني، أنا اليوم ولدتك"، فيصبح الملك منذ تلك اللحظة ابنالله.

Bي الله لالنسان فكرة قديمة نجدها في أسفار الكتاب إن فكرة تبنA المقدBس األولى. وقد كان الشعب اليهودي بجملته يعتبر نفسه ابنا لله. ففي سفر الخروج نقرأ قول الله لموسى: "قل لفرعون: كذا

قال الرب: اسرائيل ابني البكر، فلذلك أطلق ابني ليعبدني، وان (. وكذلك23، 22: 4أبيت أن تطلقه فهاءنذا قاتل ابنك البكر" )

A أحببته، ومن مصر دعوت يقول النبي هوشع: "إذ كان اسرائيل صبيا(.1: 11ابني" )

A لله. ولكنB الملك هو ابن الله A ابنا لقد كان الشعب اليهودي كله اذاBل الشعب كله، وفي شخصه تتجمBع وعود الله بنوع فائق، فهو يمث

لشعبه. وتوجز تلك الوعود� اآليةZ الثامنة من المزمور الذي أتينا علىA لك". A وأقاصي المسكونة م�لكا Zعطيك األمم ميراثا ذكره: "سلني فأ

إن هذا القول الذي يصحB في ملوك مصر وبابل العظماء الذينZلفظ لدى A عندما ي A وخياال ترتجف المسكونة أمامهم، قد يبدو حلما

A تنصيب ملوك اسرائيل، تلك المملكة الضعيفة التي كانت دوماA عرضة لهجمات الممالك المجاورة. لذلك كان هذا القول يعتبر وعدا

A يسود األمم A قويا لمستقبل زاهر يرسل فيه الله إلى شعبه ملكاBفق هذا الوعد مع الوعد الذي ويمتدB مZلكه إلى أقاصي المسكونة. ويت

وعد به الله داود على لسان ناتان النبي: "متى تمBت أيامكZقيم من يليك من نسلك الذي يخرج من واضBجعت مع آبائك، سأ

A السمي، وأنا أقرB عرش مZلكه إلى صZلبك وأقرB مZلكه. فهو يبني بيتا( "A A، وهو يكون لي ابنا (.14- 12: 7 ملوك 2األبد. أنا أكون له أبا

A لقد كانت تلك النبوءة نقطة االنطالق لترقBب مجيء المسيح ملكا إلى تلك النبوءة ويضع عالمة88من نسل داود. ويشير المزمور

واضحة بين "المسيح" و"االبن". يبدأ المزمور بذكر وعود الله لداود.A له: "حلفتZ لداود عبدي، ألثبتنy نسلك فقد اختاره الله وجعله ابنا

إلى األبد، وألثبتنy عرشك إلى جيل فجيل... وجدتZ داود عبدي،Zه... يدعوني: انك أبي وإلهي وصخرة خالصي، بدهن قداستي مسحت

�ا فوق ملوك األرض". ثم يقابل تلك الوعود A علي وأنا أجعله بكرا بالحالة التي وصل إليها ملوك اسرائيل: "لكنك أقصيت ورذلت.Bد التي و�ل أيها السي

Z استشطت على مسيحك... أين مراحمك األ ألجلها حلفت� لداود بأمانتك؟". ويطلب إلى الله أن يرسل دون

Bد عار عبيدك، إبطاء المسيح الحقيقي الموعود به: "اذكر أيها السيyروا بإبطاء مسيحك". yر به أعداؤك يا رب، ع�ي الذي ع�ي

115

Page 116: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ابن الله في العهد الجديد إنB الرسل والمسيحيين األوBلين قد رأوا في شخص يسوع تحقيق وعود الله بإرسال هذا الملك "المسيح" و"ابن الله"، الذي سوف

yر عنه يملك على المسكونة كلها ولن يكون لمZلكه انقضاء. هذا ما ع�ب لوقا في روايته بشارة المالك جبرائيل للعذراء مريم بوالدة المسيح. وقد وضع على لسان المالك األقوال الحرفية التي جاءت فيها وعود

،A الله بالمسيح في العهد القديم: "ها أنت� تحبلين وتلدين ابناZعطيه A، وابن العليB يدعى. وسي وتسمBينه يسوع. انه يكون عظيما الرب اإلله عرش داود أبيه؛ ويملك على بيت يعقوب إلى الدهر،

(.33- 31: 1ولن يكون لملكه انقضاء" )لوقا

A إال أن تحقيق نبوءات العهد القديم في المسيح لم يكن تحقيقاA، كما رأينا في حديثنا عن "ملكوت الله". فالمسيح A بل روحيا ماديا

لم يصعد على عرش ملك زمني ليسود العالم، بل صعد على الصليب ليجتذب إليه الجميع وينشئ ملكوت الله: "وأنا متى

(.32: 12ارتفعت عن األرض اجتذبت إليB الجميع" )يو

في انتقال لقب "ابن الله" من العهد القديم إلى العهد الجديدA للتغيير الذي حصل A في المدلول والمعنى، مماثال A جذريا نالحظ تغييرا

�ي "المسيح" و"ابن البشر". ان هذه األلقاب، بانتقالها من عهد للقب التهيئة إلى عهد الكمال، ومن عهد الرمز إلى عهد التحقيق، قد

تحوBل معناها من الملك المادي البشري المحصور في بقعة ضيقة من األرض، أرض اسرائيل، إلى الملك الروحي اإللهي الذي يتخطى

حدود الممالك األرضية ويمتدB امتداد الله في الكون بأسره.

إن لقب ابن الله يرد في مواضع كثيرة من العهد الجديد إلى جانب لقب المسيح وكأنهما مترادفان. فمرقس يبدأ انجيله بقوله:

(. وفي انجيل متى1: 1"بدء انجيل يسوع المسيح ابن الله" )"Bأنت المسيح ابن الله الحي" :A يعترف بطرس الرسول بيسوع قائال

(. ويوحنا ينهي إنجيله بالشهادة ليسوع المسيح ابن الله:16: 16) "وصنع يسوع أمام التالميذ آيات أخرى كثيرة لم تدوBن في هذا

الكتاب، وإنما دوBنت هذه لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله" (. وفي رسالته األولى يتكلم عن االيمان تارة بأن31، 30: 20)

Bقبين A بأن "يسوع هو ابن الله"، وكأنB الل "يسوع هو المسيح"، وطوراA يقول في اآلية الثانية: "ان كل مترادفان. ففي الفصل الرابع مثال

روح يعترف بأن يسوع المسيح قد أتى في الجسد، هو من الله" ثم : "من اعترف بأن يسوع هو ابن الله، فالله يقيم15يضيف في اآلية

116

Page 117: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فيه وهو يثبت في الله". كذلك في الفصل الخامس، يقول في اآلية األولى: "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فهو مولود من الله".

B الذي ثم يضيف في اآلية الخامسة: "م�ن ذا الذي يغلب العالم إاليؤمن أن يسوع هو ابن الله؟".

ترد هذه الشهادة على أن يسوع هو "ابن الله" في األناجيل األربعة وفي جميع مراحل حياة يسوع وعلى لسان الله اآلب ويسوع نفسه والمالئكة والرسل وكثيرين ممBن شفاهم يسوع أو رأوا أعماله

وعجائبه وموته وقيامته.

فمنذ البشارة يقول المالك جبرائيل للعذراء مريم: "ال تخافي ياA مريم، فلقد نلت� حظوة عند الله. وها أنت� تحبلين وتلدين ابنا

A وابن العليB يدعى". وعلى سؤال وتسمBينه يسوع. انه يكون عظيماA؟"، يجيب المالك: "الروح مريم: "كيف يكون ذلك وأنا ال أعرف رجال

Bلك، ومن أجل ذلك فالقدBوس القدس يأتي عليك وقدرة العليB تظل(.35- 30: 1الذي يولد منك يدعى ابن الله" )لوقا

يضع لوقا عالقة بين لقب يسوع "ابن الله" والحبل به من الروح القدس في أحشاء مريم العذراء دون مباشرة رجل. وهذا الحبل

Zذكر عن إنسان آخر غير يسوع في العجيب من الروح القدس لم يBفق متى مع لوقا في ذكر الحبل بيسوع الكتاب المقدس كله. ويت

من الروح القدس: "أما مولد يسوع فكان هكذا: لما خZطبت مريمA، حبلى من الروح Zمه ليوسف، وZجد�ت من قبل أن يسكنا معا أ

(.19، 18: 1القدس" )

A: "هذا هو ابني وفي أثناء معمودية يسوع يشهد اآلب ليسوع قائال (. والشهادة ذاتها يعطيها اآلب17: 3الحبيب الذي به سررت" )متى

Oيه على جبل ثابور )متى (.5: 17ليسوع في أثناء تجل

ويسوع نفسه، عندما يسأله رئيس الكهنة في أثناء محاكمته: "هل(.64، 63: 26أنت المسيح ابن الله؟"، يجيب: "أنت قلت!" )متى

امين القتلة" الفرق الجوهري بينه yل "الكر� ويوضح يسوع في م�ث وبين من سبقه من األنبياء. فجميع األنبياء الذين جاءوا قبل يسوعروا الشعب ويجنوا من كرمه الله ثمار التوبة وأعمال اإليمان Bليبش لم يكونوا سوى خدBام لله. أما يسوع فهو ابن الله. فبعد أن يرويامون جميع الخدBام الذين أرسلهم الله إليهم، Bل كيف قتل الكر� الم�ث�رسله إليهم في األخير، A واحد، ابن حبيب، فأ يضيف: "وبقي له أيضا

117

Page 118: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

امين قالوا في ما Bأولئك الكر Bانهم سيهابون ابني. غير أن :A قائال بينهم: هذا هو الوارث. هلمBوا فلنقتله فيكون الميراث لنا. فقبضوا

(.8- 1: 12عليه وقتلوه وطرحوا به خارج الكرم" )مر

وترد الشهادة على أن يسوع هو ابن الله على فم يوحنا المعمدان: "ها هوذا حمل الله، الذي يرفع خطيئة العالم. هذا هو

الذي قلت عنه انه يأتي بعدي انسان قد تقدBم عليy ألنه كان قبلي...ZعمOد بالماء هو قال لي إن B أنB الذي أرسلني أل انا لم أكن أعرفه، إال الذي ترى الروح ينزل ويستقرB عليه هو الذي يعمBد بالروح القدس.

(.34- 29: 1فذلك ما قد عاينت وأشهد أن هذا هو ابن الله" )يو

كما ترد الشهادة نفسها على فم نثنائيل: "رابي، أنت ابن الله، (، وسائر الرسل الذين بعد أن عاينوا49: 1أنت ملك اسرائيل" )يو

A ابن الله" يسوع يمشي على الماء سجدوا له قائلين: "أنت حقا(.32: 14)متى

ويضع االنجيليون الشهادة نفسها على فم األرواح النجسة: "وكانت األرواح النجسة إذا رأته تخرB له وتصرخ قائلة: أنت ابن الله"

A لوقا 11: 3)مر (.41: 4؛ راجع أيضا

A في رسائل بولس الرسول الشهادة على أن يسوع ابن وترد مرارا الله، في إطار رسالة يسوع الخالصية، وعلى أوجه ثالثة. فيسوع هوA ابن الله الذي أرسله الله في ملء األزمنة ليفتدي العالم ويصبح أوال

بواسطته الناس أبناء الله: "لما بلغ ملء الزمان أرسل الله ابنهA تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت A من امرأة، مولودا مولودا

Bني. والدليل على أنكم أبناء، كون الله أرسل الناموس، وننال التبBا! أيها اآلب!" )غال (. ثم6- 4: 4إلى قلوبنا روح ابنه، ليصرخ فيها: أب

إنB يسوع هو ابن الله الخاص الذي قدBمه الله إلى الموت كما قدBم ابراهيم ابنه اسحق: "اذا كان الله معنا، فم�ن علينا؟ هو الذي لم

A، كيف ال يهبنا معه كل يشفق على ابنه الخاص بل أسلمه عنا جميعاA ابن الله بمعنى أنه "صورة32: 8شيء؟" )روم (. ويسوع هو أخيرا

:1(، و"صورة جوهر اآلب" )عب 25: 1الله غير المنظور" )كولسي 2 ،3.)

ان الشهادة على أن يسوع هو ابن الله قد أصبحت في القرون المسيحية األولى الداعي األكبر الستشهاد المسيحيين في

االمبراطورية الرومانية. فاالمبراطور الروماني كان يدعى "ابنBه يقدBم له السجود والعبادة كإلى إله. أما الله"، وكان الشعب كل

118

Page 119: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

المسيحيون فقد رفضوا االعتراف بلقب "ابن الله" لالمبراطور، وأعلنوا أن يسوع هو "ابن الله الوحيد" الذي له ينبغي السجود

والعبادة.

،A وتلتقي لفظة "ابن الله" مع لفظة "الرب" التي كانت تطلق أيضاكما رأينا، على االمبراطور الروماني.

وهكذا استقى الرسل والمسيحيون األوBلون من العهد القديم،Bر، في التعبير عن إيمانه، بالديانات والحضارات القديمة الذي تأث المجاورة، األلقاب األربعة: المسيح، ابن البشر، الرب، ابن الله،Oروا بواسطتها عن إيمانهم بشخص يسوع، هذا االنسان الذي ليعب

عرفوه على األرض وصZلب ومات ثم أقامه الله من بين األموات،Bوا على العالقة الفريدة في تاريخ البشرية كلها، التي تربطه وليدل

بالله.

هـ( يسوع هو "االبن" لتوضيح العالقة الفريدة التي تربط يسوع بالله، يدعو العهد الجديد

A يسوع "االبن" دون إضافة الله. ويعتبر بعض علماء الكتاب أيضا المقدس ان هذا اللقب يختلف، في أصله وفحواه، عن لقب "ابن

الله". فبينما لقب "ابن الله" هو لقب مرادف لسائر األلقاب الماسوية، كالمسيح وابن البشر، ويرجع إلى العهد القديم، وله

مقابل في الديانات القديمة وفي االمبراطورية الرومانية، فإنB لقب "االبن" يعود إلى يسوع ذاته، ويكشف لنا سرB يسوع وعالقته

الجوهرية بالله اآلب. ويرى هؤالء المفسBرون صلة وثيقة بين لقبBا" التي كان يسوع في صالته يخاطب بها الله. "االبن" ولفظة "أب وتلك لفظة آرامية ينادي بها الطفل أباه، وقد نقلتها إلينا بلفظها

اآلرامي األناجيل المكتوبة باليونانية. وهذا يدلB على أن يسوع كاند يسوع عن العهد القديم كله وعن Bيستعملها في صالته. وقد تفر

جميع معاصريه صن المعلBمين في استعمال تلك اللفظة في صالته إلى الله، ما يشير إلى ألفة خاصة بينه وبين الله. فاالنسان الذي

Bا" هو "االبن" بالمعنى المطلق. يدعو الله "أب

رين أن لقب "االبن" هو صيغة Bويرى البعض اآلخر من المفس A إلى جنب مختصرة للقب "ابن الله". ويوحنا يستعمل الذين جنبا

A يقول يسوع كأنهما مترادفان. ففي الفصل الخامس من انجيله مثال لليهود: "الحق الحق أقول لكم: انها تأتي الساعة -وها هي ذي

حاضرة- التي يسمع فيها األموات صوت ابن الله، والذين يسمعون يحيون". ثم يردف: "فكما أن اآلب له الحياة في ذاته، كذلك أعطى

119

Page 120: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A أن يدين ألنه ابن االبن أن تكون له الحياة في ذاته، وآتاه سلطانا(.27- 25: 5البشر" )

مهما يكن من أصل هذا اللقب، فالمهم بالنسبة إلى إيماننا بالمسيح هو التأكيد الذي نجده في العهد الجديد على تلك العالقة

الفريدة التي تربط يسوع بالله. فيسو�ع هو االبن الذي دفع اليه اآلب كل شيء، وهو وحده يعرف اآلب ويستطيع أن يقود الناس إليه، كما

يقول في انجيل متى: "لقد دفع إليB أبي كل شيء، وليست أحدB االبن ومن يريد االبن B اآلب، وال أحد يعرف اآلب إال يعرف االبن إال

A لوقا 27: 11أن يكشف له" ) (. ويسوع هو22: 10؛ راجع أيضا االبن الوحيد الذي في حضن اآلب، كما يقول يوحنا: "الله لم يره أحد قط؛ اإلله، االبن الوحيد الذي في حضن اآلب، هو نفسه قد

(.18: 1أخبر" )يو

Bع Bد يوحنا الوحدة بين اآلب واالبن. فبعد أن أبرأ يسوع المخل ويؤك يوم سبت، أخذ اليهود يضطهدونه، فأجابهم: "إنO أبي يعمل بال

A لقتله، ليس فقط A أعمل. فازداد اليهود لذلك طلبا انقطاع، وأنا أيضاA A ألنه كان يدعو الله أباه، مساويا ألنه كان ينقض السبت بل أيضا

نفسه بالله. فأجاب يسوع وقال لهم: الحق أقول لكم: ان االبن الA إال ما يرى اآلب يعمله، فما يفعله يستطيع من نفسه أن يعمل شيئا هذا، يفعله االبن كذلك. ألن اآلب يحبB االبن ويريه جميع ما يفعل،

A أعظم من هذه فتأخذكم الدهشة. فكما أن اآلب وسيريه أعماالA يحيي م�ن يشاء" )يو :5ينهض األموات ويحييهم، كذلك االبن أيضا

17 -21.)

ونسمع يسوع يقول في بدء صالته ألجل الوحدة: "يا أبتاه، لقدBدته أتت الساعة! فمجBد ابنك لكي يمجBدك ابنك، ويعطي -وقد قل

السلطان على كل بشر- الحياة األبدية لجميع الذين أعطيتهم له"(.2، 1: 17)يو

ان اآلب قد أعطى االبن السلطان على كل بشر. لذلك ال يصنعB إرادة اآلب: "اني قد نزلت من السماء، ال ألعمل مشيئتي االبن إال

A ما بل مشيئة الذي أرسلني. ومشيئة الذي أرسلني أن ال أتلف شيئاZقيمه في اليوم األخير. مشيئة أبي أن تكون لكل من أعطاني، بل أZقيمه في اليوم األخير" )يو يرى االبن ويؤمن به الحياة األبدية، وأنا أ

6 :38 -40.)

120

Page 121: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ويوجز يسوع وحدته مع اآلب بالعبارتين التاليتين: "أنا واآلب واحد"(.9: 14(، و"م�ن رآني فقد رأى اآلب" )يو 38: 10)يو

و( يسوع هو "الكلمة" "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، وكان الكلمة الله...

A A وسكن في ما بيننا. وقد شاهدنا مجده: مجدا والكلمة صار جسداA" )يو (.14، 2، 1: 1من اآلب البنه الوحيد، الممتلئ نعمة وحقا

إلى جانب األلقاب التي يستعملها سائر االنجيليين، يدعو يوحنا يسوع "الكلمة". وقد جمع في هذا اللقب كل ما قاله العهد القديم

-21: 7عن "كلمة الله" و"حكمة الله"، وال سيم�ا في سفر الحكمة ) (، وسفر يشوع بن36- 22: 8(، وسفر األمثال )12- 9: 9؛ 30

(. فحكمة الله كانت لدى الله قبل خلق الكون،25- 1: 24سيراخ ) وقد أرسلها الله إلى األرض لتكشف أسرار إرادته اإللهية، ثم تعود

إليه بعد إتمام رسالتها كما يقول أشعيا النبي: "كما ينزل المطر والثلج من السماء وال يرجع إلى هناك بل يروي األرض ويجعلها

A، كذلك تكون كلمتي A واآلكل طعاما تنشئ وتنبت لتؤتي الزارع زرعا التي تخرج من فمي ال ترجع إليB فارغة بل تتمB ما شئت وتنجح في

Bر يوحنا عن دور المسيح11، 10: 55ما أرسلتها له" ) (. هكذا يعب الكلمة. "فالكلمة كان لدى الله" قبل خلق العالم، "وبه خZلق كل

(. "والذي17: 3شيء". وقد أرسله الله إلى العالم ليخلBص العالم ) (. وبعد إتمام رسالته سيعود34: 3أرسله الله ينطق بكلمة الله" )

(.37- 21: 8إلى اآلب )

ما يعنيه يوحنا في لقب "الكلمة" مماثل لما أراد إظهاره العهد الجديد في لقب "ابن الله". فكما أن "االبن" هو أصدق صورة

"لآلب"، كذلك "كلمة" الله أصدق تعبير لله ولفكره وإلرادته. لذلكBانه: الكلمة التي يقول يسوع: "م�ن نبذني ولم يقبل أقوالي فله دي

نطقت بها هي تدينه في اليوم األخير، ألني لم أتكلم من نفسي، بلر به، وأعلم أن OبشZ اآلب الذي أرسلني هو حدBد لي ما أقول، وما أ

Bما أقوله على حسب ما أوصاني A إن Bة. فما أقول إذا وصيته حياة أبدي (. إنB الذي رآه الرسل وسمعوه وعاشوا50- 48: 12به أبي" )يو

د إنسان تلقBى رسالة خاصة من الله. انه "كلمة Bمعه ليس مجر (. "والكلمة هي3- 1: 1 يو 1الحياة"، انه "الحياة التي ظهرت" )

A هو ظهور الله في1: 1الله" )يو (، والحياة مرادف لله. فيسوع اذاالجسد.

121

Page 122: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

خاتمةخاتمة في ختام هذا البحث عن سرB شخص يسوع كما يبدو لنا من خاللBده العهد الجديد العهد الجديد، نوع اإلصرار مرة أخرى على ما يؤك

في كل سفر من أسفاره وفي كل صفحة من صفحاته بالنسبة إلى يسوع، أعني العالقة الوثيقة التي تربطه بالله. وتلك العالقة هي

التي توجز في النهاية سرB يسوع وشخصه. فيسوع إنسان مرتبط بالله في صميم رسالته وعمق كيانه. وال فرق، في شخص يسوع،

بين رسالته وكيانه. فرسالته هي كيانه وكيانه هو رسالته. وهذا ما ال يصحB عند سواه من البشر وال حتى عند األنبياء. فكل إنسان له كيانه

Bة عن كيانه، فإمBا الخاص به، ثم يتلقBى من الله رسالة مستقل يرفضها وإمBا يقبلها. أما في يسوع فالرسالة والكيان أمران

متماثالن. ان رسالته هي إعالن إرادة الله وإظهار محبة الله وإنشاء ملكوت الله، وإنB كيانه هو تعبير عن إرادة الله وإظهار محبة الله

وهو نفسه ملكوت الله. هذا هو المعنى العميق لأللقاب التي يدعو بها العهد الجديد يسوع: المسيح ابن البشر، وال سيم�ا الرب وابن

الله واالبن والكلمة.

A قد أوحى بذاته إلى العالم بشكل نهائي في شخص ابنه فالله إذاBر يسوع المسيح الذي هو صورة جوهره وكلمته األزلي، والذي يعب

عن كيانه أصدق تعبير. فالله عمل في شخص ابنه الذي فيه ظهرت محبة الله الالمتناهية، والله تكلBم في شخص كلمته الذي فيه عرفنا

إرادة الله النهائية وفيه سبرنا أعماق الوجود. لذلك يقول يسوع: :10(، و"أنا واآلب واحد" )يو 9: 14"م�ن رآني فقد رأى اآلب" )يو

(، ولذلك يقول يوحنا االنجيلي: "كل من ينكر االبن ليس له38( "A (، ولذلك يسوع23: 2 يو 1اآلب، ومن يعترف باالبن له اآلب أيضا

( والنور والفداء والخالص،6: 14هو "الطريق والحق والحياة" )يو (. تلك13: 22و"األلف والياء، واألول واآلخر، والمبدأ والغاية" )رؤيا

الوحدة في الرسالة بين االبن واآلب تصبح في انجيل يوحنا وحدة في الكيان: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان

A في1: 1الكلمة الله" )يو (. فوجود "الكلمة عند الله" يعني تمييزاA في األشخاص بين الكلمة والله. إال أن هذا التمييز ال يدخل انقساما

الله، وهذا ما تعنيه العبارة: "وكان الكلمة الله".

إلى هذا الحدB يصل مفهوم العهد الجديد لشخص يسوع المسيح.Bيها لسرBمن هذا المفهوم ستتابع المجامع المسكونية تقص A وانطالقا

المسيح، لتعلن في وجه البدع والهرطقات أن يسوع انسان حق وإله حق، وان فيه طبيعتين، طبيعة إلهية وطبيعة انسانية، وان كلتا

Bحدة في أقنوم واحد هو أقنوم االبن، األقنوم الثاني من الطبيعتين مت

122

Page 123: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الثالوث المقدس. كيف وصلت المجامع المسكونية إلى تلكالتحديدات والعقائد؟

هذا ما سيكون موضوع بحثنا في الفصل السادس.ــــــــــــــــــــــــــ

ادس yادس الفصل الس yالفصل الس

Bة ان في تع�اليم المج�ام�ع المسiكوني يح اإلله و�اإلنس� وع المس� ZةيسB ان في تع�اليم المج�ام�ع المسiكوني يح اإلله و�اإلنس� وع المس� Zيس�ة �ةتوطئ توطئ

A رأينا في الفصل السابق أن العهد الجديد يرى في يسوع إنسانا�ل به من الروح القدس في أحشاء مريم العذراء ووZلد وترعرع حZب وعلBم وصنع المعجزات ثم صZل�ب ومات وقام. وتعلن جميع أسفار

العهد الجديد أن هذا االنسان هو نفسه المسيح المنتظر وابن البشر الذي أرسله الله في ملء األزمنة لينشئ ملكوت الله، وتشهد أن هذا االنسان الذي عاش في الزمن هو ابن الله وكلمة الله الكائن

منذ األزل مع الله.

Bحد االنسان A هو إله وإنسان في آن واحد. ولكن كيف يت فيسوع إذا واالله في شخص واحد؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي حاول

الالهوتيون وآباء الكنيسة اإلجابة عليه منذ القرون المسيحية األولى، فكتبوا مقاالت كثيرة وعلBموا في جميع كنائس الشرق والغرب.

Bن للبعض أن تعاليم البعض اآلخر حول المسيح يسوع قد حادت وتبي عن االيمان القويم، فاتهموهم بالهرطقة. ولحسم الخالفات القائمة بين هؤالء وأولئك عقدت المجامع المسكونية، وهي مؤتمرات دينية يجتمع فيها أساقفة من كنائس المسكونة كلها في الشرق والغرب

لتحديد عقائد االيمان المسيحي. وكان كل مجمع مسكوني يصدر وثائق يعلن فيها إيمان الكنيسة القويم وعقائدها الثابتة، ويرشق

بالحرم تعاليم المبتدعين والهراطقة.

لذلك يمكننا القول ان عقائد االيمان التي أعلنتها المجامع المسكونية األولى كانت كلها، في صياغتها وتعابيرها، موجBهة ضد

�د�ع وهرطقات الكتفت الكنيسة الهراطقة. ولو لم تقم في الكنيسة ب في تعاليمها بتعاليم المسيح والرسل كما وردت في مختلف أسفار

B أنB البدع والهرطقات التي ظهرت منذ نشأة العهد الجديد. إالBميها على� توضيح تعاليم الكنيسة أرغمت أساقفة الكنيسة ومعل

المسيح والرسل في صيغ وتعابير جديدة. وقد كان هذا التوضيح

123

Page 124: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A لإلحاطة بسرB يسوع المسيح االنسان واإلله وتحديد أبعاد ضرورياZلوهيته. إنسانيته وأ

A A جديدا ال بد من االشارة إلى أن المجامع المسكونية لم تدخل شيئاB على إيمان المسيح والرسل كما ورد في أسفار العهد الجديد. إال

ق جديدة. فبينما اقتصر العهد الجديد ZرZرت عن هذا اإليمان بطB Bها عب أن على إظهار يسوع يتصرف في حياته كإنسان وإله، أوضحت

Bحد العنصران االنساني وااللهي في المجامع المسكونية كيف يتA فلسفية شخص يسوع الواحد، فأدخلت في العقائد اإليمانية ألفاظا استقتها من الفلسفة اليونانية السائدة آنذاك، كاألقنوم والشخص

والطبيعة والجوهر، وقالت ان المسيح هو شخص واحد فيطبيعتين، طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية.

B أنB تلك األلفاظ لم يكن لها المعنى ذاته في جميع المدارس إالA أن الفلسفية المنتشرة في أنحاء العالم المسيحي. وقد حدث مراراA بالهرطقة، مع أن الخالف بينها لم يكن اتهمت الكنائس بعضها بعضا على االيمان بل على األلفاظ والتعابير. إلى جانب هذا االختالف في

Bارات فكرية خاطئة �دع� حقيقية وتي األلفاظ، ال شك أنه كانت هناك بحرمتها المجامع المسكونية في إعالنها عقائد اإليمان القويم.

لذلك يجب التمييز، في ما أعلنته المجامع المسكونية، بين أمرين:A اإليمان الذي ال يمكن أن نحيد عنه، وهو نفسه إيمان فهناك أوال

A األلفاظ المسيح والرسل في جميع أسفار العهد الجديد، وهناك ثانياBوالتعابير التي فرضتها المجامع المسكونية، وقد اعتبرتها األدق

واألصحB من بين جميع األلفاظ والتعابير المتداولة في زمانها للتعبير عن هذا اإليمان. فتلك األلفاظ والتعابير يمكن مجامع مسكونية

A لتطوBر المفاهيم الفلسفية أخرى إعادة النظر فيها وتطويرها وفقاعلى مدى التاريخ.

ما هو إيمان المجامع المسكونية في ما يختص بيسوع المسيح؟وما هي األلفاظ والتعابير التي اختارتها للتعبير عن هذا اإليمان؟

الق�سم األول يسوع المسيح إنسان حقيقيالق�سم األول يسوع المسيح إنسان حقيقي

- يسوع هو الكلمة المتجسBد1A وسكن في ما بيننا" )يو (. بهذه العبارة14: 1"الكلمة صار جسدا

يؤكد يوحنا أن يسوع هو إنسان حقيقي. ولفظة "جسد" تعني هنا االنسان بكامله، وليس فقط جسد االنسان دون نفسه. فعبارة

124

Page 125: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A". فإن A أو، بترجمة أدقB، "صار بشرا A" تعني صار إنسانا "صار جسدا اللفظة اليونانية المستعملة هنا هي لفظة ، وهي ترجمة اللفظة

ر" التي يقابلها بالعربية "بشر". فما يريد يوحنا تأكيده �س� العبرية "ب هو أن كلمة الله الكائن منذ األزل عند الله قد دخل في عالمناA مثلنا، "فسمعناه، ورأيناه بأعيننا، وتأملناه، A وإنسانا وأصبح بشرا :1ولمسته أيدينا"، كما يقول في مستهلB رسالته األولى الجامعة )

Bزة لإليمان الذي1 د الكلمة العالمة الممي Bويجعل االيمان بتجس .) يسير بحسب روح الله. فيقول في رسالته األولى: "أيها األحباء، ال

تركنوا الى كل روح، بل اختبروا األرواح هل هي من الله، ألن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم. بهذا تعرفون روح الله: ان كل

روح يعترف بأن يسوع المسيح قد أتى في الجسد، هو من الله؛ وكل روح ال يعترف بيسوع ليس من الله، بل هذا روح المسيح

ال الذي سمعتم أنه يأتي؛ إنه، اآلن، في العالم" ) B3- 1: 4الدج.) ويعود الى الفكرة ذاتها في رسالته الثانية فيقول: "انه قد انتشر في العالم مضلBون كثيرون، ال يعترفون بيسوع المسيح الذي أتى

في الجسد".

(docétismeالمظهرية )

يبدو أن يوحنا يشير في قوله هذا الى فريق من "الغنوصيين" أو "أصحاب المعرفة"، الذين انتشروا بين المسيحيين منذ نهاية القرن األول. والمعرفة، في رأي هؤالء المبتدعين الذين يعود أصلهم الى

ما قبل المسيحية، ال يصل إليها اإلنسان إال إذا تخلBى عن عالمA في جذوره. لذلك A فاسدا المادة والجسد، الذي كانوا يعتبرونه عالما رفضوا اإليمان بأنB المسيح كان له جسد حقيقي، بل كانوا يعتقدون أنه اتخذ "مظهر جسد" أو "شبه جسد"، لذلك دعوا "بالمظهريين"

(doctesأو "الشبهيين" )

ان تجربة المظهرية رافقت الفكر المسيحي على مدى العصور، وال تزال قائمة في أذهان كثيرين من المسيحيين، حتى في عصرنا

الحاضر. فيسوع، في نظر هؤالء المسيحيين، إله يمشي علىBفي شبه جسد بشري. لذلك لم يحتمل مشاق A األرض مستترا

الطبيعة البشرية كما يحتملها سائر الناس. وإن جاع وعطش وتعبA يجعله يحتمل كل تلك المصاعب دون أيB ألم. وتعذBب، فكونه إلها

القديس اغناطيوس االنطاكي لقد قاوم آباء الكنيسة منذ القرون األولى ذلك التيار الفكري في

Bد أن إنكار مختلف مظاهره. فالقديس اغناطيوس االنطاكي يؤك

125

Page 126: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

حقيقة بشرية المسيح هو في الوقت نفسه إنكار حقيقة الفداء، ألنه،A B ظاهريا Bم إال إن لم يكن ليسوع سوى جسد ظاهري، فهو لم يتأل

B في الظاهر؛ وكذلك تصبح ونحن لم نحصل على الفداء إالA للعقل أن نتألم في د مظهر؛ ويصبح بذلك مناقضا Bاالفخارستيا مجر

الجسد ألجل يسوع ونحتمل ألجله االضطهاد، فكل شيء يتالشىفي تلك الظواهر. لذلك يدعو اغناطيوس المسيح "حامل الجسد".

القديس ايريناوس يعود القديس ايريناوس، أسقف ليون، الى الموضوع نفسه،

ويستند في تفكيره الى المبدأ التالي الذي سوف عبده في كل التقليد الالحق: "إن المسيح، ألجل محبته الالمتناهية، قد صار مثلنا

لكي يجعلنا مثله". فالمسيح هو قمة التاريخ البشري ومثال اإلنسان الجديد. لذلك عاش في جسده وفي حياته البشرية جميع مراحل

تطور الحياة البشرية من الطفولة حتى كمال الله.

د يفرض وجود نفس بشرية في المسيح2 Bالتجس - ال نجد في العهد الجديد أي تساؤل أو شك حول وجود نفس

بشرية في المسيح. على العكس من ذلك فاألناجيل تؤكد وجود تلكBر عن عواطفه، النفس في المسيح، وال سيم�ا عندما تصفه وهو يعب

(، والشفقة21: 10؛ مر 3: 11(، والصداقة )يو 21: 10كالفرح )لو Bى ؛ يو42، 41: 19(، والحزن حتى البكاء )لو 32: 15؛ 36: 9)مت

Bى 33: 11 (، وكلها15: 2؛ يو 5: 3؛ مر 23: 16(، والغضب )متعواطف تصدر عن النفس البشرية.

وكذلك يتحدBث االنجيليون عن طاعة يسوع وخضوعه إلرادة اآلب. فالكلمة األولى التي يضعها إنجيل لوقا على فمه هي قوله لمريم

ويوسف عندما طلباه ووجداه في الهيكل وسط العلماء: "لم� (. والكلمة49: 2تطلبانني؟ ألم تعلما أني ملتزم بشؤون أبي؟" )لو

األخيرة قبل موته هي صالته لآلب: "يا أبتاه، في يديك أستودعA )مر46: 23روحي" )لو (. ويذكر االنجيليون انه كان يصلBي مرارا

( ويصفونه في12: 6(، بل يقضي ليالي في الصالة )لو 35: 1B أنه33: 14نزاعه في بستان الزيتون "يرتاع ويكتئب" )مر (، إال

Bا، أبتاه! إنB كل شيء ممكن يستسلم بملء حريته إلرادة اآلب: "أب لديك، فأج�زi عني هذه الكأس! ولكن، ليس ما أريد أنا، بل ما تريد

(.36: 14أنت!" )مر

126

Page 127: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

لقد عرف يسوع كل شيء من الطبيعة البشرية ما عدا الخطيئة،A كما تقول الرسالة الى العبرانيين: "ان الحبر الذي لنا ليس عاجزا عن الرثاء ألسقامنا، بل هو مجرBب في كلB شيء، على مثالنا، ما

(.15: 4خال الخطيئة" )عب

إن إنكار النفس البشرية في المسيح قد دعا اليه في القرن الرابع آريوس االسكندري وأبوليناريوس أسقف الالذقية. فآريوس قد

اشتهر برفضه أزلية الكلمة وبالتالي ألوهية المسيح ومساواته لآلبBفي المسيح محل Bأن الكلمة قد حل A Bه ادBعى أيضا B أن في الجوهر، إال

النفس البشرية. أما أبوليناريوس أسقف الالذقية فكان يؤمنBه في تفسيره لوحدة الطبيعة اإللهية والطبيعة B أن بألوهية المسيح، إالBالبشرية في شخص المسيح، اعتقد أن تلك الوحدة ال يمكن أن تتم A بشر دون نفس بشرية. ثم B اذا اعتبرنا أن الكلمة قد اتخذ جسدا إال

عدBل موقفه في كتاباته األخيرة فاستخدم تقسيم أفالطون لإلنسانBة المشتركة بين اإلنسان ثالثة عناصر: الجسد، والنفس الحسي

والحيوان ) (، والنفس الروحية أو العاقلة الخاصة باإلنسان ) (. وقال ان الكلمة اتخذ من الطبيعة االنسانية الجسد والنفس

Bة، لكنه لم يتخذ النفس الروحية. واستشهد بقول يوحنا ي Bالحس A". وفي A"، وليس "الكلمة صار روحا االنجيلي: "الكلمة صار جسدا

A إلى مبدأ فلسفي يقول بأنه يستحيل على تفسير نظريته استند أوالA. ودعم حجته ببرهان A واحدا جوهرين كاملين أن يتحدا فيصيرا كائنا

الهوتي يذهب إلى أنB المسيح لو كان له نفس بشرية روحية،لتعرBض للخطيئة واستحال عليه فداء البشرية.

فلضمان قداسة المسيح، اعتبر أبوليناريوس اإلله الكلمة المبدأفاته البشرية. فالفداء، Bك األوحد لجميع أعمال المسيح وتصر Bوالمحر

في نظره، هو فقط عمل اإلله الكلمة في المسيح، أما الطبيعةد ثوب لبسه الكلمة ليقوم بعمله الخالصي. Bاالنسانية فكانت مجر

د والفداء مبني على نظرة خاطئة Bإن تفسير أبوليناريوس للتجس لعالقات الله واالنسان في العالم. فبموجب تلك النظرة، هناك

تناقض جذري بين عمل الله وعمل اإلنسان وبين حرية الله وحريةBالله محل Bوعندئذ� يحل .A اإلنسان، بحيث ال يمكن أن يوجدا معا

االنسان، ويفقد االنسان حريته وقيمة عمله.

لقد رفضت الكنيسة نظرة أبوليناريوس وحرمت تعاليمه في عدBةBم�ا في مجمع خلقيدونية المنعقد سنة ، حيث451مجامع وال سي

أعلنت أن المسيح "إله حق وإنسان حق مكوBن من نفس عاقلة

127

Page 128: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

وجسد، وانه مساو� لآلب في الالهوت ومساو� لنا في الناسوت، وقدA مثلنا في كل شيء ما خال الخطيئة". وسنعود الى هذا صار بشرا

النصB العام في القسم الثالث من هذا البحث.

ر آباء الكنيسة رفضهم لتعاليم أبوليناريوس بقولهم ان Bوقد فس فداء الجسد ال يمكن أن يتمB إال بواسطة جسد المسيح، وكذلك فداء

النفس ال يمكن أن يتمB إال بواسطة نفس المسيح. في هذا يقولA، الستحال خالص A كامال أوريجانيس: "لو لم يكن المسيح إنسانا

االنسان بكامله". وكذلك يقول القديس غريغوريوس النزينزي: "ان أيB شيء فينا ال يمكن أن يشفى ويخلص إال باتحاده بالله". لذلك لو

A بشرية روحية، Bخذ كلمة الله في شخص يسوع المسيح نفسا لم يتلم�ا خلصنا في كياننا الروحي.

وعلى برهان أبوليناريوس الفلسفي من أن جوهرين كاملين، أي الطبيعة اإللهية والطبيعة اإلنسانية، ال يمكن أن يتحدا في كائن

واحد، أجاب آباء الكنيسة والالهوتيون على مدى العصور أنB الطبيعةA على ذاته، إنما تتضمBن من صلب A منغلقا االنسانية ليست جوهرا

A على ما يتخطBاها، وهذا االنفتاح هو من خصائص كيانها انفتاحاBحد الكلمة بجسد النفس ال من خصائص الجسد، لذلك ال يمكن أن يت

بشري تنقصه نفس بشرية، ألن الجسد وحده دون النفس الA عنصر يستطيع أن ينفتح على ما يتخطBاه؛ فالنفس البشرية هي إذا

أساسي ال بدB من وجوده في المسيح لكي يتمB فيه اتحاد الكلمةبالطبيعة االنسانية.

�اني يسوع المسيح إله حقيقي �اني يسوع المسيح إله حقيقيالق�سم الث الق�سم الث أعلن اآلباء الملتئمون في مجمع نيقية إيمانهم "برب325سنة

واحد يسوع المسيح، إبن الله الوحيد، المولود من اآلب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو�

لآلب في الجوهر". وكان هذا اإلعالن أللوهية المسيح جواب الكنيسة الرسمي في أول مجمع مسكوني على نقاشات حادBة دارت بين الالهوتيين حول تعاليم آريوس االسكندري الذي كانA في شخص يسوع المسيح يقول ان كلمة الله الذي صار إنسانا

A لآلب في الجوهر، إنما هو أول خليقة خلقها A وال مساويا ليس أزلياالله.

لم تكن بدعة آريوس البدعة الوحيدة التي أنكرت ألوهية المسيح في القرون المسيحية الثالثة األولى، لكنها حلقة هامة من سلسلة

طويلة رافقت تاريخ المسيحية منذ نشأتها. ال نستطيع في هذا

128

Page 129: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

البحث التبسBط في تاريخ كل تلك البدع وتعاليمها، ألن هذا يتطلBبBدات وال يهمB إال األخصBائيين. فرأينا أن نجمع تعاليم عدBة مجل

المبتدعين الذين أنكروا ألوهية المسيح في ثالثة تيارات أو اتجاهاتBعقائدية خاطئة حرمتها الكنيسة إذ رأت أنها، في عرضها لسر

A وجه المسيح A جسيما المسيح وعالقته بالله اآلب، قد شوBهت تشويهاووجه اآلب.

(Modalisme- الشكالنية )1 االتجاه األول أراد المحافظة على وحدانية الله ووحدانية مبدأ

Bا بوجود الكون، لكنه رأى أن تلك الوحدانية ال يمكن أن تثبت إذا آمن ثالثة أقانيم في الله؛ لذلك اعتقد أن الثالوث األقدس ليس فيA ظهر لنا في ثالثة أشكال أو أحوال: حال A واحدا الواقع إال أقنوما

اآلب، وحال االبن، وحال الروح القدس. وعليه دعيت تلك البدعة(، أو بدعة المبدأ الواحد )modalisme"الشكالنية" أو "الحاالنية" )

Monarchianisme)

فالتمييز في الله، بموجب تلك البدعة، ليس بين أقانيم متساوية في الجوهر؛ بل بين أحوال وأشكال ثالثة اتخذها اإلله الواحد في

الزمن. لذلك نستطيع أن نخلع عليه ثالثة أسماء، فندعوه تارة اآلبA، وتارة د وصار إنسانا Bألنه مبدأ الكون وخالقه، وتارة االبن ألنه تجس

الروح القدس ألنه يمألنا بحضوره.

لقد انتشرت هذه البدعة في آسية الصغرى ورومة وشمالي أفريقية في أواخر القرن الثاني وفي النصف األول من القرن

ر في أزمير بين سنة Bالثالث. ومن أهم دعاتها نوئيطوس الذي بش ، وبراكسياس الذي نشر تعاليمه في قرطاجة200 وسنة 180

ورومة، وصابيليوس أسقف بطوليم�ائيس في الخمس المدن، وقدA باسمه: كان له تالمذة كثيرون في رومة، ودZعيت البدعة نفسها أيضا

الصابيلية.

A لتعاليم نوئيطوس في كتاب "دحض جميع الهرطقات" نجد دحضا235A- 170المنسوب إلى القديس ايبوليتوس الروماني ) (، ودحضا

لتعاليم براكسياس في كتاب لترتوليانوس عنوانه "ضد براكسياس".خ افسافيوس أسقف قيصرية في كتابه "تاريخ Bويذكر المؤر

(264- 190( أن ديونيسيوس أسقف االسكندرية )6: 7الكنيسة" ) كان ينعت أصحاب تلك البدعة بالتجديف والكفر وعدم االحترام

لآلب واالبن والروح القدس. كما نجد ذكر الصابيلية بين البدع التي

129

Page 130: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

يجب نبذها، في القانون األول من قوانين المجمع المسكوني الثاني ، وكانت تلك البدعة قد فقدت381المنعقد في القسطنطينية سنة

B أنB آراءها كانت ال تزال شائعة عند عندئذ� قوBتها كتنظيم خاص، إالبعض فئات من الناس.

لماذا حرمت الكنيسة تلك البدعة؟ وماذا نستطيع أن نستنتج منهذا الحرم بالنسبة الى إيماننا بالمسيح؟

Bز في الله بين األقانيم يقوم ضالل تلك البدعة على أنها لم تمي الثالثة والجوهر الواحد. اعترفت بألوهية المسيح، لكنها قالت ان

المسيح هو نفسه الله اآلب. وينتج من هذا القول أن اآلب نفسه هوA د في الزمن في أحشاء مريم العذراء ووZلد منها طفال Bالذي تجس Bم وصZلب ومات وقام، ممBا يناقض مناقضة صريحة كل تعاليم وتأل

العهد الجديد حول المسيح واآلب. فالمسيح الذي عاش على األرض هو ابن الله الذي جاء ليتمBم في حياته إرادة أبيه؛ واالبن واآلب

A إلرادة اآلب، أقنومان أو شخصان متميزان؛ واالبن هو الذي، تتميماA عن الجسد واأللم ها Bقبل األلم والصلب والموت؛ أما اآلب فبقي منز

والموت.

Bدته الكنيسة في رفضها تعاليم تلك البدعة، وما يجب أن إنB ما أكد. فالله "هو Bالتجس Bالله وتعاليه في سر Bهو سمو ،A Bده اليوم أيضا نؤك

هو أمس� واليوم وإلى األبد"، ال يمكن أن يتحوBل فيصير من حال إلىBر فينتقل من شكل الى شكل. هذا ما تعلنه حال، وال أن يتغي

Bفق مع سائر د اآلب. وفي هذا تت Bالمسيحية في رفضها القول بتجس Bها تدخل B أن الديانات التي تؤمن باإلله الواحد، كاليهودية واإلسالم، إال

Bد، إلى جانب سموB الله كثر من تلك الديانات في سرB الله، فتؤك وتعاليه، قربه من االنسان. والله لم يقترب من االنسان فقط، كماBم به في اليهودية واالسالم، بما أوحاه إلى أنبيائه وبالكالم الذي تكل

على ألسنتهم، فالمسيحية تؤمن أن اقتراب الله من االنسان هوA، والكلمة هو اقتراب شخصي. فكلمة الله هو نفسه صار بشرا شخص في الله: انه األقنوم الثاني من الثالوث األقدس. وهذا

A األقنوم هو الذي أخذ من مريم العذراء طبيعة بشرية وصار إنساناA مثلنا لأللم والموت. خاضعا

A، سموB الله، Bد، في شخص المسيح أيضا B أن المسيحية تعود فتؤك إال فتقول ان المسيح لم يخضع لأللم والموت إال في طبيعته البشرية. وهذا ما ستوضحه الكنيسة في المجامع الالحقة التي سنأتي على

ذكرها في القسم الثالث من هذا البحث.

130

Page 131: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bة )2 Bوي (Adoptianisme- التبن االتجاه الثاني الخاطئ الذي يؤدBي إلى إنكار ألوهية المسيح انطلقك بوحدانية الله، فأنكر الثالوث األقدس، واعتقد أن Bمن التمس A أيضا

Bة Bاه الله ومنحه سلطة إلهي يسوع المسيح ليس سوى إنسان تبنلتتميم رسالته.

لقد سار في هذا االتجاه منذ القرن األول بعض النصارى من اليهود، الذين آمنوا أن يسوع هو المسيح، لكنهم رفضوا االعتراف

بأنه ابن الله المولود من اآلب منذ األزل. ومن بين هؤالء اليهود النصارى يذكر القديس ايريناوس في القرن الثاني بدعة االبيونيين

د إنسان وZلد من مريم Bالذين كانوا يقولون ان يسوع هو مجر ويوسف، وانه كان أقدس جميع الناس، وقد حلB عليه في أثناء

معموديته كائن سماوي هو المسيح. وتلك البدعة لم تكن تعترف إالA وترفض كل رسائله Bى، وكانت تعتبر بولس الرسول كافرا بإنجيل مت

وتعاليمه، وتلتزم جميع تعاليم الناموس الموسوي ووصاياه.

A إلى إنكار ألوهية المسيح وفي أواخر القرن الثاني، دعا أيضا ثيوذوتس البيزنطي الذي جحد إيمانه في أثناء اضطهاد حدث ضد المسيحيين، فهرب من بيزنطية والتجأ إلى رومة؛ ولتبرير جحوده

A، ألن المسيح ليس سوى A، بل أنكر إنسانا قال انه لم ينكر إلهاإنسان.

وأشهر القائلين ببدعة التبنوية، وقد دZعيت كذلك ألنها تقول انBاه الله، بولس السميساطي الذي نشأ في د إنسان تبن Bيسوع هو مجر A على "ساموساطة" في ما بين النهرين على الفرات، ثم صار أسقفا

، حين حرمه مجمع محلBي272 حتى سنة 260انطاكية من سنة Bه. وكان يقول ان الله والكلمة شخص واحد وأقاله عن كرسي

A. أما يسوع فاعتبره A واحدا كاالنسان الذي يكوBن هو وفكره شخصاA. فالله قد مأله، اكثر من سائر A عرضيا Bحد بالله اتحادا د إنسان مت Bمجر A من أن ندعوه األنبياء، من الحكمة اإللهية والقوة اإللهية. فال مانع إذا

A، ولكن ليس بصورة بيانية. لذا كان أتباع بولس السميساطي إلها يذكرون اسم اآلب واالبن والروح القدس في إتمام سرB المعمودية،

ولكنهم لم يستعملوا تلك الكلمات بمعناها الحقيقي. لذلك حدBد من قوانين المجمع المسكوني األول المنعقد في نيقية19القانون

: "ان أتباع بولس السميساطي الالجئين الى الكنيسة325سنة الجامعة، يجب أن تعاد معموديتهم".

131

Page 132: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bوية هو إن ما أرادت الكنيسة تأكيده في رفضها تعاليم بدعة التبنA مثلنا، لكان د إنسان. لو كان يسوع فقط إنسانا Bيسوع ليس مجر Bأن

A مثلنا في عالقته بالله. وعندئذ� يمكننا أن نتسائل: لماذا نتبعه أيضار به وندعو الناس إلى أن Bآخر؟ ولماذا نبش A هو، وال نتبع معلما

يعتمدوا باسمه؟ يعلن االيمان المسيحي أن عالقة االنسان باللهد إنسان كسائر Bالمسيح لم يكن مجر Bبالمسيح، ألن Bيجب أن تمر

A د نبيB كسائر األنبياء، واتحاده بالله لم يكن اتحادا Bالناس، وال مجر A: انه من ذات جوهر اآلب. وهذا ما A جوهريا A، بل كان اتحادا عرضيا

ستؤكده الكنيسة بوضوح في رفضها تعاليم آريوس.

- اآلريوسية3بدعة آريوس

Bاتخذت اآلريوسية اسمها من الكاهن المبتدع آريوس. كان ليبي المنشأ، وتعلBم في مدرسة انطاكية لدى لوكيانوس الشهير، ثم

A سنة A إلحدى310انتقل إلى مصر حيث رZسم كاهنا ، وأصبح خادما كنائس اإلسكندرية، وبسبب تعاليمه المناقضة لإليمان القويم، حرمه

برئاسة االسكندر320مجمع محلBي عZقد في االسكندرية سنة A صديقه أسقف تلك المدينة، فالتجأ الى نيقوميذية حيث كان أسقفا

أوسابيوس المؤرخ، وألBف هناك، لنشر تعاليمه، كتاب "الوليمة"، وهو مزيج من النثر والشعر واألناشيد الدينية الشعبية. وانتشرت

أفكاره وتعاليمه في مختلف كنائس الشرق والغرب، وانقسم 325المسيحيون بين مساند له ومناوئ. فالتأم في نيقية سنة

المجمع المسكوني األول وحرم بدعته، فنفاه عندئذ االمبراطورBه عاد فعفا عنه بعد بضع سنوات. لكن اثناسيوس B أن قسطنطين، إال

أسقف االسكندرية رفض استقباله، فحصل له أتباعه أن يلتحقB أنه توفي سنة قبل دخوله336بإكليروس القسطنطينية، إال

المدينة.

إنB تعاليم آريوس يمكن إيجازها في النقاط التالية: أ( إنB الله واحد أحد، أزلي غير مولود، وكل ما سواه من الكائنات

مخلوق من العدم بإرادته الحرة.

ب( إنB الكلمة كائن وسط بين الله والخالئق؛ فالله قد خلقه من العدم قبل سائر الخالئق، ثم أعطاه أن يخلق جميع المخلوقات؛

A، فهو إله ثان� أدنى من الله. وهذا لذلك نستطيع أن ندعوه إلها

132

Page 133: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

التمييز بين اإلله األول واإلله الثاني، استقاه آريوس من الفلسفةاألفالطونية.

A من ج( كذلك نستطيع أن ندعو الكلمة "ابن الله" أو "مولوداA. فالكلمة Bيا B أنB تلك البنوBة االلهية ليست في الواقع إال تبن الله"، اال

A الستحقاقاته. �قه، استباقا Bاه الله منذ خل ليس من جوهر الله، إنما تبنBي هذه أخذها آريوس عن بولس السميساطي. وفكرة التبن

Bه مخلوق، فهو معرBض من طبيعته للخطيئة، د( إنB الكلمة، بما أن لكنه في الواقع استطاع أن يحيا حياة قداسة وكمال ولم يسقط

قط في الخطيئة. فهو أدنى من الله، ولكنه أقدس جميع الخالئق،Zخلق كائن أعلى منه. وال يمكن أن ي

A ليس من هـ( إنB الروح القدس هو أوBل خالئق الكلمة، وهو أيضاجوهر الله.

مجمع نيقية أسقف، وحكموا على300 التأم في نيقية حوالى 325سنة

آريوس وأعلنوا تعاليمه مناقضة لإليمان القويم، وأوجزوا إيمانهم في القسمين األول والثاني من قانون اإليمان الذي ال نزال نتلوه اليوم،

أي من أوBله حتى عبارة "وبالروح القدس". ونالحظ في معظمA لتعاليم آريوس. التعابير المتعلقة بيسوع المسيح دحضا

فيسوع هو "ابن الله الوحيد، المولود من اآلب قبل كل الدهور". وبينما كان يقول آريوس ان الكلمة قد خلقه الله من العدم، يعلن

المجمع أنه "مولود غير مخلوق". والفرق كبير بين الخلق والوالدة.A في الجوهر والطبيعة، أمBا الوالدة فتعني أن فالخلق يعني اختالفا

ابن الله هو من ذات جوهر الله.

لذلك يضيف قانون اإليمان أن يسوع المسيح هو "مساو� لآلب في الجوهر"، أو، ترجمة أدقB، "واحد مع اآلب في الجوهر". والجوهر هنا

هو جوهر األلوهة أو الطبيعة اإللهية. فكما أن اآلب إله، هكذا االبنA إله، واآلب واالبن لهم�ا جوهر واحد، أي طبيعة إلهية واحدة. أيضا

Bز عنه في األقنوم. B أنه متمي فاالبن واحد مع اآلب في الجوهر، إال واألقنوم كلمة سريانية ترجم بها اآلباء كلمة اليونانية، وتعني

الشخص، أي الكائن الذي يقوم به الجوهر. فالجوهر ال يمكن أنA ال يمكن أن يقوم دون كائن فرد يحمله. فالطبيعة اإلنسانية مثال

133

Page 134: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

توجد دون إنسان فرد، دون شخص بشري يحملها، فتقوم به إلىB الوجود. كذلك جوهر الله هو واحد، والطبيعة اإللهية هي واحدة. إال

أنB تلك الطبيعة تقوم في ثالثة أشخاص ندعوهم أقانيم، ألنه بهم يقوم جوهر الله أو الطبيعة اإللهية الواحدة: أقنوم اآلب، وأقنوم

االبن، وأقنوم الروح القدس. وأقنوم االبن هو الذي تجسBد فيشخص يسوع المسيح.

إن الفرق في النظرة الى يسوع المسيح بين آريوس وآباء نيقيةA الثالوث أن آريوس يعتبر المسيح خليقة، فينكر الوهيته وينكر معا

A، في رأي آريوس، د وصار إنسانا Bد الله. فالذي تجس Bاألقدس وتجس ليس الله، بل كائن وسط بين الله واإلنسان، وفي الواقع كائن

أقرب إلى اإلنسان منه إلى الله، ألنه مخلوق من الله.

أما آباء نيقية فقد أعلنوا أن الذي ظهر لنا في يسوع المسيح ليسA بين الله واإلنسان، بل الله نفسه في شخص كلمة اآلب A وسطا كائنا

األزلي وابنه الوحيد، الواحد معه في الجوهر.

Bز عليه اليوم، عندما نتكلBم عن ألوهية وهذا ما يجب أن نركA بكائن وسط A أسطوريا المسيح. إيماننا بألوهية المسيح ليس اعتقادا بين الله واإلنسان، نزل في أحد األيام من أعالي السماء ودخل في إنسان. أن مثل هذا االعتقاد نجده في بعض الديانات القديمة، وهو ال يمتB إلى المسيحية بشيء. إيماننا المسيحي هو اإليمان بأن الله

نفسه، في كيانه وشخصه، قد حضر إلينا في شخص يسوع المسيح. فم�ن رأى يسوع رأى الله، وم�ن اتحد بيسوع اتحد بالله، وم�ن اعتمد

باسم يسوع اعتمد باسم الله.

وألن الله نفسه قد حضر إلينا في شخص يسوع، فيسوع يستطيعA آباء الكنيسة. فلو Bهنا. هذا هو البرهان الذي ردBده مرارا أن يؤلد إنسان الستحال عليه أن يوصلنا إلى الله. Bاعتبرنا يسوع مجر

ولكن، بما أن يسوع إله، فهو يستطيع أن يوصلنا إلى الله. هذا هو المعنى العميق للعقيدة المسيحية القائلة ان يسوع نفسه الكلمة

د، األقنوم الثاني من الثالوث األقدس، وانه إله حق وإنسان Bالمتجس حق، وانه شخص واحد في طبيعتين، طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية.

كيف يجب أن نفهم العالقة بين الطبيعتين في شخص يسوعقت إليه المجامع المسكونية التي تلت مجمع Bالواحد؟ هذا ما تطر

نيقية.

134

Page 135: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

�الث يسوع المسيح شخص واحد �الث يسوع المسيح شخص واحد الق�سم الث الق�سم الثفي طبيعتين طبيعة إلهية وطبيعة إنسانيةفي طبيعتين طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية

A، إبن� A وإلها A إنسانا كيف يمكن أن يكون شخص واحد في آن� معا مريم وإبن الله؟ لقد أجابت الكنيسة على هذا السؤال في ردBها

على ثالث بدع ظهرت تباعAا من القرن الرابع حتى القرن السابع:بدعة نسطوريوس وبدعة أوطيخا وبدعة "المشيئة الواحدة"

أ- البدعة النسطورية- نسطوريوس ولقب "والدة االله" 1

ان موضوع وحدة الشخص في المسيح قد طرح بشكل دقيق في معرض النقاش الذي احتدم مع نسطوريوس بطريرك القسطنطينية حول استعمال لقب "والدة االله" لمريم العذراء. ولد نسطوريوس

في مرعش من اعمال سورية على الفرات، ودرس في انطاكية ،428وترهBب فيها. ثمB انتخب بطريركا على القسطنطينية سنة

Bم�ا ضد اتباع وراح في عظاته يدافع عن االيمان القويم، وال سي ابوليناريوس وآريوس. ورأى في لقب "والدة االله" الذي كان يطلق

على مريم العذراء في القسطنطينية لقبا خاطئا يقود الى تعاليم هذين المبتدعين: فالقول بأنB مريم هي "والدة االله" يسوع يعني

أمرين: إمBا أنB يسوع ليس انسانا كامال، وهذا ما كان يقوله ابوليناريوس، وإمBا أنB يسوع هو الله مخلوق، وهذا ما كان يقوله

آريوس.

بلغ الخبر القديس كيرلس أسقف االسكندرية، وكان لقب "والدةA في تلك المدينة، فراح يداه عن هذا اللقب االله" يستعمل أيضاBهم نسطوريوس بالهرطقة. فقد رأى كيرلس انB رفض هذا ويت

اللقب لوالدة يسوع ينتج منه رفض لوحدة الشخص في يسوع. فيسوع هو شخص واحد، ووحدة الشخص فيه تفرض ان تطلق عليه خصائص الطبيعتين معا: الطبيعة االلهية والطبيعة االنسانية. فيمكننا القول بأنB ابن الله وZلد من مريم، ونعني بذلك أنه ولد منها بحسب

طبيعته البشرية، كما يمكننا القول بأنB ابن مريم قد خلق الكون، ونعني بذلك انه خلقه بحسب طبيعته االلهية. وهذا ما يدعوه

Communication desالالهوتيون "اتصال الخصائص" )idiomesمريم هي والدة Bالقول بأن Bوانطالقا من هذا المبدأ يصح .)

Bها خلقت شخص ابن الله، إذ إنB هذا Bها خلقت الله، أو ألن االله، ال ألن الشخص كائن منذ األزل مع الله وهو الذي خلق مريم، بل ألنB هذا

الشخص الذي اعطته جسدا، وحملته في احشائها مدة تسعة أشهر

135

Page 136: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ثمB ولدته، هو نفسه ابن الله الكائن منذ األزل مع الله والذي صارمنها انسانا.

أمBا رفض نسطوريوس وأتباعه تطبيق خصائص الطبيعتين على شخص يسوع فيعني، في نظر كيرلس، االعتقاد أنB يسوع ليس

شخصا واحدا بل فيه شخصان، شخص إلهي وشخص بشري،Bحدان معا اتحادا خارجيا عرضيا. لذلك اراد كيرلس ان يفرض مت

على خصومه القبول بعبارة "االتحاد الشخصي" في المسيح بينB أنB نسطوريوس العنصرين، العنصر االلهي والعنصر االنساني. إال وأتباعه رفضوا تلك العبارة، ألنB لفظة الشخص، بحسب الفلسفة

بينها، تعني "الطبيعة"، والمبدأ السائد في Bاالنطاكية التي كانوا متشر الفلسفة االنطاكية كان أنB "كل طبيعة كاملة هي شخص". فقول

كيرلس بأنB االله واالنسان اتحدا في يسوع "اتحادا شخصيا" يعني، في نظر نسطوريوس وأتباعه، انهما أصبحا طبيعة واحدة؛ لذلك

Bهمون كيرلس بالسقوط في بدعة ابوليناريوس. أمBا تطبيق كانوا يتA ألنه يقود، في خصائص ابن على شخص واحد فقد رفضوه أيضاBم ومات في طبيعته االلهية. زعمهم، الى القول بأنB المسيح تأل

خي الالهوت اليوم أنB افكار نسطوريوس لم Bلذلك يرى بعض مؤر تكن خاطئة، وأنB خالفه مع كيرلس لم يكن سوى خالف على

األلفاظ. وإنB ما نبذه مجمع أفسس في البدعة النسطورية ليسبتعاليم نسطوريوس بل التفسير الذي اعطاه كيرلس لتلك التعاليم.

(431- مجمع أفسس )2 مهما يكن من أمر تلك النظرة، فاألزمة النسطورية أرغمت آباء

الكنيسة على توضيح إيمانهم في وحدة الشخص في المسيح. وهذا�فسس، ما صنعوه في المجمع المسكوني الثالث الذي عقد في أ

، وأعلنوا خالله موافقتهم على الرسالة431مدينة العذراء، سنة التي كان كيرلس قد بعث بها الى نسطوريوس. وأهمB ما جاء فيها:

Bحد به اتحادا "اننا نعترف بأنB الكلمة صار واحدا مع الجسد، اذ ات شخصيا. فنعبد الشخص الواحد، االبن، والرب، يسوع المسيح. اننا ال

Bهما اتحدا الواحد نفرق بين الله واالنسان وال نفصل بينهما وكأن باآلخر اتحاد كرامة وسلطة. فهذا القول ليس سوى كالم فارغ. وال ندعو الكلمة المولود من الله مسيحا آخر غير المسيح المولود من امرأة. انما نعترف بمسيح واحد هو الكلمة المولود من اآلب وهو

الذي اتخذ جسدا".

136

Page 137: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

أمBا عن العذراء فتقول الرسالة: "بما أنB العذراء القديسة قد ولدت بالجسد االله الذي صار واحدا مع الجسد بحسب الطبيعة،

فإننا ندعوها والدة االله".

لقد رافقت هذا المجمع أحداث معقBدة. ففي أواسط حزيران سنةBلون جميع431 �فسس حوالي مئتي أسقف يمث ، وصل الى أ

الكنائس، ما عدا وفد أنطاكية الذي كان يرئسه يوحنا بطريرك 22انطاكية، ومندوبي بابا رومة الذين تأخروا في السفر. وفي

حزيران، إذ كان موعد افتتاح المجمع قد انقضى، دعا كيرلس االسكندري االساقفة الحاضرين الى مباشرة اعمال المجمع. ودعي نسطوريوس الى الحضور ثالث مرات، فرفض. فقرئ قانون ايمان

نيقية ثم رسالة كيرلس الى نسطوريوس فجواب نسطوريوس فوافق اآلباء على رسالة كيرلس وحكموا على نسطوريوس واعلنوا

Bه. في اليوم نفسه إقالته عن كرسي

وبعد بضعة ايام قدم يوحنا مع اساقفة انطاكية، وقد كانوا منBذي نسطوريوس. وفي حزيران حكموا على كيرلس لكونه26محب

ف خالفا للشرع الكنسي، ورأوا في اقواله سقوطا في ضالل Bتصر ابوليناريوس وآريوس.

وفي أوBل تموز وصل مندوبو البابا. وبعد سماعهم محضر جلسةBتوا الحكم على22 حزيران وافقوا على كل ما جاء فيها وثب

نسطوريوس. ومن ثمB حرم المجمع يوحنا بطريرك انطاكية. وإزاء هذا البلبال أمر االمبراطور بإقفال المجمع وتوقيف كيرلس

B أنB كيرلس استطاع بعد بضعة اشهر العودة ونسطوريوس معا. إالBه. أمBا نسطوريوس فنفي الى ديره األوBل قرب أنطاكية الى كرسي

ثم الى احد أديرة صعيد مصر.

(433- قانون الوحدة )3قت الكنيسة، Bفسس ومز� بعد االحداث األليمة التي جرت في أ

عمل يوحنا بطريرك أنطاكية مع بعض االساقفة على إعادة السالمBم�ا بين أنطاكية واالسكندرية. واعيدت الوحدة الى الكنيسة والسي

بعد أن تمB االتفاق على قانون االيمان التالي الذي دعي433سنة بقانون الوحدة وهو من وضع الهوتي أنطاكية: "اننا نعترف بأنB ربنا يسوع المسيح، االبن الوحيد لله، هو الله حق، وانسان حق مؤلBف من نفس عاقلة وجسد؛ وانه ولد من اآلب قبل كل الدهور بحسب

الوهيته؛ وانه هو نفسه، في األزمنة األخيرة، ولد، ألجلنا وألجلBته؛ وأنه مساو� لآلب في خالصنا، من مريم العذراء بحسب بشري

137

Page 138: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bة. فقد الجوهر بحسب األلوهية، وكذلك مساو� لنا بحسب البشريB بمسيح واحد وابن واحد صار اتحاد من طبيعتين؛ لذلك ال نعترف إالBاختالط، نعترف بأن Bورب واحد. وبسبب هذا االتحاد المنزه عن أي العذراء القديسة هي والدة االله، ألنB االله الكلمة قد صار جسدا، قد صار انسانا، واتحد، منذ، لحظة الحبل به، بالهيكل الذي أخذه

منها".

قبل كيرلس هذا النص والعبارة الواردة فيه والتي تتكلم عنB أنB بعضا من أتباعه رفضوا تلك العبارة، "االتحاد من طبيعتين". إال

وهم الذين سيرفضون في ما بعد قرار مجمع خلقيدونية وسيدعون"القائلين بالطبيعة الواحدة".

د انسان متحد Bما رفضه مجمع أفسس هو أن يكون يسوع مجر Bإن بكلمة الله اتحاد حرية واختيار. فهذه النظرة "تنقض سرB التجسد

من أساسه"، كما كتب المجمع في خالصة اعماله التي أرسلها الى البابا كلستينوس. ألنB التجسد ال يعني اتحادا خارجيا بين الله

وانسان، بل انB االله الكلمة نفسه صار انسانا، اي اتخذ الى جانبطبيعته االلهية طبيعة بشرية دون دمج أو اختالط بين الطبيعتين.

هذا ما سيعالجه بوضوح المجمع الخلقيدوني في ردBه على بدعةالقائلين بالطبيعة الواحدة.

ب- بدعة الطبيعة الواحدة في المسيح" )Monophysisme)

- اوطيخا1 نشأت هذه البدعة مع اوطيخا الذي كان رئيس دير في

بدا أنB تعليمه حول448القسطنطينية يضمB ثالث مئة راهب. وسنة سرB التجسد كان مناقضا لإليمان القويم، إذ يقول انB طبيعتي

المسيح، الطبيعة االلهية والطبيعة االنسانية، اتحدتا وصارتا بعد التجسد طبيعة واحدة. ولتبرير موقفه كان يستند الى عبارة

استعملها القديس كيرلس االسكندري: "الطبيعة الواحدة المتجسدةلالله الكلمة".

ال شك أنB كيرلس كان يستعمل تلك العبارة التي ظنB انها منBه كان B ان القديس اثناسيوس وهي في الواقع من ابوليناريوس. إال يعني بلفظة "طبيعة" الشخص الفرد، إذ كان يقول ان يسوع هو

"طبيعة واحدة" مكوBنة من عنصرين، عنصر الهي وعنصر انساني،أي ان يسوع هو "كائن فرد"، "شخص واحد"، اله وانسان معا.

138

Page 139: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

اما في لغة انطاكية والقسطنطينية فكانت لفظة "طبيعة" تعنيBزها بعضها عن بعض. ففي هذا الخصائص التي تحدBد الكائنات وتمي

المعنى تتميز الطبيعة االنسانية عن الطبيعة الحيوانية بخصائصBز الطبيعة االلهية عن الطبيعة محددة كالعقل والحرية. وكذلك تتمي االنسانية باألزلية والقدرة والتنزه عن األلم والفساد والموت. وهذاA بلفظة طبيعة، فنقول ان في المسيح طبيعتين، ما نعنيه اليوم أيضا طبيعة الهية وطبيعة انسانية. وقد وافق كيرلس على استعمال تلك

كما433اللفظة في هذا المعنى بموافقته على قانون الوحدة سنة رأينا. أما في كتاباته السابقة فكانت لفظة "طبيعة" تعني الكائن

الفرد. وللتعبير عن طبيعتي المسيح كان يستعمل لفظة التي تعني "العنصر" أو "الشيء"، أو لفظة التي تعني "األقنوم" أو "الشخص"،

وقد استعملها كيرلس بمعنى "الجوهر".

خون: عندما كان أوطيخا يقول ان المسيح Bوهنا يتساءل المؤر "طبيعة" واحدة بعد التجسد، فماذا كان يعني بلفظة "طبيعة"؟ فاذا

كان يعني بها "الشخص"، على غرار كيرلس، يكون تعليمه قويمAا؛Aا، أما اذا كان يعني بها خصائص الشخص، فعندئذ يصبح تعليمه خاطئ

ألن الخصائص االنسانية والخصائص االلهية في المسيح تبقى كما هي بعد تجسد الكلمة، وتنسب الى شخص واحد، كما رأينا في

األزمة النسطورية.

(449- مجمع اللصوص في أفسس )2 مهما يكن من أمر اوطيخا ونواياه، فقد بدا أنB تعليمه مناقض

فالبيانوس بطريرك449لإليمان القويم. لذلك حرمه سنة القسطنطينية. فطلب اوطيخا الى االمبراطور تيوذوسيوس أن يدعو

الى مجمع للبحث في تعاليمه، فدعا االمبراطور الى مجمع�فسس سنة B أنB ذيوسقورس، الذي449مسكوني عقد في أ . إال

بعد وفاة كيرلس،444كان قد انتخب اسقفا على االسكندرية سنة ترأس المجمع، وبمؤازرة اساقفة مصر وقوة سواعد زمرة من

Bهم، فرض رأيه على جميع آباء الرهبان المتعصBبين وضربات عصيBهم التي135المجمع، وكان عددهم ر اوطيخا من كل الت Bوبر ،

yم�ا فالبيانوس ألصقت به، وحرم بعض مناوئيه من األساقفة، والسي بطريرك القسطنطينية الذي توفي بعد ثالثة ايام متأثرا بجراح

الضربات التي انهالت عليه في المجمع. فهرب موفدو البابا الون حاملين رسائل االستدعاء من ضحايا هذا المجمع الذي دعي بحق

"مجمع اللصوص".

139

Page 140: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(451- مجمع خلقيدونية )3 توفي االمبراطور تيوذوسيوس وخلفه مركيانوس، فدعا450سنة

التأم في خلقيدونية المجمع451الى مجمع جديد. وسنة المسكوني الرابع برئاسة موفدي البابا الون. فحرم هذا المجمع

فه الشاذ في مجمع Bاوطيخا لتعاليمه الخاطئة وذيوسقورس لتصر أفسس، وقرئت الرسالة التي كان البابا الون قد بعث بها الى

. وأهمB ما جاء في هذه449فالبيانوس بطريرك القسطنطينية سنة الرسالة قول البابا عن طبيعتي المسيح: "ان الذي هو الله حق هو نفسه انسان حق. وليس في هذا االتحاد اي خداع. فاتضاع االنسان

Bر وسمو الله حاضران معا في عالقة تبادل. وكما أنB االله ال يتغي عندما يتحنن على الجموع، كذلك االنسان ال يذوب في الكرامة

االلهية. فانB كلتا الطبيعتين تعمل، باالتحاد مع األخرى، ما هو خاص بها. فالكلمة يعمل ما هو خاص بالكلمة، والجسد يحقBق ما هو خاص

بالجسد. احدهما يشرق بالعجائب واآلخر يخضع لالساءات التي توجBه اليه. وكما أن الكلمة لم ينفصل عن مساواة مجد اآلب، كذلك

الجسد لم يفارق طبيعتنا البشرية. واحد هو، وهو نفسه -وهذا ما يجب ترداده مرارا- حقا ابن الله وحقا ابن االنسان. فهو الله ألنه

"في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله"، وهو انسان "ألن الكلمة صار جسدا وسكن في ما بيننا". هو اله ألنه

"به كوBن كل شيء، وبدونه لم يكن شيء واحد ممBا كوBن"، وهو انسان ألنه "مولود من امرأة، مولود تحت الناموس". فوالدة

الجسد هي ظهور الطبيعة البشرية، والوالدة من عذراء هي عالمةالقدرة االلهية".

ثم تتابع الرسالة: "وبسبب وحدة الشخص هذه التي تجمع بين الطبيعتين نقول ان ابن االنسان نزل من السماء، عندما نتكلم عن اتخاذ ابن الله جسدا من العذراء التي ولد منها. وعلى العكس من

ذلك نقول ان ابن الله صلب ودفن، بينما لم يتعذBب في الوهيته نفسها -تلك االلوهية التي بها ولد من الله منذ األزل وبها هو مساو�

لآلب في الجوهر- انما في ضعف الطبيعة البشرية. لهذا السببنعلن في قانون اإليمان ونعترف ان ابن الله الوحيد صلب ودفن".

أمBا عن اوطيخا فيقول البابا في رسالته: "ان اوطيخا قد أجاب على سؤالكم بقوله: اني اعترف بأنB ربنا مؤلBف من طبيعتين قبل التجسد، أمBا بعد التجسد فال أقرB اال بطبيعة واحدة. إني اتعجب من

ان هذا االعتراف الفاسد والقول الكافر لم يشجبه احد منكم... فانه من الكفر القول بأنB ابن الله الوحيد كان مؤلفا قبل التجسد من

140

Page 141: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

طبيعتين؛ وال يقلB عن ذلك كفرا القول اآلخر انه بعد التجسBد ليسفيه سوى طبيعة واحدة".

وافق آباء المجمع على رسالة البابا الون هاتفين: "هذا هو إيمان الرسل، هكذا كلنا نؤمن، وهكذا يؤمن المستقيمو الرأي..."، ثم

أعلنوا تحديدهم للعقيدة القويمة. وأهم ما جاء في هذا التحديد: "انناك باتباع اآلباء القديسين في االعتراف بمن هو واحد وهو Bنتمس

Bفق نفسه االبن )ابن الله( وربنا يسوع المسيح. وبصوت واحد مت نعلن أنه هو نفسه تامB في األلوهية وتامB في البشرية، الله حق

Bه مساو� وانسان حق، وهو نفسه مكوBن من نفس عاقلة وجسد. إن لآلب في االلوهية ومساو� لنا في البشرية، شبيه بنا في كل شيء ما

خال الخطيئة. قبل كل الدهور ولد من اآلب بحسب األلوهية، وفي األيام األخيرة هو نفسه، ألجلنا وألجل خالصنا، ولد من مريم العذراء

والدة االله، بحسب البشرية. واحد هو، وهو نفسه المسيح، االبن الوحيد، الرب، الذي يجب االعتراف به في طبيعتين متحدتين دون

اختالط وال تحوBل وال انقسام وال انفصال.

Zلغ بأي شكل من األشكال ما Zزل ولم ي "انB اتحاد الطبيعتين لم ي فيهما من تباين، بل على العكس من ذلك، قد حZفظت سالمة جميع

خصائص الطبيعتين اللتين اتحدتا في شخص واحد وأقنوم واحد. وهو لم ينقسم ولم ينفصل الى شخصين، بل واحد هو، وهو نفسه

االبن الوحيد، االله الكلمة، الرب يسوع المسيح.

Bمنا يسوع نفسه، وهذا ما "هكذا تكلBم عنه االنبياء قديمAا، وهكذا علBمنا اياه اآلباء في قانون اإليمان". سل

بهذه الكلمات اوضح آباء خلقيدونية ما جاء في قانون إيمان نيقيةBدوا أمرين هامBين في ما يتعلBق بشخص يسوع325سنة . وقد أك

المسيح: األمر األول هو وحدة الشخص في المسيح، وهذا هو معنىات في النص: "واحد هو، وهو نفسه..."؛ Bة مرBالعبارة التي ترد عد

فيسوع المسيح هو شخص واحد، وهذا الشخص هو نفسه كلمة الله، االقنوم الثاني من الثالوث األقدس، ابن الله المولود من اآلب

قبل كل الدهور، وقد ولد من مريم العذراء في الجسد. واألمر الثاني هو محافظة كل من الطبيعتين على خصائصها في وحدة

الشخص. فابن الله صار انسانا وأخذ كل شيء من الطبيعةBر شيء في ألوهيته. البشرية، ما خال الخطيئة، دون ان يتغي

كيف يمكن ان يكون شخص واحد بطبيعتين؟

141

Page 142: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ال بدB أوBال من إدراك الفرق بين الطبيعة والشخص. فالطبيعة هي الجواب على السؤال الذي نطرحه أمام كل كائن: "ما هذا؟"، فنقول: هذا إله، هذا إنسان، هذا حيوان، هذا نبات... ولكلB من

Bز بها عن غيره. والطبيعة ال يمكن الكائنات طبيعته الخاصة التي يتمي ان تقوم في الوجود دون شخص أو فرد يحملها؛ لذلك هي منفتحة

Bل االشخاص. وانفتاح الطبيعة هذا أمر ال بدB منه لكي تبرز لتقبBل الكائنات الى الوجود. وهكذا فإنB الطبيعة البشرية منفتحة لتقب

Bل عدد ال يحصى من االشخاص البشرية. وال الشخص البشري وتقبوجود أليB شخص بشري قبل بروزه الى الوجود بطبيعة بشرية.

Bلها شخص موجود منذ األزل أمBا في المسيح فالطبيعة البشرية يتقب هو شخص ابن الله الكائن منذ األزل مع اآلب. وهذا الشخص هو،د، شخص قائم )وهذا معنى لفظة أقنوم( في الطبيعة Bقبل التجس

د فيبقى Bا بعد التجسBااللهية الواحدة مع اآلب والروح القدس. أم Bر. اال أنه يسخذ أيضا الشخص هو نفسه، وطبيعته االلهية ال تتغي

طبيعة بشرية، فيصبح شخصا واحدا بطبيعتين.

Bر عنها مجمع خلقيدونية بتعابير د كما عب Bتلك هي عقيدة التجس فلسفية، بينما اكتفى العهد الجديد باظهار يسوع انسانا تاما وابن

الله الكائن منذ األزل مع الله. فالمفاهيم الفلسفية كان ال بدB منها لتوضيح جوهر العقيدة. وهذا الجوهر هو ما يجب التمسBك به:

فيسوع المسيح هو انسان شبيه بنا في كل شيء ما خال الخطيئة،Bاه الله، كما قال بولس السميساطي، د انسان تبن Bأنه ليس مجر B إال

وال إلهAا أدنى كما قال آريوس.

لسنا هنا إزاء أساطير هي من نسج الخيال، إنما ازاء سرB محبة الله التي ال تدرك أبعادها. هكذا أحب الله العالم حتى انه أرسل ابنه الوحيد الى العالم ليشرك العالم في حياته االلهية. فيسوع المسيح االنسان هو نفسه ابن الله وكلمته الذي صار انسانا ليرفع االنسان الى الله. انه عمانوئيل، أي الله-معنا، وحضور الله في ما بيننا، فيه

Bه. التزم الله التزاما نهائيا حياة البشر ليسير بها الى التأل

- الكنائس غير الخلقيدونية4Bه لم يفلح B أن لقد عمل مجمع خلقيدونية على توضيح العقيدة، إال في جمع الكنائس حولها، بسبب استعماله عبارة "الطبيعتين في

المسيح". فبعض الكنائس الشرقية، السريانية واالرمنية والقبطية، رفضت تحديد هذا المجمع اذ رأت في تلك العبارة عودة الى

النسطورية التي تعتقد بوجود "شخصين في المسيح"، وبقيت

142

Page 143: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

كة بعبارة القديس كيرلس: "الطبيعة الواحدة المتجسدة لالله Bمتمس الكلمة"؛ ولذلك دعيت بالكنائس "القائلة بالطبيعة الواحدة" )

Monophysites)

فون يعتقدون بطبيعة Bه كان في تلك الكنائس متطرB ال شكB في أنB أنB السواد االعظم من االساقفة والالهوتيين واحدة في المسيح، إال

Bن بعد خمسة عشر قرنا أن الخالف فيها كان إيمانه قويمAا. وقد تبي بين تلك الكنائس والكنائس التي تبعت مجمع خلقيدونية، كالكنيسة الرومانية والكنيسة البيزنطية والكنيسة الملكية، لم يكن خالفا على

Zعلن ذلك في لقاء مسكوني ج�م�ع� العقيدة بل على األلفاظ. وقد أ الهوتيين من مختلف تلك الكنائس والهوتيين من الكنيسة

، كما1970الكاثوليكية الرومانية في فيينة عاصمة النمسة سنة iعلن رسميا في لقاءين هامين تمBا، األوBل بين البابا بولس السادس أ

والبطريرك اغناطيوس يعقوب الثالث، والثاني بين البابا بولس السادس والبابا شنودا الثالث بطريرك األقباط االرثوذكس. وعقب

، وقBع المجتمعان بيانا1973 أيار 10هذا اللقاء األخير الذي تمB في مشتركا جاء فيه: "اننا نعترف بأنB ربنا والهنا ومخلصنا وملكنا

جميعا، يسوع المسيح، هو الله تام من حيث ألوهيته وانسان تام من حيث بشريته. والوهيته متحدة فيه ببشريته اتحادا حقيقيا كامال دون

Bر وال انقسام وال انفصال. امتزاج وال اختالط وال تشوBش وال تغي والوهيته لم تنفصل عن بشريته لحظة واحدة حتى وال زهاء طرفة عين. هو االله االزلي وغير المنظور قد أصبح منظورا في الجسد

آخذا صورة عبد، وبقيت فيه سالمة جميع خصائص االلوهية وجميع خصائص البشرية، متحدة معا اتحادا حقيقيا كامال غير منقسم وال

منفصل.

م مريم العذراء أم النور الحقيقي، ونعترف بأنها والدة Bواننا نكر" Bها تشفع فينا. وبما أنها والدة االله، االله والعذراء الدائمة البتولية. إن

Bها تفوق كرامة جميع طغمات المالئكة". فان

يظهر بوضوح من خالل هذا النص االتفاق الجوهري على أنB يسوع هو الله تام وانسان تام وانB الوهيته وبشريته قد اتحدتا فيه دون ان

Aا من خصائصهما. وقد تحاشى النص استعمال لفظة تفقدا شيئ "الطبيعتين"، التي نشأ بسببها الشقاق، فلم يتكلم عن "الطبيعة االلهية والطبيعة البشرية في المسيح"، بل عن الوهية المسيح

وبشريته، وفي ترجمة أخرى، عن الهوت المسيح وناسوته. وهذا في الواقع ما كان يعنيه مجمع خلقيدونية بلفظة "الطبيعتين". لذلك

لم تعد اليوم الكنائس التي رفضت مجمع خلقيدونية تدعى

143

Page 144: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

بالكنائس "القائلة بالطبيعة الواحدة"، بل فقط بالكنائس غير الخلقيدونية. فمن حيث العقيدة لم يعد أيB داع لبقاء االنقسام بين

تلك الكنائس والكنائس الكاثوليكية واالرثوذكسية الخلقيدونية.

B أنB استعادة الوحدة الكاملة بين كل تلك الكنائس يلزمها بعض إال الوقت، كما جاء في ختام هذا البيان المشترك.: "اننا نقرB بتواضع

انه ليس بوسع كنائسنا ان تشهد شهادة اكمل لتلك الحياة الجديدة في المسيح، بسبب االنقسامات الحالية التي ال تزال تحمل ثقل

بعد المسيح برزت451اجيال من التاريخ العصيب. فمنذ سنة خالفات الهوتية غذBتها وأثقلتا عناصر غير الهوتية. وهذه الخالفات ال

يمكن تجاهلها. غير أننا، بالرغم منها، نكتشف ذواتنا من جديد كنائس� لها ميراث مشترك، ونعمل جاهدين، بتصميم وثقة بالرب،للوصول الى الملء والكمال من تلك الوحدة التي هي هبة منه".

ج- بدعة "المشيئة الواحدة في المسيح" )Monothélisme)

- مبادرة سرجيوس1 في بداية القرن السابع كانت االمبراطورية البيزنطية مهدBدة من

كل صوب بخطر اجتياح الفرس ثم العرب. وأدرك هرقل االمبراطور وسرجيوس بطريرك القسطنطينية ضرورة توحيد

المسيحيين في جميع أقاليم االمبراطورية على الصعيدين السياسي والديني، إذ كانت الكنيسة مقسومة شطرين من حين رفض جزء من كنائس الشرق، كما رأينا، قرارات مجمع خلقيدونية. فاقترح

البطريرك على االمبراطور عبارة الهوتية جديدة ظن أنها تستطيع اعادة الوحدة بين شطري الكنيسة. فجمع أفسس حدد ضد

النسطورية انB يسوع شخص واحد ال شخصان، ومجمع خلقيدونية حدد أنB فيه طبيعتين. فالكنائس التي رفضت قرار خلقيدونية

رفضته ألنها رأت فيه عودة الى النسطورية. فارتأى سرجيوس ان يعيد الوحدة معها حول عبارة "الفعل الواحد للمسيح"، أو، بصيغة

أخرى، "القوة الفاعلة الواحدة للمسيح". وقد استعمل اللفظة اليونانية التي تعني "فعل الشخص" أو "القوة الفاعلة فيه" أو

"القوة التي بها يفعل جميع افعاله". لذلك أطلق على نظريته اسم(Monoénergisme"بدعة الفعل الواحد" )

ففي رأي سرجيوس ان المسيح، لكونه شخصا واحدا، جميع اعماله االلهية واالنسانية صادرة عن فعل واحد أو عن قوة فاعلة

واحدة فيه. وهذا ما سيرفضه االيمان القويم الذي سيحدBد انB القوة الفاعلة في اإلنسان مرتبطة ال بالشخص، كما رأى سرجيوس، بل

144

Page 145: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

بالطبيعة. فبم�ا أنB في المسيح طبيعتين، طبيعة الهية وطبيعة انسانية، ال بدB ان يكون له قوBتان فاعلتان، قوة الهية بها يعمل

االعمال االلهية وقوة انسانية بها يعمل االعمال االنسانية.

(633- صيغة الوحدة )2Bن االمبراطور االسقف كيروس بطريركا على631سنة عي

Bيا تمB االتفاق فيه633االسكندرية، فعقد هذا فيها سنة مجمعا محل على صيغة تعيد الوحدة الى الكنائس المنقسمة. وينصB البند السابع

Bما نعني Bه "يمكننا اعتبار المسيح بطبيعتين، إن من تلك الصيغة أنBه هو نفسه تام في االلوهية وتام في البشرية". ثم يضيف بذلك أن

البند: "ان المسيح الواحد نفسه قد عمل االعمال االلهية واالعمالاالنسانية بفعل واحد الهي-انساني".

وأرسلت هذه الصيغة الى سرجيوس، فأجاب بالموافقة عليها. ومما جاء في جوابه: "ان المسيح الواحد نفسه هو الذي يعمل

االعمال االلهية واالعمال االنسانية بفعل واحد. ألنB كل فعل الهيوانساني ينبثق من واحد هو نفسه الكلمة المتجسد".

- جواب صفرونيوس3 نمى خبر تلك المداوالت الى راهب يدعى صفرونيوس كان قيم

في أحد اديرة بيت لحم وله من العمر ثمانون سنة، فرأى فيها تعاليم مناقضة لمجمع خلقيدونية، ألنB الفعل مرتبط بالطبيعة ال

بالشخص، وكلB كائن يعمل بحسب طبيعته، وبما أن للمسيحA قوBتان يعمل بهما. فسافر الى طبيعتين فال بدB أن يكون له أيضا

االسكندرية وارتجى كيروس� أن يعدل عن هذا التعليم الجديد فلم يقتنع. وقصد القسطنطينية وحاول عبثا اقناع سرجيوس. فعاد الى

. عندئذ كتب634فلسطين فانتخب بطريركا على اورشليم سنة رسالة أوجز فيها كل العقيدة المسيحية في الثالوث األقدسد، وبعث بها الى هونوريوس بابا رومة والى البطاركة Bوالتجس

Bن صفرونيوس انB يسوع هو شخص الشرقيين. وفي تلك الرسالة يبي واحد وهو نفسه يقوم باالعمال االلهية واالعمال االنسانية. وكما اننا ال نرى تناقضا بين كونه الها وكونه هو نفسه انسانا، كذلك يجب االBنرى تناقضا بين اعماله االلهية واعماله االنسانية. ويختم بقوله إن المسيح بطبيعتين لكل منهما فعلها الخاص الذي به تعمل االعمال

المناسبة لها. فالفعل االلهي يعمل االعمال االلهية، والفعل االنسانيB انB ذلك يتمB بانسجام في العمل دون Bة. إال يعمل االعمال االنساني انقسام، وفي الوقت نفسه دون اختالط، ألنB المسيح واحد وهو

نفسه يقوم باالعمال االلهية واالنسانية.

145

Page 146: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- "المشيئة الواحدة" وتفاقم األزمة4 علBق االمبراطور هرقل في كنيسة آجيا صوفيا في638سنة

القسطنطينية بيانا عقائديا كتبه البطريرك سرجيوس بمؤازرة معاونه بيروس، وفيه يوجز االيمان القويم في المسيح، ويحظBر

استعمال عبارتي "الفعل الواحد" و"الفعلين" في المسيح. فالقول بالفعل الواحد ينتج منه انكار الطبيعتين، والقول بالفعلين يقود الى

االعتقاد بوجود ارادتين متناقضتين في المسيح الواحد. "لهذا السبب، يقول البيان، نقرB ونعترف بمشيئة واحدة في ربنا يسوع

المسيح االله الحقيقي، بحيث انه لم يحدث مرة واحدة انB جسده الذي تحييه نفس عاقلة تبع ميله الطبيعي وعمل ما يناقض رغبة

االله الكلمة الذي كان متحدا به اتحادا جوهريا، بل انه عمل دوما مااراده االله الكلمة نفسه ومتى اراده ومثلما اراده".

ر له موضوع البيان، Bثم كتب سرجيوس الى البابا هونوريوس يفس فأجاب البابا بالموافقة على كل ما جاء فيه.

د الكنيسة فخلق أزمة جديدة أحدثت بلبلة Bاراد سرجيوس ان يوح دامت زهاء نصف قرن حتى المجمع المسكوني السادس الذي عقد

. ونكتفي هنا بذكر المراحل الهامBة التي681في القسطنطينية سنة مرت بها تلك األزمة:

توفي البابا هونوريوس وخلفه يوحنا الرابع، فعقد640سنة مجمعا في رومة وحرم بدعة "المشيئة الواحدة".

اعلن بولس، بطريرك القسطنطينية الجديد، ايمانه647سنة بمشيئة واحدة في المسيح.

أصدر االمبراطور قسطنديوس الثاني قرارا عقائديا648سنة Aا بأقوال الكتاب المقدBس يحظBر فيه التكلم عن هذا الموضوع مكتفي

وقرارات المجامع المسكونية السابقة.

عقد البابا مرتينوس المنتخب حديثا مجمعا في كنيسة649سنة 105الالتران في رومة، غير آبه لقرار االمبراطور. حضر المجمع

Bية وسردينية وبعضهم من أساقفة معظمهم من ايطالية وصقل أفريقية. وترأس البابا نفسه المجمع واعلن أنه كما انB في المسيح

طبيعتين كذلك فيه مشيئتان، مشيئة الهية ومشيئة انسانية، وفعالن،فعل الهي وفعل انساني.

146

Page 147: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

أمر االمبراطور بتوقيف البابا، فقبض عليه ونفاه الى653سنة 655Aالقسطنطينية ثم الى بالد القرم حيث توفي سنة . وقبض أيضا

على الراهب الالهوتي مكسيموس المعترف الذي دافع دفاعا مستميتا عن عقيدة المشيئتين في المسيح، ونفاه الى القفقاز هو

.662واثنين من تالميذه، فتوفي هناك سنة

بعث االمبراطور الجديد قسطنطين الرابع برسالة الى678سنة بابا رومة يطلب إليه ارسال مندوبين من قبله الى القسطنطينية

للتداول في أمر المشيئتين. وصلت الرسالة الى رومة بعد انتخاب ، فأراد البابا استشارة اساقفة الغرب في679البابا اغاثوس سنة

125 مجمعا في رومة اشترك فيه 680الموضوع، فعقد سنة أسقفا أعلنوا ايمانهم بالطبيعتين والمشيئتين والفعلين في المسيح

الواحد.

(681- المجمع المسكوني السادس )5 واعلن بشكل681عقد هذا المجمع في القسطنطينية سنة

رسمي عقيدة المشيئتين في المسيح:

Bين بال Bتين وفعلين طبيعي ح ان في المسيح مشيئتين طبيعي Bنصر" انقسام أو تحول أو انفصال أو اختالط، كما جاء في تعليم اآلباء

القديسين. وهاتان المشيئتان ال تعارض احداهما األخرى، كما يزعم باصرار المبتدعون الجاحدون. فمشيئته البشرية تخضع بدون

Bؤ للمشيئة االلهية الكلية القدرة... مقاومة او تلك

Bين في ربنا يسوع المسيح الهنا الحقيقي "واننا نمجBد فعلين طبيعي نفسه، فعلين غير منقسمين وغير متحدين وغير مختلطين وغير منفصلين. نعني بذلك فعال الهيا وفعال بشريا كما يقول الواعظ

BدAا بكل صراحة وعلى النحو التالي: "ان كل طبيعة االلهي الون مؤك تعمل، باالشتراك مع األخرى، ما تختصB به. أي انB الكلمة يعمل ما

يختصB به الكلمة، والجسد يعمل ما يختصB به الجسد"، ألننا ال تسلBم بعمل طبيعي واحد في الله وفي المخلوق، كما اننا ال نرفع الى

الجوهر االلهي ما قد خلق، وال نحطB من قدر مجد الطبيعة االلهيةالى درجة معادلة للمخلوق.

"اننا نعترف بصدور العجائب واآلالم عن الشخص الواحد نفسه،Bها إمBا لهذه الطبيعة وإمBا للطبيعة األخرى، وهو كائن ولكننا نعترف بأن

بكلتيهما، كما يقول كيرلس بحق... وان اجتمعت الطبيعتان معا،

147

Page 148: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فكل طبيعة منهما تشاء وتعمل ما تختصB به، بدون انقسام والBفقين احسن اختالط وال امتزاج. ولذلك نعترف بمشيئتين وفعلين مت

اتفاق لخالص الجنس البشري".

- أهمية هذا الموضوع6 قد يتساءل المرء لماذا أثيرت تلك الضجة وعقدت المجامع

المحلية والمسكونية واستشهد القديسون، واألمر يبدو لنا اليوم وكأنه ال أهمية له؟ ألم يكن من األفضل، كما قال البابا هونوريوس

في رسالته الى سرجيوس، "تحاشي التحدث عن مسألة "الفعل والفعلين"، وترك الموضوع ألساتذة علم القواعد والفالسفة الذين ال عمل لهم سوى مناقشة أمور وهمية. اما تالميذ الصياد بطرس

وا الى تلك األوهام. وحسبنا االقرار بأنB ربنا Bفيجدر بهم اال ينجر يسوع المسيح هو شخص واحد وهو نفسه الذي يعمل في طبيعته

االلهية وطبيعته االنسانية؟".

ليس األمر على هذا القدر من البساطة. فالسؤال المطروح مرتبط بمفهوم الطبيعة البشرية التي اتخذها االله الكلمة حين

ي Bا بسرAد، وفيها افتدى الجنس البشري. فالموضوع متعلق اذ Bتجس د والفداء. Bالتجس

د Bالمشيئة البشرية والتجس إن قلنا انB المسيح لم يكن له سوى مشيئة واحدة هي المشيئةده طبيعة بشرية ناقصة. Bااللهية، فهذا يعني ان الكلمة اتخذ بتجس

وبهذا القول نسقط في بدعة مماثلة لبدعة ابوليناريوس. فلقدBخذ من الطبيعة البشرية الجسد دون النفس. اعتقد هذا انB الكلمة ات والقائلون بالمشيئة الواحدة يعتقدون ان الكلمة اتخذ جسدا ونفسا بشرية تنقصها االرادة البشرية. وفي كلتا البدعتين انقاص لبشريةد. فال يصحB ان يقال ان الكلمة صار Bالمسيح وافساد لمعنى التجس

انسانا دون ارادة انسانية وحرية انسانية.

Bدي المشيئة الواحدة من أنB القول بالمشيئتين في اما تخوBف مؤي المسيح يعني الخالف بين هاتين المشيئتين، فقد أجاب عليه

القديس مكسيموس المعترف بقوله انB الخالف بين ارادة االنسانB بسبب خطيئة االنسان؛ أما المسيح فطبيعته وارادة الله ال يحدث إال البشرية كانت كاملة ومقدBسة بسبب اتحادها بالطبيعة االلهية. فكماBحد بطبيعة النار فيحمرB دون ان ان الحديد، عندما يوضع في النار، يت

يفقد شيئا من جوهره، هكذا طبيعة المسيح وارادته البشرية،

148

Page 149: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

باتحادهما بشخص الكلمة وطبيعته االلهية، قد تقدBستا دون ان تفقداشيئا من جوهرهما البشري.

Bة البشرية الفداء والحريBه ال بدB، لكي يكون التجسد حقيقيا، ان يكون انB تأكيد المسيحية أن

للمسيح مشيئة بشرية، وبالتالي حرية بشرية، لهو أمر له نتائج هامةA بالنسبة الى مفهوم الفداء ومفهوم الحرية االنسانية في الفكر أيضا المسيحي. فالفداء لم يتمB فقط ألنB كلمة الله اتخذ جسدا واحتمل

A بملء حريته البشرية قبل األلم فيه األلم والموت، بل ألنه أيضا وصار طائعا حتى الموت، موت الصليب. ال شكB ان الخالص هو أوال

B أنB هذا عمل الله الذي دخل تاريخ البشر واعلن محبته للعالم، إال العمل لم يتمB خارج ارادة االنسان بل في ارادة االنسان يسوع

Bها. المسيح ممثل البشرية كل

انB الهدف من التجسد والفداء هو تأليه االنسان، لكنB التأليه ال يعني االستعاضة عن عمل االنسان بعمل الله وال عن حرية االنسان بحرية الله وال عن إرادة االنسان بإرادة الله، بل يعني تجديد طبيعةاالنسان وارادته ليتجاوب بملء حريته مع نعمة الله التي تعمل فيه.

هذا هو المفهوم المسيحي للعالقة بين عمل الله وعمل االنسان. فكل شيء في هذا العمل هو من الله وكل شيء هو من االنسان.

لذلك فانB تأليه االنسان ال يمكن ان يتمB اال اذا أسهمت طبيعتهاالنسانية بهذا العمل بكلB ما فيها من قوى، العقل والحرية واالرادة.

هذا ما نستنتجه من تحديد المجامع المسكونية أنB في يسوع طبيعتين تامBتين ومشيئتين تامBتين. فالمسيح هو انسان حقيقي أخذ كل شيء من الطبيعة البشرية، الجسد والنفس واالرادة والحرية،

وعاش في تلك الطبيعة دون خطيئة. وقد كان متحدا بالله ليس فيA في عمق كيانه. فهو "ابن الله عمله وحياته فحسب، بل أيضا

الوحيد، المولود من اآلب قبل كل الدهور، نور من نور، الله حق منالله حق، مولود غير مخلوق، مساو لآلب في الجوهر".

ــــــــــــــــــــــــــ

يح �سوع المس� ابع الخالص و�الفداء بي Bيحالفصل الس �سوع المس� ابع الخالص و�الفداء بي Bالفصل السBم وقZبر". Bا على عهد بيالطس البنطي، وتأل Bم وقZبر"."وصZل�ب� عن Bا على عهد بيالطس البنطي، وتأل "وصZل�ب� عن

يتضمBن إيماننا بيسوع المسيح ناحيتين متكاملتين: يسوع فيZشخصه، ويسوع في عمله الخالصي. فيسوع، في شخصه، هو "ابن

149

Page 150: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bحق Lمن نور، إله Lالدهور، نور Oمن اآلب قبل كل Zالله الوحيد المولود من إله� حقB، مولودL غيرZ مخلوق ومساو� لآلب في الجوهر". هذا ما

عرضناه في الفصل السابق.

أما في هذا الفصل، فسننظر إلى يسوع في عمله الخالصي.د وحياة يسوع االنسان وصلبه وموته وقيامته، كل هذه Bفالتجس

األحداث نعلن في قانون اإليمان أنها تمBت "من أجلنا نحن البشر ومن أجل خالصنا". ماذا نعني بالخالص؟ وكيف خلBصنا يسوع

ده وحياته وموته وقيامته؟ Bالمسيح بتجس

الق�سم األول ما هو الخالصالق�سم األول ما هو الخالص

- حالة االنسان1 (.30: 68"اني بائس ومسكين، فليعضدني خالصك يا ألله" )مز

هناك خبرتان يختبرهما االنسان طوال حياته: خبرة ايجابية من االنسجام مع ذاته ومع اآلخرين ومع الكون، وخبرة سلبية من

النقص في ذاته وفي المجتمع وفي الكون. لذلك يقضي االنسانAا بين الفرح والحزن، بين الصحة والمرض، بين السالم حياته متقلب

والحرب، بين السعادة والشقاء.

يدرك االنسان النقص في ذاته: يرغب في االنسجام مع ذاته وفيق الداخلي. يريد Bا ما يعاني القلق والتمزA السالم الداخلي، اال أنه غالب

سعادة كاملة دائمة فال يحصل اال على أفراح جزئية ممزوجة بالحزن والشقاء. يريد الصحة الدائمة والحياة الخالدة فيصطدم باألمراض والمصائب والموت المحتوم. يريد عمل الخير وراحة

الضمير فيسقط في عمل الشر ويشعر بتوبيخ الضمير.

ويدرك االنسان النقص في عالقاته مع اآلخرين وفي جميع المجتمعات: يرغب في االنسجام مع اآلخرين، ويريد أن يسود السالم وتسود المحبة عالقات الناس بعضهم ببعض وعالقات

Aا ما يرى حوله الخصومات المجتمعات بعضها ببعض، وغالبوالمنازعات والحروب.

جميع الناس يدركون بؤس االنسان وضعفه وقلقه، ولكن المؤمنوحده ينظر الى الله ويقول: "اني بائس فليعضدني خالصك يا ألله".

150

Page 151: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- الخالص من الله2 يرى المؤمن أنB سبب حالة االنسان هذه هو بعده عن الله وبعده عمBا يجب ان يكون. فاالنسان خلق ألجل الله وهو كائن ينسم فيه

روح الله، فان ابتعد عن الله انما يبتعد عن ذاته وينفصل عن جوهرهBر عنه الكتاب المقدس بقوله ان الله قد ويفقد هويته. هذا ما يعب

خلق االنسان على صورته ومثاله. اال أن االنسان شوBه تلك الصورة بالخطيئة. والله وحده الذي خلق االنسان يستطيع ان يعيد اليه بهاء

الصورة االصلية، أن يخلBصه.

انB في عمق القلب البشري نزعة نحو المطلق، لذلك ال يكتفي االنسان باألمور الجزئية العابرة: ال يكتفي بالحب الوقتي بل يسعى نحو الحب المطلق، وال يقبل بتجزئة كيانه بل يريد الوحدة مع ذاته ومع اآلخرين ومع الكون اجمع، ويدرك ميله الى الشر ويشعر أن

الشرB هو دمار لذاته وهالك لنفسه فيرغب في الخير الثابتالمطلق.

هذا الفراغ الذي يشعر به االنسان في مختلف أبعاد كيانه انما هو نداء يوجهه الله الى االنسان لالرتقاء اليه. من خالل هذا االختبار

البشري، اختبار الضعف والقلق والضياع، يدخل الله الى قلب االنسان ويظهر ذاته الكائن الوحيد الذي يستطيع ان يمأل فراغ االنسان ويعيد اليه أصالته وملء كيانه، اي أن يمنحه الخالص.

واالنسان الذي يحصل على الخالص هو كالمريض الذي تعاد اليهBع الذي تعاد اليه عافيته، وكاألعمى الذي يعاد اليه بصره، وكالمخل قدرته على السير، وكاألبرص الذي تعاد اليه نقاوته؛ انه كالذهب

الذي ينقBى من االوحال واألتربة وجميع الشوائب العالقة به فيعودر من عبوديته yالى خلوصه وصفائه ولمعانه؛ انه كالعبد الذي يحر

ويعود الى حريته.

- مرادفات الخالص3Bر عنه هذا التغيير الذي يحدثه الله في االنسان بحضوره اليه يعب

الكتاب المقدس بألفاظ مختلفة:

به. Bص االنسان من ضياعه وتغرBفيدعوه الخالص، النه به يخل

ويدعوه الحياة، النه به يدخل االنسان في الحياة الحقيقية، حياةالله.

151

Page 152: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Aا دائمAا على قلوب البشر. ويدعوه الملكوت، ألنه به يملك الله ملك

ويدعوه النعمة، ألنه عطية مجانية ينعم بها الله على االنسان.

ره كما Bويدعوه الفداء والتحرير، ألنه به يفتدي الله االنسان ويحر ر العبيد. Bيفتدى األسرى ويحر

تشير هذه التعابير الى جوانب مختلفة لحقيقة واحدة هي حضورAا في كل انسان وفي الجماعات البشرية Aا محيي ا محب Aالله حضور

وفي التاريخ بأسره، لتجديد االنسان والبشرية والتاريخ. وهذااني للكون واالنسان منذ Bالحضور هو ثمرة استمرار حب الله المج

Bنا وخلBصنا من ضياعنا، Bنا الله وخلقنا، هكذا أيضا أحب خلقهما. فكما أحبBنا وحضر فينا Bنا وأدخلنا في ملكوته، احب أحبنا وأشركنا في حياته، أحب

رنا من عبوديتنا. Bبنعمته، احبنا وافتدانا من خطيئتنا وحر

هذا ما نقرأه في كل صفحة من صفحات الكتاب المقدس. وما كتب في االسفار المقدسة لم يكن نتيجة تفكير نظري او تحليل فلسفي لسرB الله، بل نتيجة اختبار حياتي لعمل الله في التاريخ

ولظهوره، عند بلوغ ملء الزمان، في شخص ابنه يسوع المسيح.

- اختبار الخالص في العهد القديم4Bة الله المجانية لقد اختبر الشعب اليهودي في العهد القديم محب

لهم وحضوره الدائم معهم على مدى تاريخهم، منذ ان اختار ابراهيم ( الى أن أصبح2، 1: 12ووعده بأن "يجعل منه أمة كبيرة" )تكوين

أمة كبيرة مع داود وسليمان. ولقد اختبر الشعب اليهودي بشكل فائق خالص الله في العمل العظيم الذي عمله ألجلهم عندما

خلBصهم على يد موسى من عبودية المصريين: "قال الرب لموسى: لقد سمعتZ أنين بني اسرائيل الذين استعبدهم المصريون، فذكرتBكم من تحت أثقال عهدي. لذلك قل لبني اسرائيل: أنا الرب، ألخرجن

ZخلBصكم من عبوديتهم، وأفديكم بذراع مبسوطة المصريين، وأAا، وأكون لكم الهAا، وتعلمون اني وأحكام عظيمة، وأتخBذكم لي شعب

(.7- 5: 6أنا الرب الهكم... " )خروج

"أخلBصكم... وأفديكم". الخالص والفداء هما أمر واحد يتضمBن عنصرين متكاملين: العنصر األول هو انقاذ الشعب من حالة

ا فيها، والعنصر الثاني المالزم لألول هو Aالعبودية التي كان عائش Aا واكون لكم الهAا". وهذا ادخاله في صداقة الله: "اتخذكم لي شعب

152

Page 153: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الخالص هو عمل مجاني يصنعه الله لشعب دون اي استحقاق،كالخلق، فيضا من محبة الله لالنسان.

ا لكل اعمال Aوقد حفظ اليهود ذكرى هذا العمل الخالصي رمز ،A الخالص التي يصنعها الله لالنسان: "ويكون هذا اليوم لكم ذكرا

Bة" )خروج Bدونه مدى أجيالكم فريضة أبدي A للرب، تعي Bدونه عيدا فتعي12 :14.)

�اني الخالص بيسوع المسيح �اني الخالص بيسوع المسيحالق�سم الث الق�سم الثAا وجبله وخلق االنسان، لقد انحنى الله على البشر عندما أخذ تراب

ثم انحنى عليهم عندما كلBمهم بواسطة انبيائه، ولما بلغ ملء الزمان انحنى عليهم في شخص ابنه يسوع المسيح الذي جاء مخلصا

لالنسان في شخصه وحياته وموته وقيامته.

- يسوع المسيح خلBصنا بتجسده1 "اني أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: اليوم، في مدينة

،" )لوقا Bص، هو المسيح الربBتلك11، 10: 2داود، ولد لكم مخل .) هي الكلمات التي وضعها لوقا على لسان المالئكة في روايته

ف لوقا المولود الجديد: انه Bلتبشيرهم الرعاة بميالد يسوع. هكذا يعر "المخلص"، وهذا معنى اسمه. فلفظة "يسوع" تعني بالعبرية "الله

يخلBص". وهذا ما جاء ايضAا في انجيل متى الذي يروي بشارة المالك ليوسف بميالد يسوع: "يا يوسف ابن داود، ال تخف أن تأخذ امرأتكAا مريم، فانB الذي حبل به فال انما هو من الروح القدس. وستلد ابن

فتسميه يسوع، ألنه هو الذي يخلBص شعبه من خطاياهم".

لم يولد يسوع كما يولد سائر الناس من رجل وامرأة، بل "ولد من الروح القدس ومن مريم العذراء"، كما نقول في قانون

اإليمان. وهذا يعني أنه في عمق كيانه حضورZ الله على األرض. انهAا وحسب، وليس "عمانوئيل"، اي "الله معنا"، فليس هو انسان

الخالص الذي جاءنا به من انسان. فالله نفسه هو الذي أتى الينا فيشخص يسوع، والله نفسه هو الذي خلBصنا في شخص يسوع.

في هذا يقول انجيل يوحنا: "الكلمة صار جسدAا وسكن في ما بيننا، وقد شاهدنا مجده، مجدAا من اآلب البنه الوحيد الممتلئ نعمة وحقAا... اجل، من امتالئه نحن كلنا قد أخذنا، ونعمة فوق نعمة. فان الناموس قد اعلي بموسى، وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح قد

153

Page 154: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(. والنعمة والحق في انجيل يوحنا17، 16، 14: 1حصال" )يو مرادفان للخالص.

د كلمة الله في احشاء Bان خالص الله قد بدأ يتحقق للبشرية بتجس Aا بعض الالهوتيين والوعBاظ، في مريم العذراء. قد نسمع احيان

حديقهم عن الفداء والخالص، يحصرون الفداء والخالص في موتBقة لسر الخالص. لقد كان آلباء الكنيسة المسيح. انها نظرة ضي االولى نظرة اوسع واشمل للخالص، اذ رأوا عالقة وطيدة بين

A في احدى عظات القديس كيرلس الخالص والتجسد، كما جاء مثالBا، انطفأ في الجسد سمAذ الكلمة جسدBاالسكندري: "منذ ان اتخ الحية، وقوBة الشر أزيلت منه، وقضي على الموت الذي نتج منAا، وبما أنه الخالق الخطيئة... لقد أخذ الكلمة جسدAا مخلوقAا ومائت

yهه في ذاته، ليقودنا جميعAا على مثاله الى ملكوت جدyده وألالسماوات".

د الكلمة في احشاء امرأة، بظهور يسوع المسيح ابن الله Bبتجس في الجسد، ظهر في البشرية االنسان الجديد الذي ال نقص فيه وال

د الكلمة Bب، ال ذنب وال خطيئة. بتجس Bاعوجاج، ال ضياع وال تغر حصلت الطبيعة البشرية على الخالص واتحدت بشخص ابن الله القدوس، "فتجدBدت وتألBهت". في شخص يسوع المسيح وZجدت

طبيعة بشرية خالصة كاملة، فإنB خالص االنسان هو قبل كل شيء. وهذا الخالص يتم باتحاده في كيان المسيح، االنسان Bخالص كياني

Aا. Bحد بالله اتحادAا جوهري الجديد، االنسان المت

- يسوع المسيح خلBصنا بأعماله.2 ان يسوع المسيح الذي هو المخلBص في كيانه قد حقBق لنا هذا

الخالص في اعماله. يروي لوقا ان يسوع دخل المجمع يوم سبت وقام ليقرأ، "فدZفع اليه سفر أشعيا النبي؛ فلما نشر السفر وقع

ر Bألنه مسحني ألبش ، Bعلى الموضع المكتوب فيه: "روح الرب علي المساكين، وأرسلني ألنادي للمأسورين بالتخلية، وللعميان بالبصر،

ا، وأعلن سنة نعمة للرب". ثم طوى Aوأطلق المرهقين أحرار السفر، ودفعه الى الخادم، وجلس. وكانت عيون الذين في المجمع

شاخصة اليه بأجمعها. فشرع يقول لهم: "اليوم تمBت هذه الكتابة التي تليت على مسامعكم وكانوا جميعAا يشهدون له، ويعجبون بكالم

(.22- 14: 4النعمة الخارج من فيه" )لو

154

Page 155: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

كان اليهود يحتفلون كل خمسين سنة بسنة يوبيل يريحون فيرون العبيد. لقد كانت تلك Bاثنائها األرض ويطلقون األسرى ويحر

السنة سنة نعمة للرب. وبمجيء المسيح اصبحت سنة النعمة هذه سنة دائمة، ألنB المسيح هو نعمة الله التي انسكبت على جميع

البشر وال سيما على الفقراء والمرهقين والخطأة.

يعيش االنسان في القلق والعبودية والخوف عندما تسيطر عليه مخاطر من ذاته، من شهواته وامياله، فيسقط في الخطيئة ويصبح عبدAا لها، وبالتالي في حاجة الى من يخلBصه من خطيئته؛ ومخاطر من المجتمع، عندما يدرك ان المجتمع يرذله ويحتقره ويستعبده، فيمسي في حاجة الى من ينقذه من قيود المجتمع، ومخاطر من

الطبيعة والكون، كاألمراض والمصائب والموت.

ره من سطوة تلك Bولقد جاء المسيح مخلصا لالنسان ينقذه ويحر الخاطر: جاء يغفر الخطايا ويظهر للخطأة ان محبة الله اعظم من

خطاياهم، وجاء يظهر بأقواله واعماله ان الخطأة والغرباء والفقراء هم أقرب الى قلب الله من الفريسيين والمتسلBطين واالغنياء،

ويؤكد أنB محبة الله تشمل جميع الناس على السواء، وجاء يشفيا ان محبة الله Aعين ويقيم الموتى، مظهرB المرضى وينهض المخل

أقوى من مخاطر المرض والموت.

المحبة وحدها هي، التي تخلBص االنسان في جميع ابعاده: في ذاته وفي عالقته باآلخرين وفي ارتباطه بالحياة والكون. وقد أظهر لنا

يسوع في حياته واعماله عمق تلك المحبة التي ليست محبة انسان آلخر بل محبة الله نفسه التي تنسكب على جميع الناس فتحيي

نفوسهم وتخلBصهم من عبوديتهم.

- يسوع المسيح خلBصنا بموته3 :15"ليس ألحد حب اعظم من ان يبذل الحياة عن اصدقائه" )يو

(. لقد خلBصنا يسوع في حياته عندما أظهر لنا بأقواله واعماله13 وفرة محبة الله. وقد ظهرت تلك المحبة في اقصى حدودها في

موت يسوع. لذلك ترى المسيحية في موت يسوع قمة عملهالخالصي.

Aا لرسالته حتى الموت: مات موت األنبياء أ( بقي يسوع أمين� يرد يسوع الموت الجل الموت وال العذاب الجل العذاب، لمAا. ويسوع، في بستان الزيتون، حيال Aا وجنون فالعذاب يبقى شك

155

Page 156: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(،37: 26الموت الذي كان يتوقعه، "طفق يحزن ويكتئب" )متى (، وراح44: 22"وصار عرقه كقطرات دم نازلة على األرض" )لوقا

يصلي: "يا أبتاه! ان شئت فأجزعني هذه الكأس! ولكن، ال تكن(.42: 22مشيئتي بل مشيئتك" )لوقا

ب منهما ولم يتراجع Bلم يرد يسوع الموت والعذاب، اال أنه لم يتهر Aا لرسالته حتى الموت. لقد أظهر في تعاليمه أمامهما بل بقي أمين واعماله محبة الله لجميع الناس على السواء وخلBص االنسان من

استعباد الخطيئة ومن تعاليم الفريسيين المبنية على تفسير حرفي للناموس، فأثار بذلك حقد الفريسيين والكتبة وحنق رؤساء الكهنةا على الناموس وفي اعماله Aوالشيوخ الذين رأوا في تعاليمه خطر ا على سلطتهم، فعقدوا العزم على قتله وقبضوا Aومعجزاته خطر

عليه. واذ كانت اليهودية والية خاضعة لالمبراطورية الرومانية، وكانت رومة قد حرمت المحاكم اليهودية حق الحكم باالعدام،

اسلموه الى بيالطس الوالي الروماني وطلبوا منه ان يحكم عليه بالموت بحجة انه جعل نفسه "ملك اليهود" وانه "يفتن الشعب":

"لقد وجدنا هذا الرجل يثير أمBتنا، ويمنع من أداء الجزية لقيصر، (. لم يقتنع بيالطس2: 23ويدBعي أنه المسيح الملك" )لوقا

باتهاماتهم وشكاياتهم، بل "كان يعلم أنهم قد أسلموه عن حسد"B أن اليهود هددوه10: 15؛ مر 18: 27)متى (. واراد أن يطلقه، اال

Aا لقيصر، ألنB كل من يجعل قائلين: "ان أنت أطلقته، فلست� مواليAا يقاوم قيصر" )يو (.12: 19نفسه ملك

Bج رؤساء الكهنة الشعب للمطالبة بصلب يسوع. "وشاء وهي بيالطس ان يرضي الجمع... فأسلم اليهم يسوع، بعد أن جلده،

Zصلب" )مر (.15: 15لي

Bب الموت بالهرب من اليهود الذين لقد كان بإمكان يسوع تجن كانوا يطلبون قتله، أو بالتوقف عن التعليم. اال أنه لم يرد التراجع

امام تطلبات رسالته. وعندما سأله بيالطس في أثناء محاكمته: "أنت اذAا ملك؟"، أجابه: "أنت قلت، اني ملك، لقد ولدت وجئت الى العالم ألجل هذا: أن أشهد للحق. وكل من هو للحق يسمع صوتي"

Aا لرسالته حتى37: 18)يو (. جاء يسوع ليشهد للحق وبقي أمينBبع منطق ملوك العالم ونهجهم: "ان مملكتي ليست الموت. لم يت

من هذا العالم. فلو كانت مملكتي من هذا العالم لكان رجالي يقاتلون عني فال أسلم الى اليهود. ولكن، ال، ان مملكتي ليست من

(.36: 18هذا العالم" )يو

156

Page 157: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

وعندما قبض اليهود على يسوع في بستان الزيتون، وأراد بطرس ان يدافع عنه بالسبيل الذي يلجأ اليه معظم الناس، اي بالسيف

والقتل، قال له المعلBم: "ردB سيفك الى موضعه، ألنB جميع الذين يأخذون السيف يهلكون بالسيف. أو� تظنB أني ال أستطيع ان اسأل

أبي فيقيم لي، في الحال، ما ينيف على أثنتي عشرة كتيبة من المالئكة... فكيف اذAا تتمB الكتب القائلة: ان هذا ما ينبغي أن

(.54- 52: 26يكون؟" )متى

Bبعه يسوع في تعليمه وفي اعماله كان ال بدB أن ان النهج الذي ات يقوده الى الموت. فالظلم ال يحتمل قوة العدل، والباطل ال يصبر

Bر عنه مختلف أسفار العهد الجديد على تحدي الحق. هذا ما تعبAا. فيسوع أنبأ تالميذه ثالث ا ضروري Aعندما تظهر موت يسوع أمر

ا، وأن ينتبذه Aمرات قبل آالمه "أنه ينبغي البن البشر أن يتألم كثير Zقتل ويقوم بعد ثالثة أيام" )مر الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، وأن ي

(. ولدى ظهوره لتلميذي عماوس اللذين كانا منذهلين32، 31: 8 من موته، قال لهما: "ما أقصر أبصاركما، وما أبطأ قلوبكما في

اإليمان بكل ما نطقت به االنبياء، أما كان ينبغي للمسيح ان يكابد(.26، 25: 24هذه اآلالم ويدخل في مجده؟" )لو

ا محتومAا. انه لم يأت صوت Aلم يكن موت يسوع على الصليب أمر Aا حدBده له اآلب بمعزل عن ارادته، A الهي على الصليب ويحقBق تصميما

بل جاء ليجمع ابناء اورشليم "كما تجمع الدجاجة فراخها تحتB أن ابناء اورشليم "قاتلة االنبياء37: 23جناحيها" )راجع متى (. اال

وراجمة المرسلين اليها... لم يريدوا"، بل قبضوا عليه وأسلموهAا ورأى فيه مشيئة الله، كما ا ضروري Aما اعتبره يسوع أمر Bللموت. ان

قال في صالته في بستان الزيتون "يا أبتاه، ان شئت فأجز عني (، هو42: 22هذه الكأس! ولكن ال تكن مشيئتي بل مشيئتك" )لو

Aا له حتى مجابهة عالم الخطيئة والشهادة للحق. وهذا ما بقي امينالموت.

على هذا الصعيد يشبه موتZ يسوع موت� سائر االنبياء والمرسلين الذين استشهدوا للدفاع عن الحق. لكنB يسوع "اعظم من نبي"

(. انه المسيح. لذلك كان لموته، الى جانب معنى42، 41: 12)متى الشهادة، معنى آخر هو معنى الفداء.

ب( يسوع هو المسيح الذي افتدانا بموته من الخطيئةيسوع غفر لقاتليه

157

Page 158: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

كان الشعب اليهودي ينتظر مجيء مسيح ملك يخلBصه من عبوديتهA مملكة ره من سيطرة الرومان ويعيد مملكة داود، منشئا Bويحر دنيوية كسائر الممالك مبنية على القوة والسيادة. لذلك رفض

االعتراف بأنB يسوع هو المسيح المنتظر. ولقد حقق يسوع رغبةر Bص االنسان ويحرBاالجيال السابقة ونبوءات األنبياء، وجاء ليخل

الشعب، لكنه رفض تحقيق ذلك باللجوء الى طرق ملوBثة بالخطيئة، ألنB الخطيئة ال تزيلها خطيئة أخرى: فالحقد ال يزيله الحقد، واإلثم ال يمحيه اإلثم، والقتل ال يبطله القتل. المحبة وحدها تستطيع ان تزيل الحقد، والمغفرة وحدها تستطيع ان تمحي اإلثم، والموت في سبيل القاتل يستطيع وحده ان يبطل القتل. لقد استطاع الحقد ان يعلBقا أمام المغفرة التي منحها Aيسوع على الصليب، ولكنه وقف عاجز

يسوع لصالبيه: "يا أبتاه! اغفر لهم، ألنهم ال يدرون ما يعملون"(.34: 23)لوقا

Bزة لهم، Bة األعداء العالمة الممي أوصى يسوع تالميذه بأن تكون محبBوا ألجل Bزة لآلب السماوي: "أحبوا اعداءكم، وصل ألنها العالمة الممي

الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات، فإنه يطلع شمسه على األشرار والصالحين، ويمطر على األبرار

(. تلك المحبة التي تقوم، ال على اقامة45، 44: 5واألثمة" )متى الحواجز وتدمير اآلخرين بحجة أنهم أعداء وأثمة، بل على رفع كل

حاجز يفصل االنسان عن أخيه االنسان، واالنسان عن الله، قدBقها يسوع في حياته، عندما غفر للخطأة، وحققها الى أقصى حدBحق

في موته عندما غفر لقاتليه.

انB من يرفض الدخول في مسلسل القتل واإلثم والخطيئة يوقف انحطاط البشرية، ومن يرفضه أن يسيطر عليه الحقد يسيطر على الخطيئة، ومن يغفر ألعدائه يزيل العداوة. وبما أنB يسوع هو مسيح

الله "وابن البشر الذي أعطاه الله على األرض سلطان مغفرة (، وبما أنه "ابن الله الذي ال يستطيع من10، 9: 2الخطايا" )مر

B ما يرى اآلب يعمله" )يو Aا، اال (، و"كما أن19: 5نفسه أن يعمل شيئ اآلب له الحياة في ذاته، كذلك اعطى االبن� ان تكون له الحياة في

Aا أن يدين ألنه ابن البشر" )يو (، "ألن27B، 26: 5ذاته، وآتاه سلطان (،22: 5اآلب ال يدين احدAا، بل فوBض الى االبن كلB دينونة" )يو

Bر عن المغفرة فالمغفرة التي منحها يسوع وهو على الصليب تعب التي منحها الله لقاتلي يسوع ومن خاللهم لجميع القتلة والخطأة

Bه. على مدى التاريخ كل

مبادرة الخالص تأتي من الله

158

Page 159: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

لقد وردت في تاريخ الالهوت بعض تفسيرات لموت المخلصA قام به المسيح لتسكين غضب الله أو فدية الفدائي تظهره عمال

دفعها المسيح عن االنسان لتحريره من عبودية الشيطان. انB غضب الله على الخطأة وعبودية الخطأة للشيطان هما صورتان أدبيتان هدفهما اظهار البعد السحيق والتناقض العميق ص بين الخطيئة

والله. وذبائح الحيوانات التي كانت شعوب العهد القديم تقدمها للهBر عن ادراك االنسان لهذا البعد الذي تنشئه الخطيئة بينه كانت تعب

وبين الله، وعن اقتناع االنسان بأن الموت وحده يمكنه التكفير عنالخطيئة، ألن الخطيئة هي اهانة قصوى لله.

ب من الله الرضائه Bكان االنسان في العهد القديم يحاول هو التقر والتصالح معه. اما في العهد الجديد فالمبادرة تأتي من الله نفسه.

Aا واحياء Bقة الى تبرير من كان خاطئ فالله هو الذي يبادر برحمته الخالAا. ال يقول العهد الجديد ان االنسان هو الذي يتصالح مع من كان مائت

2الله، بل "ان الله هو الذي صالح، في المسيح، العالم مع نفسه" )Bر العهد الجديد عن هذه الفكرة بأمثال وتشابيه19: 5كور (. ويعب

متنوعة: فالله هو الراعي الصالح الذي يمضي هو نفسه في طلب الخروف الضال حتى يجده ويحمله على منكبيه، ويعود به الى بيته

(؛ والله "هكذا أحبB العالم حتى انه بذل ابنه7- 4: 15فرحAا )لوقا الوحيد لكي ال يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة األبدية" )يو

Bه بولس الرسول الله بابراهيم الذي لم يذخر ابنه بل16: 3 (. ويشب اسلمه الى المحرقة، فيقول: "اذا كان الله معنا فمن علينا؟ هو

الذي لم يذخر ابنه الخاص، بل اسلمه عنا جميعAا، كيف ال يهبنا معه (. ويقول في موضع آخر من الرسالة31: 8كلB شيء؟" )روم

Bا عينها: "ان الله قد برهن عن محبته لنا بأن المسيح قد مات عن(.8: 5ونحن خطأة" )روم

يسوع المسيح حمل اللها عوضا من ابنه Aم ابراهيم ذبيحة لله كبشBفي العهد القديم قد

(. اما في العهد الجديد فيسوع كان هو13، 12: 22اسحق )تكوين نفسه الحمل الذي رخ خطيئة العالم بتقدمة ذاته على الصليب، كما

يصفه انجيل يوحنا: "ها هوذا حمل الله، الذي يرفع خطيئة العالم" (. وقد مات يسوع في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم29: 1)يو

الجمعة السابق عيد الفصح، وهي الساعة التي كانت تذبح فيها امام هيكل اورشليم الحمالن الفصحية. ويؤكد انجيل يوحنا هذا الشبه بين

يسوع والحمل الفصحي عندما يشير أيضا الى ان يسوع وهو علىZكسر له عظم" )يو (، على مثال الحمل36: 19الصليب "لم ي

(.46: 12الفصحي )خروج

159

Page 160: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ا ان العبادة الحقيقية ليست Aلقد افتدانا يسوع من الخطيئة مظهر Bتقدمة ذبائح الحيوانات بل تقدمة الذات لتتميم ارادة الله في البر ره بولس الرسول بقوله: "ان ناموس روح Bوالقداسة. هذا ما يفس

الحياة التي في المسيح يسوع قد أعتقك من ناموس الخطيئة والموت. انB ما لم يستطعه الناموس لعجزه بسبب الجسد قد

انجزه الله اذ أرسل ابنه، من اجل الخطيئة، في شبه جسد الخطيئة، فقضى على الخطيئة في الجسد، لكي يتمB برB الناموس

ر البشرية من الخطيئة وأن4- 2: 8فينا" )روم Bأراد الله ان يحر .) ا عن Aسها. واذ أصبح الناموس القديم عاجزBصها ويقدBيفتديها ويخل ذلك "بسبب الجسد"، أي بسبب خطيئة االنسان، أرسل الله ابنه

Aا مثلنا في كل "في شبه جسد الخطيئة"، اي انB ابن الله صار انسان شيء ما خال الخطيئة، "فقضى على الخطيئة في جسده"، اي انه عاش في هذا الجسد حياة برB وقداسة. وهكذا أتمB فينا البرB الذي

كان الله يطلبه منا في الناموس ولم يستطع الناموس ان ينجزه.

ع الرسالة الى العبرانيين في هذا الفداء فتقول: "ان كان Bوتتوس دم ثيران وتيوس يرشB على المنجBسين، فيقدBسهم لتطهير الجسد،

ب لله نفسه بال عيب، Bفكم باألحرى دم المسيح، الذي بروح أزلي قر ،13: 9يطهBر ضميرنا من األعمال الميتة لنعبد الله الحيB" )عب

ا لذبيحة العهد14 Aوترى هذه الرسالة في ذبائح العهد القديم رموز .) الجديد: "اذ انه من المحال ان دم ثيران وتيوس يزيل الخطايا. لذلك

Aا لم تشأ، غير أنك يقول المسيح عند دخوله العالم: ذبيحة وقربان: Zا. لم ترتض محرقات وال ذبائح خطيئة. حينئذ قلتAهيأت لي جسد

Zتب في درج الكتاب- ألعمل، يا ألله، ها أنا ذا آتي -اذ عني قد كA: انك لم تشأ ذبيحة وقرابين، وال محرقات، بمشيئتك. فلقد قال اوال

ب بموجب Bوال ذبائح خطيئة... ولم ترض� بها -مع أنها كلها تقر Zبطل الناموس-، ثم يقول: ها أنا ذا آتي ألعمل بمشيئتك. فهو اذAا ي

النظام� األول ليقيم الثاني. وبقوBة هذه المشيئة قZدBسنا نحن بتقدمةة ال غير" ) B10- 4: 10جسد يسوع مر.)

A في موت يسوع تحقيق النبوءات وقد رأى العهد الجديد أيضا القديمة، وال سيما نبوءة النبي أشعيا عن عبد الرب الذي سيحمل

خطايا الكثيرين: "لقد أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا، فحسبناه ذا برص،A. جZرح ألجل معاصينا وسZحق ألجل آثامنا. Bال Aا من الله ومذل مضروبBنا عليه وقع القصاص الذي يعيد الينا السالم، وبجراحه شفينا. كل

Bنا. ضللنا كالغنم، كل واحد مال الى طريقه، فألقى الرب عليه إثم كل قZدBم وهو خاضع ولم يفتح فاه. كشاة سيق الى الذبح، وكحمل

160

Page 161: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ونه ولم يفتح فاه... الرب رضي ان يسحقه Bصامت أمام الذين يجز Bة ي Bبالعاهات. فإنه اذا جعل نفسه ذبيحة تكفير عن الخطايا، يرى ذر وتطول أيامه، وارادة الرب تتمB على� يده. بعد عناء نفسه، سيرىA هو ر الصديق عبدي كثيرين حامال Bق رغباته. بعلمه يبرBحقZ النور وت

Aا مع الكثيرين وغنيمة مع نفسه آثامهم. فلذلك أجعل له نصيب العظماء. ألنه بذل نفسه للموت وأحصي مع األثمة، وهو حمل

(.12- 4: 53خطايا الكثيرين وشفع في العصاة" )أشعيا

العشاء الفصحي والعهد الجديد بدم يسوع انB هذا المعنى الذي نجده في العهد الجديد وفي الكنيسة االولى

Bر عنه يسوع نفسه في العشاء الفصحي لموت المسيح، قد عبZسلم فيها، يقول األخير الذي تناوله مع تالميذه. "ففي الليلة التي أ

ا وشكر وكسره وقال: هذا هو جسدي Aبولس الرسول، أخذ خبز (.24، 23: 11 كور 1الذي هو ألجلكم؛ اصنعوا هذا لذكري" )

ويوضح لوقا عبارة "الذي هو ألجلكم" بقوله "هذا هو جسدي الذيZبذ�ل ألجلكم" )لو (. "وكذلك اخذ الكأس من بعد العشاء19: 22ي

A: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يهراق من أجلكم" قائال (. ويضيف انجيل متى: "الذي يهراق عن الكثيرين20: 22)لو

(.28: 26لمغفرة الخطايا" )متى

رأى يسوع انB رفض اليهود رسالته وحقدهم عليه سيقودانهم الىB أنه جعل من موته لحظة المغفرة قتله. انتظر الموت، اال

�ه معنى الفداء "في والمسامحة للذBين سيقتلونه. لقد اعطى موت الليلة التي اسلم فيها"، وبينما كان معه على العشاء "يهوذا الذي

A حقد اليهود وخطايا العالم25- 21: 26سيسلمه" )متى Bال (، ممث أجمع. وهو الذي قال: "انا الراعي الصانع. والراعي الصالح يبذل

حياته عن خرافه... ال احد ينتزع مني حياتي، وانما أنا أبذلها (، يستبق اآلن موته ويعطيه معنى18- 11: 10باختياري" )يو

الفداء، فيبذل حياته، جسده ودمه، الجل أصدقائه واعدائه، ويكسر�سكب الخمر الخبز ويقول: "هذا هو جسدي الذي يبذل ألجلكم"، وي

في الكأس ويقول: "هذا هو دمي الذي يهراق عن الكثيرين".

"هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي". لقد اعطى يسوع حياتهأ عهد جديد بين الله والناس. وهكذا كان موته نقطة انطالق لينش�

Zعث شعب جديد لحياة جديدة في العالم. من البشرية التي قتلته بA جماعة التالميذ الذين بذل يسوع� حياته ألجلهم، كما مقدBس هو أوال

جاء في انجيل لوقا: "هذا هو جسدي الذي يبذل ألجلكم"، وهو أيضا العالم أجمع، بحسب ما جاء في متى ومرقس: "هذا هو دمي الذي

161

Page 162: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

يهراق عن الكثيرين". ولفظة الكثيرين تعني هنا الجميع، كما جاء في رسالة بولس األولى الى تيموثاوس: "ان الله واحد، والوسيط

بين الله والناس واحد، االنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فداء(.6، 5: 2 تيم 1عن الجميع" )

ان تقدمة يسوع ذاته للموت تنشئ عهدAا جديدAا. والعهد يتضمBنAا. فالعهد القديم أنشئ بين الله وشعبه على ا وشريعة وشعب Aطقوس

"واخذ8: 24يد موسى بواسطة دم الحيوانات )راجع الخروج ه على الشعب وقال: هوذا دم العهد الذي عاهدكم Bموسى الدم ورش

به الرب على جميع هذه األقوال"(، اما يسوع فينشئ عهدAا جديدAاA على شريعة الله التي بدمه الخاص؛ والعهد القديم كان مبنيا

اعطيت لموسى، أما العهد الجديد فمبنيB على تعاليم يسوع ومحبتهBائه: وفي العهد القديم نشأ مع التي جعلته بسكب دمه عن أحب موسى شعب الله المكوBن من الشعب اليهودي، أما في العهد الجديد فنشأ مع المسيح شعب الله الجديد المنفتح على جميع

الشعوب.

من صليب المسيح نبع الغفران للجميع وتصالح الجميع مع الله: "وانا متى ارتفعت عن األرض، يقول يسوع، اجتذبت اليB الجميع"

(. لم يمت يسوع "عن األمBة اليهودية وحسب، بل ليجمع32: 12)يو قين" )يو Bوعندما "طعن52: 11أيضا في الوحدة أبناء الله المتفر .)

:19أحد الجنود جنب يسوع بحربة فخرج منه للوقت دم وماء" )يو ي المعمودية34 Bا لسر Aرأى آباء الكنيسة في الماء والدم رمز ،)

ا لوالدة الكنيسة التي تنشأ بالمعمودية وتترعرع Aواالفخاريستيا ورمز وتتوحد باالفخاريستيا. إنB الكنيسة، شعب العهد الجديد، ولدت من

فيض محبة الله التي ظهرت لنا في موت يسوع المسيح، وهيتترعرع وتنمو بقدر ما تشترك في تلك المحبة وتحققها في حياتها.

عاش يسوع تلك المحبة بتقدمة ذاته على الصليب، ويطلب منBباعه والتتلمذ له ان يدخل في تيار محبته: "من أراد كل من يريد ات

:9ان يتبعني فلينكر نفسه وليحمل صليبه كل يوم ويتبعني" )لوقا (. وفي العشاء السري طلب يسوع من تالميذه ان يأكلوا جسده24

ويشربوا دمه: "خذوا كلوا، هذا هو جسدي... اشربوا من هذا كلكم، هذا هو دمي...". فمن يأكل ذبيحة المسيح يدخل في جميع معاني

Bم حياته مع المسيح، ويغفر ويحبBتلك الذبيحة ويلتزم تطلباتها، فيقد كما غفر وأحبB المسيح، وهكذا يتحقق فيه العهد الجديد الذي أنشأه

المسيح بدمه بين الله واالنسان، عندما تسري في عروقه حياة

162

Page 163: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

الله، حياة المحبة والمغفرة، وهكذا يتحقق على مدى الزمنوالتاريخ الخالص الذي حققه يسوع بموته على الصليب.

ج( يسوع هو ابن الله الذي كشف لنا بموته سر الله تؤمن المسيحية ان يسوع الذي قدBم ذاته على الصليب ليسد في وال المسيح الملك وحسب، بل هو ابن الله، األقنوم Bبمجر

A الثاني من الثالوث األقدس. لذلك لم يكن موته على الصليب عمالA A عن حياته، إنما كان تعبيرا A عن كيان الثالوث األقدس وال خارجا غريبا

عن ذلك الكيان وتلك الحياة.

هنا يبلغ الالهوت المسيحي قمة الوحي في موضوع الفداءBوالخالص. لقد حصلت البشرية على الفداء والخالص ليس ألن

يسوع مات موت األنبياء وحسب، وليس ألنB المسيح قدBم حياتها عن خطايا البشر وحسب. رأينا في مقطع Aكحمل فصحي تكفير Aا سابق انB النظرة الى الفداء كإلى عمل قام به المسيح تسكين

A عمل محبة الله، فاآلب لغضب الله هي نظرة وثنية. فالفداء هو اوال احبنا وبذل ابنه الى الموت ألجلنا، واالبن أحبنا وبذل نفسه الى

الموت ألجلنا.

في نهاية العشاء الفصحي "رفع يسوع عينيه الى السماء وقال: يا أبتاه، لقد أتت الساعة! فمجBد ابنك لكي يمجBدك ابنك، ويعطي -وقدBدته السلطان على كل بشر- الحياة االبدية لجميع الذين اعطيتهم قل

له. والحياة األبدية هي ان يعرفوك، أنت االله الحقيقي الوحيد،(.4- 1: 17والذي أرسلته، يسوع المسيح" )يو

يحصل االنسان على الحياة والخالص عندما يعرف الله كما هو. وبموت يسوع على الصليب انكشف لنا سرB الله: الله محبة. وتلك

المحبة قد ظهرت لنا في حياة يسوع واعماله، وظهرت لنا في أقصى حدودها في موت يسوع على الصليب. فمن يؤمن بيسوع

Bله يخلص، ومن يحي� من تلك المحبة يجد الخالص على هذه وبما يمثاألرض ويحي� مع الله الى األبد.

اإليمان في المسيحية هو اإليمان بأن الله محبة. وهذا اإليمان هو كالصخرة الثابتة غير المتزعزعة التي تعطي من يبني بيته عليها

األمان واالطمئنان. والخالص يقوم في النهاية على اعتناق االنسانAا Aا وفكري Aا، وليس اعتناقAا عقلي هذا اإليمان بالله المحبة اعتناقAا وجوديBت عليه اساس كيانه ويحيا به، ويقوم على انفتاح االنسان فقط، فيثب

على الله مبدأ وجوده وينبوع حياته.

163

Page 164: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

انB قمة الوحي في التعريف بيسوع المسيح هو القول انه "ابن الله" أو "االبن". واالبن ال وجود له اال من اآلب وفي اآلب. انه ليسA عن جوهر اآلب. انه واآلب جوهر واحد. أقنومAا قائمAا بذاته ومنفصال انه في صميم كيانه وفي عمق جوهره انفتاح دائم وعطاء مستمBر

Bسه اال تعبير لبنوBته االلهية لآلب. انه "الكائن ألجل الله". وما تأن وتجسيد لجوهره الذي هو انفتاح وعطاء. لذلك كانت حياته حياة

انفتاح وعطاء ومحبة للناس. انه، في انفتاحه على اآلب، "الكائن ألجل الله"، وفي انفتاحه على اآلخرين، "الكائن ألجل اآلخرين". لم

يصنع في حياته اال مشيئة اآلب، وبذلك حقBق "كيانه ألجل الله". وفي بذل ذاته الى الموت حقق "كيانه ألجل اآلخرين"، وحقق

Zخد�م رسالته التي حدBدها هو نفسه بقوله: "ان ابن البشر لم يأت لي�خدZم ويبذل نفسه فداء عن كثيرين" )مر (.45: 10بل لي

عند سائر الناس رسالة الشخص منفصلة عن كيانه، فهو انسانA ثم له رسالته التي يعمل على تحقيقها. اما في يسوع المسيح اوال فالرسالة والكيان أمر واحد، فهو في كيانه االبن الذي ال وجود له

ا Aا وظهور Aوال حياة اال من اآلب ولآلب؛ وقد كانت رسالته تعبير لكيانه، فعاش ومات ألجل الله وألجل اآلخرين.

يجد االنسان الخالص عندما يتحد بيسوع المسيح ويحيا حياته في هذين البعدين: انفتاحه على الله وانفتاحه على اآلخرين. "اذهبوا في

العالم أجمع، واكرزوا باإلنجيل للخليقة كلها. فمن آمن واعتمد (. فمن يؤمن بيسوع المسيح وبإنجيله16: 16يخلص" )مرقس

Bر وبرسالته ويحي� حياته يخلص. والمعمودية هي السرB الذي يعب بواسطته المؤمن عن إيمانه بالمسيح وعن رغبته في الموت عن

الخطيئة والتحرر من عبوديتها للحياة مع الله كابن مع أبيه: "ان كل من يعمل الخطيئة، يقول يسوع، هو عبد للخطيئة. والعبد ال يقيمركم Bفي البيت على الدوام. اما االبن فيقيم على الدوام. فان حر

ا" )يو A36- 34: 8االبن كنتم في الحقيقة أحرار.)

يجد االنسان الخالص عندما يتوب عن خطاياه ويتخلBى عن انانيته ويعتنق رسالة يسوع المسيح ابن الله ويحيا حياة ابن الله في جميع ابعادها: "من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه، ويحمل صليبه كل يوم،

ويتبعني. فإنB من اراد ان يخلص نفسه يهلكها؛ وأما من أهلك نفسه (. فمن أراد ان يخلBص نفسه24، 23: 9من أجلي يخلBصها" )لوقا

ب والضياع. ال Bا عن الله وعن المسيح يهلكها ويعيش في التغرAبعيد ب والضياع وال يجد نفسه اال اذا أضاع Bيخلص االنسان من التغر

164

Page 165: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bقة وعن حياته نفسه ألجل المسيح، أي اذا تخلBى عن ذاته الضياألنانية ودخل في ذات الله وانفتح على حياته التي ال نهاية لها.

- يسوع المسيح خلBصنا بقيامته4�قZم، فإيمانكم باطل، وانتم بعد في خطاياكم؛ "ان كان المسيح لم ي

ومن ثمB فالذين رقدوا في المسيح أيضا قد هلكوا. ان كان رجاؤنا في المسيح، في هذه الحياة فقط، فنحن أشقى الناس أجمعين.

ولكن، ال، فإنB المسيح قد قام من بين األموات، باكورة للراقدين،A قيامة األموات. فكما ألنه، بما أنB الموت كان بإنسان، فبإنسان أيضاZحيا الجميع" ) أنه في آدم يموت الجميع، كذلك أيضا في المسيح سي

(.22- 17: 15 كور 1

ا يسأل نفسه: ما نفع حياة� Aا يائس Aحيال الموت يقف االنسان حائر Zها الموت والفناء؟ قيامة المسيح انقذت االنسان من الحيرة نهايت

واليأس امام الموت. لقد خلBصنا المسيح بموته من الخطيئة وبقيامته من الموت. لو لم يقم المسيح لبقيت الخطيئة مسيطرة

Bا أنA والموت سيدAا. لكن الله أقام يسوع مصدBقAا رسالته ومعلن الكلمة األخيرة هي للمغفرة ال للخطيئة، للمحبة ال للحقد، للحياة ال

للموت: "فليس اذAا بعد من قضاء على الذين في المسيح يسوع،رك من الخطيئة Bألن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد حر

(.2، 1: 8والموت" )روم

لقد قام المسيح وأرسل الينا روحه القدوس الذي يستمBر حضوره مدى التاريخ في ما بيننا وفي داخلنا. وهو الذي يجددنا تجديدAا دائمAا

ويقود الى الكمال الخالص الذي حققه المسيح في حياته وموتهوقيامته.

ما هي سائر أبعاد قيامة المسيح؟ وما هو عمل الروح القدس في امتداد خالص المسيح في الكنيسة وفي العالم أجمع؟ هذا ما

سنعالجه في الفصل الثامن.ــــــــــــــــــــــــــ

�ه الثاني �امة المسيح إلى مجيئ �ه الثانيالفصZل الثامن م�ن قي �امة المسيح إلى مجيئ الفصZل الثامن م�ن قيZب، وصعد إلى السماء وجلس "وقام في اليوم الثالث كما في الكت

A يأتي بمجد� عظيم ليدين األحياء� عن يمين الله� اآلب، وأيضاواألموات، الذي ال فناء لملكه".

165

Page 166: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

�م� تطلبن� بين األموات م�ن هو حيB؟ انه ليس ههنا، لكنه قد قام" "ل (. بهذه الكلمات أعلن المالئكة بشرى قيامة المسيح5: 24)لو

للنسوة اللواتي جئن قبره مع فجر اليوم األول من األسبوع. وبعد أن ارتفع يسوع عن أبصار التالميذ ظهر لهم مالكان وقاال: "ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء؟ إنB يسوع هذا، الذي ارتفع عنكم الىA الى السماء". انB قيامة السماء، سيأتي هكذا، كما عاينتموه منطلقا المسيح وصعوده الى السماء ومجيئه الثاني المجيد هي ثالثة أحداثBر من خاللها المسيحية عن إيمانها بمصير يسوع الناصري من بعد تعب

موته ودفنه. وتلك األحداث الثالثة مرتبطة بعضها ببعض بحيث الين. Zفه�م الواحد منها دون اآلخر� يمكن أن ي

�ا" )أعمال ( لشهود3: 1انB يسوع "من بعد تألمه أرى نفسه حيBروا عن إيمانهم بقيامة كثيرين. فمن هم شهود القيامة وكيف عب المسيح في مختلف أسفار العهد الجديد؟ ثمB ما هي أبعاد قيامة المسيح وعالقتها بصعوده الى السماء وجلوسه عن يمين اآلب؟

A ما هي عالقة هذين الحدثين بالمجيء الثاني المجيد؟ وأخيرا

الق�سم األول شهود قيامة المسيحالق�سم األول شهود قيامة المسيح ان الحدث التاريخي الذي يرتكز عليه إيماننا بقيامة المسيح هو

إيمان الرسل بها. لقد عاش الرسل مع يسوع في حياته وشاهدوا صلبه. ومن بعد موته نسمعهم يعلنون إيمانهم بقيامته ويشهدون

A أن يشكB بأنB الرسل آمنوا لهذا االيمان حتى الموت. ال يمكن أحداBله، ولكنة ال بقيامة المسيح. وقد يقدم أحد على التهوBس ألمر يتخي

Zعق�ل أن يقدم الرسل كلهم على الشهادة حتى الموت ألمر� ما، إن يBيجدر الموت في سبيله. ان A A خاصا لم يختبروا في هذا األمر اختبارا

�ا لهم". لقد اختبروا أنه حيB وسمعوه المسيح قد "أرى نفسه حي يرسلهم الى التبشير وراحوا يعلنون ما اختبروا ويكرزون بما

A سمعوا. قبل القيامة كانوا "مختبئين في منزل أبوابه موص�دة خوفا (، وبعد القيامة نراهم يشهدون اليمانهم19: 20من اليهود" )يو

أمام األلوف من اليهود المجتمعين في أورشليم لعيد العنصرة، معلنين أنB يسوع الذي صلبه اليهود قد أقامه الله. ومن تلك

البشارة نشأت الكنيسة التي يمكن التعريف بها انها جماعة الذينيؤمنون بأنB يسوع قد قام ويبنون حياتهم على هذا االيمان.

انB الكرازة بقيامة المسيح قد وصلت الينا في ثالثة مصادر، كل منها يشهد لها بطريقة خاصة: أعمال الرسل ورسائل بولس

واألناجيل.

166

Page 167: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- أعمال الرسل1 نجد في سفر األعمال كرازة الرسل األولى. في خمس خطب،

وفي أوضاع وظروف مختلفة، نسمع بطرس ويوحنا وبولس يعلنون .80البشرى نفسها. كتب لوقا سفر أعمال الرسل حول سنة

فيمكننا أن نتساءل: هل الخطب التي يضعها لوقا على لسانA أم هي من تأليفه هو؟ انB دراسة نص الرسل قد فاهوا بها حقا

ع وخاتمة تشير الى أنB الصيغة Bالخطب وتصميمها من استهالل وتوس التي وردت فيها إلينا هي من وضع لوقا. لكنB النقد األدبي أظهر أنها

تحوي عبارات مترجمة من اآلرامية. لذلك يجمع أهل االختصاصA بل استند في وضعها الى وثائق على أنB لوقا لم يختلقها اختالقاA لكرازة قديمة كتابية أو شفوية. فيمكننا إذن اعتبارها صدى أمينا

الرسل في السنوات األولى لكنيسة أورشليم.

أ( الخطبة األولى فاه بها بطرس يوم العنصرة: "ان يسوع الناصري، االنسان الذي

Bده الله لديكم بالعجائب والمعجزات واآليات، التي أجراها على يده أي في ما بينكم، كما أنتم تعلمون -ذاك الذي أسلم بحسب مشيئة الله

A بأيدي األثمة، قد أقامه المحدودة وعلمه السابق، فقتلتموه صلباA قيود الموت، اذ لم يكن في وسع الموت أن يضبطه... الله، ساحقا

A شهود بذلك... ان يسوع هذا فيسوع هذا قد أقامه الله، ونحن جميعاA. فلما سمعوا ذلك �ا ومسيحا الذي صلبتموه أنتم قد جعله الله رب انصدعت قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: ماذا علينا أن

نصنع، أيها الرجال االخوة؟ فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة خطاياكم، فتنالوا موهبة

الروح القدس... فاعتمد الذين قبلوا كالم، وانضمB الى الكنيسة في(.41- 22: 2ذلك اليوم ثالثة آالف نفس" )

A، انB يسوع قد صلبه يمكننا إيجاز هذه البشرى في أربع نقاط: أوالA، والرسل جميعا هم شهود A، لكنB الله قد أقامه؛ ثالثا اليهود؛ ثانيا

A، فتوبوا واعتمدوا باسمه. بذلك؛ رابعا

ب( الخطبة الثانيةA أمام الهيكل، A أمام الشعب، بعد شفائه مقعدا ألقاها بطرس أيضا وبهد فيها النقاط األربع ذاتها: "لقد قتلتم مZبد�ئ الحياة، الذي أقامهA وتوبوا لكي الله من بين األموات، ونحن شهود بذلك... فاندموا اذا

(.19- 15: 3تمحى خطاياكم" )

ج( الخطبة الثالثة

167

Page 168: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فاه بها بطرس ويوحنا أمام رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة الذين قبضوا عليهما بعد شفائهما المZقع�د، "مستائين لتعليمهما الشعب

وندائهما في يسوع بالقيامة من بين األموات... وسألوهما: بأيB قوBة وباسم م�ن فعلتما هذا؟ فقال لهم بطرس: انه باسم يسوع المسيح

الناصري -الذي صلبتموه أنتم، وأقامه الله من بين األموات- بهA. فذاك هو الحجر الذي ازدر يتموه. وقف هذا الرجل أمامكم متعافياA للزاوية، وما من خالص بأحد غيره، Bاؤون، الذي قد صار رأسا أيها البن

اذ ليس تحت السماء اسم آخر أعطي في الناس، به ينبغي أنBا وسمعنا" ) Bم بما عاين Bا ال نقدر أن ال نتكل (.20- 2: 4نخلص... إن

د( الخطبة الرابعة فاه بها بطرس أمام كرنيليوس قائد المئة: "أنتم تعلمون بما قد

جرى في اليهودية... كيف مسح الله بالروح القدس والقدرة يسوع الناصري... ونحن شهود بكل ما صنع في أرض اليهود وفي

Bقين إياه على خشبة. فهذا قد أنهضه أورشليم، هو الذي قتلوه معلBه، بل لشهود قد الله في اليوم الثالث، وآتاه أن يظهر، ال للشعب كل

اصطفاهم الله من قبل، لنا، نحن الذين أكلوا وشربوا معه بعد نهوضه من بين األموات، وقد أوصانا أن نكرز للشعب، ونشهد بأنهA لألحياء واألموات، وله يشهد جميع األنبياء، Bانا هو الذي أقامه الله دي

(.43- 37: 10بأن كل من يؤمن به ينال باسمه مغفرة الخطايا" )

هـ( الخطبة الخامسة ألقاها بولس في مجمع اليهود في انطاكية بيسيذية: "ان القاطنين في أورشليم ورؤساءهم، اذ لم يعرفوه، أتمBوا، بالقضاء عليه، أقوال

Bة األنبياء التي تتلى في كل سبت، ومع أنهم لم يجدوا عليه علZقتل، واذ أتمBوا كل ما كتب عنه، للموت، التمسوا من بيالطس أن ي

أنزلوه عن الخشبة، وجعلوه في قبر، لكن الله أنهضه من بينA كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل الى األموات، وتراءى أيامارتم OشZ أورشليم، الذين هم اآلن شهوده عند الشعب... فبه قد ب

ر كل مؤمن، من كل ما لم تستطيعوا أن Bبمغفرة الخطايا، وبه يتبر روا منه بناموس موسى" ) BبرZ (.39- 27: 13ت

Bر الرسل في خطاباتهم هذه األولى عمBا اختبروه بعد موت لقد عب يسوع، عن تلك الحقيقة التي كانت وال تزال أساس إنشاء الكنيسة،

والتي كوBنت وال تزال تكوBن جوهر اإليمان المسيحي: انB يسوع المسيح هو مخلBص العالم. فقد مسحه الله بالروح القدس والقدرة،Bاه على Oقين إي B أنB اليهود قتلوه معل فاجتاز وهو يحسن الى الجميع، إال خشبة. لكنB الله قد أقامه، والرسل شهود لقيامته، فقد تراءى لهم

168

Page 169: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

وأوصاهم أن يكرزوا به ويعمBدوا باسمه لمغفرة الخطايا ومنح الروحالقدس. كل من يؤمن به ينال البرB والخالص.

A في رسائل بولس. تلك هي الشهادة الجوهرية التي نجدها أيضا

- رسائل بولس2 انB أقدم شهادة لقيامة المسيح نجدها في رسالة بولس األولى

Zتب في ربيع سنة Bركم،56الى الكورنثيين التي ك Zذك . يقول فيها: "أرتكم به... وبه تخلBصون... فإني قد Bأيها االخوة. اإلنجيل الذي بش سلBمت اليكم ما قد تسلBمت أنا نفسي: ان المسيح قد مات من�ر، وانه قام في اليوم أجل خطايانا، على ما في الكتب؛ وانه قZب

الثالث على ما في الكتب، وانه تراءى لكيفا ثم لالثني عشر؛ ثمA -أكثرهم باق� حتى اآلن وبعضهم تراءى ألكثر من خصص مئة أخ معا رقدوا- ثم تراءى ليعقوب، ثم لجميع الرسل؛ وآخر الكل، تراءى لي

Bما للسOقط ) A كأن (.8- 1: 15 كور 1أنا أيضا

Bمه هو نفسه: "انBم الى الكورنثيين ما تسلB يقول بولس انه سل المسيح مات وقZبر وقام وتراءى لبطرس وسائر الرسل". تلك

Bمها بولس في دمشق عند ارتداده، وكان ذلك سنة الشهادة قد تسل أي خمس سنوات بعد قيامة المسيح. ثم يضيف شهادته35- 34

.A الخصية: فالمسيح القائم من بين األموات تراءى آخر الكل له أيضا (: نور من السماء9- 3: 9وهذا الترائي يرويه سفر أعمال الرسل )

أبرق حول بولس وسمع صوت المسيح يقول له: "أنا يسوع الذيتضطهده!".

A A مفصyال ال نجد في سفر أعمال الرسل وال في رسائل بولس وصفا ألحداث قيامة المسيح وظهوراته لتالميذه. فاالثنا عشر وبولس

يقتصرون على تأكيد تلك القيامة كحقيقة ال جدل فيها، بها يحيونA الى الكتاب ولها يشهدون حتى الموت، ويعلنون معناها استنادا المقدس. فقيامة المسيح هي ينبوع خالص لالنسان على هذه

األرض وعربون قيامته بعد الموت: "ان اعترفت بفمك أنB يسوع هو، وآمنت في قلبك أن الله قد أقامه من بين األموات، فإنك Bرب

(. "إن كنا نؤمن أن يسوع قد مات ثم قام،9: 10تخلص" )روم 1فلنؤمن كذلك أن الذين رقدوا في يسوع سيحضرهم الله معه" )

(.14: 4تسا

169

Page 170: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

- األناجيل3A شهادات كثيرة لقيامة المسيح في األناجيل األربعة التي نجد أيضاZتب سنة تعود الى الثلث األخير من القرن األول. فإنجيل مرقس ك

، وانجيل متى اليوناني الذي بين80 و70؛ وانجيل لوقا بين 67Zتب حول سنة Zرجم عن انجيل آرامي مفقود، ك ،80أيدينا، وقد ت

Zتب حول سنة A انجيل يوحنا ك B أنB هذه األناجيل قد95وأخيرا . إالرون به منذ قيامة المسيح، مستندة في Bنت ما كان الرسل يبشBدو

ذلك الى تقاليد شفوية والى مجموعات كتابية من أقوال يسوعوأحداث حياته وسيرة آالمه وقيامته.

A انB من يقرأ سيرة قيامة المسيح في هذه األناجيل يصطدم أوال بما فيها من اختالف في سرد األحداث التي رافقت هذا الحدث

األساسي في اإليمان المسيحي.

A اختالف في تحديد النسوة اللواتي ذهبن الى القبر: فهنالك أوال (، "مريم1: 28"مريم المجدلية ومريم األخرى"، حسب متى )

� يعقوب وصالومي"، حسب مرقس ) (؛1: 16المجدلية ومريم أم"، حسب Bمعهن Bخر كنZ "مريم المجدلية وحنة ومريم أم يعقوب وأ

A بطرس الرسول )10: 24لوقا ) (؛12: 24( الذي يضيف أيضا "مريم المجدلية" وحدها، ثم "بطرس والتلميذ اآلخر"، حسب يوحنا

(20 :1 ،3.)

A اختالف في تحديد األشخاص الذين ظهر لهم المسيح: هناك أيضا (؛ مريم المجدلية وحدها، حسب9: 28النسوة، حسب متى )

(؛ تلميذا عمBاوس، حسب لوقا )14: 20( ويوحنا )9: 16مرقس ) (. وتذكر األناجيل األربعة ترائي يسوع12: 16( ومرقس )13: 24

A، وينفرد لوقا في ذكر ظهور خاص لبطرس ) :24للرسل كلهم معا34.)

انB هذه االختالفات تبقى ثانوية بالنسبة الى ما يتفق عليه االنجيليون األربعة في كرازتهم بقيامة المسيح. وتلك الكرازة تشمل

A، انB يسوع قد تراءى من بعد موته للرسل األحد ثالثة أمور: أوBالA؛ انB الرسل قد آمنوا أنB يسوع عشر وبعض النسوة والتالميذ، ثانياA، القبر الذي دZفن قام من بين األموات وهو اآلن حيB مع اآلب؛ ثالثا

A من جسده. فيه يسوع وZجد في اليوم الثالث فارغا

Bر االنجيليون عن ع في هذه األمور الثالثة لنرى كيف عب Bسنتوس إيمان الكنيسة األولى بقيامة المسيح.

170

Page 171: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

أ( يسوع تراءى لتالميذهنوعان من الترائيات

يذكر االنجيليون نوعين من ترائيات يسوع لتالميذه من بعد قيامته: (35- 13: 24ترائيات شخصية لبعض األفراد، كتلميذي عمBاوس )لو

Bر عن18- 11: 20ومريم المجدلية )يو (، وهذه الترائيات تعب االختبار الشخصي لقيامة المسيح الذي يختبره المؤمنون لدى

سماعهم كلمة الله وتناولهم عشاء الرب في االفخارستيا؛ ثمB ترائي ؛18- 15: 16؛ مر 20- 16: 28جماعي للرسل األحد عشر )متى

Bن23- 19: 20؛ يو 53- 36: 24لو (. في هذه النصوص يبي االنجيليون أن الكرازة بقيامة المسيح مبنية على ترائي المسيح

للرسل األحد عشر، فهم الشهود الرسميون للقيامة وإليهم وكلBد كل المسيح رسالة التبشير باسمه. وفي رواية هذا الترائي يؤك

انجيلي ناحية خاصة من سرB المسيح.

( يتراءى يسوع لتالميذه على جبل20- 16: 28ففي متى )Bرنا بعظة يسوع على الجبل التي أعلن فيها الجليل. وهذا يذك

(. فإنB يسوع هو موسى الجديد الذي1: 5شريعته الجديدة )متى يطلب من تالميذه أن يعلBموا جميع األمم وصاياه الجديدة ويعمBدوهم باسم اآلب واالبن والروح القدس. ولكن بينما سجد موسى لله على

جبل سيناء، يسجد التالميذ هنا ليسوع، فإنه هو ربB المجد وابنالبشر الذي دفع اليه الله كل سلطان.

yز االهتمامZ عليه49- 36: 24أمBا في لوقا ) ( فاألمر الهام الذي يركر لتالميذه الكتب ويزيل الشك من قلوبهم ويعدهم Bيسوع يفس Bهو ان

بأن يرسل اليهم الروح القدس. وبواسطة حضور الروح القدس يتحقق وعد يسوع، الذي تحدث عنه انجيل متى، "بأن يكون مع

تالميذه كل األيام الى انقضاء الدهر".

( فيدور الموضوع حول متابعة رسالة39- 19: 20وأمBا في يوحنا ) المسيح. فالرسالة التي يكلها يسوع إلى تالميذه هي ذاتها التيZرسلكم". ثم تلقBاها من اآلب: "كما أنB اآلب أرسلني كذلك أنا أ

يعطيهم الروح القدس وسلطان مغفرة الخطايا. وهكذا تبدو رسالةA في سرB الثالوث األقدس. الكنيسة دخوال

كيف تراءى يسوع لتالميذه؟

171

Page 172: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ان اللفظة التي استعملها بولس للتعبيرعن اتصال المسيح بتالميذه من بعد قيامته هي فعل "تراءى": "تراءى لكيفا ثم لالثني عشر... ثم ترائى ليعقوب ثم لجميع الرسل، وآخر الكل تراءى لي

( "A (. وصيغة الفعل اليونانية المستعملة هنا8- 1: 15 كور 1أنا أيضاتعني باألحرى "أرى نفسه".

:24وهذه اللفظة يستعملها لوقا في ترائي المسيح لبطرس )لو (، وترد في مواضع مختلفة من العهد القديم: في الحديث عن34

(،1: 17؛ 7: 12ترائي الله البراهيم )"يتراءى الرب ألبرام": تك ولمنوح وزوجته في سفر القضاة )"ولم يعد مالك الرب يتراءى

A هذه اللفظة في مختلف21: 13لمنوح وزوجته": قض (. ونجد أيضا أسفار العهد الجديد: فالك الرب تراءى لزخريا وهو في الهيكل )لو

(، وفي تجلي يسوع على جبل ثابور تراءى موسى وايليا في11: 1 (؛ وفي نزاع يسوع3: 17؛ متى 4: 9؛ مر 31: 9مجد للتالميذ )لو

:22في بستان الزيتون تراءى له مالك من السماء ليشدBده )لو (؛ ويوم العنصرة تراءت للرسل ألسنة منقسمة كأنها من نار43

(، وهناك نشيد قديم يستخدمه بولس في رسالته3: 2)أعمال تيم1األولى الى تيموثاوس يتكلم عن يسوع الذي تراءى للمالئكة )

3 :16.)

وهناك تفسير لترائي الله البراهيم نقرأه في كتابات الفيلسوف اليهودي فيلون االسكندري يقول فيه: "ليس ابراهيم هو الذي رأى

الله، بل انB الله هو الذي أرى نفسه البراهيم".

انB استعمال هذه اللفظة في ترائيات يسوع لتالميذه من بعد قيامته يشير الى أمرين: األمر األول هو اإلصرار على أنB ظهور

A A حصل للتالميذ وال نسجا المسيح لتالميذه من بعد قيامته ليس توهما من خيالهم. فيسوع هو صاحب المبادرة في إظهار نفسه. وبما أنه

قد أرى نفسه للتالميذ فهذا يعني أنه حيB، كما أنB الله الحي قد أرىA لم يكونوا ضحية أوهام وتخيالت عندما نفسه البراهيم. فالتالميذ اذا

A بعد قيامته. شهدوا أنB يسوع تراءى لهم حيا

Bة تصوBر الحالة التي تراءى فيها يسوع أمBا األمر الثاني فيتعلBق بكيفي لتالميذه. فهل يختلف هذا الترائي عن سائر الترائيات التي يذكرها الكتاب المقدس في العهد القديم وفي العهد الجديد؟ وهل يختلف

عن ترائيه لبولس على طريق دمشق؟ ففي رواية هذا الترائي يذكرA، لكنهم لم سفر أعمال الرسل ان مرافقي بولس "سمعوا صوتا

A" )أعمال Bهم7: 9يروا أحدا B أن Bهم "رأوا النور، إال (، وفي موضع آخر ان

172

Page 173: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(. فهل كان ترائي9: 22لم يفقهوا صوت الذي يكلBمه" )أعمال A بحيث يمكن التقاطه بآلة تصوير أو يستطيع أي A ماديا المسيح ترائيا

انسان غير مؤمن أن يشاهده؟

Bري الكتاب المقدس الى القول بأنBيتجه اليوم معظم مفس ترائيات يسوع لتالميذه من بعد قيامته لم تكن ترائيات مادية يمكن

تيقBنها بأعين الجسد المادي، بل ترائيات روحية ال يمكن رؤيتها إالبأعين االيمان.

قد يعترض البعض قائلين: ولكن هناك مقاطع في االنجيل تدل على عكس ذلك: "واذ كانوا بعد غير مصدBقين من الفرح، منذهلين،

قال لهم: "هل عندكم ههنا طعام؟" فقدBموا له قطعة من السمك (. وفي انجيل يوحنا،43- 41: 24المشوي. فأخذ وأكل أمامهم" )لو

،Bعندما يظهر لتوما يقول له: "هات إصبعك الى ههنا وانظر يدي A" )يو :20وهات يدك وضعها في جنبي، وال تكن غير مؤمن بل مؤمنا

27.)

ال يمكننا قراءة هذه النصوص قراءة مادية حرفية، بل يجب البحثA على من خاللها عن هدف االنجيليين وهو هدف مزدوج: اإلصرار أوال

أنB الرسل ليسوا أمام وهم جماعي وال أمام تخيل شخصي، فقدA Bلوا انسانا Bهم ال يستطيعون ان يتخي Bلون وجود روح أمامهم ولكن يتخي

A أمامهم في روحه له لحم وعظم ويأكل أمامهم، فإنB يسوع حقاA على انB يسوع وفي جسده أي في كامل شخصه؛ واإلصرار ثانيا

الذي ظهر للرسل هو نفسه الذي صZلب، وهذا معنى االشارة الىآثار المسامير في يديه والحربة في جنبه.

ب( الرسل آمنوا أنB يسوع قد قاماإليمان اختبار شخصي

Bد جميع االنجيليين أنB اإليمان عنصر أساسي في ترائي المسيح يؤك لرسله. ففي ترائي يسوع لتوما يقول له: "أفألنك رأيت آمنت؟

(، وفي إنجيل29- 27: 20طوبى للذين يؤمنون ولم يروا!" )يو A الى الكتاب المقدس: لوقا يفتح يسوع أذهان تالميذه ليؤمنوا استنادا

Bه ال بد أن يتمB "ثم قال لهم: ذلك ما قلت لكم اذ كنت بعد معكم، ان جميع ما كتب عني في ناموس موسى، وفي األنبياء والمزامير".

�ب: انه Zت عندئذ فتح أذهانهم ليفهموا الكتب، وقال لهم: "هكذا كBم، وأن يقوم من األموات في اليوم الثالث" ينبغي للمسيح أن يتأل

(.46- 44: 24)لو

173

Page 174: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ان االيمان ال يستند الى وقائع مادية يمكن تحققها بالوسائلA العلمية الخارجة عن االنسان. انه نور داخلي يمأل االنسان يقينا

A الى بحضور الله وقدرته. فالرسل لم يتحققوا حدث القيامة استنادا براهين علمية خارجية. انهم أوائل م�ن آمنوا بقيامة المسيح. لقد

آمنوا بحضور الله في شخص يسوع المسيح، وآمنوا أن الله قد أقاميسوع وسحق الموت.

يقول أحد الالهوتيين المعاصرين: "ان اللقاء مع المسيح القائم هو، في نظر العهد الجديد، لقاء مع الله واختبار لله. انB ما ظهر للرسل هو حقيقة ملكوت الله الذي جاء بشكل نهائي في يسوع المسيح بموته. انB ما تراءى للرسل هو ضياء مجد الله على وجه

المصلوب. ترائيات يسوع هي الوحي االسكتولوجي، الوحي األخير، الذي به يوحي الله بذاته. فالله هو الذي يكشف ذاته، ويكشف

مجده على وجه يسوع المسيح. ما رآه التالميذ هو مصلوب البارحة في مجد الله. هذا الوحي لله ولمجده هو األساس الحقيقي لإليمان الفصحي ولإليمان بوجه عام، ألنB اإليمان هو اختبار الله غاية الحياة وهدفها. وهذا اإليمان ال يمكن أن يستند الى أحداث وبراهين خاصة،بل الى أمانة الله وحقيقته اللتين تفرضان نفسيهما على االنسان".

A نؤمن اليوم بقيامته. إنB الرسل آمنوا بقيامة المسيح، ونحن أيضافهل من فرق بين إيمان الرسل وإيماننا نحن؟

اإليمان اختبار شخصي، واالختبار الشخصي يصعب التعبير عنه.A، بقدر ذلك يصعب التعبير A وعميقا وبقدر ما يكون االختبار شخصيا

عنه وإبالغه بكل أبعاده لآلخرين. اننا نجد بعض الصعوبة للتعبير عن اختبارنا التعبير المالئم، فكم باألحرى يصعب علينا إدراك اختبار

A تمام المطابقة للواقع. A مطابقا الرسل والتعبير عنه تعبيرا

كل ما نستطيع قوله عن اختبار الرسل لقيامة المسيح هو أنهمA A جديدا القوا المسيح من بعد موته في لقاء شخصي واختبروا اختبارا انB المسيح حيB وأنه حاضر بينهم. اختبارنا نحن ال يختلف في أبعادهA عن عن إيمان الرسل. "فإن دخل انسان غير مؤمن ال يعرف شيئا

المسيحية الى مكان يؤدBي فيه المسيحيون شعائر العبادة، شعر،Bما يجري. وان سألهم عنه أجابوا: ان A من خالل موقفهم، أنB أمرا الرب يسوع حاضر بيننا، وهو يدعونا الى مائدته، ونحن نأكل معه

A روايات A مدهشا ونستمع إليه ونخاطبه... انB هذا الجواب يشبه شبهاA: يقال في هذه الروايات انB الرسل االنجيليين. لكنB هناك فرقافوا اليه مدة حياته األرضية، Bعرفوا انه يسوع. لقد سبقوا وتعر

174

Page 175: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

فبإمكانهم أن يتحقBقوا أنB اختبار القائم من بين األموات الذي يختبرونه اآلن يطابق اختبار يسوع األرضي الذي اختبروه من قبل. وهذا األمر ال نقدر عليه نحن. فلكي نتحقق صدق اختبارنا ال بدB لنا

أن نقارنه باختبار الرسل. ال شكB أنB االختبار نفسه هو واحد في كلتاA في عمق أبعاده، لكنB الرجوع الى الحالتين وال يختلف أساسا

Bه حياة يسوع بالنسبة الى Bته ويصدBقه يختلف: إن الماضي الذي يثبالرسل، واختبار الرسل بالنسبة إلينا".

A الى إيمانهم إنB إيماننا نحن يستند الى إيمان الرسل: استنادا، ونفتح قلوبنا لنالقيه Bالمسيح حي Bنؤمن أن A واختبارهم نحن أيضا

ونحيا من حياته.

إنB الكنيسة هي جماعة المؤمنين الذين يتناقلون شهادة الرسل بقيامة المسيح ويحقBقونها في حياتهم، ويشهدون بدورهم أنBه بروحه حاضر في العالم وفي تاريخ البشر . المسيح حيB وأن

العالقة بين الظهورات وااليمانBه حيB. فترائي قلنا انB المسيح تراءى للرسل، والرسل آمنوا بأن

المسيح وإيمان الرسل هما أمران يجب التمييز بينهما، ولكن دونفصل أحدهما عن اآلخر.

نقرأ في بعض كتب الالهوت المعاصرة أنB المسيح لم يتراء�Bه قد قام، وما ظهورات المسيح إال لرسله، إنما هم آمنوا به وآمنوا أن تعبير بأسلوب روائي عن إيمان الرسل بقيامته. ان هذا التفسير هو

A ردBة فعل على التفسير الذي يعتبر ظهورات المسيح أمورا موضوعية يمكن فصلها عن االيمان وتحقBقها ببراهين علمية ثابتة. بين هذين التفسيرين: التفسير الذي ال يرى في القيامة إال إيمان

الرسل بها، والتفسير الذي يفصل القيامة عن إيمان الرسل، هناكBز ظهورات المسيح عن إيمان الرسل دون أن مجال لتفسير آخر يمي

يفصل بينهما. وهذا التفسير يبدو لنا أقرب الى حقيقة الله وحقيقةاالنسان في آن واحد.

.A A شخصيا A روحيا يرتكز هذا التفسير على اعتبار اإليمان اختباراB A لشيء خارج عن االنسان، وإال ولكنB االختبار ال بدB أن يكون اختباراA لقاء بين االنسان وموضوع A. إنB االختبار هو حتما Bال A وتخي أصبح توهما

Bز عنه. متمي

175

Page 176: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

في هذا يقول أحد الالهوتيين المعاصرين: "يجب أال نفصل "الموضوع" )أي قيامة يسوع وارتفاعه الى عند اآلب اللذين حدثاBر عنه روايات في الواقع( عن "الذات" )أي اختبار اإليمان كما تعب الظهورات(. دون اختبار اإليمان المسيحي ينقصنا العنصر القادر على إدراك المسيح القائم. وعلى عكس ذلك، دون قيامة يسوع

نفسه ال وجود الختبار فصحي. إنB الحدث الفصحي هو االختبارBهم اختبروا أنB يسوع الذي الفصحي الذي اختبره التالميذ )أي إن

عاشوا معه هو وحده المسيح المخلBص النهائي للبشر(، ولكنB منبعهذا االختبار هو المسيح القائم.

"وقيامة المسيح ال تعني فقط انB الله قد أقامه من بين األموات،A: أخصBاؤه الذين A انB الله يعطيه جماعة يكون فيها حاضرا بل أيضا

يجتمعون من جديد ويصبحون كنيسته. وهذا يفرض أن تكون قيامةBيسوع هي في الوقت نفسه حضوره السماوي في ما بيننا... ان

قيامة يسوع وحضوره السماوي بين أخصBائه الذين على األرض هما وجهان لحقيقة واحدة، بحيث إنB التالميذ ال يعرفون ما حدث ليسوعB من خالل حضوره من جديد في ما بينهم نفسه، أي انه قد قام، إال

وبواسطة هذا الحضور".

يرى هذا الالهوتي ان ترائيات المسيح للرسل تعني في الواقعB أنه يضيف انB تلك خبرة إيمان الرسل لحضور المسيح بينهم، إال

الخبرة ليست سوى وجه واحد لحقيقة القيامة. فالوجه اآلخرBه قد دخل في مجد المالزم لتلك الخبرة هو أنB يسوع قد قام، أي ان

اآلب.

ج( القبر الفارغBدهما األناجيل في إطار روائي في وهذان الوجهان هما ما تؤك

روايات القبر الفارغ. يروي االنجيليون انB بعض النسوة أتين القبر "في اليوم األول من األسبوع". أمBا سبب مجيئهن الى القبر فيختلفBطن يسوع" حسب الروايات: فمرقس يقول: "انB النسوة أتين "ليحن

(، وكذلك لوقا: "جئن مع الفجر الى القبر يحملن الحنوط1: 16)مر (؛ أمBا متى فيقول: "لما انقضى السبت،1: 24الذي أعددنه" )لو

عند فجر اليوم األولى من األسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريمA عن1: 28األخرى لتنظرا القبر" )متى (، وكذلك يوحنا ال يذكر شيئا

(.1: 20الحنوط )يو

Bفق االنجيليون في ذكر القبر الفارغ: لمBا وصلت النسوة الى ثم يت القبر وجدن الحجر الذي كان على باب القبر قد دZحرج، ودخلن

176

Page 177: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

القبر ولم يجدن جسد يسوع. ولتفسير حدث القبر الفارغ، يظهر لهنB "شاب جالس الى اليمين، عليه لباس أبيض"، يقول مرقس

(. هذا الشاب يقول عنه متى انه "مالك الرب انحدر من5: 16)مر السماء، وأتى ودحرج الحجر وجلس عليه، وكان منظره كالبرق

(. أما لوقا فيتكلم عن "رجلين3- 2: 28ولباسه أبيض كالثلج" )متى اقة" )لو Bويوحنا عن "مالكين بثياب بيض"4: 24عليهما ثياب بر ،)

(.12: 2)يو

هل هذه الرواية تاريخية بكل تفاصيلها؟ هل أتت النسوة الى القبر لتحنيط جسد يسوع أم لرؤية القبر؟ هل ظهر لهنB مالئكة، بثياب

A من جسد يسوع؟ في االجابة على A فارغا بيض؟ هل وجدن القبر حقا هذه األسئلة يجب التمييز بين فراغ القبر من جسد يسوع ورواية

هذا الحدث كما ورد في األناجيل.

انB فراغ القبر من جسد يسوع تقليد قديم في أورشليم وأمر يجمع عليه االنجيليون األربعة. لذلك، وان كان بعض مفسBري الكتاب

A A رمزيا ون بتاريخية هذا التقليد ويعتبرونه أمرا Bالمقدس اليوم ال يقر B أن معظم المفسBرين للداللة على دخول المسيح في حياة الله، إالA لما نشأ والالهوتيين يقولون انه لو لم يوجد القبر في الواقع فارغا

هذا التقليد القديم وال استطاع أن يثبت ويصمد.

رين أنها نشأت من Bاما رواية هذا الحدث فقد افترض بعض المفس عادة قديمة عند اليهود كانت تقضي بزيارة قبور األنبياء والصدBيقين

A مع هذه العادة كان المسيحيون واألقرباء للذكرى والصالة. تمشيا األوBلون يحجBون الى قبر يسوع، الى قبر فارغ، ويعلنون إيمانهم

بقيامته. من هنا نشأت رواية أولى، أعاد كل من االنجيليين النظرBر من خاللها عن فكره الالهوتي. انها ليست فيها على طريقته وعب

روايات تاريخية بقدر ما هي روايات الهوتية. لذلك تتضمBن، الى جانب شهادة االيمان بقيامة المسيح، عناصر ال يمكن تفسير ها

.A A وحرفيا A ماديا تفسيرا

A دZفن منذ ثالثة أيام، كما Bطن ميتا فمجيء النسوة الى القبر ليحن يقول مرقس ولوقا، يناقض كل التقاليد اليهودية وال يتالءم مع ما هو

معروف عن المناخ الحار في فلسطين. لكن هذا التحنيط يتخذ معناه الحقيقي اذا فهمناه كتمهيد أدبي إلعالن قيامة المسيح: جاءت

Bطن يسوع أي ليبقينه في الموت، فاذا هو النسوة الى القبر ليحن حيB قد تغلBب على الموت. كذلك قولهنB بعضهنB لبعض "من يدحرج

لنا الحجر عن باب القبر" ليس سوى صيغة أدبية وسؤال تمهيدي

177

Page 178: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Zخرج بقدرة الله الى Zغل�ق عليه في القبر بل أ للتأكيد أنB المسيح لم يA A وال حاجز مهما كان عظيما الحياة، إذ ال حجر مهما كان كبيرا

يستطيع أن يمنع قدرة الله من أن تعتلن وتنهض يسوع من الموت.

A على قيامة المسيح. انه ال ثمB انB فراغ القبر ليس في ذاته برهاناB على ضوء اإليمان. أمBا غير المؤمن فقد يقول يأخذ هذا المعنى إال

A وسرقوه!..." )متى :28كما قال اليهود: "انB تالميذه جاءوا ليال (، أو كما قالت مريم المجدلية: "أخذوا سيدي وال أدري أين13

(.13: 20وضعوه" )يو

ان فراغ القبر يحتاج الى تفسير، وهذا التفسير يصفه االنجيليون على لسان المالئكة. فرسالة المالئكة في الكتاب المقدس تقوم

على إعالن ارادة الله وتفسير معنى األحداث والتشديد على تدخBل الله في حياة البشر. هذا ما يقوم به المالئكة الى جانب قبر

المسيح: يعلنون للنسوة قيامة يسوع ويطلبون منهنB تبشير الرسلبذلك:

Bكن تطلبن يسوع المصلوب. انه ليس ! اني أعلم أن Bال تخفن أنتن" A فيه. ههنا: فقد قام كما قال. لمB وانظرن الموضع الذي كان مضجعا

ثم امضين في سعة، وقلن لتالميذه: انه قد قام من بين األموات،(.7- 5: 28وانه يسبقكم الى الجليل. فهناك ترونه" )متى

"ال ترتعدن. انكنB تطلبن يسوع الناصري، المصلوب: انه قد قام، ليس هو ههنا. دونكنB المكان الذي قد وضعوه فيه. فاذهبن اآلن، وقلن لتالميذه، ولبطرس: انه يسبقكم الى الجليل؛ فهناك ترونه،

(.7- 6: 16كما قال لكم" )مر

�م� تطلبن بين األموات م�ن هو حيB؟ انه ليس ههنا، لكنه قد قام. "لBرن ما قال لكنB اذ كان بعد في الجليل: انه ينبغي البن البشر أن تذك

Zصلب، وأن يقوم في اليوم الثالث. Zسلم الى أيدي الخطأة وي ي(.8- 5: 24فتذكرن كالمه" )لو

Bد النصوص الثالثة التناقض بين طلب النسوة وقيامة المسيح: تؤك انكنB تطلبن يسوع المصلوب، انه ليس ههنا، فقد قام. ويشير متى

A فيه. وبقولهما "قلن لتالميذه ومرقس الى المكان الذي كان مضجعا انه يسبقكم الى الجليل، فهناك ترونه" يمهBدان لترائي المسيح لتالميذه في الجليل. تلك الجملة األخيرة تصبح في انجيل لوقا:Bرن ما قال لكنB اذ كان بعد في الجليل...". فلوقا ال يروي "تذك

178

Page 179: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ترائي يسوع لتالميذه في الجليل، بل في أورشليم التي هي محور الهوته. فمن أورشليم سينطلق الرسل للكرازة باالنجيل "في جميع

(.8: 1اليهودية والسامرة والى أقاصي األرض" )أعمال

وهكذا فانB كالم المالئكة يسلBط األضواء على جميع مراحل حياةرها للنسوة: ففي الماضي أنبأ يسوع تالميذه أنه Bيسوع ويفس

Zصل�ب ويقوم، وفي الحاضر إنه ليس في القبر، لكنه قد قام، سيوفي المستقبل سيظهر لتالميذه ويرسلهم للكرازة.

تلك الرسالة السماوية يوجBهها االنجيليون من خالل النسوة الى جميع الذين عرفوا يسوع وآمنوا به في حياته وراحوا يتساءلون

متحيرين لماذا انتهت حياته بالصلب والموت، ويوجهونها كذلك الى جميع المؤمنين بيسوع على مدى األجيال. فيسوع لم يمت لكنه قام

الى مجد الله. والرسالة نفسها يضعها لوقا على فم يسوع في ترائيه لتلميذي عمBاوس وللرسل: "أما كان ينبغي للمسيح أن يكابد

(، "هكذا كتب: انه ينبغي26: 24هذه اآلالم ويدخل في نجده؟" )لو Bم، وأن يقوم من بين األموات، في اليوم الثالث، وأن للمسيح أن يتأل

يكرز باسمه، بالتوبة لمغفرة الخطايا، في جميع األمم، ابتداء من(.47- 46: 24أورشليم" )لو

A تفاصيل أخرى في Bر عنه أيضا انB دخول يسوع الى مجد الله تعب روايات القبر الفارغ تجدر االشارة اليها. فالشاب الذي يظهر في رواية مرقس يوحي بالحالة الجديدة التي أصبح فيها يسوع: "انه جالس الى اليمين" مثل المسيح الممجBد الجالس الى يمين اآلبBيه Bر بالثوب الذي ظهر فيه يسوع في تجل وعليه "ثوب أبيض" يذك

(.3: 9أمام تالميذه على جبل ثابور )مر

أمBا متى فيستخدم في روايته الصو�ر التقليدية التي تشير الىBالقيامة العامة في نهاية العالم: "واذا زلزال عظيم قد انبعث، ألن مالك الرب انحدر من السماء، وأتى ودحرج الحجر، وجلس عليه"

(. فالزلزال هو من دالئل نهاية العالم )راجع خطاب2: 28)متى (. وهذا الزلزال يذكره متى7: 24يسوع في منتهى العالم، متى

A لدى موت يسوع: "األرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور أيضا تفتحت، كثيرون من القديسين الراقدة أجسادهم فيها قاموا

وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وتراءوا (. فموت يسوع وقيامته هما نهاية53- 51: 27لكثيرين" )متى

A مجيء العالم القديم وبدء األزمنة الجديدة. ويشير الى ذلك أيضا المالك الذي "كان منظره كالبرق" )كمجيء ابن البشر في نهاية

179

Page 180: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(. وقد "دحرج الحجر وجلس عليه". فالحجر27: 24العالم، متى Zزيل ودZمBرت معه الذي يختم القبر ويرمز الى سلطة الموت قد أ

سلطة الموت.

د( اليوم الثالث أتت النسوة الى القبر "في اليوم األول من األسبوع، عند الفجر"،

أي صباح نهار األحد. وهذا اليوم هو اليوم الثالث لموت المسيح (. في انجيل لوقا31: 19؛ يو 42: 15الذي حدث نهار الجمعة )مر

Bرن ما قال لكنB اذ كان بعد في نسمع المالك يقول للنسوة: "تذكZصلب، الجليل: انه ينبغي البن البشر أن يسلم الى أيدي الخطأة وي

Bأ7- 6: 24وأن يقوم في اليوم الثالث" )لو (. في هذا تذكير بما تنب به يسوع أمام تالميذه عن آالمه وموته وقيامته، وكلB مرة يذكر

االنجيليون أنB يسوع سيقوم، يضيفون أنه "سيقوم في اليوم :27؛ متى 34: 10( أو "بعد ثالثة أيام" )مر 33: 18الثالث" )لو

63.)

A بمجيء لقد اتخذت عبارة "القيامة في اليوم الثالث" معنى زمنيا النسوة الى القبر في اليوم الثالث وتحقBقهنB فراغه من جسد

A لتالميذه في هذا اليوم عينه، حسب لوقا يسوع، وبظهور يسوع حياB أنB هذه العبارة تتضمBن19: 20(، ويوحنا )36، 33، 13: 24) (. إال

A يجدر التنبه له. ففي نبوءة هوشع نقرأ معنى آخر، معنى الهوتيا الجملة التالية: "يحيينا )الله( بعد يومين، وفي اليوم الثالث يقيمنا

(. تعني عبارة "اليوم الثالث" في هذا النص3: 6فنحيا أمامه" )هو "المدBة القصيرة". فالله لن يبطئ في إحياء شعبه وإقامته من

الموت.

ر الترجوم آية هوشع بقوله: "سيعيدنا الى الحياة في يوم Bوقد فس التعزيات اآلتية، وفي اليوم الذي يعيد فيه األموات الى الحياة

A آية سفر التكوين التالية ر الترجوم أيضا Bسيقيمنا معه". كما فس فه فأبصر الموضع من بعيد" iوفي اليوم الثالث رفع ابراهيم طر"

دB فيه الحياة4: 22)تك Zر� (، بقوله: "اليوم الثالث هو اليوم الذي ت الى األموات، كما ورد في هوشع: في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا

أمامه".

A فعبارة اليوم الثالث لم تكن تعني عند اليهود في أيام المسيح وقتاA" هو وقت تدخل الله إلعادة الحياة الى A الهوتيا A بل وقتا زمنيا

A مرادف لعبارة األموات. فعبارة "القيامة في اليوم الثالث" هي اذاA "القيامة العامة"، ألنB اليهود لم يتصوBروا قط أنB الله سيقيم انسانا

180

Page 181: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

من الموت بمفرده وبمعزل عن اآلخرين، بل كانوا يتوقBعون قيامةعامة لجميع الراقدين.

رون أنB المسيح قام Bه عندما كان التالميذ يبشB من هنا نستنتج أنA التأكيد أنB القيامة الى حياة الله في اليوم الثالث كانوا يقصدون أوال

التي يرجوها جميع األموات في األزمنة األخيرة قد حدثت ليسوع،فبدأت معه األزمنة األخيرة.

�اني أبعاد قيامة المسيح �اني أبعاد قيامة المسيحالق�سم الث الق�سم الث إنB الرسل قد آمنوا بقيامة المسيح وشهدوا لها وكرزوا بها. فما

هي أبعاد هذا اإليمان وهاتين الشهادة والكرازة؟ واليوم عندما نعلن إيماننا بأنB المسيح قد قام ونشهد لهذا الحدث ونكرز به، ماذا نعني

في الواقع؟ ما هو مضمون إيماننا بقيامة المسيح؟

Zلقى من خاللها انB قيامة المسيح تحمل في جنباتها ثالثة أبعاد ي الضوء على ثالثة أسرار: سرB الله وسرB المسيح وسرB االنسان. ففي

Bه إله الحياة هذا الحدث يعلن الله عن قدرته ويكشف عن ذاته انA يظهر الله صدق رسالة يسوع والمحبة؛ وفي هذا الحدث أيضا

A ينكشف لالنسان بعض ويرفعه إلى المجد؛ وفي هذا الحدث أخيراالشيء من مصيره في هذه الحياة وبعد الموت.

- قيامة المسيح اعتالن لقدرة الله1 "انB الله بإقامة يسوع من بين األموات ال يقوم بعمل خارق

A، ويظهر قدرته، ويكشف يناقض نواميس الطبيعة، بل يظهر ذاته إلهامتها. االيمان بالقيامة ليس Bالمعنى األخير، االسكتولوجي، للحياة بر

Bه موجز هذا A يضاف إلى اإليمان بالله وبيسوع المسيح؛ ان أمراااليمان وجوهره".

Bه االله انB الله، في قيامة يسوع، يكشف بصورة نهائية عن ذاته انBه قوBة الحياة الذي تشمل قدرته الحياة والموت والكيان والعدم، وان

Bقة واألمانة الدائمة. BةZ الخال الجديدة والمحب

من يؤمن أنB الله أقام يسوع يؤمن انB الله جدير بأن يثق به االنسان الثقة التامBة المطلقة. لذلك عندما تنغلق في وجه المؤمن

كل� اآلفاق الزمنية وتزول من أمام عينيه كلB اآلمال واالمكانات

181

Page 182: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bه يسير نحو الموت والتالشي، عندئذ يظهر له البشرية، ويشعر أنالله في أزلية محبته ودوام حضوره.

- قيامة المسيح تصديق لرسالته من قبل الله2 انB موت يسوع على الصليب كان، في أعين الناس، الدليل على أنB الله قد أهمله ونبذه، على ما هو مكتوب: "ملعون كلB من عZلOق

(. لذلك "كان المجتازون أمام صليبه13: 3على خشبة" )غال ون رؤوسهم: أنت يا هادم هيكل Bفون عليه، ويقولون، وهو يهزBيجد A عن وبانيه في ثالثة أيام، أنقذ نفسك! إن كنت ابن الله، فانزل اذاA رؤساء الكهنة كانوا يسخرون منه مع الكتبة الصليب. وكذلك أيضاBل على الله، فلينقذه اآلن، إن كان والشيوخ ويقولون:... لقد توك

A عنه، فإنه قد قال: أنا ابن الله" )متى (.43- 39: 27راضيا

لذلك بعد موت يسوع هرب الرسل ورجعوا إلى الجليل، وتحققت فيهم كلمة يسوع: "كلBكم ستضعفون بسببي، ألنه مكتوب: سأضرب الراعي فتتبدBد الخراف. ولكن متى قمت أسبقكم الى الجليل" )مر

(.31: 26؛ متى 27: 14

روا معه Bفي الجليل دعا يسوع رسله دعوة أولى ليتبعوه ويبش بقرب مجيء الملكوت، وفي الجليل ظهر لهم من بعد قيامته

روا أنB ملكوت الله قد تحقق في قيامته: Bودعاهم دعوة ثانية ليبش Zعطى بالقيامة ظهر يسوع ابن البشر الذي أنبأ عنه دانيال انه "سي

A على ملوك األرض" )دانيال (، وقد أعطي هذا14: 7سلطانا السلطان، كما قال لتالميذه في ترائيه لهم على جبل في الجليل:

:28"لقد دZفع إليB كل سلطان في السماء وعلى األرض" )متى 18.)

A "ابن الله". في قيامة يسوع أجاب الله وبالقيامة ظهر يسوع حقا على تساؤالت الناس: ان كان ابن الله فلينزل عن الصليب، إذ

ب، وهو على الصليب، "تضرعات وابتهاالت، في صراخ شديد Bقر ودموع، الى القادر أن يخلBصه من الموت، فاستجيب له بسبب

A" )عب Bمه أن يكون طائعا A، تعلBم ممBا تال ،7: 5ورعه. ومع كونه ابنا(. انB الله استجاب ابتهاالت يسوع ابنه عندما أقامه من الموت.8

A بولس الرسول في خطبته في مجمع اليهود هذا ما يقوله أيضا في أنطاكية: "انB الوعد الذي صار آلبائنا قد حققه الله لنا نحن

أوالدهم، اذ أقام يسوع، على ما هو مكتوب في المزمور الثاني:

182

Page 183: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(. وفي رسالته الى33: 13أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" )أعمال ر "بيسوع المسيح ربنا ابن الله، المولود بحسب Bالرومانيين يبش

ية داود، المقام بحسب روح القداسة، في قدرة ابن Bالجسد من ذر (.4، 3: 1الله، بقيامته من بين األموات" )روم

ر به يسوع في حياته عن ملكوت الله قد صدBقه الله yكل ما بش Bان بإقامة يسوع. فالملكوت هو حياة الله تدخل عالمنا المائت وتبعث فيه حياة جديدة، وقد انبعثت تلك الحياة الجديدة من قبر المسيح.

الملكوت هو محبة الله تشرق على عالمنا المظلم وتزيل عنه عتمة الحقد وظلمة الخطيئة، وقد أشرقت تلك المحبة في قيامة يسوع،

Bكما أشرقت في حياته. لقد أظهر الله، بإقامة يسوع من الموت، ان ر به باسم الله، كلB ما فعله Bر به يسوع في حياته قد بش Bكل ما بش A في حياته قد فعله باسم الله، وانB موته على الصليب كان اظهارا

لمحبة الله. لذلك يسوع نفسه هو ملكوت الله: ففي حياته وفي موته وفي قيامته ظهرت حياة الله وظهرت محبة الله وظهرت

قدرة الله.

- القيامة تمجيد يسوع: صعوده الى السماء وجلوسه عن3يمين الله اآلب

انB صعود يسوع الى السماء وجلوسه عن يمين الله اآلب أمرانA بالقيامة، كما يقول بطرس الرسول في A وثيقا مرتبطان ارتباطا خطبته األولى يوم العنصرة: "فيسوع هذا قد أقامه الله، ونحن

A شهود بذلك. واذ قد ارتفع بيمين الله، وأخذ من اآلب الروح جميعا القدس الموعود به، أفاض ما تنظرون وما تسمعون. فإنB داود لمBه يقول: قال الربB لربي: يصعد قط الى السماوات، ومع ذلك فإن

A A يقينا A لقدميك. فليعم اذا اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا�ا جميع بيت اسرائيل أنB الله قد جعل يسوع الذي صلبتموه أنتم رب

A" )أعمال (.36- 32: 2ومسيحا

A أ( الصعود إلى السماء بعد أربعين يوما انB ارتفاع يسوع ودخوله في مجد اآلب يتحدBث عنهما لوقا في

موضعين مختلفين: في الفصل األخير من انجيله وفي الفصل األوBل من سفر أعمال الرسل. ففي االنجيل يذكر لوقا انB يسوع ارتفع الى السماء في اليوم نفسه الذي قام فيه. فبعد ترائيه لتالميذه "خرج بهم نحو بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيم�ا هو يباركهم

انتحى عنهم، وصعد الى السماء. أما هم فسجدوا له، ورجعوا الى

183

Page 184: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

أورشليم بفرح عظيم؛ وكانوا بال انقطاع في الهيكل يباركون الله"(.53- 50: 24)لو

أمBا في سفر أعمال الرسل فيذكر لوقا أنB يسوع بقي "يتراءىA ويكلBمهم عن شؤون ملكوت الله. وفيم�ا لتالميذه مدة أربعين يوما

هم يأكلون أوصاهم بالبقاء في أورشليم وانتظار موعد اآلب... حلول الروح القدس عليهم. ولما قال هذا ارتفع على مرأى منهم،

(.10- 3: 1وأخذته سحابة عن عيونهم" )أعمال

انB عدد األربعين في الكتاب المقدBس هو عدد رمزي يدل على مدة طويلة تمهBد لحدث عظيم. فاليهود ساروا أربعين سنة في

A الصحراء قبل الدخول الى أرض الميعاد، ويسوع صام أربعين يوماA للصعود إلى قبل البدء برسالته. لم ينتظر يسوع أربعين يوما

السماء والدخول في مجد اآلب، فقيامته "وصعوده الى السماء هماA فهي المدة التي كان يسوع يتراءى حدث واحد. أما األربعون يوما

Bئهم لنوع جديد من حضوره بينهم؛ انها الفترة فيها لتالميذه ويهي األولى من حياة الكنيسة التي عمBق فيها الرسل إيمانهم بقيامة

المسيح وادراكهم للرسالة التي أوكلها اليهم.

أمBا السحابة التي أخذت يسوع عن عيون التالميذ فهي رمزZرم�ز اليه Zرى بأعين الجسد، لذلك ي لحضور الله. فالله ال يمكن أن يA في الكتاب المقدس بالسحابة )في التجلي يقول لنا االنجيل: دوما

�لتهم، وصوت من السحابة يقول: هذا ابني "واذا سحابة قد ظل (. فدخول المسيح في السحابة يعني7: 9الحبيب، فاسمعوا له" مر

دخوله في مجد الله.

كذلك القول عن "السماء" و"الصعود الى السماء". فالسماءA يمكن ليست الفضاء الخارجي الذي يحيط باألرض، وليست مكانا

الصعود إليه، انها لفظة رمزية تشير الى الله. فالصعود إلى السماءA الدخول في مجد الله. يعني اذا

ري الكتاب المقدس: "عندما نقول ونؤمن مع Bيقول أحد مفس الكنيسة انB المسيح الممجBد صعد الى السماء حيث يقيم مع أبيه،

نعني بذلك أنه دخل الى األبد في عالم روحي، جديد، نهائي، هو أولنا ومخيلتنا، ولكنه عالم حقيقي ثابت Bة فيه، عالم ال تدركه حواسB خليA من عالمنا الحالي. ونعتقد، مع معظم الشهادات أكثر حقيقة وثباتا

ن هذا العالم� الجديد� منذ يوم قيامته، Bالمسيحية القديمة، أنه دش Zزع من القبر بالروح القدس ليمجyد مع اآلب". عندما انت

184

Page 185: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

ب( الجلوس عن يمين اآلب عندما سأل رئيس الكهنة يسوع في أثناء محاكمته: "استحلفك بالله الحيB أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله" قال له يسوع:A أقول لكما: انكم منذ اآلن تبصرون ابن البشر "أنت قلت. وأيضا

A على سحاب السماء" )متى A عن يمين القدرة، وآتيا (.64: 26جالسا

انB الجلوس عن يمين القدرة، أي عن يمين الله، يعني اشتراك يسوع في سلطة اآلب. فالقيامة واالرتفاع الى عند الله والجلوس

عن يمينه هي نواح� مختلفة من سرB واحد هو سرB تمجيد يسوع،Bر عنه انجيل يوحنا في A. وهذا السرB يعب �ا ومسيحا وكذلك إعالنه رب

صالة يسوع قبيل وفاته: "فاآلن، أيها اآلب، مجBدني أنت عندكBر عنه5: 17بالمجد الذي كان لي من قبل كون العالم" )يو (. ويعب

بولس الرسول في النشيد الذي نجده في رسالته الى الفيليبيين:A حتى الموت، بل موت "هو القائم في صورة الله... صار طائعا الصليب. لذلك رفعه الله رفعة فائقة، وأنعم عليه باالسم الذي يفوق كلB اسم، لكي تجثو السم يسوع كلB ركبة... ويعترف كل

(. فيسوع11- 6: 2لسان بأنB يسوع هو ربB لمجد الله اآلب" )فيل ." Bقد رفعه الله اليه وأنعم عليه باالسم االلهي، اسم "الرب

Bين يقول إنB الله قد أظهر قدرته في وفي رسالته الى األفسسي المسيح "إذ أنهضه من بين األموات، وأجلسه عن يمينه في

السماوات، فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة، وفوق كل اسمA" )أف ZسمBى، ليس في هذا الدهر فقط، بل في اآلتي أيضا ،20: 1ي

21)

A من األرض الى فاالرتفاع والجلوس الى يمين الله ليسا اختطافا سماء بعيدة عن عالمنا؛ إنهما دخول المسيح في مجد الله

واشتراكه في قدرته وسيادته.

- قيامة المسيح عربون قيامتنا:4يسوع القائم "البكر من بين األموات"

ينظر بولس الرسول الى قيامة المسيح في إطار رجائه بقيامةA لم يقم... ولكن ال، األموات: "إن لم تكن قيامة أموات، فالمسيح اذاBالمسيح قد قام من بين األموات، باكورة للراقدين. ألنه، بما أن Bفإن Bه في آدم A قيامة األموات. فكما أن الموت كان بإنسان، فبإنسان أيضا

185

Page 186: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A في المسيح سيحيا الجميع" ) :15 كور 1يموت الجميع، كذلك أيضا (. يسوع القائم هو "البكر من بين األموات" )كولسي22- 20، 13

(.5: 1؛ رؤيا 18: 1

انB الرجاء اليهودي لم يكن ينتظر قيامة شخص واحد قبل القيامةA أمر خاص بالمسيحية: العامة. فالكرازة بقيامة المسيح هي اذا

انسان واحد، يسوع المسيح، قام من بين األموات ودخل في مجدA الله. وهذا االنسان هو مستقبل العالم. ما حدث له سيحدث أيضا

لجميع الذين يؤمنون به.

يسوع هو اإلنسان الجديد. اإلنسان األول كان بدء الحياة المائتة، أما يسوع، اإلنسان الجديد، فهو بدء الحياة الخالدة. لذلك "من

(.36: 3يؤمن به فله الحياة األبدية" )يو

انB قيامة المسيح هي حدث منفتح على المستقبل، انها تحقيقBها )روم Bق لما تئنB ألجله الخليقة كل (.23- 19: 8مسب

"ولكن، قد يقول قائل: كيف يقوم األموات؟ وبأي جسد يرجعون؟" هذا السؤال الذي طرحه المسيحيون األولون على

A. يجيب بولس بتشبيه فيقول: "يا بولس، ال نزال نطرحه اليوم أيضاB إذا مات. وما نزرعه ليس جاهل! انB ما تزرعه، أنت، ال يحيا إال

A، أو غيرها من Bة من الحنطة، مثال د حب Bالجسم الذي سيكون، بل مجر A على ما يريد. لكلB من البذور جسمه B أنB الله يؤتيها جسما البذور. إال

Zزرع الجسد بفساد ويقوم بال المختصB به... فهكذا قيامة األموات: يZزرع Zزرع بضعف ويقوم بقوة، ي Zزرع بهوان ويقوم بمجد، ي فساد، ي

(.44- 39: 15 كور 1جسد حيواني ويقوم جسد روحاني" )

Bة، ال يعني Bة السامي Bة الكتابي الجسد، في كالم بولس كما في العقلي فقط العنصر المادي في الكائن البشري؛ الجسد هو االنسان

بكامله، في جسده وروحه، ولكن من حيث ظهوره في العالمBنه من االتصال وعالقته باآلخرين؛ الجسد هو في اإلنسان ما يمك

بالكون وباآلخرين؛ الجسد هو ما تستطيع به الروح أن تنشئ عالئق مع الغير. هذا الجسد خاضع للفساد واالنحالل، ولكن بالقيامة يتحول الجسد الفاسد الى جسد روحاني ال يسيطر عليه الفساد واالنحالل.

يقول بولس الرسول: "انB اللحم والدم ال يستطيعان أن يرثا ملكوت الله، وال الفساد أن يرث عدم الفساد". لذلك ال بدB لإلنسان أن يتحوBل، "وال بدy لهذا الجسد الفاسد أن يلبس عدم الفساد، ولهذا

(.53- 50: 15 كور 1الجسد المائت أن يلبس عدم الموت" )

186

Page 187: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bة المائتة"، بل اإلنسان بكامله، الجسد الذي سيتحوBل ليس" الجث في ذاته وفي عالقته باآلخرين، العنصر الشخصي الذي يجعل من

A عن غيره من األفراد. هذا "األنا" الروحي A متميزا اإلنسان فردا والجسدي سيصبح بالقيامة على صورة المسيح القائم من بين

األموات.

- قيامة المسيح حدث الخالص وبدء الحياة الجديدة5 بالقيامة دخل يسوع في مجد الله. وبما أنB يسوع هو االنسان

Bها قد دخلت في الجديد ورأس البشرية، يمكننا القول انB البشرية كل رأسها الى مجد الله. يقول بولس الرسول: "انB الله... قد أحيانا مع

المسيح... ومعه أقامنا، ومعه أجلسنا في السماوات في المسيح :3(؛ "موطننا نحن هو في السماوات" )في 6، 5: 2يسوع" )أف

20.)

والليتورجيا تؤكد بقوة تلك الحقيقة، كما نقرأ في صلوات عيدالصعود في الطقس البيزنطي:

"يا يسوع الحلو، غير المنفصل من األحضان األبوية، يا من عاشA على األرض، لقد صعدت اليوم من جبل الزيتون، وأصعدت انسانا

بمحبتك طبيعتنا الهابطة وأجلستها مع اآلب..." )الغروب(.

"أيها االله، لقد جدBدت في ذاتك طبيعة آدم )أي االنسان( الهابطةBك، الى أسافل األرض، وأصعدتها اليوم فوق كل رئاسة وسلطة. ألنBك إياها، أجلستها معك، ولتحننك عليها وحBدتها بك، والتحادك بها لحب

تألمت فيها، ولتألمك بها أنت العادم التألم مجBدتها معك...")الليتي(.

إيماننا بقيامة المسيح وبقيامتنا نحن مع المسيح يخلع على حياتناA، كما يقول بولس الرسول: "عندما نعم أن الحاضرة معنى جديداA معه... عندئذ ال نفشل، الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضا

A بل ولئن كان انساننا الظاهر ينهدم، فإنساننا الباطن يتجدBد يوما( "A (.16- 14: 4 كور 2فيوما

قيامة المسيح تجدBد نظرتنا الى الكون: "وعليه، فمنذ اآلن الBا قد عرفنا المسيح بحسب A بحسب الجسد، وان كن نعرف أحدا

A، ان كان أحد في المسيح، فهو الجسد، فاآلن ال نعرفه كذلك. اذا

187

Page 188: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

، وكل شيء قد تجدBد" ) B5 كور 2خليقة جديدة، فالقديم قد اضمحل: 16 ،17.)

A: "لقد قتم مع A جديدا قيامة المسيح تدفعنا الى السلوك سلوكاA عن يمين A ما هو فوق حيث يقيم المسيح جالسا المسيح. فاطلبوا اذاBم للعالم، وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. Bكم قد مت الله... ألن ومتى ظهر المسيح الذي هو حياتنا، فحينئذ� تظهرون أنتم معه في

(.4- 1: 3المجد" )كولسي

ب اليأس الى قلبه: Bمن يؤمن بقيامة يسوع ال يمكن أن يتسر Bا ال ننحصر؛ حائرون، ولكن على �قون من كل جانب، ولكن "نحن مضاي

غير يأس؛ مضطه�دون، ولكن على غير انخذال؛ مطروحون، ولكن على غير تالش�؛ نحمل في الجسد كلB حين موت يسوع، لتظهرA الى Bا، نحن األحياء، نسلم دائما A في جسدنا. ألن حياة يسوع أيضا

A في جسدنا المائت" الموت من أجل يسوع، لتظهر حياة يسوع أيضا(.11- 8: 4 كور 2)

من يؤمن بقيامة المسيح يؤمن انB محبة الله التي سيطرت علىBبت على الخطيئة في قيامة المسيح هي التي سوف الموت وتغل

( " Bفي الكل � :15 كور 1تسيطر في النهاية، وأنB الله "سيكون كال28.)

ولكنB هذا لن يتمB دون مشاركة كل الذين يؤمنون بالمحبة. فقيامة المسيح هي النور الذي يضيء حياة المسيحي والقوة التي تدفعه

الى االسهام في إحالل ملكوت الله على األرض. يقول المجمعالفاتيكاني الثاني:

"اننا نجهل الزمان الذي تبلغ فيه األرض والبشرية نهايتهما، كما أننا نجهل طريقة تحويل هذا الكون. انه يزول حق�ا شكل هذا العالم

Aا جديدAا Bا نعلم أن الله يعدB لنا مسكن الذي شوBهته الخطيئة، ولكنA من أن يضعف وأرضAا جديدة... غير أن انتظار األرض الجديدة، بدال فينا االهتمام باستثمار هذه األرض، يجب باألحرى أن يوقظه فينا.

ففي هذه األرض ينمو جسد العائلة البشرية الجديدة، راسمAا الخطوط األولى للعالم اآلتي... ان الملكوت حاضر اآلن بشكل

ي على األرض، وسيبلغ كماله عند عودة الرب" )الكنيسة في Bسر (.39عالم اليوم،

188

Page 189: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

�الث المجيء الثاني �الث المجيء الثانيالق�سم الث الق�سم الثA يأتي بمجد� عظيم ليدين األحياء� واألموات، الذي ال فناء "وأيضا

لملكه".

نعلن في قانون اإليمان أنB يسوع الذي مات وقام وصعد الى السماوات سوف يأتي من جديد ليدين األحياء واألموات. هذا ما

يدعوه التقليد الكنسي "المجيء الثاني"، بالنسبة إلى المجيء األوBل أي إلى الزمن الذي قضاه يسوع على األرض. ماذا يعني هذا اإليمان

بالمجيء الثاني؟

Bفي الفصول السابقة ان A A من التذكير بما قلناه مرارا ال بدB لنا أوBالA يكشف لنا بالتدقيق غوامض الماضي فيعلمنا اإليمان ليس علما

كيف نشأ الكون ووجد االنسان، وال غوامض المستقبل فينبئنا كيفBم�ا اإليمان عالقة ستكون نهاية العالم وحياة االنسان بعد الموت. فإن حياة بين االنسان والله. فالمؤمن يرى أنB الله مبدأ وجوده ومصير

A A نهائيا حياته؛ والمسيحي يؤمن أنB الله قد ظهر في العالم ظهوراA( في A إسختولوجيا )أو، حسب التعبير الالهوتي اليوناني، ظهورا

شخص يسوع المسيح. فالمسيح هو "األلف والياء، األوBل واآلخر، (. لذلك تبدأ اإلسختولوجيا، أي األزمنة13: 22المبدأ والغاية" )رؤيا

A المجيء الثاني؟ �م� اذا األخيرة والنهائية، بمجيء المسيح األوBل. فل ماذا نعني بهذه العبارة؟ ماذا نعني بقولنا انB يسوع سيأتي ليدين

األحياء واألموات؟ وكيف يصوBر الكتاب المقدس هذا المجيء؟

- المجيء الثاني هو تأكيد االنتصار النهائي للمحبة1 لفهم معنى المجيء الثاني ال بدB من تذكار تلك الحقيقة االساسية

A A من قبل الله، مخلOصا A مرسال في إيماننا: انB يسوع قد جاء أوBالBه بذل ابنه الوحيد، A العالم: "فلقد أحبB الله العالم حتى ان ومنقذاBة" )يو :3لكي ال يهلك كلB من يؤمن به، بل تكون له الحياة األبدي

Bد: "ان الله قد برهن على محبته لنا بأنB المسيح16 (. وبولس يؤكرنا اآلن بدمه، BرZ Bا ونحن بعد خطأة. فكم باألحرى، وقد ب قد مات عن

(.8: 5نخلص به من الغضب" )روم

انB حياة يسوع وموته هما الدليل الثابت على محبة الله وأمانته.B أنB يسوع الذي عاش A، إال A نظريا قد يبدو القول ان الله محبة قوال

A للجميع، ليس ، وتعذBب واحتمل الظلم، وبقي محبا Bبين البشر وأحب Bة والمحسوسة لمحبة الله لنا. A، بل هو الحقيقة الحي A نظريا كائنا

عندما ننظر اليه تستنير النواحي القاتمة من الحياة البشرية. وحتى

189

Page 190: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A ما يهدم إرادة الخير، العذاب الذي ال معنى له، والشرB الذي كثيرا يأخذان معنى على ضوء صليب المسيح. فالله قد أقام المصلوب

ورفعه اليه وجعله راعي الحياة والبكر األوBل من بين اخوة كثيرين. لذلك نشهد أنB يسوع المسيح، المصلوب والقائم من بين األموات،

هو رجاء العالم ورجاء التاريخ ورجاء كلB مؤمن.

أ( المسيح رجاء العالم والتاريخ المجيء الثاني هو ترقBب ما سيصنعه الله للعالم في المستقبل

على ضوء ما صنعه ألجله في الماضي. في مجيء يسوع األوBل وفيA في A وجزئيا A خفيا كل أحداث حياته وموته أظهر لنا الله محبته ظهورا

بقعة من األرض وفي قلوب عدد يسير من المؤمنين. إيمانناA A عالنيا بالمجيء الثاني هو اإليمان بأنB تلك المحبة ستظهر ظهوراBة خردل أخذها انسان A: "يشبه ملكوت السماوات حب A شامال نهائيا

Bها اذا نمت تصير A؛ بيد أن Bها أصغر البذور جميعا وزرعها في حقله. انA؛ ثم تصبح شجرة حتى انB طيور السماء تأني أكبر البقول جميعا

ش في أغصانها" )متى B32، 31: 13وتعش.)

إيماننا بالمجيء الثاني هو اإليمان بأنB تاريخ العالم القاتم سيصل الى نهايته حيث ستشرق عليه محبة الله. ايماننا بالمجيء الثاني هوA A من اإليمان، ولكن هذا التفسير ليس تفسيرا تفسير للتاريخ انطالقاA، بل يستند الى التاريخ: الى حياة يسوع التي أظهرت قوة اعتباطيا

الخير، والى موته الذي أعلن قوة المحبة الفدائية. بموت يسوعBة أقوى من الموت وقيامته دمBرت سلطة الشر، وبدا أنB المحب

وأقوى من الحقد. تلك هي العقيدة التي خطBها المسيح بدمه على أخاديد التاريخ. الغلبة هي في النهاية للحياة على الموت وللمحبة على الحقد والشر. ذلك هو اليقين الذي يرسخ في كياننا من بعدBده االيمان بالمجيء الثاني. قيامة المسيح. وهذا اليقين هوما يؤك

ب( المسيح رجاء كل مؤمنA رجاء كل A رجاء العالم ومستقبل التاريخ. وهو أيضا يسوع هو اذا واحد منا، في حياته وموته نجد معنى حياتنا وموتنا، وفي قيامته

نضع رجاء قيامتنا. لقد أظهر لنا الله في مصير يسوع المسيح مصيرBه أخونا البكر الذي فتح لنا طريق الحياة التي ال نهاية لها: كلB منا. انA، يقول بولس الرسول، هي أن أعرفه هو، وأعرف قدرة "منيتي اذا

قيامته، والشركة في آالمه، فأصير على صورته في الموت، على(.11، 10: 3رجاء البلوغ الى القيامة من بين األموات" )في

190

Page 191: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

مجيء يسوع الثاني يعني لكل من يؤمن بيسوع االنتصارعلى مصيرالموت، ورجاء حياة تكتمل فيها الحياة التي نقضيها على

األرض.

- المجيء الثاني والدينونة2A دينونة. من سيدين العالم؟ ماذا ولكنB المجيء الثاني هو أيضاسيكون مضمون الدينونة؟ وكيف يصوBر العهد الجديد الدينونة؟

أ( من سيدين العالم؟الله اآلب

A عمل الله؛ فالله هو الذي Bها أوBال يصف العهد الجديد الدينونة كأنسيدين جميع الناس. يقول بولس الرسول:

"أو� تظنB أيها اإلنسان الذي يدين من يعمل مثل هذه األعمال، وهوBبك وقساوة قلبك Bك بنصل يفعلها، أنك تنجو من دينونة الله؟... إن

A ليوم الغضب واعتالن دينونة الله الغير التائب تدBخر لنفسك غضبا العادلة، الذي سيجازي كلB واحد بحسب أعماله: بالحياة األبدية

للذين، بالصبر على العمل الصالح، يطلبون المجد والكرامة والخلود، وبالغضب والسخط على الذين هم من أهل المخاصمة،

... فكل الذين خطئوا Bالذين ال ينقادون للحق بل ينقادون للشر Bيهلكون؛ وكل A بمعزل عن الناموس، فبمعزل عن الناموس أيضا

Bه Zدانون؛ ألن الذين خطئوا وهم تحت الناموس، فبمقتضى الناموس يA عند الله، إنما العاملون ليس السامعون للناموس هم أبرارا

رون" )روم y13- 3: 2بالناموس يبر.)

ويسوع في حديثه عن الصدقة والصالة والصوم يطلب أن يقوم االنسان بهذه األعمال في الخفية، ثم يضيف: "وأبوك الذي يرى في

،15، 6، 4: 6الخفية هو الذي يجازيك"، أي يوم الدينونة )متى 18.)

يسوع المسيح�د عمل الدينونة الى المسيح. فالمسيح هو Zسن في مقاطع أخرى ي ابن البشر الذي سيدين جميع األمم في الدينونة العامة، كما يقول

انجيل متى: "متى جاء ابن البشر بمجده، وجميع المالئكة معه، حينئذ� يجلس على عرش مجده، وتحشر لديه جميع األمم، فيفصل بعضهم عن بعض، كما يفصل الراعي الخراف عن الجداء، ويقيم

(.33- 31: 25الخراف عن يمينه والجداء عن يساره" )متى

191

Page 192: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Zجم�ع �ل الزؤان يقول يسوع: "كما أنB الزؤان ي وكذلك في تفسير م�ثق بالنار، كذلك يكون في منتهى الدهر، يرسل ابن البشر Zحر� وي

مالئكته، فيجمعون من مملكته كل المعاثر وفاعلي اإلثم، ويلقونهم (. وفي حديثه عن ضرورة العمل42- 40: 13في أتون النار" )متى

بارادة اآلب يقول: "ليس كل من يقول: يا رب، يا رب! يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يعمل إرادة أبي الذي في السماوات.

كثيرون سيقولون لي دنن ذلك اليوم: يا رب، يا رب! ألم نكنBأنا؟ وباسمك قد أخرجنا الشياطين؟ وباسمك صنعنا باسمك قد تنب

عجائب كثيرة؟ فحينئذ� اعلن لهم: اني ما عرفتكم قط؛ أبعدوا عني،(.23- 21: 7يا فاعلي اإلثم!" )متى

A انB الذي سيدين العالم هو الرب. Bر مرارا وبولس الرسول يذك وبتلك اللفظة يعني يسوع المسيح: "ال تحكموا بشيء قبل األوان،

الى أن يأتي الرب. فانه هو الذي سينير خفايا الظالم، ويوضح أفكار (، "إذ5: 4 كور 1القلوب، وحينئذ� يكون لكل واحد مدحه من الله" )

A أمام منبر المسيح، لينال كل واحد على حسب ال بدB أن نظهر جميعا( "A A كان أم شرا (.10: 5 كور 2ما صنع بالجسد، خيرا

الرسل والقديسونA عمل الدينونة في بعض مقاطع من العهد الجديد الى �د أيضا Zسن يA في قول يسوع لرسله االثني عشر: "الحق الرسل، كما جاء مثال

أقول لكم: إنكم، أنتم الذين تبعوني، متى جلس ابن البشر، في عهدA على اثني عشر التجديد، على عرش مجده، تجلسون أنتم أيضا

A، لتدينوا أسباط اسرائيل االثني عشر" )متى (.28: 19كرسيا

وبولس الرسول يضيف انB جميع القدBيسين، ويعني بالقديسين جميع المسيحيين، سيدينون العالم والمالئكة: "أيجترئ أحدكم، وله دعوى على آخر، أن يحاكمه لدى الخطأة، ال لدى القديسين؟ أو� ماZدان، تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟ وإن كان العالم بكم ي

أفتكونون غير أهل ألن تقضوا في الدعاوى الصغرى؟ أو� ما تعلمونBا سندين المالئكة؟ فكم باألحرى نقضي في شؤون هذه الحياة" ) أن

(.3- 1: 6 كور 1

االنسان يدين نفسهA. فاالنسان هو الذي يدين A ذاتيا في انجيل يوحنا تأخذ الدينونة طابعا

نفسه برفضه كلمة المسيح: "ان الله لم يرسل ابنه الى العالمZدان، ومن ال ليدين العالم، بل ليخلBص به العالم. فمن آمن به فال ي

192

Page 193: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

، ألنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد". ثم يتابع iن� يؤمن به فقد د�يBبمضمون الدينونة: "وعلى هذا تقوم الدينونة: ان A فا Bانجيل يوحنا معر

النور قد جاء الى العالم، والناس آثروا الظلمة على النور، ألن أعمالهم كانت شريرة. ألنB كل من يفعل الشر يبغض النور، وال يقبل البتة الى النور لئال تفضح أعاله. وأمBا من يعمل الحق فانه

�ل الى النور، لكي يثبت أنB أعماله مصنوعة في الله" )يو Zقب -17: 3ي21.)

وفي موضع آخر يقول يسوع: "لقد جئت الى العالم، أنا النور، لكي ال يمكث في الظالم كلB من يؤمن بي. إن كان أحد يسمع

أقوالي وال يحفظها، فلست أنا أدينه، ألني لم آت� ألدين العالم، بلBانه: الكلمة التي ألخلBص العالم. فمن نبذني ولم يقبل أقوالي، فله ديBي لم أتكلBم من نفسي، بل نطقت بها هي تدينه في اليوم األخير، ألن

ر به" )يو BبشZ -46: 12اآلب الذي أرسلني هو حدBد لي ما أقول وما أ49.)

انB المسيح لم يأت� للدينونة بل للخالص. فمن يقبل كالمه ويؤمن به يخلص: انه منذ اآلن في النور. وأمBا الذي يرفض كالمه وال يؤمن

Bصيغة الماضي التي يستعملها يوحنا تعني ان Bان ." به "ف�ق�دi د�ين�د رفض اإليمان بالمسيح. Bالدينونة تبدأ منذ هذه الحياة بمجر

A هو الذي يدين نفسه بانفصاله عن المسيح وعن. فاالنسان اذاA عن الله، ألنB المسيح لم كالمه. وبانفصاله عن المسيح ينفصل معا يتكلم من نفسه، بل هو كلمة الله: "م�ن آمن بي فليس بي يؤمن،

:12بل بالذي أرسلني. ومن رآني فقد رأى الذي أرسلني" )يو 44.)

هكذا يتضح لنا ان ال تناقض بين اسناد عمل الدينونة الى الله أو الى المسيح أو الرسل أو جميع المسيحيين، ألنB الحقيقة هي التي

في الواقع ستدين العالم. والحقيقة واحدة: انها حقيقة الله التي يحملها يسوع، كلمة الله، في كيانه وفي تعاليمه، والتي آمن بها

Bين، وعاشوا بموجبها. الرسل والقديسون وجميع المسيحي

ب( ما هي الدينونة؟الدينونة في هذه الحياة

نستطيع اآلن تحديد الدينونة. من خالل تعابير مختلفة نصل إلى فكرة أساسية واحدة، وهي انB االنسان، في كل لحظة من لحظات

A، يواجه الحقيقة التي تدعوه الى A، ثم لدى موته أخيرا حياته أوBال

193

Page 194: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

التزام الخير. ودينونته تبدأ على هذه األرض في موقفه تجاهالحقيقة. ولكن ما هي الحقيقة؟

قد يبدو للبعض أنB الحقيقة أمر مهبهم غامض، ولكنB االيمان المسيحي يرى أنB الحقيقة ليست لفظة مبهمة؛ انها الله نفسه،A، فلقد ظهر في واقع الزمن والتاريخ في A مبهما والله ليس كائنا

شخص يسوع المسيح الذي نؤمن به ابن الله وكلمة الله وصورةA Bز المسيحية عن سائر الديانات التي تؤمن أيضا الله. بهذا تتمي

بالدينونة األخيرة. ففي المسيحية، الحقيقة التي ستدين العالم في نهاية األزمنة قد أتت في الزمن لتخلBص العالم، وقد أعطت ذاتها حتى الموت في سبيل هذا الخالص. لذلك فانB الدينونة، في نظر

A محبة وخالص. المسيحية، هي أوال

لذلك ال نستطيع الفصل بين مجيء يسوع األوBل وموته وقيامته ومجيئه الثاني؛ انها مراحل متعددة من سر واحد هو سر محبة الله

التي تنسكب على االنسان لتمنحه الحياة والفداء والخالص.. فمن يؤمن بأنB يسوع هو Bوالدينونة ترافق كسل مراحل هذا السر

. iن� Zدان، ومن ال يؤمن فقد د�ي المسيح كلمة الله، ال ي

A ال تقتصر الدينونة على نهاية العالم، وال حتى على موت لذلك أيضا االنسان، ألنB الموت الحقيقي ليس موت الجسد بل رفض االيمان

بالمسيح. ومن يؤمن بيسوع ال يموت. قال يسوع: "أنا القيامةA وآمن والحياة. من آمن بي، وان مات، فسيحيا؛ وكل من كان حيا

A" )يو (. كلB من يؤمن بيسوع في26، 25: 11بي فلن يموت أبدا حياته لن يعرف الموت، ألنB إيمانه بيسوع يمنحه الحياة، ولن يكون

A من الحياة الحاضرة الى الحياة األبدية. موته اال انتقاال

الدينونة بعد الموتBئات". امBا انB الدينونة بعد الموت ستقتصر على "الذين عملوا السي المؤمنون بالمسيح "فلن يخضعوا للدينونة"، حسب قول يسوع في انجيل يوحنا: "الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كالمي ويؤمنBه قد انتقل بالذي أرسلني له الحياة األبدية، وال يخضع لدينونة، لكنمن الموت الى الحياة. الحق الحق أقول لكم: انها تأتي الساعة -

وها هي ذي حاضرة- التي يسمع فيها األموات صوت ابن الله، والذين يسمعون يحيون. فكما أن اآلب له الحياة في ذاته، كذلك

Bه A أن يدين ألن أعطى االبن أن تكون له الحياة في ذاته، وآتاه سلطانا ابن البشر. فال تدهشوا من هذا، ألنها تأتي الساعة التي يسمع فيها

جميع من في القبور صوته، فيخرجون منها. فالذين عملوا

194

Page 195: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

Bئات ينهضون الصالحات ينهضون للحياة، والذين عملوا السي(.29- 24: 5للدينونة" )يو

Bئات؟ ان االنسان، على أيB شيء ستقوم دينونة الذين عملوا السي لدى موته، يواجه الحقيقة مواجهة صريحة ال مواربة فيها. عندئذ�

تنزع عن عينيه الغشاوة التي كانت تفسد أمامه الرؤية، ويسقط منA وراءه، فينكشف كما هو أمام أمام وجهه القناع الذي كان مستترا

الحقيقة. وتلك ستكون دينونته. هذا ما يصفه أحد الالهوتيينالمعاصرين بلغة وجودية، فيقول:

د انتصار الخير على الشر يكوBن الحكم الساحق على Bان مجر" الذين يمارسون الشر. انهم قد أخطأوا هدفهم، وحياتهم، التي

فقدت معناها، قد آلت الى العدم. انB عبث حياة قZضيت في الشر لهو أردأ عقاب. حياة كهذه تنتهي وفق ما جاء في المزمور: "كحلم

Bد، تحتقر خيالهم في المدينة" )مز :72عند االستيقاظ، أيها السي (. ان إدراك االنسان ذاته قد سقط في أقصى العبث وغرق في20

العدم والتالشي. ذاك هو مصير الذين يرفضون محبة الله ويرفضوندعوته الى الحياة".

Bه ومجيء المسيح ثم يضيف الكاتب: "ولكن ما العالقة بين هذا كلBه المؤمنون؟ ربمBا تتضح لنا تلك العالقة، اذا تأمBلنا قول الذي يترقب بولس الرسول: ال تحكموا بشيء قبل األوان، الى أن يأتي الرب. فإنه هو الذي سينير خفايا الظالم، ويوضح أفكار القلوب، وحينئذ�

(. بقولنا انB المسيح5: 4 كور 1يكون لكل واحد مدحه من الله ) سيأتي ليدين األحياء واألموات نؤكد يقيننا ان كل ما هو خفي

( بواسطة المسيح26: 10سيظهر كل ما هو مكتوم سيعلن )متى الذي هو نور الله وحقيقة الله".

إمكانية جهنم في لحظة الحقيقة هذه، هل من مجال بعد للتوبة واالختيار؟ يرى

بعض الالهوتيين المعاصرين انB الموقف الذي يقفه االنسان منية التي بها Bض للخطأ. والحرBالحقيقة في هذه الحياة موقف معر

أة مشوBهة. "الموت وحده يتيح Bية ناقصة مجز Bحر yيختار الشر A يته واختياره. فهو اذا Bل عمل له يقوم به بملء حرBلالنسان امكان أو

الوقت المناسب الذي يستطيع فيه االنسان مالقاة الله وتقرير مصيره األبدي". انB االنسان، بموجب تلك النظرية، ال يمكنه، فيBأثناء حياته على األرض، أن يرى الحقيقة رؤية واضحة. لذلك فان

195

Page 196: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

، وال يمكنه من ثمB تقرير اختياره الشرB اختيار غير حرB وغير واع�A الى هذا االختيار. مصيره األبدي استنادا

A على هذا االفتراض الالهوتي، نكتفي بالعودة الى قول تعليقاA: "ال تحكموا بشيء قبل بولس الرسول الذي ذكرناه سابقا

(. فلنترك لله أن يحكم على سلوك االنسان5: 4 كور 1األوان..." )Bومن ثم ،A A مطلقا وعلى مدى حريته. ان امكان رفض الله رفضا

Bم"، امكان اختيار طريق الهالك والعدم في ما يدعوه التقليد "جهنA أمام االنسان، كما يقول الالهوتي A مفتوحا يجب أن يبقى امكانا

األلماني المعاصر كارل راهنر، وذلك لضمان اختياره الله اختياراA. أمBا الخالص بالمسيح، الخالص A نظريا Bه يبقى امكانا A. ولكن ا Bحر

الشخصي لالنسان، والخالص للبشرية بمجملها، فهو يقين ثابت. وهذا هو موضوع إيماننا بالمجيء الثاني. انB تاريخ البشرية والعالم

صائر الى الحياة مع الله.

ج( تصوBرات المجيء الثاني تلك الحقيقة االيمانية يصوBرها الكتاب المقدBس بتصاوير مختلفة، ال

A، بقدر ما A دقيقا A علميا يهدف منها إلى وصف نهاية األزمنة وصفا يقصد إظهار رهبة هذا الحدث األخير وخطورته بالنسبة إلى مصير

االنسان.

يتكلم العهد القديم عن "يوم الرب" ويعني بذلك يوم الدينونةBه "يوم ظلمة" )عاموس :5الذي فيه سيكافئ الله شعبه وأبراره. ان

(، "يوم نار تأكل جميع األرض"2: 30(، "يوم غمام" )حزقيال 20 (، "يوم قاس� ذو سخط واضطرام غضب، ليجعل18: 1)صفنيا

A ويبيد خطأتها منها" )اشعيا (. "فمن يحتمل يوم9: 13األرض خراباBه مثل النار الممحBص" )مالخي :3مجيئه ومن يقوم عند ظهوره، فان

2.)

هذا اليوم أصبح في العهد الجديد "يوم المسيح". انه يوم فدائنا األبدي: "ومتى ظهر المسيح الذي هو حياتنا، فحينئذ� تظهرون أنتم

A معه في المجد" )كو (. ومجيء المسيح يصفه العهد4: 3أيضا الجديد بطرق مختلفة. فهو تارة "يأتي على سحب السماء في كثير من القدرة والمجد"، وفي ذلك اشارة الى تحقيق نبوءة دانيال في شخص المسيح ابن البشر: "ورأيت في رؤى الليل فاذا بمثل ابنA على سحاب السماء، فبلغ الى القديم األيام وقZرBب الى البشر آتيا

A، فجميع الشعوب واألمم A وملكا A ومجدا أمامه، وأوتي سلطانا واأللسنة يعبدونه، وسلطانه سلطان أبدي ال يزول، وملكه ال

196

Page 197: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

(. "ويرسل مالئكته بالبوق العظيم،14، 13: 7ينقرض" )دانيال فيجمعون مختاريه من مهاب الريح األربعة، من أقصى السماوات

(.31، 30: 24الى أقصاها" )متى

وفي بعض األمثال، كظهر يسوع كالعريس الذي يأتي الى العرس ، مثل العذارى العشر: متى14- 1: 22)مثل وليمة العرس: متى

(؛ أو "كإنسان كريم العنصر قصد الى بلد بعيد ليتولBى13- 1: 25A ثم يعود" )لو (؛ أو "كرجل مسافر ترك بيته وصرBف12: 19ملكا

عبيده كل واحد في عمله، وأوصى البوBاب بالسهر..." وسوف يعود بغتة دون أن يعرف أحد زمن عودته: "في المساء أم في منتصف

(.36- 34: 3الليل، أم عند صياح الديك أم في الصباح" )مر

وتارة يصوBر لنا المسيح الدينونة كمحكمة يجلس فيها الملك على (.45- 31: 25عرشه ويعلن حكمه على الصدBيقين واألشرار )متى

وفي سفر الرؤيا تأخذ الدينونة صورة قتال ينشب في السماء ينتصر(.12فيه المسيح على أعداء الله )رؤيا

B تهدف كل من هذه التصاوير الى تأكيد وجه من حقيقة المسيح، إال،A A حرفيا ر تفسيرا Bساء فهمها، فتفسZ B ي A رمزية يجب أال أنها تبقى صوراZفص�ل أحدZ عناصرها وتحاك حوله قصة تدBعي وصف نهاية العالم أو ي

.A A دقيقا A علميا وصفا

كذلك القول عن زمن مجيء المسيح وزمن نهاية العالم. انB هذين األمرين ال يزاالن يثيران فضولية االنسان، وقد أثارا فضولية الرسل

أنفسهم، فسألوا يسوع: "قل لنا متى بكون هذا، وما تكون عالمة (. يجيبهم يسوع بإلقاء بعض3:24مجيئك ومنتهى الدهر؟" )متى

األضواء على ما ينتظرهم من حروب ومجاعات وزالزل. وينهي بقوله: "أما ذلك اليوم وتلك الساعة، فال يعلمهما أحد، وال مالئكة

(، ثم يخلص الى36: 24السماوات، وال االبن، إال اآلب وحده" )متى A، ألنكم ال تعلمون القول، وهذا هو المهمB بالنسبة الينا: "فاسهروا اذا

Bدكم. وتيقBنوا أنه، لو علم رب البيت في أي في أي وقت يأتي سي،A A، أنتم أيضا Zنق�ب. فكونوا اذا هزيع يأتي السارق، لسهر ولم يدع بيته ي

:24مستعدBين، ألنB ابن البشر يأتي في ساعة ال تظنونها" )متى 42 -44.)

يرى معظم الالهوتيين اليوم انB المجيء الثاني سيتحقق لكلBه إذBاك يالقي المسيح. هذه النظرية انسان في ساعة موته، ألن ممكنة، ولكن شرط أال ننسى أنB المجيء الثاني ال يحقBق فقط

197

Page 198: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

A اكتمال تاريخ البشر في المسيح. مصير كل انسان، بل يعني أيضا فالمسيح لم يتالش� في غياهب الموت. وقصة ارتفاعه يوم الصعود

A وانB تاريخ الى السماء تعني أنه دخل في مجد اآلب وأنه ال يزال حيا البشر سيكتمل فيه. هذا معنى قول المالئكة للرسل في رواية الصعود: "أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون الى

السماء؟ ان يسوع هذا، الذي ارتفع عنكم الى السماء، سيأتي هكذا،A الى السماء" )أعمال (. "ان يسوع12- 11: 1كما عاينتموه منطلقا

(، ومجيئه الثاني8: 13هو هو أمس واليوم والى الدهور" )عب يعني ان الله سيكمل فيه عمل الفداء والخالص الذي بدأه فيه.

- خالصة- خالصة33A به المجيء الثاني هو العمل األخير الذي سيقوم به الله خاتما

سلسلة أعمال محبة بدأت بخلق العالم وتتالت عبر التاريخ وبلغت ذروتها في حياة يسوع المسيح وموته وقيامته. الله محبة، وقد

A في A نهائيا ظهرت تلك المحبة في العالم والتاريخ، وستظهر ظهورا كمال العالم والتاريخ. إيمانا بالمجيء الثاني هو يقيننا أنB العالم لن

يجد ملئه بقوBته الذاتية، والتاريخ لن يجد اكتماله بتطوBر شرائعه ونواميسه. فالعالم والتاريخ بحاجة إلى قوBة تفوقها وتمنحها الملء

والكمال. انB تلك القوBة قد دخلت العالم والتاريخ؛ انها ضمن العالمA من عناصر والتاريخ، ولكنها تسمو العالم والتاريخ. الله ليس عنصرا العالم، انه خالق العالم. والله ليس شريعة من شرائع التاريخ، انه

مستقبل التاريخ وانفتاحه الى الالنهاية.

انB لهذه العقيدة نتائج خطيرة بالنسبة الى عالقات البشر بعضهمBببعض والى عالقاتهم بالعالم. والنتيجة الكبرى هي اقتناعنا ان Bباع شرائع التاريخ. د ات Bق بمجرBخالص العالم والبشرية لن يتحق

B اذا تجاوز العالم ذاته، وخالص البشرية فخالص العالم لن يتحقق إالB اذا نسمت فيها روح الله. لن يتحقق إال

لذلك بعد أن قام المسيح وارتفع الى مجد اآلب أرسل للعالم من عند اآلب الروح القدس. وهذا الروح هو الذي يستقرB في داخل

االنسان وفي داخل البشرية وفي داخل العالم ليبلغ بكل تلكBه، الى حياة الله. العناصر البشرية والدنيوية الى التأل

A، ويصل هذا الجسد الى ملئه لقد جاء المسيح ليبني لذاته جسدا وكماله. جسده هو جميع الذين يؤمنون به؛ جسده هو العالم الجديد

الممتلئ من الله، جسده هو الكنيسة، شعب الله الجديد.

198

Page 199: الله الخالق المطران كيرلس سليم بسترس

كيف يعمل الروح في العالم؟ وكيف تتكوBن الكنيسة، جسدالمسيح وشعب الله؟ هذا ما سيكون موضوع مقاالتنا القادمة.

199