-١-

س واكريتيسالطيماو

-٢-

-٣-

اخلطة الوطنية للرتمجة)٥(

أفالطــون: تأليف ـوالبيـر ريـ: حتقيق وتقديم

األب فؤاد جرجي بربارة: ترمجة

منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب م٢٠١٤ دمشق - وزارة الثقافة

-٤-

: العنوان األصلي للكتاب

Collection des Universités de France publiée sous le patronage de l'ASSOCIATION GUILLAUME BUDÉ

PLATON ŒUVRES COMPLÈTES

TOME X Timée - Critias

Texte Etabli et Traduit Par

Albert Rivaud Membre de l'Institut

Quatriéme tirage revu et corrigé

PARIS SOCIÉTÉ D'ÉDITION «LES BELLES LETTRES»

95, Boulevard Raspail

1963

؛ البري ريفـو تأليف أفالطون؛ حتقيق وتقدمي / الطيماوس واكريتيس اهليئـة العامـة الـسورية : دمشق - .٢ ط -.ارة جرجي برب ترمجة فؤاد سم٢٤ ص؛ ٤٢٤ - .٢٠١٤ للكتاب،

)٥اخلطة الوطنية للترمجة؛ (

أفالطون- ٣ العنوان - ٢ أ ف ل ط ١٨٤ - ١ السلسلة-٦ بربارة -٥ ريفو - ٤

مكتبة األسد

-٥-

Budé

)الناشر(

-٦-

-٧-

حــمفتت

من أواخر الكتب التي حررها أفالطون Тіμαіoς التيماوس بيعتبر كتا

بعشر سنوات ) ٣٤٨ أو ٣٤٦(وكتبهما قبل وفاته . Kρіτіας كريتياسقبل الجزء األول من ثالثية تتضمن التيماوسوكان من المقرر أن يؤلف . تقريباورامت هذه الثالثية أن ). قد فقدولكن هذا األخير (سيتهرموكرا وكريتياس

.تعالج مسألة أصول الكون واإلنسان والمجتمع

أكثر منها دراسة ) كوزمولوجيا( هو باألحرى دراسة للكون التيماوسوالتي تناولها بعض الشعراء اإلغريق بصورة ) كوزموغونيا(لنشأة الكون

الفنات، بتضرع إلى رب»نشأة اآللهة«فاستهل هزيود كتابه . أسطورية)Muses (ومن بين . كي يلهمنه القول الصادق والصحيح حول هذه النشأة

األساطير التي طرحها أفالطون أسطورة األطلنتيس التي تتصدر كتاب مضيق (وهي جزيرة هائلة المساحة مقابل البرتغال وأعمدة هرقل : الطيماوسول والمغرب، كانت تتمتع بحضارة مزدهرة وبجيش جرار حا) جبل طارق

وأرض أطلنتيس هي أرض الطيطان . اجتياح اليونان فصدته أثينا ودحرته. ونذ يرتقون في حسبهم ونسبهم إلى اإلله بوسينأبناء اإلله أطلس الذي

سنة ٩٠٠٠وسرعان ما تراجعت حضارتهم وأغرق زوس جزيرتهم هذه منذ حضارةالوأورد أفالطون هذه القصة الخيالية ليركز على . قبل أفالطون

األطلنتيس ألثينية العريقة التي لم تندثر، ولينبه مواطنيه بأن مصيرهم مصيراواستغلت قصة األطلنتيس كثيرا في األدبيات الباطنية . إن هم فسدوا

-٨-

انظر على سبيل المثال (واإلشراقية األوروبية، وفي روايات الخيال العلمي ).١٨٦٩(» عشرون ألف فرسخ في أعماق البحر«رواية جول فيرن

فإذا . يبقى موضوع الباراذيغماالطيماوسوالموضوع األهم في كتاب ، »فعل؟نماذا « قد طرحت مسألة الجمهوريةكانت الباراذيغما في كتاب

، فإنها في كتاب »كيف نفعل؟«مسألة » السياسة«وطرحت في كتاب إن دراسة : ، والمقصود بذلك هو التالي»لماذا نفعل؟« تكلمت عن الطيماوس

تؤدي إلى القول بأن عالمنا هو من صنع العقل، وبأننا – طبيعتنا –طبيعة الصحيح أن صانع الكون قد بنى العالم انطالقا . قادرون على بنائه وتطويره

من باراذيغما مثالية، كما أنه صنع الزمن انطالقا من باراذيغما الخلود وهي : اة أخرىهنا تفضي إلى محاك) mimesis(ونظرية المحاكاة . والسرمد

روح العالم الكاملة األوصاف، وروح الفرد التي يجب أن تشابهها، باالستناد مسخ، سماه الفارابي بالداء إلىإلى العقل الذي يجب أن يتطور، وإال تحول

اه الفيلسوف اإلنكليزي هوبس ) الضاري والمتوحش والمسعور(عي السبوسم)Hobbes ( بالحالة الذئبية)homo homini lupus.(

وما نظرية . بمثال أعلى ينبغي على البشر أن يحققوه الطيماوسوينادي تناسخ األرواح إال دعوة إلى تحقيق هذا الهدف األعلى، أو االقتراب منه على

وال تتوجه هذه الدعوة إلى الفرد فحسب، بل إلى المجموعة أو . األقلإعادة خلق عالم صحيح، في نظر أفالطون، أن دورنا كبشر ليس . المجتمع

خلق أصال، بل استكمال هذا الخلق للوصول إلى اإلنسان الفاضل والمدينة .الفاضلة

من فيزياء (لقد وظف أفالطون مجموعة من العلوم والمعارف ، فأتى كتاب ...)ورياضيات وفلك وجيولوجيا وفيزيولوجيا وعلم نفس وطب،

س بعضها من العلماء كموسوعة علمية شملت علوم زمانه، واقتب الطيماوس

-٩-

ولكن يبقى أن الهدف األسمى الذي كان يتوق إليه . والمفكرين الذين سبقوه .أفالطون هو التطلع إلى المطلق والحقيقة الثابتة والمثال األعلى

ترجم األب فؤاد جرجي بربارة هذا الكتاب الصعب من األصل اليوناني كر بالترجمات التي قام بها بأمانة علمية دقيقة وبلغة عربية مبينة وبهية تذ

حنين بن اسحق في العصر العباسي، مع أن ترجمة بربارة استفادت من علوم .العصر فأتت بدقة ورهافة شديدتين تليقان بالنص األفالطوني وتحتفيان به

السورية للكتاب أن تعيد نشر هذا السفر المهم من العامة ويسعد الهيئة .غريقية األخرى التي باشرت بإصدارهاأعمال أفالطون، أسوة بالكتب اإل

١٠/٩/٢٠١٣دمشق في

جمال شحيد . د

-١٠-

-١١-

الفصل األول تأليف احلوار وتارخيه

ةـمالحظات عام

: مصير التيمئس على مر العصور- ١

ا بيده ممسكأفالطونيصور » مدرسة أثينا«إن رفائيل في لوحته الكبيرة ه هكذا فنانو بيزنطية وأحيانا مزوقو المخطوطات وقد سبق ومثل. نص التيمئسوهؤالء كلهم لبثوا أمينين لتقليد طويل يرجع إلى عهد أفالطون . في هوامشها

وأرسطو. س رأس مؤلفات أستاذهموقد عد تالميذ أفالطون التيمئ. بالذاتأكثر الذي يستشهد به مرارا، يرى فيه تعبيرا عن الفكرة األفالطونية، من

. التعابير اتساما بطابع المعلم

أما . هو، في ما يقال، أول من وضع شرحا لهذا الكتابواكرانتر وبعدهما درسه جمهرة من . فقد ناقشا مقاطع عدة منهنكراتساسبفسبس واكس

.نفسه أن يفرد كتابا خاصا لدحضهإبيكرس وعلى ما يبدو، لم يأنف . الرواقيين

االنتقائيون بدورهم وكذلك المدرسة االسكندريةخص أصحاب و(les Eclectiques)خس وقد ناقش . هذا الحوار بتجلة فريدةلوترمقاطع أب

-١٢-

ولم تحد الحضارة القديمة في أواخرها واسعة منه، ووضع له شرحا جزئيا، . عن ذلك التقليد

، فقد علقوا هذا النص وأكرموه العلماء المسيحيون والعرب واليهودأما واستشهد به بال انقطاع كتاب العصور . إكراما يداني إكرامهم الكتب المقدسة

في القرن كلتشيديسالوسطى، وقد عرفوه عن طريق ترجمة التينية وضعها وإن مدرسة من أبرز مدارسنا بشخصيتها في األجيال . السادس الميالديـس ، حاولت أن توفق بين معطيات رترمدرسة شاالوسطى، وهي بشأن تيمئ

وقد احتلت ترجمة . المتعلقة بالخلقسفر التكويننشأة الكون، ونصوص » مقوالت أرسطو«إلى جانب . تيمئس الالتينية مكانها في مكتبة المتفقه عندهم

ـس األريباغي المزعوم وذينيسب .

بي لم ينقطع إلى القرن السابع عشر على الفكر الغر) الحوار(فأثر هذا ـس ) التي تلت العصور الوسطى(والنهضة الغربية راحت تشرح وتناقش تيمئفضاعف علماء اللغات والرياضيون والفلكيون جهودهم . بشغف خاص

ا أكب موعند. تنهوا معنى المقاطع الشهيرة الخفي، المتعلقة بروح الكونليكـس وجد نفسه أمام موسوعة ضخمة تبحر القرن التاسع عشر ع لى حوار تيمئ

المدرسة األفالطونيةمن التقاليد، العائدة عن طريق وسطاء كثيرين إلى .بالذات

ـس، كسواه من الحوارات األفالطونية، مدينا بهذا وليس حوار تيمئالمصير الذي يكاد يكون منقطع النظير في تاريخ التآليف الفلسفية، لمحاسن

وإذا ما استثنينا مطلع الحوار وخصوصا أسطورة . في الشكل ال تضاهىـس من روعة اإلنشاء، ما يقابل بروعة إنشاء األطلنتيس فيذن ، فليس لتيمئ

و يكاد من عنصر المآسي ولم فقد خال أ. وفيذرس والمأدبة والجمهورية

-١٣-

درسي ولغة مهنية يحتفظ إال بطريقة العرض المسهب الجاف، في أسلوب ميمازجها أحيانا ارتباك غريب ظاهر، كأن أفالطون يجد بعض العناء في

ومع أن الفيلسوف عول دوما على أدق . التعبير عن فكرته تعبيرا كامال بضبط، فمع ه يكاد أن يكون متعبا، لكي يفهمالتعابير، وأكثر من الجهود بوجوال بد من . نا من أغمض المصنفات القديمةهذا كله ما برح التيمئس في نظر

االعتراف بأن ذاك الغموض الحقيقي أو الظاهر ساعد على انتشار الكتاب . أكثر من لذة ما شمل من تعاليم

وقد ظن الناس حقبة طويلة أنهم يعثرون فيه على حكمة سرية، وليدة وتعاليم خفية وقد بحثوا في جنباته عن رموز. المفقودةغوريةثالحكمة الب

. وتجاهلوا السمة العلمية الموضوعية في هذا العمل الذي باشره أفالطونالتي ارتكبها » التقوية«تيمئس خصوصا وانتشر بسبب األخطاء واشتهر

عالوة على ،وهو. قراؤه، شأنه في ذلك شأن مصنفات كثيرة ذائعة الصيت بمظهر دائرة معارف، ذلك، المؤلف الوحيد بين مؤلفات أفالطون، البادي

وهذه الموسوعة، على اقتضابها، ثرية على . وموسوعة للمعارف البشرية وقد ظن علماء األجيال الوسطى، في ولعهم . كل حال إلى حد غريب

الشديد بتأليف تفسير متكامل نهائي للكون، أنهم وجدوا نموذجه في حوار . تيمئس

» أورغنن« يكاد يضاهي معنى ولذا فإن معنى تيمئس التاريخيوهو أحد المصنفات الذي تأملته أجيال متعاقبة، فاغتنى لبابه الخاص . أرسطو

فمهمتنا قبل كل . في بطء على مر العصور بعناصر غريبة عنه ال تحصىشيء، هي المثول أمام نص الحوار بالذات في محاولة الكتناه معناه، دون

. طالعوه من بعداكتراث بكل ما طلبه فيه م

-١٤-

ـس العامة- ٢ : ميزة تيمئ

إن أول ما يلفت النظر في تصفح الحوار هو أسلوبه المنهجي وطريقته ففي حوارات أخرى ألفالطون، مع أنها ال تقل عن هذا الحوار دقة . التعليمية

في التأليف، يحجب الفن المرهف بروز التقاسيم المفرط، بحيث يبدو الحديث، ن الترابط المنهجي، مرسال على عواهنه طبقا لنزوات خاطر مهما بلغ م

. مجنح

ـس، فكان أفالطون على عكس ذلك، يعنى عناية خاصة أما في تيمئفال . تداخلهةبإظهار معالم طريقه وإبراز تفاصيل خطابه، إبرازا تكاد الغالظ

المواضيع، سع فيإعالنات تكرر مرارا لما يلي من تو: ينقص فيه شيء من ذلكفال أقل من عشرة ملخصات أو . ومراجعات دقيقة لما نال الخطاب من نتائج

، ٣٩d، ٢٦d-e: برامج جزئية في حوالي تسعين صفحة ينطوي عليها الحوار٤٠ c-d ،٤٤ c ،٤٨ a ،٥١ e ،٥٢ a ،٥٥ c-d ،٦١ d ،٦٩ a-b)١(.

ذسمنيروفال غرو أن ب تيفسلفسوالسياسي والسكل تلك (، يولكن ما من حوار يلجأ إلى هذا . تقدم لنا نماذج لمثل هذا الضبط) الحوارات

ـس، وهذا شيء معروف . األسلوب بمثل هذه المثابرة وهذا االجتهاد وتيمئأيضا، هو الوحيد بين كتابات أفالطون الذي يشغل فيه العرض المتصل أكبر

تمهيدا زهيدا فعرض تيمئس الطويل فإذا استثنينا. من قسط من الحواروقد يحسب المرء أن ذاك العرض درس أو . يستوعب المصنف بأكمله

. باألحرى موجز درس، يماثل الدروس التي كانت ربما تلقى في األكذمية

لألصل Bekkerهذه المراجع بأرقامها وأحرفها الالتينية، مأخوذة عن طبعة بيكر ) ١( -٢ )المعرب. (جماال المترجم الفرنسي ألبير ريفووهي التي يتبعها إ. اليوناني

-١٥-

وال يلقى هذا الدرس على أناس غشم، ولكن على أناس ضليعين في مختلف وقد . ، ولو بعبارات مبطنة، إلى النظريات العلميةالعلوم، تأهبوا لفهم أي تلميح

وعرضه . عني أفالطون منذ مطلع حواره بلفت النظر إلى هذا األمرالمتعلقة بروح الكون أو بالمعطيات المقتضب خصوصا للتفاصيل الرياضية

.)٢(»مستأنسين بأساليب العلم«الفلكية، يفرض في الواقع مستمعين

ـس يوحي، أ كثر من أي كتاب آخر ألفالطون، أنه انبثق عن فالتيمئوقد يظن القارئ أنه يعثر أحيانا على هنات األستاذ ونزواته . تعليم عقائدي

كما يمتاز في . واألستاذ هنا يحب الترتيب ويمتاز في إعداد دروسه. الخاصة. فالعرض يبدو بطيئا. تعبئتها دونما لجاجة بقدر ال حد له من شتى المعلومات

إذ ، يتخذ بين الفينة والفينة سيرا يكاد يكون زحفا، فال يخلو من بعض التثاقلو . تبسط كل جملة بال تسرع، وكأن المؤلف ال يعجل إلى بلوغ الهدف

يكدس دون ستيمئف. ومع ذلك، كم من الثراء في تلك الصفحات القالئلدثين، إذا استثنينا وال نرى بين المح. عناء أو فتور أحداثا دقيقة من كل صنف

، من يجمع بين هذا التراخي الظاهر وبين فكر عميق إلى هذا الحد ديكارت. إن تيمئس يحوي موسوعة كاملة للعلم األفالطوني. ودوما في غاية التماسك

وهو رفيق الفيلسوف ورجل الدولة، ويحمل من المعلومات ما ال غنى لهما ا، وقد عولجت بما يقتضيه كل منها من عنه، مصنفة حسب ترتيب ترابطه

. البسط والتوسع

فالعلم وأرجح العلم هو : ويجب أن ال يخدعنا ثوب الخيال في العرضوستتاح لنا الفرصة، لدى التنقيب عن تفاصيل الحوار، لنتثبت أن . ما يثار فيه

)٥٣) ٢ c.

-١٦-

ـس يعرض لنا عادة في كل مادة يتناولها في الفلك والرياضيات : التيمئفيزياء والكيمياء والطب، ليس معلومات قد عتقت وعفت، وإنما حالة أحدث وال

وأكيد أن تلك الموسوعة ليست . علم وأغزره إطالعا، عندما وضع الحوارفأفالطون يزيح بكلمة جملة من المسائل الهامة، وينبهنا . بكاملة من كل وجه

وبعد أن . مسهباأنه سوف يهمل عددا وافرا من الموضوعات قد تستحق بسطاولكنه يدلي بشأن كل ما . يحدد إطارا شاسعا، ال يمأل منه إال بعض األجزاء

بحيث يوحي . يقبل معالجته من المواضيع، بالتفاصيل الدقيقة الفنية المبتغاةالمجموع شعورا قويا بالملء والكمال، ال يقدر إيحاءه إال مؤلف تمكن كل

صغيرة من اللوحات التي ينطوي عليها فكل لوحة. التمكن من موضوعهـس، تبدو تصغيرا تاما في إطاره الضيق إال أن وحدة المجموعة تبرز . التيمئ

بروزا مدهشا، ألن الرسام غدا ماهرا في فن انتقاء التفاصيل وإضفاء . االنسجام عليها وعلى الموسوعة بكاملها

: الموضوع الرئيسي في الحوار- ٣

الشراح األقدمون منهم والمحدثون خصوصا بما يتعلق في لقد تمسك وقد استهوتهم باألكثر قصة تصوير روح العالم، . هذه الموسوعة بعلم الكون

ولكن مع كل لذة تلك المعلومات، . ونظرية المكان والعناصر، والنظام الفلكيـس في نظر أفالطون بالذات يسي، بدون فالقسم الرئ. ال تكمن فيها زبدة التيمئومن أجل هذا القسم قد . ريب، هو في اعتقاد الفيلسوف القسم المتعلق باإلنسان

وهذا الهدف يفسر لنا في آن واحد، . كتب كل ما تبقى تمهيدا وإعدادا لهذ قد وجد بين الشراح المحدثين إ. تنسيق الحوار والغرابات الظاهرة في تأليفه

وزعم . ستيمئون وغيرها من أجزاء من يدعي أنه ال ارتباط بين نشأة الك

-١٧-

أن أفالطون كتب حواره أوال، ثم أدخل عليه بعد ذلك توسعاته في )١(روهده . علم الفلك والفيزياء، وقلب هكذا رأسا على عقب تصميم مؤلفه األصلي

فلنتذكر أوال ما دعا . ولكن ال سبيل لتأييد مثل هذا الرأي، ألسباب كثيرة المنصرمة تتح بملخص حديث اشترك فيه الليلةفهو يف. ارإلى رواية الحو

في سياق ذلك وقد وصف سقراط . سقراط وتيمئس واكرتيس وهرمكراتسوفي مطلع الحوار، يذكر لنا بعض من أبرز الخطوط . الحديث الدولة المثلى

ث وعندئذ فقط، يدخل أفالطون موضوع البح. وأغربها في ذاك الوصف : الجديد الذي سيبسط

تلك الدولة المثلى الموصوفة نظريا، هل يستطيع المرء أن يتمثلها في الواقع، ويتصورها في حقيقة حية عاملة، عرضة لمصاعب السالم والحرب؟ هل يمكن أن يبني المرء لها نموذجا واقعيا، وأن يسكب عليه الحياة، بحيث قد

؟ كتتمكن أجزاؤه كلها أن تعيش وتتحر

إن المعضلة مذهلة ألول وهلة، إذ ليس سوى جواب واحد على سؤال محاولة عملية ليحقق المرء في الواقع بثورة أو : يطرح على هذا الوجه

فالعمل المرتبط بالمستقبل قد . إصالح اجتماعي دولة تماثل نموذجنا المثاليولكن . هايستطيع وحده أن يعطينا الجواب بتأييد آمالنا نهائيا أو تحطيم

أفالطون ال يفكر اآلن بهذا الجواب، القاطع في الحقيقة وحده، إذ يحتمل أن فبضرب من الخيال المضاعف . تكون اإلخفاقات المتعاقبة قد فتحت عينيه

يشرع يروي لنا ما كان ممكنا أن يكون تاريخ دولته المثالية، لو كان كل شيء أن ال يرى المرء في هذا قد جرى في العالم كما يقتضيه العقل ويصعب

١( -٣ (E. Rhode, Psyche II, 2, p. 266. – Cf. en sens contraire H. Raeder, Platons

philosophische Entwicklung. 1905, p. 378.

-١٨-

فمن لم يقدر العمل أن .المنهج، شبه اعتراف شجي بالعجز بعد خيبات كثيرةرضيه، يكاتب معاصر كان فكر . ضطر في النهاية أن يكتفي بالحلمي ورب

ولكنه . بقصة وهمية، وما كان ليتردد أن يجعل مدينته المثلى في المستقبل . الوهمية من نفوذ التاريخ وهيبته) تهدول(بفعله هذا، يكون قد حرم

فبضرب غريب من الحيلة، ينبري أفالطون ليروي لنا تاريخ وطنه، وبمحافظته هكذا على حرية تامة في االستنباط . ذاك التاريخ المجهول المنسي

. والبناء، يضمن لنفسه مغنم الحياة، الغائبة عادة من السير السياسية الوهميةفالطون وسيلة من الوسائل التي ألفها كتاب الروايات ليسبغوا وإذ ال يهمل أ

على قصصهم ظواهر الحقيقة، يتمكن هكذا من أن يضيف إلى مراجعه . الخيالية أو المفترضة، إثباتات غير منتظرة من نوع إيجابي

فقد استغلت أغلب الفلسفات السابقة، لصالح محتوى جديد، إطار مواليد فيستنبط نظير برمنيذس أو . مع أفالطون أن يحذو حذوهاويز. الكون القديمة

اكسنفانس مولدا للكون ال اعتباطيا أو شعريا فقط، ولكن مولدا تتالءم كل فسوف يربط تاريخ البشرية ودولة . تفاصيله وأثبت معطيات العلم وأحدثها

. هذا المحتمل جداأثينا الخيالي، ربطا يحكمه ما استطاع اإلحكام، بمولد الكون وهكذا يظهر الخاطر السياسي اللعوب بمظهر المستفيد من النفوذ المرتبط

. بمعطيات علم الفيزياءويشبه أسلوب أفالطون، إذا ما فكر فيه المرء، كل الشبه أسلوبا اتبعه

ألم يصف اسبنسر التطور الشاسع، ليبرر في . أصحاب التطور المعاصرونجا سياسيا معينا؟ وينطوي مثل هذا الحل، في نظر فنان كأفالطون، النهاية برنام

ويتيح للفيلسوف أن . فهو يبرز بروزا مدهشا وحدة األشياء. على فوائد أخرى

-١٩-

يؤلف قصة متماسكة ينتظم فيها بالتتالي كل ما يهمه من أحداث، ويفسح له . اة وظاهر الخاطر اللعوبالمجال ليحول مصنفا مهنيا إلى رواية تنبض بالحي

: التصميم واإلنجاز - ٤

إن تيمئس واكرتيس، كما بلغا إلينا، ال يؤلفان إال فصلين من ذاك هذا، والفصل الثاني ناقص،. التاريخ الذي كان عليه أن يتضمن ثالثة فصول

إما ألن أفالطون قد قضى نحبه قبل أن ينجز عمله بجملته، وإما ألنه توقف . إنجازه ليؤلف كتاب الشرائع، وهذا ما افترضه األقدمونعن

فالجزء األول . )١(»الثالثية«إن التيمئس يدلنا على األقسام الرئيسية في . يروي لنا تاريخ نشأة البشرية، المربوط على ما رأينا منذ قليل، بتاريخ الكون

رية األمثل، طبقا وكان على اكرتيس أن يتناول بالبحث تاريخ المجتمعات البش حققته أثينا في األزمان الغابرة، وفرض أخيرا على هرمكراتس أن يتمم لما

فكان ال بد من صوغ ثالثة حوارات . س بإيجازاللوحة التي رسمها اكرتيـس واكرتيس . تؤلف ثالثية واحدة وقد طلب إلى ثالثة أشخاص، هم تيمئ . داولوا أطراف الحديثوهرمكراتس أن يت

في الحقيقة، إن دالئل التيمئس ال تتفق في الظاهر تماما ومعطيات فحسب التيمئس كان يفرض على اكرتيس وصف الدولة األثينية . اكرتيس وهو الوحيد على ما - والحال أن حوار اكرتيس في قسمه البالغ إلينا . البائدة

ولكن ال ريب أن . ال يتكلم إال عن نظم األطالسة–يبدو الذي ألفه أفالطون

وكانت . واحدالثالثيات عند األقدمين تآليف ثالثة، موضوعها أو الفكرة فيها أو هدفها ) ١(مأنوسة خصوصا في اإلنتاج المسرحي على اختالفه، والمباريات المسرحية كان دوما

)المعرب. (قوامها ثالث روايات هزلية أو ثالث مآس

-٢٠-

ومدى . الثاني من الحوار لو أنجز القسمتفصيل الشرائع االثينية كان قد شغلالتوسع في شرح شؤون الدولة األطلسية يحملنا على الظن أن وصف حال

.أثينا قبل الطوفان، لو تم، لكان قد فصل هو أيضا تفصيال أوفى

وهو في الوقت نفسه يصف . لنا تاريخ نشأة البشريةإن التيمئس يبسط. لنا الطبيعة البشرية من الناحية الطبيعية والناحية األدبية وصفا شبه كامل

ويوجه هذا الوصف برمته إلى التطبيقات العملية في مجال التربية والطب ن التيمئس ليس بمجرد دراسة في تركيب أجهزة موآخر قسم . والسياسة

سم أو علم النفس أو الحاالت المرضية، ألن أفالطون ال يتشاغل هنيهة عن الجالتطبيقات المحتملة وعن وسائل التأثير في الطبيعة البشرية، ما أتاحت هذه

ورغم الظواهر المعاكسة، ال يقوم وصف الكون وعلم . الطبيعة التأثير فيها . ي العرضالالهوت والمعارف الفلكية والفيزياء إال بدور ثانوي ف

ويبدو أن التوسعات الهامة التي يخصصها أفالطون لهذه المعلومات هي . في الحقيقة باهظة، إذا كان هدف الحوار سياسيا، على ما قلنا منذ لحظة

فأفالطون متثبت . ولكن هذا النقص الظاهر في توزيع المواد يفسر بسهولة فالتيمئس .الطبيعة الشاملةأوال أن اتحادا وثيقا يصل بين الطبيعة البشرية و

أسهم أكثر من أي مصنف قديم آخر، في فرض االعتقاد على األجيال المقبلة، وهذه الصلة كانت قد . (إن هناك صلة ما بين العالم األصغر والعالم األكبر

وقد كتب لها أن تسيطر على فلسفة النهضة ). السياسي(أقحمت في أسطورة هذا ومع كل ما يبذل أفالطون من ). بع عشراألوروبية وفلسفة القرن السا

جهود في سبيل اإليجاز، فإنه ربما يستسلم للذة المسائل التي يعالجها ولفرح . عرض أهم اكتشافاته الشخصية واكتشافات خالنه ولو عرضا عابرا

-٢١-

. وإذا وافقنا على ما تقدم، يصبح تأليف حوار التيمئس ذا نصاعة كاملة لمحة خاطفة عن e ٤١ إلى الصفحة c ٢٧ الصفحة فلدينا قبل كل شيء من

. شراح األقدمون والمحدثون أوفر شطر من جهودهمنشأة الكون، ركز عليها الومن تأمالتنا العامة . e ٤١ولكن مشكلة مصير النفوس تثار أخذا من الصفحة

في الكون، يعود بنا الفيلسوف حاال إلى التثبت من أخطائنا وأوهامنا، ويدعونا وبعد ذلك مباشرة، وبدون ). abc ٤٤ - e ٤٣(إلى التفكير في وسائل مداولتها

). ٤٧، ٤٤(تمهيد تقريبا، يقبل أفالطون على درس أقسام الجسم البشري وهو مقام في الظاهر غير - وهكذا يتضح لنا لماذا عالج في هذا المقام

ان من المحتمل وك. نظرية المحل، أو كما يقال دوما، نظرية المادة-منطقي العلة التائهة التي تفسر خواص المحل الفريدة، «البدء مشكلة تلك أن يثير منذ

رية المحل ال تظهر إال بداعي ظغير أن ن. وأن تكون إثارته لها مشروعةصفات األجسام الحسية، وال يؤتى على ذكر تلك الصفات إال ألنها توفر لنا

يقبل الفيلسوف على عرض نظرية وكذلك ال. إحساسات تستطيع أن تفيد منهاد ذلك معالجة عابرة عوال يعالج ب. العناصر إال لتطبيقاتها على اإلدراك الحسيير بداعي الظاهرات الطبيعية التي تثعلم الفيزياء وعلم المعادل والكيمياء، إال

c ٦٠ وخصائص المعادن c-e – ٥٨كاألحداث الفلكية (مباشرة اهتمام البشرية ثم يعاود . دف حاال بتعداد أنواع األجسام الرئيسية درس اإلحساساتوير). إلخ

بعد انقطاع طويل، يدرس علم التشريح وعلم c ٦٩وصف اإلنسان، صفحة ويعقبه بدرس الحاالت المرضية العامة ودرس في حفظ ، وظائف األعضاء

.الصحة والعالج

ريخ اإلنسان ، هو تا٤٤ئس العام، أخذا من صفحة وهكذا فموضوع تيمأو (وال يقاطع بسط هذا الموضوع من فترة إلى فترة إال بأقواس . الطبيعي،

-٢٢-

فمسألة أصل النبات مثال تعالج . غايتها تلخيص معارف إضافية) شروح، وكذلك أيضا قصة c ٧٧ - c ٧٦عرضا في معرض الكالم على الغذاء

لبداية، فال أمتن وال أجلى فإن قبلنا بما فرضنا منذ ا. c ٩٢ -d ٩١الحيوانات ل كو. فاإلنسان يظل دوما محو دراسات أفالطون. تيمئسمن توزيع مواد ال

ويالحظ المرء التشابه بين . العلوم حتى أسماها تجريدا تخضع لعلم اإلنسان .ن المحدثينيهذه النظرية ونظرية ديكارت أو نظرية الوضعي

طابع التخمين في العرض- ٥

فالعرض فيه ال يدعي . ر تيمئس قصة، ال بل رواية أو خرافةإن حوافإن تناول البحث أصل العالم . متانة البرهان، بل يكتفي منه بما يشابه الحقيقة

٢٩ c ٦٨، أو نظرية الكيفيات واإلحساسات d ٧٢، أو وظائف النفس المائتة d

e ٦٩، أو على وجه أعم جملة المصنف a dون يبرز طابع، فال ينفك أفالط .التخمين في خطابه

فهو يروم أن يحد من ثقتنا في استقراءاته، وينبهنا كي ال نجد تماما في تيمئس العلمية القبول كل أقواله؟ ولكن إن صح هذا االفتراض، تكون قيمة

ارين العائدة علينا بترويح لذيذ للنفس دون تمزهيدة، ويكن الحوار تمرينا من ال وهذا ما ذهب إليه أكثر المفسرين، . ها ضرورة كثيرا من االهتمامأن نعير

غير . منذ عهد قريب جدا، في فهم تحفظات أفالطونHowaldسيما هوالد وال .أنهم قد تجاهلوا ربما روح التعليم عنده

ـس لنعت ال أما في الحقيقة، فكلمة اكوس، المستعملة في تيمئوأفالطون ال . اف نفوذ الرواية بل إلى تقويتهاألسطورة، ال ترمي إلى إضع

يؤكد طابع نبإه الوهمي الواضح، بقدر ما يؤكد أسباب اعتقاده هذا النبأ قريبا

-٢٣-

ال بل يؤكد في شيء من االختيال والكبرياء الظاهرة أن . إلى الحقيقةغير . أسطورة) يروي لنا(أجل إن حواره . استقراءاته مرجحة أرجحية خارقة

وهذه . ألسطورة تداني الحقيقة المطلقة أكثر من أية أسطورة أخرىأن تلك افإله فقط قد يستطيع معرفة الحقيقة في . )١(النقطة أبرزها ابرشار بكل جالء

وإن اتفق لحكيم أن يستشف علل األشياء فكيف يمكنه . عالم الفيزياء والطبيعةولكن كل ما يقوله . أن يكشفها للبشرية الجاهلة؟ ولن يقول أفالطون كل شيء

.مرجح، بقدر ما يمكن الحكم في ذلكهذا، وقد طال ما أفاض الشراح بصورة عامة بشأن األسطورة األفالطونية، دون أن يالحظوا أن ألفالطون أساطير تختلف بطبيعتها

فأفالطون الشاعر، وهو من أروع الشعراء، يستسلم أحيانا إلى . وصفاتهااضة، ويتذوق لذة خفية عندما يتالعب بصور خاطره الطروب وقريحته الفي

وفي سخريته الرهيبة، يطيب له أن يضارع ويعارض استنباطات سلفائه . بهيةبيد أنه يحب أيضا أن يبدي بعضا من أغلى عقائده بشكل . ومعاصريه .األساطير

بعضها مجرد صور : وهكذا نجد في حواراته أساطير من كل صنفبهجة اإلبصار، وبعض آخر تشويه كل خبث لتعاليم رشيقة، يلقيها في سبيله ل

معادية، وبعضها أخيرا تعبير شعري عن نظريات رصينة لها من األرجحية فهذه األسطورة تتجزأ إلى أقسام . تيمئس بجملته أسطورةالفإن كان . قدر كبير

و فهنا يبدي أفالطون تشككه بشأن أنساب اآللهة، أ. مختلفة تتباين طبائعها جداوهناك يمازج الخاطر اللعوب عنصر . ازدراءه الشعراء، بعبارات تهكم عابرة

)١( Cf. notamment: V. Brochard et L. Dauriac; Le devenir dans la Philosophie de

Platon. Bibl. Du Congrès international de Philosophie 4, Paris. 1902. p. 127. .d ٦٨ ئسيمتراجع ال

-٢٤-

ته هما من نسج الخيال . جدس برمفأسطورة القطر األطلسي وبالتالي الكرتيإال أننا نجد، وراء الخاطر اللعوب . على تأييد صولن لهما وكهان المصريين

Jules Verneوايات جول فرن نفسه مجموعة من االحتماالت كما نجدها في رومن المؤكد أن أفالطون يعتقد بوقوع كوارث كبرى . أو قصص ويلز العلمية .في طبقات األرض قديما

ـس الرئيسية بميزات تختلف تماما عما وتتسم أخيرا أسطورة تيمئوال ريب أن أفالطون . ال غرو أن إطار العرض هو برمته أسطوري. ذكرنا

ويعسر على المرء أن يعبر عن عمليات . بوجود كوب يتم فيه المزيجال يؤمن إال أن األرقام . المتعاقبة في مقال موضوعي عن نشأة الكون» الصانع«

المتعلقة بأبعاد الكواكب السيارة، ووصف مداراتها وتالقيها وتقابلها، تتفق ة أقسام النفس كما تنسجم نظري. وأصح معطيات العلم الفلكي في عهد أفالطون

وإجماال كل ما يمت إى الكيمياء . ونظرية العناصر وتعاليم رياضية دقيقةوالظاهرات الجوية وعلوم الحياة، يفرض مجموعة أبحاث رصينة جدا يقدرها

.أفالطون أكبر قدر

وقد يتساءل المرء في مثل هذه الظروف لم حوط أفالطون الوقائع بهذا ل أرسطو فيما عيعرضها عرضا بسيطا، كما سيفالزي األسطوري بدل أن

فهل هي مجرد نزوة فنان، . بعد، ولم قبل أن يجازف سلفا بقيمة أهم مالحظاتهلى تعليل علمي شامل إأو باألحرى شعور عميق ينقص كل محاولة تهدف

متكامل؟ كيف نفرض أن أفالطون لم يشعر شعورا أليما ببطالن كل كون تفسيرا كليا، وهو الذي ساورته ربما أكثر من أي ي الطمحاوالتنا، لنع

فيلسوف آخر، رغبة اكتشاف الحقيقة األزلية؟ كيف نفرض أن أفالطون لم يشعر ذلك الشعور، وتعليمه برمته يثبت لنا جهده المستميت ليبلغ من وراء

-٢٥-

الظواهر، الواقع الثابت؟ وإذ وجد التحول، فالبد من النقصان في بنائنا ومع ذلك، على الفيلسوف شاء أم . فكري، والبد فيه من المراودات واألخطاءال

. وعمله تمهيدي وبعض أقسام عمله مهلهل. أبى، أن يجازف ويحاول ويغامر .فيطيب ألفالطون أن ينظر إليه مليا. أما بعضه اآلخر فيبدو متينا نهائيا

ن الوقائع وبين هذا، ويعترف العلم الحديث نفسه بعجزه عندما يميز بيغير أن وصف الكون في . النظريات والفرضيات المعدة لربطها وتفسيرها

يتحول، وخروج من عالم الحقائق نظر أفالطون هو خصوصا وصف ماويصدف . الثابتة، واضطرار إلى مواجهة مبدإ تشويش وفوضى ال يضبط

ة، إذ يبدو أن ويفضل مالزمة العالقات الثابت. العلم بطيبة خاطر عن هذا المبدإإال أن العلم ال . قليال من االنتظام واالنسجام ينفذ بسببها إلى قلب الفوضى

ولذا ال مفر . يستطيع جهل عنصر اإلخالل بالنظام، وجهل حضوره المقلقفاء، مهما بلغ خمن أن تحتفظ كل معرفة لعالم التبدل بشيء من عدم اليقين وال

الم المتحول تلبث دوما نظرية مرجحة فنظرية الع. العلم من الدقة والضبطوال شك أن منهجا جيدا يسمح لنا أن نرفع األرجحية إلى درجة عالية . فقط

إال أن هاوية دائمة قد أثبتت بين علم المثل وعلوم األشياء . من اليقينالذكسا (المتغيرة، وهذا كان رأي برمينيذس عندما كان يصف عالم الظن

doxa (ر تعبيرا عميقا أخاذا عن هذه الضرورات فالصيغة األسطورية تعبوهي في آن واحد تتيح لنا أن ننمق بوشي الشعر أكثر التعاليم . الباهظة

.تجريدا، وتلفت نظرنا دونما إفاضة في الشرح إلى فقر عقلنا فقرا ال يعالج

قيقة، تفسر تيمئس أسطورة، ولكن أسطورة تداني الحالوقد تبين هكذا أن لنا بقدر ما يسمح للضعف البشري، أسمى ما بلغ إليه اإلنسان من حقائق في

والمهمة المترتبة على الشاعر والفنان تفوق ربما في الحقيقة . هذا المجال

-٢٦-

فهناك وقائع علمية ال يستطيع شعر أن يمحو جفافها . أروع العبقرياتفي استعمالها، فهي تشيع وإذا عمد المرء إلى االستعارة وأسرف . الطبيعي

الغموض أحيانا في تعاليم، لو عرضت عرضا بسيطا، لغدا فهمها أسهل وما فائدة أسطورة روح العالم، إن كانت الغاية تعيين األبعاد فقط بين . متناوال

الكواكب، والتقليل عن طريقة حركاتها؟ ولم لجأ أفالطون إلى هذه الحيل، وله المفاهيم بجالء؟صاألكيدة على عرض أعوما له من المقدرة

ال ريب أن إيضاح هذه المسألة يجب التماسه من تقاليد العلم اليوناني إن أفالطون يسعى إلى تفسير شخصي للكون تفسيرا . م.في القرن الخامس ق

وبفعله هذا فقد حفظ لنا في . متكامال موحدا، يستفيد من جميع معطيات العلم. الفه مفكري إليه والفالسفة البثغوربين والسفاسطةذات الوقت إرث أس

تيمئس من بعض الوجوه ضرب من المساوفة أو المجاراة لروايات نشأة فاللتي خلقها له أسالفه، ويطابق وأفالطون يحافظ على الصيغة ا. الكون السابقات

وينسج حسب الحاجة على غرار هؤالء أو أولئك . ها وبين عوائد زمانهبينتفق له أن يقحم في أرصن المقاالت تالميح ال تخلو من الظرف وناعم في

.التهكم

: أشخاص الحوار- ٦

مع أن طريقة العرض متواصلة أو تكاد، فالتيمئس حوار كسائر مؤلفات وال يتالفى أفالطون عناء ليوحي لنا أن المشتركين في . أفالطون التي حفظنا

يثبت لنا وجود سقراط واكرتيس فالتاريخ. الحديث أشخاص حقيقيونكراتسموهر . كلسر٢٢(واب ،IF ٩١، ٧١ ص Diehl ( كراتسمينبئنا أن هر

كذيذس ثالذي يفيض اكسنفون و، هو عين القائد السركوزي حامل هذا االسم

-٢٧-

. دور خطيروقد قام هرمكراتس هذا ب. في التحدث عنه)١(وذيوذوس الصقليونجح مرتين . وناوأ أشد المناوأة وأكثرها توفيقا المطامع األثينية التوسعية

ولم يستحق . ومنى المجتاحين بهزيمة نكراء، متتاليتين في درء هجمات أثيناكذيذس ثوقد روى لنا . غيره أكثر منه اكليل القائد واكليل الدبلوماسي

ويؤكد لنا أنه ترأس بعثات سياسية . لةونسب إليه ثالث خطب جمي، انتصاراته، ويعلمنا ذيوذرس أن هرمكراتس اضطر فيما بعد إلى مغادرة وطنه. هامة

، وذهب بعض المؤرخين إلى أنه طلب حماية أثينا. حيث تغلبت الكتلة الشعبية .ئس أساس تاريخيوأنه قد يكون هكذا للتيم

إذ يخبرنا . من الرجاحةغير أن هذا االفتراض ليس على شيءسذروأن ذي كراتسمطة، بعد أن نفي عن سركوزاهرربال إلى اسثم ، التجأ أو

نبازوال يسمح توقيت تلك الفترة افتراض . إلى آسية الصغرى واستجار بفرومن ظن أن في وسع األثينيين أن يحتفوا بعدو . إقامة خالل ذلك في أثينا

ليعبر عن لسان حال هرمكراتس فاختيار . د أخطأ معرفتهمفق، هاربوإن أبدى أفالطون في التيمئس ميال إلى . له مغزاه دونما ريب، أفالطونوليس له استعداد ، فتقاريظه تقع دوما على أثينيي الماضي، مجاد أثيناأالتغني ب

أعدائهم بمهمة تقرير ولعله يعهد إلى عدو من أعند . ليعطف على معاصريهفما كان دور . ليلقي عليهم درسا مريرا في سخريته، نظامهم السياسي المقبل

كلسراب في ذلك؟ إن كراتسم٢٣(هر LA ،٦، ٧٢ص ،Diehl ( يروي لناففي . جداال أثير بين قدامى مفسري التيمئس، بعبارات ال تخلو من األلغاز

، ٢٦: ٨، ٧:٢١، ٩٩-٩٦، ٨٠-٧٥، ٧٣-٧٢، ٣٥-٣٢: ٦، ٦٦-٥٨: ٤ثكذيذس ) ١ (-٦، ١٩-١٨: ١٣ذيوذرس . ٢٧و١٨ و١:١٦: ١الحروب الهلينية : اكسنفون-٠٨٥، ٤٥-٣٩ .٢٧:٥٤١ و٥٤٠: ٢٦س سيرة نكي، ر أيضا أبلوترخس٠٦٣، ٣٨، ٣٤

-٢٨-

، )أو الغائية( تيمئس قد قام بدور العلة المثالية زعم بعضهم يرجح أنألن ، صغاء إال اإللهرمكراتسولم يبق . بدور العلة الصوريةواكرتيس

.)١(األدوار الفعلية قد وزعت على األشخاص اآلخرين

، من رأيابركلسوعاد بعض الشراح المعاصرين إلى ما أشار إليه لم ينو قط أن يؤلف حوارا ثالثا يشغل فيه هرمكراتس وأكدوا أن أفالطون

خصوصا أن يبرر هذا الرأي بنصوص Munkالمقام األول ويحاول مونك . اكرتيس وتيمئسوفعال لم توزع األدوار إال على ): a-b ٢٧(التيمئس نفسها

.لهرمكراتس لم يعد بعد من ذكر ٢٧وصفحة

ألن سقراط كان قد صرح أن من . برهان غير مقنعولكن هذا الويعود ويؤكد ذلك صفحة ، اختصاص اكرتيس وهرمكراتس أن يقوما بالمهمة

٢٠ d . س من جديد١٠٨(ويلمح الكرتي d ( إلى الخطاب الذي وعد بهكراتسمفبدون تهور مفرط إذن يمكن أن نفترض أن أفالطون كان . هر

حساب حوار ثالث قد يحمل اسم هرمكراتس عن ، ن تأليفه التيمئسإبا، يحسببهذا الشأن فرضية Susemihlالمهمة المنوطة باكرتيس؟ لقد فرض سوزمل

يستطيع ، وادعى أن الدولة المثلى التي يبغي أفالطون الكتابة عنها. خيالية لبقةفي الماضي وفي ، المرء أن يتصورها في شكلين أو حالتين مختلفتين

وهرمكراتس . فاكرتيس يعنى بوصف النوذج المستمد من الماضي. المستقبل .يكلف بوصف دولة المستقبل المثلى

ففي . إال أن سوزميل يعمد إلى برهان دقة النظر فيه تفوق قوة الحجة. قوام كل منها عشرة آالف سنة، زعم أفالطون يتم تطور الكون خالل حقب

.b ٨نجد عند ابركلس عين المالحظة ف ) ١(

-٢٩-

حسب معطيات ، والحال أن تسعة آالف عام قد انصرمت منذ بدء العالم ٢٣(التيمئس e ( سواكرتي)١٠٠ e ( ذن أننا نقارب نهاية إأال يعني أفالطون

وأن طورا جديدا على وشك أن يبدأ قريبا؟ لقد ، الحقبة األولى من حياة الكونولكنه لم يفعل إال . )٣(اقةرذل اشتينهرت صنوف التحاليل هذه المفرطة اللب

ففي رأيه أن هرمكراتس كان قد قام . ليعرض تحايال آخر غير مقبول كسواه. ربما بالدور الذي يقوم به في كتاب الشرائع ميغلس واكلنيس والنزيل األثيني

جاري قوانين المدن ذات قوانين ت، في نطاق دولة حقيقية، وقد كان عليهفيكون هكذا قد حل . ن يصف دولة تداني الكمال المثالي ما أمكنأ، الذورية

. »C ٤٩٩، ٦« المشكلة التي سبق أفالطون وأثارها في جمهوريته

وال . غير أن أكثر المقارانات لباقة ال تستطيع أن تغني عن النصوصكراتسمر ألفالطون أن ، ندري أي شيء كان يمكن أن يحويه حوار هرلوقد

ومن المحتمل أن أفالطون نفسه لم يكن يعرف حين إنشاء التيمئس ما . هيكتب .كان مزمعا أن يقوله فيه

قسط ال ، مهما بلغ من دقة المنهج وعمق التفكير، ففي الفن األفالطونيوحكمهم ، يفوت دوما حكم العلماء المنقبين، يجبر من الحرية واالرتجال

: بداء هذه المالحظةإر المرء أن يمتنع عن فال يقد، ومع ذلك. بالطبع محدودعلى أوجه تختلف ، ولة المثلىديستغرب أن يكون أفالطون قد وصف نظام ال

ومقاطع من السياسي فالجمهورية والشرائع واكرتيسذلك االختالف كله؟ وهذا التباين بالذات نلفيه . فالطونيتعرض لنا ضروبا متباينة من المثال األ

أال . لتيمئس الطبيعي ونفس العلم في الباب العاشر من كتاب الشرائعبين علم ا

(3) Susemihl, dans Jahn's Jahrb., 1855. p. 380: Steinhart, éd. du Timée, note 57. Cf. H. Raeder, o. c. p. 379.

-٣٠-

يعني ذلك أنه يستحيل في نظر أفالطون أن يخط للدولة الكاملة مخطط ال يتغير؟ وكذلك ال بد أن يشمل وصف العالم المادي قسطا محتوما من

، ف األشياءوإذا ما أكثر المفكر هكذا من الصور التقريبية في تعري. االحتمال .ساعده الحظ على مداناة الحقيقة الغير المدركة مداناة مطردة

إن سقراط واكرتيس أشهر من أن يضطر المرء إلى تعريفهما بكلمات ال يقوم ههنا أيضا ، وعلى ما عهدنا من سقراط في الحوارات المنطقية. قالئل

أن أفالطون قد ، يما يبدوف، ولكن ال يعني هذا قطعا. إال بدور السامع المنصتفقد تناول سقراط الحديث قبل تيمئس . عدل تماما عن تعاليم البيئة السقراطية

وسطر النموذج الواجب مداناته ، وهو الذي رسم مالمح الدولة المثلى: وقبلفكأن أفالطون . وغاية رواية اكرتيس دعم سقراط بتأييد تاريخي. في الحقيقة

، إن نظريات سقراط ليست وهمية إلى حد ما قد يظن المرء، قومكال يا : يقولوحينما يبدو أن الفيلسوف . إذ إن شطرا منها على األقل يمكن تطبيقه عمليا

في تلك اللحظة عينها كأنه يتغاوى خفية وال ، يعرض عن أوهام الجمهورية .يسفهها في شيء

فال نعرفه إال ، زة في حوارناوهو الشخصية البار، أما تيمئس اللوكري. لقد ألف تيمئس لوكري برمته استنادا إلى معطيات التيمئس. بشهادة أفالطون

وال شك أن اسم تيمئس بالذات لم يقحم في الئحة الفالسفة البثغوريين إال فترة وال يحوي التيمئس في الحقيقة أية داللة تسمح لنا . طويلة بعد أفالطون

. االعتقاد أن أفالطون شاء أن يبرز لنا في تيمئس تابعا من أتباع البثغوريةبوقد ترعرعت البثغورية في . ال غرو أن تيمئس من مواليد لوكري في إيطاليا

والرواية البثغورية تذكر أن في لوكري بالضبط فرعا من الشيعة . إيطاليا

-٣١-

، هذا. )١( عينها تستغل التيمئس استغالال وافياغير أن تلك الرواية. البثغوريةوال يأتي أفالطون على ذكر لوكري إال ليعيد إلى ذهننا الدور السياسي القائم

وكل ما نقف عليه من أمر . في موطنه وامتياز النظم السياسية فيهبه تيمئسر من هو أنه ضليع في الرياضيات وعلم الفلك أكثر من أي شخص آختيمئس

ولكن ، ويحتمل أن يكون قد وجد بثغوري يحمل هذا االسم. أصحاب الحوار .ليس لدينا سبب معين موجب لتأكيد هذا األمر

ويذكر لنا أخيرا نص التيمئس محاورا خامسا اشترك في حديث السهرة ولما فاتنا الدليل من قبل . ومنعه انحراف صحته من لذة متابعة النقاش

لبثت مخيلتنا طليقة الجناح لتشرد حيثما ) لى هوية ذلك الشخصع(أفالطون أو ، )Pfleiderer(فهل ذاك المحاور هو فيلفس كما حسب افليدرر . يعن لها

أو فلولوس كما يقدر ، )Van Heusde(ن هوسد اأفالطون نفسه كما خمن فات أولئك وكل ما قد نقوله إلث، ؟ من الواضح أننا نجهل ذلك)٥(رتربات هوي

وقد افترض ردولف هرتسل بهذا الشأن . لها يكون بال فائدةذاألشخاص أو روزعم أن أفالطون لم يكن يعرف لدى كتابة التيمئس أي شيء ، )٦(إفتراضا لبقا

بضرب من التفنن الناعم في التأليف ، ولم يأت على ذكره. يكون ذلك الشخصبعد إنجاز ، يبرزه ذا وجه واضح المعالم إذا بقيإال ليحتفظ الحق لنفسه بأن

موضوعات أخرى هامة لم تعالج بعد وبهذا ، التيمئس واكرتيس وهرمكراتس

ويذكر أرستوكسنس مشترعا من لوكري . Diels, Vorsokratiker,I3, p. 339راجع) ١( ) Jamblique V.p.l 30( م . ق٤٦١ عاش على األغلب بعد Timaris اسمه تمريس

A. delatte, Essai sur la politique pythagoricienne. Biblioth. de la faculté de philos de Liège, 29, 1922, p. 28, 183. (5) Pfleiderer, Socrates und Platon. Tubingen. 1876, p.690. C. Rirter Neue

Untersuchugen uber Plato, 1910, p. 174; 181-182. (6) R.Hirzel. Der Dialog I. 1899. p. 240. 257.

-٣٢-

التي قصد ، التحايل يلبث أفالطون حرا ليضيف إلى حواراته الثالثة األولى .حوارا رابعا يوسع ثالثيته فتصبح رباعية، تأليفها

غير أننا ال نعرف عنه . وال يحول دونه مانع، هذا محتملإن تخمينا ك .والفطنة تنهانا بال ريب عن معرفة ما لم يشأ أفالطون أن يبوح لنا به. شيئا

ـس إلى حوارات سابقة- ٧ : إحاالت التيمئ

تيمئس يلخص حديثا سابقا، بين أشخاص هم أشخاص الحوار ال مطلعإنوخالصة . سياق ذلك الحديث دستور الدولة المثلىوقد عالجوا في . أنفسهم

يما بعد، كل المحاوالت لتصوير المثال فذاك الحديث هي التس ستوحي، تيمئس، في أكثر المخطوطات، كتاب الولما تال . األسمى حيا متحققا في الواقع

ة، الجمهورية، وبدا هذا الملخص إجماال، مطابقا لتأكيدات وردت في الجمهوري .تيمئس يحيل إلى الجمهوريةالقبل العموم بال تقص أشمل أن

ولكن رتر بين دون كبير عناء أن هذا الزعم ليس على شيء من فأفالطون يصرح في الحقيقة أن تلخيص حديث السهرة أمين ال بل . )١(اليقين

بالبحث لت إذا تناو والحال أن الجمهورية).a ١٩(كامل، وأنه لم يهمل شيئا فعال شيوع النساء واألرزاق، وتربية الدولة األوالد الذكور واإلناث تربية واحدة، وضرورة التخلص من البنين المشوهين أو فاسدي الطباع، ودور حماة الدولة، فإنها تتناول بالبحث أيضا ألف مسألة ال يأتي التيمئس على ذكرها

. يكون ناقصا فقط بل مخال باألمانةأضف إلى ذلك أن ذاك التلخيص ال. قطعاأما ). a ٢١ (أعياد أثنا الكبرىفعلى سبيل المثال، يلمح التيمئس إلى

١ (-٧ (Cf. H. Raeder. Platons Philosophische Entwicklung. Leipzig. 1905, p. 374- 376 et

C. Riuer, Timaios, cap. I, in Neue Unters.. 1910. p.174.

-٣٣-

أخيرا وخصوصا . ذيسنف ال إلى أعياد أثنا، بل إلى أعياد فتشيرالجمهورية .تيمئس أشخاص الجمهوريةالليست أشخاص

، كما توهم روهده، يرتبط بنص ن هذا الملخصإفما نستنتج من هذا؟ ؟ هذا غير محتمل قطعا، ولدينا أسباب )٢(لجمهورية سبق النص الذي بلغ إلينال

قد أتى حتى بعد تصنيف الجمهورية تيمئسالجيدة كثيرة تحملنا على الظن أن ضائعا اليوم، عاد فيه إلى ، أم أن أفالطون سبق وألف حوارا. التي بين أيدينا

ا عالج من موضوعات في الجمهورية بعد أن بدل فيها وغير األشخاص؟ م .ولكن لم يأت أحد من الكتاب األقدمين على ذكر هذا المؤلف

ولعل من اإلسراف بحقوق النقد، أن يخلق المرء عندما يشاء ازدواجية ن أفالطون ال يحتفظ من الجمهورية إوقد قيل أيضا . لكل من كتب أفالطون

تيمئس إال بما بدا له صحيحا، عندما شرع في تأليف هذا الحوار القدمة في موفي هذه الحال، لم ال يتفق هذا الملخص وما نجده في كتاب الشرائع . األخير

تيمئس؟الحول عين المسائل، مع أن الشرائع جاءت على األغلب بعد

م نصه ءطون يتالفالحل بال ريب أبسط بكثير، إذ لم يوجد قط حوار ألفالوالحديث الذي . ف فهو وهميوإن كان هناك مؤل. للتيمئس إذا حالتالؤما ومطلع

فلم هذا الضرب من الخيال الباطل في . يشار إليه لم يجر قط على هذا الوجهالظاهر، ولم ال يلج الفيلسوف صلب موضوعه مباشرة؟ ذلك أنه أضحى ربما من

بجالء، ميزات عمل متجدد تماما، يباشره من ذاك المناسب أن يبرز أفالطون ،ظهر الفرق بين هذا العمل العلمي الموضوعيالحين، كما هو من المناسب أن ي

فكأن أفالطون في إشرافه على الشيخوخة يبدي اهتماما . وبين التخرصات السالفة

) ٢ (E.Rohde, o. c.II, p.266 note.

-٣٤-

تأكيدا، وهو فقالبه العقلي يزداد رسوخا و: متزايدا بضبط نتائج تأمالته الطويلة .يبغي في نوبته التعبير عن فلسفة وعن سياسة نهائيتين

ال غرو أن المرء يستطيع أن يتصور نماذج لتلك الدولة المثلى، وأن يصفها ويقابل بينها، دون أن يكترث لظروف الواقع التي قد يفرض أن تتحقق

لو شاء و. لقد تجاوز أفالطون، في ذلك الحين من عمره، تلك المرحلة. فيهاأما . مفكر معاصر أن يبدي ما بين الطريقتين من تضاد، للجأ إلى تعابير عامة

أفالطون فهو يضفي عليهما شيئا من الحياة، ويبرزها طبقا لعادته في صورة وال بد لنا أن نتمثل . واقعية، ويتخيل محادثة سابقة تعالج المواضيع نفسها

ولم تحفظ لنا . ء متحاورين وهميينأفالطون بالذات وتالميذه متسترين بأسماالحوارات إال تالخيص مقتضبة جدا، لما كان يدور بين المعلم وطالبه من

! وكم أثيرت تلك المسائل بينهم، ونوقشت من كل الوجوه. أحاديث ال تنقطعتيمئس ليس بالضبط ما حفظت لنا الجمهورية الفالحديث الذي لخص في مطلع

فرض كل تلك الفرضيات الباطلة، نمن هذا األمر، ولم عجب نفلم . من حيث مع كل دقتها، لتستوضح االختالفات؟

ـس والسياسيال تاريخ - ٨ ـس وعالقاته بفيلف :تيمئ

هذه . يقبل العلماء إجماال أن حوارنا جاء بعد الجمهورية وسبق الشرائع، قسطنطين رتر هي النتيجة التي توصل إليها ألسباب مصدرها فحص اإلنشاء

Gomperzوجومبرز ) ١٨٩٧ (Lutoslawski، ولوتسالفسكي )١٨٨٨( في أول رتر، وحديثا)١٩٠٣ (Raeder وريدر Natorpوناتورب ) ١٩٠٢(

ففي نظر هؤالء الكتاب، واتفاقهم ذو بال، ). ١٩١٠(مجلد من مؤلفه الضخم تي والسياسي السفس: أن حوارات أفالطون األخيرة الخمسة قبل الشرائع هي

-٣٥-

وهذه هي النتيجة التي وصل إليها اتسيار ألسباب . واكرتيستيمئسوفيلفس و ترك معلقة مسألة رترغير أن . استمدها خصوصا من محتوى تلك الحوارات

.)١(تيمئس أو سبقه لهتأخر الفيلفس عن ال

س فقط في التعابير، كما تيمئس تشابه غريب ليالهذا وبين الفيلفس الحظ ذلك كثيرون وال سيمارتر، ولكن في األفكار أيضا، إذ نجد في

ونجد أن بعض هذه األفكار أو اآلراء يعرض في . الحوارين آراء قريبة جدافكأن . الفيلفس، مع أنه يبدو أن التوسع في الموضوع ال يفرضها حتما

ديثة مر الكرام ويذعن إلغفالها تماما، أفالطون ال يستطيع أن يمر بأبحاثه الح :وذهنه ال يبرح مليئا منها

في فيلفس مثال يحدد الجسم الحي بأنه تركيب من العناصر األربعة - ١ولكن في قدر أعظم من النقاء ) a - e ٢٩(وهي تدخل أيضا في جسم الكون

ت مبدأ منظم في وهذه المقابلة بين الجسم البشري وجسم العالم، غايتها إثباالكون شبيه بروح اإلنسان، ولكنه روح ملكي وعقل ملكي يشرف على انتظام

والحال أن االستدالل عينه يسود . السنين والفصول والشهور، وهو حكمة فائقةفي القسم األول كله من التيمئس، ويظهر التماثل الشامل بين األرواح

.واألجساد البشرية وبين روح العالم وجسده

ينشأ األلم ): b ٣٣ - d ٣١(في فيلفس نظرية عامة في اللذة واأللم وويقع األلم . دوما عندما يطرأ على الجسد والروح تبدالت تغاير طبعها الخاص

خصوصا حين تتكاثف الرطوبة بعامل البرد، أكثر ما تتحمل طبيعة الجسد

١( -٨( C. Ritter, Platon. Sein Leben. Seine schriften. Seine Lehre I.München. 1910, p.256. 268. Cf. Platons Dialoge; Inhaltsdarstellungen I. Dieschriften des spuâteren Alters, Stuttgart, 1903. P.416.

-٣٦-

ذلك، عندما وينشأ االنشراح على عكس). b a ٣٢(الذي يحوي تلك الرطوبة ويعثر على نفس التعليم في التيمئس وبنفس . النظام الطبيعي مجراهذ يأخ

.التعابير تقريبا، وشأنه في ذلك التيمئس بأن هنالك )a ٥١ - d ٣٣(ويقبل الفيلفس

.بعض مؤثرات يمكن أن تنطفئ في الجسد دون أن تبلغ الروحظر والشم توفر لنا مالذ في غاية السفاء ويالحظ التيمئس أن مشاعر الن

.الى نفس الحادس ولكن بتفاصيل أوفر) b a ٥١(ويشير الفيلفس رورة يأخيرا يعارض التيمئس بين الصيرورة والكيان، وبصدد الص

أي الصيرورة » اليينسس واألسيا« وهذا التمييز بين .يميز بين الوالدة والوفاة. بتعابير هي عين تعابير التيمئس بالضبط) a ٥٤(يعرضه الفيلفس والكيان،

.وهذا التمييز سوف يستغله الحوار لتحديد اللذة

ن الشعور الذي يوفره عرض فيلفس، يشبه الشعور الذي إوبوجه عام، شيئا م. توفره لنا مقاطع كثيرة من التيمئس ن وقسطنطين رتر يجد في فيلفس

ولقد أشرنا إلى أن التيمئس . يخوخة وضعفهاشالتثاقل والعسر، ينبئ بتعب ال .يحوي نقائص هي ذات تك النقائص

ولكن وال ميزة من هذه الميزات تتيح لنا التأكيد أن أحد الحوارين تقدم . ودالئل اإلنشاء هي من الغموض بحيث ال تحل استنتاجا قاطعا. على اآلخرارات أخرى، ال يستحيل قط أن يكون أفالطون قد انصرف إلى ونظرا العتب

العمل على تأليف الحوارين في آن واحد، وعلى نفع كل منهما بما بلغ إليه فنشر كتاب عند المحدثين يفرض بين المؤلف وتأليفه . اآلخر من نتائج

لتنقيح إال أن الكاتب اليوناني ال يقطع حتما مهمة ا. انقطاعا في الغالب نهائيا

-٣٧-

وال بأس في تصور أفالطون، . م مخطوطه إلى النقلةوالتصليح، عند ما يسلوهو يقابل بين حواراته المختلفة، منصرفا إلى تهذيبها على هون، وعامال

.حتى على تأليف كتب متباينة

فاألوضاع . أما صالت التيمئس بالسياسي فهي جلية نفس الجالء- ٢وليس هذا فقط هو وجه الشبه فيهما، . في تفاصيل جمةفي الحوارين تتشابه

:بل يشير السياسي أيضا إلى طائفة من التعاليم يتبسط فيها التيمئس وحده

همففي أسطورة السياسي يحدثنا المؤلف عن صانع الكون أو منظوفي السياسي كما في . )٢(بتعابير يستعملها أفالطون هي ذاتها في التيمئس

بيد أن هنالك فوارق هامة ). ٢٦٩c d(يدفع الكون إلى دورانه مئس إلهالتيالغرو أن السياسي يدع جانبا فرضية تظهر في الشرائع، إال . بين الحوارين

غير أن هذا الحوار ال يميز بجالء بين . وهي فرضية روح العالم الشريرة . اإلله المنظم والروح بالذات

ئس إلى انحرافات في حركات الكون تحدث ومن جهة أخرى يلمح التيمولكنه ال يتحدث عن تلك الحركة الرجعية الناشئة أحيانا . خالل أحقاب طويلة

وأسطورة السياسي تصف وصفا غريبا نتائج تلك ، عن تراخي العمل اإللهيومع هذه الفوارق الطفيفة، يمكن الظن أن السياسي والتيمئس قد كتبا . الحركةن لم ينصرف أفالطون إلى تأليفهما إرتين قريبتين الواحدة من األخرى، في فت

.في آن واحد

المبدع والوالد الربان : b ٢٧٣ -فق وخالق االنسجام المو: من السياسي d ٢٦٩راجع ) ٢(٢٧٣٠ dمنظم الكون ومزينه .

-٣٨-

: مصادر التيمئس- ٩

لقد قبلنا ضمنيا أن التميئس يطلعنا على تعاليم أفالطون الخاصة وعلى وعندما يتكلم المرء عن تعاليم أفالطون، ال سيما على الصعيد . تعاليم مدرسته

ه أن ينتبه إلى أن األكذمية، نظير اللكين فيما بعد، جماعة بد ل ال،العلمي، وهذا ما Sachsوقد بينت إبفا ساخس. يتشارك أعضاؤها في محصول أبحاثهم

تآليف صديقه ثئيتتس ن أفالطون على األرجح، قد استغلسنراه بعد قليل، أة أفضل، لتمكنا دون ما ولو كنا نعرف البيئة األفالطونية معرف. الرياضية

ن منهج إوعالوة على ذلك، ف. ريب أن نشير إلى حاالت أخرى كثيرة مماثلة .الفلسفة األفالطونية نفسه هو في جوهره منهج اختيار وانتقاء

والدأب على تتبع كل األشكال الفكر القائمة، ومحاولة التعبير عنها أكمل ينطوي على تصميم عنده أن ال وأقوى تعبير، كما يفعل أفالطون بال انقطاع،وأفالطون ال يتعفف في الواقع عن . يحتفظ من تلك األشكال إال بأنفس ما تقدم له

ه أن ينهج هذا المنهجاألخذ من كل يده ال بل يضطره مبدأ مذهبه نفس. بد من مصنفات تعالج أحداثا موضوعية أكثر مما تعالج وكم استعار وال لعله يرجع إلى تالميذ أفالطون –ك نقل عريق في القدم أفكارا ومذاهب؟ فهنا

، يزعم أن أفالطون قد استمد أوفى شطر من فزيائه وعلم الحياة -أنفسهم وقد أشاروا مدة طويلة إلى التيمئس باسم التيمئس . بثغورسعنده، من أتباع

يلمح في موضع ما، ولكن البد من اإلشارة إلى أن أفالطون ال. )١(البثغوريومن المؤكد أن . ثغوريين العلميةبال في التيمئس وال في غيره، إلى أشغال ال

وال يفتأ .Atti della Rبثغورس والبثغوريون في التيمئس : راجع روستنيي) ١ (-٩

Academ. delle S. di Torino. vol. 49. 1913- 1914, p.373. . أيروكلس يقارب بين .١٨:٧:١راجع ديهل . أفالطون والبثغوريين

-٣٩-

أن مطروحة الحوار يفرض كون نظرية الكميات الصماء معروفة، كما يفرض ولكن هذا الحوار في قسمه الرياضي يلجأ خصوصا إلى نظرية . معروفةبثغورس

ويبدو أن هذه وتلك، كما . ة متعددات األوجه المنتظمةالمتوسطات، وإلى نظريونظرية . ت بالضبط في عهد أفالطون والبيئة السقراطيةعسنرى، قد ترعر

ولكن . الكميات الصماء ذاتها، يحتمل أن يكون البثغوريون قد باشروا درسها . تعبير أستاذ أفالطون هو الذي عبر عنها خيرثئوذرس الكريني

ثئيتتس هو أول من بنى المجسمات الخمسة المنتظمة كما سيستعملها وفيمكن الظن إجماال أن القسم الرياضي من التيمئس ال يمت إلى . التيمئس

صحيح أن مقطوعات فلولؤس وألرخيتس تتضمن نظريات . البثغورية بصلةا عدة تحدونا إلى االشتباه بصحة بابولكن أس. مختلفة شبيهة بنظريات التيمئس

وتدليل . هذه النصوص، أو على األقل أنها تسبق التيمئس في شكلها الحالي .)٢(برنت على هذه النقطة األخيرة يبدو إلى اآلن قاطعا

أما بالنظر إلى المذهب الذري فمعضلة مصادر التيمئس معضلة دقيقة وربما . ذموكرتس وال ليفكبئسا ال إذ نعرف أن أفالطون ال يذكر أبد. جدا

نستطيع أن نفهمه إذا فرض أن ترد إلى الوراء ردا مقبوال، طبقا لرأي هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا لبثت مؤلفاتهم مغفلة تمام . الكثيرين اليوم

.اإلغفال تقريبا، كما تثبت لنا ذلك شذرة من شذرات ذموكرتس

ناك نقاط تقارب ال يستهان بها بين فيزياء التيمئس وفيزياء غير أن هأفال يفسر أفالطون في النهاية مولد العناصر ونشوء الصفات . ذموكرتس

المحسوسة بنظرية الذرات؟

: راجع ) ٢(H. Diels, Elementum. Leipzig, 1899, p.22, Burnet. Early Greek ph. 3.1920. p.277.

-٤٠-

ةفرأي أفالطون في سير أجهزة الحواس وعملها، يجاري أوفر مجارا بعضه مبني على أساسس الذريوإذا كان لمذهب ذموكرت. رأي ذموكرتس

الرياضيات، كما يمكن المرء أن يفترضه، فالصالت بين التعليمين قد تظهر ويبدو أن أرسطو يؤيد بنفوذه هذا االفتراض ألنه يقرب . عندئذ بجالء أوفى

وهذه هي . فلنفحص أوجه الشبه بينهما فحصا أدق. )٣(غالبا بين الفيلسوفين :الرئيسية فيها

د في التيمئس صور مجسمات بدائية تكون العناصر األربعة وتشبه نج- ١ .بعض الشبه ذرات ذموكرتس

. ذاتية األشكال التي يسبغها ذموكرتس وأفالطون على العناصر- ٢ تفسير الصفات المحسوسة وال سيما اللون والحرارة ومشاعر اللذة - ٣

. األجسام األولية بصورةواأللم الفرق بين األشياء الثقيلة واألشياء الخفيفة، بفعل حركات الجسم نظرية- ٤

.المشبهة بحركات الغربال» القابل«هذا وإن كثيرا من األوضاع والمفردات التي يستعملها أفالطون نجدها

وأفالطون يعمد في كالمه عن العناصر إلى تشبهها . في شذرات ذموكرتس .وسا لدى الذريينوهذا التشبيه كان مأن. باألحرف

ويبدو من الثابت أن المذهب الذري كان . ن أوجه الشبه هذه مثيرةإأجل ، فيما إيكفنتسوقد علم الرياضي. شائعا شيوعا ال بأس به في عهد سقراط

.يبدو، آراء تداني آراء ذموكرتس مداناة وافية

Etudes de phitosophie ancienneراجع بروشار، ابرتغورس وذموكرتس، في مجلة ) ٣(

et de philosophie moderne, 1912. 32-33. Stenzet: Platon und Demokritos

(Neue lahrb. 8. d. KI. Alt. 1920. p. 89-100).

-٤١-

تفرض تآليف » ءاآلرا«و» الخطوط غير المقطوعة«وكتابا اكسنكراتس ويبدو خصوصا أنه وجد في عهد . ليفكبسسابقة لم تصنف كلها في مدرسة

سقراط ضرب من التعليم الذري الرياضي، أثار في معاهد العلوم مناقشات ويحتمل أن يكون أفالطون قد استمد أكثر قروضه من تلك النظرية . عويصة

.عن غيرهاالنووية، ذات الصبغة الخاصة المختلفة قليال د لها تعديال عومع ذلك فإن استفاد أفالطون من أعمال النوويين، فهو ي

فقبل كل شيء سنرى أن جسيمات أفالطون ليست . يبدل معناها إلى حد بعيدفهي عرضة الهتراء بطيء، يبرد نتوءاتها . صامدة كجسيمات ذموكرتس

ات تستطيع أن تغير أشكالها فتلك الجسيم. ويفسر لنا تقلباتها بعض التفسيروعالوة على ذلك، فاألشكال الهندسية التي تحدد الجسيمات، . بتأثير البيئة

كأنها تحضن جوهرا أو مادة، قوامها معالم نوعية، وال عالقة لها البتة بجوهر وفيما تحاول فيزياء . ذرات ذموكرتس المتجانسة والكثيفة على اإلطالق

فسر النوعية بمعالم رياضية أو آلية بحتة، يتالحم مذهب ذموكرتس أن تأفالطون الذري ويتضافر، في كثير من الغرابة، مع نظرية نوعية تعلل

. عند الذريين» المجال الفارغ«أخيرا ليس في األفالطونية ما يقابل . الكائناترية ونظ. »ما من فراغ«ألن أحد معتقدات أفالطون األساسية هو بالضبط أنه

مثابة دحض لتعليم بالمكان في التيمئس الغامضة الصعبة، تبدو لنا فعال ذموكرتس بشأن الالوجود والتيمئس جملة ينطوي خصوصا على تفسير

.للطبيعة يتعمد الغائية، وشأنه في ذلك شأن كثيرين غيره من قبله، قد أثبت هذا وبانروالسيد

وهذا االتجاه الغائي وحده قد . )١(راسته المأنوسةاألمر من عهد ليس ببعيد، بف

Léon Robin, Etudes sur la signification et la place de la physique dans la: راجع) ١(

philosophie de Platon. Paris, 1919. p. 7, 60 et suiv.

-٤٢-

. أنكسغورسيكفي لمعارضة فيزياء أفالطون فيزياء الذريين، ولمقارنتها بفيزياء ورسغأنكسإال أن تعليم . وهذا ما يدعونا إليه أفالطون نفسه بفم سقراط

خلو من الدقة العلمية ، ألن ذاك التعليم يفيذنال يرضيه، على ما يظهر من حوار فأفالطون يشعر أعمق الشعور باآللية في . ويرضى على طيبة خاطر بالعموميات

كل أشكالها المنطقية أو الطبيعية، رغم الروح الغائية الصريحة التي تنعش كل وهذا النوع . تشرف عليه المثل نفسهافمن جهة، هناك ضرب من اآللية. تعليمه

ومن جهة أخرى هناك . المعقوالت على سنة الخيرمن اآللية يعمل في عالموهذه الغاية ال تستطيع أن تنفذ إال ضمن شروط . في الطبيعة غاية عليا

.محتومة ضرورية ال يبلغ الفكر إلى أغوارهاوهذان الشكالن من اآللية يظهران أحيانا وكأنهما مندمجان، كما يحدث

وقد توسع أفالطون توسعا وافيا في . للمثل عندما ينظر المرء إلى صالتها ولعل . وحاول أرسطو أن يبلغ بها إلى الكمال. تحليل فكرة الضروري

يبنتز الذي أمعن في دراسة أفالطون، مدين له بأهم اعتباراته في هذا ال. والضرورة في نظر الذريين أمر يتصدع عليه الفكر، وال ينفذ فيه. المضمار

ولكن العقل في نظر أفالطون ينفذ في الضرورة . أو بالحري يسبق الفكر .نفسها ولو إلى حد ما

فهكذا يستطيع أن يستمد من الذريين بعض تفاصيل تعليمهم، ولكن . ال يمنع ذلك أن تكون فلسفته مناقضة فلسفتهم كل المناقضة بأسلوبها وروحها

. في التيمئسونستطيع أن نقول القول نفسه عما يتعلق بعلم الحياة والطب فهناك نقاط ارتباط كثيرة بين تعاليم أفالطون وبين التعاليم التي نجدها ليس

فالعرض المبسط . هبكراتسفقط عند ألكميئن، ولكن في أقدم أجزاء مجموعة عن الكميئنوأمبيذكليس مثال المتعلق بأجهزة الحواس له صالت بينة بشذرات

.وسنذكر في سياق الكالم أهم تلك الصالت. فسهاالموضوعات ن

-٤٣-

ويجدر بنا اآلن أن نمحص تمحيصا أدق، المشاكل الكثيرة التي يثيرها وقد قصدنا أن نجمع في هذه الدراسة كل العناصر التي تمكن . تفسير التيمئس

.الباحث من التصدي لها بفائدة

-٤٤-

-٤٥-

الفصل الثاني

ة األطلنتيسطورأس

وبين . أ الحوار في كثير من الغرابة بأسطورة األطلننتيس الشهيرةيبدهذه األسطورة وباقي التيمئس صلة وثيقة، مع أن البعض قد أدعى أحيانا

ويستطيع المرء أن يرى بإعجاب في هذا الترابط نموذجا . عكس ذلكف من أكمل النماذج، المستمدة من ذاك الفن الناعم المشرف على تألي

.الحوارات

وقبل كل شيء فإن غرابة الرواية نفسها تضفي على كل ما يأتي بعدها وبفضل األسطورة االفتتاحية يغمر الشعر بنوره أكثر . جوا سريا غير واقعي

وهذه . أجزاء التيمئس دقة علمية، وأوفرها تجريدا، ليزيد من رونقها وبهائهاآفاقا لها من العمق واإلبهام ما تمكن األسطورة تفتح على الماضي والمستقبل

به اكرتيس وهرمكراتس، مهما كانت أوجه تنسيقهما، من أن يربطا على هينة هذا، وال بد أن نالحظ أن أفالطون يغتنم الفرصة، كي يمجد . بحوار التيمئس

في أثينا األحقاب الخوالي على حساب أثينا المعاصرة، ويتملق قراءه ويذلهم ولكن يمكن فهمه دون كثير عناء . إن قصد الفيلسوف مبطن معقد. ذات الوقت

إذا تنبه المرء إلى أن فن أفالطون يبرع في معالجة موضوعات عدة في آن .واحد، خالفا لمناهجنا المدرسية

-٤٦-

ومع ذلك علينا أال نعجب مما لقيته أسطورة أطلنتيس من تعليقات كثيرة ل شيء هل كانت في الحقيقة أسطورة؟ فإن تالميذ وقبل ك. وغير منتظرة

أفالطون المباشرين، مع ما طبعوا عليه، كما يبدو، من روحانية متثاقلة، قد . صدقوا كل التصديق هذه القصة برمتها، واعتبروا الرواية األفالطونية حقيقة

وقد ذهب اكرانتر هذا المذهب، وهو أول المفسرين الذين ال حصر لهم )ر٢١وكلساب a.d .(قصة األطلنتيس ن كان أرسطو،إو بتحفظه المعهود، قد عد

فبيذونيس، وهو في ذلك أكثر فطنة، كان يحسب أن ) ٥٩٨، ١٣استرافن (خرافة من الممكن جدا «: أفالطون قد استطاع أن يبني خرافته على معطيات صحيحة

جرد خيال، ألن الكهان المصريين، أن ال يكون التقليد المتعلق بتلك الجزيرة م. الذين كان صولن يسألهم، قد أكدوا له وجود جزيرة في القدم سميت بهذا االسم

أما ). ١٠٢،٢استرافن (وأضافوا أنها توارت ولو بلغت من االتساع مساحة قارة وهذا ال يمنعهم من . اإلسكندريون فمعظمهم قد رأى في رواية أفالطون رمزا

حقيقة تاريخية، رواية شعرية لوقائع ). ٢٤b ابروكلس(عتقاد بوجود األطلنتيس االحقيقة، رمز، خيال مجرد، تلك في الواقع الفرضيات األربع التي كانت ممكنة

.والتي اضطر المعاصرون أن يختاروا هم أيضا بينها فإلى عهد قريب نسبيا قد قبل أكثر الشراح والمفسرين بصحة رواية

Loysولعل لوئيس لروا . أفالطون، وحاولوا فقط أن يحددوا مكان األطلنتيس

Le Roy وهو أول مترجم فرنسي لحوار التيمئس، هو الوحيد الذي يتجرأ ،أما أنا فأظن أن أفالطون قد روى تلك الرواية «: على إبداء شكه، إذ يقول

Olaf )٢(بعده، من ألف ردبييكو. )١(»ليؤتي بلده شرفا ويدل على قدم العالم

Rudbeckإلى الفلكي بابيي Bailly الذي بعث برسائله عن األطلنتيس إلى

. من خلف١٣ ص ١٥٨٢تيمئس أفالطون ) ١()٢ (Upsal Atlantica وما يلي١٤٤ ص ١٦٨٢ .

-٤٧-

فهل كانت األطلنتيس واقعة بعد أعمدة هركليس، . فولتير، لم تنقطع الفرضيات؟ أو كان البد من البحث عنها في خليج البرتغال ومراكشتجاه سواحل

، باتجاه خرستوف كولمب؟ أو كما عرض بعضهم بعد Gascogneية غسكون، في جوار بعض جزر المحيط األطلسي، أميركا الوسطى أو أميركا الشمالية

وهي آخر ما تبقى من القارات الغائرة؟ أو هل كانت األطلنتييس واقعة باتجاه ، على ما بتزبيرغ الس أو نحواألركتيكيأكثر ميال إلى الشمال نحو محيط الجليد

؟ ونحن في هذا المقام، نعفي القارئ من )٣(قال ردبيك وردده بعده باييالبراهين والمقارنات المختلفة، الغريبة أحيانا في تعنتها، وقد حاول بها الكتبة : من القرن السادس عشر حتى الثامن أن يبرروا أوفى االستنتاجات تهورا

دراسات حول (هنري مارتاناألول من كتاب ويجد من يريد في المجلد تحليال شبه كامل، لكل ما كتب عن الموضوع قبل ) ٣٣٣-I٢٥٧ ) (التيمئسولقد بحثوا عن األطلنتيس في كل مكان تقريبا، حتى في شرقي البحر . ١٨٤٠

وقد صرف النقد الحديث اهتمامه . األبيض المتوسط وفي المحيط الهندي نفسه .)٤(ن هذه المشكلة التي ال حل لهاتدريجيا ع

ولكن من عهد حديث قد عالج الموضوع من جديد عالم بطبقات األرض هو السيد ابيير نرمييه، واستنتج من أبحاثه أن األطلنتيس قد وجدت

ففي حقبة . )٥(مؤكدا وفي المكان الذي يعينه أفالطون في التيمئس بالضبط

.٤٦٤الكتاب المذكور ص ) ٣(

:وإليك في هذه القضية المراجع التالية) ٤(Gaffarel, Revue de géographie 1880. I. p. 241-259; 331-345, 421-430; II. P. 21-29;

Lagneau Revue d′anthropologie, 1880. p. 460-468. Berlioux, les Atla, Paris. 1882: Sur les données géographiques cf. l′excellent exposé de S. Gsell, Histoire ancienne de l′Afrique du Nord, I, 1913: p. 326-329. Cf. Critias. Notice. P. 247.

راجع له محاضرة نشرها في المجلة التي يصدرها معهد علوم المحيطات، عدد ) ٥(» شرف األرضعلى«: وعاد هذا العالم ونشرها في كتابه. ١٩٧٣حزيران سنة

.١٤٦-١١٧، ص١٩٢٢باريس

-٤٨-

د إلى أواخر العهد الرابع، انهارت بقعة شاسعة برية أو قريبة إلينا نسبيا، تعوتقع إلى غربي مضيق طارق، وآثار تلك الكارثة «مؤلفة من جزر فسيحة

فإلى يومنا هذا مهاو عميقة مستطيلة . تلبث بادية المعالم لعلماء طبقات األرض شرقا وغربا، كان انهيارات هائلة قد حدثت المحيط األطلسيتحف بسواحل

، سلسلة من البراكين جزيرة جان مايينإلى جزر جوجومن . على جانبيهتحاذي البراكين المنجرفة إبان الكارثة، وتنتشر على الشفير الشرقي من هاوية

األغوار ١٨٩٨وقد سبر العلماء سنة . المحيط على امتداد الساحل اإلفريقي. لبراكين الزجاجية، واستخرجوا عينات من قذائف ا األصورالشمالية من جزر

فهي تعود إذن إلى حقبة : وإذا بها من نوع ال يتكون إال بتأثير الضغط الجويوإن مجموعات الجزر األربع، وهي آخر . سبقت انهيار البراكين المشار إليها

، تحتفظ الرأس األخضر وجزر ومادير والكناريبقايا القارة المتوارية، اآلصور وان أصله من البر، يشبه ضروب الحيوان في إلى أيامنا بضروب من الحي

وهذا برهان قاطع على أن تلك األراضي . جزر األنتيل وسواحل السنغالوأكثر من ذلك هو أن حوار اكرتيس يحوي . كانت جزءا من قارة واحدة

ب مع التكوين الحاضر ووصفا لطبقات أرض األطلنتيس، يتجاوب كل التجاقاعدة من الصخور القديمة، ذات بقع «: الجزرألرض تلك المجموعات من

كلسية بيضاء، تحمل جباال بركانية منطفئة، وسيوال من قذائف البراكين .»السوداء أو الحمراء الباردة من عهد بعيد

ولكنا . فمثل هذه المقارنات تحدث في الذهن انفعاال يعسر التخلص منه. سيان مقاصد أفالطون الصريحةقد نخطئ في استسالمنا له دون مقاومة، ون

ولنا على تقلبات وجه األرض المتواصلة، شهادات حديثة ومخيفة تمنعنا من الشك في إمكانية وقوع أحداث في طبقات األرض نظير التي يذكرها

، كان بإمكان إيطاليا وفي جنوب اليونانفمن كل جهة حوله في . أفالطون

-٤٩-

وقد الحظ العلماء . خلية المتواصلالفيلسوف أن يشهد عمل قوى األرض الداوهذا التقلب الدائم هو الذي . من عهود بعيدة عدم استقرار سطح البسيطة

وقد استفاد منها . أوحى دونما شك بأسطورة ميتات العالم ومواليده المتعاقبة .أفالطون نفسه في حواري السياسي والتيمئس

نجم عنها البحر المتوسط ولكن مهما قربت منا الكوارث الطبيعية التي ومهما أوغلت في . الحالي، فهي أوال تسبق بكثير األحداث التي سجلها التاريخ

قد طالعها، فهي دون صولنالماضي أسفار األخبار المصرية التي يقال إن وفضال عن ذلك ففي . ريب لم تأت على ذكر تلك األحداث العريقة في القدم

حضارة تختلف عن الحضارة اإلغريقية، وتاريخ التيمئس والكرتيس وصف والحال . دقيق الصطدام وقع بين شعوب األطلنتيس وشعوب البحر المتوسط

إنه لم يشر أحد قبل أفالطون، على علمنا، إلى تلك الحضارة وذلك ، بل )٦( ال يشير إلى األطلنتيساألذسيةاالصطدام، وما يذكر بايي من أشعار

وال مقتطف واحد من كاتب سبق سقراط، وال نص . بي كلبسو أأطالسإلى يستشهد ببعض أقوال ثئوفرستسو. يلمح إلى األطلنتيسأرسطوواحد من

غير أنه ال . التيمئس ويذكر بعض انمحاقات مماثلة الضمحالل األطلنتيسعرف فال ي) ١٨٤:٤ (هروذتسأما . )٧(يحكي عن روايات أقدم لقصة أفالطون

وهؤالء سوف . باسم اطالنته إال أهل المقاطعات القريبة من جبل اطالس وجها كله من ذيوذرس، وينسب إليهم )٥:٣٣:١ (بفسنيس نسمونييدعوهم

فكل االحتماالت توحي أن أفالطون استنبط قصة ). ٣٣:٣(نسج الخيال ل اختيار اسم القصة وما من شيء يثبت عبقريته مث. األطلنتيس بحذافيرها

مثل صوب ولم يكن في وسع أفالطون أن يضع بلده األ. الخيالية، طبيعتها

.٥٢؛ ثم النشيد األول، ش ٢٤٥هومرس النشيد الثاني، ش ) ٦(

.٦،٤٩ رأي ١٢ مقطوعة )٧(

-٥٠-

المشرق، حيث كان الرحل إذا ما أوغلوا في مجاهل آسيا يجدون باستمرار . م.ولكن اإلغريق حتى القرن الخامس ق. متاهات شاسعة ال تتبدل من اليابسة

والبحر . مات مبهمة جدا عن الغربوبعده، لم يكونوا قد حصلوا إال على معلويتكلم هو ) ١٠٣:١ (وهروذتس. لبث لهم غير مفتوحهوكليسبعد عمد

، وخضم أطالسعن األطلنتيس واألطلسي ) ١٧ف (جرمانيةوصاحب كتاب إذ كانوا يحسبون أن المرء ال يقدر على بلوغه، إما . كالمه عن بحر مجهول

.ار ومستنقعات حالت دون ولوجه في اعتقادهملركود الرياح وإما بسبب أغوومن ثم أية بقعة أنسب لقصد أفالطون؟ هذا، ونحن نلقى أن فنا دقيقا واحدا . يتفجر في انتقاء تفاصيل من شأنها أن تسدل على القصة الخيالية ثبات الواقعا وبعض تعابير التيمئس كفيلة بان تبرهن لنا أن أفالطون قد طالع نصوص

ولكن هروذتس يهتم خصوصا بإبراز التباين بين ما . لهروذتس متعلقة بمصرأما أفالطون فهو يلتقط عند . درج عليه اليونان وبين عوائد المصريين المذهلة

اليونان القدامى وعند معاصري صولن من أهل مصر أوجه تقارب من شأنها أن د اعتمد الفيلسوف في ذلك على وق. تفرض فكرة تالحم قديم بين الشعبين

وبهذه اللمسات الدقيقة التي تزين ). ٨١٩:٧a-cر الشرائع (مالحظاته الشخصية . الرواية من هنا وهناك، يتخذ مجرى تلك الرواية كله نسق التاريخ ومجراه

ومن . وسيالحظ القارئ كم يتحفظ أفالطون ويحتاط ألمره ليثبت ويؤكد صحتهارواية اكرتيس برمتها، وهي في ذاتها رواية أخاذة، فإعادة ذكريات هذا القبيل،

قديمة تتناقلها األسرة، فاستشهاد بشهادة صولن أكبر المشترعين، ثم استشهاد فما من روائي . ودائع أجل التقاليدي رأي الجميعفبشهادة كهان مصر، وهم

اء، ليفرض على العقول معاصر افتن افتتان أفالطون في استخدام وسائل اإليح .)٨(»ال تحتمل التصديق«الساذجة قصة في ذاتها

.راكرتيس المقدمة، الفصل الخامس؛ مشكلة مصادر الحوار) ٨(

-٥١-

الفصل الثالث

ا ومنوذجا العامل

: نموذجا العالم- ١

فبينا كنا نطير على . ولكن اللهجة تتبدل فجأة في مطلع خطاب تيمئسفافا أجنحة الخيال، إذا بنا أمام أساليب علمية، هي أساليب أكثر العلوم ج

وسوف يحافظ تيمئس على هذه اللهجة المنهجية حتى نهاية . وأوفرها تجريدا .ما لم نستثن استطرادين وجيزين أو ثالثة. خطابه

فهو يفتتح الكالم بتمييز عقلي، ليس سوى ترجيع لما ورد في فيصرح أن العالم المنظور مصنوع حتما تبعا . »السفستي«و» الجمهورية«

أحدهما دائم فال يصير أبدا، : ومن الممكن تصور نموذجين متضادين. ذجلنمو، ٢٧d(واآلخر ال وجود له قط إذا تحرينا الضبط، فال ينقطع عن الوالدة

٢٨c-a ٢٩ a b .( وفعال من المبادئ العامة في المنهج األفالطوني أنه البدففي . ءمن البحث لكل شيء عن مثال أو نموذج على غراره صنع الشي

» مثال العدل«مقطع غريب من الجمهورية، يبرهن أفالطون عن واقعية ألن كل صانع أيا كان، ينسخ ). ٥:١:٤٧٢e(بحتمية وجود نموذج للعدالة

وعلى ما يبدو، ينتج بجالء من النصوص المتعلقة . نسخا ويعمل طبقا ألصليمئس، مجرد صفة بروح العالم، أن التمييز بين النموذج والنسخة له، في الت

-٥٢-

، الماهية الدائمة )a ٣٦(وفعال تظهر الماهيتان في تلك النصوص . منهجيةفال تصير أبدا، والماهية التي ال تنقطع عن التحول، ال ظهور «الوجود

.نماذج، بل ظهور مواد تدخل في تركيب روح العالم، وألول وهلة نرى أن النموذج األزلي، الذي يبنى العالم على صورته

أما النموذج المتحول، الذي ينحيه أفالطون، فال . هو واحد بالذات وعالم المثليمكن أن يكون سوى الصيرورة الخام والتبدل بال رادع وال قاعدة، أي

بيد أن هذه المطابقات الذاتية، التي يقبل بها المفسرون، ليست أكيدة . »المادة« هو في -)c d ٣٠(فيما بعد وسنرى ذلك –فالنموذج األزلي . على اإلطالق

. الحي بذاته الحاوي في كيانه صور كل األحياء أو ماهياتهم األزلية«الواقع ، أي نموذج للعالم )الحي بذاته(نه ما سيطلق عليه فيما بعد اسم أفتزوؤن إ

ومثل . »الخير«يؤلفه منظومة ماهيات أزلية متكاملة االرتباط في ظل سنة .شيء أسمى من مجموعة المثل أو العالم المعقولتلك المنظومة هي

أما النموذج المتحول فهل هو الصيرورة فقط، ال أكثر وال أقل؟ أال يكون باألحرى هو أيضا عالما، مجموعة، منظومة، مهما تشوش وتناقض تنظيمه، ومهما فرض أن ذلك التنظيم عابر ال استقرار فيه؟ وعالوة على

ال يطابق تمام المطابقة ) a ٢٨صفحة (الذي يميزه أفالطون ذلك، فإن التمييز يشمل ال روح العالم » الحي بذاته«أخيرا إن األفتزوؤن ). ٣٥صفحة (تمييزه

وهذا ما يشير إليه أفالطون في . )١(الكامل فقط، بل جسم ذاك العالم أيضا .حديثه عن العناصر إذ لهذه أيضا مثل

. ول عن طلب الدقة الكاملة في نص الحوارنه يجب العدأال ريب فأفالطون لم يتحراها فيه، وال وصلت إليها اجتهادات المجتهدين من بعده أكثر

؛ ٨، ١١ ص G ،I ٤؛ ٦،١ ص E .I ٢راجع أيـضا . ديهل ١٦، ٨ ص ٣أبروكلس ) ١(

٧١ A.I ؛ ٨، ٢٣١ صIII ،إن الحي بذاته هو ملء جماعة األحياء العقليين «١٦،٨«.

-٥٣-

وال يغربن عن ذهننا إن المحاوالت التي يحاولها أفالطون . وصل إليهامماوقد دخل . الالهوتي–في هذا الحوار كانت تقريبا مطلع التفكير الميتافيزيقي

وجود صور أزلية ال تتحول، : ذ في صراع مع معضالت عويصةمنذئوبواسطة هذه الصور تأليف نموذج مثالي لكل كمال، وتأليف عالم يخضع للتحول، وعالقات هذه الصور بعقل أسمى وإرادة فائقة، وصالت الكائن

المتحولة ذلك هو علم ما وراء الطبيعة وعلم األزلي الذي ال يتبدل باألشياء إن هذه المفاهيم المتشابكة كانت في جدتها األولى، . ت الطبيعي كلهالالهو

.التيمئس عندما شرع أفالطون في تأليف

: وجود المثل والصور- ٢

هو عالم المثل عينه، فهناك أمر » الحي بذاته«ن أإن لم يكن ثابتا المثلى، وقد واضح منذ البداية إذ إن التيمئس مبني برمته على فرضية الصور

هذا وإن النصوص . يستحيل فهمه أو يكاد، إذا انقطعنا فترة عن قبول وجودهاويمكن للمرء أن يدهش من إعراض عدد . متوفرة جدا) القائلة بهذه الفرضية(

كبير من المفسرين المعاصرين المجيدين عن التقيد بها، أو من إساءتهم ع ينظم العالم المنظور وعيناه تحدقان فنحن نقرأ في التيمئس أن الصان. فهمها

والحال أن التعابير التي تستخدم ههنا لوصف . بالنموذج األمثل في عالم المثلالنموذج وتعيينه، هي حرفيا عين التعابير التي استعملها أفالطون في حوار

تضبا فيذن لتحديد عالم المثل كحقيقة ثابتة، بل يعنى أيضا بأن يقدم لها دليال مقيتفق مع أحد البراهين، التي تلجأ إليها المدرسة األفالطونية، إلثبات وجود

وذاك الدليل هو الدليل المستمد من ضرورة العلم . الكائنات غير المتحولةوأكثر . فإن لم توجد صور أزلية، فليس هناك أيضا علم مطلق. المطلق الكامل

ال يبقى سوى مزاعم قلقة ف. من ذلك ليس هناك حتى وال ظن يستحق الثقة). a-c ٢٩(» ألن االستدالل يمت بصلة إلى األشياء التي يفسرها«: خداعة

-٥٤-

فيصعب أن يؤكد المرء بصورة قاطعة أقوى من هذه، وجود نظام علوي غير وفي النهاية يمكننا اعتبار التيمئس . محسوس، وكمال يفوق األشياء الدنيوية

ففي الحوار كله، يجتهد أفالطون أن . رية الصوربرمته تطبيقا متواصال لنظيبين كيف يتحقق األفضل، قدر المستطاع بالرغم من العوائق الناجمة عن

وشرط تحقق األفضل هو فعال وجود الصور ومثال الخير . مقاومة الحتمية .ونشاط مبدأ منظم وإله صالح خير

وص التيمئس لنكون ومع ذلك، فنحن نجد نفس الصعوبة إذا استعنا بنصفي ذهننا صورة ناصعة عن نظرية المثل، أو إذا رمنا أن نعيد بناء هذه

تيفسة، معتمدين في ذلك على معطيات الجمهورية أو السوفي هذا . النظريهل هي متميزة تميزا مطلقا عن ين هي المثل، وال الحوار أيضا، لن نعلم أرقة لها، وال بأية آلية تستطيع االتصال بعضها األشياء المحسوسة ومفا

ولن نستوضح بجالء تام أو نعرف . ببعض، أو االتصال باألشياء الزائلةفهذه . واهللا وروح العالم» والحي بذاته«مسألة العالقات القائمة بين عالم المثل

أو أسماء األوضاع المختلفة سوف تظهر لنا طبقا للقرائن متميزة كل التميز، ن وإنما يكفي أن يهيم. دة بالذاتمختلفة لحقيقة علوية غير محسوسة فريدة واح

وهذا ما يعتقده أفالطون . الغير المتحول الكامل األزلي على األشياء الزائلة .حتى الصميم في غروب عمره

ولكن إن حافظ على نظرية المثل، أفال يدخل عليها إصالحات تبدل التيمئس مثل هذه اإلصالحات، لن يكون في ؟ في الحقيقة إن طرأ علىمعناها

وسعنا تقدير مداها بالضبط، إال على شرط أن نعرف بدقة ما كانت تعني فهل عد قط أفالطون المثل حقائق واقعية، تتميز . نظرية المثل قبل هذا الحوار

ما مفارقا ال اتصال له بعالمنا؟ تميزا تاما عن األشياء المحسوسة، فتؤلف عالأو بالعكس هل نمر مرورا ال يشعر به من المثال األسمى واألوفر ثباتا، إلى

-٥٥-

صور أدنى متسلسلة حاضرة في صميم الظواهر؟ إن كال من التأويلين يمكنه .أن يستشهد بنصوص تبدو جازمة

تدريجيا في التحول ففي التيمئس نفسه، وهو قصة ولوج المثال ولوجاوالفوضى، يؤكد في البدء انفصال العالمين، عالم المثل وعالم المحسوس بقوة

فإن مثال العالم ال يختلط لحظة واحدة، مع النسخة الدائمة . ما بعدها قوة .النقص التي يحققها الصانع

: إله أفالطون في التيمئس– ٣

٢٨(ففي . التي لقيناها بشأن المثلإننا نلقى بشأن الصانع نفس المشكلةa - b ( من صانع قادر أيؤكد أفالطون مكنين، ال بدنه، ما عدا النموذجين الم

). a - c ٢٨(وأول ميزة في هذا الصانع كونه سببا . على أن يحقق أحدهماولكنه يحسبه . ويحجم أفالطون في البدء عن تعريف هذا السبب تعريفا أدق

وهذه . نحن نقول فاعلة، وقدرة عمل تتمكن من إحداث حركاتعلة عاملة، وبعينها ما تكون ميزة السببية المنسوبة إلى اآللهة الثانوية، المكلفة بتكوين

بيد أن السببية التي يدور الحديث حولها في ). a - d ٤١(أجسام األحياء الهوت سكندري والالحوار، ليست القدرة الخالقة التي ينسبها الالهوت اال

أن هذه إال. فالصانع وعماله يبرزون صورا جديدة. المسيحي إلى األلوهةفال يحدث الصانع . الصور ينالونها بمزج عناصر سابقة الوجود، مزجا منسقا

أو اآللهة الثانوية شيئا إحداثا مطلقا، ال على صعيد الوجود وال على صعيد ويقوم هذا . ياء واقعية موجودة من قبللكن عملهم يمارس على أش. الصيرورة

العمل على مزج تلك األشياء فقط، طبقا لبعض قوانين الترتيب والجمال، وعلى االقتداء بنموذج سابق، قد سبق فيما يبدو اآللهة أنفسهم والعالم

.المحسوس

-٥٦-

فهم يقررون : ال غرو أن عمل اآللهة يبقى كبيرا ضمن هذه الحدودفالصانع هو الذي يعين حركة كرة الثوابت ليعمل منها . ويديرون ويحددون

وهو الذي يعين مصير األنواع المائتة، . والمماثل» ما هو عين ذاته«حركة . ألن اختالط هذه الماهيات ينشئ النفوس واألجسام. وينظم نسب الماهيات

.ولكنه ال يخلق شيئا إال النظام والجمال طبقا لنموذج ينسخهيب لنا أن نستعيد قوام ما يدعوه االسكندريون الهوت أفالطون، وقد يط

وأن نعين بالضبط موقع ذاك الصانع من اآللهة اآلخرين وعالم المثل .إال أن الصعوبات تتكاثر حاال في وجهنا. والنموذج الذي ينسخه ويقتدي به

امه الصانع نفسه، وخد: فقبل كل شيء نجد في التيمئس عدة آلهة السيارة واألرض والكواكب) a - b ٤٠(المنحدرين عنه، وآلهة الكواكب الثابتة

)٣٨ a ،٣٩ d( وأخيرا آلهة األسطورة الشعبية ،)٤٠ d - e ( التي يتحدثفهل يفضل ديانة قوامها معطيات . عنها أفالطون بتهكم يكاد يكون سافرا

ة؟ أو هل يبغي استبدال ديانة الفلك؟ وهل يعتقد ولو قليال بالديانة التقليدي - الشعب بضرب من الميتافيزيقا المجردة، المصفاة من كل عناصر الحس؟

ومن جهة أخرى، ما هي عالقة كل تلك القوى اإللهية بعضها ببعض، يحوي ضرورة » الحي بذاته«وعالقتها بعالم المثل؟ فألول وهلة، بما أن

بغي أن يحوي في ذاته نموذجا لأللوهة نموذج كل الحقائق الواقعية، أال يننفسها؟ وهل يكون هكذا نوعان من اآللهة، نوع مثالي ومحسوس؟ ال ينبئنا

ولكنه في مقطع غريب يميز بين . سعن ذلك في مكان ما من التيمئأفالطون اآللهة المرئية، أي الكواكب، وبين اآللهة الذين يستطيعون عندما يطيب لهم أن

فهل يزدوج . نهم يلبثون في الغالب محتجبين عن األبصارألعيان مع يظهروا لالعالم هكذا، فيكون هناك عالم تعمل فيه اآللهة المنظورة، وعالم تسود فيه

وإن كان . القوى غير المنظورة؟ إنه حل مستغرب يصعب علينا تصوره

-٥٧-

لهان أعليان الصانع ال يختلف عن مثال الخير وعالم المثل، وإن لم يكن هناك إالواحد فوق اآلخر، فهل يمكن أن يكون الصانع غير مثال الخير نفسه؟ وفي هذه الحال، أال يخرج المثال من عزلته الفائقة الحس ليتدخل في التحول . بالذات في صورة الصانع؟ إن الشراح قد أفاضوا في معالجة هذه المشاكل

الصانع بمثال الخير، يؤكد غيرهم Zellerفبينما يدمج أغلبهم السيما اتسلر في طليعتهم أن الصانع هو نفسه بال ريب مركب من Brochardوابر وشار

المثل، وأنه من ثم ال يعود إلى مثال الخير، وأن النموذج يبقى دوما متميزا .عن الواقع الذي يصوغه الصانع على شبهه

النصوص حال هذا، ويستحيل في الحقيقة أن يستخلص المرء من. متماسكا ففي مواضع كثيرة، ال يتميز الصانع إال بصعوبة عن مثال الخير

وفي مواضع أخرى، يبدو مثال الخير أسمى من اهللا نفسه، الذي ال ينقطع عن .تأمله وعن االقتداء به في أفعاله

).e ٢٩ (يس ال ينفك أفالطون يلج في الكالم عن الصالح اإللهوفي التيمئوهذا الصالح يتجلى . فهذا الصالح وحده يسمح لنا أن نفقه أفعال العلة األولى

وهو الذي يفسر لنا الدراية العجيبة . في تنسيق أجزاء العالم تنسيقا منسجماوما من موضوع في . ناءالسابقة، البادية في كل صنائع الطبيعة بال استث

ألح أفالطون منذ البدء على أهمية س يطرق أكثر من هذا الموضع، إنالتيمئ، أو لمح في كل سانحة، وهو يدرس بنية الجسم البشري، إلى ) ٤٤c(التربية

- ٦٩a، ٦٨c، ٤٥cde، ٤٤d(ضرورة إدخال العلل الغائية في تعليل األمور

c ،٨٧ a - d .( ولكنه ال يعبر في مكان ما بأوضاع دقيقة، عن عالقاتيعود إلى راحته «ن الصانع إوإنما يقول لنا مرة واحدة . ثلالصانع بعالم الم

بعد إنتاج روح العالم وتوزيع المهمات على اآللهة األدنين، وإعداده » المألوفةفهل نفهم من هذا القول أن مثال الخير ). e ٤٢(لهم الخالئط التي يستعملونها

-٥٨-

نه عاد أة المبدع، وخرج برهة، في مبادئ األمور، من العالم العقلي في هيئوولج ذلك العالم دون أن يبرحه فيما بعد؟ يبدو أن أفالطون قد أحجم في كل مؤلفاته عن الجهد الالزم لصوغ علم الهوت عقائدي والربط بين حقائقه ربطا

ولكن ليس من األكيد في النهاية أن هذه الميتافيزيقا قد أثارت اهتمامه . محكما. فكري برمته تسوده رغبة متواصلة في التطبيقاتفنتاجه ال. بصورة خاصة

فال يطلب . واألخالق والسياسة وأمور الطب تشغل باله أكثر من علم الالهوتأفالطون من علم ما وراء الطبيعة سوى أمر واحد، وهو شيء من روح الثقة . بالعقل والخير، وشيء من االستعداد الفكري للتفاؤل المنهجي الرصين

يوفر لنا انطباعات، هو أوفر من عزمه على أن يفرض علينا وعزمه على أن هندسية متحولة، ليعود بنا في وفنه يشيد لنا في ضباب باهر، أشكاال. عقائد

حزم، بفضل الذهول الذي يلقيه علينا هذا المشهد، إلى المهام اإلنسانية التي .تؤمن مصيرنا في هذه الدنيا

-٥٩-

الفصل الرابعرمــالــوح الع

: موقع روح العالم–١

ولكن ما . ، أول وأقدم إنتاج الصانع، هي أيضا إلهية»روح العالم«إن هي منزلتها الخاصة من اإلله الذي ركبها؟ فهل هي وهو ضمنا واحد، كما أكد ذلك كتاب كثيرون؟ أو هي خاضعة له؟ وهل تأتي بعده في مراتب

نفسه بعد مثال الخير؟الماهيات، كما قد يأتي هو ومن ثم . س ال ينطوي على علم الهوت مسبوك متكاملإن تعليم التيمئ

نه ضرب من نظرية أفهو قابل أن يفسر طبقا الستعداد كل شارح، على ويبدو . واضحة المعالماالنبثاق، أو صنف من عقيدة الخلق غامضة بعد وغير

في فكر أفالطون، دون أن يعرف أو بجالء أن إيحاءات مختلفة قد تقاطعت .يريد أن يتخذ منها موقفا صريحا

س كمبدأ حركات الكون المنتظمة تبرز أوال في التيمئ» العالمفروح «)٣٤ c .(وتتجلى الحياة . والروح في نظر أفالطون هي فعال سبب الحياة العام

» ح العالمرو«وبفضل . دوما في حركات موجهة بانتظام إلى غاية معينةيحصل المرور من االعتبارات النظرية إلى وصف الحقيقة الحسية وصفا

-٦٠-

وروح العالم سوف يتشوش أمرها فتمسي هي والسماء، أول وأوسع . واقعياوهكذا يجتاز أفالطون مباشرة من علم الالهوت إلى . شيء مرئي، أمرا واحدا

.علم الفلك والفيزياءأوال يفرض علينا : بال تسترعي انتباهنا فوراوهنا ثالثة أمور ذات

المحسوس فوحدة العالم). a ٣١، d ٣٠(اعتبار الخير والغائية قبول وحدة الكون ولما كان العالم ). ٣١a - b(تستخلص طبعا من وحدة النموذج الضرورية

المحسوس واحدا، على غرار نموذجه، وجب أن يشمل هذا العالم المحسوس ). ٣٣a، b ٣١( األجسام، ومن ثم ال يبقى خارجا عنه شيء على اإلطالق كل

والعالم لم يقع، طبقا لقول الذريين والبثغوريين، في فراغ ال نهاية له، وال في إنه كاف لذاته، وليس له أعضاء إذ ال حاجة له . وسط يتغذى هو على حسابه

ه كروي وكرويته تنجم عن كون إن). ٣٣cd(أن يتصل بشيء آخر سواه وهذا الشكل أبهى األشكال، ألنه يشمل . الشكل المستدير أبهى األشكال طرامبدأ االقتصاد في «فأفالطون يطبق هكذا . أوفر قسط من الوجود في أقل حجم

.، وهو المبدأ الذي سيسيطر فيما بعد على فلسفة اليبنتز»الوسائلالعالم يتحر ٣٤(ك وهو بسبب شكله يتحرك في إطار دائرة ثانيا إن a .(

روح لكرة السماوية، فال بد أن تضفوولكن إن كانت روح العالم هي عين ا ).٣٤b(إذن يجب أن تغشاه من كل جانب نظير قبة السماء : العالم على جسمه

. أخيرا إن الروح، مبدأ الحياة، تسبق حتما في الكرامة الجسم الذي تحييفي كالمه وال يتوسع أفالطون قليال. ت إذن قبله، قبل األرض والكواكبفقد كان

.إال تمهيدا إلدخال عرضه بشأن بنية روح العالم) ٣٣، ٣١(عن العناصر . ولكن إن كان كل هذا العرض واضحا، فشكل المقطع بأكمله مذهل فهو من جهة مليء بتفاصيل لها في نظر أفالطون أهمية علمية كبرى، ألنه

يعرض علينا كل نظرياته الفلكية بدقة ممتازة ومعطيات عددية مدروسة

-٦١-

أفالطون يجلبب ىومن جهة أخرى نر. بإتقان، يوليها في صراحة قدرا كبيراكل توسعه في الموضوع بوشاح رمزي أسطوري ال يسهم البتة في زيادة

ماهيات لجام حيث يتم المزج، ومن تلك الافما المراد من تلك . التوسع جالءالتي يؤلف الصانع بينها، ومن تلك التقاسيم العويصة المتشابكة؟ فال يستطيع

ال ريب أن أفالطون يعتبر ضربا . المرء أن يفسر كل هذا إال بصورة واحدةمن المحال كل تعليل علمي قاطع لنشأة الكون، أو فرضية يمكنها أن تفسر

س يسترسل في إطار تعليل من ئومع ذلك فالتيم. ر في الواقعكيف جرت األموفال بد إذن من اختيار صور قوية اإليحاء، تبدي الترتيب الذي . هذا النوع

ن ليس لتلك الصور سوى أولكن ال ريب . جرت األمور عليه في الظاهرإذ يجهد أفالطون كل جهده ليفرض علينا اعتقادا وهو أن الفلك . أهمية ثانوية

وهو من ثم يدأب بحذق . رياضية محددة بالضبطقد نظم بناء على معادالت ولسوف يالحظ القارئ كيف . غريب في تعيين تلك المعادالت ويلح في ذلك

يستعمل أفالطون، في مطلع بحثه هذا، براهين يستمدها من الفالسفة .االيليائيين ويحورها بعض التحوير

:»روح العالم« عناصر تركيب –٢

تتركب ) رة السماوية والمبدأ الذي يحركهاوبالتالي الك(إن روح العالم . ماهية ال تتجزأ وهي عين ذاتها أبدا، وماهية متجزئة جسمانية: من ماهيتين

أما خلط هاتين الماهيتين فهو بال ريب صعب، ال كما قد يتوقع المرء، ألن الكائن غير المنقسم ال يقبل الدخول في خليط، ولكن بسبب وجود الماهية

وقد اتخذ الصانع هاتين الماهيتين وركب منهما ماهية ثالثة، ). ٣٥a(الجسمانية ثم عاد . تحوي في آن واحد عناصر متجزئة وعناصر غير قابلة التجزيء

وخلط معا هذه الماهيات الثالث وألف منها ماهية رابعة سوف يستخدمها في

-٦٢-

عل وهذه العملية المزدوجة غايتها الرمز إلى كمال الخليط، وقد ج. بنيانه .متداخال أقصى التداخل

. فقبل كل شيء، يبدو من الصعب توحيد الماهيتين األوليين توحيدا ذاتيافاألولى، أي الماهية غير المتجزئة المتصرفة دوما حسب معادالت هي دوما عين ذاتها، أليست هي الماهية غير المتحولة، تلك الماهية بالذات التي تؤلف،

طبيعة النموذج المثالي؟ ومن ثمة أليست عالم المثل بالذات، كما رأينا أعاله، نه ال أبيد . ومجموعة الصور األزلية؟ فهذا التفسير هو تفسير كل الشراح

إذ كيف يمكن أن يمسي ذاك العالم العقلي جزءا . يخلو من صعوبات خطيرة صميما من خليط دون أن يفقد خواصه؟قسمة؟ فالمفردات التي يستعملها أفالطون ثم ما هي ماهية األجسام المن

ليبين مزاياها، ليست نفس المفردات التي عمد إليها في تحديد النموذج المتغير وفضال عن ذلك، . الذي تحول عنه الصانع حينما شرع في تصوير العالم

وفي كل ما يعقب ذلك . عندما بدأ تركيب روح العالم، لم يكن بعد من جسموهذا ما . ر، لن يثار من بعد أمر تلك الماهية المتجزئةالموضع من الحوا

وهكذا فمنذ هنيهة بدا لنا أفالطون . سوف نحققه في فحصنا نظرية المحلوكأنه يسمو بنا إلى صعيد التسامي، وها هو اآلن يفسح مجاال لنظرية

ألن . في تنازالت تبدل كل هندسة بنيانه وتخل بها) المحايثة(أو ) التداخل(عالم المحسوس لم يعد يبدو لنا نسخة عن العالم العقلي، إذ إن الصورة تنحدر ال

.هي نفسها إلى المادة لتنظمها بفعل مباشرولكن ما يفيدنا أن نفرض على أفالطون في هذه المسائل الشاقة دقة مستحيلة؟ فهل ابتغى أمرا آخر غير غرس إيحاء غامض، ولكنه أكيد ال

ظمت تدريجيا بتأثير الصور؟ وأيا كان أسلوب ذلك الفعل، يقاوم، بأن األشياء نانسجام : ومهما خفيت سبل سيره، فنحن نعاين في وضوح نتائجه الظاهرة

-٦٣-

فنحن . العالم، وانتظام الكواكب في الفلك، ومجرى حركاتها المنتظمة الثابتصددها ليست بواعتبارات أفالطون . نجوز من علم الطبيعة إلى نشأة الكون

باطية خيالية، شأنها عند اإليونيين، ولكنها علمية وضعية، مبنية على اعت .البرهان الرياضي والمالحظة

: تركيب روح العالم- ٣

وبالتالي إن كانت المقدمات مبهمة، فما تعد له من توسع سيكون في إذ حاال بعد . وال يعني هذا أن كل شيء في هذا التوسع واضح. منتهى الدقة

وال يحصى ما . ون، لقي تالميذه األولون صعوبات جمة في فهمهأفالطستس وقد كتب فيه آذر. عرض لهذا التوسع من تفاسير في الزمن القديم

خواكليئووإر سوايفذكس ولي واكرانتروثئوذرس الص تسثيتس س األسكانيفسيرات ماعتمت أن ولكن الت. خس وغيرهم كثيرونواثراسلس وابلوتر

فتناسوا الحقائق الرياضية والفلكية، التي . أفسدتها تأويالت المتصوفة النظريةوقد أقلقت أحالم االسكندرانيين والبثغوريين . أراد أفالطون أن يعبر عنها

بحيت اضطررنا أن نبلغ عهد . المحدثين معاصرينا، فاضطربوا وارتبكواوابتدأت دراسات بيخ منذ . ص الحوار على شرح مقبول لنصوربيخ لنعث.آ

ير ظ، وجلت لحسن الحظ معظم الصعوبات، فلم يزد الشراح خلفاؤه، ن١٨٠٧ هاند وافر كارولي، شيئا هاما يذكر على ما –مرتان واتسلر ودبوي وأرشه

.)١(استخلص بيخ

إن الخليط النهائي الذي تخيله أفالطون تؤلفه ثالثة جواهر يمكن C وتعادل G B Aتسميتها

2A

2B

ولكن حتى بعد هذا الخلط المضاعف، . +وغايته البلوغ إلى انصهار العناصر األساسية أقوى انصهار ممكن، تلبث

١ (-٣( A. Boeckh, Kleine Schriften, 3,1866, p. 115 et sq.

-٦٤-

نسبة العنصر غير المتحول أوفر في جزء المركب القريب إلى سطح الكرة )٣٧ bc .(م الصانع تركيبه إلى سبعة أقسام تتناسب وبعد أن أنجز الخليط، قس

، )٨، ٤، ٢، ١(بينها كأعداد متواليتين هندسيتين، أحداهما أساسها اثنان ومن هاتين المتواليتين ألف الصانع ). ٢٧، ٩، ٣، ١(واألخرى أساسها ثالثة

، ٢، ١(متوالية واحدة، قلب فيها أفالطون، لسبب لم يشر إليه، ترتيب عددين ن النسب في إيعبر أفالطون عن هذه األحداث، بقوله و). ٢٧، ٨، ٩، ٤، ٣

، )١(ضعف األول ) ٢(العدد الثاني : هذه المتوالية األخيرة ترد كما يلي. أكبر من األول ثالث مرات، وأكبر من الثاني مرة ونصف) ٣(والثالث ثالث ) ٣(أكبر من الثالث ) ٩(والخامس ). ٢(ضعف الثاني ) ٤(والرابع هو ثالث ) ٢٧(والسابع واألخير ). ٤(ضعف الرابع ) ٨(دس والسا. مرات

).٩(أضعاف الخامس

المجاالت بين األعداد وأنجز هذا الملء » ملء«ثم عمد الصانع إلى إما : واسطة بلغة الرياضيات اليونانية(mésotis)ويسمون . باستخدام واسطتين

وإما العدد (annlaogia sinekhis)سلسلة ثالثة أعداد تؤلف متوالية متصلة .الوسيط الجامع طرفي المتوالية

الواسطة الحسابية : ويعرف أفالطون أصنافا ثالثة مختلفة من الوسائط. وال يعنى في نصنا إال باألوليين. والواسطة المنسجمة والواسطة الهندسية

كمية فالواسطة الحسابية هي واسطة يتجاوز فيها العدد الوسيط العدد األول بتعادل الكمية التي يفوقه بها العدد الثالث، بحيث يكون الوسيط معادال لنصف

هي متوالية من هذا النوع، فيها الثالثة ٤، ٣، ٢ومتوالية . مجموع الطرفين تساوي

22 4 وفي الواسطة المنسجمة، يفوق الوسط الطرف األول بكسر . +

مثال ذلك ). a ٣٦(ر سه به الطرف الثاني من كمن هذا الطرف يعادل ما يفوق

-٦٥-

3 4فلدينا . ٦، ٤، ٣المتوالية 33

4 6، و +=36

وبتعبيرنا الحاضر، += . تظهره العبارات التاليةb و aبين x الوسيط المنسجم

= xb x

x- a ba

+ x أو =

a b2 a b

ca b

ba=

++=

في تحديد المجال الفارق بين عددين متتابعين في ولكن أفالطونوالمجال . إلى مفاهيم يستمدها من الموسيقى ال من الحسابدواسطة، سيتعم

تعينه فوارق واقعة ال بين أعداد، بل بين أصوات تربطها بعضها ببعض .عالقات موسيقية

من الدستور ) سافثنغ(فلنقبل أن كل عدد من متواليتنا يقابل صوتا معينا مجموعة يؤلفها صوتان مختلفا ) ذياستما(فنسمي بعدا . أي السلم الموسيقية

والحال إن علم . )٢(مختلفا االرتفاع والعمق: العلو، أو كما يقول إفكليذساألنغام اليوناني ال ينظر كعلمنا إلى عدد المتوجات الصوتية، لوصف

في النظرية الصوتية القديمة، يقابل العدد وفعال. األصوات الرفيعة أو العميقةأي إنهم (األكبر الصوت األعمق، وبتعبير آخر كان الدستور عندهم نازال

والوتر األعمق من ). كانوا يشدون بأنغامهم هبوطا من القرار إلى الجواب عندهم يدعى نيتي )٣( والوتر األعلى(hypati)القيثارة عندهم يدعى هباتي

هذه ترجمة نص افكليذس . »صوتان مختلفا االرتفاع والعمق) ما يحدق به(البعد «) ٢(

)ربالمع. (.Cf. Aristoxène, Harm Meybaum I, 4, 34 et saepe ! بالضبط

إن كلمة هباتي اليونانية تعني الوتر األعلى، وكلمة نيتي تعني الوتر األسفل، ورفو ) ٣(وكان أحرى به لحفظ المقارنة بين الوترين أن يقول . »الوتر األعلى«يخطئ في قوله

األرفع، ألن الوتر األعلى هباتي يعطي الصوت األعمق، والوتر األسفل نيتي يعطي «ولكنه خلط في قوله بين الوتر . ما يقول ويدلل به هو نفسهوهذا . الصوت األرفع

)المعرب. (والصوت فتشوش عليه األمر

-٦٦-

(niti)،وفي الدستور أو السلم . )٤( طبقا لمنزلة األوتار من آالت الطربأو الصوت (إلى الوتر األسفل ) أو الصوت األعمق(ينطلقون من الوتر األعلى

) horiأوري ( ويسمون بعدا المجموعة التي تؤلفها األصوات نفسها )٥()األرفع Iogosى لوغس والمعادلة الرياضية الرابطة بين األصوات تدع. أي الحدود .أي عالقة

وواضح أن صوتين متماثلين تماما ال يستطيعان أن يحددا بعدا، وأن في ١:٢ و ٢: ١ مثال معادلتان ٢:١ففي البعد . بعد واحد توجد دوما معادلتان (prologos)تسمى ابرولغثس ) ١:٢(فالكبرى . وهاتان العالقتان متباينتان أبدا

. الالحقة(hypologos)الصغرى تسمى هبولغس و. السابقةوكل هذا الضرب من التعبير مأنوس لدى أفالطون كما يثبت ذلك، لفسمئش مقاطع مختلفة من الجمهورية وحواري فيفضال عن نص التي

فهو يتكلم في الفيلفس عن عناصر الصوت الثالثة، العمق واالرتفاع . والخيس، وعن األصوات المنشئة )ذياستيمتا(، وعن األبعاد (homotonon)والتساوي

وكلمة هبولغس توجد في . لتلك األبعاد، وعن األنغام أو األلحان الصادرة عنهاوقد استعملها أفالطون في تورية تتضمن تحديد هذا ). b ١٨٩(الالخيس

يذكر أفالطون األوتار ) d ٤٣٣: ٤(وأخيرا في الجمهورية . الوضع الموسيقيفهذه األوضاع الموسيقية كانت . الرئيسية الثالثة من السلم الثمانية األوتار

)٤ (Pseudo – Aristoie. Problem. 23, 919 b,I et sq. 42, 921b, 24.

Aristoxène. Haim. II. 34. 3. على نظير المرء إذا هبط من األ«: ٢٢، ١٠٥٧، ٨، ١٠أرسطو، ما وراء الطبيعة ) ٥(

. »إلى األسفل وبلغ الصوت األضأل، فهو يمر قبل ذلك باألصوات الواقعة في الوسط .ويبدو أن عبارات ابرولغس وهبولغس وهموتنن لم تعد مستعملة في عهد ارستوكسنس

Cf. L, Laloy. Aristoxène de Tarente et Ia Musique de l'antiquité. Paris. 1904.

-٦٧-

ونحن نجدها مستعملة في المقطوعة السادسة من . ندارجة في زمن أفالطولؤسالفلو.

ومشكلة تنسيق األنغام تقوم، حسب المقطع األخير من الجمهورية، على إلى األولى بعالقات بأعداد أخرى تمت» ملئها« على األبعاد، أو«توحيد وهذه الكلمة يعثر ). armottineأرموتن (» التنسيق«وهذه العملية تدعى . معينة

ونتيجة هذه العملية هي تساوق األصوات . عليها دوما في الحواراتاألعداد التي تحدد ولكن اختيار . في األبعاد، أو تناغمها واتفاقها) السمفنية(

فأفالطون . األبعاد، أو تملؤها، ال يقوم البتة على مالحظة األحداث الموسيقية .يعمد فورا في الظاهر إلى براهين ذات صبغة رياضية محضة

ننا إ. فلنطبق هذه التعاريف على المتواليات المشار إليها في التيمئش ):غيلو(نجد ستة أبعاد واثنتي عشرة معادلة أو

– ٨:٩ و ٤:٩ – ٩:٤ و ٣ ٤-٤:٣ و ٢:٣ - ٣:٢ و١:٢ – ٢:١ .٨:٢٧ – ٢٧:٨ و ٩:٨

:وهذه المعادالت قد تتخذ ثالثة أشكال متغايرة

يمكن أن تكون العالقة الكبرى مضاعف الصغرى بالضبط :أوال. a ٥٣٤:٧ر الجمهورية ). عالقة علماء األنغام المضاعفة لوغس بلبال سيس(

مثل12 2

21

=

.

العالقة الكبرى إذا قيست بالصغرى تساوي الوحدة مضافا إليها :ثانيا :مثال. قسم مضبوط من الوحدة

23 1

21 ،

34 1

31 ،

89 1

81

=+=+=+

-٦٨-

وهي أن العدد األكبر : وأفالطون ال يتوقف على الحالة الثالثة الممكنةوفي . ا قسم غير مضبوط منهاإذا قيس باألصغر يساوي الوحدة مضافا إليه

األولى: كل حساباته، ال يعمد إال إلى عالقات الصنف الثاني الثالث

+1

21

، )ratio sesquialtera وفي الالتينية لوغس همؤوليس(يسميها عالقة نصفية والثانية

+ 1

3، )ratio sesquitertia إبيترتسلوغس ( يدعوها عالقة ثلثيه 1

والثالثة

+ 1

8). ratio sesquioctava لوغس إبوغذؤس(ية ن هي العالقة الثم1

) ١٠٥a(همؤوليس وابيترتس، نلقاهما األول في حوار فذن فالوضعان األوالن .)٦()c ٥٤٦: ٨(ة والثاني في الجمهوري) ١٥٤a(وحوار ثئيتتس

من األبعاد ٢:١عد األول بوال يعبأ الموسيقيون اليونان عمليا إال بالوقد سمي إجماال في عهد أفالطون . وهذا البعد هو المضاعف. الستة الممكنة

وقد شرعوا أيضا من ذلك الحين يطلقون ). هرمنيا(تناغما أو انسجاما وتناسقا ، ألنه يؤخذ )أي جميع األصوات) (ذيبصون(» يعخالل الجم«عليه اسم

البعد في نظر الموسيقي » ملء«و. »الثمانية األوتار«ة جميع أوتار سبمالميعني إقحام أصوات العميق والصوت الرفيع، تتصل بهذين األخيرين بناء على

وهذا اإلقحام يجب أن يتم على وجه ال يعود المرء معه . عالقات بسيطةفيقسم البعد هكذا إلى . ديد القائم بين صوتين متتابعين إضافيينج البعد اليالحظ

وهناك تقابل أو تجاوب )٧()سمفنيه(أقساط متباينة، يدعوها أفالطون تساوقات ولكن ما هو صنف ذاك التجاوب؟ ال يدور األمر، . عدادبين األصوات واأل

ور إما على طول األوتار أو بل يد. كما رأينا، على عدد التموجات الصوتيةغلظها، وإما على مساحة اآلالت المعدنية وثقلها عندما ترن تحت المهباج، إذا

.معجم أرستوكسنس. م. لوا، كر في هذه األوضاع، ال) ٦(

.a ٨٠ والتيمئس d ٢٥ و c ١٧ والفيلفس e ٤٣: ٤الجمهورية ) ٧(

-٦٩-

ومثل هذه االعتبارات قديمة . إلى آالت طرب غير الثمانية األوتارامرؤنظر .)٨(وهذا ما تثبته لنا القصة المروية لنا عن هيبسس المتبونتي. جدا

األولى : يمكن أن يمأل بواسطتين» خالل الجميع«البعد هذا، وان :فنحصل هكذا على الجملة. منسجمة والثانية حسابية

1 : 1 31 : 1

21 : 2 ++

، ٢ بالواسطة الحسابية١:٣ويمكن على الطريقة نفسها أن نمأل البعد وبالواسطة المنسجمة

2 1 أو- 3

21

ن البعد األكبر ثالت مرات قد إويقال . +ومجموعة األصوات . نصفيةةق عالملئ بفضل بعد مضاعف، زيدت عليه

:المعبرة عنها الجملة

1 31 : 1

21

++

ه هو أيضا واسطتان الواحدة منسجمة ؤتؤلف هي أيضا بعدا جديدا تملواألخرى حسابية فنحصل هكذا على بعد آخر

8 هو العالقة الثمانية أو 9

:الصوت

1 31 : 1

21

++

والصوت نفسه ينقسم إلى شطرين متفاوتين أكبرهما يسمى القطعة ال ) أبتميApotomi (وعبارة القطعة ). ليماLimma(واألصغر يسمى الراسب

ر أكرتيس غير أننا نجد في حوا). d ٩٧(نجدها إال في التيمئس اللوكري )١١٨ a ( كلمة مقطوع)Apotomosسوتمويستعمل التيمئس نفسه كلمة ). أب ).a ٧٦(ليدل على راسب من الرواسب ) ليما(

(1) Theon de Smirne, 106, p.59. 4 Hiller. Diels. Vors. 31. 39. Laloy. o. c. p. 49-50.

-٧٠-

: تأليف السلسلة– ٤

:أبعاد السلسة األولية» ملء«سوف يعمد أفالطون إذن إلى ٢٧: ٨: ٩: ٤: ٣: ٢: ١

.هاعلى وجه يلقى معه األبعاد الموسيقية وأقسام. ثم الواسطة الحسابية) أو الهرمونية(فلنتأمل تباعا الواسطة المنسجمة

ولنتأملهما في كل من سلسلتي األعداد المضاعفة المزدوجة أو الثالثية التي .تتألف منها السلسة الكاملة

: الواسطة الهرمنية أو المنسجمة)١

:سلسلة األعداد المضاعفة المزودجة

. 1 : 2 34 1

31 2 : 4

38 2

31 4 : 8

816 5

31

=+=+=+

:سلسلة األعداد المضاعفة الثالثية

1 : 3 23 1

21 3 : 9

29 4

21 9 : 27

227 13

21

=+=+=+.

:الواسطة الحسابية) ٢

:سلسلة األعداد المضاعفة المزدوجة

. 1 : 2 23 1

21 2 : 4 3 4 : 8 6 =+

:سلسلة األعداد المضاعفة الثالثية.18 27 : 9 6 9 : 3 2 3 : 1

:تان التاليتانسلومنها تتألف السل

-٧١-

1 34

23 2

38 3 4

316 6 8

1 ثم 23 2 3

29 6 9

227 18 27

:أو وجه أبسط

1 31 1

21 2 2

32 3 4 5

31 6 8

1 1 ثم 21 2 3 4

21 6 9 13

21 18 27

ويالحظ أن العالقة في اضطراد األضعاف بين المعدل المنسجم والمعدل الحسابي هو دوما

89 )

2 هي 3

8 دالعد 9

3 هي٦، 4

8 العدد 9

316

).وهكذاقحام عددين جديدين بين كل إفيتمكن المرء إذن من ملء كل األبعاد ب

بحيث تغدو عالقة . عدد من كال االضطرادين والمعدل المنسجم أو الحسابي العدد السابقكل من العددين الجديدين إلى

8فيحصل المرء عندئذ في . 9 :سلسلة األضعاف المزدوجة على المعادالت التالية

1 89

6481

34

23

1227

128243 2 ،

49

3281

38 3

827

64243 4،

29

1681

316 6

427

32243 8 ،

98

881

332 16

227

16243 61.

: التاليةوفي سلسلة األعداد المضاعفة الثالثية على المعادالت

1 89

6481

34

1627

128243 2

42

3281

38 3،

-٧٢-

827

64243 4

1681

128729 6

427

32243 8 9

881

64729 12

16243

1282187 18

481

32729 24 72.

ولكن هذه األعداد الكسرية ال يسهل انقيادها في العمليات الحسابية، س، سكذر وايفـرانتكفيمكن لبناء سالسلنا، استعمال طريقة قد عمد إليها ا

عف المشترك األصغر لكل هذه الكسور إن المضا. )٨(وربما عرفها أفالطون، فنستطيع أن ٣٨٤، فإذا ضرب هذا العدد بثالثة نحصل على العدد ١٢٨هو

:فيمس اضطراد األضعاف المزدوجة األولي. نستبدل به الوحدة

3072 : 1536 : 768 : 384

:واضطراد األضعاف الثالثية يصير

10368 : 3456 : 1152 : 384

بعاد، على الطريقة المنوه إليها سابقا، نعثر في سلسلة األفإذا ملئت :األضعاف المزدوجة من الواسطة المنسجمة الهرمنية على األعداد التالية

3072 : 2048 : 1536 : 1024 : 768 : 512 : 384

:ونجد في سلسلة األضعاف الثالثية

10368 : 5184 : 3456 : 1728 : 1152 : 576 : 384

ونحصل في سلسلة األضعاف المزدوجة من الواسطة الحسابية على :عداد التاليةاأل

3072 : 2304 : 1536 : 1152 : 768 : 576 : 384

)١ ( التيمئس اللوكري ٩٦ر b.

-٧٣-

:وفي سلسلة األضعاف الثالثية نالقي

10368 : 6912 : 3456 : 2304 : 1152 : 768 : 384

٢ إلى ١ لبعد منعلى الوجه عينه يمأل ا

++ 1

31 1

2 ما أمكن ملؤه 1

:بأعداد أو عوامل سلسلة األضعاف المزدوجة

768 , 729 , 576 , 512 , 486 , 432 , 384

فالفرق . ٥٧٦ و ٥١٢ولكن صعوبة خاصة تعترضنا بشأن العاملين أي ٦٤بينهما

8 1بعد واالله لم يستطع بناء على ال. 512

81

أن يمأل تماما +

1األبعاد 31

+ .

1لنفرض البعد 31

+ 384 = 512فعال ( ٥١٢ و ٣٨٤القائم بين +

تساوي 128، و 1283

أي ٤٨ + ٣٨٤ يعطينا ٤٨ أي ٣٨٤وثمن ). 384والحال أن البعد بين . ٤٨٦= ٥٤ + ٤٣٢، و ٥٤ يعطينا ٤٣٢، وثمن ٤٣٢فإذا . ٦٠٧٥ هو ٤٨٦، بينما ثمن ٢٦ ليس إال ٥١٢ والعامل التالي ٤٨٦

وهنا . ٥٤٦، ٧٥ نحصل على عدد أقوى مما يجب ٦٠ ، ٧٥ و ٤٨٦جمعنا ٩ بـ ٨ هي عالقة ٥١٢بـ ٤٨٦إن عالقة . يتحايل أفالطون لرأب الصدع

1 أي إنها تساوي ٢٥٦ بـ ٢٤٣أو 24313

+ .

1 ببعدين، أحدهما٧٦٨ و ٥٧٦كذلك يمأل البعد بين 81

واآلخر هو +، وثمن ٦٤٨= ٧٢ + ٥٧٦ هو ٥٧٦فثمن ). ليما(بعد إضافي أي راسب

1 البعد أقل من ٧٦٨ و ٧٢٩ فبين ٧٢٩ = ٨١ = ٦٤٨ و ٨١ هو ٦٤٨81

+

فهو أيضا24313) 768 - 729

243 ).729 من = 13

-٧٤-

: عامال٣٦وتحوي الالئحة الكاملة التي نحصل هكذا عليها ٧٦٨، ٧٢٩، ٦٤٨، ٥٧٦، ٥١٢، ٤٨٦، ٤٣٢، ٣٨٤ – ١. ١١٥٢، ١٠٢٤، ٩٧٢، ٨٦٤، ٧٦٨ – ٢. ١٥٣٦، ١٤٥٨، ١٢٩٦، ١١٥٢ – ٣. ٢٩١٦، ٢٥٩٢ ،٢٣٠٤، ٢١٨٧، ٢٠٤٨، ١٩٤٤، ١٧٢٨، ١٥٣٦ – ٤ ،

٣٠٧٢. ٣٤٥٦، ٣٠٧٢ – ٨. ٦٥٦١، ٦١٤٤، ٥٨٣٢، ٥١٨٤، ٤٦٠٨، ٤٣٧٤، ٣٨٨٨، ٣٤٥٦ – ٩ ،

١٠٣٦٨، ٩٢١٦، ٨٧٤٨، ٧٧٧٦، ٦٩١٢. ١٠٣٦٨ – ٢٧.

: خمسة أصوات كاملة وراسبان٢ إلى ١فعندنا من – ٥٧٦، ٥٧٦ – ٥١٢، ٤٨٦ – ٤٣٢، ٤٣٢ – ٣٨٤: األصوات

٧٢٩ – ٦٤٨، ٦٤٨. .٧٦٨ – ٧٢٩ ٥١٢ – ٤٨٦ :الراسبان

وفي الواقع كل من الكسور432384 ،

486432 ،

576512 ،

648576 ،

729 تعادل 648

9أما الكسور . 8

512 و486

768 . فهي رواسب729

٤ إلى ٣ عندنا أيضا ثالثة وراسب، وفي سلسلة ٣ى ل إ٢وفي سلسللة أربعة أصوات وثالثة رواسب وقطعة، ٨ إلى ٤صوتان وراسب، وفي سلسلة

سبعة أصوات ٢٧ إلى ٩ صوت واحد، وفي سلسلة ٩ إلى ٨وفي سلسلة .وأربعة رواسب وقطعة

-٧٥-

تعملها أفالطون هي أطول وقد يالحظ المرء مرارا أن السلسلة التي يسفي الالئحة الكاملة(ومن االسترساالت السبعة . بكثير من الدستور الموسيقي (

إنه . التي فصلناها منذ لحظة، استرسال واحد فقط يستعمل فعال في الموسيقى. وأصواته الخمسة وراسبيهيبقسميه الرباعي والخماس» خالل الجميع« البعد

فئتين مؤلفتين من ثمانية أوتار أو مجموعتين كل منهما أربعة فهذا البعد يقابل :أو أوتار فهو يفرض من ثمة آلة ثمانية األوتار تفصل مفاتيحها كما يلي

الوتر األسفل٣٨٤ ٩ : ٨صوت

الوتر الردف أو المجاور األسفل ٤٣٢ ٩ : ٨صوت

الوتر الثالث٤٨٦ ٢٥٦ : ٢٤٣راسب

اور الوسط الوتر المج٥١٢ ٩ : ٨صوت

الوتر الوسط٦٧٦ ٩ : ٨صوت

وتر السبابة٦٤٨ ٩ : ٨صوت

٢٥٦: ٢٤٣ الوتر المجاور األعلى راسب ٧٤٩ الوتر األعلى٧٦٨

خماسيالقسم ال

رباعيالقسم ال

-٧٦-

فهو يشمل كل الدساتير الموسيقية . بيد أن تناغم روح العالم أوسع بكثيرها آالتنا المحدودة التي تعزفالممكنة، ويسمو بما ال نهاية له على االنسجامات

إال . تفي موسيقانا حقها١ ٢أي العالقة » الل الجميعخ«إن البعد . الناقصةوفي هذا األمر رمز مفقه . ٢٧أن التناسق أو التناغم السماوي يبلغ البعد

وال يكتفي أفالطون بإبراز . وبرهان قاطع أيضا على قدرة األعداد العجيبةمدرسته، وذلك بإعطائنا مثال يسترعي ) الذي عزرته (فضل علم الحساب

انتباهنا أكثر من أي مثل آخر، بل يبدي لنا في الحين نفسه كيف يستولي العدد وهذا الجمال . على األشياء، ويشيع في كل أرجائها النظام واالعتدال والجمال

ر في خفي ال يراه الطغام، وإنما الفيلسوف الضليع في الرياضيات والماه .الحساب يعرف كيف يدركه

وبين العناصر التي تتألف منها روح العالم، وبالتالي القسم الخالد من وعندما يحدد اكسنكراتس . روحنا، العنصر األجل والثابت وحده هو العدد

.الروح، ويقول إنها عدد متحرك، فهو يلبث أمينا لروح تعاليم التيمئس

قل من المعلومات الرياضية والموسيقية، التي هذا، وإن قسما على األيطيب ألفالطون أن يتبسط فيها في هذه النصوص، كان بال ريب جديدا عندما

وإذا قبلنا بصحة المقطوعة السادسة من كتابات فلولؤس، فعلم . ألف التيمئسلؤسوعلى كل حال، من المرجح أ. األنغام هذا كان مأنوسا لدى فلو لؤسن فلو

ال يسبق عهد سقراط، وان هذه النظريات قد بسطت ألول مرة في األوساط .العلمية المعاصرة ألفالطون

ومهما يكن من أمر، فنحن نشاهد في حوار التيمئس مبادئ ضرب من ألن النصوص المتعلقة بروح العالم . االعتبارات النظرية قد نال حظوة طويلة

-٧٧-

فمن عهد . رون تثير تأمالت الرياضيين والفالسفةما برحت مدة ق لم يبطن ما هاجت في Bouillaudاالسكندريين إلى عهد كبلر وعهد بويو

وحتى في أيامنا هذه، ال يطالع المرء تلك النصوص . النفوس من اهتمام دائمدون تأثر عميق، عندما يفكر بتلك األحالم التي دغدغت بال نهاية مخيالت

.ولسوف نلقاها في تفحصنا نظام التيمئس الفلكي. ناأسالف

-٧٨-

الفصل اخلامس نظام أفالطون الفلكي

: الكرة السماوية–١

ولهذا . بعد تركيب روح العالم، شرع االله في بناء الكرة السماويةالغرض عمد إلى تركيب ما هو عين ذاته وما هو آخر، وقسمهما طبقا للنسب

- القابل أن يبدو شيئا مثاليا محضا –ومن هذا التركيب . اآلنالتي درسناها أفالطون جوهكذا يعال. ال وهي قبة السماءأشرع يكون حقيقة منظورة واقعية،

على حدة، بضرب من الخيال يذهل عقولنا العصرية، النواميس الرياضية مل فهو يضطرنا أن نتأ. المشرفة على حركة الكواكب والكواكب بعينها

وهذه . العالقات غير المتحولة، الخاضعة لقدرة العدد، قبل أن نعرف األجسام .العالقات هي التي تتحكم بدوران األجساموهي تعبر تعبيرا أقوى من أي . عجابفجرأة أفالطون جرأة تفرض اإل

.كالم عن ثقة الفيلسوف باقتدار الصور المثالية الذي ال يغلبالذي خلطه الصانع وقسمه » ه وما هو آخرما هو عين ذات«فمن خليط

طبقا لسنن رياضية، يؤلف شريطتين ويصالبهما الواحدة فوق األخرى، مثل وإحدى هاتين الشريطتين وضعت حتما من داخل، . »X«قوائم حرف خي

واألخرى من خارج، ثم يحني هاتين الشريطتين المصلبتين، بحيث تتالقي

-٧٩-

وهذه العملية تعطي دائرتين . طة تقاطعهماأطرافهما في نقطة مقابلة نق .متداخلتين الواحدة خارجية والثانية داخلية

ولذا . وقد الحظنا من قبل أن تركيب الخليط ليس متجانسا تجانسا مطلقاما هو عين « يمكن الشريطة الخارجية أن تستمد من مشيئة اهللا حركة جوهر

» ودائرة اآلخر«. »اآلخر«ة جوهر ، وأن تستمد الشريطة الداخلية حرك»ذاتهوالدائرة . تقسم إلى ست دائرات متداخلة تقابل مدارات الكواكب السيارة

.ال تقبل تقسيما ما» ما هو عين ذاته«الخارجية، دائرة

أبعاد الكواكب السيارة– ٢

، ١: تقابل ألول وهلة حدود سلسلة روح العالم» اآلخر«إن أقسام دائرة d ٣٦(وهذه األعداد تشير حسب مقطعين من حوارنا . ٢٧، ٨، ٩، ٤، ٣، ٢

وقد قيست تلك األبعاد . إلى أبعاد الكواكب التائهة عن األرض) d ٣٨و القمر : وهذه هي تلك األبعاد. بالنسبة لبعد القمر عن األرض، كوحدة قياسية

هذا . ٢٧، زحل ٩ ، المشتري٨ ، المريخ٤، الشمس٣ ، الزهرة٢ ، عطارد١ .ي على أي معطيات فلكية يركز أفالطون هذه األرقاموال ندر

) وما يليc ٦١٦(سطورة الباب العاشر من الجمهورية أولكن مقطعا من ففي هذه األسطورة، يصف أر . يراسيجعل تفسير نصوص التيمئس هذه ع

بعد البمفيلي ابن أرمينيس رؤيا رآها حيا، وال يستطيع اآلخرون أن يعاينوها إاللقد شاهد، وفي البدء من بعيد، نورا يشبه قوس قزح، : الموت، على الوجه التالي

وقد . ولكنه أسنى واصفي يخرق األرض والسماء من أقصاها إلى أقصاهاط توصد السماء وتشدها إلى مركز العالم، كأنها مراسي انطلقت من ذلك النور رب

وقد انتصبت تلك . »ة الضرورةوشيع«ومركز العالم الوضاء هذا هو . سفينة .الوشيعة عموديا من أطراف الكون، وحولها يتم دوران الكواكب

-٨٠-

وهذه الوشيعة لها واسطة مركزية من ماس، مروسة األطراف، يحدق بها وهذا الغمد نفسه تؤلفه ثمانية أغماد أو ثماني حلقات منوعة الضياء ومختلفة . غمد

.ا في بعض كآنية متفاوتة الحجم أو القطروالحلقات تتداخل بعضه. األلوانوقد تمكن آر من موقعه على خط االنحناء، أن يعاين تقاطع األغماد

فالحلقة الخارجية هي األوفر . المختلفة الكثافة على بقع تقاطعها. الثمانيةثم تأتي بعدها، من المحيط إلى الوسط، أضيق الحلقات، فالتي قبل . عرضا

، فالثالثة في العرض، ثم السادسة والخامسة، وأخيرا في األخيرة في العرض .جوار المركز الرابعة عرضا

هذا، وان تلك الحلقات تدور على نفسها بسرعة تتفاوت من واحدة إلى خالف في دورانها اتجاه أكثرها سرعة، أي اتجاه الحلقة توهي . أخرى

اليمنى، في حركة بيدها المصائر الثالث إحدى اكلثوالخارجية التي تدفعها ).c ٦١٧(من اليسار إلى اليمين تتجه إذن

ويتضح، من وصف أفالطون ومن األلوان التي يشير إليها، أن الحلقات في (وهذه الكواكب يرتبها . تقابل فلك الثوابت وأفالك الكواكب السيارة

الوسط، أي إذا انطلقنا من المحيط إلى . ترتيبها في حوار التيمئس) الجمهوريةفنحن نلقى تباعا زحل فالمشتري فالمريخ ثم الشمس والزهرة وعطارد

ثم نجد أن للقمر . وسرعة الدوران القصوى هي سرعة فلك الثوابت. والقمروأخيرا أن المريخ . ولعطارد وللزهرة وللشمس سرعات مماثلة بعضها لبعض

.يتحرك هو والمشتري وزحل بسرعة واحدةغير أن نص . تقق إجماال ومعطيات حوار التيمئسإن هذه اإلشارات ت

إن حلقات . الجمهورية يسوق أمرين غريبين طال ما أقلقا راحة الشراحالكواكب، إذا نظر إليها المرء من خط االستواء في نقاط تقاطعها، تبدو ) مدار(

صطف بعد الحلقة الخارجية األوفى عرضا ت. مشافر التقاطع ذات كثافة متباينة

-٨١-

بحسب كثافتها المتناقضة، حلقات المريخ فالقمر فالشمس فالزهرة، ثم .وليس من عالقة بين هذه الكثافات وأعداد سلسلة التيمئس. المشتري وزحل

فهل الكثافة التي يتكلم عنها أفالطون هنا، هي كثافة جدران الكرات في مذكرة وضعها ) Th. Martin ()١(انتالسماوية المختلفة، كما فرض ذلك مر

؟ ففي هذه الحالة ينعدم التآلف بين كثافة الكواكب السيارة وكثافة ١٨٨١سنة ومن جهة أخرى تنفي جملة النظام الفلكي األفالطوني . هذا من جهة. األكر

.وجود مجاالت فارغة بين الكرات التي تتالمس حتماالتي يتم فيها وهل يشير أفالطون إلى اختالف البعد، باختالف الزاوية

رصد الكواكب، كأن ترصد من خط االستواء أو من نقطة أخرى مصعدة أو منحدرة نحو أحد القطبين؟ وقد بدأ مرتان نفسه وفرض هذه الفرضية في

الجمهورية ال يوفر عنصرا ما يسمح بهذا التفسير المعقد . التيمئس إال أن نصهذا، وإن أفالطون ال يشير . يما بعد قد عدل عنه فهن واضعأجدا، السيما و

كما يقبل به ثيئن –في الجمهورية إلى نسبة أحجام الكواكب المختلفة هم أن القمر أضخم من – )٢(اإلزميريألن أفالطون في تلك الحال، قد يتو . وهذا ال يحتمل قطعا)٣(الشمس

لذي قر يداني، دونما ريب، التفسير ا) لنص الجمهورية(فأبسط تفسير وهو أن الحلقات الملونة الوافرة أو الزهيدة العرض، التي . عليه مرتان أخيرا

هورية، تقابل األرجاء السماوية الداخلة في مجال كل ميشار إليها في الجوالحال أن ال شيء . كوكب بمفرده، والخاضعة لفعله، والغارقة في ضيائه

على إحدى ) في مداره(يؤكد لنا أن الكوكب قد وضع ) في الجمهورية(فيمكن على هذا . الدائرات التي تحد حلقته الخاصة من الداخل والخارج

(1) Mémoires de l'Académie des Inscriptions. 1881. 30. 1. p. 101. (2) Ed. Dupuis, p. 234. (3) Cf Duhem. Ie Syteme du Monde, 1. p. 64.

-٨٢-

وهذا القانون ال . الوجه، أن تنظم أبعاد المدارات بحسب قانون التيمئس العددييتيح تعيين منطقة ينفذ إليها أثر كل كوكب، وال اتساع البقعة التي يسيطر

.عليها في السماء

ات الكرة السماوية حرك– ٣

وليس له » اآلخر«لدوران » ليس موازيا«إن دوران ما هو عين ذاته أي من (تجري من اليسار إلى اليمين » ما هو عين ذاته«فحركة . نفس االتجاه

وحركة . وفي اتجاه ضلع من المتوازي األضالع) إلى الشرقبالغرفي اتجاه ) إلى الغربأي من الشرق (مندفعة من اليمين إلى اليسار » اآلخر«

.قطر المتوازي األضالع عينهفيثبت لنا هكذا، دون أن يؤكد ذلك أفالطون، أن الدائرة الخارجية هي

فإذا رسمت الكرة . دائرة خط االستواء، وان الدائرة الداخلية دائرة االنحناء االنحناء يمثله ط االستواء يمثله القطر، وخطالسماوية على مسطح، فخ

شماال (، الواصل بين أطراف خطوط العرض المتوازية »يم المنحرفالمستق« ).وجنوبا

ما هو «فحركة دائرة . إال أن نص أفالطون يحوي إشارة كأنها لغز الحركة النهارية، التي تدفع الكرة السماوية في خط جلياهي» عين ذاته

إلى الغرب ) اليمين(والحال أن الدوران النهاري يتم من الشرق . يوازي األفقوعلى عكس ذلك، تظهر ). ٣٦c(باتجاه اليمين » إبذكسيا«وليس ) اليسار(

حركة الكواكب لمن يرقبها متجهة من الغرب إلى الشرق أو من اليسار إلى الجمهورية هذا، وإن إشارة تماثل إشارة التيمئس قد أعطيت في أسطورة. اليمين

)٦١٧: ١٠c .( يدها اليمنى على حركة الحلقة الخارجية، بتحافظ فإن اكلثوغير أن أفالطون ال يستطيع . الداخلية الحلقاتوبيدها اليسرى على حركات

-٨٣-

ر إليه بالضبط شيوهو في الواقع ي. أن يجهل اتجاه الحركات السماوية الصحيح ).٧٦٠d: ٦(في الشرائع

، )١( العالموعالوة على ذلك، فقد سمى األقدمون الشرق إجماال ميمنةتفسير إلى العقل قد اقترحه قرب فكيف نفهم كالم أفالطون في التيمئس؟ إن أ

إن اليمين الحقيقية، عندما نعتبر السماء : )٢(افركرلي هو وغيره من الشراح. حلقات متداخلة أو كرة ممثلة على مسطح، تحاذي يسارنا، والعكس بالعكس

و متجه في الواقع همتجها من اليسار إلى اليمين، ومن ثم كل دوران يبدو لنا وأفالطون يلمح مرتين في التيمئس إلى المفاعيل . من اليمين إلى اليسار

.)٣(الغريبة الممكن أن تنشأ عن مواقع الشيء المدرك بالنسبة لمن يدركه

: فرضيات أفالطون الفلكية– ٤

رات منتظمة ال يتغير حاول بواسطة دوتكل نظرية أفالطون الفلكية ما هي حركات الدوران «. اتجاهها، أن تفسر ظواهر الفلك غير المنتظمة

انتظاما كامال، التي يجمل أن يتخذها المرء كفرضيات، ليتمكن من المنتظمة إن نص سمبلتشيس هذا » المحافظة على الظواهر التي تبدلها الكواكب التائهة؟

، عن )٢(، يعبر خير تعبير، على حد قول دهيم)١(في شرحه كتاب السماء .مشاغل الفلكيين اليونان من عهد أفالطون

إننا نالحظ في حركة الكواكب السيارة الظاهرة ثالث مخالفات رئيسية . فهي تبدو أوال وكأنها تتحرك على خط االنحناء بسرعة غير منتظمة: للنظام

. وما بعد٦، ٢٨٤، ٢: ٢أرسطو، كتاب السماء ) ١ () ٢ (Fraccarolli o. c. p. 192. ) ٤٣) ٣ e ٤٦ و b.

.، هيبرج٤٩٣ و ٤٨٨: ١٢: ٢كتاب السماء ) ١( -٤

.١٣ ص ١، نظام العالم ، Duhemهيم د) ٢(

-٨٤-

ويبدو ثانيا أنها . طأ في جريها الظاهرفيظهر تارة أنها تنشط، وتارة أنها تتبابل يظهر من حين إلى حين أنها تتقهقر عائدة إلى تتوقف أحيانا توقفا تاما، ال

. أخيرا يتهيأ للمرء أنها تنحط مرة عن خط األفق ومرة تصعد فوقه. الوراءسيطا قدر ولذا اهتم القوم أن يجدوا مركبا من الحركات الدورانية المنتظمة، ب

:وإليك فرضيات أفالطون). الفلكية(المستطاع، يفسر كل الظاهر إن فلك الكواكب الثابتة ينجز دورته في مدار يوازي خط االستواء، من –١

الشرق إلى الغرب بسرعة منتظمة، هي أقصى سرعة تبلغها األجرام .السماوية، فيجر في دورانه كل الكواكب الثابتة

السيارة كلها، السيما الشمس، تتحرك على مستوى خط إن الكواكب -٢وهي تتجه . االنحناء، فتختلف زوايا سرعاتها المعاكسة لحركة فلك الثوابت

والكواكب الثالثة الداخلية، أي عطارد ). d ٣٨هنا (من الغرب إلى الشرق والزهرة والقمر، ومداراتها واقعة بين مدار الشمس واألرض، تتحرك

أما الكواكب الخارجية، أي المريخ والمشتري ). a ٣٩(اوية بسرعات متسوزحل، فهي تتحرك في اتجاه واحد، وبسرعة تنقص من واحد إلى آخر،

وتأتلف هذه الحركات ) . a ٣٩(يقترب من محيط منظمة الكواكب بقدر ماالمختلفة بحيث تسيطر حركة فلك الثوابت على حركة أفالك الكواكب

) . a ٣٩( جريهازئيا فيالسيارة وتجرفها جنحناء من وهكذا، عندما تجتاز سيارة قوسا في جريها على خط اال

الغرب إلى الشرق، فهي تجر في الوقت ذاته من الشرق إلى الغرب بحركة جا أو لفيبدو أنها تخط في جريها خطا منحنيا وإهلي. فلك الثوابت المنتظمة

.)٣(سير لفوه على أسطوانةلولبا، يشبه لوالب الكرمة أو شكل

ـ، وثيa ٣٩ التيمئس )٣( .٣٢٨، دوبوي ص ٤٣ن اإلزميري، الفلك ـ

-٨٥-

ومثال ذلك أننا إذا رصدنا الفلك من مكان واقع على أحد خطوط العرض الجنوبية، يوم االعتدال الربيعي، بدت الشمس على األفق في نقطة

وهذه النقطة تحط في السماء قوس دائرة . تقاطع خط االستواء وخط االنحناءة كبرى، تقطع الطول الماربالموقع الذي نرقب منه، على بعض استوائي

ط خونالحظ في الغداة أن الشمس قد تقدمت على . االرتفاع فوق األفقوال تبرح . االنحناء من الغرب إلى الشرق، وأنها قد ابتعدت عن خط االستواء

ففي . دورات الشمس تضيق يوما بعد يوم حتى تبلغ الشمس انقالبها الصيفيقد بلغت أسمى ذروة فوق األفق ودارت أضيق ذلك الحين، تكون الشمس وبعد االنقالب الصيفي تنحدر الشمس شيئا فشيئا، . دوراتها، دورة السرطان

وتتسع دوراتها تدريجيا حتى االعتدال الخريفي، وهو اليوم الذي يلتقي فيه مدار أخيرا بعد اعتدال الخريف، تأخذ دورات الشمس. الشمس الظاهر بخط االستواء

تضيق، ولكن هذه المرة تحت خط االستواء حتى االنقالب أو الميل الشتوي، وهو .اليوم الذي تقطع فيه الشمس أصغر دوراتها تحت األفق، دورة الجدي

والحال أن تصعيد الشمس أو هبوطها الظاهرين، يجريان بسرعة هي أوفر في الفترات القريبة في الفترات القريبة إلى االعتدالين الربيعي والخريفي، وأقل

وعالوة على ذلك، ففي هذا االئتالف من . إلى االنقالبين الصيفي والشتويالحركات، يبدو أن الشمس في تنقلها على خط االنحناء، تقفز قفزا في مرورها

فترسم في جريها لولبا تضيق حلقاته كلما . من خط مواز لالستواء إلى خط آخرين، وتتسع في جوار أحد خطي العرض الموازيين لخط اقتربنا من أحد االنقالب

.وما يصح في الشمس، يصح أيضا في سائر الكواكب التائهة. )٤(االستواء

كلما «: ولو تابع فكرته وقال. إن صاحب المقدمة يريد بدل خطي العرض، خط االستواء )٤(ر أحد خطي نقالبين تكون بجواألن الشمس في أحد اال. لما أخطأ» اقتربنا من أحد االعتدالين

. وهذا ما يقوله هو نفسه. أضيقودورتها أنئذ. العرض الموازيين لالستواء شماال أو جنوبا )المعرب. (وفي أحد االعتدالين تكون بجوار خط االستواء، ودورتها أوسع عندئذ

-٨٦-

ثم إن الشمس ال تنتقل بسرعة واحدة في جريها على كل من أجزاء خط فإن فرضنا أن األرض واقعة في وسط العالم بالضبط، وأن وسط العالم . االنحناءومركز صورة مدار الشمس، فاألقواس األربع المؤلفة ذاك المدار يجب أن يلتقي

يتن كان م والحال أن األرصاد التي. تظهر لنا أنها تقطع في فترات متساويةفالمدد الحقيقية لكل من . وإفكتمن قد باشراها، تثبت أن مسير الشمس غير منتظم

٩٢، وللصيف ٢٣ يوما و٩٤لربيع ل: الفصول األربعة كانت في زمن أفالطونيتقدم ، وأفالطون ال٥٠ يوما و٩٠، وللشتاء ٥٢ يوما و٨٨، وللخريف ١يوما و

.، مع أنه ال يجهل تلك األرصاد)لهذه الفروق(بأي شرح أما الكواكب السيارة بالذات، فهناك أحداث عدة تتعلق بها وتتطلب

.تفسيرا خاصاارين األسفلين يتنقالن حول األرض بسرعة لقد رأينا أن الكوكبين السي

فينتج عن ذلك أنه البد للزهرة مثال أن تظهر لنا دوما . تعادل سرعة الشمسوالحال أنها تارة تتبع الشمس وتارة . على بعد واحد من الشمس ال يتغير

ولهذا . تسبقها بدرجات في اتجاه الشرق، أو تتأخر عنها درجات نحو الغرب امن هسبير(زهرة على السواء كوكب المساء أو الصباح السبب تدعى الومن ثم يضطر أفالطون أن يفرض أن ). حامل الفجرسالمساء وهئسفيور

للزهرة حركة خاصة مضادة، تحملها تارة على الدنو من الشمس وتارة على ).a ٣٩(االبتعاد عنها

أن ال تجري من وعالوة على ذلك، فإن الكواكب السيارة ال تكتفي بالغرب إلى الشرق بسرعة واحدة، بل تبدو أحيانا وكأنها ناكصة على األعقاب وسائرة من الشرق إلى الغرب، نحو بعض الكواكب الثابتة، وقد بدأت وتناءت

وعند ابتداء الحركة الخلفية، ولدى انتهائها، يتهيأ للرائي أن الكوكب . عنها . توقفا كامال عن الحركةالسيار متوقف فترة وجيزة من الوقت

-٨٧-

فهو يلمح في الواقع إلى . يجهل أيضا هذه الظاهرات إن أفالطون الأجواق الكواكب الراقصة وإلى قرانها، وتقدم بعضها على بعض، وتقهقر

وقد . وكلمة برفلي ربما تدل على تجاور كوكبين متباينين). c ٤٠(مداراتها ي في نظره ابتعاد كوكب عن آخر طوال أو فهمها ابركلس على هذا النحو، فه

.ذا طلعا أو غارا في آن واحد تقريبا، كالزهرة والشمس مثالإعرضا، وكلمة ابرسخريس أي التداني، تعني في نظره أيضا تداني مدارات

عندما تتقدم الكواكب، فهي تسبق مواقعها «: الكواكب بعضها من بعضويريد المواقع التي يفرض أن تبلغها . فترةالخاصة التي تبلغها فترة بعد

وهذا تقريبا ما يسميه ثيئن اإلزميري .الكواكب لو كانت حركتها منتظمة .)٥(س أي تقدمسابرئيغ

ويقول لنا ابركلس أن اإلبنككليس أي تقهقر الدوران هي نفس ة أنبذسموس أي وثيئن االزميري يسمي هذه الظاهر. اإلببذسموس أي النكوص

ولكن إن عرف أفالطون هذه األحداث فنحن ال نجد في . )٦(عودة إلى الوراءنظرية : التيمئيس أثرا للنظريتين اللتين نشأتا في عهد إيفدكسس لتفسيرها

.)٧(الدوائر الالمركزية ونظرية الدوائر المتداخلة

: موقع األرض وجمودها أو سكونها عن الحركة– ٥

وأفالطون ) bc ٥٤٠( واقعة في النقطة المركزية من العالم إن األرضفإذا . يعمد لتعيين موقعها ووصفه إلى كلمة نقلها النساخ على أوجه مختلفة

كثر المخطوطات األخرى تحوي أ ملتفة، فإن ١٨٠٧قرأنا في نسخة باريس .وهذا الخلط بين معنى وآخر يسهل تفهمه. مختلجة

٠٢١دبوي، الفلك، ) ٥(

. ٢٤١ص ٢١ دبوي، الفلك، )٦(

. ١١١م ص .يبرج، دهيم م، ه٤٨٨ سمبلتشيس، في السماء، ص )٧(

-٨٨-

حول » ملتمة مكبكبة ملتفة«لقراءة، فاألرض فإن قرأنا وقبلنا بهذه ا» تختلج وتتراوح وتتأرجح«وإن قرأنا القراءة الثانية، فهي . )١(محور العالم

ودافع برنت . حول ذاك المحور وقد أخذ بالقراءة األولى كثيرون ومنهم بيخ .)٢( عن الثانية بحجج قوية جدامن جديد

أوال شهادة أرسطو الصريحة، تدعهما لتأييد هذه القراءة الثانية هناك يقول بعضهم إن األرض موضوعة في المركز، «: ئسيممخطوطات كثيرة للت

. »)٣(ئسيموإنها تختلج حول المحور الممتد خالل الكل، على ما كتب في التتختلج : (ئس تضيفيموبعض مخطوطات كتاب السماء وعدة مخطوطات للت

إن الذين يضعون «: )٤(عد هذا المقطع بقليلألم يكتب أرسطو ب). وتتحركاألرض في مركز العالم يقولون إنها تختلج وتتحرك حول المحور

.»المركزيألن أرسطو ما برح عضو األكذمية . إن هذه الشهادة تبدو قاطعة لبرنت

فكيف كان من الممكن أن يسيء فهم معنى تعليم . ئسيمعندما ألف حوار التئس، من جهة أخرى يحوي كلمة يم؟ وإن نص الت)٥(عالم أستاذهأساسي من ت

)Tin (وهذه األداة تتطلب فعال يدل على الحركة)وفضال عن ذلك، . )٦ يمكن أن معنى انتقادات أرسطو؟ فاألرض، على ما يؤكد كتاب السماء، ال ما

ها مثل تكون ل إذ أوال ال. في مركزها وال خارجا عنه تفرض لها الحركة، ال

. ، هيبرج٥١٨سمبلتشيس، في السماء، ص )١( - ٥

)٢( Early greek philosophy, 3e éd. p. 302 et suiv. Cf: K. Burdach: die Lehre (Neue iahrb. f. d. kl .Alt. 1922. p. 254).

.٣:٧٦ راجع ذيجينس الالئرتي، ٣٠ b ٢٩٣: ٢:١٣ كتاب السماء )٣(

)٢٩٦: ١٤ )٤ a : ٢٦ ٢ حاشية ٣٠٢ص . م. م )٥(

.٣حاشية . م. ن )٦(

-٨٩-

ألن الحركة الطبيعية لعنصر األرض تحمله . »حركة طبيعية«هذه الحركة ثم إذا قبلنا بحركة مماثلة لألرض، فإنه ينشأ عنها حركتان . نحو المركز

ودمج هاتين الحركتين أو . حركة األرض وحركة الكرة السماوية: مختلفتانات ظاهرة في التأليف بينهما قد يظهر بشطحات على خطوط العرض، أو برد

أي (أخيرا إن حوار اإلبنيمس . يحدث أبدا وهذا ما ال. سير الكواكب الثابتة، وهذا )b ٩٨٧(يؤكد حركة األرض حول محورها ) التعقيب على الشرائع

.الكتاب إن لم يكن من أفالطون، فهو يبدي آراء أفالطونيةال النصوص فلنتفحص أو. تبدو لنا قاطعة بيد أن هذه البراهين ال

فالطون من المقوالت مرة أيحتمل أن يكون عند «إن القراءة األولى . بالذاتنرى وعلى عكس ذلك توجد القراءة الثانية مرتين أخريين في هذا ما. واحدة

). e ٨٦ و b ٧٦(ملتف مكبكب : وفي كلتا الحالتين لها نفس المعنى. التيمئسإنه يقول . أ في نصنا القراءة األولىهذا، وليس بأكيد أن أرسطو نفسه قد قر

كما . ..إن بعض المؤلفين يؤكدون اختالج األرض حول محور العالم«لنا فقط .»ئسيمكتب في الت

أليس في كالمه تلميح إلى بعض تأويالت حول مقطعنا ربما أثيرت في يضمن قطعا قراءة دون األكذمية حاال بعد موت أفالطون؟ إن أرسطو ال

وهؤالء هم . ن بعض تالميذ أفالطون قد تبنوهاأوهو يؤكد لنا فقط . أخرىإال أن تلك التعاليم تتضمن . الذين يطلعنا كتاب اإلبنميس على تعاليمهم

.تصحيحات هامة جدا أجروها على التعليم الفلكي األفالطوني؟ أوليس ) ٩٩b(ألم يبرهن أفالطون في حوار فيذن عن سكون األرض

ئس ذاته تذكير واضح جدا لذاك التعليم؟ فمن خواص عنصر األرض، يمفي الت، ٦٣a و ٦٢d؟ وفي الفقرتين )e ٥٥(أليست كراهيته الحركة خاصة رئيسية

يهوي أبدا ال«يشرح لنا أفالطون أن جسما قائما في مركز العالم متوازنا،

-٩٠-

أنكسيمندرس، يصح وهذا البرهان، الذي يقول به بعد . »نحو أحد طرفي العالمألن موقعها المركزي كاف ليضمن لها السكون . تماما في األرض

ئس على يمأخيرا، كل تفسير الظاهرات الفلكية مبني في الت. )٧(والجمودإذ حولها تتنقل، بسرعات متباينة، أكر الكواكب . فرضية سكون األرضفنظرية الظواهر فإن كان لألرض حركة خاصة، . السيارة وفلك الثوابت

وال بد عندئذ من إحالل بناء جديد كامل محل . السماوية تغدو برمتها مغلقةئس وقد أشار يمنجد أثرا لهذا البناء في حوار الت ونحن ال. تعليم حوار فيذن

: ٧(بعضهم إلى تشخيص أولي لمثل هذا البناء في نص من نصوص الشرائع ٨٢٢a .( عوا في معنى ذاك المقطعلئك قد تأوإال أنألن أفالطون يؤكد . وس

ئس، انتظام حركات الكواكب الحقيقي، خالفا لما يمفيه فقط، كما فعل في الت .فيها من خلل ظاهر

فالطونية، ريب أن البعض شرعوا، فيما بعد وضمن المدرسة األ وال على يحورون نظرية أفالطون، ليوفقوا بينها وبين فرضية دوران األرض

ومالحظة لتشتشرو في أكذمياته األولى، تساعدنا على فهم ما ربما . محورهاإن اتشيتشرو يأتي على ذكر هكيتس السركوزي، ويعرض . قد جرى عندئذ

بصورة مستهجنة رأيه في حركات الشمس الظاهرة، وتفسيره لها بدوران القول وبعضهم يعتقد أن أفالطون نفسه يقول هذا«: األرض، ثم يضيف .»)٨(ئس، ولكن على وجه أكثر غموضا بقليليمبالذات في حوار الت

أن ذاك الرأي لم يعم قبوله في (Ciceron) فنحن نرى من عبارة قيقرونئس ليبرروا تأويلهم، يمفلم يتورع المجدون عن تصحيح نصوص الت. المدرسة

.b١٠ ٢٩٥: ١٣: ٢ أرسطو، كتاب السماء، )٧(

)٨( Les premiers Académiques 2,39,123: «Atque hoc etiam plotonem in Timaeo dicere quidam arbitrantur, sed Paulo obscurios».

-٩١-

ستعمله أفالطون فاستعاضوا عن الوضع الذي ي. ويستشهدوا بأقوال المعلمال ) إليمينن(ألن كلمة . وإن كان غير مالئم تماما للمقام. بوضع يدانيه بشكله

تدل على دوران حقيقي قدر ما تدل على تمايل وتأرجح األرض حول وهذه الكلمة ال يمكن تفسيرها إال بضرورة المحافظة في النص . محورها

.خطوطات األصليةالمستجد على شكل يقربه أكثر ما يكون من نص الم

وهكذا فاألرض الساكنة عن الحركة الصقة ملتزة بذاك المحور، الممتد محور الكون قوامه ) b c ٦١٦: ١٠(وفي أسطورة الجمهورية . خالل العالم

خالل السماء » ممتد أو مسحوب«وأفالطون يقول لنا عنه إنه . عمود من نور، لتحقق ارتباط )c ٦١٦(مود كما أن األوصال المنطلقة من ذلك الع. واألرض

ويبدو أن تلك األوصال هي خطوط . »مسحوبة«الكل، هي أيضا ممتدة .الطول، كما تمثلها الحلقات الكبرى الثابتة في رسم مسطح للفلك

وفي مقطع من . فأفالطون يستعمل هكذا كلمة بولس استعماال جديداوشارح . لف عن قطبي الكرةحوار اكرتيس يكلمنا عن قطب أطلسي يخت

إن «: يبدي بشأنه هذه المالحظةDielsأرستفانس في نص يذكره ديلز األقدمين ال يسمون قطبا كالمحدثين حدا أو طرفا من طرفي محور العالم،

.)٩(»ولكنهم يسمون قطبا ما يكتنف الكل

صورة العالم– ٦

امل االستدارة ولكن العالم، حسب معطيات التيمئس، كروي مستدير كإن صح قول أفالطون في كرة النجوم وروح العالم، فهل انتظمت الكواكب السيارة على كرات أو اسطوانات، وهل األرض نفسها ذات شكل كروي؟ أو

.١٧٩تعليق على الطيور، ش ) Vorsokratiker 3,2,p,318, 30 ( ٨١اكرتيس مقطع )٩(

-٩٢-

سطورة الجمهورية تتركنا أإن مطالعة . هي تحتفظ بشكل أسطواني مفلطح .حائرين مترددين

ألن أفالطون ال يكتفي بأن . ع مجاال للشكإال أن نصوص التيمئس ال تديؤكد في حزم كروية العالم برمته، بل يقبل ضمنا أن األرض نفسها تجاري

وأرسطو يستوحي دوما في كتاب . شكل الكل، وقد احتلت منه موقع المركز .السماء استنتاجات حوار التيمئس

-٩٣-

الفصل السادس ل والعناصر نظرية احمل

احملل: ولالبحث األ

: مقام نظرية المحل- ١

إن أفالطون قد عرض هكذا كل األحداث المتعلقة بنشأة العالم، دون أن يتكلم مرة واحدة وبعبارات واضحة، ال عما نسميه المادة وال عما ندعوه

. إذ يبدو أن العناصر التي يتألف منها العالم هي حقيقة مثالية محضة. المكانة تقابل أشياء واقعية ويلزمنا مجهودل وافر لنتمثل أن تلك الطبائع المثاليتخي

.محسوسة كالسماء والكواكب واألرض التي نقطنها غير أن المنهج . ومن اآلن فصاعدا نأتي إلى شرح األمور المنظورة

ألن أفالطون يعمد دوما إلى براهين تجريدية، ينقلها فيما بعد إلى . يتبدل البل يترك لنا أغلب األحيان عناء نقلها نحن إلى هذا لمحسوس، الالصعيد ا .الصعيد

ألنه اكتفى . وإلى اآلن لم ير نفسه مضطرا إلى إدخال مفهوم المحلونظرية المحل . لبناء كل علمه الفلكي» واآلخر» «ما هو عين ذاته«بمفهومي

من فهم بعض تمكن ترد إال بصورة عارضة، وبمقدار ما والعناصر ال

-٩٤-

األحداث المتعلقة بإدراك الحواس وال يعرض أفالطون لمسألة طبيعية المحل و e ٤٧(إال بداعي طبيعة العناصر، وبوجه أعم بداعي إنجازات الضرورة

٤٨a .(ر بعض خصائص اإلدراكووجود . ووجود العناصر من شأنه أن يفس .غير المفهوم منطقياالضرورة من شأنه أن يفسر وجود المحل، ذاك الوجود

: الضرورة–٢

. إن مولد العالم قد فرض تدخل العقل والضرورة في آن واحدوضروري أوال ماال . والضرورة مرتبطة برباط أزلي بكل وجود معقول

يستطيع الشيء أن يكون بدونه، ما ينجم عن طبيعة الشيء الخاصة واليمكن إذا وجدت تشمل رغبات ال مفر أن يفارقه مثال ذلك الطبيعة البشرية فهي

فهذه الضرورة المرتبطة . منها، وبدونها ال يستطيع جوهر اإلنسان أن يتحققوال يمكن أن تفسر تفسيرا . )١(تقاوم، وتفرض على اآللهة أنفسهم بالماهية ال

ألنها في الواقع تتعلق بتعدد الماهيات وبحد هذه . هوم الخير وحدهفتاما بم. وقد بين أفالطون ميزتها هذه في حوار السفتي. ات بعضها بعضاالماهي

فالضرورة تفرض ضربا من القدرة المنطقية تفوق من بعض الوجوه الجمال .بالذات

هذا، ويضيف أفالطون أحيانا إلى هذه الضرورة المنطقية شكال آخر العلة فتدخل. )٢(من الضرورة، صادرا عن فعل عفوي من إرادة اآللهة

الضرورية ال مفر منه حيثما نلقى كثرة من الحدود القابلة أن تؤلف كال واحدا وبفعل » الحي بذاته«ومن ثم ال بد أن تحصل حتى ضمن عالم المثل و

أن يوجد كل على حدة » الواحد الفرد«وال » المتعدد«الضرورة ال يستطيع ال

١( -٢( رستغور٣٤٥ اب d ٧٤١: ٥، الشرائع a ،٨١٨: ٧ b. .b ٨١٨: ٧الشرائع )٢(

-٩٥-

ا لقوانين منتظمة ليؤلفا كونا بصورة مطلقة، وإنما عليهما أن يختلطا طبق .واحدا

يذكر في وضوح باستنتاجات السيفستي والحال أن ) ٥٢c(والتيمئس ، وهي التعبير عن الضرورة، إذا كانت تضمن على الصعيد »اآلخر«فكرة

المنطقي ترابط األجناس وافتراقها معا، فعلى الصعيد الطبيعي سوف تتيح ونظرية المحل تبرز في . شياء وتعاقبها في مكان واحدطبيعة المحل تمييز األ

.التيمئس بمثابة بديل طبيعي لنظرية جدلية

: صعاب مشكلة المحل– ٣

. وهذا اإلبدال أو النقل من صعيد إلى صعيد هو في غاية العسروارتباك أفالطون الحقيقي أو المفتعل، في الصفحات الثالث المخصصة

فالطوني وجملة المذهب األ. ي ليثبت لنا ذلك العسرلعرض نظرية المحل، يكففنحن ال نعرف إلى اآلن . يفرض في الواقع على هذه المسألة شروطا معقدة

من التيمئس وما سبقه من حوارات، سوى وجود مثل أو صور من جهة، ونعرف أيضا أن هذا . ووجود تحول وصيرورة بال نهاية من جهة أخرى

فالمثل والصيرورة، النموذج والنسخة، هي : نسخة نموذجالعالم المحسوس هوونظرية . يمكن أن يوجد غيرها والحال أنه ال. األمور الوحيدة التي نعرفها

.التيمئس كلها سوف تثبت هذا التعليمفالعالم مكتف بذاته، والشيء خارجا عنه، وال مجال بالنهاية يمكن له

وهذه هي النتيجة األخيرة . مطلقةوالعالم وحدة . أن يتنفس فيه ويتحرك .لخطاب تيمئس

والعملية التي يولج بها الصانع النظام في الصيرورة، ال تخلق أي كائن إنها تنظم فقط الحي المحسوس على غرار الحي . جديد وال أية مادة جوهرية

-٩٦-

فكيف نفقه في هذه الشروط وجود مكان متميز عن الصور وعن . المعقوللو كان أفالطون قد قبل بمكان فارغ نظير مكان الذريين الصيرورة معا؟ ف

ألن . والحال أنه لم يفعل. للزمه أن يقحمه في بناء روح العالم أو قبة السماءفال يستطيع المحل إذن أن . قبة السماء موجود في التيمئس قبل أن يولد المحل

ن له مبدؤه وإن كا. يكون واقعا من رتبة المثال أو الصيرورة، ومن منزلتهماأو باألحرى أساسه في عالم المثل، يمكن أن يوجد بين الصور الصرفة فراغ

وعلى عكس هذا، ال يوجد في عالم . لم يكن مكانا رمزيا حقيقي أو مكان، ما .الطبيعة مكان النهاية له تأتي األشياء المحسوسة وتنتظم فيه

ال في عالم فال يمكن أن يدرك المحل مباشرة، ال في عالم المثل ووهذا . وليس له سوى وجود مستمد عابر، وفي الغالب غير مدرك. األجسام

والبرهان على وجود المحل . ما يسم عرض أفالطون باللبس والغموضيضاف إليها » ماهية«يمكن أن يكون منطقيا فحسب، ألنه يدور حول ال

ن الخبرة، وال يمكن أن يكون مستمدا من الخبرة، أل. موجود تدركه الحواسولو حباها أفالطون بعض النفوذ، ال تستطيع أبدا أن تكشف لنا حقيقة المحل

وهو حل وسط بين القياس . »هجينة«فميزة ذاك البرهان إذن . في ذاتهوكل مرة نحاول أن نتصور المحل في ذاته، يبدو لنا أننا في حلم . والحس

)٥٢b c .(لى إبراز فكرة واضحةوكذلك عندما نناقش أمر المحل ال نوفق إ .فالكبرى في قياسنا هي أن كل شيء في محل، أو أن الشيء خارج السماء

)٥٢ b .( ولكن هذه الكبرى في ذاتها ليست حدسا عقليا وال إحدى معطياتفما هي إال عبارة عن ضرب من الترابط الخارج عن نطاق . الحس المباشرة

يان كل مرة نتأمل الكثرة المنطق، والمبني على ضرورة عمياء تبرز للع .الواقعية

-٩٧-

: استعارات أفالطون–٤لتكوين فكرة عن المحل البد دوما من أن نفصل األشياء وأن نفكها عما

د هو عمليا شبه مستحيل التحقيق ومع ي، وذلك بفعل تجر»محل«تشغل من يستطيعان ذلك فهذا التجريد يفرضه علينا واقع التحول، ألن شيئين مختلفين الدون » آخر«أن يوجدا معا في محل واحد، وألن نفس الشيء يمكنه أن يصير

وقد . ذاته إال باستعارات» الموقع«نقدر أن نتخيل ومن ثم ال. أن يغير موقعهعمد أفالطون إلى استعارات عدة متباينة بعض التباين، قد أوقعت المحدثين

.في الحيرة واالرتباك بشأنهاتبرز، » وما عليه«تظهر األشياء، » فيه ما«، و»الموقع« و»فالمحل«

، واألم والمرضع )٨٨dو d ٥٠(، وبيت الرحم )b c ٥٠(والجسم القابل )٤٩ a ٥٢ و d ٨٨ و d( كل هذه التعابير تذكرنا بالمكان الذي يحوي ،

، )e ٥٠(القابل النقش » القالب«ثم يحدثنا أفالطون بعد ذلك عن . األشياءأي الجوهر الذي نقاه العطارون من كل رائحة ليبثوا فيه » المستحضر«عن و

).a ٥٠(أطايبهم، وعن الذهب الذي يؤتيه الصائغ شتى األشكال والصور وحسب التشابيه التي تسترعي انتباهنا، نحن نفكر تارة بالمكان الفارغ

الدائم الذي تظهر األشياء المنظورة، وتارة بالمادة أو الجوهر » الذي فيه« .تكون منه تلك األشياء على مايبدو

هل المحل هو المكان الفارغ؟–٥

ايكمن حل المشكلة السابقة في كون أفالطون يعتبر الجوهر واالمتداد أي » المحل«و» الموقع«أمرا واحدا، على نحو ما يعتبرهما ديكارت فيما بعد؟

لثة الجنسي؟ هذا هو التأويل ، أليس هو اسم الحقيقة الثا )a-d ٥٢(المكان وقد قبل به بعد كثيرين غيره آخر شراح الفيزياء . الكالسيكي منذ أتسلر

-٩٨-

األفالطونية، لويس روبان، وهو واحد من الذين هم أثقب نظرا بين أولئك .الشراح

؟ فأرسطو يقول إن )١(وهذا التأويل ألم يكن تأويل أرسطو منذ ذلك الحين أي من – يوحد بين المحل وبين حد الجسم أو غالفه يستطيع أن المرء ال

والحال . وال بينه وبين محتوى ذاك الغالف أي المادة–بعض الوجوه شكله : رسطو، هو رأي أفالطون، وفي التيمئس بالذاتأأن الرأي الثاني، في نظر

لذا قال أفالطون هو أيضا في التيمئس، إن المادة والمحل شيء واحد«و .»إذ القابل والمحل شيء واحد. بالذات

بيد أن أرسطو يؤكد لنا أن أفالطون قد حدد المحل تحديدا غير هذا ألنه في ذاك التعليم يوحد بين المشارك وبين . األخير في تعليمه الشفوي

.»الكبير والصغير«وهكذا فالمادة األفالطونية في نظر أرسطو هي واحدة بالذات والمحل،

ولكن على ما يبدو لنا، ليس هذا هو معنى النص المذكور القاطع . كانأي الموإنما يالحظ أرسطو ما أشرنا إليه منذ قليل، وهو استحالة فصل . في الظاهر

المحل عن األشياء التي تحتله، وفصل المادة عن المكان الذي تشغله، إال بدو بين فكرة ومن المحتمل أن يكون االختالف أقل مما ي. يفهم بتجريد ال

.»أفالطون في المحل وبين نظرية أرسطو نفسه بشأنه

: معنى النظرية األفالطونية المحتمل- ٦

لو شاء أفالطون فقط أن يفهمنا أنه يتكلم إما عن المكان الفارغ وإما عن جوهر األشياء المادي، أيعقل أنه قد القى في ذلك كل ما القى من صعوبة؟

ية والمذهب الذري كانوا منذ أمد بعيد قد عالجوا قضية فأصحاب النظريات الهندس

.١٢، b ٢٠٩: ٢: ٤كتاب الطبيعة )١(

-٩٩-

أما المادة فقد اجتهدت الفيزياء القديمة . المكان بدقة ال يتوخى المرء من بعدها دقة .أن تحدد طبيعتها وأن تعدد خصائصها

ولكن أفالطون أخذ . كال، ال يدور األمر حول تلقيننا وجود مكان أو مادة» اآلخر« لنا كيف أنه من التشتت المنطقي الناتج عن مفهوم على نفسه أن يبين

يصدر التشتت الطبيعي بدوره، أي استحالة وجود شيئين مختلفين معا في محل كما آلى على نفسه أن يحول إلى حقائق طبيعية مفاهيم من نوع منطقي أو . واحد

وهذا ال يمكن . وسجدلي محض، وأن يجوز من صعيد المثال إلى صعيد المحسمن البرهان، يلزمه أن » هجين«إال باالعتماد على االستعارات، وعلى ضرب

.يلجأ في آن واحد إلى معطيات عقلية وإلى حدوس حسية

جديد، يضاف . ليس للمحل كيان خاص وما هو إذا توخينا الضبط، جوهر وذاك التحول، لصور أو المثولكن يفرض على تلك ال. صورحول والتإلى جوهر ال

وهذه هي الضرورة التي . بضرب من الحتمية الباطنية، أن تنتشر وتتكاثر بالتشتت. وال تهدف استعاراته إال إلى إفهامنا إياها. يروم أفالطون أن يسلط عليها األضواء

فينتج عن ذلك أن استعاراته تبدو ملتبسة، ينطبق بعضها على االمتداد، وبعضها .ي حين أن أفالطون ال يبغي ال المكان وال الجوهرعلى المادة، ف

وهكذا يتضح لنا من جهة، كيف ال يقحم أفالطون نظرية المحل في ومن جهة أخرى، لماذا . موضوع العناصر، وقد كان يحتمل مثل هذا اإلقحام

يرفض أفالطون رفضا مبرما أن يعين لكل من العناصر موقعا محددا، كما يفعل على لون ) ،٦٣e، ٦٢c، ٥٨c، a ٥٣(ال بل ينطوي التيمئس . فيما بعدأرسطو

. الدحض المسبق لنظرية أرسطو في العناصرمن ففي نظر أرسطو كما في نظر أفالطون، ليس من فراغ خارج عن العالم

تعينهما » فوق وتحت«ولكن للكون . وال يوجد مكان نميزه عن جوهر األشياء

-١٠٠-

فالنار هي ما يصعد دوما، والتراب ما يهوي أبدا : قابلة نفسهاطبيعة العناصر الموتضاد الثقيل والخفيف سوف يفيد لترتيب العناصر في العالم . إلى مركز الكون

).الكوزمس(المنتظم

وإذا كانت العناصر تتجه . ل بهذا القولوقبيد أن أفالطون ال يقبل بهذا ال األمر ال ينجم عن قرابة طبيعية في كل منها مع في نظره إلى مواقع معينة، فذاك

والقول بوجود موقع معين سلفا لكل من العناصر يوازي في رأي . محل محدود .أفالطون اعترافا ضمنيا بتقدم الضرورة على اإلدراك

ولوال خوفنا من استعمال تعابير عصرية جدا، لإلفصاح عن فكرة . استنتاجا جدليا لفراغ مبهم في قلب عالم مليء يحوين التيمئسإأفالطون لقلنا

فالوجود المعقول من قبل تجريديا، والقائم في عزلة عن المكان، وتحت أشكال ، منثور، مبعثر »مشتت«صور غير متحولة أو صفات متحولة، هو من بعد اآلن

.إنه يشغل محال ويتفكك إلى أجزاء خارج بعضها عن بعض: في المكان

و، مع التحفظ ومراعاة ما يجب مراعاته، أنه يوجد عند أفالطون فيبداليبنتز قد قرأ سنة هذا، وإن. برهان يشبه البرهان الذي نجده عند اليبنتز

واستنتاج أفالطون يرتكز في نهاية التحليل على . وتأمل حوار التيمئس. م١٦٧٦اشر حتى من وجود ، ويستمد قوته بوجه غير مب»اآلخر«وجود التحول أو

وهذه . »اآلخر«ن هذه الصور ال تقدر أن توجد وتبقى بدون طبيعة أل. الصور .الطبيعة وحدها يمكنها أن تميز بينها

إذن ما عانى أفالطون من صعوبات ليعبر عن مفهوم معقد إلى هفنحن نفقاح إزاء تلك التعابير غير المألوفة. ذاك الحدونفقه أيضا حيرة الشر.

-١٠١-

الصور: لبحث الثاني ا

: وجود المثل أو الصور-١

ما ينتج في التيمئس من سير الحديث نفسه والتبسط في الموضوع، أن . مشكلة طبيعة المحل مرتبطة في الصميم بمشكلة وجود الصور أو المثل األزلية

أوال بعبارات عامة، وذلك قبل : وفي الواقع تطرح مسألة أصل العناصر مرتين، ثم من جديد وعلى وجه أدق بعد الشروحات )١(تساؤل عن وجود المحلال

وعندئذ يتساءل أفالطون هل هناك صور مطلقة أو مثل . )٢(المتعلقة بالمحل .)٣(للعناصر، ال بل بصورة أعم، هل توجد مثل

ويجيب بتدليل ملخص، ولكن في غاية الجالء، على واقعية المثل، كل إن المثل موجودة، ألننا نملك موهبة خاصة . اصر فقطنلعالمثل، وليس مثل ا

إن المثال موجود، إذ يلزم هذه . )٤(وهذه الموهبة هي إدراكنا العقلي: تطلعنا عليهاالمعرفة غير المتزعزعة األكيدة، المحفوظة لنفر زهيد فقط من الناس

.المستنيرين، موضوع يماثلهاقلية، هي غير متحولة نظير تلك وحقيقة المثل، موضوع المعرفة الع

ال تقبل أبدا عنصرا ما آتيا . فهي ال تغير شكلها، وال تولد وال تموت. المعرفةوأن الحديث يدور في هذا . إنها غير خاضعة إلدراك الحواس. من مصدر آخر

تيفسثل، وبصورة أدق حول المثل كما يصفها لنا السهذا ما . المقام حول الم في جالء من المقطع التالي، وفيه يلخص أفالطون بكلمات القضايا التي يظهر

. b ٤٨ التيمئس )١( -١

)٥١ )٢ c. )٥١ )٣ d . )٥١ )٤ de.

-١٠٢-

تيفسأمرين الواحد منهما يغاير اآلخر، إذا «: ناقشها في الس ن أنفالبرهان يبياتفق لهما أن يتدخال، اليمكنهما أن يكونا هكذا في النهاية شيئا واحدا وشيئين

.»)٥(همتباينين في الوقت عين

لجملة تذكرنا بمبدأ الهوية، وعليه تدور فعال مناقشات حوار فهذه افستيوحوار الس رمنيذسهنا أيضا أن الوجود موضوع البحث ههنا هو . بوتنب

أيضا الوجود المثالي.

ويقابل هذا الوجود الحقيقة المحسوسة، وهي على مجاراتها الحقيقة األولى فإذا قارنا بهذه النصوص التي . وتموت في المحلفي االسم، حقيقة تتغير وتولد

استقرأناها من قبل، حيث يدور الحديث حول نموذج العالم، يضطر المرء إلى .القول بأن أفالطون يقر في التيمئس بصورة جازمة نظرية المثل

: عالقة نظرية المثل بنظرية العناصر-٢

ل، وهو ال يعود إليها فيما بعد، لماذا ولكن لماذا يثير أفالطون نظرية المثيثيرها بالضبط بشأن العناصر؟ ذاك دون ريب أن األشكال البدائية هي من العالم المثالي ال من العالم المحسوس، ألنها قابلة أن تكون موضوع تحديد عقلي

ن المثلثات البدائية ليست فقط في الواقع غير منظورة، ولكنها إإذ . ورياضيواإلله قد حققها . )١(بهى المثلثات وأكمل ما يستطيع المرء تصوره منهاأيضا أ

. على قدر مطاوعة وجود الضرورة له، بفعل المثل واألعداد)٢(واحكمها إحكاما .وبالتالي تشترك صور العناصر بطبيعة المثل

)٥٢ )٥ c d.

. ٥٦cالتيمئس )١( -٢

.م.ن )٢(

-١٠٣-

إذ إن العناصر تنطوي على . غير أن هذه الصور ليست مثال بجملتها ر لنا » الواقع الضروري«وحضور هذا . )٣(أصله من الضرورةشيء يستمديفس

إال أن األجسام البدائية هي في الواقع . )٤(كون العناصر يتحول بعضها إلى بعضومع ذلك فهي تزداد اقترانا بالتحول، . صور مثالية وكاملة من بعض األوجه

.ألجسام الحيةبمقدار ما تتكون الجواهر الكيميائية المختلفة ومواد اويتدرج هكذا أفالطون إلى الكالم عن المجسمات البدائية، كأنها جزيئات

وهو يفسر . مادية، قابلة االهتراء والتفتت، ومعرضة لفقدان حدة نتوءاتهاالشيخوخة والموت بهذا االهتراء عينه، وبتراخي الجسيمات األولية في النخاع

ن عالم المثل إلى العالم المحسوس ويحصل وفي المقام يجري المرور م. واللحم .»االشتراك«

العناصر: البحث الثالث

: متوالية العناصر الهندسية-١

إنه على وجه مستغرب جدا، . فلنتبع اآلن أفالطون في تفاصيل برهانه. فالتراب والنار هما أول ما يركب. يضم إلى وقائع االختبار األقيسة الرياضية

وقد اعتبرهما أتباع . نهما بين العناصر العنصران المتضادان أشد التضادوالحال أ .بثغورس واإللياتيين مبدأي العناصر األخرى

وأقوى . ين المتطرفين الواحد إلى اآلخرالحدإن المبدع سوف يشد هذين رباط يعمد إليه لذلك هو الرباط الناجم عن الواسطة الهندسية، أي عن معادلة

.م.ن )٣()٥٦ )٤ d.

-١٠٤-

متصلة، تكون فيها الصلة الرابطة بين الحد األول والحد الوسط، نفس الصلة : الرابطة بين الوسط عينه والحد األخير بحيث نحصل على

xf

tx

= xft أو أيضا x2 = ft أو =

. هما ضلعا مستطيل مساوt و f هي جانب مربع فيما xوبعبارة

بينما . ال، يؤكد لنا أفالطون، أن واسطة واحدة تكفي لوصل مسطحينوالحوهذه العبارة شغلت فكر الشراح ردحا طويال . يلزمنا واسطتان لوصل مجسمين

ونحن نرى من قرائتنا ابركلس أن المهندسين القدامى والسيما . من الزمن .رها أفالطونذموكرتس، ما كانوا ليقبلوا بالعبارة التي يذك

إذ في الواقع يستطيع المرء أن يولج بين عددين مسطحين ال واسطة واحدة طحين مثال يمكن حشر المس٦٤ و١فبين المسطين . هندسية، بل جملة واسطات

: نإ إذ١٦و٤41

164

و =161

644

وعلى العكس هناك حاالت ال يوجد فيها . = هي المتوسط ٨فعلى سبيل الذكر . ن مجسمين إال واسطة هندسية واحدةبين عددي

٨ هو الوسط الهندسي المجسم الوحيد بين ٦٤، و٦٤و١الهندسي الوحيد بين ، وبين ٦٤ و١٦ هناك الواسطتان ٣٢×٨ و ٤×١بين المتوزي األضالع . ٥١٢و

فكما . ٦٤: ليس إال واسطة واحدة١٦×٨×٤ و ٤×٢×١المتوازيي المستطيالت الحظ ذلك ابروكليس منذ أمد بعيد ال يحتمل سوى احتمال ضئيل أن يكون

.أفالطون قد جهل هذه المعلومات الجلية

ففي نظره، أن أفالطون قد طرح . وقد حل بيخ هذه الصعوبة حال لبقاففي حالة على األقل توجد واسطة وحيدة بين . المسألة في شكل هندسي

. وواسطتان فقط بين مجسميينمسطحين،

-١٠٥-

a ، bولنعتبر . AEF و ABCDفلنفترض فعال مستطيلين متشابهين فتكون . ضلعين لألصغرB و aضلعين لألكبر، و

aB

ba

=

وبالتالي abaB

abab

وأيضا المستطيل =AECBAEFI

ABCDAECB

=.

سطة هندسية بين هي واAECBإذن AEFI وبين ABCD . ويمكن أن نبرهن على

تقوم بالمهمة نفسها AIHDالنمط نفسه أن . AECB = AIHD هووالحال أن المستطيل

نفسه عن المستطيالت المساوية ووالقول هAECBة هندسية واحدة، أو باألحرى كل ففي هذه الحالة الخاصة إذن واسط

. بعضها بعضاالواسطات الهندسية فيها يساوي

وببراهين مماثلة يبين المرء أن بين وABCDEFGH المتوازيي المستطيالت

AIKJFLMN ال يوجد سوى واسطتين هندسيتين وال يستحيل أن يكون أفالطون قد

وعلى كل حال، . هندس فعال بهذين البنائين عامة أنه البد أن فهو يؤكد بصورة

نحصل، بما أن العالم مجسم، على المعادلة : التالية

af

ea

te

==

:ن المعلين المطلوبين توفرهما لنا الجمل التاليةإفنقول بلغتنا الحديثة

)١(شكل

)٢(شكل

E

A E D

K

C G B

I

C

G

B M F

A I

B

K

J

E N

D

-١٠٦-

a tf ; e ft 23 2 ==

و إذا فرضنا أن ضلع مكعب ه- ١: وهذه الجمل تقابل مسألتي المجسماتa فالمطلوب بناء موشور مستقيم علوه ، t وقاعدته f إذا فرضنا مكعبا - ٢؛

وهاتان المسألتان أعمt . وقاعدته f، فالمطلوب بناء موشور قائم علوه eضلعه وسوف نرى فيما بعد أنه من . على كل حال من المسألة التي يطرحها أفالطون

وبين المعلومات العددية، المتعلقة الصعب جدا أن نوفق بين المعطيات السابقة .)١(بالمثلثات األولية

: المثلثات األساسية -٢

لما كانت األجسام األولية من الجوامد، وحوت العمق في ذاتها، حدتها . والحال أن كل مسطح يتألف من مثلثات أو يتحلل إلى مثلثات. المسطحات

ادئ قياس المساحات وبكثير من الغرابة، يطبق أفالطون في هذا المقام مب . العملي

وكل المثلثات في دورها تنشأ عن صنفين من المثلثات، لكل منهما . والواحد أضلعه متساوية والثاني متفاوتة. زاوية قائمة وزاويتان حادتان

على وال يشتمل من ثمة إال. بيه بذاتهفاألول المتساوي الساقين هو دوما شوأفالطون يختار من هذه . أنواعا ال تحصىأما الثاني فهو يشمل . نوع واحد

: بشأن هذه النظرية كلها انظر )١(

A. Boeckh. Deplatonica corporis mundani

fabrica, dans Gesammelte KL. Schr. Leipzig, 3, 1866, p. 229 sq.

p. Duhem. Le système du monde, I, 1912, p.29-30.

-١٠٧-

وعنه ينشأ ثالثا المثلث المتساوي «): ٥٤d(المثلثات نوعا يحدده بهذه الكلمات ek tritonأو ek tritouوقد برهن بيخ بصورة قاطعة أن عبارة . »األضلع

.وقد اختلف الشراح في فهم معناها. »ثالثا«ال تعني إال ث من المثلثات هو المثلث المتساوي األضلع، الناجم ينشأ إذن ضرب ثال

وفي هذا المثلث ). b ٥٤(عن مثلث فيه الضلع األصغر مساو لنصف الوتر ويمكن أن نبرز . )١(تربيع الضلع األكبر هو دوما ثالث مرات تربيع األصغر

b الوتر وأن aفلنفرض أن . البناء الذي يشير إليه أفالطون على الوجه التالي :فيكون لدينا. األصغرcضلع األكبر، وأن ال

c 2a ,b 3c 2 ==

222والحال طبقا لنظرية بثغورس، أن a b c ولكن إذا كانت . +=

2b c 3 22: فلدينا= a 3c c a c 3c أو += 2 ونحن نالحظ أنه البد من . +=إن إفكليذس يدرس مثل هذه . ث قائم الزاوية بأعداد صحيحةإيجاد مثل

بيد أن ابروكليس ) ٧:٤٢٨:١(المشكالت في الباب الثاني من كتاب العناصر وهي . في شرحه كتاب إفكليدس ينسب إلى أفالطون حل إحدى تلك المشكالت

.التي تلقى حلها بالجملة التالية( 1 + n2 )2 = ( 1 - n2 )2 + ( 2n )2

:وأفالطون يعتبر أن الخاصتين التاليتين بينتين من الوجهة الهندسية إذا ضممنا مثلثين قائمين متساويين، فيهما الوتر ضعف الضلع - ١

األصغر، إذا ضممناهما من جهة ضلعيهما األكبرين، فنحن نؤلف عندئذ مثلثا .متساوي األضلع

كلمة ذينمس الرياضي، انظر في معنى)١( -٢

Th. Lheath, Diophantus of Alexandria. Cambridge, 1910, p.38, note l.

-١٠٨-

ADC وADBيتين وفعال إذ إن الزاو AB = ACو. مستقيمBCDقائمتان، فالخط

نصف AD ال أن ـوالح .BD = CDو

BC = AC = AB. في المثلث القائم الزاوية الذي - ٢

وتره ضعف الضلع األصغر، تربيع الضلع ع الضلع ـو ثالث مرات تربيـاألكبر ه .األصغر

هي الوتر، وأنaوفعال لنفرض أن b و c 2 هما الضلعان فإذا كانت c = aو

4 c2 = a2 .سرولكن حسب نظرية بثغو c2 + b2 = a2 . 3إذن c2 = b2.

ويبني أفالطون بواسطة ستة مثلثات من هذا النمط مثلثا جديدا متساوي .األضلع

اوية مختلفي األضالع من النمط فلنفرض أننا نضم مثلثين قائمي الز. من وتريهماووأننا نضمهما اثنين سواء من ضلعيهما األصغرين أ. المذكور

فإن أعدنا هذه العملية ثالث مرات على ستة مثلثات، نحصل على مثلث متساوي األضلع، يؤلفه ستة مثلثات مختلفة األضالع أو ثالثة مثلثات متساوية

]. هكذا [)٢(األضلع CGD إلى CGB، ثم GB بضلعه الصغير CGB إلى ABCال فلنضم وفع

المقابلة لألضلع الكبيرة من المثلثات، هي زوايا Gفالزوايا في . وهكذا، CG بوتره

وهذا هو الصحيح، ثالثة مثلثات كل منها متساوي الساقين، : يريد المترجم الفرنسي)٢( )المعرب. (ألنه ال سبيل إلى ضم ثالثة مثلثات متساوية في مثلث واحد

)٤(شكل

G

a D

e a

A

C B

A

B F

D E C

)٣(شكل

-١٠٩-

وبالتالي فهي تؤلف إذا جمعت ثالثها معا . )٣()هكذا(قائمة لمثلثات متساوية األضلع تين قائمتين، وإذا جمعت ستها معا زاويتين قائمتين، وإذا جمعت ثالثها معا زاوي

والزاويتان . ومن ثم يندمج وتر المثلث األخير ووتر األول. أربع زوايا قائمةABG و GBCوالخط . هما قائمتانACوهكذا نبرهن أن الشكل . مستقيمACE

. هي متساويةCE و ACوأن الجوانب ، هو مثلث

إذا جمعنا مثلثين . على وجه آخرهذا، ويمكن أن نعرض البرهان نفسه من جهة ADC و ABCقائمي الزاوية

وتريهما فالشكل الناشئ هو شكل رباعي وجمع ثالثة . متوسطته الوتر المشترك

أشكال رباعية من هذا النمط، تضم من جهة أضالع المثلثات الصغرى، يعطينا مثلثا كبيرا متساوي األضالع، ناشئ عن

ل متوازية األضالع، تلتقي ضم ثالثة أشكا ).٤ر شكل . (متوسطاتها في نقطة كأنها وسط الشكل

: المجسمات األولية- ٣

ذوات : وسوف يعمد أفالطون إلى هذه المثلثات لبناء مجسماته البدائية .األوجه األربعة أو الثمانية أو العشرين والمكعب

لثات المتساوية األضالع إذا جمعنا ثالثة من المث: الرباعي األوجه– ١من ثالث زوايا مسطحة، حصلنا على زاوية مجسمة قيمتها أصغر مباشرة من

والحال أن أضيق زاوية مسطحة، هي الزاوية . قيمة أضيق زاوية مسطحة

.جع الحاشية السابقة را)٣(

)٥(شكل

B

G A

D

-١١٠-

بقدر ،°١٨٠التي تختلف قيمتها عن قيمة زاويتين قائمتين، أو الزاوية ذات .أصغر من أي قدر يعطى

فكل . °١٨٠تعطي °٦٠زوايا مسطحة كل واحدة قيمتها ولكن ثالث زاوية مجسمة من الشكل الرباعي األوجه، وهو أول شكل من المجسمات

ويضيف أفالطون . °٦٠البدائية، تؤلفها إذن ثالث زوايا مسطحة قيمة كل منهاأن من خصائص الرباعي األوجه، أن يقسم إلى أجزاء متساوية مؤتلفة كل

والسطوح التي تحد هذا المجسم األول، ). a 55(ة التي يرسم فيها سطح الكر .تؤلفها بجملتها أربعة وعشرون مثلثا بدائيا

والنوع الثاني من المجسمات، : الثماني األوجه والعشرون وجها- ٢ويتألف . ،له ثمانية أوجه مثلثة وست زوايا مجسمة)a 55(أي الثماني األوجه

والنوع الثالث أي العشرون وجها، يشمل . أربعين مثلثا بدائيامن ثمانية و. عشرين وجها مثلثا، ومئة وعشرين مثلثا بدائيا واثنتي عشرة زاوية مجسمة

.تحد كال منها خمسة سطوحإن المكعب تؤلفه مثلثات قائمة الزوايا متساوية السوق : المكعب- ٣

ذن أربعة وعشرين مثلثا متساوي الساقين، فالمكعب يحوي إ. متقابلة الرؤوس ).e 54(وثماني زوايا قائمة مجسمة تحضن كال منها ثالثة أوجه متعامدة

: صعوبات هذا البناء- ٤

.إن النصوص التي بين أيدينا تثير مشاكل عدة خطيرة

لقد رأينا من قبل أن العناصر األربعة توحد بينها ضرورة معادلة - ١: معادلة التاليةمن نمط ال

af

ea

te

ومن ثم البد أن توجد عالقة من هذا ==النوع إما بين أعداد السطوح الحاضنة المسربلة، وإما بين أعداد المثلثات أو

-١١١-

والحال أننا إذا لملمنا المعلومات التي يوافينا بها . الزوايادالسطوح التي تح :اليةأفالطون فنحن نحصل على اللوحة الت

الزوايا السطوح

السطوح حاضنة الزوايا

المثلثات البائية

٢٤ ٣ ٤ ٤ : الرباعي األوجه ٤٨ ٤ ٦ ٨ : الثماني

:»العشرون وجها« ١٢٠ ٥ ١٢ ٢٠ ٢٤ ٣ ٨ ٦ : المكعب

وال سبيل ألن نعثر في أحد هذه األعداد، على المعادالت التي أشرنا أن نراعي أعداد O. Gilbert )١(ويقترح جلبرت. لتنا السابقةإليها في جم

إذ ). العمود الثالث(السطوح الحاضنة الزوايا المجسمة في األشكال البدائية ، ٤-٣: يمكن فعال بواسطة هذه األعداد أن يؤلف المرء مطلع اضطراد عددي

عليه إال أن الحد األخير من هذا االضطراد، ال يحصل. ٦- ٥، ٥-٤، ٥- ٤وهذا . إال إذا حسبنا ستة سطوح لنحصر زوايا السداسي األوجه أو المكعب

وعالوة على ذلك، فقد علمنا أن أفالطون يتكلم . فعل اعتباطي إلى حد كبيرعن اضطراد هندسي.

من ) عشرين وجها(أن كل ) b56( ويشرح لنا أفالطون فيما بعد - ٢وجه من النار واثنين من ثمانيات األوجه من الماء، يولد إذا تفكك، رباعي األ

الهواء، وأن ثماني األوجه من الهواء يتحلل إلى اثنين من رباعيات األوجه من ) عشرين وجها(من النار، وأن جزئين ونصفا من الهواء تنشئ جزءا

إن اثنين من رباعيات األوجه . فلنتأمل مثال ثماني أوجه من الهواء. الماء

١ (-٤( Die meteorologischen Theorien, p. 167-168.

-١١٢-

ويستحيل أن يقسم ثماني األوجه إلى اثنين من . بالن حجم ثماني األوجهال يقاوثماني األوجه يقسم، طبقا للجملة الرابعة عشرة من الباب . رباعيات األوجه

الثالث عشر من كتاب افكليذس، إلى هرمين رباعيي الزوايا، ضم الواحد إلى رباعيي الوجه إذا ضم الواحد إلى إال أن هرمين أو. اآلخر من جهة قاعدته

وهذا الشكل ال يمثل في الئحة المجسمات . اآلخر ينشئان سداسي األوجه .األولية

)٦(شكل )٧(شكل

ال يمكن أن يقسم هو أيضا إلى اثنين من ثمانيات » والعشرون وجها« .األوجه وإلى رباعي واحد من رباعيات األوجه

فالطون في علم المجسمات؟ أهل نرد غموض نصوصنا إلى جهل فإن بناء ) ٥٢٨a: ٧(فالطون يبدو وكأنه يقول في الجمهورية أصحيح أن

ولكن سوف «المجسمات لم يحقق بعد، وهو يشكو في ذلك ال مباالة الدول نرى أن القوم كانوا قد حصلوا، في عهد تأليف التيمئس على بناء المجسمات

هذا . )٢(منتظمة، كما هي واردة في الباب الثالث عشر من كتاب العناصرال وال يحتاج المرء إلى معلومات وافرة في علم المجسمات كي يالحظ أنه

إذ يكفي . نشاء ثماني األوجه من ضم اثنين من رباعيات األوجهإال يمكن

.فالطون الرياضيةأاتساع معارف : راجع الفقرة التالية) ٢(

-١١٣-

وقد أجاد لذلك، النظر إلى أحد النماذج المنحوتة في الحجر أو الخشب، .استعمالها خير إجادة عند اليونان، علماء الهندسة وفن البناء

والثماني إن الرباعي األوجه أو الهرم هو صورة النار البدائية، - ٣صورة الماء، والمكعب صورة » العشرون وجها«األوجه هو صورة الهواء، و

ين األشكال وبين فالطون شأن ذموكرتس، يقول ببعض التجانس بأو. األرضولكن هل تنشأ الصفات الحسية عن . الخصائص الحسية في العناصر المقابلة

.فعل األشكال ال غير؟

ويقول إن . )٣(فالطونية انتقادا مستغرباإن أرسطو ينتقد النظرية األكانت األجسام مركبة من مساحات، وهذه من خطوط، والخطوط من نقط فال

. ذا كانت المساحات والخطوط، ومن ثم النقط، ثقيلةإيكون لألجسام ثقل إال رسطو على هذا الموضوع أويبرهن . ولكن ال يعقل أن نتصور نقطا ثقيلةذا إوعالوة على ذلك، «: ثم يضيف. )٤(معتمدا على نظريته الخاصة في الثقل

، كما يبسط ذلك في )أي وجوهها(كانت األجسام تزداد ثقال بتزايد مساحاتها ويشير . )٥(، فمن الواضح أن الخط والنقطة يحرزان هما أيضا ثقال مالتيمئسافالطون أن النار هي أخف أ، يعلن فيه التيمئسرسطو إلى مقطع في أ

). ٥٦a b(العناصر، ألنها مركبة من أصغر األجزاء فالطون ال يعمد البتة إلى األشكال أولكنا سوف نرى فيما يلي، أن

ما يعطي عن الثقل من تفسير، وأن نظريته في الثقل تشابه أكبر األولية في يعرض لنا الثقل والخفة بمثابة ئسالتيمإن حوار . نفسهورسطأتشابه نظرية

).م.ن(خاصتين نسبيتين ترتبطان بطبيعة المكان

.b ١٥ -a ٢٩٩: ١: ٣ر كتاب السماء ) ٣( ومن الواضـح المؤكـد أن النقطـة «: رسطوأ وهذا تعريب نص ٣٠ : a ٢٩٩م . ن) ٤(

.»ثقالال يمكنها أن تحرز .٣٢: b ٢٢٩: م.ن) ٥(

-١١٤-

)٦( فاتسلر،وفي مثل هذه الحال، نفهم تردد الشراح المعاصرين وحيرتهمصوصنا هذه، ليدعي أن المادة األفالطونية ترد إلى االمتداد أو يعتمد على ن

فيحسب أن )٧(مرتان أما توما. إلى معالم أو خصائص هندسية محضة. يتوقف إلى عند السطوح المغشية أو القشرة التي تكتنف األحجام فالطون الأ

.)٨(»صفحات رقيقة من مادة جسمية«ويرى أن هذه السطوح هي اخسوإيفا سEva Sachsشه . )٩( توافق على تفسير مماثلغير أن أر

هاند يظن على عكس ذلك، أن المجسمات الهندسية تغلف جوهرا ماديا يفسر ولكن لم يستطع وال واحد من أولئك الكتاب أن يمحو . )١٠(خواصها الطبيعية

.تناقضات التعليم األفالطوني الظاهرةفالطون هذه األسئلة الدقيقة، ربما نتطلب منه دقة ونحن إذ نطرح على أ

ونظرية األشكال البدائية معدة . كاملة لم يستطع ولم يشأ إحرازها دونما ريبفي النهاية، لتفسر لنا كيف يلج النظام في فوضى الصفات وفي تشويشها

فهذه األشكال بخصائصها المحدودة غير المتحولة تؤتي الصيرورة . المائجولكن هذه األشكال ال تكون جوهر الصيرورة الذي يلبث . من االستقرارشيئا

وبالتالي كل خصائص األجسام، وكل ظروف . ناشئا عن الصفات المتحولة. استحاالتها ال تفسر بالميزات الهندسية التي انطبعت عليها األشكال األولية

ول، أال وهو الصفات يتح وبين هذه المعالم الرياضية يتبقى شيء مستعص ال. ولكن هنالك تجانس بين األشكال وبين الصفات التي تقرها األشكال. نفسها

. وما يلي٨٠٠ ص ١: ٢) ٦(

.يلي وما٢٣٩، ص ٢م. ك) ٧(

.٢٤٢ص ) ٨(

.٧١٢م، ص .ك) ٩(

.٢٠٢ص ) ١٠(

-١١٥-

فطبيعي أن يكون للنار أطراف حادة، وأن تتألف من أصغر العناصر وبين هذه الخفة التي يفسرها تنسيق الكون جملة، وبين تلك الرشاقة . وأرشقها

، هنالك ارتباط نستشفه، دون تمكننا من المرتبطة ببنية المجسمات األوائلفكيف نستغرب عجزنا عن بناء . متابعة استنتاجاتنا الرياضية بمنتهى الدقة

أال تتدخل الصيرورة في األمر لتشوش ؟اضطراد مضبوط كامل للعناصرحساباتنا وتدس الخطا في نتائجها؟ فحسبنا وهذا أمر جلل، أن نكون قد

النظام والقياس، التي ال تفتأ تعمل خالل اختالط الظواهر استجلينا قليال سنة .المنظورة

:فالطون الرياضيةأاتساع معارف - ٥

حسب نص الباب السابع من كتاب الجمهورية، ذاك النص الذي ذكرناه من قبل، لم يكن بناء المجسمات المتعددة األوجه المنتظمة قد تحقق بعد في

ونحن نجد . يفرض أن هذا البناء يعرفه القارئئسالتيمبيد أن . فالطونأعهد والجملة . في عناصر إفكليذس الجمل المتعلقة بالمجسمات األربعة األولية

، والجملة الحادية والعشرون من الباب )١(األخيرة من الباب الثالث عشرإن كل زاوية مجسمة تحدها زوايا مسطحة، مجموعها «: الحادي عشر تقول

وميزة تقسيم مساحة الكرة المحصورة التي . »ربع زوايا قائمةأقل من أفالطون في كالمه عن رباعي األوجه، ليست سوى تعريف المجسم أيذكرها

المنتظم في الجمل االثنتي عشرة وما يليها من الباب الثالث عشر من كتاب . ئسالتيمفيبدو إذن إن التناقض قائم بين نص الجمهورية ونص . إفكليذس

هذا، وبناء على تقليد قديم، قبل به من بعد بيير تانري، كل مؤرخي الهندسة، من المحتمل أن تكون نظرية المجسمات الخمسة المنتظمة المتعددة األوجه من

. صعوبات هذا البناء-٤: ر ما قبل، الفقرة. ٣٣٨، ص ٤هيبرج، ) ١( -٥

-١١٦-

وقد نماها إليهم اسبيفسبس والكصندرس بلهيستير . استنباط البثغوريينوابركلس وسمبلتشيس وجملة مؤلفين » الحساب اإللهي«ويمفلكس ومؤلف

ونص البركلس على األخص يؤكد أن . آخرين جمعت إيفا ساخس شذراتهموبما أننا نقبل عموما، . )٢(بثغورس قد اكتشف تركيب األشكال الكونية الخمسة

قد استعان » فهرست المهندسين«من بعد تانري أن ابروكلس في مصنفه إليفذمس عن طريق أحد أصحاب المجاميع، وقد يكون » ياتبتأريخ الرياض«

جمينس، فإن اكتشاف المجسمات الخمسة المنتظمة قد يرجع على األقل إلى قد Vogtولكن فوغت . المدرسة البثغورية إن لم يرجع إلى بثغورس نفسه

س، ساخس، أن ابروكلس لم يستعن مباشرة بايفذم برهن، وتبعته في ذلك ايفاوفضال عن ذلك من المرجح جدا أن المقطع السادس من . )٣(بل ربما بميفلكس

ويبدو . مقطوعات فلولؤس الذي يذكر المجسمات الخمسة المنتظمة هو منحول .)٤( جيدا ذلكأن برنت قد أثبت

ذا راعينا الظواهر، ال بد أن يعود بناء األشكال الخمسة المنتظمة إفجه ال إلى البثغوريين بل إلى ثئيتتس صديق سقراط وأفالطون المتعددة األو

: )٥(على ما يعلمنا سويدس وعلى ما تشير إليه التعليقات على كتاب افكليذس. في الباب الثالث عشر هذا يبنى ما يدعى بالمجسمات األفالطونية الخمسة«

(2) In Euclid. 65,15 Friedlein.

(3) Eva Sachs, Die fünf Platonischen Korper. Zur Gesch. der Mathematik und der

Elementenlchre Platons under Pythagoreer. Philologische Untersuchungen,

herausg. Von a. kiessling und U.V. Wilamowitz- Moellendrof, Berlin, 1917,8,

p. 9 et sq. Cf. Jamblique, Vita Pythagori, 88.

وأجسام الكرة أربعة في العدد النـار «) Vorsokr, 3, 32 B, 12: (٦ فلولؤس، مقطوعة) ٤(وهذه كلها في الكرة والجسم الخامس ألكـاس هـو سـائق . والماء والتراب والهواء

..Burnet, Early greek Philosophy 3, p. 248- 303راجع . »الكرة

(5) Scholia in Euclid. X 111, Haiberg, p. 654, 1-10.

-١١٧-

ة التي ذكرناها ألن ثالثة من المجسمات الخمس. وهي ليست من أفالطون نفسهسالوجوه: هي من بثغور ب والهرم واالثني عشريالثماني «أما . المكع

وقد سميت بالمجسمات . فهما من ثئيتتس» والعشرون وجها» «األوجهوالباب الثالث عشر . االفالطونية، ألن افالطون يأتي على ذكرها في التيمئس

.»د أفسح لها مجاال في عناصرههذا يحمل اسم افكليذس ألن افكليذس، قويحتمل أن يكون نص التعليقات على افكليذس هذا مأخوذا عن بابس

Pappus. وقد كان هو نفسه يستفيد من تاريخ الرياضيات الذي وضعه أصعب وما قد يدعو إلى الدهشة أن بناء االثني عشري الوجوه، وهو . ايفذمس

يكون قد عرف قبل بناء هذين ،ن وجهامن بناء الثماني األوجه والعشريولكننا نرى حتى أيامنا هذه في متاحف مختلفة اثني عشريات حجرية . األخيرين

وال يستحيل قطعا . )٦(منتظمة أصلها اتروشي او سلتي، وترد إلى عهد سحيق .أن ينحدر الباب الثالث عشر من كتاب افكليذس برمته عن تعليم ثئتتس

ي النتيجة، كان بناء األشكال الهندسية الخمسة المنتظمة، التي وفاعتمدها حوار التيمئس، كان ذلك البناء، على األقل في بعض أقسامه، حدثا

فالطون أوال ريب أنه كان قد حقق منذ عهد قريب، عندما ألف . رياضياكتشافاته بعد أن وقد وفق ثئيتتس إلى ا. )٧(وهو يؤكد ذلك بجالء كامل. حوارهفالطون أوقد بادر . نجز تأليف الباب السابع من جمهوريتهأفالطون قد أكان

لولعه الخاص باألحداث العلمية، إلى االستفادة منها في التيمئس حالما اطلع ساخس وايفا. ولذا يبدو من حين إلى آخر أنه يتبجح ببسط علم فارغ. عليهاالمجسم المنتظم، في موضع، ال يفيد هذا يأتي على ذكر تعريف ألنهتلومه

(6) Burnet, o.o. p. 284, R. Newbold, Archiv. 19, p. 204.

)٤٨) ٧ b وهذا تفسير نص أفالطون الذي ال يشير لسوء الحظ إلى األشكال الهندسية بل )المعرب. (»هد أحد على أصلها ومولدهاولم يدلنا ب«: إلى العناصر

-١١٨-

إال أنها أساءت فهم نوايا الفيلسوف، وهو معني بصدد الرباعي . الذكر فتيالاألوجه أن يظهر انتظام األشكال البدائية المثالي، ومسرور أن يثبت بمثل،

).العلمية(شغال أصدقائه إيحفظ للذكرى والتاريخ، أهمية

ألحداث اجلويةا: البحث الرابع

ينطوي على مستهل علم األحداث الجوية بمعناها ئسالتيمإن حوار يجاز تلك الخطوط العريضة المفرط، وعلى غموضها الكبير، إوعلى . القديم

فالمرء مع ذلك يتبين نظريات عدة، سوف تمأل الباب الثالث من كتاب علم ا سوف تكون إلى العهد رسطو، وهذه النظريات عينهاألحداث الجوية أل

وتلك المعلومات كانت تقليدية، . الحديث أساس علم المعادن وعلم الكيمياءعب علينا اليوم أن نميز صوي. تعود في قسط وافر منها إلى الفيزياء اإليونية

.مةيفيها العناصر المستحدثة من القد

تنوع العناصر

ا كثيرة لكل من فالطون بمالحظة عامة وهي أن هناك صنوفأيبتدئ ويفسر تعدد تلك الصنوف، بوجه عام، باختالفات الشكل . األجسام البدائية

).c ٥٧(الطفيفة وفقدان االنتظام في المجسمات المكونة األساسية

:ارـالن - ١

اللهيب المحرق والضوء وبقايا اللهيب : توجد ثالثة أنواع من النارعهد لم تحظ بمعناها العلمي إال في ويظهر لنا أن كلمة افلوكس . المتأججة

وسوف يعرف . وهو ال يستعملها إال في التيمئس للداللة على اللهب. فالطونأ

-١١٩-

ما يتبقى من «وآخر نوع من النار هو . )١(ارسطو اللهيب دخانا أو غازا مشتعالوذلك ليس اللهيب على قول . »اللهيب في األجسام المشتعلة، بعد انطفاء اللهيب

إنه . وما من داع إلى انتقاد روح التمحيص عند أفالطون. )٢(O. Gilbertلبير جالنار الكائنة في جسم يحترق، ال ينطلق منه لهيب ما، نظير الحديد المتوهج أو

.الحجر المتأجج

:الهواء - ٢

على غرار ، ، وهو األثير: واءـون نوعين من الهـيميز أفالطوهذا . المدلهم» الضباب«ثم . الهواء وليس بالنار، يقارنه ب)١(أمبذكليس

وكل مرة . الضباب هو في هذا المقام، شأنه عند هومرس، ضرب من الهواءإنه على ما نطالع في حوار . يتكلم أفالطون عن األثير فهو يماثله بالهواء

. الصافية جدا، حيث تركن الكواكب، من السماء األرجاءb( ١٠٩(فيذن ضافة إلى الكواكب إنه باإل. ثير أنقى من الهواء بكثير، وله خواص مماثلةفاأل

وقد عدل تالميذ أفالطون عن وجهة النظر ). b ١١١(لينا إضافة ما الهواء باإل .)٢(هذه، واعتبروا األثير من جديد صنفا من النار

:اءـالم - ٣

لماء، فأفالطون يذكر نوعين من ا. إن درس أنواع الماء هو درس أوسع .)١(»قابل للسيالن«الواحد سائل واآلخر

: ٤: ١ ، وكتاب األحداث الفلكية٢٥، b ٣٣١: ٢:٤دخان مشتعل، كتاب السماء ) ١( -١

٣٤١ b ،٢١. .١٧١. ص .م .ك) ٢( ).Vorsokr, 3,1,p. 241, 15(ر امبذ كليس ) ١( -٢

.e ٨٩١التعقيب على الشرائع ) ٢( .٦٦، ٦٠، ٥٩، ٥٨والتيمئس . كلمة ختون وضع علمي للداللة على المعادن القابلة لالمتداد) ١( -٣

-١٢٠-

. رسطو قد تبناهألكن . ونحن ال نجد هذا التصنيف عند الكتاب األقدميننه هو أيضا يعد المعادن القابلة الذوبان مواد شبيهة بالماء، لها والماء إإذ

.)٢(صفات مشتركة وتختلف عنه بصفات أخرى

ستغربة، وهي أن الماء مبدئيا من فلنظرية أفالطون هذه النتيجة المفالثلج والجليد والبرد . الجوامد، وهو ال يسيل إال بفعل النار نظير المعادن

ولسوف يحافظ علماء اليونان على هذه النظرة . والمعادن هي سوائل متجمدةإال أن . المستهجنة، التي نلقاها هي نفسها عند كيميائيي األجيال الوسطى

أقل من النار، ألن مثلثاتها ةن السوائل، وهي تحوي كميالمعادن أثبت موبين أصناف الماء الماويات لها أهميتها الخاصة، وما ذلك . األساسية أكبر

، ال ئسالتيموكلمة خموس الواردة في . دونما ريب إال بسبب قيمتها الغذائيةفالطون سوى واليثبتها بهذا المعنى قبل أ. يعثر عليها في الحوارات األخرى

.)٤(فهي عندهم مرادف خلوس. وابرذكس)٣(غرغيس

:التراب - ٤

وإنما تنتج . خالفا للعناصر األخرى، ليس للتراب من أنواع خاصة. أصنافه عن نسبة الماء والنار، وعن وفرة هذين العنصرين أو قلتهما فيه

.٢٧٠، ٣٧٦ -١٥، ٣٧: ٣كتاب األحداث الفلكية ) ٢(

).Vorsokrateker, 3,2, p. 253,14 (١٤غرغيس في مديح هيالنة ) ٣(

خالط وبلغة النبات الماوية أوال والعصير، وكلمة إن كلمة خلوس تعني بلغة الطب األ ) ٤(خالط أيضا، ولـذة الطعـام خموس تعني عصارة اللحم خصوصا، وأي عصير، واأل

زجت كل هذه المعاني عندهم فـي الكلمتـين علـى ثم تما . وذوق األشياء واستذواقها ).عربالم ( .السواء

-١٢١-

فالماء . لتشابكوفعل الماء في التراب يحدث بصورة عويصة متشابكة بعض االخارق التراب، ال يلبث أن يطرد منه في قسطه األكبر بضغط الذرات

فينضج التراب الماء ويندى سطحه ويتبخر الماء ويتحول جزئيا إلى . الترابيةوهذا الهواء في نوبته يضغط طبقة الهواء المالصقة التراب، والتراب . هواء

فة وقساوة ونشوفة، بحيث تتكون والضغط يؤتي التراب كثا. نفسه كرد فعلوهكذا تتولد أصناف الحجر الصلب . على سطحه قشرة متراصة يابسة

). ٨٠a، b ٦٠(المختلفة ٦٠(ن اآلجر وتدخل النار يشرح تكوc .( وتظهر أخيرا األمالح أو

المواد الذائبة، عندما تفارق بعض ذرات التراب، مفارقة موقتة، كمية من تلك الذرات في حالة ذوبان، فتجمد جزئيا لتعود وتذوب بعد الماء كانت تحفظهذا، وال . وفعل النار هو الذي يسود حجارة كثيرة). ٦٠d(ذلك في الماء

وبعد هذه . يسهل أن يعين المرء بدقة األصناف المعدنية التي يميزها أفالطونأو » الماويات«الشروحات بقليل، يجد القارئ توسعا غريبا في موضوع

.)١(المزائج السائلة كالخمر والزيوت والعسل والصموغ

إن هذا القسم كله من حوار التيمئس يلخص على األرجح معلومات فنية فالطون، واستفاد منها أرسطو نظيرهم في كتاب األحداث Hأنسها معاصرو

تس والصبغة اآللية في كثير من تلك اإلشارات، يذكرنا بذمر كر. )٢(الفلكية

وهذه الكلمة ال تدل . kikiككي : زيت الخروع ) a ٦٠(إن أفالطون يخص بالذكر ) ١( -٤، واسـترافن ٤٩: ٢هروذتس : على الشجرة، بل على الزيت الذي يستخرج منها

استخداماته الطبيـة ، الخروع وCharles Beaugéراجع لشارل بوجيه . ٢:٥: ١٧ .Archives médico- chirurgicales de provinces. 1924.2. p. 67في مصر القديمة

.، نظريات أرسطو في تكون اآلجرa٢١ ٣٨٣: ٦: ٤مثال كتاب األحداث الفلكية ) ٢(

-١٢٢-

كما يعيد إلى ذهننا أشغال بعض السفستين وعلى كل، ال يسترسل أفالطون في ال بل يهمل تماما درس األحداث الفلكية المختلفة التي نالت . هذه الموضوعات

ذاك أن البلوغ إلى التنقيب عن الطبيعة . حظا وافرا من دراسات سابقيهيعة على ما رأينا، هي هدف أبحاثه وتلك الطب. البشرية يستحثه دونما ريب

الرئيسي.

-١٢٣-

الفصل السابع دهـان وجســنسروح اإل

الروح البشرية: البحث األول

مبدأئس كما في سائر مؤلفات أفالطون، هي أصالة في التيمالروح

أي فكل ما يحيا، . الحياة، أي مبدأ حركات منظمة وموجهة نحو غاية معينةوهذا ال . ذاتية، ما خال العناصر، يحرز روحارك في انتظام حركةكل ما يتح

.يفرض حتما أن تكون الروح ماثلة في كل أجزاء األجسام الحية بالنسبة ذاتها أن طبيعة الروح البشرية ال تبحث في حوارنا هذا إال على صعيد بيد

في عرض لغأما االعتبارات النفسانية فال تش. تربوي وأخالقي خصوصافنظرية اإلحساسات مثال تبسط كلها دون ذكر . أفالطون إال محال زهيدا

). ٥٧b(واحدة في معرض الكالم عن السماع الروح، غير مرة

:أقسام الروح - ١

فهناك أوال . ئس يميز ثالث ال بل أربع أرواح مختلفةيمإن حوار التوقد صوره الصانع ). ٤٢e (»المبدأ الذي ال يموت في الحيوان المائت«

-١٢٤-

ليودعه بعد ذلك في أيدي اآللهة الثانوية، المكلفة بصوغ األجسام الحية نفسه،)٤١d ،٤٢ e ،٤٣ade .( وهذا المبدأ، على كونه غريبا عن الجسد، يتحكم

ة هي أن يخدم المبدأ الروحيمع ذلك في بنيانه، ألن وظيفة الجسد الجوهريوالحال العنصر الغير المائت من الروح البشرية هو ). ٦٩d(بمثابة عجلة له

فهو كروي مثلها، وينطوي نظيرها على دائرة . مماثل كل المماثلة روح العالموله على غرارها دوراته، بعض منها يتعلق ". اآلخر"ودائرة " الشيء ذاته"

الفا لما ولكن خ). ٩٠d ، ٤٧d، ٤٣a(بالكيان، والبعض اآلخر بالصيرورة يحدث لروح العالم، يتمكن تأثير األشياء الخارجية من اإلخالل بتلك الدورات،

، ألن فيض الغذاء وجريان اإلحساسات ) ٩٠d ، ٤٧bcd(وذلك على وجهين المتواصل يسبب لدورات الروح البشرية ضروبا وألوانا من التشويه

إذا ما استثنيا األمور المشار بيد أن تركيب الروح البشرية العليا،. والتشويش .إليها، هو ذات تركيب روح العالم

وأفالطون يعيد إلى ذهننا بصراحة أن الروح تنطوي على نفس األبعاد وفضال عن ). d ٤٣(وعلى ذات الواسطات، ويعنى بالعودة إلى ذكر قيمها سم وقد انتصب الج. ذلك، فالنموذج السماوي يحدث فيها ضربا من الجاذبية

وهذه الروح األولى متحدة بالجسد، ). ٩٠a(البشري واستقام بتأثير الجاذبية ). c ٦٩ رe، ٧٣(مغلق عليها في الجمجمة، دور صنعها عن قصد لتتقبلها

وأكثر من ذلك هو أن الروح متحدة موضعيا بذاك القسم من النخاع، الموسوع ).d ٧٣(في الهامة، أال وهو الدماغ

عب علينا القول بأن أفالطون قد اعتقد بحقيقة تلك الدوائر هذا ويصألن الروح . التشريحية، الدائرة ضمن الجمجمة، طبقا لحركات القبة السماوية

. دراكها إال العقلإالبشرية، شأن روح العالم، هي غير منظورة، وال يستطيع يمنع أن تكون ولكن هذا ال) ٨٩٨d: ١٠(هذا ما سوف يقوله في الشرائع

-١٢٥-

في هذا (تطلب من أفالطون تعليما دقيقا، نفال ). ٨٩٨e(محتواة في الجسد .، تباعد كل البعد عن إعطائه)الصدد أو في غيره

: األرواح السفلى- ٢

أما األرواح األخرى فهي من صنع اآللهة الثانوية، وقد أولجوها في كل دقة على موقع كل منها وعلى وأفالطون يطلعنا ب. الجسم من الرقبة فما دون

.غير أنه ال يقول شيئا عن تركيبها. وظائفهاوهي مقر الغضب . فاألولى واقعة في الصدر فوق الغشاء الحاجز

نفصالها عن او). ٦٩d c(والحماسة الحربية وما إليها من المشاعر المماثلة عن طريق الروح غير المائتة ليس انفصاال مطلقا، إذ يمكنها االتصال بها

.ومن ثم فهي تقبل التأثر بعض التأثر بفعل العقل). ٦٩e(برزخ العنق أما روح التغذية، فهي على عكس ذلك، مفصولة أتم فصل بحاجب

إنها مربوطة بسكنها فوق السرة؟ كما . الغشاء الحاجز عن الروحين العلويينفتلبث من . أو فهموليس لها رأي أو تعليل. يربط البهيم األعجم إلى معلفه

وهي مقر شهوة الشرب واألكل والرغبة ). b ٧٧(طبعها أبدا هامدة خاملة ولكنها تتمكن، بفضل الصور المرتسمة على ). d ٧٢ ، ٧٠d e(واللذة واأللم

وهي التي . سطح الكبد األملس، بعض التمكن، من االتصال بالروح العليا .أشكال الوجدان الغامضة األخرىتحبونا باألحالم والمشاعر المسبقة وإذ ليس من تحتها سوى . وقف عند السرةتومجال فعل هذه الروح ي

تضاعيف األحشاء الملتف بعضها على بعض، وحيث ليس من قوة نفسية ومع ذلك، حتى في تلك البقعة المحرومة نجد روحا، . عاملة على ما يبدو

تبطا بالمنى، ومستعص كل االستعصاء ال بل كائنا جديدا حيا مستقال، مر ). ٩١a b(على تدخل العقل

-١٢٦-

وبالتالي، يبدو أن هناك فارقا في الطبيعة بين الروح غير المائتة وبين فمن جهة وظائف عضوية تعرفها حدود رياضية، مبدأ كله . األرواح السفلى

ر نظام وكله جمال، ومن جهة وظائف عضوية غامضة بهيمية، كأن الفكإذ . بيد أن التواصل لم ينقطع فيما بينها انقطاعا تاما. واالنسجام قد غربا عنها

هذا، وال . يبقى حتى في أحط الغرائز شبه انعكاس بعيد عن الحياة األبديةفكل روح أو نفس لها . ينبغي أفالطون أن يضحي حتى بأشكال الحياة الدنيا

ة شاملة على اإلطالق، وهناك سن. مجالها الخاص ووظائفها الضروريةتفرض على كل تلك األرواح أن تحافظ على كيانها، وأن تنميه بالممارسة والمثابرة على العمل، إذ بدونها يفسد طبع تلك النفوس

والروح الغير المائتة ذاتها تزداد قوة بالتروض ). c ٨٩ (وينحط ال محالةتكاد إذا ما استسلمت وهي على عكس ذلك تداني العدم أو . العقلي والتفكير

ومن . فخلودنا ليس نهائيا، وفي وسعنا أن نفقده بتوانينا). b c ٩٠(لألهواء ثمة علينا أن ننمي كل أرواحنا على السواء، وأن نعنى كذلك بمواهب جسدنا

).يلي وما ٨٩d(على اختالفها

: الحوارات األخرى ومصاعب هذا التعليم- ٣

ر لنا منها حوارات فيذن ق إجماال وما توفإن المعلومات السابقة تتفبيد أن تلك الحوارات على خالف التيمئس ، ال ترمي . وفيذرس والجمهورية

ولكن التيمئس ، شأن الباب العاشر من . إال إلى القسط الخالد من النفسوفي الوقت ذاته يفرض . الشرائع، يقول بتقدم الروح في الوجود على الجسد

ا مولودة مثله أما حوارات فيذن وفيذرس والجمهورية فهي تتضمن على أنهذا، ويضيف حوار فيدرس أن هعكس ذلك، أزلية األرواح كشرط للتذكر،

فتعليم فيدرس ). ٢٤٦c(تجسد األرواح نتيجة لسقطة وعقاب على زلة .قبة للخطيئةينطوي على اتحاد باأللوهة اتحادا أصليا، ثم انفصالها كعا

-١٢٧-

وعلى النحو عينه، يبدو إن فيلفس يقول إن نفسنا قد استمدت كيانها من من أين جسدنا قد اتخذ روحه، لو لم تنعش الروح جسم «: »الروح الكلية«

أما في التيمئس فنحن ال نعثر بعد على شي من هذا، كما ال » العالم بالذات؟ت اعتقادات أفالطون؟ وهل عدل فهل تبدل. )١(نعثر عليه في كتاب الشرائع

اآلن عن نظرية التذكر وعن أزلية األرواح؟ ألم يكن في ذلك سوى رمز جميل، ال فائدة منه في مصنف علمي؟

ولكن في النهاية، ما يهيمن على . من الصعب جدا أن نعرف هذا األمر كل تعليم أفالطون بشأن الروح البشرية، هو شعورنا بأن عقل اإلنسان، في

وبأي عملية أو حيلة يبلغ إلى ذاك . قيامه بوظائفه السامية متحد مباشرة باهللابل . فالطون ال يطمح إلى تفصيل هذا األمر وإطالعنا عليهأاالتحاد؟ إن

اختيارا واعيا صورا نبيلة، ذاك االشتياق هيكتفي بأن يوقظ فينا، باختيار .هو غاية البشرية القصوىالواله والظمأ غير المرتوي إلى مصير أسمى،

يشير إلى صعوبة مماثلة، في تحليل جميل E. Rohde والسيد روهدهففي التيمئس وكتاب الشرائع؟ . )٢(استعرض تعليم أفالطون في قضية الخلود

ولكن حركة الروح الخاصة تظهر لنا . )٣(الروح هي قبل كل شيء مبدأ حركةفمن جهة، هي حركة حي محركه . في التيمئس على وجهين متباينين جدا

وهذه الحركة منظورة محسوسة تقيدها مجموعة معينة . الروح وأداته الجسدومن جهة أخرى، هي حركة الفكر الرامية . من األعضاء والوظائف الجسدية

).a – c ٣٧ التيمئس(إلى أمور عقلية محضة، تخالطها وتتعرف عليها

.c ٨٩٦ و c ٨٩٢: ١٠ ثم الشرائع ، a ٣٠ ، وفيلفس c 246ر فيذرس ) ١( -٣

)٢( p.271, note 1. E. Rohde Psyche 2/2.

. a ٨٩٦ ، c ٢٨٩٤ :١٠الشرائع ) ٣(

-١٢٨-

هاتين الحركتين؟ وكيف يستطيع أي عالقة يمكن أن توجد بينف؟ فهل هذا مجرد )٤(العقل» دوران«أفالطون في كتاب الشرائع أن يتكلم عن

استعارة أو ربما باألحرى شعور عميق بوحدة األشياء، وباالنسجام الباطني ؟ فالعناصر المكونة للجسد أليست هي الروحالرابط بين نظام الجسد ونظام

لشيء ذاته واآلخر، النظام واإلخالل به، كل هذه نفسها المكونة للعقل؟ ااألمور متصلة في كل مكان، مختلطة، إال على حدودها القصوى المثالية، .حيث يستقر الخير الصافي من جهة والصيرورة المتقلبة أبدا من جهة أخرى

: التقمص- ٤

أحد العنصرين اللذين تتركب منهما الروح البشرية خالد، واآلخر هالكفيكلمنا التيمئس . والواحد صنع المبدع، واآلخر من إنتاج اآللهة الثانوية. ناف

.عن قسم من الروح مائت، وجوده نتيجة اتحاد الروح الخالدة بجسد مائتوالروح . حتمية)١( والجسد ينجم هو ذاته عن مجرى نواميسواتحاد الروح

في اختيار جسدها، الذي حلت أول مرة خضعت لسنة التجسد، لم تتدخل قط ). ٩٠a ، ٤١e(» المولد األول«وهذا ما يسميه أفالطون . فيه

إال ). ٤٤a(ولفرط تندي الروح الخالدة في هبوطها هذا تفقد إلى حينبحاث العلمية، أن تستعيد هي ذاتها األأنها تستطيع من بعد، بالتثقف وممارسة إن هذه الفكرة مأنوسة لدى ). ٤٤a c(نظام حركاتها المتشوش فترة من الزمن

غير أن التجسد األول ستعقبه تجسدات متتابعة، ال تتدخل فيها . )٢(أفالطون

)٨٩٣: ١٠) ٤ b ٨٩ ، التيمئس a.

كلمة نواميس يونانية من نومس التي أضحت عندنا ناموس وجمعت على نواميس، ) ١( -٤ )لمعربا (. مثل مفاعيل

. وما يلي٦١٥: ١٠الجمهورية ،d ١١٣ ، فيذنa ٢٣غرغيس ) ٢(

-١٢٩-

البشرية في الحة التي تنهجها األرواح طاآللهة، بل تتعلق بالسيرة الصالحة أو الألن هناك بعض التجانس والتقارب بين الصورة التي يتخذها البشر . )٣(هذه الدنيا

وفعال في والداتها ). ٧٨a(حياتهم الجديدة، وبين سلوكهم على األرض في الجديدة تستطيع األرواح البشرية أن تعود وتتجسد في أجسام بهائم من كل نوع،

). ٩٢b a)(كالحلزون والمحارات وما إليها(حتى في أجسام األسماك والرخويات ا نوإذا استثني. اتبنجسد جديد في الكليس، عن تإن أفالطون ال يتكلم، شأن أمبذ

وأجسام كل . هذا األمر، فهو يعرض لتعليم تجدد الوالدة في شكله األعم .)٤(يواء األرواح البشرية الساقطةالحيوانات بال استثناء، تبدو قابلة إل

دا كهذا يبدو مناقضا لنصوص عدة في حوار فيذرس ـإن تأكيذرس، روح حيوانية، بمعنى الكلمة الحصري، لم فطبقا لتعليم في. والجمهورية

ومن ثم أال ). ٢٤٩b c(تشاهد قط الحقيقة، ال تستطيع أن تحيا في جسد إنسان ستطيع هي أيضا تيجب، مقابل ذلك، القول بأن روحا بشرية، ولو ساقطة، ال

، أن توجد وتعيش في جسم حيوان؟ السيما وإن ما يميز اإلنسان تمييزا خاصاهو وجود الروح العليا فيه، تلك الروح التي صورها المبدع بذاته، أي الذيمن

)المالك أو الجني ( سخيوالب)النفس ( غسواللو)والحال أن ). النطق والعقل .)٥(هذه الموهبة والخلة، البشرية في جوهرها، مفقودة في الحيوان

ابا، فهذا العقاب ال ينال ومع ذلك، إن كان التقمص في شكل حيوان عق سفكيف قد يتمكن العقل، ). أي اإلدراك والفهم والروح العاقلة(إال النو

الغريب برمته عن الطبيعة الحيوانية، أن يقطن فيها ولو برهة واحدة؟

.b ٤٢ التيمئس ،e ٦١٧: ١٠ الجمهورية ، ٢٤٩b فيذرس) ٣(

٦٢٠ ،a ٦١٨: ١٠ الجمهوريةe ٨١ فيذن ، ٢٤٩b ، فيذرسb ٩٢ ،d ٩١ ئسيمالت) ٤( .b c ٤ التيمئس

.a b ٤١١: ٤الجمهورية ) ٥(

-١٣٠-

. وابروكلس يعلمنا بذلك. إن تالميذ أفالطون قد الحظوا تلك الصعوبةوقد ادعى بعضهم أن النفس . )٦(ى إيجاد حل مالئم لهاغير أنهم لم يتوقفوا إل

الروحية، وهي متماثلة في كل مكان، ال تنشط وال تعي ذاتها دوما بالنباهة ومن ثم فهي تتدنى أحيانا وتغفو بحيث ال تستطيع أن تنعش وتحيي . عينها

في مقام ولكنه ال يبديها بدقة . فهذه كانت ربما فكرة أفالطون. )٧(جسم إنسان .ما من مؤلفاته

فهو يرتأي أن أفالطون قد . افتراضا آخرE. Rohdeوقد اقترح روهده رد، في أواخر حياته، كل محتوى الروح إلى موهبتها العقلية، وزوى في

غير أنه في تلك الحال كان مضطرا إلى . الجسد كل الوظائف النفسية األخرىال يكون قد حافظ عليها في التيمئس إال من و. العدول عن نظرية تجدد الوالدة

العملية أيضا، باب األمانة العفوية آلراء األرفيين وأمبذ كليس، وبسبب فوائدها .وما قد يجلبه مثل هذا التعليم من تأييد للحقائق األخالقية

إال أن التقليل من أهمية االعتقاد بالتقمص هو تنكر لروح األفالطونيةفاإليمان ، فمهما كانت األسطورة التي تعبر بالصور عن ذاك االعتقاد. بالذات

والثقة بمجهود العقل ، بتقدم ممكن تحرزه األرواح أو تدن محتمل تنحدر إليه. ليسيطر على الغرائز السفلى، كل هذا عنصر متميز راسخ فلسفة أفالطون

ن التعليم األفالطوني في هو أ، على ما أشار إليه روهده، وما هو صحيحفأفالطون . الروح يفسح المجال لمعطيات كثيرة تختلف في منشأها وطبيعتها

غوري القديم ونظرية في ثيمزج ويصهر في بوتقة واحدة االعتقاد األرفي والبالتيمئس في هذا . مبدأ الوظائف الجسدية) ترى فيها أيضا(الروح أحدث عهدا

لكل المذاهب ، كامل جدا حتى من ذلك الوقت، وفر لنا أول تصميمار يمالمض

)٣٢٩) ٦ d e ، ٢٩٤ ص ٣ديهل.

.١٥، a ٤٣٢ آئيتسيس في كتاب اآلراء) ٧(

-١٣١-

ـقة بروح اإلنسان من عهد ، وسوف تهيمن تلك المذاهب على الفلسفة. المتعلـوز، أرسطو إلى عهد ديكارت . فاليبنتزاثم عهد اسبن

اتحاد الروح والجسد- ٥

فكما . لروح والجسدإن أفالطون هو ربما أول من طرح مشكلة اتحاد افهي مزمعة أن تتحد به أيضا على وجهين ، أنها تظهر في مظهرين متباينين

فهي ال ، والروح بصورة عامة إن كانت أقدم من الجسد وأكمل. متميزينفتركيب جسم العالم مثال هو أقل نقاء فقط من . تختلف عنه في الجوهر

إذ يكمن في الروح ذاتها ، ونةبيد أنها تتضمن عين العناصر المك. تركيبهاوبالتالي يشبه اتحاد الروح بالجسد ضربا من . جوهر األجسام القابل التقسيم

. تخلط فيه عناصر كيميائية متجانسة ،الخليطيعارض الجسد وفي آن واحد األقسام ، ومنشؤه إلهي، على أن العقل، ومكان محنةهو له سجن ومنفى ، والجسد حيث يلج. السفلى من الروح

.لكنه يلبث غريبا عنها. معدة لنقله» عجلة«وأيضا . وال يتكلم أفالطون في التيمئس اإل عن الصنف األول من االتحاد

. هي متحدة موضعيا بالنخاع-. )١(ويجب أن تفهموا األرواح الدنيا-فالروحوالنخاع . نىوالنخاع يشمل الدماغ ومخ السلسلة الفقارية ومخ العظام والم

نعمت فيها ، مات مستمدة من كل العناصريقوامه قس، جسم نقي نقاء خاصاففي هذا النخاع تأتي األرواح . )b e ٧٣(المثلثات األصلية إلى حد بعيد

التي ، )b d ٧٣(» أوصال الحياة«وبه ترتبط . »وترسي«وتستقر ، وتتأصل

ر ما . لقد نسي رفو أنه يتكلم أو باألحرى أن أفالطون يتكلم أيضا عن الروح العليا) ١( )المترجم. (تقدم الفقرة األولى من هذا الفصل

-١٣٢-

ع هو أيضا متحد بالعظام اتحادا والنخا. تشد الروح إلى الجسد وتأسرها بهومتحد باللحم الذي يغشي . فهي تقيه من الصدمات وتقلبات الطقس. وثيقا

). ٧٣b(ألن العظم واللحم يتولدان هذا وذاك من النخاع . العظم ويحميهويصعب أن يتخيل المرء اتحادا ). ٧٣e( يدخل في تركيب العظام والنخاع

ينطوي على تفكك العناصر » أوصال الروح«نفصام حتى إن ا، أعمق وأوثقفالعقل وحده ينجو على األقل جزئيا من . نفسها التي تتألف منها الروح السفلى

ويمكن أن . وقلنا جزئيا ألنه خاضع لفعل األرواح الثانوية الدنيا. مصير الجسد . ينجرف في سقوطها وتدنيها لفترة من الزمان قد تطول أو تقصر

األجسام احلية: حث الثانيالب

:عناصر األجسام الحية - ١

ووصف تلك . يبدو أفالطون وكأنه يسرع ليبلغ إلى بنية الكائنات الحيةال يرتاب أفالطون في أن . البنية سوف يستوعب أو يكاد نهاية الحوار كلها

)١(وتأكيد مينن في األبحاث الطبية. تلك الكائنات تتركب من العناصر األربعةإن أفالطون يعلن أن أجسادنا «: فهو يقول. )٢(تؤيده نصوص فيلفس وتيمئسألن األشياء الموجودة في الكون تتولد على هذه ، تتكون من العناصر األربعة

وهذه . والكائنات الحية تشعر بانطباعات الحر والبرد. »الطريقة نفسهاا وجد في تلك الكائنات عنصر االنطباعات ال يمكن المرء أن يفهمها إال إذ

والماء والبرودة ، )٣(وفضال عن ذلك فالنار مبدأ الحركة). c ٦١(النار والماء

)١ (Diels, XIV. 12. .a ٢٨تيمئس ، de ٢٩فيلفس ) ٢( .da ٦٧، تيمئس da ١٥٢ثئيتتس ) ٣(

-١٣٣-

التراب هو الذي يقوم بالدور الرئيسي في تكوين نولك. )٤(مبدأ السكون والراحةسيما ال، ا لهذا التعليم وقد عبر عنه مرارا عدةنوأفالطون ال يفتأ أمي. األحياء

.)٥()المولودون من قلب تربتهم(» أهل األرض«عندما كان يعود إلى أسطورة

:التشريح عموما - ٢ويبدي لنا فيه تفاصيل ، يتبسط أفالطون في عرض فرضيته العامة

بحيث يتضمن التيمئس بحثا شامال حقيقيا في التشريح وعلم . غزيرة جدا . الوظائف العضوية

عرض مسائل التشريح هو غريب األطوار ألول والترتيب المتبع فيإذ يكلمنا أفالطون تباعا عن الغشاء الحاجز وعن القلب والرئة والكبد . وهلة

نخاع السلسلة الفقارية (ثم يحدثنا عن النخاع عموما . والطحال واألمعاء، وعن اللحم والعراقيب، وعن الدماغ والعظام والمفاصل، )ونخاع العظام . وجلد الهامة والشعر واألظافر، األسنانوعن الفم و

سلسلتين مستقلتين من ، في التشريح األفالطوني، فيمكن أن نميزواألولى تنظر إلى األعضاء الرئيسية بمراعاة موقعها من الجسم ، التوسعات

والثانية تبحث خصوصا عن األعضاء التي تمت بصلة ممتازة . بدءا من عل .إلى وظائف الروح

. أن التشريح هذا كله يستوحي فكرتين عامتين، عالوة على ذلك، بدوويوال نظرا إلى التطبيقات ، وهما أوال أن أفالطون ال يتبسط في التشريح لذاته

ولكن خصوصا ليوضح بدقة أوفى ، مهما بلغت أهميتها في عينيه، الطبيةد؟ فيبرز التشريح وعالقات تلك األقسام بالجس، موقع أقسام الروح المختلفة

.a ٦٢ ، تيمئس ade ١٥٧ثئيتتس ) ٤(، وهذا بالضبط معنى كلمة أفتوخئنa ٢٧١، b ٣٦٩، السياسيc ٢٤٨السفستي ) ٥(

تماما، وتعني ال سكان البالد األصليين indigenaوهي تعادل الكلمة الالتينية . اليونانية )المعرب. (فحسب، بل أهل األرض النامون من قلب تربتها

-١٣٤-

، وهذا ما كان في وسعنا أن نتوقعه، وثانيا. حق بعلم النفسهكذا وكأنه علم ال . تسيطر على العرض برمته أبدا دائما اعتبارات غائية

:الغائية في بنية الجسم - ٣

في التيمئس سلسلتان من التأمالت مختلفتان تدور حول موضوع .الغائية هذهلزمه أن ، ما أخ)c ٦٩ (ان الجسم قبل كل شيء عجلة الروحلما ك - ١

والحال أن الروح تحوي أوال قسما مائتا . يشمل تقاسيم تماثل تقاسيم الروح عينهاد سيفصل قسمي الج» برزخ«فيقدم لنا أفالطون العنق بمثابة . وقسما غير مائت

).e ٦٩ (ول بالثانياأل، في آن واحد، هماالمقابلين الواحد عن اآلخر ويصلوبين الجزئين . أيضا في دورها إلى قسمينيوالروح المائتة تقسم ه. (a 70 , e 69)الغشاء الحاجز » حاجب«يقوم ، من الجسم المعدين إليوائهما

، روح التغذية والروحين العلويتين يالحظ المرء أن الفصل كامل بين وسوفحين أن االتصال يلبث ممكنا عن في ، المعزولتين عنها بالغشاء الحاجز

التي ال تبرح قادرة على ، يبين الروح العاقلة والروح الغضوب، طريق العنق .)a ٧٠ (سماع صوت العقل

حتى بين الروح ، ومع ذلك يمكن أن ينشأ اتصال مضاعف غير مباشر. (b 70) إذ يقع فعل في الواقع خصوصا على القلب. الدنيا والروح العاقلة

فهو يتصل بواسطة الشرايين ، القلب قد جعل فوق الغشاء الحاجزومع أنأضف إلى ذلك . حيث ينطلق الدم ليحمل مشورات العقل، بأبعد أجزاء الجسم

، فتبرده الرئة، أن ما يهيج الروح الغضوب من اضطراب يؤتي القلب حماوةيه ويقفز وتكون له في الوقت نفسه بمثابة مسند رفاس يمكن القلب أن يتكئ عل

. )d ٧٠ (ليعاود مكانه

-١٣٥-

عضو الروح ، ويحدث االتصال الثاني غير المباشر عن طريق الكبدبين الغشاء ، المتبطحة، وتبدو روح الرغبة والشهوة. )ad ٧١ (الشهوانية

وهو مقرها ، ولكن الكبد. غريبة اغترابا تاما عن العقل، الحاجز والسرة، على سطحه األملس، الواردة من العقلله خاصة عكس الصور ، الرئيسيولسبب ما أحجم عن ، »العكس«وال يشير أفالطون إلى أسلوب ذلك . اللماع

إال أن العكس يفرض أن صورا تنطلق من المنطقة العليا . تلك اإلشارةأما الطحال . وتستطيع أن تخترق سد الغشاء الحاجز وأن تلج الجوف نفسه

). c ٧٢ (ف ما قد يلطخه من أدرانبجر، فمهمته تنظيف الكبدوتحت السرة ال يبقى سوى . ويتوقف مجال سيطرة الروح عند السرةغير أن . والمالئة أسفل الجوف، تضاعيف األمعاء الملتفة بعضها حول بعض

ألم ينط بها أن تحتفظ بالغذاء فترة من . األمعاء نفسها تؤازر نشاط العقلعن إزعاج ، في كراتها الغير المنقطعة، الجسدالزمن كافية لتصد احتياجات

العقل إزعاجا متواترا جدا في ممارسة أعماله؟ فال يقدر المرء أن يتصور . تشريحا وعضوية نشبت فيها األفكار الغائية نشوبا أوفر وأتم

فالنخاع والدماغ . إن الروح متحدة بالنخاع وقد تثبتنا من ذلك قبال- ٢ والروح مرتبطة بها كما ).d ٧٣ (التي تشد بها الروح وتؤسرهما األوصال

في كتاب الجمهورية، ترتبط عينا خطوط الطول بوشيعة العالم المركزية)٦١٦: ١٠ cd( .وهو أصل المنى أيضا، والنخاع،) ٧٣ c ٧٤ و a( يشمل مادة

وأفالطون يخلط بين مخ العظام وبين محور الجهاز. الدماغ ومخ العظامفتركيب النخاع إذن يختلف عن تركيب أي قسم آخر من . العصبي الفقاري

ويردنا أفالطون لتفسيره إلى تأمل . ويشبه تركيب الكواكب، أقسام الجسمويبغي أن يلقننا أن النخاع قد صنع من مثلثات في ، )bc ٧٣ (المثلثات البدائية . العناصر نفسهاكأن جوهر النخاع أوفر كماال من جوهر، غاية النعومة

-١٣٦-

وقدرنةلطبقا ، كب النخاع منذ األساسرر فوارق األنواع ، نسب معيتفسوسلسلة من القطع . وهو يؤلف كتلة كروية هي الدماغ).c ٧٢ (الالحقة

وإذ . ويوجد النخاع أخيرا داخل العظام. المستديرة المستطيلة هي النخاع الفقاريا، ةإن النخاع هو أداة الروح الخاصفقد حظي بجهازي وقاية منظمين جد.

ال لقد س٧٣ (لح سالحا عظميا صلباأو de( ، مستديرا متصال حولومتخذا في ، حول النخاع الفقاري، وهي الفقرات، متفرعا إلى أقسام، الدماغ

ودور العظام الرئيسي هو أن تحمي النخاع . األعضاء أشكاال عظمية متنوعة(a 74) .تها ال تقبل الفسادوللغ اآللهة إلى هذه . ذا الق أن تكون مادوقد ب

وإن ، هذا.)e ٧٣ (النتيجة بصهر العظام على دفعات متتالية في النار والماء نفسها تحوي كمية نسبية من النخاع، لتضمن دونما ريب التصاقا مادة العظام

لتمكن الجسم من أخيرا ربطت العظام بمفاصل . والنخاعأكبر بين العظام ).ad ٧٤(التحرك

واللحم له ثالث وظائف ). cd ٧٤(ثانيا كل تلك األجزاء غلفت باللحم بفضل ما ينطوي عليه من رطوبة أو ، فهو يحفظ حرارة الجسم ثابتة. رئيسية

المفاصل ويمنع نخر يحميواللحم. يتألف منها العرق، أخالط خصوصا دونويحول، واللحم أخيرا يقوم بدور المنضدة، )b ٧٤( العظام في باالحتكاك

وأفالطون يالحظ بصورة عابرة أن . )b ٧٤( تهشم العظام في السقطاتحساسية أقسام الجسم هي في نسبة عكسية بالنظر إلى العظام وإلى اللحم الذي

وهذه الحساسية تبلغ ذروتها في الرأس الذي تحميه عظام رقيقة ال . يغشيهاوهي ضعيفة في األعضاء حيث العظام الثخينة يغشيها لحم . لحميكسوها ال

ففي كل الحوار . والشعر يوفر للجمجمة حماية خاصة). bc ٧٥( كثيفوكل ما يأتي على ذكره منها . يقتصر الوصف التشريحي على أزهد التفاصيل

ين وب، وغالبا عميقة، أحيانا صبيانية، يستغله أفالطون لتفسير غائية صرفة . الفنية ترافقها أضواء مذهلة كأنها من عالم الغيب

-١٣٧-

:تنسيق المسائل المتعلقة بعلم وظائف األعضاء - ٤

وبهما . علم العضوية األفالطوني برمته مداره وظيفتا الغذاء والتنفسألن الغذاء ،فإذا كان المبدأ بسيطا. يربط أفالطون بحث الدورة الدموية

فتفاصيل ، (a 81 e 80)ية واحدة هي إنتاج الدم والتنفس يسعيان إلى غاوإن حكمنا في الموضوع ونظرنا في حكمنا إلى وفرة . العمليات متداخلة جدا

تثبتنا أن الفيلسوف ال يسيطر ، االستعارات التي يلجأ إليها أفالطون وغموضهابسبب وهن ، وال ريب، فهو يتعثر ويرتبك. ملء السيطرة على موضوعه

. ه التشريحيةمعلومات

: العروق الكبيرة- ٥

فهو ال يميز فعال تمييزا واضحا بين المسالك التنفسية والمسالك الدموية ويبدو أن وصفها العام ينطبق على هذه أو تلك على . والمسالك الهضمية

فبين اللحم والبشرة مجريان ظهريان . وهو وصف مقتضب مبهم. السواء ). de ٧٧( إلى يمين العمود الفقاري واآلخر إلى يسارهالواحد واقع ، كبيران

فهل الكالم عن األبهر . وفروع هذين المجريين تتصالب على مستوى العنقأو هل يدور حول . والوتين؟ غير أن هذين العرقين ال يتصالبان في العنق

وحول القصبة الرئوية؟ ولكن أفالطون ال يجهل أن ) أي البلعوم(المريء وليس على جانبي السلسلة ، ن الواحد خلف اآلخراريين واقعهذين المج

نظرية التنفس عرضوهل الكالم عن األوردة والنوابض؟ ولكن. الفقارية .يغدو عندئذ مستحيل اإلدراك، وهو يلي العرض السابق

. التنفس والغذاء- ٦

إن التنفس والغذاء في نظرية أفالطون وظيفتان مرتبطتان الواحدة فكيف . وتفسران على الطريقة اآللية الصرفة نفسها .ارتباطا وثيقاباألخرى

-١٣٨-

أن تحتجز فيه؟ وإن هذه ، بعد ولوج الجسم، تستطيع العناصر الغذائيةألن جسيمات الهواء والنار ، (ab 87)العناصر تنتج حتما عن التراب والماء

اللحم حتى إذا دخلت الجسم تخرج منه حاال وتترشح خالل، الصغيرة جداالتي يوفر ، بيد أن حركة الهواء والنار المتواصلة. c 79)و(d 87 العظام

. هي تفسر لنا التغذي نفسه، ويحافظ عليها التنفس

:غشائية ومجاري التنفس الغازية مجاري التنفس ال- ٧

ولهذه واقع -يميز أفالطون بين مجاري التنفس والغذاء الغشائية أو الليفية وبين المجاري الغازية التي يمكنها أن تنطبق انطباقا دقيقا على –شريحي ت

ويمكنها أيضا أن تفارق تلك المجاري إذا دعت الحاجة وأن تخرج من ، األولى . كلها في غاية الغموض ن هذا التمييز يجعل نظريتهإ. الجسم إلى حين

إننا نستطيع . بين الرأس والحجاب الحاجز» المجوف األعلى «نتأمللف، ينحني أولهما على مستوى تجاوير األنف، عينوأن نرى فيه مجريين مك

وهذان المجريان يتركبان من هواء ونار. والثاني على مستوى حنية الحلقولكنهما يقترنان بتعاريج المجريين المنظورين . - أي إنهما من غاز -

.الحلقوم والبلعوموقد يميل المرء ألول . رى له فرعانويتشعب األول متخذا هيئة مذ

غير أن هذا . وهلة إلى االعتقاد أن ذلك المذرى يقابل فرعي القصبة الرئويةلى إ يحدر في الواقع أحد الفرعين إن اهللاإذ . الظن بعيد عن فكر أفالطون

ويحدر ، )الشعاب الغليظة(فيتبع هذا الفرع شعاب القصبة الرئوية ، الرئةوبالتالي فرعا مجرانا األول . بإزاء الشعاب» وف الداخليالمج«األخر إلى

الذي ينفصل عن ، ومن جهة أخرى المريء، هما من جهة القصبة الرئوية . القصبة تحت اللهاة

-١٣٩-

في المجوف ، ثم إن هذين المجريين يتفرعان إلى أطراف الجسمري وهما ال يقابالن المجا).cd ٧٨( على غرار دالية من قصب، الداخلي

وعالوة . فهما أوال يتألفان ال من لحم وعظام بل من هواء ونار. التشريحيةحيث ، ليس من تماثل كامل بين هذين المجريين والمجاري الغشائية، على ذلكفإن حافظ الجهاز الناشئ عنهما جملة على : ألن لهما خواص فريدة. ينسابان

قدارا كافيا ليجتاز المجاري فهو يبلغ من الليونة م، شكله الذاتي إلى حد ما، وليلج في الجسم عن طريق الفم والمنخرين، الغشائية دون أن يذوب فيها

ال بل يستطيع بسبب دقة العناصر التي . وليخرج منه مارا بنفس الطريق .d) c٧٩ ٧٨ (يتركب منها أن يخرق اللحم والجلد ويتسرب هكذا خالل الجسم

غالف أو حاجز خارجي : لغازي من جزئيينأخيرا يتركب هذا الجهاز اومحتوى ، نظير األقسام المكوعة القائمة فوق اللهاة، مصنوع من هواءوالحال أن من خواص النار أن تجتاز كل األجسام حتى . مصنوع من نار

الهواء فالنار المحتواة في المجاري الهوائية يمكنها إذن أن تجتاز حواجز تلك ر لنا أفالطون التنفس واستساغة . ها معهاالمجاري دون أن تجروسوف يفس

.الغذاء بواسطة هذا الجهاز

: عملية التنفس- ٨

.فعل التنفس ينطوي على أطوار ثالثة

:الزفير - ١

. السيما النار، وهو الزفير بخواص العناصر العامة، يسفر الطور األولتسعى إلى ، جسموالمحتجزة في ال، فالنار المحتواة في النسمة المستنشقة

فتجر معها من الداخل إلى ،)a d e ٧٩(الخروج منه لتلحق بالنار الخارجية وهكذا في كل زفير يخرج الجهاز . الخارج جهاز التنفس الغازي برمته

-١٤٠-

الغازي(التنفسي( ،ا أن . من الفم والمنخرين وينتشر في الجو الخارجيوال بد .وال يعبأ بحركات الصدر. أوليانالحظ أن أفالطون يعد الزفير فعال

: التنفس الجلدي- ٢

عندما يلج جهاز التنفس الغازي الجو يضغط الهواء الخارجي في جوار . إذ ليس من فراغ، وهذا الهراء يضغط في نوبته الهواء المجاور. الرأس

ا إلى كل طبقات الهواء التي تحووالحال أن .ط الجسموالضغط ينتقل دائري فينفذ ، واء الخارجي عندما يضغط على هذه الصورة يبحث عن منفذاله

بل خالل البشرة واللحوم ، ال عن طريق الفم والمنخرين هذه المرة، الجسم)٧٨ d ،٧٩ e( .على هذا النحو بارد فيدفأ بمالمسة اللحم. والهواء الممتص ،

الهواء ويحدث في ، فيخرج إذن خالل اللحم. وينزع من ثمة إلى الصعود . الخارجي ضغطا ثانيا يخالف باتجاهه الضغط األول

: االستنشاق- ٣

وكان -، من جديد) الغازي(وهذا الضغط الثاني يدفع الجهاز التنفسي ).d e ٧٩ ( فيضطره إلى الدخول من حيث خرج–قد خرج من الفم والمنخرين

ي بين فالتنفس الجلدي إذن في نظر أفالطون هو طور متوسط ضرورفهو . ومبدأ التنفس الرئوي هو واحد بالذات في زعمه. زفير يليه استنشاق

في اندفاعه إلى مكانه الخاص ٧٩(دوما حركة العنصر الحار d ،٨١ a b(. ذاك ، وما هو أوفر غرابة في كل هذه النظرية إقحام جهاز التنفس الغازي

رج من الجسم دون أن الجهاز الذي يقترن بتعاريج المجاري ويمكنه أن يخوهذا ما يؤكده لنا في . وهذه الفرضية انفرد بها أفالطون. يفقد شكله الذاتي

. إلحاح مؤلف كتاب التنفس

-١٤١-

، سبقينن نظرية أفالطون تخالف جميع نظريات العلماء األإفهو يقول وقد ارتكب أفالطون خطأ ال . )١(نظير ذموكرتس وأنكسغورس وأمبذكليس

أن الزفير يسبق ، خالفا لكل ما يقارب الحقيقة، عندما افترض، فسرييلج ، يقول أفالطون، عندما تخرج الحرارة عن طريق الفم«: االستنشاق

ويشغل المكان الذي خرجت منه ، الهواء الخارجي خالل اللحم ذي المسامن بعد أن يسخ، ثم يخرج هذا الهواء من جديد... إذ ليس من فراغ، الحرارةالهواء الساخن ، ويطرد ثانية دائريا عن طريق الفم. ليعاود مكانه، هو أيضا

أن الزفير يسبق ، والنتيجة لمن يزعمون هذا الزعم... الذي سبق وخرج . »)٢(والحال أن األمر على عكس ذلك. اقاالستنش

: عملية التغذية والدورة الدموية- ٩

ألن ). ٨٠d (ثيقا بظاهرة التغذيةن ظاهرة التنفس مرتبطة ارتباطا وإما بين ، )الغازي(مع جهاز التنفس ، »المجوف األسفل«النار عندما تلج

فإن . الغشاء الحاجز والسرة تقسم األطعمة الموجودة هناك إلى أجزاء صغيرةي النار تلك ثم تزج. لها الخاصة تقسيم كل األجسام، النار على ما نذكروتوزعها على ، وتدفعها إلى المجاري الدموية، صعودهااألجزاء الصغيرة في

).a b ٨١، a b ٧٩، e ٧٨ (طبقا لسنة تقارب الشبيه من الشبيه، الجسم برمتهينشأ على حساب تلك األجزاء حيث يسود اللون ، هو مبدأ تغذية الجسم، والدم

ئن إذ تقابل كل كا. وتحصل استساغة الغذاء بفعل علل آلية محضة. األحمرثم . ورؤوس تلك المثلثات أحد في الشباب .حي مثلثات بدائية متنوعة متميزة

). ٨١b (تهتري مع العمر وتهاجم األطعمة بعزم متضائل

)١ (Empedocle. Fr, 100. Vorsokr, 1/3. p. 258.

)٢(Ps . Aristote .De Respiratione . 5. 472 b. 6 ; 13- 19 et 21. 480 a .16 et sq .

-١٤٢-

وأن المجاري تقوم ، ويؤكد لنا أفالطون أن الدم ال يبرح في الجسموقد يتوقع المرء أن يخضع هذا الجريان لحركات جهاز . بدور قنوات ري

ومع ذلك يكتفي أفالطون بأن يؤكد لنا أن الدم يتحرك في الجسم . لتنفسا غير أن هذا كله ال يمنع ). ٨١a (حركة تشبه الحركة التي تدفع القبة السماوية

. أن ينطوي التيمئس على أول محاولة لعرض نظرية تفسر الدورة الدموية

: مصادر علم الحياة األفالطوني -١٠

ن يختلفان برمتهما اختالفا وافيا عما يشريح وعلم العضوية هذإن علم التكما يختلفان أيضا ، نجده منهما في المجموعة الهبكراتية وفي تأليف أرسطو

فعلى وجه عام تبدو . عما نجده منهما عند العلماء السابقين عهد سقراطة بكثير من وأقل ضبطا ودق، معلومات أفالطون التشريحية ناقصة جدا

. معلومات األطباء معاصريه أو سابقيهومعلوم أن الهيكل العظمي والمجاري الدموية الرئيسية والعضالت

وأن األطباء ، .)م.ق(منذ القرن الخامس ، كانت موضوع وصف صحيحبيد أن من يطالع كتابات . اليونان مارسوا من عهد بعيد التبضيع والتشريح

فأرسطو ال يميز . تخف وطأة قسوته على أفالطون،أرسطو في علم الحياةن جهاز التنفس ليس ال بل يؤكد صراحة أ، )١(أكثر من معلمه بين الرئتين

ولكنه . وهو يميز جيدا بين المريء وبين المجاري التنفسية. )٢(عضوا مزدوجاات ال بل يتبنى عدة فرضي٧٠c .( (نظير التيمئس يقبل أن يدخل إلى الرئة

. يشير إليها أفالطون

.٧ و ٦: ٣أعضاء الحيوانات ، أرسطو)١( .١٣، ٦٦٩b: ٧: ٣. م. ن) ٢(

-١٤٣-

فنحن نلقى عنده أيضا التشبيه بين جهاز المجاري الدموية وبين جهاز وتوارد التعابير المستعملة يثبت لنا أنه استوحى التيمئس . )٣(ري البساتين

إن : على شرح غريب لنمو الشعر) ٧٥e (وكذلك ينطوي التيمئس. مباشرةة الجمجمة بثقوب كثيرة يسري منها الخلط صانع الجسم البشري قد نقش بشر

الجزء األقل ميوعة يصده ، رج في بطء من المساماومن هذا الخلط الخ. الدافئ ).b c ٧٦ (الهواء المجاور فينكفئ عائدا إلى تحت الجلد ويضرب فيه جذوره

في مقطع طويل من كتاب ، ونحن نعثر على شرح مماثل مع بعض الفوارق .ألرسطو )٤(مولد الحيوانات

فهما مثال ال ٠فأمور مجهولة كثيرة مشتركة بين أفالطون وأرسطو ال غرو أن علم ٠بين العضالت واللحم واألطناب، يميزان ال هذا وال ذاك

وال سبيل للمقارنة وبين ، التشريح وعلم العضوية هما أكمل عند أرسطو بكثير ٠ن كثيرا إال أن االتجاهات في التعليمين ال تتباي٠أستاذه

وأن يكون أفالطون صاحب األبحاث التشريحية المعتمد عليها في أو قام بها ، أو أن يكون قد استفاد من أشغال نفذت في مدرسته، التيمئس

بعد ، فهذا كله فرضية ال تنطوي على شيء غير معقول، سفستيون معاصرون ٠لميما أعلمتنا دراسات ديل عن نشاط األفالطونيين الع

نظرية اإلحساسات: البحث الثالث

فهي تلي ٠ن نظرية اإلحساسات تحتل في التيمئس مكانا مستغرباإ ، خالفا لما أنسنا من ترتيب،قوتسب، نظرات عامة إلى تركيب األجسام الحية

، ٦٦٨: ٥: ٣أعضاء الحيوانات . »نظير األقنية في البساتين«: ٧٧c التيمئس )٣(

.»في البساتين إلى أقنية كثيرة رتتشعب المجاري«

...الخ٢٥، ٧٨٢: ٢: ٥ )٤(

-١٤٤-

، وهذا التخطيط تمليه على أفالطون مشاغله الغائية٠بجث التشريح والعضويةوخالفا لما سوف . اإلحساس ميزة من مميزات الكائنات الحيةن وظيفةإإذ

بل يكتفي بأن ، ال يعطي أفالطون شرحا عاما عن اإلحساسات، يفعل أرسطو. لنظر والسمعشم واليدرس تباعا الحواس الخمسة أي حواس اللمس والذوق وا

ذلكوكما الحظ ثؤفر تسال إال بصدد ، سالنظر ليس درس أفالطون مفص .)١(والسمع

:الرؤية - ١

وهو يعمل على ثالثة .أن عنصر النار هو الوسيط الضروري للرؤية : فأفالطون يميز.)٢(كما يالحظ ذلك أرشه هاند وبيئر، أوجه مختلفة

عندما ترتفع ، والمتدفقة منه، نار الرؤية المحتواة في جرم العين) ١ ). ٨٢b (وكأنها تيار متواصل، الجفون

أنها .والبادية بهيئة اللون، النار الخاصة بكل شيء مرئي) ٢ .الرؤية الحقيقي» محسوس«

غير مرئية ، ولو مضيئة، وبدونه تبقى األشياء عموما. نور النهار) ٣ ..)م.ن(

ولكننا نجد في .ستس سوى الصنفين األولين من الناررفئووال يذكر ث وال يأتي . تمييزا هو نفس تمييز التيمئس)c a ٥٠٨: ٦ (نص من الجمهورية

وال ذكر األشياء ، في موضع ما على ذكر الصور التي تتكون في العين .المشعة التي تلبث نيرة مرئية حتى في الظالم

)١ ( De sensibus . Doxogr. p. 500 . 8 . cf. J. A. Beare . Greek Theories of

elementary cognition . p. 141.

. ١١- ٩، ٥٠٠ص ، كتاب اآلراء لثؤفرستس) ٣ (– ١٤٠ص. ن م) ٢(

-١٤٥-

ليست النظرية ، ونظرية الرؤية في الشكل الذي يضيفه عليها التيمئسوالمردودة إلى غرغيس وربما إلى ، ) ٧٦d (عينها التي تبرز في حوار مينن

يعرض ) ٩١ و ٥ف ( وفي كتاب الحواس .)٤(على ما بين ديل ، أمبذ كليسفالبعض . لنا تعليم أفالطون بمثابة حل وسط بين فرضيتين متعارضتين

ط ) ومنهم ربما ألكميئن( يشرحون الرؤية بمجرد تيار ينبعث من العينين ويسل) بتيار(، على عكس ذلك، يقبلون) أي ربما الذريون(غيرهم و.على األشياء

وأفالطون يفرض لقاء تيارين ضوئيين .ينبثق من األشياء ويسلط على العينينينبعث األول من العينين والثاني يصدر عن األجسام المنظورة وكان ، مختلفين

. ب الجمهورية وحوار ثئيتتستعندما ك، قد افترض هذه الفرضيةلم توفق الشروحات ، إن تلك الفرضية تشمل في الحقيقة صعوبات كبرى

، إذ يبدو في الواقع أن فعل الرؤية يتم ليس فينا أي في العين. إلى تذليلهاوهو بمثابة اسطوانة أو دفقة من ، »جسم الرؤية«ولكن خارجا عنا في الجسم

الصادرة عن النار، ويلقى على مسافة منهما، ينطلق من العينين، نورأو جهازه » جسم التنفس«هذا يماثل بعض المماثلة » وجسم الرؤية«. األشياء . الذي أتينا من قبل على وصفه، الغازي

وهذا وال يفسر لنا أفالطون ال الطريقة التي يتبعها النور ليتدفق من العين من األشياء وال شروط لقائه النور المنبعث، تدفقا متواصال دون أن ينضب

وما هو دور ضياء الشمس من جهة أخرى في الرؤية؟ حسب . ليندمج فيهبل كل ما هناك أنها تعكس نور ، أسطورة الجمهورية ليس لألشياء نور خاص

لنا هذه –فهل تعليم التيمئس هو نفس التعليم؟ إن أفالطون ال يبين . الشمس ، ذه القضايا موقف الشكغير أن سكوته هذا ال يعني أنه وقف من ه. القضية

. )٥(على ما زعم ابرانطل

)٤ (Sitzungsber. Der Konigl. Preuss. Akad. Der Wiss . )٥ (Zu Berlin. XIX 1884. p. 343, 349. – Aristoteles Farbenlehre. P. 26- 57.

-١٤٦-

:اـ المراي- ٢

إن فيلسوفنا . سوف نلفت النظر إلى ميزات خاصة في نظرية أفالطونهم المماثل الذي يحصل والو، انعكاس الصور في المرايايحاول أن يشرح لنا

رؤية وال يلتفت في شرحه إلى. عندما ننظر إلى الشيء ورأسنا إلى أسفلوال يخلو من بعض ، ولكنه يعتبر جسم الرؤية بمثابة قضيب مستقيم، العينينويفسر أفالطون انعكاسات الصورة . فيه قسم أيمن وقسم أيسر، الكثافة

إال أن النص الغريب . البصرية بتنقالت الشيء النسبية ومصدر جسم الرؤيةن قد استشف مبادئ يجعلنا نفترض أن أفالطون كا، المتعلق بالمرايا المقعرة

بتقاطع الصورها يشرحون اليوم انعكاسبف. علم الضوء والبصر الهندسية . األشعة وتصالبها

:وانـ األل- ٣

ولكنه ال يبحث إال عن . إن أفالطون يميز مرارا بين الشكل واللون .دون رؤية الشكل ونتوء الشيء، رؤية األلوان

واللون ، األسود واألبيض: ن أساسية وفي رأي أفالطون أربعة ألواوأخيرا األحمر وهو التماع األشعة ذات الضياء ، )١(الوضاء المتألق اللماع» اللماع«فيعتقد إذن أن األسود واألبيض وكذلك . )٢(المعتدل في ماء العين

إذ ، أما األحمر فيبدو أن ليس له سوى حقيقة نسبية . )٣(هي صنوف اللونومن ثم يتهيأ لنا أن أفالطون . بل في العين ذاتها، » الرؤيةجسم«يتولد ال في

. دون أن يدمج الواحدة في األخرى، قد ضم نظريتين في الرؤية مختلفتين

.c d ١١٠راجع فيذن ) ١( .c ٦٨ التيمئس )٢()٦٧ )٣c ٦٨ وe ١٥٣، ثئيتتسd ٥٢٣: ٧، الجمهوريةd ١٢، فيلفسe رسرتغواب ،

٣٢١ d ،٣٤٦ d.

-١٤٧-

واأللوان التسعة الرئيسية األخرى تنحدر من هذه األلوان األساسية الذهبي األصفر: واليك تلك األلوان. األربعة بامتزاجات يصفها لنا أفالطون

واألصفر الفاهي ، واألغبر، واألسمر الفاتح، واألسمر الفاقع، واألرجواني .وأخيرا األخضر، واألخضر المشرب زرقة، واألزرق السماوي

في علم الضوء الملونة األنوارجزائج المشار إليها مزائ وال تقابل هذه المان المنسوبة نحلة إلى وكذلك صاحب كتاب األلو–فيبدو أن أفالطون . الحديث

.تشبه ما يستعمله منها الرسامون والصباغون، يفكر بمزائج واقعية–أرسطو بصدد ، في كتاب األحداث الفلكية، أما النظرية التي يعرضها أرسطو

فأرسطو . فهي تختلف بعض االختالف عن النظرية السابقة، قوس قزح . )٤(وأرجواني، وأخضر زاه، أحمر قانيء: يعرف ثالثة ألوان أساسية

فال يأتي على ذكره ، أما األحمر القاني. وال يذكر أفالطون إال هذين األخيرينكريمئس اللو١٠١ (إال في حوار تيe .( وتختلف كل هذه األلوان في نظر

فأجمل . )٥(ل ألنها صافية صفاء أوفر أو أقلب، ال ألنها مشربة، أفالطون . بل األبيض األقل مزجا، ض الحاوي أوفى كمية من البياضأبيض ليس األبي

أخيرا يعترف أفالطون أن هناك صلة بين بعض الصفات في األشياء ). ٨٣b (خاصة ببعض المواد المرة، وأن هناك ألوانا طبيعية، وبين لونها

وقد يتوصل المرء على هذا ). ٨٠e (واألحمر هو لون طبيعي في الدم. لمنوال إلى اعتبار األلوان نفسها نظائر مواد قابلة أن تمثل في المزائجا

. من هذا الحوار). ٧٤d (راجع على هذا السبيل الفقرة، ) وما يلي) ١٥٣d e( فكيف نوفق بين هذه اإلشارات وبين مقطع ثئيتتس

ن حيث يبدو أن األلوان توفر لنا أنصع مثال على نسبية اإلحساسات؟ ذاك أ

)٣٨٢: ٢: ٣) ٤a ،الخ٣ .

. ٥٣a b و c ٥٢فيلفس ) ٥(

-١٤٨-

ال تعليما شخصيا ونهائيا في ، في حوار ثئيتتس، أفالطون ربما يعرض لناوأحب أن ، بل رأيا من اآلراء ابداه غيره من المفكرين، موضوع األلوان

.يستغله موقتا ريثما يهيء نظرياته الخاصة

: السمع- ٤

ضا نالحظ أن وهنا أي. إن الدرس السمع أكثر اقتضابا عند أفالطونحوار : عطيات الحوارات األخرىمعلومات التيمئس تتفق إجماال مع م

خرفستيتتس والسذس وثئياللون هو غرض الرؤية)١(مي كذلك ، فكما أن الصوت تستعمل يأن كلمة فنوقد الحظ أحد النقاد . الطنين هو غرض السمع

٢(و القرقعة تدل على كل ضرب من الضجيج أوبمعنى عام(. إن الصوت هو «: والتيمئس يحدد الطنين أو الصوت تحديدا يثير االهتمام

ومن هناك ينتشر حتى . اختالج ينقله األثير خالل المسمعين إلى الدماغ فالدموالحركة الناشئة عن هذا االختالج البادئ في الرأس والمنتهي في . الروح

: ئوفرستس هذا التعريف بهذه العبارةويلخص ث). ٦٧(»الكبد هو السماع: ٥٠٠رأي (» صدمة ينقلها األثير فالدماغ والدم خالل المسمعين إلى النفس«

يجب أن، وكلمة أبلغي التي يعمد إليها أفالطون ليعين تلك الصدمة). ١٤ال بل يبدو . )٣(ال تحملنا على الظن أن الفيلسوف توهم الطنين كارتجاج أثيري

ا أنه يعتبر الصوت البشري، وهو يثير اهتمامه بوجه خاص، يعتبره بمثابة نلوسوف يؤكد النقاد فيما بعد أن . )٤(عجلة للفكر وحقيقة تداني الكائنات المجردة .أفالطون قد عد الصوت حقيقة ال جسم لها

. ١٦٨dخرميذس ) ١( ١: ٢٠: ٤؛ )٢٢ ٤٠٧a (١٠: ٩: ٤، )a٢٨ ٤٠٦الرأي : (٤: ١٦: ٤أئيتيس ) ٢(

). ٥٠٠،١٤الرأي (٦في الحواس ، ثئوفر ستس): ٢٥ a ٤٠٩الرأي ( .١١٠-١٨٠ص. م. بيئر م) ٣( .٢٨ b ٤٣٠س ، ر أرسطو، في النف١٧، ٥٢٥؛ ٢٥ a؛ ٢٧ a ٤٠٧رأي ) ٤(

-١٤٩-

إذ لم يتدخل . وعلى كل حال، فالعملية التي يصفها الفيلسوف غريبةها؟ ألن الطنين الجهوري جدا يهز الجسم حتى في أعمق أجزائه؟ أليس الكبد في

بقبول كل صور الجواب باألحرى أن الكبد، وهو عضو اإلنباء بالغيب، مكلف الحقائق العلوية؟

:الـذوق - ٥

يتين متباينتين بعض يعرض لنا أفالطون بشان تذونظر ق مختلف المواد .التباين

فأخشن قسيمات األجسام تؤتينا المذاقات . صرفةوتبدو أوالهما آلية والقسيمات تحدث . القابضة والتي تقل عن تلك خشونة تؤتينا المذاقات الفجة

والقسيمات المنظفة غاية التنظيف . في الفم فعال منظفا مطهرا لها طعم مالحب في والتي تتبخر في حرارة الفم وتنش. حتى إتالف األنسجة، تسمى مرة

والتي تحدث تخمرا يقال عنها مزة، ويدعون أخيرا . المنخرين تدعى حادةفهناك إذن سبع مذاقات أساسية، . عذبة القسيمات التي تصقل أرداف اللسان

.)١(يعرضها ثئوفرستس في جالء كبير، أخذا عن التيمئسائية حفظ إال أن أفالطون يضيف إلى هذا التفسير اآللي، نظرية كيمي

وال يمكن المذاقات أن تنشأ وتنمو إال في السوائل المائلة . )٢(منها أرسطو لبهافسيبحث أفالطون إذن عن المذاقات وعن خواص . إلى التبخر أو التحلل

وسوف تتمثل له الماويات المختلفة ذات المذاق والطعم بمثابة . السوائل معا . )٣(س اللوكري نفس الموقفوسيقف منها تيمئ. أصناف من الماء

.٨٤في الحواس ) ١( -.١٧٣ص. م. بيئر م) ٢( -.e ١٠٠، والتيمئس اللوكري de ٦٥التيمئس ) ٣(

-١٥٠-

٦ - الشم

بما . تكثر المالحظات ذات المغزى في الصفحة المقتطعة لحاسة الشمأن كل رائحة تنطوي على عملية كيميائية تماثل عملية التخمر أو التبخر،

ويقول أرسطو هو أيضا أن العناصر غير . فاألجسام األولية ال رائحة لهاويتكلم أفالطون عن العطور، كالم رجل ): a ٦٧، d ٦٦التيمئس (رواحة أن الشم هو ) b ٧١(وفي حوار فيلفس ) b ٥٨٤(ويؤكد في الجمهورية . يحبها

.الحاسة التي تؤتينا أنقى الملذات

اللمس - ٧

وهو يربط باللمس ما قد ندعوه . كالم أفالطون في اللمس وجيز جدا. هذه اإلحساسات المشترك هو اللحموعضو . الحس الباطني والحس الحراري

تسسي وثئوفرده تيمئس اللوكر١(وهذا ما سوف يرد(.

الحس المشترك - ٨

إن رأي أفالطون في األرواح أو النفوس الثالث، الحالة في أقسام .مختلفة من الجسم، تمنعه فيما يبدو من الكالم عن حس مشترك

بعيد، ولفت إليه النظر من بعده وقد الحظ غلينس هذا األمر من عهدومع ذلك فأفالطون يقول إن في الدماغ مركزا تأتي المشاعر الحسية . )١(بيئر

ترقى ويبدو أن بعض اإلحساسات العنيفة عنفا خاصا يمكنها أن. )٢(وتتجمع فيه .)٣(إلى الدماغ، وان تؤثر فيه مباشرة، كالروائح الحادة والمذاقات القابضة

.٥في الحواس، ف : ، ثئوفوسa ٦٤، d ٦١التيمئس ) ١( -٧ .٢٧٥-٢٧٠م ص . ، بيئر م٥٠٩، ٥٠٥غلينس، الرأي ) ١( -٨

.a ١٨٥، d ١٨٤، a ١٥٦س، ، ثئيتتb d ٣٩، a ٣٤، d ٣٣، فيلفس، a c ٦٤التيمئس ) ٢(

.a ٦٧، d ٦٦، ٦٥cالتيمئس ) ٣(

-١٥١-

أن الدماغ هو مقر العقل، والعقل وحده قادر أن يعرف والحالفالحس المشترك إذن واإلدراك ذاته واحد إذ . اإلحساسات وان يميز بين األشياء

فأفالطون، على ما رأينا لم . إليه تبلغ معطيات الحواس، على األقل جزئيابل أنه . يفصل بين أرواح اإلنسان الثالث بحواجز ال يمكن المرء أن يتخطاها

بأن يوفر بينها اتصاالت متنوعة، تجري على السواء في ذلكيعنى على عكسفهو . فكما أن العقل يتأثر بأثر األرواح السفلى الخاضعة له. كال االتجاهين

وحتى لدى الكائنات الدنيا، وفي . ، ويسير عملياتهاهأيضا يملي عليها أوامرن نور العقل، نجد أثرا ضئيال إلشعاع داخل أرواحها، المحرومة فيما يبدو م

ومهما بلغت شقة التباعد بين العالم العقلي والعالم المحسوس، . المعقول . فأفالطون يقول بان المرء يمر تدريجيا ودون ما انقطاع من الواحد إلى اآلخر

مصادر هذه النظريات - ٩

. العضوية المحضةإال أن أفالطون قد حفظ لنظرية اإلحساسات صفةوقد تجنب على ما يبدو، وربما عن تصميم، أن يطرح بشأنها المسائل الفلسفية

.س بكثير من القوة والدقةتوقد ناقشها من قبل في حوار ثئيتونحن نعرف، وبالضبط عن طريق الثئيتتس، أن تلك المسائل كانت قد

فقد نظر إليها امبذكليس . ومعاصريهأثيرت ونوقشت نقاشا طويال لدى سابقيهيون وغرنس وغيرهم، من كل وجوههاوالذرشيغيس وأنتس.

ال يريد أن . ولكن أفالطون، وهو يعرف مؤكدا كل تلك المنازعاتويبغي أن يتكلم كالم عالم طبيعي . يأتينا في هذا المقام إال بأحداث دقيقة

يستغل. وفيزيائي بذكليس فإلى أي حدتآليف سابقيه، ال سيما الكمئن وام وذموكرتس، وإلى أي حد يقوم بعمل شخصي؟ إن المعلومات تنقصنا للبت في

. هذا األمر

-١٥٢-

الفصل الثامن

علم األمراض واملداواة والوقاية

: مبدأ علم األمراض األفالطوني- ١

أفالطون هذا، يظهر على الفيلسوف كلما تراكمت التفاصيل في حوار على أننا في بحث المرضية . أن يستحث خطاه ويتضجر ليبلغ نهاية عمله

.والمداواة قد أشرفنا على أنفع المعارف وأكثرها ضرورة للبشريةإن الجهاز البشري عرضة لألمراض، وهو يخالف في ذلك الحيوان

هذا . ت العالم الرئيسيةفمكافحة األمراض وشفاؤها مهمة من مهما. السماوي :وبصورة عامة جدا هناك أربعة أسباب لألمراض

. الزيادة أو النقصان في نسبة الداخلة في تركيب الجسم البشري- ١٢ -في وضع العناصر النسبي تبديل ال قانوني . . تبديل ال قانوني في خواص تلك العناصر- ٣ ).b ٨٣(ذه أخيرا اضطرابات في استساغة الغذاء وفي نب- ٤

فال بد من . غير أن أسبابا أخص تضاف إلى تلك األسباب العامةإذ إن العناصر األربعة في الواقع، ال تدخل في تركيب األجسام . تحديدها

-١٥٣-

، تنشأ عنها العظام »ثانوية«بل تؤلف فيها مزائج مشتقة أو . الحية صرفةائج الدم إذ منه يتولد واهم تلك المز. والعضالت واللحم والدم وكل األنسجة

.اللحم والوشائج

:اللحم والدم -٢

ألياف، وراسب يتخثر بعد انفصاله عن : والدم يحوي ثالث مواد مختلفةالليف، وأخيرا سائل ذهني لزج، يتقطر من األلياف واللحم، وظيفته من جهة

حم فيبدو هكذا أن الل. تغذية العظام، ومن جهة أخرى، إلصاق اللحم بالعظام .ينجم عن تجمد الدم جزئيا وأنه يتركب من نفس العناصر األساسية

ولكن الخلل يطرأ عندما يعود . فالقاعدة والنظام يبغيان أن ينتج عن الدماللحم، على عكس ذلك، كله أو جزئيا إلى حالة السوائل ويتدفق في المجاري

ا تمازجه الصفراء ومن ثم تزجي المجاري دم. وقد اتخذ شكل دم فاسدهذه هي علة األمراض . والخثارة أو غيرها من النخام والقيح على اختالفهما

. الرئيسية

: تحلل اللحم - ٣

فهناك للصفراء . وبين هذه األخالط الخاطئة أهمها الصفراء والخثارة فلحم أسود قد شاخ ينتج حينا. صنوف عدة، نظرا لعمر اللحم الذي أنتجها

صفراء ضاربة إلى السواد، مرة أو حامضة حسب الحاالت، وحينا صفراء مائلة إلى االحمرار، وحينا صفراء خضراوية، عندما يتمازج اللونان

).c ٨٣(ة ولحم حديث العهد عندما يميع ينتج صفراء مز. السابقانخثارة عذبة تنجم . وعلى النحو عينه، هناك للخثارة صنوف عدة

امضة تصدر عن الصفراء، وأخيرا خثارة راغية ح عن الدم، وخثارة مباشرةوهذا الصنف ). d ٨٣(تنجم عن لحم حديث العهد، داخلها الهواء وأرغى

-١٥٤-

وهذه الرطوبات كلها ال تسبب األمراض حتما، . خير يسبب الدموع والعرقاألة، إذ تضخم بيد أنها مبدئيا ضار. ال سيما عندما تتسرب إلى الخارج كالعرق .كمية السوائل في الجسم على حساب اللحم

:فبناء على هذه المبادئ، يصنف أفالطون األمراض ويوزعها إلى أربع فئات

.األمراض الناجمة عن ميوعة اللحم) ١

:ولها أربعة أشكال من الخطورة المتفاقمةسية، أي في الميوعة ابتدأت ولكنها لم تنشب بعد في قواعد اللحم األسا -أ

).e ٨٣(ما يشد اللحم إلى العظم فيخشوشن ذاك . الميوعة تبلغ الغالف اللزج الواصل العظام باللحم-ب

الغالف، ويكتظ بالملح، فيذوب تحت اللحم إلى أن تتقلص األوصال ).a b ٨٤(وتنفك عن العظام، واللحم المنفك ينحدر في الدم

نخر هذه وتنتن فت. لحم، ولكن في العظام وتبدأ هذه الظاهرة، ليس في ال-ج وتفسد اللحم ثم الدم وهذا ما يحدث عندما يتكاثف اللحم حتى يمنع

).b ٨٤(العظام عن التنفس ).c ٨٤( أخيرا يمكن أن يصاب النخاع نفسه -د

األمراض الناجمة عن الهواء ) ٢

موزع الهواء األكبر إنها أيضا . تقصر مهمة الرئة على تبريد القلبال فعندما تنسد بعض ممرات الهواء ال يعود قسم من الجسم ). c ٨٤(على الجسم

وعالوة على . وهكذا يكثر عمل الممرات الباقية حرة، فترتخي وتتمدد. يتلقاهأو يتكدس . ذلك، يتراكم الهواء المتزايد في جوار الغشاء الحاجز، ويشوهه

فينشأ عن ذلك المرض المدعو تيتنس . واألوصالداخل اللحم حول المجاريـس و .وال يتراجع هذا المرض ما لم تفاجئه الحمى). e ٨٤(أبسثوتن

-١٥٥-

:األمراض الناجمة عن الخثارة) ٣

إن الخثارة إذا امتألت فقاقيع، أي نخاما أبيض، تستطيع أن تلطخ الجسم ). a ٨٥(غادر الفقاقيع ليلج تحت البشرة ببقع بيضاء، عندما يتمكن الهواء أن ي

وحين تختلط الخثارة بالسويداء، تشوش دوران العقل وتسبب الداء المقدس أي ) .م.ن(واضطراب مماثل، ولكن أقل وطأة، يحدث األحالم ). b ٨٥(الصرع

أخيرا إن الخثارة الحامضة والمالحة الناجمة عن الصفراء تسبب الزكام )..م.ن(صدرية والنزالت ال

: عن الصفراءةاألمراض الناجم) ٤

ولكنا نميز بين البثور أو . تحدث الصفراء عموما كل االلتهابات. القروح، وهي تنشأ عندما تجد الصفراء مخرجا، وبين االلتهابات الشاملة

ولفهم تفشي هذه االلتهابات األخيرة، ال بد أن نتصور أن الدم يتألف من نقيع ).d ٨٥(ه ألياف تسبب التخثر بعد الموت تحضن

فإن ولجت الصفراء الدم، وكانت كميتها زهيدة، خثرتها األلياف، ن إو). e ٨٥(وأحدثت بذلك برودة سريعة في الجسم ترافقها قشعريرة

ن بلغت إاقتحمت الصفراء الدم، وكانت كميتها كبيرة، فهي تشوش األلياف، وولكن الجسم .). م.ن( الرابطة الروح بالجسد النخاع تستطيع أن تفصم العرى

.يحمي نفسه من ذاك االقتحام ويطرد الصفراء باإلسهال والزحار

:الحميات - ٤

ليس لهذه من دخل . قد يظن المرء أن الحميات ناجمة عن فعل الصفراءألن أفالطون يفسرها بفعل العناصر المباشر، أو بفعل أحد . في األمر

الحميات ): a ٨٦(ويقسم الحميات إلى أربعة أنواع . يدالعناصر إذا تزا

-١٥٦-

المتواصلة، واليومية والثالثية والرباعية، طبقا الزدياد أو نقصان سرعة .الحركات لدى العنصر الذي يحدثها

مراض ن أفالطون يعتبر الحميات بمثابة تعقيد أو أزمة في األأوك .وتأزم الحال فيها قد يسوق الشفاء. األخرى

: مصادر علم األمراض في التيمئس- ٥

المقتضب هذا هو متشوش عند ) أي المرضية(إن تشخيص األمراض ويظهر بدائيا إذا ما قيس بالتشخيص المرضي في . أفالطون إلى حد بعيدـكراتية مئس. الدراسات الهبة أمراض يذكرها التيويصعب تعيين عد .

وهم يالحظون شأن . نس يذكرهما كثيرا األطباء اليونانيس واألبسثوتيتيتثوالأما المرض الذي يغشي . )١(أفالطون، فعل الحميات المعافي من هذه األمراض

الجسم ببقع بيضاء، فيمكن أن يكون مرض االلتهاب األبيض الذي يصفه وعلى كل حال فتعداد العلل. أو أن يكون الحرق فقط ال غير)٢(كتاب األدواءناقص زري.

نه أفمن أين استمد أفالطون عناصر مثل هذا التشخيص؟ من الثابت األكيد وقد كانت على ما يبدو وافرة جدا في القرن الخامس . كان يعرف مصنفات الطب

. وعندما يشير إلى األطباء، فذلك عادة كي يسخر منهم دون كيس أو ظرف. م.ق وهبكراتس ال يرد اسمه في رذكس السلمفري به)٣(وهو يتهكم مرارا في حواراته

).c ٢٧٣ ()٤(التيمئس، ولكنه يذكر في فيذرس بعبارات سخرية

.٢٩٥، ٩: ٦٥٩، ٥: ٥٢٣، ٤لتريه ) ١( .١٩ في العلل، ٢٢٨، ٦لتريه ) ٢( .d، فيذرسd ٣١٦، ابرتغورس a c ٤٠٦، ٣الجمهورية ) ٣(فر ممن الخادعة العدد األ « تلميح االستخفاف إلى أخطاء األطباء a ٨٨ر في التيمئس ) ٤(

.»يقال عنهم أطباء

-١٥٧-

فنستطيع إذن أن نفترض أن أفالطون قد عمد إلى بعض أبحاث سبقت وقد كانت . عهده، وربما دون أن يزعج نفسه كثيرا ليعبر عن نظرية شخصية

فبعض . ية كثيرة ومتنوعة، ولم يترتب عليه سوى حيرة االختيارالتعاليم الطبتلك التعاليم راحت تعلل األدواء بفعل المتناقضات، على ما فعل ألكميئن .

مزائج العناصر «وغيرها، ال سيما تعاليم هبكراتس وأتباعه، عمدت إلى والمحافظون من تالميذه، أما أمبذ كليس . أي األخالط والرطوبات» الثانوية

.فقد كانوا يتمسكون بفعل العناصر األربعة المباشرويبدو أن أفالطون قد استمد من هنا وهناك فرضيات متنوعة، وال

فمذهب تحلل اللحوم المستغرب وتطور األخالط، . يحاول حتى التوفيق بينهاى؟ إن األمر ال الذي عثرنا عليه في التيمئس، هل هو منه شخصيا يا تر

وعل كل حال، هناك بعض التشابه . يستحيل، ولكن النصوص تنقصنا إلثباته .)٥(بين نظرية التيمئس والنظرية المعروضة في كتاب الطبيعة البشرية

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد رأينا أن أفالطون ينسب إلى الهواء والحال أن بعض . خطيراالذي تطبق عليه فقاقيع الخثارة البيضاء، دورا

.)٦(أطباء اإلغريق كانوا يعللون جملة من األمراض بفعل األرياحوكتيب الطب الذي وجده كينين وحل رموزه ديلز يفرد فصال كامال

إال أن المؤلف قد استمد معلوماته ال من نص . )٧(لتعاليم أفالطون الطبية

إن جسم اإلنسان يحوي في ذاته دما ونخاما وصفراء مائلة إلى «: ٣٨: ٥ لتريه ٤ف ) ٥( .L. 6. 40. »الشقار أو السواد

، ثم الدراسة ١٤٦، ١، Ilberg Kuchlewein ٣٩٤، ٢للتر يه Peri dietis oxéon راجع) ٦(يل الرعشة، والزحار، والتورم وبصق الدم واالستسقاء الصغيرة حول الطبائع، وفيها تعل

، ١٠٠:/ ٦وانفجار الدماغ والصرع، كل ذلك بفعل الهواء المحتجز في الجسم لتريـه ١٠٦، ١٠٤.

)٧( Supplementum aristotelicum. III. 1. Anonymus Londonensis ex Aristotelis iatricis. Menonlis et aliis medicis Eclogae. Berlin. 1893.

-١٥٨-

ت قد شوهت من ذلك الحين تشويها التيمئس بالذات، بل من مجموعة مقتطفاوال يعثر المرء فقط في ملخصه هذا . )٨(وافيا، وأقحم فيها اضافات مختلفة

على إشارات لم ترد في التيمئس، بل يجد أن ترتيب الفصول في ذلك الحوار وأكبر اهتمام تثيره لدينا هذه المجموعة هو أن القوم في زمن . قد تغير

. بجد كبير إلى علم المرضية األفالطونيارسطو قد نظروا

: أمراض النفس- ٦

) b ٨٦(وأمراضها الجهل والجنون . النفس أو الروح لها أيضا أمراضهافالجنون مثال سببه افراط في . ولكن أصل تلك األمراض في النهاية جسدي

ابات وهذا االفراط ذاته ناجم عن اضطر. اللذة أو األلم، يظلم العقل على أثرهفي الوظائف العضوية، فازدياد المنى المسرف يعكر دوران العقل، وكذلك

).e d ٨٦(تسرب بعض االخالط المزة أو الفاسدة إلى الدماغ ما من أحد يكون : وإن كانت الشرة ضربا من الجنون، فقول سقراط

.)١(شريرا بإرادته، يتخذ معنى جديدا ويزداد دقة وجالء

:ة والوقاية المداوا- ٧

إن المداواة األفالطونية بسيطة، ومردها إلى أقدم التقاليد في الطب وعلى ما يتبين لنا من المجموعة الهبكراتية، قد فضل أطباء جزيرة . اليوناني

راجع (تمييز أنواع المزائج األربعة، ويبدو أن تمييزا كهذا أصلة رواقي : ١٢: ١٤ف ) ٨(

: ٤٤: ١٤ ف Arius Didymus op. Stobée Ecl. I, 17, 1, p. 154, 8 Wachsmuth فيه . »ألن النفس قد علقت بالنخاع«

المقطع المتعلق باللسان وتأييده ١:١٦ف –. إن هذا القول يبالغ في تفهم نص أفالطون، ر ٢٥-٢٤: ١٦: بنص، ال يوجدان في حوار التيمئس، كما ال يوجد التشبيه الوارد في

وظيفة الرئة تخفيف سرعة حركات القلب، ٢: ١٧ف – a ٧٣، e ٧٢حوار التيمئس .عما كان في الحوارأخيرا نجد أن الترتيب قد تغير . تبريد القلب، على مايقول التيمئس ال

.٩٣٢: ١١، الشرائع e ٢٤٥ابرتغورس ) ١(

-١٥٩-

كوس، كلهم أو جلهم المعالجة الطبيعية، بوسائل الوقاية أو التمارين الرياضية، فالحمامات الدافئة أو الباردة وحماوة . عقاقيرعلى العالجات العويصة وال

المقصورة أو حرارة الشمس، والرياضة البدنية المنظمة، هذه كلها في نظرهم .عوامل شفاء أكثر فعالية من مستحضرات الصيدلة

وأفالطون ينحاز كل االنحياز إلى رأيهم، دون أن يعني موقفه هذا أنه غير أنه يضيف، فيما يبدو، ). b ٨٩(ة طالق استعمال األدويل على اإلذير

فهو يلح خصوصا في ابراز . بعض عناصر جديدة إلى نظرية أطباء كوسودورها أن تعيد عالقات التوازن والتناغم . دور التمارين الرياضية الخاص

بين أقسام : المفروض وجودها طبعا بين مختلف أقسام المركب االنساني .د، وبين وظائف الروح المختلفةالجسم، بين الروح والجس

وب منابه وعلى خير نال بل ي. فمعلم الرياضة البدنية يتعاون والطبيبويظهر لنا أفالطون، أقله في التيمئس، بعيدا عن . )١(وجه، في أغلب األحيان

فهو . تلك الصوفية النسكية المتنكرة للجسد، التي سوف يعتنقها بعض تالميذهوال يقل رذله ترويض القوى الروحية . عتدال في كل شيءيروم التوازن واال . ترويض الوظائف الجسدية دون غيرهاهبمفردها، عن رذل

.e ٦٨٤: ٣، الشرائع e ٢٩٥ e ٢٦٧السياسي ) ١(

-١٦٠-

امــاخلت

لقد استعرضنا هكذا التعاليم الرئيسية في التيمئس وحاولنا جمع

فما هو االنطباع الذي يمكن استخالصه . المعلومات الضرورية لفهم معناها ه المباحث الخاصة؟من سلسلة هذ

إن التيمئس هو أوال محاولة رام بها أفالطون أن يلخص، في مقال فهو يحوي تأليفا . وجيز، مجموعة معارف العلماء األفالطونيين حول الطبيعة

. مترابطا، مقتضبا ولكن شبه كامل، لجميع معلومات أفالطون عن الطبيعةفال بد أن . تجلى لنا كعمل شخصيوقسم كبير من ذلك التأليف المترابط الي

نرى فيه دونما ريب، ال نتيجة أبحاث ومالحظات شخصية، وإنما تركيز وقد استفاد أفالطون . المعارف المكتسبة في البيئة السقراطية األفالطونية

خصوصا من أشغال تالميذه وأشغال تالميذ سقراط، وربما أيضا بين الحين .والحين من مباحث سابقة

دة السبك، عمله الخاص فهو إدخال هذه العناص اأمر في مجموعة جيفالتيمئس من هذا . فرضت بتماسكها وتوازنها مدة أجيال على العلماء اليونان

وهي تبدو أحيانا . العلم القديمألشغالالباب هو شبه صورة مستجدة ومطلعة .وكأنها تجاري إطارات وأساليب ذلك العلم

المحاوالت السالفة لتفسير الكون تفسيرا شامال، هناك وفي الواقع، بين . كلیسأمبذمحاولة يحملنا التيمئس على االلتفات إليها فورا، أال وهي محاولة

-١٦١-

ال تزال، مع ازدراء أرسطو لها، أوسع وأعمق » حول الطبيعة«فمنظومته . ونلكون، قبل موسوعة ذموكرتس أو أفالطامصنف خص األقدمون به

وكثيرة تفاصيل التيمئس التي تحملنا على أن أفالطون قد تذكر نظريات الفيلسوف الصقلي، تلك النظريات التي سوف ينتقدها انتقادا الذعا جدا في

).b ٨٨٩: ١٠(كتاب الشرائع ال ريب أن التعليم المتعلق بالعناصر هو ثروة مشتركة أسهم فيها

ورغم جهود أفالطون ليؤتي . السادس والخامسجمهرة من العلماء في القرن. ذلك التعليم ضبطا ودقة، فهو يحتفظ في التيمئس بصبغة وافرة من القدم

وتوازن . )١(ونظرية المكان الطبيعي التي تكمله، ال تكاد معالمها تبرز للعيانكليس قد فسره بحركة آلية تداني الحركة األرض في مركز الكون كان أمبذ

وخصوصا وصف الطبيعة البشرية يذكرنا بشروحات . )٢( يصفها أفالطونالتيفاالنسان في نظر أفالطون كما . أمبذكليس أو األطباء الذي كانوا يستوحونه

.)٣(كليس، عالم أصغر بنيانه مرتبط ببنيان الكلظر أمبذهو في نوء ونش)٤(والفيلسوفان يشرحان على وجه مماثل تقريبا حركة التنفس

و نظرية االحساسات في التيمئس نقال عن دأخيرا تب. )٥(أنسجة الجهاز الجسميوإجماال يتمثل لنا التيمئس . )٦(نظرية أمبذكليس ببعض الحرية والتصرف

برمته وكأنه يطبق على مذهب غائي، مالحظات وفرضيات استمدها من

).٣٣٦الرأي (٦: ٧: ٢أئيتسيس ) ١(

.١٣ a ٢٩٥: ١٣: ٢كتاب السماء )٢( .٢٠هبكراتس، الوصفات الطبية ) ٣(

).٤١١الرأي (١: ٢٢: ٤٢أئيتسيس ) ٤(

).٤٣٤الرأي (١: ٢٢: ٥أئيتسيس ) ٥()٦( ،تس، في الحسسومايلي ١ثئوفر ) ٤٩٩الرأي.(

-١٦٢-

نتاج إروع الجريء إلى أفلم يعمد أفالطون لتحقيق هذا المش. فلسفة آلية بذكليس، المتعثر ربما مع ما هو عليه من عظمة، أو إلى تخريج غرغيسأم

ة واألناقة؟ثنتاج، وقد أسبغ عليه قسطا أوفى من الدمالذلك اإلوأفالطون، مع سروره الباطني الوافر من عمله، ال تأخذه األوهام بشأن

ب على المرء أن يجد تفسيرا شامال ال غرو أنه يصع. قيمة ذاك العمل المطلقةولكن عندما يدور البحث حول عالم الظواهر، الضبط والتدقيق الكامل . أفضل

لها تداني كفظاهرة واحدة قابلت شروحات عدة، . يمتنعان عن العلم البشريوبين الصور المتنوعة التي يمكن للمرء أن يصور بها األشياء، . الحقيقة

. واختياره يلبث في عدد منها اعتباطيايصعب عليه االختيار،ويوم وعى الفكر اليوناني ضرورة المطلق، ونبهه إليها مفكرو إليئا،

فلم . الدنياهعرف في آن واحد أن ذاك المطلق ال يدانيه عقل في عالم هذذن أفالطون، على عرضه األمور، شكل رواية، في نزوة فقط من إيسبغ

أما االنسان فقد فرض . اهللا وحده يعرف الحقيقة المطلقةنزوات الفنانين، ألنال بل هناك مشكالت يعجز . عليه أن يكتفي بالفرضيات أو الصور التقريبية

.أن يقدم عنها فرضياتوعليه أن يحاول فهم الكون، . بيد أن الفيلسوف مضطر إلى المجازفةفي بناء أفالطون ومع هذا كله ف. وال يجزع من خطر خطأ ال مندوحة عنه

وفي مجال الفلك والفيزياء . الناقص، أقسام متينة وربما مكتسبة للعلم نهائيا ،ترصف وقائع ثابتة، وإن تباعدت، في البنيان العلمي ،وحتى في مجال الطب

.وتحول ما كان يمكن أن يبدو نزوة شاعر إلى حقيقة عميقة شبه أكيدةمغامرة كهذه، من ثقة بالغة في ضوال بد خصوصا، للتجرؤ على خو

وهذه الثقة يستمدها أفالطون من نظرية المثل، من اعتقاد ال . قوى العقليتزعزع بصور ال تتحول، منسجمة التنسيق، تنظم أحداث الكون بأسرها،

-١٦٣-

ولكي يتمكن التحول . وتخضعها لسنة الخير، على كره انتفاضات الصيرورةمنتظما ضمن إطارات معقولة، يتوجب وجود نفسه، أن يجري هكذا جريا

فالتيمئس يعبر عن . نظام صور سرمدي، ووجود واقع ثابت ال يستحيل أبداواألفالطونية برمتها تلخص . هذه العقيدة في كل صفحة من صفحاته تقريبا

وال يبعد فقط أن يقوم التناقض بين فلسفة أفالطون السابقة . في هذه العقيدةتعالم التيمئس، بل إن هذه التعاليم في كل تفاصيلها تثبت وتبرر المبادئ وبين

.المستخلصة من الحوارات السابقة

هذا، وال بد من المعرفة أن الفيزياء وعلم الفلك وعلم الكون إجماال ال ولكن الموضوع الحقيقي في الحوارات . تشكل الموضوع الرئيسي في حوارنا

جزة، والتيمئس كان بمثابة مقدمة لها، هو تاريخ البشرية، كما الثالثة غير المنكان يفرض أن يتسلسل، لوال وقوع ألف سبب معكر، ال يسع ذهننا أن يسبق

لتاريخ، تمت عن طريق لفالتيمئس ينطوي بالضبط على فلسفة . ويستشفها. لتعليل الطبيعةالعلوم التي تبحث فيها تلك الفلسفة وتلخصها، إلى نظرة شاملة

فالكون ال يثير اهتمام أفالطون، إال بمقدار ما تساعد معرفته على تفهم ذاتنا وال يقصد الفيلسوف أي . ومعالجتها، وتنظيم المجتمع البشري خير تنظيم

وما انفك متعلقا بها تعلق الولع والهيام مدى العمر، . مجتمع، وإنما دولة أثينا .وة المتشائمةسات عابرة من نزوات القمع ما أبدى نحوها في فتر

ولذا يستحث أفالطون نفسه، خالل أوفر اعتباراته تجريدا، وأبعدها ال غرو . ية واالستنتاجات التطبيعيةملظاهرا عن قصده العام، نحو النتائج الع

أحيانا على الدرب، شأنه في ذلك شأن كل الفالسفة، وقد أغوته على أأنه يتباطولكنه ال ينسى أبدا لحظة . لذة الخاصة الناجمة عما يعالج من مسائلكرهه، ال

.واحدة غاية مسعاه الخطير، أال وهي سعادة وكمال وطنه

-١٦٤-

وال يبعد التيمئس فقط عن أن يكون تخيال ما وراثيا، على ما يقال بل يروم أن يضع تحت تصرف سياسة موضوعية، كل إمكانيات العلم : أحياناوكم تسهو أحيانا –فالطوني والحماسة المنظمة التي تدفع بسياق الرواية األ

إن تلك الحماسة تضفي على . نحو الهدف المعين بوضوح منذ البداية-وتتعقدوقد اختار أفالطون إطارا، نصفه . الحوار لونا من الجمال الجليل المؤثر

إبرازا وافيا صبغة عمله روائي، يبسط فيه التيمئس، لكي يبرز في آن واحدالتخمينية والعلمية معا، ولكي يحبو ذاك العمل الفكري بما للحياة من وثبة

بيد أن تلك الرواية قريبة . فهو نسيج خيال وربما رواية. دائمة التبدل والتجددرواية ليس فيها ما يتشح باالعتباط الكامل، وحيث النور . جدا من الواقع

.المثل األزلية يبعث الالء من ضياء الحقيقة الصمديةالمنحدر من

-١٦٥-

الفصل التاسع خمطوطات التيمئس ونصه

: المخطوطات- ١لقد أفضي إلينا نص التيمئس في نحو ثالثين مخطوطا، تناثرت بين

إال أنه ال يمثل في موسوعة من . م .القرن التاسع والقرن الخامس عشر بوعة األفالطونية، وهي الموسوعة الكالركيانة المعتمد أشهر موسوعات المجم

.عليها غالبا فيما يتعلق بباقي الحوارات A. de (١٨٠٧ وأقدم تلك المخطوطات هو الباريزي اليوناني - ١

Bekker, Codex Coislinianus de la Biblothèque nationale ( ويبدو أن هذاوا في نسخه قوقد تأن. ياني نفسهالنص يتقدم بضع سنوات على المخطوط الكالرك

. واخر القرن التاسع، على عمودين وبأحرف متوسطة الحجم جميلةأحول وجاء به من المشرق مع ١٤٩٠ قد اكتشفه حوالي سومعروف أن جان السكاري قد ١٨٠٧فالباريزي . من مخطوطات ذمسثينسΣ المخطوط من مخطوطات

إلى )١(Schanz ن، يعود ربما في نظرنسخ، على ما يظهر، عن آخر ذي عموديبدقة وافية Alline وOmont وقد وصفه السيدان. م. القرن السادس عشر ب

وما يزيد في قيمة . )٢( المطالع إلى إشغال هذين العالمينتتيح لنا أن نحول

)١ ( Ueber den Platocodex n: 1807 … Rh. Mus. Zur. Phih. 33, 1878 . p. 306 )٢ (Platonis codex Parisinus A. Oeuvres Philosophiques de Platon Facsimilé en

Phototypie… du Ms gree 1807 de la bibioth. nat.. Paris 1908 (notice de M.H. Omont)

-١٦٦-

نص التيمئس ونص الحوارات األخرى، تفاسير وتصحيحات هامشية، أضافها العائد إلى (ولكن صاحب النص األولي . لمخطوطحراز اإالمتعاقبون على عاد هو نفسه النظر في نسخته وصححها بعناية قصوى، كما أ) القرن السادس

.تشهد لنا بذلك إضافات أو فوارق جمة خطها بيدهوالسيد بارنت . فهذا هو المخطوط الذي اعتمدناه أساسا في هذه الطبعة

إال أن نصنا . غيره من المخطوطاتقد أصدر منه مقابلة دقيقة جدا علىبجملته قد قويل على األصل وعلى النسخة الفوتغرافية الممتازة التي نشرها

وحواشي نصنا اليوناني تورد كل اختالفات المخطوط . Omontالسيد أمون Aهذا، وهو يكاد ال يضيف شيئا يذكر إلى . وكل ما يشير إليه من فوارق

رنت، لما امتازت به من الدقة مقابلته على المخطوط الذي أصدره با .المخطوطات األخرى

من المجموعة اليونانية ٢١ فئة ثانية من المخطوطات يمثلها السفر - ٢وقد كتب هذا ). de Bekker J, Burner, de Schanz Y(ا نفي مكتبة فيي

المخطوط بحرف صغير عادي، يقارب بشكله أحرفنا الحديثة، ويرجح أنهد عهده وكتابته يختلف خطها اختالفا بينا على القرن الرابع عشر إن بيعود إ

في مختلف أجزائها، وال يرد هذا األمر إلى تعاقب أيادي كثيرة على نسخ .المخطوط، بل إلى التقلب في طبع ناسخ واحد

ويحتل التيمس في هذا المخطوط محال غير منتظر، بعد الرباعيتين منيذساألوليين وقبل بوقد نسخ هذا المخطوط، في القسم المنطوي على . ر

التيمس، عن نص ممتاز نقح بدقة، يطلعنا على إسناد يختلف اختالفا ظاهرا أما . ، وله غالبا، على ما يبدو نفس القدر والقيمةAعن إسناد مخطوط

المخطوطات الزتافياني منها والبندقيS ٤٠٨اكي ، والمن٥٩٠، والمركياني .٢١ ايننسخا أكثر أو أقل عن مخطوط فيفما هي إال

-١٦٧-

وقد لبثنا . وقد اعتمد شانز وبارنت عددا كبيرا من اختالفات هذا النص أفضل بصورة A مبدئيا، كل مرة لم يظهر لنا نصA نحن أمينين لمخطوط

عن صورة ، أخذاY وهذا لم يمنعنا من مقابلة نصنا مقابلة كاملة بنص. أكيدة ، وكل الفوراق G. Budéه شمسية جيدة جدا أجريت لحساب مجموعة بود

ولم نتردد على غرار بارنت عن . القيمة أثبتناها في حواشي نصنا اليونانيولو كان لدينا إسنادان متباينان كل . Yتبني بعض االختالفات الواردة في

ولكنه هنها مشروع، . اذا اعتباطياالتباين الواحد عن اآلخر، لبدا اسلوبنا شاللهم فيما يتعلق بالتيمس ألنه حصل مؤكدا اتصال وتداخل بين اإلسنادين،

.Y وإسناد Aإسناد

) عند بارنت وآلينV ، Wاني نوهو الملحق اليو (٥٤ومخطوط فيينا وهو يشبهه من أوجه كثيرة، فبصورة شبه دائمة، . Yهو ربما سابق لمخطوط

ومن جهة أخرى، عدد وافر من . W يطابق عندئذ Aعن Y دما يبتعدعنويتهيأ للمدقق من . اختالفات نعثر عليها عند ابروكلس وعند الشراح األقدمين

حين إلى آخر أنه يعثر في هذا المخطوط على معالم إسناد مستقل في آن : هان بهاولكن لسوء الوضع، تشوه النسخة أخطاء ال يست . Y وAواحد عن

وقد . تحفظب W فهناك إسقاط وتبديل وغلطات كثيرة تضطرنا إلى استعمالولم . قابلنا نصنا بهذا المخطوط أيضا مقابلة كاملة على صور شمسية له

.تحتفظ منه في حواشينا إال بعدد زهيد من االختالفات

المخطوطين نوبي Y ، W الباريزي( من مكتبة الدولة ١٨١٢ والمخطوط الذي ال يرجع إلى ما ١٨١٢ فنص الباريزي. أوجه شبه كبيرة) ١٨١٢اليوناني

فمن اسقاط إلى تبديل الفاظ أو . قبل القرن الخامس عشر متشوش إلى حد بعيدعبارات من مكان إلى آخر، إلى اقحام الشروح الهامشية في النص، وهذه أقل

-١٦٨-

ل إعادات النظر المتتالية التي أجراها النقائص في النسخة األولية، ولم تنتبذ خالومع هذا كله ورغم أخطاء . الناسخ األول أو الذين أحرزوا المخطوط من بعده

A على أصداء إسناد قديم يختلف عن إسناد ١٨١٢جمة، نعثر أحيانا في الباريزي ية القراءة السهلة له أهميته التاريخاأضف إلى ذلك أن هذا المخطوط ذ. Yأو إسناد

الكبرى، إذ يحتمل أن يكون قد استخدم كأساس لطبعات التيمس األولى، وال سيما نطبعة هنري إييHenri Estienne ولم تثبت منه حواشي نصنا اليوناني إال بعض

.االختالفات ذات الصبغة الخاصة المفيدة في تاريخ اإلسناد، ٣٩الملحق اليوناني ( ٥٥وقد نهجنا النهج نفسه باإلضافة إلى مخطوط فيينا

وباقي المخطوطات لم نعمد إليها إال من خالل تعريف ). اسنايدر وبارنتFوهو .شانس أوبارنت لها

وأخيرا تفحصنا بدقة شروحات ابروكلس وخلكذفس، واشتهادات تشيشرو .ئس في كتاباتهموابلوترخس ويامفلكس وسمبلتشيس واستفيئس بالتيم

: النص والترجمة -٢

إن نصنا الحاضر ولو وضع بناء على مقابالت جديدة، ال يخالف في شيء الذيالنص ق العلميارنت في كثير من التذووبعد دراسة المخطوطات بدا . أثبته ب

ولم نعثر إال على . لنا أن األفضل مراعاة التقليد في هذا المضمار جهد المستطاعتصحيحات معاصرة زهيدة، معظمها مستمد من مذكرة تقدم بها راواك، أو من

ولم نقترح . مؤلف إيفا ساخس الممتاز في تاريخ المجسمات الخمسة المنتظمة .تصحيحات جديدة، طفيفة في حد ذاتها، إال حيث تهيأ لنا أنه ال غنى عنها

ال يستهان به، فظهر ، عددا من المرات )الفرنسية(وقد اتخذت ترجمتنا وضحينا دوما باألناقة في سبيل األمانة . توسع في المعنى، تجنبا لكثرة الحواشي

-١٦٩-

وتصفحنا الترجمات السابقة، . المفروضة في نص له ما له من الصبغة العلمية Archer )١(ه هاند، وافر كرولي، وأرشHenri Martinال سيما ترجمة هنري مرتان

– Hind et Fraccaroli.

شكرنا على مالحظاته الكثيرة A. Diès ض ههنا السيد دييس حونم .سةيواقتراحاته النف

.١٩٠٦أفالطون، التميئس، ترجمة ادجيزبه افركرولي، تورينو، ) ١(

-١٧٠-

-١٧١-

التيمئس أو الطيماوس

-١٧٢-

أشخاص احلوار

سقراط●

تيمئس●

●هر كراتسم

أكرتيس●

-١٧٣-

التمهيد- ١

: عـالمطل –١

ولكن يا عزيزي تيمئس، أين هو رابعنا، رابع !.. واحد فاثنان فثالثة : قراطسالذين أضافونا البارحة وأولموا لنا، والذين نأدب لهم اليوم المأدبـة

ونحتفي بهم؟لقد ألمت به وعكة خفيفة، يا سقراط، إذ ما كان ليتخلف برضاه عن : تيمئس

.ندوتنا هذه بك في هذه الحال، وبهؤالء أيضا، القيام بمهمة الغائب؟أال يناط : سقراطوتأكد أننا، جهد المستطاع، لن نتأخر عـن ذلـك فـي . دونما ريب : تيمئس

ثم إننا قد ال نعدل في تصرفنا، إن قصرنا نحن اآلخرين فـي . شيءمقابلة وليمتك بوليمة فاخرة مثلها، بعد أن أضفتنا البارحة وأكرمـت

.ضيافتنا

:تلخيص حديث األمسية البارحة –٢

وهل تذكرون الموضوعات التي نظمت لكم التحدث عنها؟ : سقراطال . وما ال نتذكره منها، فأنت حاضر لتذكرنا بـه . إننا نتذكر بعضها : تيمئس

بل إن كان األمر ال يشق عليك، فأعدها على مسامعنا منـذ البدايـة .هاننا رسوخا أكملوأوجزها لنا باختصار، لترسخ في أذ

-١٧٤-

إن خالصة األقوال، التي نطقت بها البارحة حول . سيكون لكم ذلك : سقراط الدولة، ترد إلى التساؤل عن الدولة المثلى وعن خير الرجال الـذين

.يؤلفونها، لتبدو لي أنها الحكومة الفضلى .أجمعينوكل ما قلت يا سقراط، كان على فكرنا تماما، وطاب لنا : تيمئس في تلك الدولة الفضلى إذن، ألم نفصل أوال بين طبقـة الفالحـين : سقراط

؟)١(والصناعات األخرى، وبين طبقة المناضلين عنها .أجل: تيمئس مهـا، ئوطبقا لطبيعة كل فئة، قد كلفنا كال منها بمهمة واحدة فقط تال : سقراط

ن يجب عليهم أن يحـاربوا وقلنا عن الذي. وأسندنا إليها صنعة واحدة في سبيل الجميع، قلنا إنه يفرض عليهم أن يكونوا حماة الدولة فقط، إن أقدم أحد على اإلساءة إليها من الخارج وحتى من الـداخل، وأن

ومن هم بـالطبع خالنهـم، وأن ميقضوا بالحلم والوداعة لمرؤوسيه .)٢(يقسوا في القتال على من يلقون من أعداء

.هذا صحيح تماما: س تيمئوفعال كنا نقول إن طبيعة نفس الحماة، على ما أظن، يجب أن : سقراط

تكون معا حماسية جياشة ومتزنة متعقلة حسب األحوال، ليستطيع الحماة أن يتجملوا ويصبروا مع البعض، وأن يقسوا ويشتدوا مع

.)٣(البعض اآلخر، وأن يتصرفوا هذا التصرف أو ذاك عن حق

.ad ٣٧٠: ٢الجمهورية ) ١(ال بد أن يكونوا ودعاء حليمين مع المواطنين، وقساة أشداء «: C ٣٧٥: ٢الجمهورية ) ٢(

.»مع األعداءوباإلضافة إلى طبعه الحماسي الجياش، يجب على حـارس «: e ٣٧٥: ٢الجمهورية ) ٣(

.»الدولة الصالح أن يكون أيضا حكيما

-١٧٥-

.نعم: تيمئسوماذا قلنا عن تربيتهم وتهذيبهم؟ ألم نقل إنه ال بد أن يتغذى هؤالء : سقراط

الرياضة والموسيقى والعلوم الرياضية، وأن ينشئوا ) بمبادئ(الحماة .)٤(عليها كلها، وعلى كل ما يليق بهم

.هذا عين الصواب: تيمئس يتربون هذه التربية أن ال وقد قيل أيضا إنه يفرض على من: سقراط

يحسبوا في وقت من األوقات الذهب والفضة أو أي مغنم آخر ملكا ولكن عليهم أن ينالوا كأعوان ومنجدين مكافأة حراستهم ممن . خاصا

عفاء قنوعين، أينجون بفضلهم، وأن تفي تلك المكافأة بحاجات أناس عا ويحيون حتى يصرفوها باالشتراك مع إخوانهم، فيقتاتون م

بعضهم مع بعض، صارفين همهم في كل آن إلى الفضيلة ومنقطعين .عن المهام األخرى

.قيلت هذه األمور وعلى هذا النحو بالذات: تيمئس وذكرنا أيضا بشأن النساء أنه ال بد من خلق االنسجام بين طبائعهن : سقراط

أن تسند إليهن كل وطبائع الرجال، لتغدو قريبة متدانية، وأنه ال بد المهام المتعلقة بالحرب ومرافق الحياة األخرى، لتكون كلها

.)٥(مشتركة .وعلى هذا الوجه قيلت تلك األمور أيضا: تيمئس وماذا قلنا بشأن إنجاب البنين؟ أال يسهل تذكر هذا الموضوع بسبب : سقراط

ميع وكل خروجه عن المعتاد؟ فقد جعلنا كل زواج مشتركا بين الج

.٣٧٧a و ٢:٣٧٦eالجمهورية ) ٤(

.ade ٤٥٥و e ٤٥٤: ٥الجمهورية : مرأة نفس الطبيعةللرجل وال) ٥(

-١٧٦-

، متحايلين كي ال يعرف أحدهم أبدا أن مولودا )٦(البنين أبناء الجميعمن المواليد هو ابنه، بل يعد الجميع كل الحماة من أسرة واحدة، فيحسبون أخوات وإخوة كل الذين هم ضمن العمر المناسب لذلك،

ين والذين قبل ذاك العمر فما فوق يحسبونهم والدين وأجدادا، والذ .)٧(دون ذاك العمر أبناء وأحفادا

.نعم، وهذه األشياء يسهل تذكرها على الوجه الذي تقول: تيمئس لكي يولد األوالد، قدر المستطاع، ولهم خير الطبائع، أال نذكر أننا : سقراط

قلنا إنه يجب على الرؤساء والرئيسات أن يتخفوا ويتدبروا جمع قرع، حتى يتجمع الطالح والطالحات، األزواج بإلقاء بعض ال

ويتجمع الصالح والصالحات، كل فئة تجامع الفئة المماثلة لها، دون أن يدب الحقد إلى قلوبهم بسبب ذلك، بل يعتقدون أن االتفاق هو

مع؟اسبب التج .نذكر ذلك: تيمئس أما أبناء .وقلنا أيضا إنه ال بد أن نربي أبناء الصالحين من الحماة: سقراط

ويجب أن يراقب هؤالء . األشرار، فيدفعون سرا إلى مدينة أخرىأما غير المستحقين . ن يعاد المستحقون منهمأاألبناء أثناء نموهم، و

.من األبناء الالبثين في الدولة فينقلون إلى بلد العائدين بدال منهم .)٨(األمر على ما ذكرت: تيمئس

.cd ٤٥٧: ٥شيوع النساء واألوالد، ) ٦(

.٤٦١ – ٤٦٠ و a ٤٥٩: ٥تنظيم الزيجات، ) ٧(

يجب أن يخفوا األوالد المشوهين في مكان «: الباب الخامس من الجمهورية يقول فقط ) ٨( .C ٤٦٠» مقفر ال يدنى منه وناء عن األبصار

-١٧٧-

رض اآلن األمور مثل البارحة، عائدين إليها عودتنا إلى ألم تستع: سقراط رؤوسها أو عناوينها، أم نتوخى بعد شيئا من أقوالنا السابقة إلهمالنا

مئس؟)٩(ذكره، يا عزيزي تي .فهذه هي الموضوعات التي تحدثنا بها. البتة، يا سقراط: تيمئس

:وصفه النظري يود سقراط تأريخ دولة حقيقية يقابل –٣

اسمعوا اآلن ما يلي حديثنا عن الدولة التي استعرضناها، وما أشعر : سقراط فشعوري هذا يشبه شعور إنسان يرى حيوانات جميلة في . به نحوها

رسم على الرسوم وحتى في الواقع، ولكن مخلدة إلى السكينة، فيودعض ما أن يشاهدها وهي تتحرك وتقوم في مقاومتها وجهادها بب

وأنا قد شعرت، بالنظر إلى الدولة التي . يبدو مالئما أجسادها .استعرضناها، شعورا مماثال بالذات

وقد أصغي بلذة إلى من يفصل لنا المعارك التي تخوضها دولة، فيروي ها في نزاعها مع دول أخرى، وأنها قد بلغت مرحلة لنا أن دولتنا تعاني مشاق

أنها، في خوض غمارها، تبدي من المآثر في الحرب على خير أهبة، واألفعال ومن المحامد في األقوال والمفاوضات مع كل دولة، ما يليق بتهذيبها

.وتربيتها ).يصرح سقراط في هذا المقام أنه عاجز عن رواية تاريخ من هذا النوع(

مكراتس، قد حكمت أنا ذاتي على يا اكرتيس وهر. هذا المضماروفي . اتي أنني لن أوفق أبدا إلى إطراء تلك الدولة وأولئك الرجال اإلطراء الوافيذ

.وتقصيري هذا ليس فيه ما يدعو إلى العجب

.٧المقدمة، فصل راجع ) ٩(

-١٧٨-

).الشعراء والسفستيون عاجزون هم أيضا عن هذا القصد(ال . وقد اتخذت عن الشعراء، األقدمين منهم والمحدثين، الفكرة عينها

طائفة االقتداء «اء، ولكنه واضح كل الوضوح أن ألنني ازدري صنف الشعر تحاكي وتجاري خير محاكاة وعن أسهل سبيل، كل ما ألفته )١(»والمحاكاة

وأما ما خرج عن إطار البيئة والنشأة، فيصعب على كل إنسان . ونشأت فيهمحاكاته في األعمال، ويصعب عليها صعوبة أشد أن تجاريه حسنا في

.األقوال

انتقلنا إلى صنف السفستيين، فأنا أعتقد أنه واسع الخبرة في مقاالت وإذاولكني أخشى أن يخطئ في حكمه على الفالسفة وعلى . كثيرة وجميلة شتى

عراضه إرجال السياسة على السواء، لتجواله الدائم من مدينة إلى مدينة، و يفقه ما قد ومن ثم، أن ال. عن سكنى منزل خاص في بقعة من بقاع األرض

يبديه هؤالء في الحرب وما يأتونه من مآثر في معارك، وأن يفوته ما قد .يحققونه قوال وعمال في تعاطيهم مع كل فرد بمفرده

).محاوروه وحدهم لهم الصفة الالزمة ليقدموا على رواية تأريخ كهذا(

بقيت إذن لدينا الطائفة المنتمية إلى حالتكم والمتسمة بصفاتكم، فتيمئس . والمشاركة في آن واحد الفالسفة ورجال السياسة بطبيعتها وتربيتها

وهو ال يقل ثروة ومحتدا . ة لكريس في إيطاليانهذا هو من أشهر مدينة، مديوقد شغل أعظم المناصب والرتب في مدينته وبلغ . عن أحد من أهل ذاك البلد

، أن ا نحن الحاضرون هاهنونعرف جميعنا،. في ظني ذروة الفلسفة كلها

. وما يلي٢:٣٧٧bالجمهورية : رأي أفالطون في الشعراء) ١( .٣٩٥a، e ٣٩٤، ٣٩٢b: ٣الجمهورية : نظريته في المحاكاة واالقتداء

-١٧٩-

ما اوأم. اكرتيس ال ينتمي إلى السوقة في أي من الموضوعات التي نعالجهايتعلق بسجية هرمكراتس وتربيته، فال بد من االعتقاد بناء على شهادة كثيرين

.أنهما تصلحان لكل هذه األمور

ا سألتموني ولذا نشطت البارحة، بعد التفكير، إلى تلبية رغبتكم، عندمن أردتم ذلك، تصلحون لمتابعة الحديث إالتحدث عن السياسة، لعلمي أنكم

عداد الدولة لخوض حرب إألننا بعد . وإتمامه، وال أحد يصلح لذلك أكثر منكمالئقة بها، أنتم وحدكم بين المعاصرين تستطيعون أن تمنحوها ما يناسبها لتلك

تبت لكم، لقاء ذلك، الكالم عن فبعد أن تكلمت عما فرض علي، ر. الحربهذا، وقد وافقتم معا، بعد التباحث فيما بينكم، . الموضوع الذي أشير إليه اآلن

فقد مثلت إذن أمامكم . على مقابلة هدية ضيافتي بهدية أقوالكم وخطبكم .وازدنت لسماعها، وأنا أوفر الجميع تأهبا لقبولها

ا سقراط، لن نقصر في شيء، على ما قال الحق يمإننا، والي: هرمكراتسوليس لدينا عذر للتخلف . صاحبنا تيمئس، عن القيام بهذا الواجب

ولذا حال خروجنا البارحة من هنا، وبلوغنا المضافة . عن أدائهي ينزلنا فيها اكرتيس، ال بل قبل ذلك أثناء المسير، كنا نتداول تلا

نا اكرتيس هذا حديثا سمع من عهد وقد ساق إلي. هذا األمر بالذاتفأعده اآلن يا اكرتيس على مسمع سكراتس، ليحكم معنا هل . بعيد

.يوافق هذا الحديث مقصدنا أو ال يوافقه

.ن استحسن االقتراح شريكنا الثالث تيمئسإال بد لي أن أفعل، : اكرتيس

.أنا على رأيكم صراحة: تيمئس

-١٨٠-

إىل املوضوع التطرق- ب

١–سحديث اكرتي : استمع اآلن يا سقراط، إلى حديث غريب جدا، مع إنه صحيح من : هرمكراتس

.كل الوجوه، كما رواه يوما صولن أحكم الحكماء السبعة ).قرابة صولن واكرتيس وعالقة الواحد باآلخر(

، ومن أحب الناس إليه، جدنا فقد كان إذن صولن من أنسباء اذربيذس والد على )١(وقد قال الكرتيس جدنا. كما يقول هو نفسه، في مواضع كثيرة من شعره

مآثر عظيمة وعجيبة، ةما كان يذكر لنا هذا األخير في شيخوخته، إن لهذه المدينولكن إحدى تلك المآثر . ودرست وعفت مع تراخي الزمن وهالك البشر

ن، فقد تليق بأداء الشكر لك، وفي الوقت نفسه بمديح وأعظمها كلها، إن ذكرت اآل .لهة المديح العادل الصحيح، كأننا نسبحها حقا في عيدها الحافل الحاضراإل

ولكن ما هي المأثرة السحيقة في القدم التي رواها . لقد أحسنت : سقراطاكرتيس نقال عن صولن، ال كحديث من األحاديث، وإنما كعمل

ي أنجزته هذه الدولة؟واقع)كيف استدرج أميننذرس إلى المنادمةساكرتي (

عليكم هذه الرواية القديمة، وقد سمعتها من رجل لم يكن في : اكريتس سأقصوقد ناهز اكرتيس آنذاك، على ما كان يردد، التسعين . شرخ الشباب

واتفق لنا أن . ثر إال العاشرةمن عمره تقريبا، وأنا لم أبلف على األك

الطغاة الشخص الذي يذكره الحوار هو أكرتيس الكبير، جدا أكرتيس الطاغية أحد ) ١ (- ١، e ١٥٧أفالطـون، خرميـذس (كان ابن اذربيذس نسيب أو خليل صـولن . الثالثين١٥٨a ،اقتـرن والـد ) ١٦:١ ثم فلوسترس، حياة السفستيين ١:٣؛ ذيجينس الالئرتي

,Diels, Vorsokr. 3: راجع. أفالطون ببركتيوني حفيدة اكرتيس الكبير وأخت الطاغية

2, p. 309, 26, C. Ritter, Platon, I 1910, p, 12-15..

-١٨١-

وما ألف الناس في العيد . )٢(وقع يوم كرئوتس أثناء أعياد األ باتورياإذ قد أقام لنا آباؤنا . كل مرة جرى لألطفال في ذلك اليوم أيضا

فأنشدت جملة من القصائد لشعراء . مباراة في الشعر الغنائي الكثيرين تغنينا بمنظومات صولن ولكننا نحن األطفال. كثيرين

.الشعرية، ألنها كانت طريفة حديثة في ذلك العهد إما ألن األمر بدا له هكذا إذ ذاك، وإما - فقال عندئذ أحد إخوتي، ، قال إذن إن صولن هو في رأيه من الوجوه - ليؤتي اكرتيس بعض السرور

الشعر أيضا أجود الشعراء طرا األخرى أحكم الحكماء، وإنه حتى في ، ثم - واذكر األمر تماما-فطرب الشيخ وسر جدا . وأوفرهم نبال وتحررا

يا أميننذرس، لو لم يمل إلى الشعر من باب التلهي فقط، بل «: هش له وقالجد فيه نظير اآلخرين ونشط له، وأنجز الرواية التي جاءنا بها من مصر،

اضطر إلى إعمال قرض الشعر بسبب االضطرابات والثورات، ولوال إنهوبسبب المساوئ األخرى التي لقيها ها هنا لدى عودته، لما فاقه شهرة في

س وال شاعر أليام، الهسيذس والهومرظني أحد من الشعراء في يوم من ا .»آخر سواهما

»يس؟وما كانت تلك الرواية، يا اكرت«: فسأله الفتىكان صولن يتكلم فيها عن أجل مأثرة وربما عن أشهر كل «: فأجاب

ولكن بسبب تراخي الزمن وهالك . المآثر طرا التي اجترحتها هذه الدولة .أبطالها، لم يبلغنا نبأهاوما هي تلك المأثرة، وكيف رواها صولن، ومن «: فأردف الغالم

.»دقة؟سمعها فنقلها كرواية صحيحة صا

.٣ ح٩ :٥:٥، ١٩٥٧ب السياسيات، في هذا العيد، راجع لنا كتا) ٢(Cf. Wilamowitz: Aristoteles und Athen. 2, 1893, P. 271, 16.

-١٨٢-

٢ –لنورواية ص : ، حيث يتشعب مجرى النيل بقرب )١(في مصر عند الذلتا«: فقال الشيخ

المقاطعة هي رأسه، مقاطعة تدعى السائتيكية، ألن المدينة الكبرى في تلك ائسمدينة س .وفي نظر أهل تلك المدينة إلهة . )٢(ومنها خرج الملك آمزس

. وباليونانية حسب قولهم أثنا، ا بلغة مصر نئيثأسست حاضرتهم، اسمهفيقول . نسباء لهمأويدعي القوم أنهم أصدقاء األثينيين، ومن بعض الوجوه

ولما راح ذات يومي . صولن إنه صار إلى هناك، لقي لديهم حفاوة كبرىى ف أليستجلي األحداث العريقة في القدم، ويسأل عنها أوفر الكهنة خبرة فيها،

ال يعرف منها الخمس من الطمس، ال هو وال أي – إن صح القول –أنه وابتغى مرة أن يدفعهم إلى الحديث عن تلك الحوادث . ينرجل من الهل

الذي يعد أول )٣(الغابرة، فشرع يتكلم عن أقدم أمور دولتنا، عن فرنفسكلين وبيرة، كيف نجوا من إنسان، وعن نيوفي، وراح يروي أسطورة ذف

الطوفان وعاشا من بعده، ويسلسل الذين انحدروا منهما، ويحاول مما يقول أن .يتذكر عدد السنين وأن يحسب مدى األزمان

:ليس لليونان ذكريات عن الماضي السحيق -١

لن، صولن، يا صو«: فقاطعه أحد الكهنة و وهو متقدم جدا في األيام قائالنتلبثون دوما أطفاال، وليس من شيخ هلي نأنتم الهلي« .

وقد سمي هكذا رأس النيـل . ، بشكله ولفظه»ذ«الذلتا حرف يوناني يقابل الذال عندنا ) ١(

)عربالم( .ألنه يشبه هذا الحرف. ك مصر من الساللة السادسة والعشرينأمزس أو آمزس الثاني هو أحمس أحد ملو )٢(

. نئيت هي إلهة سائس الكبرى. وما يلي٢:١٦٢راجع هروذتس . م.ق٥٦٩عاش نحو .وسائس هي ربما مدينة السويس القديمة

راجع فيه . فرنفس األرغي هو اإلنسان األول وأبو إحدى النيوفات )٣(Akousilaos, Fr. 20 Diels. Utilisé par platon. D'après Clément, Strom. I.102.

Vors. 3. 2 p. 209. 14.

-١٨٣-

»وماذا تقول؟... كيف«: فلما سمعه صولن قالأنتمك جميعكم فتيان بأرواحكم، إذ ال تحفظون فيها «: فأجابه الكاهن الشيخ

. لزمانزعما قديما مستمدا من نقل أو تقليد عتيق، وال علما مغبرا مع تراخي ا. لقد دهمت البشر كوارث كثيرة وعلى أوجه متعددة: وسبب ذلك هو ما يلي

وقد حلت بهم نوائب أخرى أقل . وأخطرها بالنار والماء. سوف تدهمهم أيضاو .خطورة، واتخذت عشرة آالف شكل غير شكل النار والماء

) الشمس( هيليس وهي أن فئيثن بنفالقصة التي ترددت عندكم وعندنا أيضا، وإذ عجز عن دفع المركبة في طريق والده، . )١(شد الخيول يوما إلى مركبة أبيه

فهذه القصة اتسمت . احرق ما على وجه األرض، وضرب هو بالصاعقة وهلك )٢(أما الحقيقة فهي أن انحرافا يقع لإلجرام الدائرة في الفلك. بزي األسطورة وشاعت

فتهلك الكائنات على . االنحراف يتم خالل حقب بعيدة األمدوهذا . حول األرضوعندئذ يلحق الدمار أهل الجبال والمناطق العالية والجافة . وجه األرض بنار مستعرة

.البحار احلوأكثر مما يلحق القاطنين على ضفاف األنهار وس امتياز مصر بموقعها-٢

تلك الحالة بالذات ينقذنا والنيل الذي هو مخلصنا في الحاالت األخرى، في وعندما يبغي اآللهة من جديد تطهير األرض فيغرقونها . من تلك التهلكة بفيضانه

وإيسخلس ) ٢، أرزخ١٩٩المقطوعة (يذكر أسطورة فئيثن خصوصا هسيذس )١(

.وإلفربيذسCf. G. Knaack. Questiones Phaetonteae. In Phil. Untersuchungen h. von A. Kiessling u. U. von Wilamowitz – Moellendorf. 8. 1886. p. 8.

، أن .م.ويتبين المرء من نص أفالطون أن العلماء حاولوا، منذ القرن الخامس ق .يفسروا األسطورة تفسيرا عقليا يتفق ومعطيات الفلك

انحراف، ال توجد عند المتقدمين على عهد سقراط وال عند parallaxisإن كلمة )٢( ، ليدل على االنحراف الصغير الذي e ٢٦٩لسياسي وأفالطون يستعملها في ا. أرسطو

. تبتعد به الحركة الدائرية عن حركة الدائرة بذاته

e

-١٨٤-

وسكان المدن . بالمياه، ينجو من الغرق رعاة البقر والغنم المقيمون في الجبالوأما في هذا القطر فال تنحدر المياه ال في هذه . نهار إلى البحرعندكم تزجيهم األ

وال تنهمر كالسيل من أعالي الهضاب إلى . وال في غيرها من الحاالتالحالة ومن ثم تحفظ األشياء . فجر كلها بالطبع من أسفلتولكن على عكس ذلك ت. السهل

.عندنا لهذه األسباب وتعد عريقة سحيقة في القدمبيد أن الحقيقة هي أن جنس البشر ال ينقطع يكثر تارة ويقل أخرى، في

ومما يجري عندكم أو . األمصار التي ال يضايقه فيها برد قارس أو حر الفحكل في هذه البالد أو في أي مكان آخر، فنسمع به ونعرفه، إن كان في ذلك أمر جميل أو جليل أو يمتاز بناحية من النواحي، فمن قديم الزمان يسجل هذا كله

اد تنتظم فيها شؤون األدب وأما عندكم فكل مرة تك. عندنا ويحفظ في الهياكلوالشؤون األخرى كلها التي تحتاج إليها الدول، إذا بفيض السماء يدهمها ويذهب

، فيترك منكم األميين والجهلة، بحيث )١(بها كأنه وباء يتفشى في سنين معهودةتصبحون بمثابة أحداث ابتدؤوا عهدا جديدا، ال تعرفون شيئا من كل ما كان في

.زمان لدينا أو لديكمغابر األصولين، في استعراضك أحداث ايوفعال ما كنت تسلسله اآلن من أنساب، فأنتم أوال تذكرون طوفانا واحدا . بالدكم ال تختلف إال قليال عن خرافات الصبية

ثم ال تعلمون أن . غطى وجه األرض، مع أن فيضانات كثيرة قد حدثت قبلهومنها انحدرت أنت . اس ظهرت عندكم وفي بالدكمأبهى وخير أمة أخرجت للن

وجميع رعايا دولتكم الحاضرة، إذ قد بقي فيكم قسط زهيد من زرع تلك األمة .خالل أجيال وأجيال قد تلفوا وهم ال ينطقون بلغة الكتابة

ألن دولة األثينيين الحاضرة كانت مزدهرة، يأصولن، في العصور ب البشر بالمياه، وامتازت وتفوقت في الحرب الغابرة، قبل أعظم بوار انتا

أما . ٢٦٩ceإن نظرية طوفان دوري تختلف عن النظرية الواردة في السياسي )١(

).a ٨٩التيمئس (األمراض التي تنتابنا في فترات منتظمة فهي الحميات

a

٢٣

b

c

-١٨٥-

ويقال إن مآثرها كانت أجل المآثر . واشتهرت في كل األمور شهرة واسعةويقول » .وأجملها، وأن نظمها السياسية كانت أبهى نظم تحت السماء سمعنا بها

صولن إنه لما سمع هذه األقوال تعجب، وأبدى كل اهتمام وسأل الكهنة أن .يبسطوا له بدقة وبالتسلسل كل ما يتعلق بمواطنيه القدامى

: عراقة أثينا في القدم-٣

ال أرفض استجابة سؤلك يا صولن، ولكني أتكلم إكراما «: فأردف الكاهن لك ولدولتكم، وخصوصا استعطافا لإللهة التي نالت بالقرعة دولتكم ودولتنا،

دكم سبقت بالدنا بألف سنة، إذ استمدت زرعكم من بيد أن بال. وربتهما وهذبتهماوقد سجل بالكتابة في . وبالدنا أتت بعدها في الزمن. )١(األرض ومن هيفستس

.هياكلنا حساب السنين التي مرت على حضارة وطننا هذاالشرائع المصرية هي صورة لقوانين أثينا قبل ذاك العهد بتسعة آالف ( )سنة

ذين عاشوا منذ تسعة آالف سنة، فسأبين لك قوانينهم أما مواطنوك الوفيما بعد إبان أوقات فراغنا، سوف . بإيجاز، وسأروي لك أبهى مأثرة أتوها

.نأخذ السجالت نفسها ونستعرض تفاصيل األمور كلها بالتتالي

إذ . مع نظم هذه البالد وشرائعهااهتواآلن تأمل شرائعهم ونظمهم بمقابلأوال . ههنا أمثلة كثيرة عن القوانين المرعية عندكم في ذلك الحيننك تجد اليومإ

وبعدها طبقة أهل الصناعات وكل . هان المفروزة عن الطبقات األخرىكطبقة ال

طورة مولد إرخثونيس، كما يوردها إفربيذس، في روايته إين، ش هذا تلميح إلى أس )١(وقد ولد إرخثونيس من األرض بعد أن . ١٢، راجح أنتغونس الكرستي، مقطوعة ٢٦٧

)المعرب. (أفسد عليها هيفستس وهو يطارد أثنا

d

e

e

٢٤

a

-١٨٦-

ثم طبقة . فئة منهم تتعاطى صناعتها على حدة دون أن تختلط بغيرها من الفئاتقد الحظت ربما أن طبقة ول. فطبقة الصيادين والقناص، وطبقة الفالحين. الرعاة

وقد فرض الشرع على . المحاربين مفصولة في هذا البلد عن جميع الطبقاتأضف إلى ذلك . أفرادها أن ال يهتموا بشيء من األشياء ما خال شؤون الحرب

والرماح، ونحن أول من تسلح بها في أرجاء آسيا ألن نوع تسليحهم بالمجان .متكم إياه أوال في أصقاعكم النائية تلكاإللهة علمتنا إياه، كما عل

ثم ترى ربما بشأن ما يتعلق بالفكر والعقل، أي اهتمام أعاره الشرع عندنا، وحاال منذ البداية، وبشأن الحضارة والثقافة، كيف وجد كل شيء، حتى العرافة

ب بغية المحافظة على الصحة، وتطبيقات هذه األمور اإللهية على طوال. غراض البشرية، وكيف حصل لنا جميع المعارف األخرى الناجمة عن هذهاأل

فاإللهة إذن حلتكم، أنتم أوال إذ ذاك، بكل هذه الزينة الروحية وكل ذلك التنظيم، وأقامت بين ظهرانيكم، بعد أن اختارت مقاما لها المكان الذي خلقتم فيه، آخذة

. أكثر الناس فهما وتعقاللإذ يجعله صالحا ليقبعين االعتبار اعتدال الفصول فيه، اختارت مكانا مزمعا أن ، ولما كانت اإللهة مغرمة بالحرب ومولعة بالحكمة

فأنتم إذن فيه، . آخريجعل أوفر الناس شبها بها، وسكنته قبل أي قبل أي مكان ى الناس طرا نا مثل هذه السنن، ال بل أفضل منها أيضا، وتفوقتم علواتبعتم سن

.بكل ضرب من المناقب، على ما يليق بأوالد اآللهة وأربتهمولكن إحدى . وقد دوناها عندنا إلعجابنا بها. فمآثر دولتكم وافرة وعظيمة

.)٢(تفوق كل المآثر عظمة وبطولة )نضال أثينا وشعوب سواحل المتوسط ضد االطلنتيس(

.e ١٠٨ راجع المقدمة الفصل الثاني، واكرنيس )١(

b

e

d

-١٨٧-

دولتكم ذات يوم، وقد مشت ألن سجالتنا تذكر أية قوة ضخمة أخمدتهاالمحيط من . أوربامعا، من خارج حدود اآسيبصلف على أوربا كلها وعلى

.)٣(األطلسي

٤ -ساألطلنتي :

وقد حوط . م الواقع هناك كان يمكن عبوره في ذلك العهدضألن الخ وكانت .جزيرة عند فوهته وهي التي تدعونها، على ما تقولون، أعمدة هركليس

ومن هذه الجزيرة كان يمكن للمسافرين في تلك . الجزيرة أكبر من لفيا وآسيا معاالعصور أن يجتازوا إلى الجزر األخرى، ومن هاتيك الجزر إلى القارة بأسرها،

ألن ما يقع داخل الفوهة التي . الواقعة على الساحل المقابل حول البحر الحقيقيوأما ذاك الخضم فهو بحر حقيقي، . عبر ضيقنتكلم عنها، يبدو مرفأ ذا م

واألرض المحدقة به يمكن بحق ومن كل الوجوه أن تدعى قارة بمعناها .الصحيح

. ففي جزيرة األطلنتيس تلك، قد نشأت سلطنة ملوك عظيمة وعجيبةوبسطت سيادتها على الجزيرة كلها، وعلى جزر أخرى كثيرة ومساحات شاسعة

اإلضافة إلى تلك البالد، كانوا يسودون من جهتنا على لفيا حتى وب. من القارةوقد تجمعت هذه السلطنة برمتها . )١(حدود مصر، وعلى أوربا حتى حدود ترنيا

ووحدت شملها، وحاولت ذات مرة في اجتياح واحد أن تستعبد كل البقعة الواقعة

، األسطورة اليونانية Preller Robertبة معاصرين مختلفين، السيما ابرلر ترأي كفي ) ٣(، صولن هو أول من قص رواية األطلنتيس األسطورية، ٥٦٥ ص١، ١٨٩٤، ٤.ط

غير أن نصوص التيمئس نفسها نشير . ولم يعمد أفالطون إال إلى استغالل روايته ).cd ٢١(صراحة إلى أن صولن لم ينشر شيئا من كتاباته

. لفيا أو ليبيا هو االسم المشترك المطلق على أقسام إفريقيا الواقعة إلى غربي مصر) ١( .هي القسم الغربي من ايطاليا) وقد غدت فيما بعد اتروريا(وترنيا

a

b

٢٥

-١٨٨-

دئذ عزة دولكم، يا فبدت عن.في أرجائكم وأرجائنا وداخل مضيق هركليسإذ تزعمت الجميع برباطة . ن، وأظهرها فضلها وبأسها للبشر أجمعينصول

جأشها وضروب فنونها في الحرب، وقادت اليونان، ثم انفردت في الواقع بحكم الضرورة، النسحاب الجيوش الحليفة األخرى، وبلغت ذروة المخاطر، وقهرت

النصر، وصانت الذين لم يقعوا قط في المجتاحين وتغلبت عليهم ونصبت أقواس العبودية من أن يمسوا أرقاء، وحررتنا نحن اآلخرين جميعا المقيمين ضمن حدود

.)٢(أعمدة هركليس دون حقد أو حسد )تواري األطلنتيس(

وفي يوم واحد . وحدثت هزات أرضية هائلة وطوفانات. وتعاقب الزمنقعة من بالدكم وتوارى معها كل جيشكم جملة، وليلة شديدة دهماء، خسفت ر

ولذا أضحى . )٣(وكذلك توارت جزيرة األطلنتيس في لجة البحار وانمحى أثرهار غوره إذ يحول دون ذلك وحل قريب جدا باليوم ذلك البحر غير سالك، ال يس

.»إلى وجه المياه، تركته الجزيرة عندما غارت

:ياته كيف استرجع اكرتيس ذكر-٥

لقد سمعت، يا سقراط، في صيغة مقتضبة، ما قاله اكرتيس القديم األيام وفيما كنت تتكلم البارحة عن السياسة وعن رجالها الذين . نقال عن صولن

رواية المبعوث، (إن رواية أفالطون الجميلة تذكرنا بمسرحية الفرس اليسخلس ) ٢(

رى في هذه الرواية تلميحا واضحا بعض ويمكن للمرء أن ي). وما يلي٣٥٣ش .الوضوح إلى الحرب الفارسية الثانية

. شراح معاصرون مختلفون يجدون في هذا الوصف تلميحا إلى بحر سرجاس) ٣(يورد نصا ألرسطو ) ١٥، ديهل١٨٨، ص١ب ٥٨(وابركلس، في تعليقه على التميئس

لقد أعلمنا أرسطو أن في البحر «: كليسيذكر فيه أعماقا موحلة واقعة بعد أعمدة هر ويدعون ...ع ذو مياه منخفضة وموحلةال، وأن ذاك الموضالخارجي عند مدخله أوحا

.»، الصخور المختبئة والمغطاة بالمياهVráchiحتى يومنا هذا أفراخي

c

d

e

-١٨٩-

وصفت، كنت أتعجب إذ تذكرت األمور التي بسطتها لكم اآلن، وأناجي ذاتي ولم . لتفاصيل التي رواها صولنمتسائال كيف الءمت أقوالك في معظم األشياء ا

اية ذكرى وافية بسبب تمادي وأشأ أن أصرح بذلك حاال، ألنني لم أكن أذكر الرففكرت إذن في نفسي أنه البد لي أوال من أن أستعيدها كافية في ذهني، . الزمن

ها بي البارحة، تولذا وافقت سريعا على المهمة التي أنط. وبعد ذلك أسردها لكمعتقادي أننا قد نوفق إلى مأربنا بهذا الخطاب توفيقا جيدا مقبوال، ألن أجل عمل ال

.نقوم به في كل بحث يشبه أبحاثنا، هو تقديم مقال يالئم مقاصدناهذا، حالما خرجت من هنا ) هرمكراتس(فهكذا إذن، على ما قال صاحبنا

وبعد أن غادرتهم . إلى مسمع اإلخوانونقلتها ) صولن(البارحة، تذكرت أقوال وحقا كم يصح . عدت أتفحصها كلها تقريبا آناء الليل حتى استعدتها بحذافيرها

إذ لست . القول السائر، إن معلومات الطفولة ترسخ في الذاكرة بصورة عجيبةوقد أعجب كل . أدري هل استطيع أن أعيد إلى ذاكرتي ما سمعته البارحة فقط

فقد . تني أمر زهيد من تلك التفاصيل التي سمعتها منذ عهد بعيد جداالعجب إن فاكنت أنصت إليها بلذة كبيرة وانشراح عميق، والشيخ يعلمني برغبة واندفاع، عليه في السؤال وأعود إليه مرارا وتكرارا، بحيث رسخت في ألنني كنت ألح

الرسم الذي داخل الشمع أقواله كأنها خطت في ذهني بكتابة ال تمحي نظير وما كاد الصبح ينبلج حتى أسمعت أصحابنا هؤالء كل تلك التفاصيل، . )١(ألوانه

. كي يستفيضوا في األحاديث معي

)١ (c 26 ،بشأن تلك الرسوم التي داخل الشمع ألوانها، راجع البلينيس، التاريخ الطبيعي

:ذلك الرسم الذي ال يفسده ال ضياء الشمس وال الملح وال الهواء«: ١٤٩، ٢٥. »pictura nec sole nec sale ventisque corrumpitur Quae «

٢٦

a

b

c

-١٩٠-

-١٩١-

حوار التيمئس بالذات

-١٩٢-

-١٩٣-

األسلوب املفروض اتباعه باقي احلوار-ج

الخطوط العريضة فاآلن إذن، أنا مستعد يا سقراط، أن أبسط لكم الوهذا هو الهدف في أقوالنا السالفة . فحسب، بل التفاصيل برمتها مثلما سمعتها

والمواطنون الذين وصفت، والدولة التي استعرضتها أمامنا البارحة، . كلهااستعراضا كأنه أسطوري، سوف ننقلها اآلن إلى حقيقة الواقع ونضعها ههنا

صورتهم في ذهنك، سنقول عنهم إنهم أجدادنا والمواطنون الذين . نصب أعيننام فسوف ينسجمون تما. الكاهن المصريفي الحقيقة، وهم الذين كان يتكلم عنه

إذا قلنا عنهم إنهم أولئك الذين ذاالنسجام وعلى كل وجه مع اولئك، ولن نش . )٢(عاشوا في الزمن الغابر

د طاقتنا أن نفي وسنتضافر جميعنا ونضم جهودنا المشتركة ونحاول جهوال بد يا سقراط، أن نتفحص هل هذا القول يوافق . وفاء الئقا بما كلفتنا

.قصدنا، أو يترتب علينا أن نبحث عن قول آخر يكون لد بديالوبأي قول أفضل نستبدل هذا، يا اكرتيس، ال سيما وأنه يالئم الذبيحة : سقراط

عظم مالئمة التصاله الوثيق بها الحاضرة، المقدمة إلى اآللهة، أومجانسته لها، وألنه قول عظيم كل العظمة يعبر عن واقع، ال

فإن عدلنا عن هذه األقوال، فكيف . سطورة شاردة وتائهة مع الخيالأظي، عليكم أن ومن حسن ح. وأين نجد غيرها؟ ال يمكن ذلك

اء ما قلته أركن وأخلد إلى السكينة وأستمع لكم لقتتكلموا، وعلي أن .البارحة

.a ٦٨٤ و e ٦٨٣: ٣راجع كتاب الشرائع ) ٢(

d

e

٢٦

a

-١٩٤-

توزيع األدوار-د

تأمل إذن، يا سقراط، تنظيم المأدبة التي أدبناها لك، كيف وزعنا : اكرتيس

لقد بدا لنا أن يبتدئ تيمئس ويكلمنا أوال عن مولد العالم وأن . ألوانهاينتهي بكالمه عن الطبيعة البشرية، ألنه أغزرنا اطالعا على علم

واتفقنا على أن . ، وأوفرنا انصبابا على معرفة طبيعة الكونالفلكأتكلم أنا بعده، كأنني قبلت البشر منه وقد ولدهم بنطقه، وكأنما قبلتهم منك، وقد هذبت فئة منهم تهذيبا فائقا، ثم أدخلهم ليمثلوا أمامنا مثولهم أمام قضاة، فأجعل منهم، طبقا لفكر صولن وشرعه،

هذه الدولة وكأنهم أثينيو العهود السالفة، الذين نقلت مواطنين فيوفي ما عدا ذلك، . عنهم األسفار المصرية المقدسة أنهم دالوا وبادوا .)٣(نايأتكلم عنهم كالمي عن مواطنين حاليين في دولة أث

أتخيل أنني سأحظى، مقابل وليمتي، بمأدبة خطابية كاملة فاخرة وقد : سقراط .تيمئس، بعد هذا أن تدعو اآللهة حسب المألوف وتتكلمحان لك، يا

أجل يا سقراط، ال بد أن أفعل هذا، ألن جميع الناس، وإن كان لهم : تيمئسحظ زهيد من الفهم والتعقل، يدعون اهللا دوما ويستنجدونه عندما

ونحن العازمون على الكالم . يقدمون على أي عمل صغير أو كبيرل، هل صار أو لم يصر، يلزمنا ضرورة، إن عن بعض نواحي الك

راجع المقدمة، الفصل األول، الفقرة الثالثة، هذا في الواقع الموضوع الذي يعالجه ) ٣(

.رتيسحوار اك

c

b

-١٩٥-

لم نفقد الصواب تماما، أن ندعو اآللهة واإلالهات، وأن نسألهم أن توافق أقوالنا كلها فكرهم أتم الموافقة، ومن جهتنا أن تتسلسل هذه

أما ما . هذا هو ابتهالنا المتعلق باآللهة. األقوال في ترابط وانسجامتفقهوا أنتم كالمي على أهون وجه، وأن أبينه نسأله لذواتنا، فهو أن

.أنا خير تبيان على النحو الذي أفكر به وطبقا لألهداف التي عيناd

-١٩٦-

-١٩٧-

الفصل األول

املثاالن املمكنان واملبدع

:التساؤل األول

ما هو الكائن الدائم : في نظري إذن، ال بد أن نميز أوال األمور التاليةله، وما هو المحدث دوما وغير الموجود أبدا؟ إن الواحد لوجود وال حدوث

يدرك بالفكر بواسطة البرهان، إذ يوجد دوما على حال واحد، واآلخر يخمنه إنه محدث بال وفي الحقيقة ال يوجد . الظن بواسطة الحس الخالي من البرهان

.)١(أبدا

السببية والمبدع والمثاالن

إذ يستحيل . حدث ضرورة عن سبب من األسبابهذا، وإن كل محدث يوأي شيء قد يحقق المبدع فكرته . )٢(قطعا أن يحدث حدوث دونما سبب

وخواصه، وهو ينظر دوما إلى الكائن على حال واحدة، ويستعمل في صنعه

)٧٢) ١ a : ٥٠٧: ٦نجد التمييز عينه، وبعبارات مماثلة تقريبا في الجمهورية b . ٥٠٩و d ٢٦٩ راجع السياسي d..

: ١٠الـشرائع . b ٧٢، فيلفس b ٩٩ و c ٩٨فيذن : يورد أفالطون مرارا مبدأ السببية ) ٢(٨٩١ e ــئس ، d ٤٦، c ٤٤، d ٣٨، ٨٧c: a ٦٩، ٦٨e، c ٧٥: e ٤٦، d ٢٩ والتيم٦٤ dالخ.

٢٨ a

b

-١٩٨-

وأما ما . مثاال كهذا، فذاك كله يكون حتما جميال، إذ يتم على هذا النحودع وهو ينظر إلى المحدث، مستعمال مثاال مولدا، فذاك ليس يصنعه المب

.)٣(بجميل

تطبيق هذا التمييز على العالم

:التساؤل الثاني

ولنسمه بأي اسم قد -فالفلك برمتة أو العالم أو ذاك الشيء اآلخر، ال بد أن نبحث أوال بشأنه ما يفرض أن –يسمى به ويتقبله أفضل قبول

هل كان دائما، فليس له أي مبدأ حدوث، أو : بحث في البدء بشأن كل شيءي .)٤(أ من مبدأ ما؟دهل ابت

وأمثال هذه األمور كلها . إنه قد حدث ألنه منظور وملموس وله جسموالمحسوسات يدركها الظن بواسطة الحس، وتظهر بجالء محدثة . محسوسة

. ورة أن يحدثه سبب ماثم إننا نقول عن المحدث إن من الضر. مولدةويستحيل على مكتشفه أن . فاكتشاف صانع هذا العالم وأبيه إذن عمل شاق

.يفضي باكتشافه إلى الجميع :التساؤل الثالث

مهندس : ومن جديد، ال بد أن يبحث أيضا بشأن العالم هذا األمر التاليبالنظر إلى المثال العالم قد صنع العالم يا ترى بالنظر إلى أي من المثالين، أ

الثابت غير المتحول، أم بالنظر إلى المحدث؟ فإن كان هذا العالم جميال

يشبه المبدع بفذيس الذي لم يشأ أن يتخذ ) Diehl. I, 265. 18 (d ٨٤إن ابروكلس، ) ٣( .نموذجا حسيا لينحت تمثال زفس

.b ٨٣، a ٧٩: راجع فيذن) ٤(

c

٢٩ a

-١٩٩-

انوان ك. زليومبدعه صالحا، فجلي أنه كان ينظر في صنعه إلى المثال األولكنه . أمر ال يحل ألحد حتى النطق به فقد كان ينظر إلى المثال المحدث

ألن العالم هو أبهى . زليثال األواضح لكل عاقل أنه كان ينظر إلى المالصائرات، ومبدعه خير العلل وإذا أحدث على هذا النحو، فهو يدرك بالعقل

.والفهم، وقد أبدع طبقا للمثال الثابت

:)للعالم إذن مثال ثابت ال يتحول(

ولما كانت هذه األمور على هذا النحو فالضرورة الحتمية تقضي إذن وأعظم كل شيء أن يبتدئ المرء بدءا . )٥(رة عالم مابأن يكون هذا العالم صو

وهو أن : طبيعيا فال بد إذن من أن نميز بشأن الصورة ومثالها التمييز التاليالمقاالت والبراهين تمت بصلة القرابة إلى األمور التي تفسرها وتبرهن هي

.عنها :)النتيجة ضربان من المعرفة، أوال العلم(

العقل له، تلزمه براهين ) إدراك(لراسخ والواضح بعد فالثابت إذن وا ويليق قدر اإلمكان أن تقوم هذه البراهين على أقوال . ثابتة ال تتحول

.ال تدحض وال تقهر أو تتزعزع، وأن ال ينقصها شيء من القوة والمتانة

)ثانيا الظن الذي يشبه الحقيقة(

ملة ومجارية البراهين أما براهين ما يماثل ذلك الثابت، فتكون محتوالحقيقة هي بالنظر . )٦(األولى من باب المماثلة، ألن الممائل صورة الموجود

، b ٩٢التيمئس (ال يفتأ أفالطون متشاغال بالبحث عن نموذج صنعت األشياء على مثاله ) ٥(

). ٥٦١c: ٨، ٥٠٠e: ٦، c ٤٧٢: ٥، الجمهورية c ٢٦٢يذرس ، فd ٢٧٧السياسي

.٢٨، ٣٤٤، ١، ديهل a ١٠٥راجع ابروكلس، ) ٦(

b

c

-٢٠٠-

فال . )٧(إلى االعتقاد والظن، ما هو الكيان بالنظر إلى الحدوث والصيرورةفق بعضنا مع بعض في تتعجب إذن يا سقراط، ان لم نتمكن جيدا من أن ن

وجه، ومن أن نضبط كل الضبط براهيننا في أقوالنا تمام االتفاق ومن كل ولكن إن قدمنا من تلك البراهين ما . أمور كثيرة تتعلق باآللهة وبحدوث الكل

ال يقل عن غيره في مداناة الحقيقة، فعلينا أن نرضى به، ذاكرين أن لنا طبيعة ومن ثم يجدر بنا، ان قدمنا بشأن. بشرية، أنا المتكلم فيكم وأنتم المحكمين

اآللهة وحدوث الكل حديثا محتمال، ان ال نلتمس من بعده حديثا غيره يبذه .ثباتا

لقد أحسنت جدا، يا تيمئس، وال بد لنا أن نتقبل حديثك على النحو : سقراطفأنجز لنا حاال بسط . عجابإوقد أنصتنا إلى مطلعك ب. الذي تشاء

.موضوعك الشائق

. يستعملها أفالطون بتواتر للداللة على الحدوث أو الصيرورةGenesisإن كلمة يينس ) ٧(

، الشرائع a ٢٧ و d ٢٦، فيلفس ٢٣٥e، السفستي d ٢٨٢، a ٢٦١راجع السياسي ( ). مواضع كثيرة أخرى وفي٨٨٩: ١٠

d

-٢٠١-

الفصل الثاني

الصالح اإلهلي: ذا وجد العاململا لقد كان . برمته فلنقل ألية علة أنشأ المنشئ الصيرورة وهذا الكل: تيمئس

ولما خال من . بشأن أي شيء والصالح ال يداخله حسد ما. صالحا. )١(الحسد، أراد أن تحدث جميع األشياء، وهي تدانيه أعظم مداناة

ناس حكماء، أن هذا مبدأ الصيرورة وقد يقبل المرء أتم القبول من أ .ويصيب كل االصابة في قبوله. ىسمومبدأ العالم األ

)عمل اهللا المنظم(ألن اهللا لما أراد أن تكون جميع األشياء جيدة، وأن اليكون شيء منها خبيثا، تناول بعد هذا التصميم كل ما كان مرئيا غير هادئ، ال

وشا، ونقله من الفوضى إلى النظام، بل مضطربا ومصطخبا متشولم . معتقدا أن حالة النظام أفضل على كل وجه من حالة الفوضى

ن، ألفضل الكائنات أن يصنع شيئا ما لم يكن حالال، وال يحل اآل .يكن ابهى األشياء

)هذا الكون حي(

)١( جينس الالئرتيفهو يورد قوال من هذا النوع نسب إلى ثالس الحكيم، ٣٠: ١راجع ذي ،لتسفيلسوف مي.

e

٣٠

a

b

-٢٠٢-

ففكر إذن، وبعد التفكير وجد أنه ال يمكن أن يصدر عن األشياء المرئيةبالطبع كون متكامل بال فهم يفضل كونا متكامال ذا عقل وفهم، وأنه يستحيل

وبناء على هذا التفكير، جعل العقل في النفس، . أن يؤتي أحد العقل دون نفس في الجسد، وهندس الكل بالطبع أبهى األشياء، وينجز هو خير والنفس

لبرهان محتمل، بأن العالم فعلى هذا النحو إذن، يجب القول، طبقا. األعمال .في الحقيقة كائن حي ذو نفس وعقل، وأنه حدث وصار بعناية اهللا

c

-٢٠٣-

الفصل الثالث » بذاته«احلي : طبعية مثال العامل

على شبه . وإذ ثبت لنا هذا، علينا أن نقول ما يعقب مباشرة هذه األمور

العالم ونشبهه بأحد أي من األحياء انشأ العالم منشؤه؟ لن نحط من قدر ألن ال شيء يشبه الناقص . األشياء التي جعلت طبعا من نوع الجزئيات

بل فلنفرض أنه يشبه غاية الشبه، ذاك الكائن الذي . ويمكن أن يكون جميالتتكون أجزاؤه من سائر األحياء اآلخرين، كأفراد وأجناس، ألن ذاك الكائن

ية، كما ينطوي هذا العالم علينا وعلى كل يشمل في ذاته جميع الكائنات العقلألن اهللا إذ شاء أن يشبه هذا العالم أعظم الشبه . الحيوانات األخرى المنظورة

أبهى الكائنات العقلية وأكملها في كل شيء، جعله حيا واحدا منظورا، حاويا .في ذاته كل األحياء المجانسين له بطبيعتهم

في قولنا بسماء واحدة، أو كان أصح أن نقول فهل كنا إذن على حقبسماوات كثيرة ال تحصى؟ لقد كنا على حق في قولنا بسماء واحدة، اللهم إن

ألن الكائن المنطوي على الكائنات . كان من شأنها أن تبدع على صورة المثالن الحية العقلية ال يمكن أن يكون ثانيا بعد آخر، إذ ينبغي من جديد أن يكو

٣٠

d

a

-٢٠٤-

. ألنهما يكونان بمثابة جزأين له. هناك حي آخر يشمل ذينك االثنين األولينن هذا الحي قد صنع على شبههما، بل على شبه الذي إولن يقال بحق عندئذ

فلكي يكون إذن هذا الحي شبيها في وحدانيته بالحي الشامل، لهذه . يحويهماوإنما حدثت . والم ال تحصىاالعتبارات، لم يصنع المبدع عالمين وال ع

.وولدت هذه السماء وحيدة، وسوف تبقى أبدا وحيدةb

-٢٠٥-

الفصل الرابع ملا كان العامل جسما

فهو يفرض وجود النار والرتاب

والشيء يمكن أن . بد أن يكون المحدث ذا جسم، مرئيا وملموسا وال

. فة، وال كثيفا بدون ترابيصير مرئيا بدون نار، وال ملموسا بدون مادة كثيولكن ال يمكن اثنين أن . من نار وتراب» الكل«ركب جسم يومن ثم طفق اهللا

.يتركبا وحدهما حسنا دون ثالث

)ضرورة ثالثة حدود إلنشاء اضطراد(

وخير الربط . بد أن يكون بينهما رباط يضم الواحد إلى اآلخر ألنه ال، في »واحدا«اته ومن األشياء المربوطة شيئا هو الذي يمكنه أن يؤلف من ذ

ألنه عندما يكون . واالضطراد يحقق هذا األمر أفضل تحقيق. غاية الوحدةمتوسط ثالثة أعداد ما مكعبة أم مربعة، في نسبة واحدة من األول إليه، ومنه هو المتوسط إلى األخير، ثم في نسبة واحدة من األخير إليه، ومنه هو

توسط إلى األول؛ فعندئذ، إذا غدا الوسط أوال وأخيرا، وإذا غدا كل من الماألول واألخير أيضا وسطا، فيتفق هكذا حتما أن تكون كل هذه الحدود على

. وعندما تغدو على ذات النسب فيما بينها، تكون هي كلها واحدة. ذات النسب

٣٢

c

a

-٢٠٦-

، فواسطة واحدة قد تكفي فإن لزم أن يكون جسم الكل مسطحا ال عمق له .لتربط ذاتها وتربط الطرفين اللذين معها

)ولكن لما كان جسم العالم أحد المجسمات لزمه واسطتان وأربعة حدود(

والمجسمات ال . والحال أنه كان ينبغي أن يكون مجسما من المجسماتفعلى . سطتانتنسقها أبدا وال تضم أجزاءها واسطة واحدة، بل تضمها دوما وا

ووفق بين هذه . النحو وضع اهللا الماء والهواء في وسط النار والتراباهذالعناصر، مراعيا قدر المستطاع، معادلة واحدة، وجاعال عين النسبة بين النار والهواء وبين الهواء والماء، وعين النسبة بين الهواء والماء وبين الماء

وبناء . أ سماء واحدة مرئية وملموسةوالتراب فربطها بعضها ببعض، وأنشعلى هذه النسب، ومن مثل هذه العناصر األربعة في العدد، ولد جسم العالم،

ومن ثم، لما . وحصل بفضل هذه العناصر على الصداقة. منسجما بالتناسبالتأمت أجزاؤه في واحد، أصبح مرصوصا ال يفصم عراه آخر ما خال الذي

.ربط بينها

b

c

-٢٠٧-

فصل اخلامسال العامل كروي وهو يكفي ذاته

ويشمل األجسام كلها

إن تنسيق العالم وإنشاءه قد استوعب كال من العناصر األربعة بجملته ألن منشئه قد أنشأه من النار باسرها، ومن الماء برمته، وكذلك الهواء

أحد تلك ولم يدع خارج العالم وال ذرة واحدة وال أية طاقة من . والتراب .وهذه كانت نواياه. )١(العناصر

أوال لكي يكون العالم حيا شامال متكامال في غاية التكامل، مؤلفا من وعالوة على ذلك لكي يكون واحدا فريدا، إذ لم يتبق ما يمكن . كامل األجزاء

ن ، معتبرا أ)٢(يعتل أخيرا كي ال يشيخ وال. أن ينشأ عنه عالم آخر مماثلإذا ، عوامل الحرارة والبرودة وكل العوامل األخرى ذات المفاعيل العنيفة

. راجع المقدمة، الفصل الثالث، اهللا ومثاال العالم )١(

وأفالطون يورد ههنا. إن هذا المقطع يلمح إلى مناقشات قديمة بشأن وحدة العالم )٢( ٧، ولميلس المقطوعة ٨راجع لبرمنيذس المقطوعة (براهين استمدها من فالسفة إلئا

: ٤ :٢راجع له كتاب السماء (و وتالميذه طواستدالل أفالطون هذا سيعمد إليه أرس). ٨و ٢٨٦ b ٥٨ ص ٢، ديهل ١٦١ – ١٥٧(وهذا ما أشار إليه ابركلس ). يلي وما١٠ – ٦٧.(

d

٣٣

a

-٢٠٨-

حدقت من الخارج بجسم مركب، ودهمته في آناء غير مؤاتية، فهي تفككه أولهذه العلة . وتجلب له األمراض والهرم، وتؤدي به إلى البوار والدمار

شامال، متكامال من جميع وبسبب هذا التفكير، هندس اهللا العالم، وجعله فريدا .أجزاء العناصر طرا، ال يهرم وال ينتابه داء

)العالم كروي(

فقد يليق بالحي المزمع أن يضم في . وقد أعطاه الشكل المالئم المجانسولذا . ذته جملة األحياء، شكل ينطوي في ذاته على كافة األشكال بال استثناء

. ه إلى سطحه بعدا متساويا من كل الجهاتآتاه شكال كرويا، يبعد مركز قطرهو الشكل (وأداره تدويرا، وجعله أكمل جميع األشكال، وأشبه شيء بذاته

.، معتقدا أن الشبيه أفضل بعشرة آالف مرة من المغاير)الكروي

)العام يكفي ذاته، وال حاجة له إلى أعضاء(

وذلك . ا من ظاهرهوقد مهد اهللا سطح الكرة كله، وجعله أملس ناعمولم يكن العالم بحاجة قط إلى عيون، إذ لم يترك خارجا عنه . ألسباب عدةولم يحدق . وال إلى سمع، إذ لم يترك خارجا عنه شيء يسمع. شيء منظور

ولم يحتج إلى عضو ما به يزدرد الطعام، أو . به هواء لطيف يستدعي التنفسألن ال شيء يخرج منه، . سبق واستساغهآخر به يدفع نفاية األكل الذي قد فهو ). خارجا عنه (شيءإذ لم يلبث وال . وال شيء يلجه من أي مصدر كان

وقد ولد عن قصد ليتأثر بذاته في ذاته، ويصنع كل . بذبوله يوفر لذاته الغذاءألن الذي ركب عناصره اعتقد أنه خير له أن يكتفي . شيء بذاته في ذاته

. يحتاج إلى األشياء األخرىبذاته من أن

b

c

d

-٢٠٩-

وقد حسب اهللا أن هال ضرورة أن يركب له أيادي، إذ ال حاجة له أن وال أن يركب له أرجال وال ما يستخدم للتنقل . يأخذ، وال أن يصد عنه مناوئا

.على اإلطالق

)إن العالم يتحرك حركة دائرية(

، )٣(بين الحركات السبعوقد حباه اهللا حركة تالئم الجسم، وهي التي، ولذا برمه على نفسه، وفي نفس المحل . تنسجم أعظم انسجام مع العقل والفكر

وانتزع . دائرية ويدور على نفسه دورانا حركةبرمة وئيدة، وجعله يتحركوإذ لم يكن بحاجة في ذلك . وحرمه من الشرود بها. منه الحركات الست كلها

. سيقان وال أقدامالدوران إلى أرجل، ولده بال

)تلخيص البحث السابق(

هذا التفكير، بشأن اإلله المزمع أن يصير – الدائم الكيان –وإذ فكر اهللا ذات يوم إلى الوجود، صنعه جسما أملس مسطحا ومتساويا من كل صوب في

. بعده عن مركز قطره، وكال واحدا متكامال من أجسام متكاملة

الحركة الدورانية، والحركة : لى سبعة أصنافإث في المقام عن تقسيم الحركات الحدي )١(

من اليمين إلى الشمال، ومن الشمال إلى اليمين، ومن أمام إلى خلق، ومن خلف إلى وهناك تقسيم آخر إلى عشرة أنواع، . األمام، ومن فوق إلى أسفل، ومن أسفل إلى فوق

.b ٤٣راجع التيمئس . c ٨٩٣ : ١٠نجده في كتاب الشرائع

٣٤ a

b

-٢١٠-

لسادسالفصل ا روح العـالــم

).وهي فلك السماء» بالكل«إنها تحدق، (

وقد جعل اهللا النفس في وسط الجسم، ونشرها خالله كله، وغلفه بها حتى وجعلها تدور حوله سماء واحدة فريدة منعزلة، قادرة بمزيتها الخاصة . من ظاهره

. ذاتها وتحبها محبة كافيةإلى كائن آخر، تعرف أن تلبث مستقلة في ذاتها ال تحتاج .وبفضل هذه المناقب كلها، ولدها اهللا إلها سعيدا

).روح العالم سبقت جسمه(

ولم يستحدث اهللا الروح بعد الجسم، كما باشرنا اآلن الحديث عنها بعد تحدثنا غير . ألنه لو صنع الجسم قبلها لم يسمح أن يحمل الحديث العهد قديمه. عن الجسم

لكن اهللا أنشأ . نحن نتكلم أيضا اتفاقا وعرضاف، ذ نشارك االتفاق واألقدارأننا إالنفس وجعلها بمولدها ومناقبها متقدمة على الجسد، وأقدم منه عهدا وسيدة وآمرة،

.وهو خاضع لها، وركبها من العناصر اآلتي ذكرها وعلى النحو التالي

)تركيب روح العالم(

وغير القابل االنقسام، » الدائم الثبات على حال واحدة«ر وأخذ اهللا من الجوهث في األجسام، ومزجهما وصنع منهما صنفا ثالثا من ثم من الجوهر المنقسم المحد

c

٣٥

a

-٢١١-

وأقام . )١(الجوهر متوسطا بين االثنين، له طبيعة ما هو عين ذاته وطبيعة اآلخر المنقسم المتعلق الثبات في الوسط بين غير المنقسم من الجوهرين وبين

ثم عاد وأخذ هذه الجواهر، وهي ثالثة، ومزجها وعمل منها كلها . )٢(باألجسامولما كانت طبيعة اآلخر عسرة الخلط، حشرها ونظمها بالعنف، . صورة واحدة

وإذ جعل من الثالثة . وضمها إلى طبيعة ما هو عين ذاته، ومزجها مع هذا الجوهر وكل قسم مستمد. ل إلى األقسام التي ينبغي ويليق أن تقسمواحدا، عاد وقسم هذا الك

وشرع . أصال مما هو عين ذاته ومن اآلخر ومن الجوهر الممزوج الناتج عنهما :يقسم على النمط التالي

Quld Plato de animae mundanae elementis: راجع لترجمة النص العويص مرتان وولراب )١(

docuerit,Progr. Dresde, 1872,ماذا علم : وعنوان الكتاب الموضوع بالالتنية يعني. ١٠ ص .أفالطون يا ترى بشأن عناصر روح العالم

، ١٥٥: ٢، ديهلd ١٧٨حتى ابركلس، (» هما «aftonإن كل المخطوطات تحمل الضمير )٢(وهذا الضمير أفتون، ). وهذا خالفا لما يؤكد اشتنهارت، وقد اقتفى اتسلر وفولراب إثره. ٢

مستعصي ظھرamérous» بغير المنقسم« وال ën méço» بالوسط«الذي ال يمكن أن يتعلق ال النوع الثالث من « بدل الجمع، وأرجعناه إلى الضمیر المفرد» أفتو«وإذا قرأنا . التفسیر Deinde) ١٠ص(ترتب علينا أن نترجم نظير فولراب ... triton oucias eidos »الجوھر

natura ejusdem et alterius si respicitur, etiam hac ratione medium inter individuum ejus

et per corpora dividuum composuit.» إذا ن ظرنا إلى طبيعة الشيء ذاته واآلخر، فقد ثم. »جعل حتى على هذا النحو وسطا بين غير المنقسم منها وبين المنقسم بواسطة األجسام

ونحن ال نرى إشكاال كبيرا في . هذا رأي رفو. كضمير تجزيئي» افتون«ويمكن أن تفهم ى الجوهرين المنقسم وغير والضمير الجمع المضاف إليه يعود حتما حسب القرائن إل. األمر

ويقول أفالطون في صراحة إنه أخذ . المنقسم اللذين يتكلم عنهما الفيلسوف في العبارة السابقةميزة الديمومة والثبات وعدم التحول وجعلها بين الجوهرين المنقسم منهما وغير المنقسم،

. صورة واحدةليمزج بين كل هذه العناصر والصفات ويركب منها مزيجا واحدا، و ).المعرب(

d

b

-٢١٢-

)تقاسيم المزيج األولية(

وبعده انتشل جزءا هو ضعف . انتزع أوال من جملة المزيج جزءا واحداثم . زءا ثالثا هو مرة ونصف أكبر من الثاني وثالث أضعاف األولثم ج. األول

وجزءا . وأخذ جزءا خامسا هو ثالث مرات الثالث. جزءا رابعا هو ضعف الثاني .وجزءا سابعا هو سبع وعشرون مرة األول. سادسا هو ثماني مرات األول

)كيف مأل اهللا مجاالت السلسلة الناشئة في هذا التقسم(

وبعد تلك التقاسيم، مأل المجاالت المضاعفة واألكبر بثالث مرات، واقتطع بحيث حصل في كل مجال . من المزيج أجزاء ووضعها في تلك المجاالت

والثانية تفوقهما أو . واسطتان، إحداهما تفوق الطرفين أو يفوقانها بكسر واحدصل، في المجاالت السابقة، ومن هذه العالئق ح. يفوقانها بكمية متساوية في العدد

فمأل اهللا كل مجاالت واحد . مجاالت واحد ونصف وواحد وثلث وواحد وثمنوالمجال المتروك في هذا . وترك جزءا من كل مجال. وثلث بمجال واحد وثمن

وهكذا استنفد المزيج الذي . ٢٤٣ إلى حدود عدد ٢٥٦الجزء هو في حدود عدد .تاقتطع منه التقاسيم والمجاال

)الفلك وخط االستواء وخط االنحناء(

وطبق إحدى الشقتين . وشق عندئذ هذا الجهاز كله إلى اثنين من عرضه، وثنى كال من الشقتين )وهو حرف الخاء اليوناني( خي، Xعلى األخرى بشكل

.وضم طرفي كل شقة مقابل نقطة التقائهما. على نفسها بصورة دائرة

)حركات الفلك(

وجعل إحدى الدائرتين . ملهما بالحركة الثابتة الدائرة في عين المكانوشوأعلن أن الحركة الخارجية هي حركة تنجم عن طبيعة . خارجية واألخرى داخلية

c

٣٦ a

b

c

-٢١٣-

. »اآلخر«، وأن الحركة الداخلية هي حركة تنجم عن طبيعة »ما هو عين ذاته«. ركة اآلخر قطريا نحو الشمالووجه حركة ما هو عين ذاته جانبيا إلى اليمين، وح

ألنه تركها وحدها دون . لة لدوران ما هو عين ذاته والمماثوأعطى السطو .انشقاق

)حركة الكواكب السيارة(

أما الحركة الداخلية، فبعد أن شقها على ست دفعات إلى سبع دوائر متفاوتة، وهذه -ر بثالث مرات،وفقا لكل من المجاالت المضاعفة والمجاالت التي هي أكب

، رتب أن تجري الدوائر جريا يعاكس بعضه -ثالثة مجاالت وتلك ثالثة مجاالتبعضا، وأن تدور ثالث منها بسرعة مماثلة، وأربع بسرعات متباينة تختلف من دائرة إلى دائرة، وتختلف عن سرعات الدوائر الثالث األخرى، ولكن طبقا لنسب

.)٣(معينة

)عالم داخل روحهموقع جسم ال(

ولما أنجز كل تركيب الروح طبقا لفكر مركبها، نظم هذا المركب بعد ذلك توزيع الجسم كله ضمنها، ورد منتصف الجسم إلى منتصف الروح ووفر لهما

وهي بعد أن نسجت من وسط الفلك إلى أقصاه، واشتملته في ظاهره من . االنسجامى ذاتها، انطلقت انطالقها اإللهي وباشرت حياة عقلية كل جانب، وأخذت تدور عل

وغدا جسم السماء منظورا، ولبثت الروح . )٤(ال تنقطع تستغرق الزمن برمتهدة جامه، وصارت بين الكائنات المولال ترى، ولها نصيب في العقل وانس

.ودالمستحدثة أفضلها، وقد أحدثها أفضل الكائنات العقلية الدائمة الوج

.راجع المقدمة، الفصل الخامس )٣(

. وما يلي١٦ d ٢٨٥: ٢: ٢راجع ألرسطو كتاب السماء )٤(

d

٣٧

e

a

-٢١٤-

الفصل السابع وظائف روح العامل

ومن طبيعة » ما هو عين ذاته«ألن الروح إذن قد مزجت من طبيعة

فتألفت من هذه العناصر الثالثة، ونسقت أقسامها ، ومن جوهر ناتج عنهما» اآلخر«طبقا لعالقات رياضية معينة وربطت هذه األقسام بانسجام، فهي تقول في دورانها

تها، عندما تالمس شيئا له جوهر ال ينقسم، وتعلن بحركتها وبذاتها كلها أي على ذا .ايرهغكائن يماثله ذلك الشيء وأي كائن ي

)الظن أو التخمين والعلم: المعرفة(

وتعلن خصوصا، بشأن الكائنات المستحدثة، بالنسبة ألي شيء وفي أية حال شعر ويتكبد الملمات من قبل وكيف ومتى يتفق لها أن يوجد كل منها، وأن ي

.الزائالت ومن قبل األزلياتوالعقل الصادق في ذاته، إذ يجول في المتحرك بذاته، عندما يتناول تحدث المزاعم المحسوس، وتكون دائرة اآلخر قويمة فتؤذن بذلك روحه كلها،

لية وتكون ولكن عندما يتناول األمور المنطقية العق. واالعتقادات الراسخة الصادقة .حسنة الجري فتنبئ بذلك، يتم حينئذ حتما الفهم والعلم» الشيء ذاته«دائرة

وإن قال أحد عن الكائن الذي تنشأ فيه هاتان المعرفتان إنه شيء آخر غير .الروح، فهو يقول كل شيء سوى الحقيقة

b

-٢١٥-

الفصل الثامن أصل الدميومة والزمان

ه، أنه ولد صورة لآللهة األزليين، وأنه كائن حي ولما رأى أبو العالم ووالد

فكما أن ذاك المثال . ل وابتهج وفكر أيضا أن يجعله أكثر شبها بمثالهذمتحرك، ج .أيضا قدر اإلمكان شيئا مماثال» هذا الكل«حي سرمدي، حاول أن يجعل

ربط اهللا هذه ولم يكن من سبيل أن ي. والحال أن طبيعة الحي كانت أزليةففكر أن يضع صورة متحركة . األزلية في المستحدث، وأن يدمجها به دمجا تاما

وفيما كان يزين السماء صنع لألزل الباقي في وحدته، صورة أزلية تجري . لألزلألن النهار والليل والشهور والسنين لم تكن . وهي ما سمناه زمانا، على سنة العدد .اء، ولكن اهللا استنبط حدوثها عندما كان يركب الفلكقبل حدوث السم

ونحن . غدت أصنافا له» سيكون«وأل » الكان«فكل أقسام الزمن هذه، وفنحن نقول عنه . نسهو وننسبها للجوهر األزلي، غير أننا ال نصيب في ذلك

إنه «ولكن ال يليق بهذا الجوهر سوى القول . وندعي أنه كان وكائن وسيكونفيجدر أن يقاال » سيكون«وأل » الكان«أما . حسب النطق والتفكير الصحيح» ئنكا

لكن القائم دوما على . عن الحدوث الجاري في الزمن، ألنهما حركتان وتحوالنحال واحدة دون تحول، ال يليق به أن يصير أكبر سنا أو أحدثه خالل الزمن، وال

أن يصير اآلن أو يصير في ما بعد، وال أن يكون قد صار ذلك في فترة ما، وال

d

e

٣٨ a

-٢١٦-

لكن تلك األمور قد . أن يلحقه قطعا شيء مما تلحقه الصيرورة باألشياء الحسيةغدت أعراضا من الزمن، وهو يضارع ويماثل األزل، ويجري في دورانه على

.)١(سنة العدد قد حدث وما ما حدث فهو: وال بد أن نضيف إلى ما سبق العبارات التالية

يحدث فهو يحدث، ثم ما سوف يحدث فهو سيحدث، والالموجود هو الالموجود وعل كل، لعل الوقت غير مؤات اآلن للتدقيق . هذه العبارات ال نقولها بضبط ودقة

.في هذه األبحاثإن جرى انحاللهما يوما . معافالزمن إذن حدث مع الفلك، ليولدا معا وينحال

على مثال طبيعية األزل، لكي يشبه ذلك المثال قدر االستطاعة غاية وحدث . ماوالفلك هو أيضا كان وهو كائن . ألن المثال هو كائن مدى األزلية كلها. الشبه

.دام الزمن وسوف يكون بال انقطاع ما

إن أفالطون يبسط في هذا الفصل نظرية عن الزمن تتسم غاية االتسام بطابع العصر، مع ) ١(

٣٣: a ٢١٨: ١٠: ٤راجع ألرسطو كتاب الطبيعة . (أنها ترجع ربما إلى عهد البثغوريينفكل . يرتبط الزمن بالتحول، وهو معدوم بالنظر إلى الحقائق أو الكائنات األزلية). وما يلي

له وإيقاعه. شيء يدوم له زمنه الخاصوكل كوكب له . ويبدو أن هذا الزمن يقابل فترة تحو الزمن الناجمة ولكن أزمنة السيارات تقيسها وحدات). d ٣٩(زمنه وهو ينفرد بذاك الزمن » السنة الكبرى«وعالوة على ذلك، هناك زمن مشترك، وهو . عن حركات الشمس والقمر

وهذا الزمن يسيطر على األزمنة . إذ تعود في نهايتها مظاهر الفلك كلها إلى أوضاعها األولى .األخرى بجملتها، كما يهيمن فلك الثوابت على حركات النجوم بأسرها

d

c

-٢١٧-

الفصل التاسـع وضع الكواكب السيارة الفلك ودورها

ن ومن مثل هذه النية لديه بشأن إحداث الزمن، اهللا هذا إذفمن تفكير

لكي يولد هذا الزمن، نشأت الشمس والقمر والكواكب الخمسة األخرى، الملقبة وبعد أن صنع جسم كل منها، . بالسيارة، لتحديده وضبطه وصيانة إعداده

وهذه . وضع تلك األجسام في المدارات التي يخطها دوران اآلخر في جريهوجعل القمر في المدار األول حول . عة وتلك األجسام سبعةالمدارات سب

ثم كوكب الصبح والكوكب . األرض والشمس في المدار الثاني فوق األرضالمدعو كوكب هرميس المقدس جعلهما يعدوان في مدارهما بسرعة تتعادل

وكوكب ولذا نرى أن الشمس. ما يعاكس اتجاههاهوسرعة الشمس، ولكن اتجاهكوكب الصبح، هذه الكواكب الثالثة تتالحق، فيلحق بعضها بعضا هرميس و

ين أن رام أحد أن يفصل إاألخرى، ) السيارة(أما الكواكب . )١(طبقا لسنة ثابتةركزها اهللا، وأن يستقصي كل أسباب ذاك التركيز، فذاك المقال الخارج عن

ولعل هذه . ألجلهاالموضوع قد يولي من المشقة ما يفوق األهداف التي يقال .)٢(المسائل ستحظى هي أيضا فيما بعد حين يتسع لنا الوقت، بالشرح الالئق

. الفصل الرابع، في تقارن السيارات والكواكب األخرى وتقابلهمراجع المقدمة،) ١(. إن بسط المسائل الفلكية التي يشير إليها ويعدنا بها، ال توجد في أي مكان من التينئس) ٢(

.م أفالطون إال بكواكب أربعة هي القمر والشمس والزهرة وعطاردتوال يه

d

e

-٢١٨-

)تقارن الكواكب السيارة وتقابلها(عندما بلغ إذن كل من الكواكب الالزمة إلنشاء الزمن، الحركة الموافقة، وولدت تلك الكواكب كائنات حية مرتبطة أجسادها بربط روحية،

ما تعلمت ما فرض عليها، وكانت حركتها منحرفة بانحراف حركة وعنداآلخر، تسير خالل حركة ما هو عين ذاته وهي منقادة لها، جرى بعض هذه

وسارت ذات المدار . الكواكب في مدار أوسع، وجرى بعضها في مدار أنيقوبالنظر إلى حركة . األضيق بسرعة أشد، وذات المدار األوسع بسرعة أبطأ

هو عين ذاته، بدت الكواكب الدائرة بأقصى سرعة والالحقة ذات السرعة ماألن حركة ما هو عين ذاته في تدويرها . )٣(األبطأ وكأن هذه األخيرة تلحقها

دورات الكواكب تدويرا لولبيا، جعلت أبطأ الكواكب سرعة يبدو، بسبب ه أقرب ازدواج دوراتها وبسبب تعاكس تلك الدورات في آن واحد، وكأن

.الجميع إلى تلك الحركة، وهي أسرع الحركات طرا

)أصل الليل والنهار(

فلكي يكون هناك مقياس جلي لبطء الكواكب فيما بينها وسرعتها، ولكي يبدي ما يتعلق بحركاتها الثماني، أناط اهللا منارة بالحلقة الثانية المحدقة

أعظم إنارة أرجاء السماء كي تنير . وهي ما نسميه اآلن شمسا. باألرضويشترك بالعدد جميع األحياء الذين يليق بهم ذلك، ويتعلموه من ، برمتها

.القائم على حال واحدة ومن مثيله) ما هو عين ذاته(دوران وهما . اتيفقد حدث الليل والنهار إذن على هذا النحو وبسبب هذه الغا

هر عندما ينجز القمر ويحدث الش. دوران مدار فريد هو أعقل المدارات

وهذه الحركة تسيطر على كل الحركات . النهارإن مدار ما هو عين ذاته تنعشه حركة ) ٣(ومن ثم . األخرى، وتجرها في سيرها، مع أن تلك الحركات تتجه اتجاها معاكسا

.راجع من المقدمة الفصل الرابع. نتبين لما تظهر الكواكب وكأنها تدور دورانا لولبيا

a

٣٩

c

-٢١٩-

أما دورات . ويحدث العام عندما تنجز الشمس دورتها. دورته ويلحق الشمسر القليل من الناس، وال يدعونها زالكواكب األخرى، فال يفهمها سوى الن

ا، وبالتالي، إن صحبأسماء، وال يرصدونها وال يقابلونها بعضها ببعض حسابيلكواكب هي زمن، وأن تلك الشحطات قولنا، ال يعرفون أن شحطات تلك ا

. زمنا ال يحصى، وأنها متنوعة إلى حد عجيبقتستغر

)السنة الكبرى(

ومع ذلك ال يمنع هذا من أن ندرك أن اكتمال عدد الزمن يستوعب السنة الكاملة، ويحدث هذا األمر عندما تنجز المدارات الثمانية جميعها سعيها،

وتعود كل منها وتقيس سرعتها على دورة الثابت وتبلغ إلى نقطة انطالقها، .في ذاته على حال واحدة، والسائر سيرا منتظما

)الختام(

فعلى هذه السبل ولهذه الغايات إذن، نشأت الكواكب ذات األدوار، به مع الكائن والمنطلقة في كبد السماء، كي يكون هذا العالم على أعظم ش

. مجاراة طبيعة األزلمتالعقلي الكامل، ويجاري أ

d

e

-٢٢٠-

الفصل العاشر ال بد أن حيوي العامل أربعة أصناف األحياء

وكانت الكائنات األخرى إلى مولد الزمن قد صنعت على شبه المثال وهذا العالم لم يكن قد ضم في داخله كل الكائنات الحية . الذي صورت عليه .ح يباين مثالهومن هذه الناحية مابر. المزمعة أن تحدث

فشرع اهللا يصنع هذه الكائنات الباقية، مصورا إياها على طبيعة مثال ، ما هي »من هو الحي«ومن ثم على الوجه الذي يعاني عقله المثل في . العالم

تلك المثل وكم هي فيه، ارتأى اهللا أنه يجب على هذا العالم أن يحوي هو المثال األول هو . وهي أربعة مثل. ماهية والكمأيضا كائنات مماثلة لها في ال

والمثال . والمثال الثاني هو الجنس الجاري في الهواء. جنس اآللهة السماويوالمثال الرابع هو الجنس الذي يمشي على األقدام . الثالث هو الصنف المائي

.والبري

)اآللهة الفلكية(

الجنس اإللهي، كي وطفق إذن يصنع من نار القسط األعظم من صورة» الكل«وإذ صوره على صورة . يتألق أعظم تألق ويكون بهيا جدا في النظر

ووزع إفراده على : جعله حسن االستدارة، ووضعه في ذهن األقوى لينقاد له

٤٠

a

-٢٢١-

كال من وحبا. لها بجملتها زينة حقيقيةسطح الكرة السماوية كلها، ليكونوا لواحدة ثابتة في ذات اإلله وتدور حول عين األمور ا: أولئك األفراد حركتين

حركة االندفاع إلى األمام، يخضع فيها يفكر بها دوما في ذاته، والثانيةوال يتحرك هذا الجنس من اآللهة بالحركات الخمس . لدورة الثابت والممائل

األخرى وهو منصرف عنها كي يكون كل من أفراده قدر المستطاع في غاية .الصالح

ولهذه السبب بالذات نشأت جميع الكواكب التي ال تسير وال تتيه، وهي كائنات حية إلهية أزلية تدور في ذات المكان بصورة ثابتة، وتلبث دوما على

أما الكواكب الدوارة ذات المسيرة والتيه الذي وصفناه فيما قبل، . تلك الحال .ةفقد حدثت ونشأت بعد تلك الكواكب الثابت

)األرض(

ة، ولفها حول المحور الممتدوقد استنبط اهللا األرض حاضنة لنا ومربي، وخولها إيداع الليل والنهار؟ وأقامها حارسة عليهما، )١(خالل العالم كله

.)٢(وجعلها أولى اآللهة الذين نشؤوا داخل الفلك وأقدمهم عهدا

.راجع المقدمة، الفصل الخامس والسادس) ١(

. ولد الليل والنهار مع الفلك، ومن ثم قبل مولد األرضe ٣٧ المقطع طبقا لمعطيات) ٢(ومن جهة أخرى ). ٤٠e(وليست هذه سوى أقدم اآللهة المحشورة في بطن الفلك

فكيف ). راجع الفصل الخامس من المقدمة(يحتمل أن تكون األرض ثابتة بال حراك، الطون يلمح إلى التعليم الذي ال شك أن أف» حارسة الليل والنهار؟«يمكنها أن تكون

ها هي أيضا آلة نن األرض كوكب، ألإلقد قالوا «: ينسبه سمبلتشيس إلى البثغوريينوفي الواقع عنها يصدر النهار عندما يعكس األشعة . للزمن، إذ هي سبب النهار والليل

ط الظل وهي سبب الليل عندما تدير وجهها نحو مخرو. بوجهها المتجه نحو الشمس .)Diels, Wors. 3 .1. 356. 25(الناتج عن وضعها مقابل الشمس

b

-٢٢٢-

)لن يخوض في التحدث عن أمور الفلك(

ث أن نتحدث عن جوقات هذه الكواكب التائهة السيارة ومن العبورقصها، وعن تدانيها بعضها من بعض، وعن دورانها بعضها حول بعض،

ي اآلخر، ومن منها ذوتسابقها، وفي قرانها والتحامها، أي من تلك اآللهة يحاعد ب بعض، وميغدو على الطرف المقابل، ومتى يقف بالنظر إلينا بعضها أما

ثم يعود ويبرز للعيان، ): فينخسف أو ينكسف( يحتجب منهاقب كلأي حفيبعث المخاوف في قلوب من ال يستطيعون التفكير، وينبئ عن األحداث

فالكالم على هذه الظاهرات دون النظر . الواقعة عقب تلك الظاهرات الفلكيةن التوسع في وحسبنا هذا المقدار م. إلى ما يمثلها في الواقع عبث وعناء باطل

.هذه األمور، ولنختم مقالنا في طبيعة اآللهة المنظورة والمولودة

d

-٢٢٣-

الفصل احلادي عشر ة اآلخرينـة اآلهلـاللـس

نه لفوق طاقتنا أن نقول شيئا عن اآللهة اآلخرين وأن نعرف إهذا، ووفي هذا الموضوع علينا أن نصدق الذين تكلموا عنهم فيما قبل، . مولدهم

هم على ما يقولون، من ساللة اآللهة ويعرفون دون ريب معرفة جلية ألنفيستحيل إذن أن ال نصدق أبناء اآللهة، ولو تكلموا عن . واضحة أجدادهم

ولكن بما أنهم يرددون أنهم . أولئك اآللهة دون بينات مقبولة وبراهين قاطعة العادة المألوفة ينقلون تباشير تتعلق بأسرتهم وذويهم، فال بد من أن نتبع

.ونصدقهم: ، وهاكم ذلك المولداءفليكن إذن مولد هؤالء كما تخيله أولئك الشعر

لهذين فركيس وولد . ولدت األرض من فلك السماء ولدين هما أكئنوس ونثيسيع س ريئا ولد زفس وهيرا وجمومن واكرون. وكل من بعدهمس ريئا واكرون

.)١(الذين نعرف أنهم يدعون إخوة لهذين، وهؤالء أيضا أنجبوا أبناء وأحفادا

يشير أفالطون في هذا النص إلى مولد من مواليد الكون عند األرفيين ويذكر فيه أربع ) ١(، يلمحان دون ريب إلى هذا المولد c ٦٦وفيلفسbc ٤٠٢لس تواكرا. سالالت إلهية

=اـعرين اللذين يذكرهمشا لما ورد في الـطبق(سالالت إلهية نفسه، الذي شمل ست

e

٤١

-٢٢٤-

فلما ولد إذن جميع اآللهة يدورون علنا في فلك السماء، والذين :يظهرون قدر ما يشاؤون، قال لهم والد هذا العالم بأسره هذه األقوال

= انلسساخر، ويظهر ذلك بوضوح وهذا ما يالحظه . اكر والمقطع كله هنا هجائي

ويبير :F. Weber. Platonische Notizen uber Orpheus, Munchen, 1899, p. 12 et suiv ويقول إننا في جهل كامل بشأن اآللهة، ، ١٠٧يس تويعود أفالطون في حوار اكر

س وسليني وأرففسوهم كما يدعون ساللة موسئ «e ٣٦٤: ٢راجع الجمهورية .»واألهات الطرب والفن والموسيقى

-٢٢٥-

الفصل الثاني عشر تركيب أجساد األحياء اآلخرين

آلهة من آلهة أنا مبدعها وأبوها، إذ هي مصنوعات أحدثتها محبوكة يا«

ولكن . هذا، وأكيد أن كل ما ربط وركب يحل. ال تنفصم عراها إن لم أشأ ذلك . ابتغاء حل ما نظم وانسجم انسجاما بهيا فطابت حاله، هو مبتغى الشرير

مدين كل الصمود، ومن ثم بما أنكم محدثون لستم خالدين وال صاومع ذلك لن تنحلوا، وهذا أكيد، ولن تلقوا مصير الموت، ألن . ال تفك عراكم

إرادتي هي لكم رباط أعظم وأقوى من الربط التي شددتم بها عند مولدكم، .ذن ما أقول وأبين لكمإفتعلموا اآلن

جناس إلى وما لم تبرز هذه األ. لقد بقي ثالثة أجناس مائتة لم تولد بعدمع أن . ذ لم تحرز في ذاتها كل أجناس األحياءإ. الوجود فالسماء تلبث ناقصة

وإن أنا أحدثت . ذلك يفرض عليها، إذا ما لزمها أن تكون كاملة كماال وافيافلكي . وصيرت هذه األجناس، ونالت الحياة من لدني، عادلت ربما اآللهة

لتفتوا إذن حسب اشامال في الواقع، تكون إذن مائتة، ويكون هذا الكل كال طبيعتكم إلى صنع الكائنات الحية، مقتدين باقتداري في مولدكم وإبرازكم إلى

b

c

-٢٢٦-

أما القسم من هذه الكائنات الذي يليق به أن يسمى باسم الخالدين، . الوجودالمدعو إلهيا، والمرشد فيهم جميع الذين يبتغون اتباع الحق والعدل على الدوام

وعلى أثر ذلك، . قتفاء آثاركم، فأنا أبذر بذاره وأبدأ بصنعه وأدفعه إليكمواتسدون بسدى الغير المائت لحمة المائت، وتصنعون كائنات حية وتولدونها

.»وإذا هلكت تعودون وتتقبلونها. وتؤتوها طعامها وتربونها

d

-٢٢٧-

الفصل الثالث عشربها الصانع يصور األرواح ويرك

هللا هذه األقوال، ثم عاد إلى الجام األولى، التي خلط فيها روح قال ا

. ومزجها وسكب فيها البقايا من الجواهر التي عمد إليها من قبل» الكل«غير أنه لم يبق شيء من الجوهر الصافي الثابت . ومزجها على الطريقة ذاتها

ما بقي من فلما ركب كل. على حال واحدة بل من الجوهر الثاني والثالث فقطهذين الجوهرين قسمه أرواحا تساوي الكواكب عدا، ووزعها على الكواكب

وأبدى لها . وأصعد األرواح إليها إصعاده لها على مراكب. واحدة لكل كوكب :وأطلعها على النواميس المحتومة، نواميس مصائرها» الكل«طبيعة

)سنن مصير األرواح العامة(

. واحدا سيرتب لها جميعها، كي ال ينتقص هو حق أحدأن مولدا أوال وبعد أن يلقي بذارها في أدوات الزمن، كل واحدة منها في األداة الموافقة لها،

وأن الطبيعة . نبت أوفر الكائنات الحية خوفا واتقاء هللايفرض عليها أن ت بسمة خاصة، وأن الجنس األقوى منها سوف يتسم. البشرية تكون مزدوجة .ويدعى فيما بعد رجال

وعندما تغرس األرواح بحكم الضرورة في أجسادها، وينمو قسم من أوال شعور واحد في الجميع : جسدها ويتقلص قسم، يتحتم إذاك أن ينشأ معه

e

٤٢ a

-٢٢٨-

يضاف إلى . ينجم عن األهواء العنيفة، وثانيا ينشأ الحب تمازجه اللذة والحزن. بعاب، وكل األهواء الناجمة عنها، وكل التي تناقضها طذلك، الخوف والغض

. فمن تغلب على هذه األهواء عاش في البر، ومن غلب لها عاش في االثمومن يحي حسنا زمانه المالئم، يعود فينطلق إلى سكني نجمه المأنوس،

وإن زل عن هذه المبادئ، تحول في . فيحظى بحياة سعيدة في ألفة الكوكبالحالة أيضا عن شره، في هذه وإن لم يرعو. والدته الثانية إلى طبيعة امرأة

فعلى النحو الذي يحط به من كرامته ويسيء التصرف، على شبه ذلك النحو تكون الوالدة التالية فيتحول دوما من طبيعة وحش إلى طبيعة وحش آخر

وهكذا دواليك، فال يستبدل حاله السيئة وال ينجو من متاعبه . تماثل شرهالمطبوعة » هو عين ذاته وما هو مماثلما«ومشقاته، قبل أن ينقاد لدورة

فيه، ويسحب معه في إذعانه تلك الكتلة الضخمة من النار والماء والهواء والتراب التي نمت فيه من بعد، وهي ثورية غير عاقلة، وقبل أن يخضعها

.للعقل، ويبلغ بها من جديد إلى صورة حالته األولى الفاضلة جدا كل هذه القوانين، كي ال يكون فيما بعد وبعد أن سن اهللا لألرواح

مسؤوال عن شر كل منها، بذر بعضها في األرض، وبعضها في القمر، وبعد زرع األرواح، . )١(وبعضها في كل ما هناك من أدوات أخرى للزمن

كلف اآللهة الجدد أن يصوروا األجساد المائتة، وأن يضموا إليها كل ما وفوض إليهم بعد أن ينجزوا هذا العمل وكل . ينقصها من أرواح بشرية

المهمات األخرى التابعة له، أن يتسلطوا عليها وأن يسوسوا جنس المائتين خير سياسة ما استطاعوا إلى ذلك سبيال، وأن يرعوه أجمل رعاية، كي

.اليغدو هذا الجنس لنفسه علة الشرور والمساوئ

فيما بعد، كما يفعل فالطون أال يتكلم . راجع المقدمة، الفصل السابع، المطلب الخامس) ١( اشارة b ٩٠٤و d ٩٠٣: ١٠ونحن نجد في الشرائع . اآلهلةهنا، عن كثرة الكواكب .إلى هذا المعتقد عينه

b

c

d

-٢٢٩-

الفصل الرابع عشر رون األجساماآلهلة األحداث يصو

احتاد الروح واجلسد

وبعد أن رتب اهللا هذه األمور كلها، ما انفك على حاله المألوف يتوقع

. وفيما هو ينتظر ويتوقع، فكر أبناؤه بأمر أبيهم وأطاعوه. مجرى األمورفأخذوا المبدأ الخالد في الكائن المائت، واقتدوا بمبدعهم واستعاروا من العالم

وتراب وماء وهواء، على أن تعاد فيما بعد، ولحموا العناصر عناصر نار المستمدة وربطوها بعضها ببعض، ال بالربط غير المنفصمة التي ربطوا هم

لدقتها، واصطنعوا بها، ولكنهم صهروها بواسطة مفصالت دقيقة جدا ال ترى .من تلك العناصر جميعها كل جسم بمفرده

)سداتحاد الروح والج(

وغمسوا دورات الروح الخالدة في جسد زاخر بما يرد إليه وما يصدر وهذه الدورات لدى انغماسها في نهر هدار لم تخضعه ولم . عنه من تيارات

بل ما مافتئت تارة تنجرف في تياره بالعنف، وتارة تجرفه في . تخضع له بال نظام وال تعقل، بحيث شرع هذا الكائن الحي يتحرك برمته، وإنما. مجراها

فجعلت . متوجها إلى حيث يتفق له أن يسير، وقد أحرز الحركات الست جملة

٤٣ a

b

-٢٣٠-

تلك الكائنات الحية تتقدم إلى األمام، ثم تقفل راجعة إلى الوراء، ثم تسير نحو .اليمين ونحو الشمال، وتنحدر وتصعد، وتسير في كل اتجاه لألماكن الستة

)ضطراباتما يحدثه الحس من ا(

وهو -ألنه ولو كان الموج الذي يغمر الجسد، ثم يتدفق منه، عارما فشعور كل جسد بما ينتابه من أرزاء -التيار الذي يؤتيه إياه الغذاء ويوفره به

فعندما يصطدم . يسبب له اضطرابا أشد وأعنف من اضطراب ذلك التياربصخر، أو بما يزلقه من جسم إنسان عرضا بنار خارجية غريبة عنه، أو

مياه متجمدة أو عندما تلفه عاصفة رياح هوجاء، تثور االضطرابات في وهذه االضطرابات . الجسد بفعل تلك العوامل كلها وتندفع بقوة إلى الروحوتدعى اآلن أيضا . برمتها هي التي دعيت فيما بعد، ولهذه األسباب، مشاعر

بما تحدث تلك االنفعاالت عندئذ وفضال عن ذلك، . حساساتإمشاعر أو وعلى الفور من اضطراب واسع وعنيف جدا، يضاف إلى اضطراب قناة

ح، والجسد الجارية بال انقطاع، وبالهزة الشديدة التي تهز بها دورات الرل منها تماما دورة ما هو عين ذاته، ألن دورات الروح تعاكسها، وتمنعها تعط

ثم إنها تهز هزا دورة اآلخر، ومن ثم تحور . السيرعن السيادة وحتى عن تحويرا كل أبعاد الضعف واألبعاد التي هي ثالث مرات أكبر، وهذه ثالثة

كما تحور واسطات واحد ونصف وواحد وثلث وواحد وثمن، : وتلك ثالثةذ إو. واألوصال الناشئة عنها، وتحدث في حلقات تلك الدورة كل خلل ممكن

رادة واضع لحمتها وسداها، فإنها تشوشها إهي غير قابلة للتفكك تماما إال بوهي تجري وتدور ولكن . ذاك التشويش، بحيث ال تحفظ تماسكها إال بالجهد

. وتدور تارة دورات معاكسة، وتارة منحرفة، وطورا منقلبة. دونما تعقلإلى األرض ورفع ومثلها مثل رجل انقلب رأسا على عقب، وأسند رأسه

فعندئذ في وضع الذي يعاني من هذا الموقف . قدميه إلى فوق قبالة آخر

c

d

e

-٢٣١-

ووضع الذين يشاهدونه، تتمثل األشياء وكأن ذات اليمين هي ذات الشمال، ويبدو األمر على هذا النحو، لكل من . وكأن ذات الشمال هي ذات اليمين

.الطرفين المتقابلين

)لجنونأسباب الخطأ العامة وا(

ودورات الروح تعاني هي أيضا عين المصاب ومكاره أخرى مماثلة، وتعاني منها بشدة فعندما تعثر على شيء من األشياء الخارجية يجانس ما هو عين ذاته أو اآلخر، عندئذ تسمي المماثل لشيء والمغاير آلخر بأسماء تناقض

. ة واحدة آمرة أو مرشدةوال يكون فيها وال دور. الحقيقة وتغدو كاذبة غاشمةوإن حملت من الخارج بعض االنفعاالت، ووقعت على دورات الروح وجذبتها في تيارها، هي وكل غالف الروح، فعندئذ تبدو تلك الدورات وكأنها

.غالبة، في حين أنها مغلوبة على أمرهافبسبب هذه االنفعاالت كلها، عندما تربط الروح بجسد مائت تصير حاال

.)١(ال فهم وال عقلبمنذ البدء و

)كيف يعاد الترتيب والنظام(

ولكن عندما يتقلص ويتناقص تيار النمو واالزدهار الجسدي، تعود دورات الروح وتأخذ طريقها، طريق الهدوء والسكينة، وتسير فيه راسخة

يم قستوعندئذ ترجع إلى هيئتها الطبيعية، فت. مع تراخي الزمن ،أكثر فأكثرها يودوراتها وتعلن بصواب عن اآلخر وعما هو عين ذاته، وتصير الذي يح

وفضال عن ذلك، إذا اتبع منهج تربوي قويم، أمسى متبعه سليما معافى . عاقال

ويعود . d ٨٣ و c ٨١مفعول تجسد الروح األول هذا يشار إليه أيضا في حوار فيذن ) ١( . من حوار التيمئس هذا e ٨٦إليه أفالطون في المقطع

٤٤

a

b

c

-٢٣٢-

عيشةأما إذا تهامل وقضى عمره في. بجملته وأفلت ناجيا من أشد داء .ناقصا معتوها) الجحيم(عرجاء، فهو يصل آذس

)فاضة في الشرح والتفصيلإلرورة اض(

أما مواضيعنا الحاضرة، فعلينا أن . ولعلنا نتناول هذه األمور فيما بعدولكن قبل الخوض فيها، البد أن نفصل ما يتعلق بنشوء . نبسطها بدقة أوفى

أقسام الجسد، وما يتعلق بنشوء الروح، ألية أسباب كونت وبأي عناية من قبل نتمسك بالمعقول في هذا كله، وأن ننهج هذا المنهج ونسير على اآللهة، وأن .هذه المبادئ

d

-٢٣٣-

الفصل اخلامس عشرة الغائية شرح األمور بالعل

جسـم اإلنســان

)الرأس وأدوات التنقل (- ١

وإذا كانت الدورات اإللهية اثنتين بالعدد، ورام اآللهة أن يقتدوا بشكل ير، أولجوا هاتين الدورتين في جسم كروي، نسميه ، وهو شكل مستد»الكل«

وقد قيد . اآلن رأسا، وهو أوفر أقسام الجسم ألوهة والسائد على كل ما فينااآللهة الجسد برمته، وأخضعوه لخدمته، إذ فكروا في أنفسهم أنه سوف يشترك

وهو يتدحرج على أرض رفلكي ال يتحي. في جميع الحركات الممكن حصولهاذات مرتفعات ووهاد متنوعة، كيف يرتقي تلك المرتفعات، ويصعد من هذه

ولذا حصل الجسد . الوهاد، أعطوه باقي الجسم مركبة وهونوا عليه المسيرأربعة أعضاء ممتدة تنطوي، هيأ له اهللا بها التنقل فهو فيه على الطول، ونمت

دد إلى جميع األمكنة، حامال يتمسك بها ويتوكأ عليها، وأصبح قادرا أن يترفوقه أقدس قسم من ذاتنا وأكثرها ألوهة، فعلى هذا النحو إذن ولهذه الغايات،

.نمت فينا أجمعين سيقان وأياد

e

-٢٣٤-

)وجهتا الجسم(

أكرم من الوراء وأحق بالرئاسة، جعلوا القسط األمام حسب اآللهة وإذتب أن يحرز اإلنسان الجهة األمامية من فتر. األكبر من سيرنا في هذا االتجاه

.جسمه مميزة عن جهته الخلفية وغير شبيهة بها

)الوجه(

وأنزلوا فيه أجهزة . ولذا جعلوا الوجه من هذه الجهة، من تجوف الرأسورتبوا أن يكون هذا القسم من الجسم شريكا . استبصار النفس واستدراكها كله

.مامي بالطبعفي القيادة، وهو القسم األ

)العينان والبصر (- ٢

ومن هذه األجهزة هندسوا قبل كل شيء الناظرين، حاملي النور، فقد استمدوا من النار كل قسم ال . لهذا السبب التالي) في الوجه(ونزلوهما

ألنهم . يحرق، بل يوفر نورا لطيفا، واحتالوا ليصبح جسما يألف كل نهاروكثفوا خصوصا . التي فينا، تسيل بجملتها ناعمة غزيرةجعلوا النار الصافية

قسم العينين األوسط، بحيث يمنع عن التسرب كل قسم آخر غليظ من النار، .وال يدع ينساب منها إال مثل هذا القسم النقي وحده

فعندما يلقى إذن نور النهار تيار البصر، ويقع إذاك الشبيه على الشبيه، لنور، ينشأ ويتركب على خط الناظرين المستقيم جسم واحد فيتكاثف ذلك ا

وحيثما يستقر النور المنحدر من داخل العينين، يقع على النور . مؤتلففيغدو كله ذا انطباع مماثل . المنعكس عن األشياء الخارجية ويلتقي بهوإن مس شيئا من األشياء في . النطباع النور الخارجي بسبب التشابه بينهما

الة من الحاالت، أو مسه شيء من األشياء، فهو يبعث حركات األشياء التي ح

a

b

c

d

-٢٣٥-

يمسها أو تمسه إلى الجسم بجملته حتى تبلغ الروح، ويثير ذاك الشعور الذي .نقول عنه إننا نرى بناء عليه

)الرقاد واألحالم(

طع عنه النور عائدا إلى الليل، ينق المجانسوحين ينكفئ النور الخارجي، تتغير حاله هفإذا خرج هذا النور األخير ولقي نورا ال يشبه. الداخليألنه ال يلبث بعد من طبيعة الهواء المجاور، إذ ال يحوي ذاك الهواء . وينطفئ

فيكف إذن عن الرؤية، ويجلب النوم، ألن الجفون، تلك الوقاية التي . نارادما تغلق من طبعها، تحشر في الداخل قوة استنبطتها اآللهة لحماية البصر، عن

وإذ تخمد تلك الحركات . وهذه القوة تذيب وتمهد الحركات الداخلية. الناروعندما يمسي الهدوء عميقا، يهبط على المرء رقاد ذو أحالم . يسود الهدوءأما إذا انتابت المرء هزات أعنف، فحسب نوعها ونوع األمكنة . وجيزة زهيدة

سب فيها، تحدث في الداخل هزات مماثلة وبالمقدار عينه، وتحدث التي تر .م األمور الخارجيةه يحفظ الناس ذكرها عند نهوضهم، عندما تنبهتخيالت

)المرايا(

هذا، وال يصعب بعد اآلن أن نفهم ما يتعلق بعكس الصور، التي من النار الداخلية إذ من تداخل كل . تعكسها المرايا أو أي سطح المع أملس

روالنار الخارجية الواحدة في األخرى، ثم من تحول هذه وتلك كل مرة إلى ناواحدة، في جوار السطح األملس، وتبدلها مرارا وعلى أنواع مختلفة، تظهر ضرورة مثل تلك الصور جميعها، ألن النار المحدقة بالوجه تتكاثف مع النار

.الشيء الناعم الالمعالمحدقة بالبصر، حول

e

٤٦

a

b

-٢٣٦-

)انقالب الصور(

) نار(وما على اليمين يتوهم على الشمال، ألن األجزاء المقابلة من وهذا خالفا ). من النار المنبعثة من األشياء(البصر تالمس األجزاء المقابلة

.للعادة القائمة في التالحم

)المرايا المقعرة(

لى الشمال يظهر على الشمال وعلى عكس ذلك، ما على اليمين، وما عويحصل عندما يعلو سطح المرايا من . عندما يقع النور الذي يتكاثف معه

فيدفع ما على اليمين إلى الشطر الشمالي من العين، واآلخر ) فيقعر(جانبيه، ).أي وما على الشمال إلى الشمال إلى الشطر اليميني من العين(إلى اآلخر،

، إذا أديرت على خط عرض الوجه، فهي بيد أن هذه المرآة نفسهاتظهر كل شيء وكأنه مقلوب، ألنها تعكس الضياء الوارد من أسفل إلى فوق،

.ثم الضياء الوارد من عل إلى أسفل

c

-٢٣٧-

الفصل السادس عشر األسباب الالحقة واآللية وصلتها بالبصر

ب الالحقة والمرادفة التي يستعملها فكل هذه األمور إذن هي من األسبا

ولكن المفكرين في أغلبيتهم يظنون أنها ليست . اهللا كخدم لتحقيق فكرة األفضل تها، إذ هي التي تحدث البرد والحرأسبابا مرادفة، بل أسباب األشياء برم

.والجمد والذوبان وما إلى ذلك جميعاقل والفكر، إذ ال بد من االعتراف إال أنها غير قادرة قطعا أن تحرز الع

والروح غير . على الفكرتحصل بأن الروح وحدها، بين الكائنات، خليقة بأن منظورة، في حين أن النار والماء والتراب والهواء نشأت جميعها أجساما

.منظورةهذا، ويتحتم عل عاشق الفكر والعلم أن يتعقب العلل األولى ذات الطبيعة

لة، والعلل الثانية التي تحدث بفعل علل أخرى متحركة، تحرك غيرها العاق. فعلينا نحن أن نتصرف هذا التصرف، ونطبق عملنا على هذه القواعد. حتما

وال بد من الكالم عن كال الصنفين من األسباب، وأن نتكلم على حدة، عن عن وعلى حدةاألسباب المبدعة األشياء البهية الصالحة بفهم وحصافة،

.األسباب المعزولة عن اإلدراك، التي تأتي أفعالها كل مرة اتفاقا ودونما نظام

d

e

-٢٣٨-

)سبب حصولنا على البصر(

حسبنا إذن ما قيل عن األسباب المرادفة المؤازرة العيون، لتحصل على وبعد كالمنا السابق، علينا أن نتحدث عن أعظم . القدرة التي حظيت بها اآلن

.وهذا العمل هو الذي ألجله حبانا بها اهللا. به العيون لمنفعتناعمل نقوم فقد كان لنا البصر، حسب تفكيري وتحليلي لألمور، علة أكبر فائدة ألننا لو لم نكن نرى النجوم والشمس والفلك، لما قلنا مقاال واحدا من المقاالت

إذ شوهدا، وكذلك والحال أن النهار والليل. العالم) كون(التي تدور اآلن حول الشهور ودورات السنين واعتدال الربيع والخريف، وتساوي النهار بالليل مفيهما، وانقالبات الصيف والشتاء، كل هذه األمور أنشأت الحساب وتفه

ومن هذه . أو الكون» الكل«الزمن، وأدت بذلك إلى البحث عن طبيعة ب جنس المائتين خيرا ولم يصب ولن يصي. األبحاث استحصلنا صنف الفلسفة

.أعظم من هذا حبته به اآللهةولم نمدح ما دون هذا . وأقول بتأكيد إن خير العيون هذا هو أكبر خير

من الخيرات األخرى؟ فهذه قد يرثيها عبثا وينوح عليها ويتنهد من ليس وباإلضافة إلى تلك االعتبارات، فلنقل إن سبب . بفيلسوف، إذا أصيب بالعمى

إن اهللا قد استنبط لنا البصر وحبانا إياه، . الخير األكبر هو السبب التاليذاك لكي نرى دورات العقل في السماء وندركها ونستفيد منها لنطبقها على دورات

كانت هي وإن فدورات فكرنا وفهمنا مجانسة لتلك، . اإلدراك الذي فيناذا ما علمنا ذلك وإ. مضطربة قلقة، وتلك رتيبة بال اضطراب وال تشوش

في استقامتها الطبيعية، واقتفينا إثر دورات اهللا ) السماوية(وشاركنا العقول غير التائهة على اإلطالق، ركزنا ورسخنا الدورات التائهة الدائرة في

.أرواحنا

٤٧ a

b

c

-٢٣٩-

سابع عشرالالفصل

معــــالس

فقد وهبتهما اآللهة . يضا نفس الكالموعلى الصوت والسمع ينطبق أ

ألن النطق قد رتب ابتغاء . بناء على االعتبارات عينها وألجل الغايات ذاتهان كل ما هو نافع إثم . ويسهم اإلسهام األكبر في البلوغ إليها. األمور عينها

في الموسيقى لجالء الصوت وسماعه، فقد أعطي لنا من أجل االنسجام له حركات تجانس دورات النفس ) I Harmoia(تناغم أو االنسجام وال. والتناغم

وقد أعطته ربات الفن والموسيقى لمن يصادقهن بفهم، ال ألجل الطرب . فيناالفارغ والبسط فقط، على ما يعتقد بعضهم اآلن ظانين أن عشرتهم نافعة لهذا

. جامالغرض فحسب، بل ألجل دورة الروح التي نشأت فينا بال تناسق وانسوقد منحتنا تلك اإللهات االنسجام لتزيين وتجميل أرواحنا، وحليفا لها على

هداف ووهبتنا أيضا الوزن واإليقاع عونا ألرواحنا لبلوغ األ. التآلف والتوافقعينها، إذ نشأت في أكثر الناس سجية تخلو من االتزان إلى اللطف والنعومة

.والظرف

d

e

-٢٤٠-

الفصل الثامن عشر

شرح األمور بنظام الضرورة

لقد بينت أحاديثنا السالفة، ما عدا قسطا زهيدا منها، األشياء التي أبدعها

ألن مولد . ولكن ال بد أن يتناول مقالنا األشياء التي أحدثتها الضرورة. العقلولكن العقل سيطر . العالم قد حدث من تمازج وتضافر فعل الضرورة والعقل

فعلى . ة بإقناعها أن تسوق إلى األفضل أغلب األشياء المحدثةعلى الضرور، وتركب هكذا »الكل«هذا الوجه إذن، وطبقا لهذه األصول بالذات، تركب هذا

.ل الضرورة المنغلبة لإلقناع الحصيف المدركعفمنذ مبادئه ب

٤٨

a

-٢٤١-

الفصل التاسع عشر

الســبب الشــارد

في الواقع كيف حدث الكل طبقا لهذه األصول أحد أن يقومإذن فإن رام

وأن يفصل كيف تحرك وتعمل من ، فال بد أن يدمج العلة الشاردة، بالذات .طبعها

)عود على بدء(

ونتخذ أيضا لهذه األمور ، علينا من جديد أن نعود إلى الوراء، وهنا إذنيع التي تناولتها آنئذ وكما فعلنا في حديثنا عن المواض. بالذات مبدأ آخر مالئما

في تحدثنا عن هذه ، علينا اآلن أيضا أن نبدأ من جديد منذ البدء، بالبحث .المواضيع الحاضرة

)أصل العناصر المحتمل(

قبل مولد الفلك ، فال بد من التأمل بطبيعة النار والماء والهواء والترابإلى ألنه . الموأن نتأملها في ذاتها وما مرت به من صروف قبل وجود الع

إال أننا نقول عن النار وعن كل . اآلن لم يدلنا بعد أحد على أصلها ومولدهاجاعلين إياها عناصر ، وكأننا نعرف ما هي إنها مبادئ، من الثالثة األخرى

b

c

-٢٤٢-

في حال أنه يليق بها أن ال يتصورها وال يتمثلها أحد وال على وجه ، »للكل« .أنها من نوع مقاطع الكلمة، صر التفكيركان قاوإن ، الترجيح فقط

لن نقول ما هو مبدأ : إليكم اآلن ما نعقده في هذا الموضوع، وعلى كلأو ما يظنه اآلن أي كان بهذا الصدد وعلى أي ، أو ما هي مبادئ األشياء كلها

وال نمتنع عن ذلك إال ألنه من الصعب في منهج بحثنا الحاضر . وجه يظنه فال تظنوا إذن أنه يجب علي الكالم فيه، كما .ا بهذا الشأنأن نوضح آراءن

، أن أقدم على مهمة في هذه الضخامةأني ال أقنع نفسي أن في استطاعتي .وأن أباشرها وأنا محق في ذلك

وحفاظا على ما قيل في مستهل كالمنا السابق عن قوة البراهين ، فورا ومنذ البداية، ول أن ابديسأحا، )المدانية الحقيقة(، المعقولة المحتملة

ولن . حول كل شيء بمفرده وحول األشياء كلها جملة آراء معقولة محتملةال بل سأجتهد بأن أبذهم في . أقصر في هذا األمر عن غيري من المفكرين

وهو المنقذ من ، في استهالل كالمنا، وبعد الدعاء إلى الله أيضا مجددا. ذلككي يحفظنا ويسدد خطانا إلى ، ة المردودة غير المأنوسةالشروحات الالمعقول

. فلنبدأ في الكالم، اعتقاد واعتماد اآلراء المعقولة المحتملة

b

e

-٢٤٣-

الفصل العشــرون

احملـــل

من جديد مفضال تفصيال أوفى من » الكل«فليكن إذن مطلع كالمنا عن

وأما اآلن فال بد . الوجود من)١(فقد ميزنا آنذاك صنفين. مطلع كالمنا السابقإذ إن الضربين األولين كانا كافيين ألبحاثنا . لنا من أن نوضح جنسا آخر ثالثا

وقد افترضنا الواحد منهما كنوع مثال عقلي دائم الوجود على حال . المتقدمة . ذي حدوث ومنظور، وافترضنا الثاني كاقتداء واقتفاء للمثال. واحدة ثابتة

. العتقادنا أن اإلثنين األولين يفيان بالمطلوب، يز ضربا ثالثاوآنذاك لم نم. فيبدو أن البحث يضطرنا إلى السعي كي نبرز في أقوالنا نوعا عسرا غامضا

أن يكون : على األخصةية طبيعية نفترض له؟ هذه الميزصفأية ميزة أو خا . نة ومرضعوبمثابة حاض، وصيرورة حدوثوعاء لكلأي قابال

وهو مستعمل ، وبين الجنس إن أفالطون ال يميز في المعنى بين النوع أو الصنف )١(

وفي كالمه ، وفي جملة واحدة. كلفظتين أو كلمتين مترادفتين» يينس وإيذس«لفظتي نراه يعمد على السواء إلى كلمة صنف أو كلمة جنس ، عن نفس الجوهر أو الشيء

وفي مواضع أخرى كثيرة من حوار التيمئس ، وهذا ما يعمله في مقامنا الحاضر ) المعرب. (٦٦bاجع خصوصا التيمئس ر. وحوار اكرتيس

٤٩ a

-٢٤٤-

ولكن يجب أن نورد بشأن ذلك النوع الثالث . إن هذا القول لصحيحغير أن األمر شاق السيما وإنه يتحتم علينا لذلك أن . كالما انصع وأوضح

إذ يصعب أن . نسبق ونحل المشاكل المعلقة بشأن النار وما يصحب النار، ماء أو باألخرى نارانؤكد عن كل من هذه األشياء أيها يجب أن ندعوه حقا

طلقت عليه أإذا ، وأي منها يجب أن ندعوه باسم معين دون جميع األسماء، فإذا أثرنا هذه المشكلة. ق بهابحيث نستعمل له كلمة ثابتة يوث، واحدا فواحدا

فكيف نحلها؟ وعلى أي وجه؟ وأي قول معقول محتمل نقوله في هذه األشياء؟، على ما يظهر، إذا تجمد نالحظ، ا نسميه اآلن ماءم، فقبل كل شيء

. وإذا ذاب وانحل يمسي هو نفسه ريحا وهواء. انه قد غدا حجارة وتراباومن جديد إذا تضاءلت النار وانطفأت تعود . والهواء إذا اشتعل يصبح نارا

ومن . تجمع وتكاثف يصير غيما وضبابا إذاثم إن الهواء .إلى صورة الهواءومن الماء ينشأ من جديد . هذين إذا تراصا وتكدسا أكثر فأكثر ينهمر الماء

، نرى أن هذه األشياء دائرة مغلقة، ومن ثم على ما يتضح لنا. التراب والحجر . يحدث بعضها البعض اآلخر ويولده

فمن يتصلب ، إذ ال تظهر هذه األشياء أبدا أنها األشياء عينها، فهكذاوهذا ، وال يستحي من نفسه عندما يؤكد عن أي منها أنه شيء ما، ةبسماجوإنما علينا أن نفرض بشأن هذه ، وليس آخر؟ هذا األمر غير ممكن، الشيء

إن ما نالحظ أنه يستمر في التحول . ونقول، األشياء آمن االفتراضات بكثيرعلينا كل مرة ، كالنار مثال، إذ يحصل له التحول غير مرة، من حال إلى حال

، بل ما يماثل الماء، وال هذا الماء، بل ما يماثل النار، أن نسميه ال هذه النارمن تلك األشياء ، وكأن له رسوخا واستقرارا، وأن ال نسمي أبدا أي شيء آخر

ونظن أننا نوضح شيئا ، »ذا وهذا«التي إذ نعينها ونستعمل للداللة عليها لفظة وال يتحمل طبيعة أية لفظة ، ما نظن أننا نوضحه يتهرب مجلوزاإذ إن . ما

b

c

d

e

-٢٤٥-

وإجماال كل ما يدل به النطق على أن تلك األشياء مستقرة راسخة ، أخرىما «فرده فلنسمه مولكن كال منها ب. »هذه«فال نقل عن تلك األشياء . باقيةوكذا القول عن . ) إليهبما يعزى(وما يذاع عنه أنه دائما شبيه » يماثل

وكذلك كل ما له . النار في كل األحوال» ما يماثل«فنسمي النار . جميعهاأما ما يتخيل لنا أن كال من تلك األشياء يحدث . حدوث ومولد أو صيرورة

فيجب أن نستعمل له وحده ، فيولد فيه ثم يعود ويهلك فيتوارى نائيا عنه، فيهالحار واألبيض وأي ، أما أي شيء سوى ذلك. عوه بهوند، »هذا وذا«اسم

هذا «فيجب مرة أخرى أن ال ندعوه باسم ، وكل ما ينشأ عن هذه، من األضداد . »وذا

جتهد ونقول في هذا الموضوع قوال أوضح نوال بد من جديد أن وما انفك هكذا يكسبه ، وسكبه وآتاه كل األشكال، إن أذاب فنان ذهبا. وأجلى

: وسأل، فإن دل أحد على شكل من تلك األشكال، مره بها كلها واحدا فواحداويإنه : ما هو يا ترى؟ فآمن بكثير وأقرب إلى الحقيقة ان يرد عليه الفنان قائال

فال، أما المثلث وكل األشكال األخرى التي حدثت وتولدت في الذهب. ذهببما أنها تتحول وتتهاوى ، إن هذه كائنة: بد من االمتناع دوما عن القول بشأنها

ويأمن بها الزلل ، »ما يماثل«فإن رام أحد أن يقبل كلمة . في حين إبداعها . بهافليكتف

٥٠ a

b

-٢٤٦-

الفصل احلادي والعشرون

أو الوعـاء» القابـل«

فيجب . ونفس القول ينطبق بتأكيد على الطبيعة القابلة جميع األجسام

ألنها ال تفارق أو . إنها الشيء بالذات وشيء ال يتحولدوما أن نقول عنها. فهي ال تفتأ تتقبل األشياء كلها الدوام. تغادر قدرتها وخاصيتها على اإلطالق

تشبه ، أو في حال من األحوال، على وجه من الوجوه، ولم تتخذ قط طبيعة مارخوة لزجة لكل فكأني بها مادة . أحد األشياء الحالة والوالجة فيها) طبيعة(

وهي بسبب . وتكيفها بأشكالها وهيئاتها، تحركها األشياء الوالجة فيها، طبيعةأما األشياء الوالجة فيها والخارجة . تلك األشياء تبرز تارة بشكل وطورا بآخر

وهذه الكائنات تطبعها بطابعها . فهي تماثل الموجودات الدائمة الوجود، منهاونحن نرجئ هذا . عجيب يصعب التعبير عنهعلى نحو ، وتسمها بسمته

. الموضوع إلى ما بعد

: فيترتب علينا أن نفقه األجناس الثالثة، أما في هذه الفترة الحاضرةوالجنس الذي يستمد المحدث ، األشياء» الحادثة فيه«الجنس المحدث والجنس

، ه باألموقد يجدر بنا أن نصور القابل ونشبهه. فينشأ ويحدث، شبهه منهكما أنه يترتب . والطبيعة الواقعة بينهما باالبن، باألب» المستمد منه«والجنس

c

d

-٢٤٧-

يتخذ في ، مزمع أن يكون انطباعا وختما مذوقا» القابل«علينا أن نفكر في أن هذا القابل بالذات الذي يقيم ، ومن ثم. نظر الناظر إليه كل األشكال واألزياء

ال يعد إعدادا جيدا وال يهيأ تهييئا ، )المثال الدائم(سم بسمة فيه المحدث المتخاليا من هيئة كل تلك الصور المزمع أن ، ما لم يكن بال شكل، حسنا لذلك

فعندما يقدم ، ألنه إذا شابه شيئا من األشياء الوالجة فيه. يتقبلها من مصدر ماال يمكنه عندئذ إال ، المخالفةعلى قبول سمات طبيعة مضادة أو مخالفة له كل

ولذا وجب . وإال أن يبرز هو أيضا بمظهره الخاص، أن يتشبه بها تشبها سيئابمعزل عن كل الصور ، أن يظل الجنس القابل في ذاته كل األجناس

. والهيئات

)تشابيه مختلفة(

ه كما أن هذا عينه يجري أوال للدهون التي يتقنون صنعها ويتفننون فيفهم يجهدون غاية الجهد ليعزموا عن كل رائحة المواد . لتصبح شذية عطرة

والذين يحاولون أن يصوروا أشكاال معينة في بعض . اللزجة القابلة للعطوربل . ال يسمحون ببقاء أي شكل ظاهر فيها على اإلطالق، المعاجين اللينة

زون طبع الشكل ثم ينج، يسبقون ويسوونها تسوية تامة في غاية النعومة . والخاتم المبتغى

في كل جنباته ، يليق بالكائن المزمع أن يقبل، فعلى النحو ذاته إذن، مماثالت جميع الموجودات الدائمة الوجود، وعلى دفعات متواترة قبوال جيدا

. يليق بذاك الكائن أن يكون بالطبع في معزل عن الصورحدث المنظور والمحسوس إجماال ال نقل عن أم وقابلة الكائن الم، ولذا

أو األشياء الناجمة عن هذه أو التي تنجم ، إنها تراب أو هواء أو نار أو ماءإنها نوع من الكائنات ال : ولكننا ال نخطئ وال نغلط إذا قلنا عنها. هي عنها

e

٥١

a

b

-٢٤٨-

ويصعب ، يشارك العالم العقلي بصورة تحير األلباب، يرى وال صورة لهأن يقتفي المرء ، مما تقدم، وبقدر ما يمكن. به ويدركهعلى الفكر أن يحيطإنه يبدو : فأصح وأقوم ما قد يقول فيها هو القول التالي، إثر طبيعة ذاك الكائن

وترابا وهواء ، وماء كلما ظهر قسط منه رطبا، نارا كلما ظهر قسط منه متقدا . بمقدار ما يتقبل مماثالت للتراب والهواء

-٢٤٩-

ي والعشرون الفصل الثان

ثـــل الصـــور أو امل

ونبحث في هذه األشياء على ، ولكن يجب أن نفصل قولنا تفصيال أوفى

نار قائمة في ذاتها؟ ، هل هناك هي النار بالذات: نحو يداني النحو التاليونفس السؤال نطرحه بصدد جميع األشياء التي نقول عنها دائما إنها األشياء

، أو تلك األشياء هي التي نعاينها. ن كل منها إنه قائم في ذاتهونقول ع، بالذاتوهي وحدها الحاصلة على مثل تلك الحقيقة ، والتي نشعر بها بحواس جسدنا

بحيث ال توجد سوى هذه أشياء أخرى على اإلطالق وعلى حال من ، الواقعيةن هذه وال تكو، فنقول عبثا كل مرة إن هناك صورة عقلية لكل شيء، األحوال

الصورة أو المثال سوى قول أو فكر؟إنه يجدر بنا أن ال ندع هذه القضية الحاضرة بال مناقشة ودون بت فيها

كما يجدر بنا أن ال نلقي فوق . لنكابر ونؤكد أن األشياء أو المثل موجودةولكن إن تبين لنا حد . طول مقالنا طوال آخر على هامش مهمتنا الحاضرة

فذاك الحد يكون مؤاتيا ، فصل لنا القضية في كالم وجيزخطير واضح يذن أنا ألقي حصاتي إفمن جهتي . وموفقا خير توفيق في ظرفنا الحاضر

إن كان العقل والظن الصحيح جنسين : وأبدي بها حكمي على النحو اآلتيوهي صور أو مثل ال نشعر . ة موجودة أتم وجودتفتلك األشياء الثاب، اثنين

c

d

-٢٥٠-

إن كان الظن الصحيح ال ، على ما يبدو لبعضهم، ولكن. بل نعقلها فقط، بهافكل األشياء التي نشعر بها بواسطة ، يختلف عن العقل واإلدراك في شيء

غير أنه ال بد من القول إن . هاجسدنا يجب أن نعدها أثبت األمور وأرسخوال ، خرن الواحد بمعزل عن اآلرين هما جنسان اثنان ألنهما ينشأاك األمنيذ

، فاحدهما يتولد فينا عن طريق التعليم. يشبه الواحد منهما األخر في أحواله، برهان صادقوالثاني عن طريق اإلقناع واإلذعان والواحد يصحبه دوما

وأما الثاني ، وأحدهما ا يزعزعه اإلقناع. واآلخر ال يالزمه برهان أو منطقوال بد من االعتراف . رأيفيمكن أن يضعضعه ليتبدل ويتحول من رأي إلى

وأما البشر . وأن اآللهة يشتركون في العقل، أن كل امرئ يشترك في الظن .فطائفة ضئيلة منهم تشترك فيه

e

-٢٥١-

الفصل الثالث والعشرون

الوجـود والصريورة واحملـل

ولما كانت هذه األمور على هذه الحال، وجب أن نعترف أنه يوجد نوع ال يستحيل، لم يولد وال يبلى، وال يقبل في ذاته آخر من أية فرد هو نوع ثابت

جهة صدر، وال يداخل هو كائنا آخر على أي وجه وفي أي قسم منه، وهو غير بالتنقيب عنه. منظور، وعلى كل حال ال يناله حس وهذا النوع قد حظي الفكر.

سوس مولود في وهو مح. وإن هناك نوعا ثانيا يسمى باسم األول ويشبههويناله . حركة دائمة وتحول، يحدث في محل ما، ثم يعود فيهلك وينقطع عنه

الظن بواسطة الحس. أخيرا يوجد جنس أو نوع ثالث، هو نوع المحل الدائم إنه ال يقبل الفساد

وهو ال يلمس . ويوفر مقرا ومقاما لكل الكائنات ذات الصيرورة والحدوثإنه ال يكاد يصدق، إذ نحلم . ب من البرهان الهجين المختلطبالحواس، بل بضر

طامحين إلى رؤيته، ونؤكد أنه ال بد لكل موجود أن يكون في مكان ما، وأن يشتمل متسعا ما، وأن يشتمل متسعا ما، وأن ما ليس على األرض وال في جهة

.ما من السماء ليس بشيءخرى شقيقات لها، تدور حول فبسبب هذه الهواجس كلها، وهواجس أ، وبفعل الحالة الحلمية هذه، نصبح الطبيعة الواقعية التي ال تغفو وال يأخذها سبات

٥٢

a

b

-٢٥٢-

وهذا الكالم . عاجزين إذا استيقظنا، أن نميز بين األمور ونقول كالم الحق بشأنها بما أنها ال تملك حتى الشيء الذي حدثت ألجله، بل -هو أنه يليق بالصورة

، إنه يليق بها من جهة أن تحدث وتنشأ في كائن -دوما طيف شيء آخر تحمل وإال ال . آخر سواها، وأن تالزم الوجود وتلصق به هكذا على وجه من الوجوه

أما الموجود الواقع حقا، فالبرهان الصحيح الدقيق . تكون شيئا على اإلطالقمادام شيء : مدقق فيهوهذا هو البرهان ال. والمنطق الصادق ناصره ومنجده

يغاير آخر، وهذا اآلخر يغاير ذاك الشيء، بحيث ال يحدث واحد في اآلخر وال .ينشأ فيه أبدا، فلن يصير شيئا واحدا بالذات في آن واحد، وهما اثنان

فهذا إذن هو برهاني وقولي في القضية، عرضته بإيجاز ألبرر حكمي وأن هذه ثالثة على ثالث . صيرورةوهو أنه يوجد موجود ومجال و: فيها

).أو العالم(أحوال، وأنها كانت قبل حدوث السماء

c

d

-٢٥٣-

الفصل الرابـع والعشرون

ش األول احلركة احمللية والتشو

أما حاضنة الصيرورة والحدوث، فتندى وتتقد وتتقبل أيضا أشكال التراب فتبدو من جهة للناظر . عن هذهوالهواء، وتتحمل كل االنفعاالت األخرى الناجمة

ومن جهة ثانية، بسبب اكتظاظها بقوى وفعاليات ليست متشابهة . في غاية التنوعولكن إذ تثقلها الوزنات . وال متوازنة، ال تتزن هي أيضا في جانب من جوانبها

من كل حدب وصوب على غير تواز، فهي ترتج وتهتز بفعل تلك الفعاليات . تقلقلها وحركتها ترج وتهز هي أيضا تلك القوى التي تحركهاوالقوى، وفي

وهذه القوى إذ تتحرك، بعضها في اتجاه وبعضها اآلخر في اتجاه غير األول، ال تنفك تفترق بعضها عن بعض، نظير الحبوب التي يهزها الغربال أو

هتز وتغربل، يستقر فهذه الحبوب إذ ت. األدوات األخرى المستعملة لتنقية الحنطة .الكثيف والثقيل منها في مقر، والدقيق منها في مقر آخر

وعندئذ، إذ تهز الحاضنة القابلة األجناس األربعة على هذا النحو، ألنها تتحرك هي نظير آلة تولد االهتزاز، تنفصل العناصر المتباينة أشد التباين بعضها

ولذا أحرز . ابهة أعظم تشابه في موضع واحدوتتجمع العناصر المتش. عن بعضوبعضها اآلخر مجاال غير المجال األول، وذلك قبل ، بعض هذه العناصر مجاال

.ويزدان بها» الكل«أن ينشأ

e

٥٣ a

-٢٥٤-

فمن جهة إذن، كانت جميع تلك العناصر، قبل ذلك العهد، على حال خلت أي العالم (» الكل«اهللا يزين ولكن عندما شرع . فيها من التعقل واالتزان تماما

، كانت النار أوال ثم الماء فالتراب والهواء، كانت كل هذه محتفظة )بأسرهعلى ما يكون عليه إال أنها برزت في حالة فوضى مطلقة، . ببعض آثار جوهرها

وإذا كانت عندئذ بالطبع على ذلك الوضع . كل شيء عندما يبتعد اهللا عنه أو يغيب . أشكالها ألول مرة مستعينا لذلك بالمثل واألعدادآتاها اهللا

ومن جهة ثانية، ركبها اهللا قدر المستطاع أبهى وأفضل تركيب، وهي لم فليظل قولنا هذا راسخا على الدوام، بغض النظر عن . تكن على شيء من ذلك .أي قول أو اعتبار آخر

b

c

-٢٥٥-

الفصل اخلامس والعشرون

كيبها الداخلي ومولدهاالعناصر األوىل وتر

واآلن إذن، البد أن أباشر وأبين لكم ترتيب كل من العناصر ومولدها،

بيد أنكم سوف تتبعون وتدركون هذا . معتمدا في ذلك على برهان غير مألوفالبرهان، ألنكم مطلعون على مناهج العلم التي يتحتم على المرء إتباعها لتبيان

.أقواله

)المثلثات(

إنه واضح بعض الوضوح، ولكل عاقل، أن النار أوال والتراب والماء ثم أن . وأن كل نوع من األجسام له سمك وعمق. والهواء هي أجسام

وأن . الضرورة تقضي على كل حال بأن يشتمل العمق على طبيعة مسطحةت تصدر عن وأن جميع المثلثا. القاعدة المسطحة المستقيمة تتركب من مثلثات

وأن أحد . مثلثين اثنين فقط، لكل منهما زاوية واحدة قائمة وزاويتان حادتانالمثلثين تنقسم زاويته القائمة من هنا وهناك على قسمين متباينين، قوامهما

.ضلعان ال يتساويانفنحن باقتفائنا منطق الحتمية والترجيح معا، نفرض أن هذا هو مبدأ

أما المبادئ التي تفوق هذه المبادئ ). األولية(جسام األخرى وأصل النار واأل .فاهللا وحده يعلمها، ويعرفها من الناس من كان صديق اهللاأيضا،

d

-٢٥٦-

ربعة أن تكون، وأنها على فيجب علينا أن نعرض ما يمكن األجسام األلت، تباينها فيما بينها قادرة أن تتوالد بعضها من بعض، إذا ما تفككت وانح

ألننا إذا وفقنا وبلغنا هذا الهدف، وقفنا على حقيقة الصيرورة، فيما يتعلق إذ إننا ال نسمح ألحد بأن يدعي ، بالتراب والنار وما بينهما طبقا لعالقة معينة

أن هناك أجساما منظورة ابهى من هذه، يكون كل منها جنسا فريدا قائما ق بين أجناس األجسام األربعة المتفاوتة بجمالها، فلنجتهد إذن أن نوف. بنفسه

.وأن نلقي الوئام واالنسجام بينها، لنصرح أننا أحطنا بطبيعتها اإلحاطة الوافيةهذا، وقد حظي أحد المثلثين اإلثنين، وهو المثلث المتساوي الساقين

ائع ونال المثلث المستطيل الذي له ساق أطول من األخرى طب. بطبيعة واحدةوإن . ال تحصى، إذا رمنا أن نباشر بحثنا الحاضر ونتبع فيه أسلوبا منتظما

ملك أحد وجهة نظر أفضل، يكون قد اصطفاها لنفسه، ليشرح تركيب كل من عده صديقا ال نهذه العناصر بمفرده، فليحرز النصر في هذا المضمار، ونحن

.مناوئاا على وفرة عددها، واحدا منها فقط، ن نحسب أبهى المثلثات كلهإذن نح

وهذا المثلث هو الذي يتركب منه مثلث ثالث، هو . غير مكترثين باألخرىولكن . وفي تعليل سبب ذلك قد يطول الكالم. المثلث المتساوي األضالع

.الجوائز الممنوحة عن رضى، تنتظر من يعلله ويجد أن األمر على ما قدمناثلثين صنع منهما في حذق ودهاء جسم النار فلنسرع إذن ونختر م

وأجسام العناصر األخرى، أحدهما متساوي الساقين، واآلخر يساوي فيه دوما واآلن البد لنا أن نفصل . الضلع األكبر ثالث مرات الضلع األصغر إذا ربعا

ألن األجناس األربعة . تفصيال أوفى ما عرضناه من قبل في غير وضوحولكنها في . ظهرت لنا وكأنها تتوالد كلها بعضها من بعض) العناصرأي(

فاألجناس األربعة تصدر . ظهورها لنا هذا المظهر، ال تبدي لنا واقعها القويم

e

٥٤

a

b

c

-٢٥٧-

ثة منها تصدر عن المثلث ذي الضلعين غير العن المثلثين اللذين اخترنا، ثفال . متساوي الساقينالمتساوين والجنس الرابع يصدر منسجما عن المثلث ال

جناس األربعة وتنحل، فينحدر بعضها من بعض، يمكن إذن أن تتفكك األوينشأ هكذا من صغائر كثيرة، أحجام كبيرة قالئل، أو العكس فيتولد من

إال أن ذلك ممكن في األجناس . أحجام كبيرة قالئل، جزئيات كثيرة صغائرحد، فعندما تنحل أحجامها الكبرى ألنها إذ تنتج عن مثلث وا. الثالثة األولى

والجزئيات الصغيرة . يقوم منها جزئيات كثيرة، تتخذ لذاتها األشكال الموافقةعندما تتبعثر من جديد إلى مثلثات كثيرة، إذا غدا عددها واحدا قد تؤلف نوعا

.آخر واحدا ضخما بحجمه الواحد

)التنوع األول من المجسمات أو الرباعي األوجه(

. قوال في ما يتعلق بتوالد العناصر بعضها مع بعضفلنجتزء بهذه األولعل ما يلي حديثنا السابق الكالم عن صورة كل منها، وعن ماهية هذه

.عداد التي تنشأ عنهاالصورة ونشوئها، وعن توارد األفنبدأ بالنوع األول واألصغر في تركيبه، فعنصر هذا النوع، أو إستقصه،

فإذا ضم اثنان من مثل هذا ، المثلث الذي يبلغ وتره ضعف األضلع األصغرهو ، وأعيدت هذه العملية ثالث )الشكل الرباعي الناشئ عنهما(المثلث من جهة قطر

ضلع القصيرة في نقطة واحدة، هي بمثابة نقطة مرات، وركزنا األقطار واأل .صلية الستة في العددوسيطة، حصل مثلث متساوي األضلع من المثلثات األ

ضلع، من ثالث زوايا مسطحة، وإذا اجتمعت أربعة مثلثات متساوية األتؤلف زاوية مجسمة واحدة، وقيمتها أصغر مباشرة من قيمة أضيق زاوية

وعندما تأتلف مثلثات أربعة من هذا الطراز، يتركب أول نوع من . مجسمةلى أجزاء متساوية متماثلة كل ص هذا النوع أن يقسم إاومن خو. المجسمات .سطح الكرة

d

e

٥٥ a

-٢٥٨-

)النوع الثاني من المجسمات أو الثماني األوجه(

أتلف ثمانية مثلثات متساوية تف. والنوع الثاني يصدر عن المثلثات عينهاوعندما . األضلع وتؤلف زاوية مجسمة واحدة، قوامها أربع زوايا مسطحة

.يضا المجسم الثاني على نحو ما ذكرتنشأ ست زوايا من هذا النمط ينجز أ

)النوع الثالث من المجسمات أو العشرون وجها(

أي من (والنوع الثالث نشأ من ستين، مضاعفة، اإلستقصات المتكاثفة ، ومن اثنتي )المثلثات البدائية األساسية التي وترها ضعف الضلع األصغر

ثلثات متساوية األضلع، وله عشرة زاوية مجسمة، يحدق بكل منها خمسة موبعد أن . قوامها عشرون مثلثا متساوي األضلع) أي وجها(عشرون قاعدة

ولد هذه المجسمات الثالثة األولى أزيح الصنف األول من العناصر أو اتاإلستقص.

)النوع الرابع من المجسمات أو المكعب(

نوع الرابع، وأقامه أما المثلث المتساوي الساقين، فقد أنجب طبيعة العلى أربعة مثلثات ضاما زواياها القائمة في نقطة متوسطة، ومؤلفا هكذا

وستة من هذه المربعات بتالحمها تنتج ثماني زوايا . مربعا متساوي األضلعوغدا شكل المجسم . مجسمة، تنتظم كل منها بتالقي ثالثة سطوح قويمة

ست مسطحة قوامها ستة مربعات المركب على هذا النحو مكعبا، وله قواعد .متساوية الجوانب

)النوع الخامس من المجسمات أو الشكل الكروي(

وبقي تركيب واحد خامس، فاستعمله اهللا عندما رسم للعالم برمته .صورته الحية

b

c

-٢٥٩-

)عودة إلى فكرة وحدانية العالم(

هذه األمور، قد يتساءل في حيرة هل فإن تأمل المرء بروية في كلويمكن الظن أن . القول بوجود عوالم ال تحصى، أو القول بأن لها حدودايجب

االعتقاد بوجود عدد ال يحصى من العوالم هو اعتقاد رجل ليس له خبرة حقا ل اآلخر، هل يليق ؤ أما التسا.في أمور يفرض عليه أن يكون خبيرا فيها

فإن توقف ،ة عوالمالقول بأن العالم قد نشأ فريدا أم نشأت في الواقع خمسالمرء عند هذا التساؤل، فحيرته قد تكون طبيعية ومقبولة أكثر منها في

أما نحن، فاهللا ينبئنا دون ما ريب أن العالم برز واحدا فريدا . السؤال األولأما غيرنا فقد يعتقد فيه اعتقادات . بالطبع، وهذا ما يثبته لنا البرهان المعقول

. ولكن فلندع هذا النقاش. غير هذهأخرى نظرا العتبارات

d

-٢٦٠-

الفصل السادس والعشرون

أشكال العناصر األوىل األربعة

أما األجناس التي أنتجها لنا البرهان اآلن فلنردها إلى النار والتراب ولنعط التراب الصورة المكعبة ألن التراب . والماء والهواء ولنوزعها عليها

وأكثر األجسام مرونة وألينها األربعة عن الحركة والتحولهو أبعد األجناس ت أن ينشأ الجنس الذي أحرز أرسخ موقد قضت الضرورة وحت. كةعري

ت متساوية األضلع ال ما بهذه الصفات، وقاعدة المثلثامتس وأمتن القواعد،متفاوتها، والسطح المربع المتساوي الجوانب المركب من مثلثين متساويي

.ه يأتي حتما أكثر استقرارا ومتانة في أجزائه ومجموعاألضلعولذا عندما نخص التراب بهذا الجنس من المجسمات تراعي المنطق المعقول المحتمل، ونراعيه أيضا عندما نمنح الماء أعسر األنواع الباقية حركة، وكذلك عندما نهب النار أيسر األنواع حركة، وندع للهواء النوع

وبناء على هذا األساس نعطي النار أدق ). بين األنواع الثالثة الباقية(المتوسط ثم نخصص أكثر األجسام . األجسام والماء أضخمها والهواء الجسم الوسط

.حدة للنار، والثاني رتبة من هذا القبيل للهواء، والثالث للماءوما أحرز منها أقل القواعد، نشأ . هذه إذن هي األشكال جميعها

أضف إلى . ة أيسرها حركة وتحوال، ثم أمضاها وأحدها من كل وجهضرور

٥٦

e

a

-٢٦١-

بين (والشكل الثاني . ذلك أنه الشكل األخف، إذ تركب من أقل الجوئيات عينهاوالشكل الثالث . ، أحرز الخواص ذاتها ولكن في منزلة ثانية)الثالثة األخيرة

.أحرزها نفسها، وإنما في الدرجة الثالثةا للمحتمل والمعقول، أن شكل قا للمنطق القويم وطبقفلنفرض إذن طب

. النار أو عنصره وزرعه، هو استقص)الرباعي األوجه(سم، رم المجالهأي الثماني (ن الشكل أو النوع الثاني من المجسمات حسب نشوئها، إولنقل لشكل أو النوع الثالث منها استقصن اإهو زرع الهواء وعنصره، و) األوجه

.اءالم

)أحجام المجسمات األولى األساسية(

وعلينا أن نفقه جيدا أن هذه األشكال جميعها تبلغ من الدقة قدرا، ال . يمكننا معه أن نرى في كل جنس كال منها على حدة، بسبب صغر حجمها

هذا، وإن . ولكن عندما يتجمع عدد كبير منها يمكننا أن نرى كتلتها وأكداسهاك العناصر األولية وحركاتها أو تحوالتها وخصائصها األخرى نسب كميات تل

على اختالفها، قد أنجزها اهللا من كل ناحية في غاية االتقان، ووفق بينهما اعتمادا على عالقة انسجام، بمقدار ما أذعنت له طبيعة الضرورة وانقادت

.لمشيئته عن رضى

b

c

-٢٦٢-

الفصل السابع والعشرون

الت العناصـر حتــو

فمن جميع االعتبارات إذن والمالحظات التي قدمنا، نستنتج أن هذه هي .حال األجناس األربعة على األغلب المحتمل والمعقول

)التراب ال يتحول إلى نوع آخر من العناصر األربعة(

وقد يتبدد بعد . إن التراب إذا القى النار ينحل بفعل حدتها ومضائهالنار وإما في الهواء وإما في دفقات الماء، إلى أن تفككه، ويتبعثر إما في ا

تتالقى أجزاؤه في مكان ما، فيعود بعضها وينسجم مع بعضها اآلخر ويصير .ألن التراب ال يمكنه أن يتحول إلى نوع آخر. ترابا

)تحول الماء والهواء والنار(

يتركب أما الماء فإن قسمته النار، أو قسمه الهواء ذاته، فيمكنه أن في حين أن األجزاء . ويغدو جسما واحدا من نار، وجسمين اثنين من هواء

. الناجمة عن قسم واحد من الهواء المتفكك، قد تمسي جسمين اثنين من نار أو قسط من التراب بالنار، وتكون ءومن جديد، عندما يحدق الهواء أو الما

ي تجرفها وتقاوم ثم هذه زهيدة وتلك غزيرة، تتحرك النار في العناصر التوعندئذ يؤلف جسمان اثنان من النار جسما واحدا . تنغلب على أمرها وتتحطم

d

e

-٢٦٣-

وحين يقهر الهواء ويتمزق، يتكون من جسمين كاملين . من نوع الهواء .ونصف من الهواء جسم واحد كثيف من نوع الماء

)عرض األمور على نحو آخر(

عندما تستولي . وجه الجديد التاليولكن فلنفكر في هذه األشياء على الالنار على جنس من األجناس األخرى، وتقطعه حدة زواياها ورؤوسها، يكف

إلى ) أجزاؤه من جديد واستحالت(هذا الجنس عن التقطع واالنقسام إذا تركبت حدث ألن كل جنس متشابه ومحافظ على ذاتيته، ال يمكنه أن ي: طبيعة النار

ولكن . ما، وال أن يتأثر أو ينفعل بما يماثله في أحواله وصفاتهفي ذاته تحوال ذاك الجنس ال يفتأ يتقطع عندما يستحيل إلى جنس آخر أضعف من المستولي

وكذلك العناصر الصغرى إذا كانت قلة، . عليه الذي يفوقه قدرة ويغلبهغت ولكن إن ابت. هشم وتضمحلها عناصر أكبر منها كثيرة، فهي تتوأحدقت ب

ن تتركب وتستحيل إلى صورة قاهرها، تكف عن االضمحالل، ويتولد من أوإذا مضت تلك العناصر الصغرى لتتالقى . النار هواء، ومن الهواء ماء

وتتجمع بعضها مع بعض، واعترضها عارض من األجناس األخرى وحاربها ال كامال وغلبها، فال تبرح تنحل وتتفكك، إلى أن تطرد تماما وتنحل انحال

وتلجأ إلى ما يجانسها، أو تغلب على أمرها، وتضحي بعد كثرة وحدة شبيهة .بقاهرها، وتساكنه وتقيم معه

)تقلب العناصر من محل إلى محل(

هذا، وإن العناصر كلها تستبدل مواقعها طبقا لالنفعاالت والتأثرات التي مكانها الخاص، بسبب ألن جماعات كل جنس بمفرده تتفرق إلى. ليهاإأشرنا

تتباين كل مرة فيما بينها، لتشبه غيرها، فإن العناصر التي. حركة قابلتها .تندفع بفعل اهتزاز القابلة إلى مكان تلك العناصر التي تصير مماثلة لها

٥٧

a

b

-٢٦٤-

)تنوع كل عنصر تنوعا ال حد له(

لقد حدثت إذن كل األجسام الصافية األولى ألسباب من النوع الذي أما نشوء أجناس أخرى ضمن أنواع األجسام األولى، فيجب تعليله . كرناذ

ألن كل تركيب لم يغرس في األصل مثلثا . بتركيب كل من العناصر األوليةله كبر واحد، بل مثلثات أصغر وأكبر، يضاهي عددها عدد األجناس الناشئة

.في األنواعوبتمازج ) الواحدضمن الجنس (ولذا بامتزاج المثلثات بعضها ببعض

ع ال يحصى له عدوينبغي لمن . مثلثات األجناس فيما بينها، أمست ذات تنويرومون التأمل في طبيعة هذه العناصر، واالطالع عليها، أن يعمدوا إلى

.براهين محتملة معقولة

d

-٢٦٥-

الفصل الثامن والعشرون

حركات العناصر وسكناهتا

عناصر وسكونها، وعلى أي وجه إن لم يتفق المرء إذن حول حركة ال

تحدث تلك ويتم هذا، وفي أية ظروف، فقد تعترض بحثنا المقبل عقبات كثيرة ولكن . ولقد سبقنا وقلنا في هذا الموضوع بعض القول. ومصاعب جمة

.فلنصف إلى ذلك االعتبارات التالية

ألنه يصعب، ال . ال تشاء الحركة أبدا أن توجد في التوازي والتوازنوال . ل يستحيل أن يكون هناك متحرك دون محرك، أو محرك دون محركب

مستقرين هذان ويستحيل أن يكون المحرك والمحركبتوجد حركة إن غا .متوازنين في وقت من األوقات

وهكذا إذن، نجعل السكون دوما في التوازي والتوازن، ونجعل الحركة وسبب ذلك انعدام التساوي في طبيعة المتفاوت .دوما في التفاوت والتأرجح

ولكننا لم نقل كيف ال تكف . وقد استعرضنا حدوث انعدام التساوي. المتأرجحالعناصر عن الحركة والتجوال بعضها خالل بعض، حتى بعد أن وزعت

فنعود اآلن إذن . فئاتها كل فئة بمفردها على جنس من األجناس األربعة .الوجه التاليونعرض ذلك على

e

٥٨

a

-٢٦٦-

)مفعول دوران العالم(

أو العالم برمته، وهو حركة دائرية تريد من طبعها » الكل«إن دوران أن تعود على ذاتها، إن ذاك الدوران لما شمل األجناس األربعة وجرفها في

ولذا اخترقت النار . حركته، شد الخناق على الجميع ولم يدع أي مجال فارغااألشياء، وعقبها الهواء، ألنه ثان بالطبع من حيث الدقة خصوصا كل

ومة، وتبعهما العنصران اآلخران كل منهما في منزلته، وطبقا لدرجة عوالن. ألن ما تولد من أعظم األجزاء ترك في تركيبه أكبر الفراغات. دقته ونعومته

وتالقي الضغط . وما تولد من أدق األجزاء ترك في تركيبه الفراغاتواالزدحام يدفع األجسام الصغيرة إلى المجاالت الفارغة الواقعة خالل

وفي هذه الحال، عندما توضع الصغائر بجوار الكبائر، . األجسام الكبيرةوتفرق األجسام الصغرى األجسام الكبرى بعضها عن بعض، وتقرن الكبرى

وإلى األجسام الصغرى بعضها ببعض، تترامى األشياء جميعها إلى عل ه كل منها نحو مكانه الخاصوهكذا كل شيء . أسفل، وإلى كل صوب، ويتج

وعلى هذا النمط، وبسبب هذه . يستبدل كبره، ويستبدل أيضا استقرار مكانهر بال لتوازي والتوازن، توفالتفاعالت، المحافظة الدائمة على حدوث انعدام ا

.الدائمة الحاضرة والمستقبلةانقطاع وبصورة متواترة، حركة هذه العناصر

b

c

-٢٦٧-

الفصل التاسع والعشرون

أصناف العناصر األربعة وتعددها

)ارـالن(

وبعد هذه المالحظات، يجب أن نفقه أن أصنافا كثيرة من النار قد برزت إلى الوجود، كاللهيب مثال، وما يصدر عن اللهيب وهو ال يحرق، بل

.ي المواد المتقدة بعد انطفاء اللهيبيؤتي الناظرين نورا، وما يبقى ف

)واءـاله(

فهناك أصفى وانقى صنف من الهواء، المدعو . وكذلك القول عن الهواءوهناك أيضا . باسم أثير وهناك أكثره عكرا وتلوثا، المدعو ضبابا وديجورا

.أصناف أخرى ال اسم لها، وقد نجمت عن تفاوت المثلثات

)اءـالم(

الصنف الرطب والصنف القابل السيالن أو . ه أوال صنفانأما الماء فل. فالواحد إذن رطب بسبب اشتراكه في عناصر الماء الصغيرة. الذوبان

والنعدام التساوي بين هذه العناصر، فقد نشأ هذا الصنف قابل الحركة من تلقاء نفسه ومن قبل غيره، بسبب عدم التوازي والتوازن فيه، وبسبب طبيعة

.شكله

e

d

-٢٦٨-

عن عناصر كبيرة ومتوازية، فهو أكثر استقرارا من ئأما الصنف الناشولكنه بفعل النار التي . ذاك الصنف، وهو ثقيل وكثيف بسبب توازيه وتوازنه

ظا أوفر من حتلجه وتحلله، ينبذ توازيه، وعندما يفقد التوازي الداخلي، ينال ر فينتشر على األرض، وإذ يغدو سهل الحركة، يدفعه الهواء المجاو. الحركة

وقد اتخذ اسما لكل من االنفعاليين، فدعي تدمير كتله وأكداسه ذوبانا، وانتشاره ثم إن النار تتساقط وتقع منه، من حيث كانت . على األرض انسيابا وجريانا

وإذ ال تخرج إلى موضع فارغ، تدفع الهواء المجاور، وهو يدفع معه . فيهال تزال بعد سهلة الحركة، إلى مواقع النار، فيتمازج كتلة الماء الرطب، وهي

وهذا الماء المضغوط والمدفوع يعود ويسترجع توازيه وتوازنه، . الماء بالماءألن النار، عامل التفاوت والتأرجح، قد ولت ومضت، فيستقر هذا الصنف من

نار وتخلصه من النار سمي بردا، وتالقي عناصره بذهاب ال. الماء في ذاته .دعي صنف الصقيع والجليد

)الذهب: المعادن ضروب من الماء(

وبين هذه الفروع، التي أطلقنا عليها اسم مياه سائلة أو قابلة الذوبان، أكثفها كلها ضرب فريد من الماء، تألف من أدق العناصر المائية وأسلسها،

نه إ. وهو يتصفى خالل الصخور ويتجمد. وشارك لمعانه اللون األشقروفرع من الذهب، وهو أصلبه بسبب كثافته، ولونه . الذهب أنفس المقتنيات

سضبط (أي المعدن . مائل إلى السواد أو البنفسجي، دعي أذامالذي ال ي .)١()وال يقمع

معـدن : للعالم اللالتيني أبلينيس ٤: ٣٧ ثم التاريخ الطبيعي ، e ٣٠٣راجع السياسي ) ١(

ولعله (في غاية الصالبة، لونه أغمق من لون الذهب، ظنوا أنهم يستخلصونه بالصهر أذامـس المـاس أو وعند االقدمين سموا ). المعدن الحديدي الدبسي اللون، أو البالتين

.نوعا من الصلب والفوالذ

٥٩

a

b

-٢٦٩-

)النحاس وصدأه(وهناك صنف قريب إلى الذهب بتركيب عناصره، له أنواع كثيرة، ومن

قد داخله قسط زهيد ودقيق من التراب، بحيث جهة الكثافة أكثف من الذهب، ولكنه أخف من العسجد ألنه حوى في داخله فوارق . غدا أصلب من الذهب

وقسط التراب الذي . كبيرة، ونشأ صنف النحاس مركبا من مياه وضاءة كثيفةخالطه، عندما يعتق النحاس، يعود ويفارقه فينشق الواحد عن اآلخر، فينعزل

.ويسمى صدأ النحاسالتراب ويظهر أما األصناف المعدنية األخرى المماثلة، فليس من الظرف وال من الطرافة في شيء أن يناقش فيها المرء عندما يتبع فكرة األقوال المحتملة

وهذه الفكرة قد يجعلها المرء في حياته تسلية متئدة حكيمة، حين . المعقولةم، األبحاث عن الكائنات الدائمة يدع جانبا، سعيا وراء الراحة واالستجما

األزلية، ليتأمل في الموضوعات المحتملة المعقولة، الدائرة حول الحدوث ونحن في . والنشوء، ويقتني لذاته مسرة ولذة ال ندم عليها وال يعقلها أسف

هذه الساعة، نستسلم إلى هذه السلوى بالذات، ونتابع أيضا بعد اآلن استعراض .لة المحتملة، حول الموضوعات عينها، على النحو التالياألقوال المعقو

)المطر والبرد والجليد(

الماء المختلط بالنار، السيما السلس منه والرطب، بسبب حركته وهو لين . والمسيرة التي يسيرها وهو يتدحرج على األرض، يسمى طال

. ن قواعد الترابنها أقل رسوخا وثباتا مإورخو ألن قواعده تهن وتهي، إذ وهذا الضرب من الماء حينما تفارقه النار وينعزل عن الهواء، يصبح أكثر

وإذ يتجمد . اتزانا وتوازنا، ويتراص على ذاته بفعل العناصر الخارجة منههكذا، فالذي ينفعل هذه االنفعاالت فوق األرض خصوصا يسمى بردا، والذي

.تصيبه على األرض يسمى جليدا

c

d

e

-٢٧٠-

) الصقيع وأ لثلج والصرا(

والذي ينفعل هذه االنفعاالت انفعاال أخف وطأة، فيلبث بين اللين والتجمد، ففي هذه الحالة أيضا، إن طرأ عليه التجمد الجزئي فوق األرض

.دعي ثلجا، وإن انقبض وتجمد، صادرا عن الندى، دعي صرا أو صقيعا

)الخمر والزيت والعسل والنسغ: ترحيق النبا: الموائع الصادرة عن الماء(

وأكثر أصناف المياه المتمازجة بعضها في بعض، والمصفاة بواسطة . النبات البارز من التربة، تؤلف جنسا شامال يقال له ماوية النبات ورحيقه

وبسبب تماذج الماويات، غدا كل منها يختلف عن اآلخر، وأصبحت أجناسها ال مسمى ما خال أربعة أنواع منها داخلتها النار، وبدت إجماال، على كثرتها، ب

وهي الخمرة التي تدفئ الروح بعد . أكثر األنواع صفاء، فاتخذت لها أسماءادفائها الجسد، والنوع الناعم الذي يفصل تيار البصر بعضه عن بعض، فيبدو

و الصمغ كالقطران أ: للناظر بسبب ذلك وضاء متألقا دسما، إنه نوع الزيوتعلى اختالفه، وزيت الخروع، والزيت بالذات، وكل ما هناك من الزيوت ذات

.الخواص نفسهاأما النوع الذي يسيل مسالك الفم، بمقدار ما تحتمل ذلك طبيعتها، فيوفر

والنوع الذي . )٢(لها العذوبة بخاصته هذه، فقد أحرز لقب عسل في كل األنحاءقه، وهو جنس رغوي، مميز عن جميع الماويات أو يفكك اللحم ويحله بإحرا .)٣(الموهات، فقد سمي نسغا

.٢٨٦ص . م. مFraccaroliراجع هذا النص الصعب، افركرولي )٢( على هواه، فمنهم من قال إنها األفيون، (opos)إن كل مؤلف أو شارح يفسر ) ٣(

من ادعى أنها مخمر، ومنهم من خمن أنها نسغ التينة وهي اسم جنس عام ومنهمواهللا : وهنا يحق لنا أن نقول. ال كل ضرب من النسوغ أو الصموغوتعني إجما

٧٧١: ٤:٤، ثم توالد الحيوانات a ٣٨٤ : ٤األحداث الفلكية : راجع أرسطو. أعلمb ٧٧٢ و a) .بالمعر(

٦٠

a

b

-٢٧١-

الفصل الثالثون

احلجارة : اجلمادات الصادرة عن املاء والرتاب

ومنها النوع الذي تصفى خالل الماء، فصار على . وهذه أنواع الترابعندما يتقطع بالمزج، إن الماء الممتزج بالتراب، . النحو التالي جسما حجرياوحين يغدو هواء، يعدو صعدا إلى المكان المالئم . يستحيل إلى شكل الهواء

وإذ لم يتبق فراغ ما بينه وبين الهواء الخارجي، فهو يدفع إذن الهواء . طبعهوهذا لثقله، إذ يدفع ويفيض منتشرا على كدسة التراب، يضيق عليها . المجاور

والتراب إذ يضغطه الهواء . قع التي صعد منها الهواء الجديدويحشرها إلى الموا .ويحشره مع الماء بصورة ال تحل، يتركب مع الماء ويؤلف الحجر أو الصخر

وأبهى الصخور الصخر الشفاف، المركب من عناصر متساوية متوازية .وأشنعها الصخر المركب من عناصر تناقض هذه

). أو ملح البارود والملحاآلجر والحجارة البركانية والبورق(

وهناك نوع تخطف فيه سرعة النار كل المادة الندية، فيغدو جنسا وهذا النوع هو الذي نطلق عليه اسم فخار أو . تركيبه أكثر نشوفة من األول

ويمكن أحيانا أن تبقى فيه الرطوبة مخفية، فيموع التراب بفعل النار . )١(آجر

على التراب الذي يستعمله الفاخوري، قبل الطبخ أو بعده Kéramosتدل لفظة )١((optoménos Kéramos). ٣٨ . ٣: ٤ راجع أرسطو، األحداث الفلكية bوما يلي .

c

d

-٢٧٢-

وهناك صنفان يفقدان، طبقا لألنظمة . ا لون أسودوحين يبرد يصبح حجرا ذعينها التي أشرنا إليها، كثيرا من مائها بسبب التمازج، وهما يتألفان من عناصر ترابية أدق وأكثر ملوحة من األصناف الصخرية األخرى، وتجمدهما

وأحدهما هو نوع النطرون أو ملح . جزئي ولذا يعودان وينحالن في الماءوالنوع . )٢(الزيت والتراب) لطخات(د والبورق وهو نوع ينفي من البارو

الثاني هو نوع األمالح الذي ينسجم خير انسجام في تطبيق المواد التي تطيب .وحسب قول الشرع إنه مادة تلذ اآللهة. لحاسة الفم

)الزجاج وبعض الصموغ: األجسام غير الذائبة في الماء(

ركبة من عنصرين، عنصر التراب وعنصر واألنواع المشتركة المالماء التي ال تنحل في الماء بل في النار، تتكاثف لسبب كالسبب الذي سنأتي

ال النار وال الهواء يذيبان أكداس التراب، ألن . على ذكره وعلى النحو التاليطبيعتهما تتركب من عناصر أدق وأصغر من الفراغات الناشئة بين عناصر

على الرحب والسعة، غير ) بين تلك العناصر( يتجوالن فهما. الترابمتضايقين، وال يحالن التراب وال يذيبانه أما أجزاء الماء فهي من طبعها أكبر

وبما أنها أكبر، فهي تشق لها سبيال . من الفراغات الناشئة بين عناصر الترابالعنف على ألن الماء وحده يحل ب. بالعنف وتحل تلك العناصر وتذيب التراب

ولكن إذا تماسك . الوجه المشار إليه التراب غير المتماسك وال المرصوصألنه ال يبقى عندئذ منفذ إلى . التراب وتراص، فالنار وحدها تفككه وتحله

الماء وتكاثفت أشد تكاثف، فالنار ) عناصر(وكذلك إذا تالقت . داخله إال للنار الماء تكاثفا أضعف، فالنار والهواء ولكن إذا تكاثفت عناصر. وحدها تذيبها

وعند أرسطو يبدو . تدل على السودا أو ملح البارود) litron( أو ) nitron( كلمة )٢(

إلى أمالح البورق ) nitron(تشير إلى امالح السودا، ولفظة ) als, alès( لفظة أن .والبارود

e

٦١e

-٢٧٣-

فالهواء يذيبها بعبوره خالل فراغاتها، والنار خالل مثلثاتها : كالهما يذيبانها .بالذات

. وإذا تماسك الهواء في عنف فال شيء يحله، ما لم ينل من عناصره .وإذا انقبض وتماسك دون عنف، فالنار وحدها تذيبه

ن تراب وماء، إذا دهمتها عناصر ماء هذا، وإن األجسام الممزوجة مأخرى وانقضت عليها من الخارج، فهذه العناصر ال تجد لها منفذا إلى داخل تلك األجسام فتدعها بجملتها دون أن تذيبها، وذلك ما دام ماء تلك األجسام

أما عناصر النار، فهي تلج . مستوليا على فراغات التراب ودائسا إياها بالعنفالنار بالهواء، ) عناصر(وما يجريه الماء بالتراب، تجريه . غات المياهإلى فرا

ويتأتى لها هكذا أن تكون السبب الوحيد في سيالن هذا الجسم المشترك عند ويتفق لهذه األجسام أن تحصل على كمية من الماء أقل من كمية . ذوبانه

منه كل األصناف و. التراب، فيدعى كل هذا النوع من األجسام نوع الزجاجأما األجسام التي تزيد فيها كمية الماء على كمية التراب، . السائلة من الحجارة

. فهي بتكاثفها تؤلف أصناف الشمع برمتها، وأصناف اللبان والبخور

b

c

-٢٧٤-

الفصل احلادي والثالثون

أصل االنطباعات احلسية

بمختلف (ا وباشتراكاتها لقد بينا تقريبا أنواع األجسام المزدانة بأشكاله

وال بد لنا أن نحاول ونبين العلل . وباستحاالتها بعضها إلى بعض) العناصر ).فينا(التي تحدث انفعاالتها

إال أننا . أوال، يجب إذن أن يوجد اإلحساس دوما باألجسام التي نتكلم عنها. ئت من الروحلم نستعرض بعد نشأة الجسد وما يمت إلى الجسد، وال ماهو ما

ومع ذلك، ما يتفق لنا هو أننا ال نستطيع أن نفصل مسائل الجسد والروح تفصيال وافيا، دون الكالم عن انفعاالت الحواس، وال أن نفصل هذه االنفعاالت دون الكالم

.وتفصيل هذه األمور وتلك في آن واحد يكاد أن يستحيل علينا. عن الجسد والروحفرض الفروغ من أحد البحثين على أن نعود فيما بعد فعلينا إذن أن ن

وفي هذه الحال، لكي نتكلم عن . إلى البحث الذي فرض الفروغ منهاالنفعاالت الحسية، حاال بعد نشأة ما يولدها، فلنفرض أن أمور الجسد والروح

.هي أولى في نظرنا

)الحار والبارد(

حارة، ولنبحث الموضوع على النحو فلنر أوال لماذا نقول عن النار فنحن . اآلتي، معتبرين في ذواتنا ما تحدث في جسمنا من فصل وتقطيع

d

e

-٢٧٥-

ولكن علينا أن نفكر بدقة . كلنا تقريبا نشعر أن انفعالنا بها شديد الوطأةفهي بهذه . أضالعها، ومضاء زوياها، ونعومة عناصرها، وسرعة حركتها

وعلينا أن . حدة، فتقطع دوما ما تعثر عليهكلها رشيقة عنيفة وقاطعة بنتذكر نشأة شكلها، وأن هذه الصورة خصوصا، وليس طبيعة أخرى، هي

وهذا . التي تفصل وتقسم أجسامنا إلى أقسام صغيرة وتقطعها إربا إرباالذي نقول عنه اآلن إنه حار، هو من باب المحتمل المعقول، ما يحدث

.وفر له اسمهاالنفعال الحسي ويإن . ومع ذلك ال يفته شيء من الشرح. وعكس هذه األمور واضح

العناصر الكبرى من المواد الرطبة المحدقة بالجسم، تلجه وتدفع العناصر التي وإذ ال تستطيع أن تغوص إلى مواقع هذه العناصر . هي أصغر منها

والمتحرك إلى وتحيل غير المتوازي. الصغرى، تضغط المادة الرطبة فيناوما يساق على خالف . غير متحرك بسبب التوازي والضغط وتجمده

ولهذا . الطبيعة، يقاوم حسب طبعه ذاته بذاته، ويدافع ذاته في اتجاه معاكسالعراك وهذا الزلزال الداخلي أعطي اسم الرجفة واالصطكاك، وكل هذا

.االنفعال ومجريه فينا سمي بردا وقرا

) والناعمالقاسي(

واللين هو ما ينقاد ويذعن . والقاسي هو ما ينقاد ويذعن له لحمنا .فهذه هي حال تلك األشياء في عالقتها بنا. للحمنا

لكن ما له قواعد رباعية . ويخضع كل ما جلس على قاعدة صغيرة. األضالع، ينشئ النوع المقاوم أقوى مقاومة، الستقراره على قواعد متينة

ه وتراميه على أعظم قدر من التكاثف الذاتي، من شأنه أن يتصلب ألنه بتهافت .غاية التصلب

b

c

-٢٧٦-

)الثقيل والخفيف(

إن الثقيل والخفيف قد يتضحان لنا وضوحا تاما ويظهران في غاية الجالء، .إذا بحثنا عنهما في بحثنا عن الطبيعة التي يقال لها، طبيعة األسفل واألعلى

رأي من يظن أن هناك بالطبع محلين اثنين إذ ال يصيب من أي وجه األسفل : شطرين» الكل«متقابلين متضادين، يشمالن العالم بأسره، وبشطران

من جهة، فيندفع إليه هاويا كل ماله حجم جسماني، واألعلى وإليه ينطلق ألنه لما كان الفلك برمته ذا شكل كروي، إذا وقعت األشياء . مكرها كل شيء

تساوية عن مركزه، وكانت متطرفة، فهي كلها بالضرورة متماثلة على أبعاد معن ) أو األمتار(والمركز بوقوعه على نفس األبعاد . طبعا في تطرفها هذا

وإن كان العالم . أطرافه، ال بد أن يحسب على الطرف المحاذي لها جميعهابأسمائها بالطبع على هذا الوضع، فمن ال يتهم بحق أنه ال يسمي األشياء

. المالئمة، إذا حسب شيئا من هذه األشياء التي نتحدث عنها، عاليا أو منخفضاألن المحل الوسط في العالم خليق بأن ال يقال عنه إنه منخفض أو عال

وما يحدق بذاك المحل الوسط، . نه في المركزإبل يحق أن يقال عنه . بالطبعقعة تختلف عن أخرى أقل اختالف، ليس وسطا أو مركزا؛ وليس له أية ب

وما كان متمائال بالطبع . بالنظر إلى المركز أو أحد األطراف المحاذية لهمتشابها من كل الوجوه، إن أطلق عليه أحد أسماء متناقضة أية كانت، كيف

يظن به أنه ينطق نطقا جميال صائبا؟

)مناهضة نظرية المحالت الطبيعية(

فرضنا وجود شيء، وشيء مجسم، على حالة توازن في ألننا إذا ، فهذا المجسم لن يدفع أبدا إلى أحد أطراف الكل، بسبب »الكل«مركز

. ال بل إذا سار أحد حول المجسم في خط دائرة. تماثلها من كل ناحية

d

e

٦٣

a

-٢٧٧-

وتوقف مرارا في قطبية، بحيث تكون قدما المتجول في قطب محاذيتين ب اآلخر، فعين القطب من ذاك المجسم يستطيع جائلنا أن لقدميه في القط

، على »الشامل«ألن العاقل الواعي ال يستطيع، إذا كان . يدعوه أعلى وأسفلما قدمناه اآلن، ذا شكل كروي، أجل، ال يستطيع العاقل أن يقول عن مكان

فمن أين إذن جاءت هذه األسماء؟ وفي أي . إنه فوق وعن آخر إنه تحت كانت األشياء حتى اعتدنا أن نقسمها على هذا النحو وأن نقسم الفلك ظروف

برمته، وندعوه وندعو األشياء بتلك األسماء؟ هذه مسائل ال بد أن نتفق :عليها، بافتراض الفرضيات التالية

إن صعد أحد إلى ذلك المكان من العالم، إلى المكان الذي حظيت به لها، حيث تتكاثر وتتجمع وتسعى إلى مقرها خصوصا طبيعة النار كنصيب

بدافع قوي، إن صعد إذن أحد إلى ذاك المكان، وكانت له قدرة على أن يأتي عمال خطيرا مثل العمل التالي، وهو أن ينتزع من النار بعض أجزائها، وأن يتناول تلك األجزاء ويضعها في كفتي ميزان، وأن يرفع نير الميزان، ويجر

نوة إلى هواء ال شبه لها به، يتضح عندئذ أن الكمية الصغرى من النار النار عألنه إذا رفع وقران في الهواء بقوة . تقهر بسهولة أعظم من الكمية الكبرى

واحدة فالوقر األقل ينقاد للعنف انقيادا أعظم، والوقر األعظم يقاوم العنف قيال ومدفوعا إلى أسفل، وينساق له ضرورة انسياقا أقل، والكثير يدعى ث

.والصغير يدعى خفيفا ومرفوعا إلى فوقوال بد لنا أن نفاجئ أنفسنا ونقبض على ذواتنا ونحن نأتي العمل نفسه،

ألننا في تجولنا على األرض . في مكاننا هذا كما يفاجأ اللص ويقبض عليهجره عنوة إلى نقتلع منها أصنافا أرضية، وننتزع أحيانا التراب بالذات، ون

وإن كان هناك كميتان تالزمان ما . به وخالفا لطبيعتهله هواء ال شبه

c

d

-٢٧٨-

يجانسهما، فالصغرى مهما تنقاد في سهولة أوفر وقبل الكبرى، لمن يحملونها وتلك الكمية الصغرى نسميها خفيفة، . لى عنصر يخالف طبيعتهاإعنوة

وما ينفعل انفعاالت معاكسة والمكان الذي نحملها إليه قسرا نسميه األعلى، .لهذه نسميه ثقيال، والمكان الذي يميل إليه بالطبع نسميه األسفل

ختلف حال هذه األشياء بالنظر إلى عين تفمن الضروري إذن، أن األوضاع، بسبب كثرة األجناس التي يشغل كل منها مكانا يخالف مكان

مكان مقابل آخر، وقوبل ألنه إذا قوبل الخفيف في مكان بالخفيف في. اآلخروالمنخفض بالمنخفض والعالي بالعالي، . الثقيل في مكان بالثقيل في آخر

هذه األشياء جميعها مناقضة بعضها بعضا، ومنحرفة ومختلفة تمام توجداالختالف في نشأتها وكيانها الحاضر بيد أنه ال بد من تفهم هذا األمر الواحد

ل من تلك األجناس أو األجسام األولية، بشأنها جملة، وهو أن الطريق لكغ إياها إلى ما يجانسها يجعل المحمول ثقيال، والمكان الذي يحمل إليه في لالمب

أسفل، ويعطي األشياء األخرى التي على حال تختلف عن هذه الحال، األسماء .ولنعتبر أن هذه هي أسباب االنفعاالت التي أشرنا إليها. األخرى

)نالناعم والخش(

أما سبب الناعم والخشن، فكل قد يستطيع أن يراه ويفسره لغيره إذ القساوة الممزوجة بالوعورة وفقدان التوازن تنتج الخشونة والتوازن والسهولة

.الممزوجة بالكثافة تنتج النعومة

e

٦٤ a

-٢٧٩-

الفصل الثاني والثالثون

مــذة واأللــالل

هم ما بقي من المشاعر وفيما تحدثنا عنه واستعرضناه، أعظم وأ

المشتركة العائدة إلى الجسم برمته، هو سبب انفعاالت اللذة واأللم، ثم ما ا تشعر به تلك األعضاء من غموم أو مأحرز الشعور من أعضاء الجسد، و

.متاعب ومن ملذات تسحب الغمومفلنستمد إذن على النحو التالي أسباب كل انفعال نشعر أو ال نشعر به،

ن ما يتعلق بطبيعة السهل الحركة أو عسرها، على ما فصلنا من ذي متذكريإذ يفرض علينا أن نستقصي من هذا القبيل األمور جميعها التي نبغي . قبل

.اإلحاطة بها في هذا البحثألن ما هو سهل الحركة بالطبع، عندما يقع عليه انفعال ولو كان زهيدا

دائريا بعضها على بعض، إلى أن يبلغ تحدث أجزاؤه عين االنفعال، وتوزعه أي (أما الشيء المناقض . االنفعال القوة المدركة ويخبرها عن صفة فاعلة

، فلثباته ورسوخه على قواعده ال ينطلق بانفعاله إلى أي )البطيء الحركةدائرة حوله، بل يحتمل االنفعال وحده، وال يحرك قسما آخر من أقسام الجسم

ثم، إذ ال تتوازع األقسام بعضها على بعض االنفعال ومن . المجاورة لهجعل ذلك االنفعال غير محسوس، إذ لم تاألول، الذي لبث فيها بال حركة،

b

c

-٢٨٠-

هذا ما يحصل للعظام والشعر، وإجماال لكل ما . ينفذ إلى الجسم الحي برمتها قبل أما الحالة التي تكلمنا عنه. نحوي من أقسام في جسمنا جلها من التراب

هذه األخيرة، فهي تتعلق بالنظر والسمع خصوصا ألن فاعلية النار والهواء .فيهما تبلغ أقصى مدى

ما هو . أما مسألة اللذة واأللم، فيجب أن نتفهمها على النحو التاليوكذلك ما يجاري . مخالف للطبيعة وعنيف إذا تواتر يحدث فينا انفعاال أليما

وما يجري لنا من ذلك، بتوءدة وفي . فينا تأثيرا لذيذاحدث يالطبيعة، إذا تواتر .قدر زهيد، ال نشعر به، والعكس بالعكس في هذه األمور

أما كل ما يحدث بهينة وتيسير، فنحن نشعر به أعظم شعور ولكنه ال النظر ذاته الذي قلنا عنها ) جهاز(ومثل ذلك انفعاالت . ينطوي على ألم أو لذة

إذ ال البتر . ما سبق إنه، غضون النهار، يصير معنا جسما بالطبع مجانسافي . والقطع وال الحروق وال التأثيرات األخرى التي يعانيها، تحدث فيه أوجاعا

وإنما ينتج . لذة إذا عاد إلى ذاته أو نوعيته الخاصةلكما ال يشعر بمشاعر اه وطبقا لكل من األشياء التي عنه أعظم االحساسات وأصفاها طبقا لما يتأثر ب

.يقع عليها بوجه من الوجوه ويالمسها) العين واالذن(غير أن أعضاء جسمنا، المركبة من أجزاء تكبر أجزاء

وهي مع ذلك توزع الحركات وتسوقها إلى كافة . ال تنقاد للمؤثر إال بالجهدأحوالها، وباللذة فتشعر باأللم إن بدلت . وتحظى بمشاعر اللذة واأللم. الجسم

.إن عادت واستقرت في ذاتها وطبيعتهاواألعضاء التي تضمر تدريجيا، وتفرز ما فيها شيئا فشيئا، في حين أنها تتملى بتوتر ووفرة، ال تشعر بافرازها وتفريغ ما فيها، لكنها تشعر

له أعظم وهي ال تؤتي القسم المائت من الروح غما وألما، بل توفر . بتمليهاأما التي تتبدل حالها . الملذات وهذه األمور واضحة بشأن الروائح العطرة

٦٥

e

d

a

-٢٨١-

بتوتر، وتعود تدريجيا وفي عناء إلى ذاتها لتستقر على حالتها الطبيعية، فهي وهذه األمور واضحة كل . توفر مشاعر تخالف المشاعر السابقة أتم مخالفة

.حقه من بتر وقطعالوضوح أيضا في حروق الجسم وما يلث بالجسم كله من انفعاالت مشتركة، وعن كل دلقد تكلمنا عما يح

أما االنفعاالت التي . األسماء تقريبا التي أطلقت على عوامل تلك االنفعاالت، وآثارها وأسباب )بعمل معين أو وظيفة(تحدث في أعضائنا المختصة

.استطعنا إليه سبيالعواملها، فعلينا أن نحاول تفصيل ذلك، أن

b

-٢٨٢-

الفصل الثالث والثالثون

ةــات املختلفــاملذاق

علينا إذن أوال أن نبين قدر استطاعتنا كل ما تركناه جانبا، في كالمنا ويظهر أن هذه . السابق على العصارات ألن انفعاالت اللسان خاصة

ها في ذلك إذن االنفعاالت أيضا تحصل بسبب بعض التمازج أو التفارق، شأن) تفسير(وعالوة على ذلك، ال بد أن يعمد المرء، في . شأن أكثر االنفعاالت

.هذه االنفعاالت، أكثر من غيرها، إلى الخشونات والنعومات

)القابض والفج(

الوالجة إلى الوشائج، الممتدة إلى القلب بمثابة خبيرات اللسان فالعناصراللحم والغضة، وأذابت منها القسيمات إذا وقعت على األجزاء الرطبة من

فإن كانت شديدة الخشونة، . الترابية تقبض الوشائج أو العروق وتنشفها .ظهرت قابضة وإن قلت خشونتها بدت فجة

)والمالح والحاد المر(

أما المسهلة من هذه العناصر، والتي تغسل اللسان وما يحدق به، فإن الحد، ثم لجت فيه وبالغت حتى إذابة جوهر فعلت فعلها هذا وتجاوزت فيه

اللسان، كما تفعل خاصة أمالح البارود والبورق والكحول والسودا، فهي

c

d

e

-٢٨٣-

والعناصر التي تنقص فاعليتها عن فاعلية . تدعى كلها مرة من هذا القبيل، وتجري اإلسهال أوالسيالن باعتدال، تظهر )أو األمالح المذكورة(النطرون والتي تشارك الفم في حرارته، . ن مرارة مفرطة، ال بل محببة إلينامالحة دو

فينعمها ويجعلها دقيقة، تلتهب هي أيضا، ثم تحرق الجهاز الذي أدفأها، وتندفع بسبب خفتها على عل، نحو حواس الرأس، وتمزق كل ما تعثر عليه في

.)١(العناصر حادةولهذه الخواص الهايجة الصاخبة، دعيت مثل هذه . دربها

)الحامض أو المز، الرغوة والزبد(

ثم إن ما لحقه الفساد من العناصر، فغدا دقيقا ناعما، يتخلل العروق ية وقسيمات تعادل بكمية بالضيقة، ويقع على ما يجد هناك من قسيمات ترا

وإذا . هوائها كمية هوائه، فيحركها ويجعلها تفور بعضها حول بعض فورانافارت تنقض بعضها على بعض، وتغوص في غيرها وتقعره، وتنتشر

وإذا انتشرت الرطوبة حول . وتتصلب حول العناصر الوالجة والنافذة إليهاة صافية، تحورت، حينا يمازجها التراب، وآخر نقيل الهواء وتصلبت وتقع

وما صدر من .ة، وقطرات مستديرة مقعرةتلك العناصر إلى أوعية هواء رطبهذه األوعية أو القطرات عن الرطوبة النقية المتصلبة، تؤتيه هذه الرطوبة

وما صدر عن الرطوبة . )٢(إستقرارا ويكون شفافا، ويدعى باسم الرغوةودعي سبب هذه . المشربة ترابا الهائجة والمائجة معا لقب زبدا وخميرة

.)٣(االنفعاالت حامضا أو مزا

.الان طعم هذه المواد يشبه طعم الخردل مث) ١( ,cf. Diels(وربما استعملها انكسغورس . ذات صبغة علميةPompholyxإن لفظة ) ٢(

Vors. 1 386,41 ( ،٧٦٢: ١١: ٣وحددها أرسطو، توالد الحيوانات a وفعل . ١٤Kicannرغييعني ضرب المزيج وجعله ي ..

مضا أو وتعني طعما حا Picron وتقارب لفظة Ghlyki تناقض دوما لفظة Oksiلفظة ) ٣( .مزا، يشبه طعم ما توحيه من ذلك رائحة الخمير

٦٦

a

b

-٢٨٤-

) العذبةالمذاقات(

ويحصل بتأثير علة معاكسة، انفعال معاكس لكل ما بسطناه بشأن فعندما يكون تركيب العناصر النافذة إلى األجزاء الرطبة . االنفعاالت السابقة

من الفم، مالئما بالطبع حالة اللسان، فهي تدهن جوانب هذا العضو الناشفة ا كان من هذا العضو في المخشوشنة، وتلينها من جهة، ومن جهة أخرى، م

وضع يخالف طبيعته أو مسترخيا، فهي تشدد ما استرخى منه، وترخي ما وإذ غدا . وتركز كل شيء خير تركيز، وتعيده إلى وضعه الطبيعي. انقبض

كل ما ماثل هذا العنصر لذيذا ومحببا إلى الجميع، وشفاء لالنفعاالت، فقد .لنحو المفصل أعالهوهذه األمور هي على ا. دعي عذبا

c

d

-٢٨٥-

الفصل الرابـع والثالثون

حـــروائــال

ألن جنس . أما اقتدار المنخرين أو اختصاصهما فال يعثر له على أنواع

من األنواع ) أي جنس(ولم يتفق لنوع . الروائح بجملته هو نصف جنسوقنا فعر. ، أن يكون له من القياس ما يمكنه من أن يحرز الرائحة)األساسية(

المتعلقة بالروائح الشاعرة بها قد ركبت تركيبا يضيق كثيرا على جنسي ولذا لم يشعر أحد قط بأية . التراب والماء، ويتسع جدا لجنسي النار والهواء

ما لم تبلل أو تعفن أو تتبخر، فتحدث لها ، رائحة لهذه العناصر المذكورةول الماء إلى هواء، والهواء إلى ألن هذه الروائح تحدث عندما يتح. روائحوالروائح بجملتها هي دخان أو . ففي خالل هذا التحول تنتشر الروائح. ماء

ضباب وينشأ الضباب أثناء تحول هذين العنصرين، إذ يصدر الماء عن ومن ثم جميع الروائح أدق . وينشأ الدخان إذ يصدر الهواء عن الماء. الهواء

ويتضح لنا هذا . الروائح أثخن وأكثف من الهواءوأنعم من الماء، وجميع األمر وذاك حين يصاب المرء بالزكام وينسد مجرى التنفس عنده ويستنشق

وإنما تعقب االستنشاق النسمة . فعندئذ ال تساق إليه أية رائحة. الهواء بشدة .وحدها خالية من الروائح

e

٦٧

-٢٨٦-

ن ال اسم لهما، إذ فهناك إذن هذان الصنفان من الروائح، وهما مغفالولكن فلنقل إنهما وحدهما . يصدران عن أنواع غير كثيرة وال بسيطة

ومنقسمان إلى شطرين، الصنف الطيب اللذيذ والصنف الكريه )١(واضحانفالواحد يهيج ويؤذي الجذع كله الواقع بين هامتنا والسرة، ويضايقه . المؤلم

ه على نحو مستحبئه ويردإلى وضعه الطبيعيبعنف والثاني يهد .

ثم . ٢٧ a ٤٢١: ٩: ٢وأرسطو، كتاب النفس . a ١٠١راجع تيمئس اللوكري، ) ١( -٢٤

ن هذا الفيلسوف يصنف الروائح إ. ٩ b ٤٤٣ : ٥كتاب الحس والمحسوس راجع كتاب . ت مماثلةكرتس على شروحاعند أمبذكليس وذموكالمذاقات ونعثر

. Wors. 3,1,217,30 et, 2,45,21 . ٧١ و ٩ cستس لحس لثئوفرا

a

-٢٨٧-

الفصل اخلامس والثالثون

وتــمع والصــالس

والقسم الثالث من المشاعر التي نبحث عنها في ذواتنا، هو القسم .فعلينا أن نفسر ألي من العلل تحصل االنفعاالت المسببة له. المتعلق بالسمع

ماغ والدم فلنفرض بوجه عام إذن، أن الصوت صدمة يبلغها الهواء والدوالحركة التي تحدثها الروح، تبدأ في الرأس . عن طريق اإلذنين، إلى الروح

فإن كانت الحركة سريعة . )١(وهذه الحركة هي السمع. وتنتهي حول مقر الكبدوإن . كان الصوت عاليا، وإن كانت على شيء من البطء كان الصوت عميقا

.ا متساويا وناعماكانت الحركة متماثلة متشابهة كان الصوت رتيبوإن . وإن كانت الحركة على عكس ذلك، كان الصوت أجش خشنا

كانت الحركة عظيمة، كان الصوت ضخما جهورا؛ وإن كانت الحركة على أما ما يخص تساوق األصوات . عكس ذلك، كان الصوت ضئيال خافتا

).b ٨٠(وتناغمها، فسيعرض حتما فيما يلي من أبحاثنا المقبلة

يبدو أن النظرية المستغربة التي تدخل الكبد في . a b ٨٠في تآلف األصوات، راجع )١( : ٥٠٠راجع كتاب الحس لثئوفرستس، رأي . جهاز السمع، نظرية انفرد بها أفالطون

ي الصوت تحديدا يداني وأرسطو إذ يعط. ٢٢ a ٤٠٧، رأي ١: ١٩: ٤ وأئيتيس ١٤وأفالطون يسم األصوات بطابعها الخاص بناء . تحديد أفالطون، ال يتكلم عن الكبد

على صفات الحركة المسببة لها، نظير السرعة أو البطء، واالتئاد أو التشوش، والعنف .٣١ b ٤٢٢: ٢: ٢كتاب النفس ر ونجد عند أرسطو عين الفوارق، . إن زاد أو نقص

b

c

-٢٨٨-

الفصل السادس والثالثون

وانـــاألل

فيجب أن نميز بين ما أحرز من . بقي علينا نوع رابع من المحسوسات

وهي لهيب يجري من األجسام كل بمفرده . أصناف غزيرة دعوناها بجملتها ألوانا .)١(البصر لتولد الشعور أو اإلحساس) مع عناصر تيار(وله عناصر تتفق في قياسها

. لقد تكلمنا، فيما سبق من أبحاث، عن النظر بالذات وعن أسباب حدوثه .وهذا أمر طبيعي. فههنا إذن قد يجدر بنا أن نستعرض خصوصا مشكلة األلوان

إن القسيمات الصغرى عندما تندفع منطلقة من األشياء األخرى وتقع البصر البصر، تكون عناصرها أصغر وأكبر أو معادلة لعناصر) تيار(على

وهي . أو تصغرها، فاألولى منها تضم شمل تيار البصر، والثانية تبعثرهشقيقات العناصر التي دعوناها حارة أو باردة في عالقتها باللحم، والمحرقة

.منها التي دعوناها حادة في عالقتها باللسان )األبيض واألسود(

وهي من نوع . والعناصر البيضاء أو السوداء هي أيضا نفس العناصرآخر من األجسام، تولد تلك االنفعاالت التي جئنا على ذكرها، ولكنها تبدو

.غير األولى لهذه األسباب اآلتية

.رية النور هذه تذكرنا بنظرية الذريينإن نظ )١(

d

e

-٢٨٩-

وما . ما يبعثر تيار البصر هو األبيض. فعلينا إذن أن ندعوها كما يليأما عناصر الحركة النشيطة الصاخبة . يضم شمله على عكس ذلك هو األسود

البصر، ) بتيار(ادرة عن نوع آخر من النار، فهي إذا اصطدمت جدا الصوتضغط بعنف على مسالك ومجاري العيون . تشتته وتبعثره حتى الحدقتين

وإذ هي نار . وهذا ما ندعوه دمعا. وتذيبها، وتسيل منها النار والماء غزيرا، تصدر وهذه النار إذ تقفز من العين. جارفة تلقى األخرى في اتجاه معاكس

والنار الوالجة في العين تنطفئ على جوانبها . منها وكأنها صادرة عن برقونحن . وفي هذا التأجج واالصطخاب، تنشأ ألوان من كل ضرب ولون. الندية

.نسمي االنفعال انبهارا، وما ينتج عنه الالمع المتألق

)٢()األلوان التسعة األساسية( النيران السابقة تلك، فهو يبلغ إلى القسم أما جنس النار الواقع ما بين

وعلى ألالء النار، خالل . ولكنه ال يتألق. الندي من العينين ويمتزج بهالرطوبة وبعد امتزاجها بها، على ذاك الألالء الذي يعطي لونا داميا نطلق اسم

. من األلوان التسعة التي يميزها أفالطون، يبدو أن ثالثة فقط تقابل ألوانا في الطيف ) ٢(

to xanthonوهو لون واقع في موشور قوس قزح بين األخضر . أو األصفر الذهبيto

pracion والبرتقالي أو األرجواني to phinikon) األحداث الفلكية راجع ألرسطو) (؟ ،٣٧٥: ٤: ٣ a ١١ .(To érithron أو األحمر القاني to pracionأو األخضر الفاتح .

والمزائج التي يذكرها ال تعطي ألوانا واضحة . ولكن أفالطون ال يذكر البرتقالياألرجواني ينجم عن األحمر واألسود واألبيض، وعن نفس : وهي التالية. صريحة

وعن األصفر والرمادي ينجم األسمر . ائض من األسمر القاتمالمزيج يضاف إليه فوعن األسود واألبيض والالمع يصدر األزرق . الفاتح أو األشقر المائل إلى الحمرة

وعن األزرق الالزوردي واألبيض يصدر األزرق . الالزوردي أو األزرق الالمعجع ألرسطو كتاب را. وعن األسمر الفاتح واألسود ينجم األخضر الزيتوني. الفاهي

.٣: ٣: ٧لي، ثم من المقدمة، فصل ي وما٤ a ٧٩٢: ٢األلوان المنحول

٦٨

a

b

-٢٩٠-

أما نسبة . وأصبح الالمع، المخلوط باألحمر واألبيض، اللون األشقر. أحمرعناصر الممتزجة، كم من هذا وكم من تلك، وإن عرفها أحد، فال يعقل أن ال

ألنه ال يستطيع أن يعبر، في شيء من الصحة، عن حتميتها أو سببها . يقولها .المحتمل المعقول

وينجم . وإذا امتزج األحمر باألسود واألبيض أحدث اللون األرجوانيينها، إذا اختلطت وأحرقت ومزجت اللون األرجواني القاتم عن هذه األلوان ع

ويحصل اللون األصهب الناري عن مزج األشقر . بها كمية أوفر من السوادويصدر اللون . ويتولد اللون الرمادي عن مزج األبيض باألسود. بالرمادي

واألبيض إذا القى اللمع ووقع على . األصفر عن األبيض إذا خلط باألشقرواألزرق الالزوردي . اللون األزرق الالزوردياألسود المشرب سوادا، انتج

إلى الخضرة أو إلى عندما يمزج باألبيض يعطي اللون األزرق الفاهي، المائل .وإن مازج األصهب الناري اللون األسود أصدر اللون األخضر الفاتح. الصفار

إذ يتبين . واأللوان األخرى الناجمة عن هذه واضح أمرها بعض الوضوح .يبا، بأية مزائج قد تماثل ما شاكلها، وتحافظ على قول معقول بشأنهالنا تقر

)وجه التخمين في كل ما تقدم(

ولكن إن تناول المرء المحك لتمحيص هذه األمور والتثبت منها عمليا فقد يتجاهل الفارق بين الطبيعة البشرية والطبيعة االلهية، ويغفل عن أن اهللا

واحد أن يمزج عناصر كثيرة ويحيلها إلى واحد، كما يعرف ويقدر في آنيعرف معرفة كافية ويقدر القدرة الوافية أن يحل الشيء الواحد ويعيده من

أما البشر فال أحد منهم أهل إلحدى هاتين . جديد إلى عناصره الكثيرة . العمليتين، ال اآلن وال يوما ما في الزمن المقبل

c

d

-٢٩١-

الثونالفصل السابع والث

ة الضرورية والعلة اإلهلية العل

لما كانت بالطبع ) األولية األربعة ثم األساسية(إذن، كل هذه العناصر

آنذاك على الوضع الذي أشرنا إليه، شرع يستمدها من الضرورة مبدع أبهى كائن وأسمى وأفضل كائن بين الكائنات المحدثة، عندما كان يلد اإلله المكتفي

أما االنتظام . األكمل، مستعمال في إبداعه العلل الخادمة المساعدةبذاته و .والصالح، فهو مهندسه وبانيه في كل الكائنات المحدثة

ولذا وجب أن نميز نوعين من العلل، النوع الضروري والنوع اإللهي .كما وجب أن نستقصي النوع اإللهي في األمور كافة، الفتتاء حياة سعيدة،

.ار ما تستطيع طبيعتنا إلى ذلك سبيالبمقدأما النوع الضروري فيفرض البحث بسبب الغاية المذكورة مفكرين إننا يدون هذه العلل الضرورية واإللهية، ال نقدر أن نفقه حتى وال المطالب وحدها التي نجد في السعي إليها، وال أن ننال منها شيئا، وال أن نحظى بها

.ى، ولو قليال وعلى وجه من الوجوهعلى طريقة أخر

٦٩ a

-٢٩٢-

الفصل الثامن والثالثون

تلخيـص مـا ســبق

وإذ مثلت اآلن إذن بين أيدينا نحن المهندسين، وكأنها مادة بناء، أصناف العلل المنتقاة المصفاة، التي يجب أن ننسج منها ما تبقى من خطابنا،

ل بسرعة إلى ذات النقطة التي انطلقنا فلنعد مجددا إلى البدء بإيجاز، ولنصمنها وبلغنا إلى ها هنا، ولنجتهد أن نضع ختاما لمقالنا، ونتوجه بهامة تالئم

.جسمه السابق وتنسجم معهفعلى ما قيل إذن في مطلع الحوار ومبادئه، كانت العناصر السابق

عادل، في كل ذكرها في أوضاع مبلبلة متشوشة، فخلق اهللا فيها التناسق والتمنها بالنظر إلى ذاته، وفيها جملة بالنظر إلى صالتها بعضها ببعض، بقدر ما

إذ لم يحظ أحد . أمكن أن تكون متعادلة متناسقة، وعلى الوجه الذي أمكنالعناصر آنذاك بشيء من هذه الصفات إال اتفاقا، ولم يكن يجدر على اإلطالق

ماء التي نطلقها عليها اآلن، كالنار مثال أن يسمى احد العناصر باسم من األسإال أن اهللا نمقها ونظمها أوال . أو الماء وما إليهما من العناصر األخرى

وبعد ذلك ركب منها هذا العالم بأسره، وجعله كائنا فريدا، حاويا في . جميعها. اآللهةوصار هو ذاته مبدع. ذاته كل الكائنات الحية، المائتة منها والخالدة .أما المائتون فقد أمر أبناءه أن يبدهوا حدوثهم

b

c

-٢٩٣-

الفصل التاسع والثالثون

جنـس املائتــني

المبدع بأبيهم، وتناولوا منه مبدأ الروح غير فاقتدى هؤالء اآللهة، أبناء. )١(المائت، وسكبوا له في قالب الجسم المائت، وأعطوه الجسم كله مركبة

ضربا آخر من الروح، هو الصنف المائت منها، المنطوي وبنوا في الجسم وأول تلك اللذة، وهي أكبر غواية . في ذاته على أهواء رهيبة ومحتومة

أضف إليها . ثن األتراح واألوجاع، طاردة الخيرات. وأعظم طعم للشرثم الغضب الذي ال يقبل عزاء أو . الجسارة والخوف، وهما مشيران أحمقان

ومزجوا هذه . وأخيرا األمل الخداع الذي ينساق في سهولة. بمشقةنصحا إالوركبوا . األهواء بالشعور غير العاقل والحب الغرامي المقدم على كل هوس

.هكذا جنس المائتين خاضعا لحكم الضرورة

)إنزال الروح الشهوانية في الصدر(لك األهواء، أنزلوا وخشية منهم أن يدنسوا العنصر اإللهي في البشر، بت

العنصر المائت من الروح في مسكن آخر من الجسم، بمعزل عن العنصر

وقد وردت في المقطع . يبدو أن ذيجبنس األبولني قد استعمل كلمة أوخما أي مركبة) ١(٤٤ e انس، مقاله في األرياح، طبعة لتر. هذا الحوار منكرثم . ٩٤، ٦، ٣ هراجع هب

. ٨٨٤ طروادة، ش إفربيذس، نساء

d

-٢٩٤-

فبنوا برزخا وحدا بين الرأس . اإللهي، إذ لم يكن إنزالهما معا ضربة الزبوربطوا . والصدر، ووضعوا الرقبة في الوسط، ليفصال الواحد عن اآلخر

. ألمة ودرعا وقفص الصدرالجنس المائت من الروح بالصدر أو ما يدعى

)الحجاب الحاجز(

ولما كانت تلك الروح المائتة ذات قسمين، قسم منها أوفر جودة بالطبع وقسم أوفر سوءا، فصلوا في بناء الجسم فجوة قفص الصدر إلى شقتين، كما

شقة سكن عن شقة سكن الرجال، وجعلوا الغشاء ) في بيت واحد(تفصل وأسكنوا قسم الروح النائل نصيبا من الشجاعة . )٢( في وسطهماالحاجز حاجبا

والغضب، لحبه المشاحنة والمزاحمة، في الشقة األدنى إلى الرأس، بين كي يكون مصغيا للعقل، ويشترك معه في قمع جنس . الحجاب الحاجز والعنق

مره من الرغبات بالعنف، عندما ال يريد طائعا أن ينقاد للعقل المصدر إليه أ .قلعة الجسم

)القلب ووظائفه(

أما القلب، حزام العروق وينبوع الدم الساري في كل أعضاء الجسم وذلك، كي يشعر . غزيرا متدفقا، فقد وضعوه في ثكنة الحراسة وأقاموه عليها

كل ما له اإلحساس في الجسد شعورا مرهفا، عن طريق جميع المسالك وتهديداته، عندما يغلي ويفور سخط روح الغضب الدقيقة، بتوجيهات العقل

وهيجانها، لدى إنذار العقل بأن عمال جائرا يرتكب بحق األعضاء من

. إن لفظة ذيافرغما، الغشاء الحاجز، ال ترد عند الفالسفة المتقدمين على عهد سقراط) ٢(فربما . ١٦ a ٤٩٢: ٤١١: ١وأرسطو ال يستعملها إال مرة واحدة في تاريخ الحيوان،

ما لم يكن استخدامها في نصنا هذا . استعارها أفالطون من معجم األطباء في عصره .ستعمال مهني فني لهاأول ا

e

٧٠

b

-٢٩٥-

فيكون الشعور هكذا مصغيا . الخارج، أو من قبل إحدى الشهوات في الداخلللعقل ويتبعه في كل الظروف واألحوال، ويدع القسم األفضل بين جميع

.سوسهااألعضاء يقودها وي

) الرئة ووظائفها(

وإذ سبق اآللهة وعرفوا أن نبضات القلب وقفزاته تثار لدى توقعه المكاره واستيقاظ الروح الغضبية، وان مثل ذلك التضخم يحدث كله في األعضاء بفعل النار، دبروا له إسعافا وغرسوا في دواره صنف الرئة، وهي

تحوي في داخلها نخاريب مثقوبة كأنها ثم إنها . أوال لينة وخالية من الدم، كي تتقبل النسيم العليل والشراب، فتبرد وتوفر للقلب في )٣(نخاريب اإلسفنج

.اضطرام غضبه، شيئا من االنشراح والرخاءولذا وزع اآللهة قنوات القصبة الرئوية على الرئة، واكتنفوا بها القلب،

اهتاج فيه الغضب وبلغ ذروته، وقفز وجعلوها له بمثابة منضدة، حتى إذا ماالقلب على عضو يلين له ويخضع ويؤتيه شيئا من البرودة، يقل تعبه وعناؤه

.)٤(ويستطيع مع روح الغضب أن يخدم العقل خدمة أعظم

)٣ ( ونغسبكلمة اإلسفنج تعريب لمرادفتها اليونانية أسspongos ) . بالمعر( إن الهواء الذي يلج الجسم ال سيما الرئة، . e ٧٨في وظيفة التنفس راجع فيما بعد المقطع ) ٤(

.Vors. 3) ١٠٠كليس المقطوعة يبرد الدم، وهذه النظرية عينها نلقاها منذ عهد بعيد عند أمبذ

١٥، مقطوعة ٤٧١: ٤، في غالينس ٦ن، مقطوعة فلستي( وعند الطباء الصقليين ،(258 .1، يتبنى مذهب المدرسة الصقلية في ما سيتعلق بوظائف ٧٠bوأفالطون في المقطع .) م.ن

.(Wellmann: Die Fragmente der gr. Aertze. I. 1901, p. 16)القلب

d

c

-٢٩٦-

الفصل األربعون

روح تغذية اجلسم

أما قسم الروح المائتة الشهواني، الراغب في المآكل والمشارب وما يحتاج إليه إجماال بسبب طبيعة الجسد، فقد أنزلوه في البقعة الواقعة بين

وقد هندسوا هذا المكان كله، وجعلوه بمثابة . الغشاء الحاجز وحدود السرةوربطوا فيه ذاك القسم من الروح، وكأنه دابة أو . معلف أو مزود لغذاء الجسد

وهي مقيدة، اللهم إن رام جنس بهيمة من البهائم اآلبدة، التي يجب أن تغذى فلكي تتعلف إذن دوما بجوار مزودها، وتلبث أبعد ما . المائتين أن يدوم ويبقى

يكون من مقر العقل المشير، وتحدث أقل اضطراب وصخب ممكن، واخفت ضجيج، وتدع أشرف وأحسن قسم من الروح يتداول في هدوء ما يصلح

، لهذه األغراض كلها أعطى اآللهة لمجموعة األعضاء ولكل منها بمفرده .القسم الشهواني مرتبته في تلك البقعة من الجسم

ن مزمعا أن يفهم أمور العقل، وانه وإن أدرك بحسه وعرفوا أنه لم يكعلى نحو ما بعضا منها غير مطبوع على االهتمام لها، وانه في الليل والنهار

.هايغتر بالرؤى والخياالت وينقاد ل

e

٧١

a

-٢٩٧-

الفصل احلادي واألربعون

:بنية الكبد ووظيفته

التبصري والعرافة

في أمر الروح الشهوانية، ركب لها صورة الكبد، )١(وإذ فكر اهللا، وجعل الكبد كثيفا أملس المعا، يحوي )٢(ووضعها في مسكن تلك الروح

، وتقع عليه العذب والمر، كي تنحدر إلى الكبد من الروح العاقلة قدرة األفكاروقوعها على مرآة تقبل انطباعات لتحولها وتعرضها للرؤية صورا

، فترعب الروح الشهوانية تارة، وذلك عندما تستعمل تلك القدرة )٣(ورسوما

يمكن أن يعين أفالطون هنا اهللا بالذات أو المبدع، ألن اهللا يعمل على تكوين جسم )١(). d ٧١(اإلنسان بواسطة أبنائه اآللهة الثانويين الذين يقتدون به ويعملون بإشارته

وهذه المالحظة تصلح لكل المقاطع . ويمكن أن يعني الفيلسوف إلها من أولئك اآللهة )المعرب (. ماثلةالتالية الم

.١٤، ٥٩٠، الرأي ٥فرتس، كتاب الحواس، ؛ ثم ثئوd( ٦٧( راجع تحديد الصوت )٢(ويمكن . مادة المرارة المجانسة، وال يعين لمن أو لما هي مجانسة«: يقول أفالطون )٣(

ويمكن أن تكون مجانسة للكبد الذي تؤخذ . أن تكون المادة مجانسة للروح الشهوانيةنه، وهذا معنى مقبول أخذنا نحن به وهو األرجح، وال شيء يمنع من رد هذه الصفة م

إلى الروح الشهوانية، ألن األرواح حتى العقالنية منها قد ركبت، حسب تعليم غير أن القرائن تشير إلى أن . أفالطون، من العناصر التي ركبت منها األجسام

راجع ههنا الفصل السابع ثم السادس . وبتهالمرارة والعذوبة هي مرارة الكبد وعذ )المعرب. (فالرابع عشر

b

-٢٩٨-

فتنقض قوة األفكار عليها رهيبة . المجانسة للكبد)٤(قسطا من المادة المرةستمدة منه خلطا عنيفا مزعجا، وتبدي وتهددها، إذ تخلط بالكبد كله المرارة الم

وتقبض الكبد وتجعله كله ). من السخط واالستياء(لتلك البهيمة ألوانا مريرة مخشوشنا، وتثني لغد الكبد وتلويه بدل أن يكون منبسطا قويما، وتغلف

وتارة أخرى، تهب من أرجاء الفهم . ، وتسبب األوجاع والتقيؤ)٥(مداخله دعة وحلم، فترسم على الكبد صورا تناقض األولى، فتركد والعقل نسمة

اضطراب المادة المرة، بامتناعها هي النسمة عن التهييج وإعراضها عن مالزمة ومالمسة طبيعة تناقض طبيعتها العقلية، وتعمد إلى العذوبة المغروسة

لتوى في الكبد أصال، وتستخدمها في معاملة هذا العضو المختبط، وتصلح ما اوتحرر مداخله وحياضه، . واعوج فيه وتقومه وتعيده أملس على ما كان

وتجعل قسم الروح الساكن بجوار الكبد ودودا وادعا ذا تصرف معتدل، يعمد .إلى العرافة آناء الليل، بما أنه ال يحظى بالعقل والتفكير والفطنة

)العرافة وكيف يمكن أن نفهمها(

الذين ركبوا أجسادنا، وصية أبيهم عندما كان يوصيهم وإذ تذكر اآللهة،أن يصنعوا الجسم المائت أفضل صنعة قدر طاقتهم، قوموا القسم الحقير المنحط منا على ذلك النحو المبين أعاله، كي يلزم هو أيضا الحقيقة على وجه

و والدليل الكافي على هذا األمر، ه. من الوجوه، ووضعوا فيه العرافة لذلك

)٤( خالفا لرأي أرسطو الذي ينظر إلى العرافة نظرة شك) ةات النكوماخي١٣: ٤االخالقي :١١٢٧ dعن الذين يزورهم الوحي )/ ٣٠ افين باحترام، اللهميتكلم أفالطون عن العر ).a ١٤: ٩٠١١، ثم b ٧٧٢: ١ع، راجع له كتاب الشرائ. (اإللهي

وهي عين األجزاء التي كان العرافون . يميز أفالطون في الكبد ثالثة أجزاء )٥(: وهذه تلك األجزاء). ٣٢، b ٤٩٦: ١٧: ١أرسطو، تاريخ الحيوان . (يتفحصونها

في بيدس وهي نفسها يعددها إفر) pilai(، وعرق المدخل )ذخيه(اللغد، وغدة المرارة .٨٢٨مأساة إلكترا، ش

c

d

e

-٢٩٩-

أن اهللا أعطى العرافة للقسم الفاقد الفهم والفطنة في اإلنسان، إذ ما من أحد يتعاطى العرافة اإللهية الصحيحة، ويالزمها وهو في حالة الوعي، بل في حالة النوم، حين تقيد قدرة إدراكه، أو يتخلى عنها لوهن المرض أو ثورة

ن يتذكر الحلم أو انفعال وعلى العاقل الصاحي والواعي أ. الروح واهتياجهاالكبد، ويفكر بما قالت طبيعة العرافة أو طبيعة هيجان الروح، وأن يستعيد الخياالت التي تراءت له، وأن يعرض كل هذا على منطقة، ليحلل ما تشير إليه أحالمه، وعلى أي وجه تشير إليه، ولمن تشير بشر أو خير مقبل أو

لفاقد الوعي المهتاج والمستقر بعد في وهذا كله ليس عمل ا. ماض أو حاضرولقد . فمثل هذا ال يحكم بذاته على ما تراءى له وما طرق مسامعه. تلك الحال

قيل قديما وبحق، إن السليم العقل وحده جدير بأن يتدبر أموره ويعرف ذاته .ومصلحته

ومن هذا القبيل أقام الشرع طائفة األنبياء ليقضوا ويبدوا حكمهم في إال أن الذين يسمونهم . شؤون العرافة اإللهية، وهؤالء يسميهم البعض عرافين

بهذا االسم يجهلون كل الجهل أن تلك الطائفة من األنبياء تفسر أقواال غامضة ورؤى مغلقة، وال يصلح قطعا أن يدعى أصحابها عرافين، بل أن يسموا

).اإللهية(أنبياء ما توحيه العرافة هذه األسباب إذن تكونت طبيعة الكبد على الغرار الذي وصفناه وفي فل

وعالوة على ما قدمنا، إن مثل هذا . المكان الذي عيناه، وذلك ألجل العرافةولكن إن حرم الحياة غدا . العضو له إشاراته األوفر جالء في حياة كل فرد

.إلى أمر واضحأعمى، وأحرز نبوءات على قدر من الظالم، ال تشير معه

a

b

c

-٣٠٠-

الطحـــال

وقد وقع مقره على اليسار ألجلها . وهذا تركيب الحشى المجاور للكبدليحفظها دوما المعة نقية، وقد وضع بقرب الكبد بمثابة إسفنجة أو ممسحة

د بعض ولذلك كلما تراكمت حول الكب. مهيأة ومعدة بصورة دائمة لمسح مرآةاألوساخ واألقذار، بسبب أمراض الجسد، تستوعبها جميعها نخاريب الطحال

ومن ثمة، عندما . وتنظف الكبد، ألن الطحال قد حيك أجوف خاليا من الدمثم عندما يطهر . يتملى من تلك األقذار، يتضخم وينمو بفعل تلك المواد الملوثة

. الطبيعيالجسم، يعود الطحال ويطمئن ويستقر في وضعه

)سبق محتمل ما: الختام(

فلنتساءل اآلن إذن بشأن قضايا الروح، ما أحرزت من قسم مائت ومن قسم إلهي، وأين وضع كل قسم منهما، ومع أي أعضاء وألية علة انزل كل

فبشأن هذه القضايا كلها، هل قلنا الصحيح؟ قد نجرؤ على . واحد على حدةفي تلك الحالة فقط نستطيع . ووافق على أقوالناتأكيد ذلك بحزم إن أيدنا اهللا

ومع ذلك هل قلنا شيئا محتمال ومعقوال في القضايا المذكورة؟ ال بد . التأكيدال بل فلنقل إننا . أن نجازف ونقر بذلك اآلن، وحتى بعد بحث وتمحيص أدق

.قدمنا شيئا معقوال

d

e

-٣٠١-

نتابعه بناء على أما الموضوع الذي يلي أبحاثنا السابقة، فعلينا أنلقد . كيف نشأ باقي الجسم: وهذا هو الموضوع. المبادئ عينها التي اتبعناها

.كان يليق به أكثر من الجميع بكثير، إن يتركب بناء على االعتبار التالي

-٣٠٢-

الفصل الثالث واألربعون

اجلـــوف واألمعـــاء

في المأكل لقد عرف مركبو جنسنا ما سنطبع عليه من إفراط وبطر والمشرب، وأننا سنعمد إلى هذا وذاك، بسبب الشره والنهم أكثر بكثير مما

فلكي ال يتفشى الهالك إذن ويفتك بنا فتكا . يفرض االضطرار واالعتدالذريعا، ولكي ال يفنى الجنس المائت سريعا قبل أن يكتمل، سبق اآللهة ورأوا

في أسفل البطن، وجعلوه كل هذه المحاذير، ووضعوا ما يسمونه الحشاولفوا فيه األمعاء، كي ال يضطر . )١(مستودعا لحفظ فائض المشرب والمأكل

الغذاء، بمروره في الحشا سريعا، الجسم بأن يلتمس غذاء آخر جديدا، وكي ال ولع جميعه بحببسبب شره بطنه، فيخلق هكذا جنسا ال ي والجشع يؤتيه النهم

.وال ينقاد ويخضع ألوفر ما فينا من الجواهر ألوهةالحكمة والفنون،

الرأس ومقاطعة القلب أو : إن علماء التشريح القدامى يميزون في الجذع ثالثة أقسام )١(

c ٧٨ وa ٧٣راجع التيمئس . قفص الصدر والجوف األسفل تحت الحجاب الحاجز . ٢٩ b ٤٩٧، ١٧، ٢٨ a ٤٩١: ٧: ١ثم أرسطو، تاريخ الحيوان . d ٨٥و

٧٣

a

-٣٠٣-

الفصل الرابع واألربعون

العظام واللحم والنخاع

أما طبيعة العظام واللحوم وما شاكلها من طبائع، فقد جرت األمور إذ . إن مبدأ هذه الطبائع طرا هو مولد النخاع. بشأنها جميعا على النحو التالي

وربط الحياة . د نيطت به، ألن الروح مقيدة ومرتبطة بالجسدإن ربط الحياة قألن . وتولد النخاع ذاته من عناصر أخرى. أصلت في النخاع جنس المائتين

أولى المثلثات، النتظامها ونعومتها، كانت قديرة غاية القدرة، بسبب دقتها كل جنس من هذه ففصل اهللا . تلك، أن توفر النار والماء والهواء والتراب

األجناس الواحد عن اآلخر، ومزجها بعضها ببعض في تعادل وتوازن، وبتفننه إلبداع زرع شامل لكل الجنس المائت، صنع النخاع من تلك األجناس

.األربعةوبحسب األشكال التي . وبعد ذلك، غرس فيه أجناس األرواح وقيدها به

زايا المرتبطة بأصناف األرواح، كانت هذه األجناس مزمعة أن تتخذها، والمبحسب هذه المزايا وتلك األشكال، قسم اهللا النخاع حاال إلى أشكال مماثلة،

.)١(وحباه مزايا موازية، في ذاك التوزيع الحاصل منذ البداية

ويبدو أنه يميل إلى . نص أن معضلة الوراثة لم تفت أفالطونيظهر هذا ال )١( -٤٤ . e ٧٦راجع . نظرية تكيف البذار تكيفا سابقا أصليا

b

c

-٣٠٤-

)الدماغ(

وذلك القسم من النخاع، المزمع أن يقبل فيه الزرع اإللهي، قبول إذ الوعاء . كرويا من كل صوب، سماه دماغااألخدود للبذار، بعد أن صاغه

.المعد لقبول هذا القسم، بعد اكتمال كل كائن حي بمفرده، سوف يكون الرأس

)النخاع الفقاري والنخاع العظمي(

أما القسم المزمع أن يتقبل الفرع الباقي المائت من الروح، فقد قسمه اهللا وكأن . ى كل تلك األشكال اسم نخاعإلى أشكال مستديرة مستطيلة، وأطلق عل

وحول النخاع برمته . الدماغ والنخاع مراس أناط بها ربط كل روح الحي .صنع عندئذ جسمنا، وقبل ذلك جعل للنخاع بجملته لوقايته غطاء كثيفا عظميا

)العظام عموما(

له غربل ترابا صافيا ناعما، ثم بل. والعظم قد ركبه على الوجه التالي .بالنخاع وجبله

وأعاده إلى النار، . وبعد ذلك وضعه في النار، ثم غطسه في الماءوما انفك ينقله هكذا من النار إلى الماء ومن الماء إلى النار . وثانية إلى الماء

.مرارا، حتى جعله ال يذوب في كليهما

)الهامة والفقرات(

جعلها حول الدماغ واستعمل هذا العظم، وصنع منه كرة في قالب، ووحول نخاع الرقبة والظهر، صاغ من . من النخاع، وترك فيها مخرجا ضيقا

ذاك العظم فقرات، وكأن كال منها نجران باب، وذلك بدءا من الرأس وخالل كله، حصنه بسياج حجري، ) الكائن الحي(ولكي يحفظ هكذا زرع . الجذع كله

.وجعل في السياج مفاصل

d

e

٧٤

a

-٣٠٥-

)المفاصل(، على أنها قائمة في »اآلخر«لمفاصل بقدرة اتعان في صنع واس

.نحناءوسطها، ألجل الحركة واال

)األوصال واللحم(

ة، في وضعها القائم، أوفر جفافا وتفتتا يوإذ فكر اهللا أن الطبيعة العظموصالبة مما يلزم، ثم إنها بتعرضها لحماوة النار وبردها من بعد ذلك، قد

فبسبب . تهرؤ، فتفسد سريعا ما حوت في داخلها من زرعيصيبها النخر والالمحاذير افتن وأبدع هكذا جنس األعصاب أو األوصال وجنس اللحم، كي

لالنحناء والتمدد، يشد يربط األعضاء كلها باألول، ويجعل الجسم كله قابالأما اللحم، فقد جعله حماية من . األوصال وارتخائها حول كل نجران

، فيكون تاق، ورقابة من الشتاء وقره، وحرزا من الكبوات والسقطااإلحر .بمثابة ثوب من لباد، ينقاد لألجسام بلين ووداعة

)العرق(

مادة رطبة حارة، ترشح في الصيف وترطب الجسم هواللحم يحوي في داخلي من ثم تعود في غضون الشتاء وتقيه بما تحو. برمته، وتكفل له شيئا من البرودة

.)٢(نار وقاية كافية من هجمات الجليد المتراكم حوله في الخارج

)تركيب اللحم واألوصال(

لما فكر المبدع الذي جبل جسدنا، وكأنه صانع شمع، بهذه األمور أخذ ماء ونارا وترابا، وخلق انسجاما بين هذه العناصر، ومزجها بعضها ببعض،

.ا فيها، وركب لحما ماويا وطريئاوخلط بها خميرة من حامض وملح وضعه

أال أن أفالطون . يذكر أئيتيس رأيا ألمبذكليس يدعي فيه أن العرق ينجم عن فساد الدم ) ٢( .هو أول من أظهر في جالء دور العرق في تعديل حرارة الجسم

b

c

d

-٣٠٦-

أما طبيعة األوصال فقد صاغها من مزج عظم ولحم لم يداخله الخمير، زايا والقدرة بينهما، واستعمل لصبغها موصنع منها طبيعة واحدة متوسطة ال

ساوة من اللحم ومن ثمة نالت األوصال سجية أوفر تماسكا وق. اللون األشقرفاتخذ اهللا هاتين . نة أغزر مرونة ورطوبة من العظمشوأكثر لزاجة، وشن

المادتين، وشد النخاع إلى العظام وأوثق ربطها بعضها إلى بعض بواسطة .األعصاب، وبعد ذلك غشاها وظللها باللحوم من فوق إلى أسفل

ة على أوفر قسط من الروح إذن، غلفها بأزهد كمية يوالعظام المنطوي داخلها أكثر ما يكون من الروح، غلفها بأفر كمية والتي خلت ف. من اللحم

وحيث أظهر العقل أن الضرورة ال تفرض البتة وجود . من اللحم وأغلظهاكي ال يكون اللحم عائقا من جهة لمثاني . نمى اهللا هناك قليال منهأاللحم،

وال يكون . الجسم ومنعطفاته، فيجعله صعب التنقل، ألنه غدا عسر الحركةمن جهة أخرى متوافرا كثيفا، فيتكدس بعضه فوق بعض، وبسبب اللحم

حساس، ويجعل الذهن طائشا والفكر زهيد قساوته ومتانته يصد الجسم عن اإل والساق والورك والساعد والذارع، ذولذا فقد اكتظ باللحم عظم الفخ. الحفظ

ل والفهم وما فينا من عظام بال مفاصل، والعظام الداخلية الخالية من العق .)٣(هذه جميعها تكاثر اللحم حولها وأحدق بها. لضآلة الروح في النخاع

ما لم يركب اهللا بعض أقسام اللحم . أما العظام الفهيمة فقد شح لحمهالكن معظم . تركيبا متنوعا في حد ذاته بغية الشعور، نظير صنف لحم اللسان

، يلخص هذا المقطع وينسب ما يعـرض ١٩إن مينن، في الكتاب المغفل اللندني، ف ) ٣(

غير أن قسطا من األحداث المستشهد بها ههنا، الحظها ربمـا . من تعليم إلى أفالطون Periفي الجـسد «، أو ذموكرتس في كتابه )٩٦راجع المقطوعة (أمبذكليس من قبل

Sarkos . ٦٥٦: ١٠: ٢و، أعضاء الحيـوان ونجد توسعات مماثلة عند أرسط a ١٩ ،٦٥٤ b ٦٥٣، ٢٧ a ٧٤٤: ٦: ٢ ثم مولد الحيوان ٣٠ b وفي وظائف اللـسان، . ٢٣

.١٧ a ٤٢٣: ٢: ٢راجع كتاب النفس

e

٧٥

a

-٣٠٧-

لطبيعة التي تنشأ وتتغذى األصناف من اللحم، قد ركب على ذلك النحو، ألن ال على أي وجه أو حال عظما كثيفا ولحما وافرا، ومع ببفعل الضرورة ال تق .هذين، شعورا مرهقا

)طول العمر ونسبة اللحم على عظام الجمجمة(

ولو شاءت هذه األمور أن تتفق وتتالقى في آن واحد معا، ألحرزها جنس البشر، بامتالكه فوق جذعه قبل أي تركيب آخر تركيب الرأس، ولنال

هامة قوية مكتظة باللحم والعصب، حياة أطول من حياته الحاضرة مرتين أو أما اآلن، فإذ راح مبدعونا . عدة مرات، وأوفر عافية وأقل أوجاعا وأتراحا

يتساءلون بشأن حدوثنا ووجودنا، هل يصنعون جنسا أطول عمرا وأحط خلقا صر عمرا وأوفر فهما وفضال، بدا لهم أن يختاروا لنا، وفضال، أو جنسا أق

طالق، عمرا أوجز وأحسن، على عمر ويفضلوا لكل إنسان على وجه اإل .)٤(أطول وأسوأ

ومن ثمة غطوا الهامة بعظم دقيق، ولم يغلفوها باللحوم واألوصال، إذ كل ضيف إلى جسمأولهذه االعتبارات كلها، . ليس لها انحناء وال انعطاف

إنسان رأس أرهف شعورا وأكثر فطنة وفهما، ولكن أضعف بكثير من باقي .األعضاء

)األوصال وأوضاعها(

أما األوصال فقد وضعها اهللا هكذا لما قدمنا من علل، في أسفل الرأس، وأدارها حول العنق، ولصقها موزعا إياها بالتساوي، وربط بها أطراف

ويحتمل أن يكون ذموكرتس قـد سـبق . هذا الموضوع قد عولج مرارا بعد أرسطو ) ٤(

تس يـستعرض فيهـا ، يحوي مجـاراة لـذموكر w ٨١: ٤٤: ٤واستفيئس . وعالجه ).Vars. 3, 2. 138(األسباب التي من شأنها أن تطيل الحياة أو تقصرها

b

c

d

-٣٠٨-

األوصال األخرى فقد وزعها على سائر أما. فكاك عند أسفل الوجهاأل .األعضاء، ووصل بها بين مفصل ومفصل

)الفم واألسنان(

هذا، وان الذين أبدعوا ونمقوا جبلتنا، قد زينوا الفم ونظموا اقتداره بواسطة األسنان واللسان والشفاه، ألجل ضروريات الحياة وأسمى الخيرات،

ويات روا في صنع مدخله ألجل الضوقد تفنن. ورتبوه على ترتيبه الحاليإذ الضروري أوال هو كل ما . اتيالمعاشية، وصنع مخرجه ألجل أفضل الغا

أما غدير األقوال المنساب إلى الخارج ليخدم الفهم . يلج الجسم ليؤتيه الغذاء .هذا من ناحية. والفكر، فهو ثانيا أبهى الغدران وأنجعها

)التحامها، الشعرجلد الهامة، تضاعيف عظامها و(

ترك الرأس جمجمة ن يأم يكن في الوسع من ناحية أخرى، لبيد أنه . تداد القيظ أو القر فيها بسبب تقلب الطقس في الفصول، واشة مجردة،يمعظ

وال أن يظلل باللحم واألوصال فيزدرى، ألنه غدا، بسبب كظته باللحوم، غبيا اللحمية ال تنشف، فقد نشأت فيها قشرة وبما أن الطبيعة . بال إدراك وال شعور

وهذه الجلدة، بسبب . غليظة وانفصلت عنها، وهي ما يقال له اآلن الجلدةالرطوبة المحدقة بالدماغ، تسرب بعضها إلى بعض، فتفرغت ثم تالحمت

العظام، دورشحت الرطوبة خالل تجاعي. واستدارت حول الرأس وغطتها على الهامة، رادة إباها على الرأس كأنها وسقت الجلدة وندتها وأغلقته

.عمامةأما جنس تجاعيد العظام وتضاعيفها المتنوع جدا، فقد حدث ونجم عن

فإن احتدم القتال واشتد العراك بين . قدرة دورات الروح وعن قدرة الغذاء .هاتين القدرتين، تكاثرت التجاعيد، وإن فتر االشتباك قلت التضاعيف

e

٧٦

a

b

-٣٠٩-

وإذ ثقبت . بت األلوهة هذه الجلدة كلها على دوائرها بالناروقد ثقواندفعت منها الرطوبة إلى الخارج، ما صفا من المادة الندية والمادة الحارة

وحمله االندفاع إلى . متزج منهما فكان هو الجلداذهب أدراج الريح، أما ما إال أن . ة متساوية حافظ على رقهوبسبب ثقوب. فامتد بعيدا وانتشر. الخارج

، كان يصده ويعيده إلى الداخل )الحركة الدافعة(الهواء الخارجي المحدق به، .تحت الجلد، حيث يحشر ويتأصل

وإذ هو من نوع . وبناء على هذه االنفعاالت، نشأ جنس الشعر في الجلدذ السيور فهو مجانس للجلد، لكنه أقسى وأكثف منه، ألنه يتراص عندما يبرد إ

وعلى هذا النحو . )٥(كل شعرة عندما تفارق الجلد تبرد وتتراص عناصرهاأبدع صانعنا هامتنا كثيفة الشعر، معتمدا على األسباب المذكورة سابقا، ومفكرا أنه يجب أن يحل الشعر محل اللحم حول الدماغ ألمانه، فيكون له

يا وحمى وافيا، دون أن يف والشتاء ظال كافصغطاء خفيفا، ويوفر له آناء ال .يشكل أي مانع أو عائق يحول دون الشعور المرهف

)األظافر(

ومن تشابك العصب والجلد والعظم حول األصابع، نشأ مزيج مشترك من هذه المواد الثالث، وجف فصار جلدا واحدا قاسيا، أبدعته هذه العلل

ات الواقعة يعه ألجل الغا العلة العظمى والقصوى، صن،ولكن الفهم. ةالمتضافرإذ عرف اآللهة الذين ركبوا أجسادنا، أن النساء . عقب ذلك في المستقبل

راجع ثئوفرستس، كتـاب الحـس، . إن مسألة تكون الشعر كان أمبذكليس قد عالجها ) ٥(

٢٣ ،)Van. 3, 1, 220. 28 .( ولعل أمبذكليس سبق وأشار إلى تماثل الشعر واألظـافروأرسطو في كتابه مولـد الحيـوان، ). d ٩١، e ٧٦، c ٦٤التيمئس (وريش الطيور

وال ندري هل تعليم أفالطون بهذا الشأن هـو . يخالف أفالطون في شرح أصل الشعر .نظرية أبدعها وانفرد بها، أو استعار عناصرها من الغير

c

d

e

-٣١٠-

كما أنهم علموا أن جماعة . والبهائم األخرى سوف تنحدر يوما من الرجالولذا . كبيرة من الدواب ستحتاج إلى استعمال أظافرها في كثير من األغراض

.ل األظالف والمخالبطبعوا فورا في تكوين البشر أصولهذا السبب وهذه الغايات، أنموا الجلد والشعر واألظافر على أطراف

.األعضاء

-٣١١-

الفصل اخلامس واألربعون

اتـــاتـل النبــأص

لما نشأت كل أجزاء الحيوان المائت وجميع أعضائه، واتفق له بحكم .الضرورة أن يعيش في النار والهواء

عرضا ألن يهلك بفعل هذين العنصرين العاملين على وبسبب ذلك كان مفزرعوا طبيعة تجانس الطبيعة . إذابته ومالشاته، دبر له اآللهة عونا وغوثا

اإلنسانية، ومزجوا عناصرها من صور تغاير صوره ومن مشاعر تختلف وهي اآلن األشجار والنباتات . )١(عن مشاعره بحيث أمست كائنا حيا آخر

أما . ألليفة، التي تتصرف معنا باللين واللياقة، بعد أن هذبتها الفالحةوالبذار افي الزمن الغابر، فقد انتشرت أصناف النباتات الحرجية الوحشية وحدها،

).الجنائنية وما إليها(ألنها أقدم من النبتات األليفة

)أرواح النباتات(

أصح الوجوه ألن كل ما يشترك في الحياة، قد يحق أن يقال عنه وعلى ويشترك هذا الكائن الحي الذي كالمنا فيه، بالصنف الثالث . إنه حيوان أو حي

أعطى انكسغورس d ٩١١: ١» المسائل الطبيعية«حسب ابلوترخس، في كتابه ) ١(

Zoonن النبات تحديدا واحدا، وهو الحيوان المغروس في تربة وذموكرتس وأفالطو

Enguionوعد هؤالء النباتات حيوانات أمسكت عن حركة التنقل .

٧٧ a

b

-٣١٢-

وهو لم يحظ قط . من الروح، القائم طبقا لما قيل بين الحجاب الحاجز والسرةال بالظن وال بالبرهان وال بالعقل وال باإلدراك، ولكن بشعور اللذة واأللم

ولم . تحمل كل شيء وينفعل بجميع االنفعاالتألنه ال ينفك ي. ترافقه الرغباتيفطر في حدوثه ومولده على أن يلتفت في ذاته إلى ذاته، وال أن يدور على نفسه، أو يدفع الحركة الخارجية، أو يستعمل حركته الخاصة، أو ينظر إلى

.ذاته ويفكر بشيء مما يتعلق بأمورهي، وقد غرس ثابتا ولذا فهو يحيا، وليس شيئا آخر سوى الكائن الح

.متأصال ألنه حرم من حركته الذاتية

c

-٣١٣-

الفصل السادس واألربعون

اــروق وتوزيعهـف العـوظائ

وبعد أن انبت جابلونا القديرون هذه األجناس جميعها، غذاء لنا نحن الضعفاء حفروا ترعا في جسمنا نفسه واقتطعوا فيه قنوات، كما تقتطع في

وقبل كل شيء مددوا قناتين خفيتين . سقى من معين فياضالبساتين، كي يوهاتان القناتان هما العرقان . وجروهما تحت البشرة حيث يلتحم الجلد باللحم

وقد جعلوهما على جانبي . ين ويساريمالظهريان، ألن الجسم مزدوج، ذو الفقاري، واضعين بينهما النخاع التوالدي، كي يزدهر هذا النخاع دالعمووينساب مجراهما من هناك رائقا غزيرا ألنه يسيل . ترعرع إلى أقصى حدوي

.)١(في منحدر، فيسقي األعضاء األخرى سقيا متعادال سويا

إن أفالطون يخلط بين النوابض واألوردة، وشأنه في ذلك شأن ذموكرتس وأرسطو ) ١(كرتس قد ويبدو أن ذمو) Vors, 3. 2. 84, 1 l، ١٢٠راجع ذموكرتس، مقطوعة (نفسه،

العرق، ال توجد عنه أفالطون phlèpsوكلمة . العروق الصغيرةpheviaاستعمل كلمة والمجريان اللذان يشير ). d e ٨٥ a ٧٩، b ٢٨، d ٢٧، a-d ٦٦(إال في التيمئس

إليهما في هذا النص وهما األبهر والوتين األسفل واألعلى يفصلهما أيضا أرسطو ٢٥ b ٦٦٦: ٤؛ ٣أجزاء الحيوان (archighous flévas ويسميهما العرقين الرئيسيين

– ٦٦٧: ٥ b ٦٦٨ – ١٥ a وتشبيه العروق بجهاز لسقاية البساتين يوجد في ن). ١ . . ١٠ a ٦٦٨م،

d

-٣١٤-

وما كان . أس، وصالبوا بينهاروبعد ذلك، فصلوا بين العروق حول الجروه على يسار الجسم، وما كان من جهة اليسار، حنوه أمنها على اليمين،

ليمين وأجروه من هذه الجهة، لكي تربط العروق هي أيضا في آن واحد نحو ابين الرأس والجسم، وتكون مع الجلد رباطا لهما، ألن الرأس لم تحوط في

لكي يبلغ انفعال الحواس، الصادر عن أي من الشقتين، . جمجمتها بأوصال .واضحا جليا إلى الجسم برمته

ونحيط . ة على وجه هو تقريبا الوجه التاليورتبوا سقاية الجسم من ثم .به في سهولة، إذا سبقنا واتفقنا على هذا المبدأ الذي سأعرضه حاال

)صلة هذا الجريان بالتنفس. آلية الجريان الطبيعية في العروق(

وهذا المبدأ هو أن جميع األشياء المركبة من عناصر صغرى، تصد أما األشياء المركبة من . عناصرهااألشياء المركبة من عناصر أكبر من

عناصر كبرى، فال تستطيع أن تصد وتمنع عنها األشياء المركبة من عناصر والحال أن النار لها قسيمات أصغر من قسيمات جميع . أصغر من عناصرها

األجناس وبالتالي تمر وتتجول خالل الماء والتراب والهواء، وخالل كل ما . شيء يستطيع أن يصدها أو يمنعها عنهوال. تركب من هذه العناصر

بشأن جوفنا، وهو أن المآكل والمشارب هوهذا األمر عينه ال بد أن نفقهأما الهواء والنار فال يستطيع صدهما، . عندما تهوي إليه، يصدها عن اختراقه

فقد استعمل اهللا . ألن القسيمات فيهما أصغر من القسيمات التي تركب هو منها .العنصرين للسقاية أخذا من الجوف إلى العروقإذن هذين

ولهذه الشبكة عند . فحاك نسيجا من هواء ونار، يحاكي شباك الصيدوبدءا من . فوهتها كوعان مزدوجان، ثنى اهللا أحدهما، وجعله من جديد مشعبا

. الكوعين مد حول النسيج من فوق إلى أسفل رقائق وكأنها من خيزران

e

٧٨

a

b

-٣١٥-

من داخلها جعلها كلها من نار، أما األكواع وغالف وحواشي نسيج الشبكةوأخذ هذا النسيج وحوط به الكائن . أوعية الشبكة فقد جعلها من نوع الهواء

.الحي المجبول على نحو يماثل النحو التاليولما كان مضاعفا ذا شعبتين أنزل الواحدة . دلى أحد الكوعين إلى الفم

على جانب ) بوعائها(ة الرئوية وانزل األخرى إلى الرئة من القصب) بوعائها(ثم أخذ الكوع الثاني وشقه إلى اثنين، وأنزل . القصبة الرئوية، إلى الجوف

وهكذا عندما ال يمر تيار الكوع األول المشعب من . فرعيه من مسلكي األنف، وتمر )األول المعطل(الفم تزدحم التيارات، كلها، حتى تيار ذلك الكوع

).المنحدر من مسلكي األنف(الثاني بالكوع ، غرسه اهللا )الخارجي الذي من نوع الهواء(وغالف الشبكة اآلخر

. حول ما تجوف من جسدنا

)التنفس(

) النسيج النارية(ن إلى أوعية يوجعل اهللا كل هذا الغالف ينساب مرة في لنه إثم . مةألنه هواء، وجعل أكواع األوعية تصعد مرة أخرى منسابة في نعو

جعل النسيج لشفافة الجسم، ينغمس خالله إلى الداخل، ويعود ينقذف خالله إلى ي انسيابه من الداخل إلى فوجعل األشعة المقيدة داخل النار تتبع الهواء . الخارج

) المد والجزر(ينقطع هذا ال ونظم األمر حتى . الخارج، ومن الخارج إلى الداخلونحن نؤكد أن واضع . ن المائت في قيد الحياةمن الحدوث، ما لبث الحيوا

.، اسم استنشاق وتصعيد)من الحركة(األسماء على هذا الجنس

)التغذي(

وكل هذا الفعل واالنفعال جرى على جسمنا ليرتوي ويستبرد، فيتغذى ، تتبع النسمة في حركة )أوعية النسيج(ألن النار المقيدة في داخل . ويعيش

c

d

e

-٣١٦-

نار في ارتقائها الدائم، تجوز خالل الخوف وتأخذ في ولوجها وخروجها، والاجتيازها المآكل والمشارب وتذيبها وتقسمها إلى قسيمات صغيرة، وتسوقها معها خالل المخارج التي تجتازها، وكأني بها قد استقتها من نبع لتصبها في األقنية، وتفيضها في العروق، وتدفع مجاري العروق لتتدفق خالل الجسم

.ق القنواتتدف

٧٩

a

-٣١٧-

الفصل السابع واألربعون

شرح التنفس وتعليله تعليال آليا

ولكن فلننظر مجددا إلى انفعال جهاز التنفس، لنرى كيف صار إلى ما

.إليكم إذن هذا البحث. هو عليه اآلن، وأية علل يستخدم لذلكن النسمة بما أنه ليس من فراغ يستطيع المندفع بحركته ولوجه، وبما أ

فينا تندفع إلى الخارج، ما ينتج عن ذلك واضح لكل مفكر، وهو أن المندفع والمطرود هو . بحركته ال ينفذ إلى فراغ، بل يطرد المجاور له من مقره

وطبقا لهذه الضرورة الحتمية، كل ما تطرده النسمة . أيضا يدفع المجاور لهوعندما يدخل إلى هناك . ت منهفي خروجها، يندفع إلى المقر الذي خرج

وهذا األمر يحدث كله ). في انطالقها إلى الخارج(ويملؤه يعود ويتبع النسمة .معا وكأنه دوالب انساق في دورانه، بسبب انعدام الفراغ

ولذا عندما ينساب الصدر والرئة إلى الخارج، يعود ويتخزن بسبب ى الداخل، خالل مسام اللحوم، الهواء المحدق بالجسم، إذ يغوص هذا الهواء إل

ومن جديد يعاد هذا الهواء على أعقابه، فيخرج . وقد طرده النسيم الخارجخالل الجسم، ويدفع النسمة المستنشقة إلى الداخل عن طريق الفم ومسالك

.المنخرين

b

c

-٣١٨-

)أسباب التنفس العامة(

كل . ب التاليوهذه التفاعالت ال بد أن نضع علة لبدايتها وانطالقها السبوكأنها معين . كائن حي ينطوي على أحشاء، تحدق بالدم والعروق، حارة جدا

وهذا المعين هو الذي مثلناه وشبهناه بنسيج شبكة، وقد . نار تأججت في داخلهأما أقسام النسيج الخارجية . حيك كله من نار، ومدد في وسط الكائن الحي

.هواءفقد حيكت من ) والبعيدة عن الخوف(. والحال أن الحار ينطلق بطبيعته إلى بقعته في الخارج وإلى ما يجانسه

وإذ كان له مخرجان اثنان، منفذ إلى . وهذا المبدأ ال بد من االعتراف بهالخارج خالل الجسم، ثم منفذ آخر خالل الفم والمنخرين، فعندما ينقض على

والفئة . األخرى من حواليها، يضغط الفئة )من أقسام النسيج الهوائية(فئة وبتغير . أما الهواء الخارج فيبرد. وتسخن) الداخلية(المضغوطة تقع في النار

إلى حرارة أعظم، يميل الهواء األوفر ) الهوائية(الحرارة، وتحول األقسام حرارة من جديد إلى المخرج والمنفذ اآلخر، ويندفع اندفاعا أقوى إلى ما

) األقسام النسيجية الخارجية(تية، ويضغط الهواء في يجانس طبيعته الذاوهذا الهواء في انفعاله الدائم بعين االنفعاالت، وإحداثه انفعاالت . األخرى

دائمة مماثلة يردها لقاء تلك ومخضه بصورة دورية، وتفاعله من هنا وهنا .بعاملي الحرارة والبرودة، يمكن االستنشاق والتصعيد من الحدوث

d

e

-٣١٩-

لفصل الثامن واألربعونا

نتائج أخرى مماثلة

، وعلل )كاسات الهواء ()١(وعلل االنفعاالت الناشئة عن المحاجم الطبية، )٢(البلع، وعلل القذائف ما انطلق منها في الجو، وما انقض منها على األرض

وح التي أشرنا إليها في الشر(كل هذه العلل ال بد أن نتعقبها من هذه الناحية وكذلك األصوات، ما بدا لنا منها سريعا أو بطيئا عاليا أو منخفضا، ). السابقة

وما حمل منها إلى أسماعنا تارة ناشزا ال انسجام فيه، بسبب انعدام التشابه بينه وبين الحركة التي تثيرها تلك األصوات فينا، وتارة متناسقا منسجما

.ثارة فينابسبب التشابه بينه وبين الحركة الم

)أسباب االنسجام والنشوز في األصوات(

ألن ما هو أبطأ من تلك األصوات، يلحق ما كان منها سابقا وأسرع، . عندما تكاد حركة هذا األخير أن تتقطع وتبلغ إلى حركة تشبه حركة البطيء

كلمة سكيا تعني القرع، وهو ضرب من الكوسى، ثم استعملت من باب التوسع للداللة )١(

في التنفس، راجع مـن . ت عريق في القدم واستعمال هذه الكاسا . على كاسات الهواء -.٧و٦المقدمة الفصل السابع، البحث الثاني، الفقرة

راجع لـه كتـاب ( استعملها أرسطو هو أيضا للداللة على القذائف Riptouména لفظة )٢( ).٣٠ b ٢٦٦: ١٠: ٧الطبيعة

٨٠

a

b

-٣٢٠-

الموشكة على (واألصوات البطيئة في اندفاعها عقب األصوات السريعة وعندما . ، تحرك بحركتها الحركة الموشكة على التوقف)حركةاالنقطاع عن ال

، ال تشوش الحركة )لتباطؤ هذه األخيرة(تلحق األصوات البطيئة بالسريعة األخرى بانقضاضها عليها، ولكنها تخلق تشابها وتماثال بين الحركات البطيئة

. لسريعفي األساس، وبين الحركة األوفر سرعة التي كفت عن اندفاعها اومن الحركة ) أي الصوت الرفيع العالي(وتمزج هكذا من الحركة الحادة

.)٣()منسجما(شعورا واحدا ) أي الصوت الغليظ الثقيل(المنخفضة ومن ثمة توفر اللذة لفاقدي اللب أو الغائبين عن وعيهم، وتوفر

ي، الحاصلة االنشراح الروحي للنجباء اللبيبين، بسبب محاكاة االنسجام اإلله .في حركات مائتة

)ظاهرات أخرى مماثلة(

ومن هذا القبيل أيضا كل تيارات المياه، وكل تساقط الصواعق وانقضاضها وخوارق جاذبية العنبر أو الكهرباء والحجارة الهرقلية المعدنية

وإنما انعدام الفراغ وضغط . فليس ألي من هذه المواد جاذبية ما. المغنطيسية األشياء لبعضها اآلخر، وانطالق جميعها في تشتتها وتجمعها، كل عنصر هذه

منها إلى المقر المالئم طبيعته، بعد استبداله المقر الذي كان فيه، كل هذه الظاهرات العجيبة المستغربة، بسبب هذه التفاعالت المتشابكة بعضها ببعض،

.تتضح لمن يبحث عنها حسب طريقتنا

. ٦٧cلقد أشار إلى هذا الشرح في المقطع ) ٣(

c

-٣٢١-

ل التاسع واألربعونالفص

تغــذي اجلســــم

فأمر التنفس إذن، ومنه انطلق مقالنا هذا، قد حدث طبقا لهذه القواعد

.وبسب هذه العلل، على ما أشرنا إليه في توسعاتنا السابقةهذا وحين تقطع النار األغذية، وترتفع داخل الجسم على أعقاب نسيم

ها باألغذية المهشمة، إذ تستمدها من الجوف التنفس، تمأل العروق في ارتفاعوهكذا، بسبب هذه العمليات، تجري في كل . وتفيضها في األوردة والنوابض

.»روافد الغذاء«أرجاء الجسم، وعند جميع األحياء وهذه األغذية المقتطعة، إذ هي حديثة العهد، وصادرة عن أشياء

بعضها عن األعشاب والبقول، مجانسة لها، وقد صدر بعضها عن األثمار، والتي أنبتها اهللا لهذه الغاية بالذات، وهي أن تكون غذاء، تأخذ، بسبب تمازجها، ألوانا مختلفة األنواع جدا ويغلب عليها خصوصا اللون األحمر، وهي طبيعة

.تبدعها النار بتقطيعها الجواهر وانطباعها في المادة الرطبة

)الدم(

وهذا السائل. ل في الجسم المظهـر الذي وصفناه ولذا أخذ لون السـائ

d

e

-٣٢٢-

ومن ثم، يرتوي . )١(وهو غذاء اللحوم، وإجماال غذاء الجسد برمته. ندعوه دما .كل قسم في الجسم وكل عضو، ويمأل ما فرغ منه منذ األساس

أما طريقة االمتالء من الدم، وطريقة استنزافه أو االفتقار إليه، فتحدث كة كل شيء في العالم بأسره، تلك الحركة التي يندفع بها كل مثلما تحدث حر

مجانس إلى ما يجانس ذاته، ألن ما يحدق بنا من الخارج، ال يفتأ يذيبنا، .ويوزع ما أذاب منا على الصنف المماثل، باعثا بكل فئة إلى فئتها

)حركة الدم(

رة في كل كائن وكذلك األجزاء الدموية فينا، المشتتة في داخلنا، والدائأي العالم (» الكل«إنها مضطرة أن تحاكي حركة . حي كأنما في فلك لها

فكل من األجزاء الدموية إذن المقسمة في داخلنا، يندفع إلى ما ). بأسره .يجانسه ويمأل عندئذ من جديد ما فرغ في الجسم

)الشباب والشيخوخة(

منصبة في األعضاء، فعندما تزيد كمية الدم المستنزف على الكمية الوعندما تنقص كمية الدم المستنزف عن الكمية . يذوي الحي برمته ويذبل

فإن كان بنيان كل حي إذن حديثا، . العروق، ينمو الحي بجملتهالمنصبة في وكانت مثلثات عناصره جديدة بعد، كأنها واردة من مصادرها، أحرز ذلك

إن كانت كتلتة المتكاثفة جملة كذلك لثاته، والبنيان تماسكا وترابطا متينا بين مثأما المثلثات . ة، ألنها ناشئة حديثا عن النخاع، ومغذاة في الحليبصغضة رخ

الرأي ٥٣: ١راجع أئيتيس (ح تركيب الدم على طريقة مماثلة كان أنكسغورس قد شر )١(

راجع تاريخ الحيوان ألرسـطو (ثم إن اعتبار الدم غذاء للجسم لهو تقليد قديم ). ٢٧٩٥٢: ١٩: ٣ b ٦٥٠: ٣: ٢وله أيضا أجزاء الحيوان . ١٩a وفـي الفرضـيات ).٣٤

. ١ فق١٩المتعلقة بطبيعة الدم، راجع لمينن النظرات الطبية ف

٨١

a

b

c

-٣٢٣-

وقد تتألف منها –. الواردة من الخارج والمنطوي عليها ذاك البنيان في ذاته فهو يقطعها بمثلثاته الجديدة، ويقهرها ويضبطها ألنها –المآكل والمشارب

أقدم من مثلثاته وأهش منها وهكذا إذ يغذي هذا التركيب الحي بمثلثات كثيرة .متشابهة وحديثة، ينميه ويجعله يترعرع

هي، ألن كثيرا منها قد جاهد ت أصول المثلثات و)٢(ولكن عندما تختلجهادا طويال وقاوم عناصر شديدة، ال يستطيع البنيان عندئذ أن يقصم مثلثات

لوالجة، إلى مثلثات أخرى تشبه مثلثاته ال بل تنفصم مثلثاته ذاتها في الغذاء اوالحي عندما يقمع ويوهن في هذا . سهولة، بفعل المثلثات الواردة من الخارج

.وانفعاله هذا يسمى هرما. األمر يذوي ويذبل بجملته

)الموت الطبيعي(

نسجام بين النخاع أخيرا، عندما ال تستطيع المثلثات التي تخلق االوعنائها، لتعبها والمقاومة، وتنفصم عراهاوالعظم، وتربط بينهما، الصمود

. وإذ تطلق هذه من أغاللها، تجاري طبيعتها بلذة وتطير. تحل قيود الروحوالموت أيضا يراعي هذه . وما جاراها لذيذ. ألن كل ما خالف الطبيعة أليم

وإن . ألمراض والجروح كان عنيفا أليمافإن حدث بسبب ا. األصول نفسهاجاء مع الشيخوخة في نهاية العمر بصورة طبيعية، كان أقل اآلجال شدة

.ال بل صحبه شيء من المتعة، ال شيء من األلم والغم. وعناء

)٢( فستي٢٦٥راجع الس c ٦٦، والتيمئس c ٨٤ و b ٩٠ و b . مكن أن تكون لفظتا ريزاي

وقد استعمل يرمنيذس كلمة خالن وهي تشبه . وخالن قد استمدنا من المعجم البثغوري ).المعرب. (ألفاظنا العربية خال وخل واختل بلفظها ومعانيها

d

e

-٣٢٤-

الفصل اخلمسون

شرح عام لألمراض

وح أما مسألة األمراض من أين تنشأ، فقد غدت واضحة بعض الوض

. التي تكاثف منها الجسد أربعة) أي العناصر(ألن األجناس . لكل فكر نبيهوتزايد هذه العناصر ازديادا مفرطا أو . وهي التراب والنار والماء والهواء

تناقصها تناقصا يخالف الطبيعة، وانتقالها من موقعها الخاص إلى موقع اصر األخرى، واستيالء كل غريب، ثم إن تعدد األنواع في عنصر النار والعن

منها على ما يالئمه من تلك األنواع، هذه العلل جميعها وكل ما شاكلها ينشئ إذ إن كل عنصر أو ضرب من العناصر يخالف . اضطرابات وأمراضا

الطبيعة ويخرج عن موقعه الخاص، يجعل العناصر األخرى تسخن بعد فيفا يمسي ثقيال، والثقيل يضحي برودة، وتتندى بعد جفاف، وما كان منها خ

. خفيفا، فتقبل العناصر كهذا كل التقلبات وعلى كل وجهفنؤكد إذن أن الحي يلبث صحيحا معافى في حالة واحدة فقط، وذلك عندما يضاف الشيء فيه إلى مثيله أو يطرح منه، طبقا لنظام واحد وعلى

ذا للشيء أن يثبت في ذاته، طريقة واحدة وفي نسبة واحدة، فيتيح الحي هكمماثال لذاته وما يحدث خلال لهذه العناصر أو القوانين في وروده أو صدوره،

. ويجري تغيرات من كل نوع وأمراضا وتهلكات ال حصر لها

٨٣

a

b

-٣٢٥-

)اعتبار آخر أدق بشأن األمراض(

وإذا تألفت تراكيب ثانوية طبيعية، كان ال بد من النظر إلى األمراض . انية، والتأمل فيها مجددا لمن يريد أن يفهمهانظرة ث

. فالنخاع والعظم واللحم واألوصال تتكاثف وتنشأ من هذه التراكيب الثانويةوأغلب األمراض ينشأ على . والدم أيضا يتولد منها عينها، ولكن على وجه مختلف

. اآلتيةغير أن أخطرها تشتد وطأته على الصورة. النحو الذي بين سابقا ل هذه الموادة(عندما يجري تحوعلى عكس ما انطبعت عليه، حينئذ ) الحي

تفسد وتتلف، ألن اللحوم واألوصال تتولد بحسب الطبيعة من الدم، فتصدر األوصال من المادة الخيطية في الدم، بسبب التجانس بينهما، واللحوم من المادة

وما يتعصر من . نفصل عن المادة الخيطيةالمتخثرة في الدم، حين تخثر وتاألوصال واللحوم، وهو دسم ولزج في آن واحد، يلصق اللحم بجوهر العظم،

وأما المادة النازفة خالل كثافة . )١(ويغذي العظم ذاته، المحدق بالنخاع وينميهالعظام، فهي أنقى جنس من المثلثات، وأدق جنس وأدسمه، ترشح من العظام

وإن جرت األمور على هذه األصول، كان معظمها . في النخاع فتسقيهوتنصب .وتدب األمراض حين تجري على عكس ذلك. سليما صحيحا

)أصل األخالط الخاطئة وما تسببه من األمراض(

فعندما يميع اللحم، ويزجي مائعه إلى العروق، حينئذ يختلط الدم والشرايين بضروب من الغزير المتنوع بالهواء، ويتشح في األوردة

على األوصال أو األطناب، وهي الربط سينذسمي عند أرسطو، تاريخ nevraتدل لفظة ) ١ (-٥٠

تدل تارة على العضالت عموما، وطورا is. inosوحسب القرائن يبدو أن كلمة . ٥: ٣الحيوان والعنصر اللزج في الدم هو ربما العنصر الناجم عن . على القسم الليفي أو الخيطي في الدم

.أو هو المادة اللزجة التي تسقي المفاصلالليف الدموي أي غالف العضل،

c

d

e

-٣٢٦-

أضف إليها الحموضة والملوحة بما لهما من فعاليات، : األلوان والمرارةألن كل هذه . )٢(ويحتوي صنوفا من الصفراء والخثارة والنخام أو القيح

ومن ثمة، فهي أوال تقضي على . المواد قد صارت إلى حالة تداع وفسادغذاء، فهي تندفع إلى كل أرجائه وإذ غدت ال توفر للجسم أي . الدم وتهلكه

خالل العروق، غير محافظة قط على نظام دوراتها الطبيعية متعادية فيما بينها، إذ ال يوفر بعضها لبعض متعة ما، تحارب ما بقي متماسكا من

فأعتق قسم من . الجسد وعلى حالة جيدة، قائما في مكانه، فتذيبه وتهلكهالتطبيخ أو االستواء، فهو يسود بفعل وإذا أمسى صعب . الجسم إذن يميع

وبسبب تهرئه من كل جانب يصبح . الحماوة المستولية عليه من عهد بعيدوإذ ذاك يتخذ . مرا، وينقض بقسوة على كل جزء من الجسم لم يفسد بعد

ذو اللون األسود الحموضة تارة بديلة عن المرارة، إذ تكون ) اللحم(قة أعظم، وطورا تعود المرارة وتغوص في الدم، عناصر المر قد دقت د

وإذا مازجه اللون األسود، يميل إلى . وتستمد منه لونا أكثر احمراراوعالوة على ذلك، قد يختلط اللون األشقر بالمرارة، عندما . االخضرار

.تذيب النار الناجمة عن االلتهاب، لحما جديدا حديث العهد

)الصفراء(

، أطلقه عليها )٣(ذه األخالط كلها باسم مشترك هو الصفراءوقد سميت هإما بعض األطباء، وإما حكيم قادر أن يشمل في نظرة أشياء كثيرة متباينة،

.وأن يرى فيها كلها جنسا واحدا يستحق هذه التسمية

وهي من األخالط الباردة، المضادة . تعني كلمة افليغما البلغم أو النخام أو القيح )٢(ونحن نعثر عند تالميذ هيبكرانس وعند . B ٥٦٤: ٨راجع الجمهورية . للصفراء

.أرسطو على التعليم عينهن منها صفراويا وما مال الى السواد إن لفظة خلي تدل على صنف الصفراء، ما كا) ٣(

)٨٢ c٨٣ و c (وأرسطو ال يستعمل الكلمة أبدا في صيغة الجمع .

٨٣

a

c

b

-٣٢٧-

)أخالط أخرى العرق والبلغم والنخام وما إليها(

ن الصفراء، كل ضرب منها له واألخالط األخرى التي تدعى ضروبا م، كانت )٤(أما الخثارة، فإن صدرت عن مصل الدم. حد خاص به حسب لونه

وإن صدرت عن الصفراء المائلة إلى السود الحامضة، كانت . حلوة المذاقومثل هذا . السيما عندما تمازجها بسبب الحرارة قوة الملوحةوخبيثة شرسة،

.الخليط يدعى البلغم الحامضالخلط الناجم عن ميعان لحم حديث طريء داخله الهواء، فهذا أما

فتنشأ فقاقيع عن . الجنس من األخالط تمازجه الريح وتلفه الرطوبة وتخترقهولكن مجموعها يؤلف جرما . هذا االنفعال، ال تشاهد واحدة فواحدة لضآلتها

. يض في العينوبسبب حدوث الرغوة والزبد، تأخذ هذه الفقاقيع لونا أب. منظوراوميوعة اللحم الغض هذه كلها، عندما يمازجها الهواء في لحمتها وسداها، نسميها

ومصل النخام المتركب حديثا هو العرق والدمع، وما ماثلها . )٥(النخامة البيضاء . )٦(من الرطوبات األخرى جملة، الفائضة يوميا من األجسام لتطهرها

:األخالط مسببة األمراض

األخالط هي وسائل لألمراض، عندما ال يغذى الدم، كما هذهل أنوالحاتريد الطبيعة ذلك، باألطعمة والمشروبات، ولكن عندما تزداد كميته حسب

لفظة إخور تعني القسم األبيض المائع من الدم، وتعني، من باب التوسع، الجزء )٤(

السائل من كل خلط أو الخثارة، وعند أرسطو هي قسم من الدم له شكل الماء، راجع .١٧ a ٦٥١: ٤: ٢ان تأريخ الحيو

إن عبارة لفكون افليفما، النخامة البيضاء تعني رغوة مادة بلغمية مازجها الهواء وكون فيها )٥( .والعبارة مأنوسة لدى األطباء المنتمين إلى المدرسة الهبكراتية. حبابا وفقاقيع

نفصل عنه تعني مصل النخام أو أي خلط آخر عندما تoppos أو باألحرى oposلفظة ) ٦( pylia والمادة الجينية oposكذلك يميزون في الحليب المصل . المادة اللزجة الدهنية

.٧٢ b ٥٢١: ٢: ٣) راجع ألرسطو تاريخ الحيوان(

d

-٣٢٨-

ولكن عندما تضرب األمراض اللحم . الطبيعةالقواعد التي تتعارض مع قواعدة إال برمته، دون المساس بقواعده األصلية، ال تغدو قوة األعراض المرضي

. ذلك أن كل شيء يمكنه حينئذ أن يصلح.نصف هائجة

): المرضان األوليان الخطيران(

، وعندما يكف الفاصل )٣(ولكن عندما يعتل الرابط بين كتلة اللحم والعظامبين األلياف واألوتار عن تغذية العظام وعن ربط العظام باللحم، إذا انكشط الدسم

لح بسبب التغذية السيئة، عندئذ تبدأ مادة هذا م بالواألملس والدهني وإذا امتألوهكذا ينفصل . التحول كلها بالتفسد تحت اللحم واألوتار، وتنفصل عن العظام

فيسقط اللحم في ،)٤(اللحم عن جذوره، فيترك األوتار عارية ومليئة بنقيع الملحلل جسدية وهذه هي ع. األمراض المذكورة آنفا عددمجرى الدم ويغدو يضاعف

فعندما يكون . ولكن العلل التي سبقتها هي أشد خطورة منها. شديدة الخطورةاللحم كثيفا، إذا لم يستطع المرء أن يتنفس تنفسا كافيا، فإنه يسخن أثناء تعفنه، وإذا تفتت وتفسخ وصب مادته في هذه العصارة، بدل أن يستقبل عصارة الدم

ندئذ تذهب هذه العصارة في اللحم، وعندما هذا المغذية وأن يصب مادته فيها، عاللحم ينصب في الدم، عندئذ يسبب جميع األمراض األكثر خطورة من األمراض

وفي المقام األخير، عندما تعتل مادة النخاع بالذات، من جراء . )١(المذكورة آنفاى بعض النقص أو الزيادة، فإنها تسبب أخطر األمراض التي تؤدي أساسا إل

. عندئذ تتالشى مادة الجسد كلها بالضرورة. الموت

.ظن أفالطون أن اللحم يلتصق بالعظام بواسطة مادة لزجة تشبه فضالت الدم المتخثرة) ٣(

. وما يليها١١٠ية المدرجة في ص حول آلية هذه األمراض المختلفة راجع الحاش) ٤(ال بد أنه يقصد بعض األمراض كتسوس العظام أو السرطان، ولم يذكر آنفا تنفس ) ١(

.العظام هذا

٨٤

b

-٣٢٩-

):الفئة الثالثة لألمراض(ثمة فئة ثالثة من األمراض، ويجب تصورها كما لو نجمت عن أسباب

. السبب األول هو الهواء، والثاني هو النخامة، والثالث هو الصفراء: ثالثة

):األمراض التي يسببها الهواء(دما تنسد مجاري الرئة التي توزع الهواء في الجسم، في المقام األول عن

، فال يعود نسيم التنفس يسري من هنا وينساب من هناك أكثر بفعل الرشوحاتمما يلزم، عندئذ يفسد ما ال يحظى من أجزاء الجسم باالنشراح والبرودة، ويضغط على بعض العروق ويخترقها ويلويها، ويذيب الجسم ويبلغ إلى

. وينحشر فيه)٤(لي على الغشاء الحاجزوسطه، ويستووبسبب من جراء هذه األخطاء كلها، طائفة عظمى من األمراض األليمة . يصحبها غالبا عرق غزير جدا، ويحدث مرارا أن يتحلل اللحم في الجسم ويتفكك

وحين يلج إليه الهواء، وال يستطيع أن يسري إلى الخارج، يولد له آالما هي ذات ويولد الهواء أعظم اآلالم، عندما يحدق باألوصال، وبما يجاورها . السابقةاآلالم

فيجذب هكذا إلى الوراء األوصال المتصلة بالعضالت . )٥(من عروق ويورمها .القابلة االمتداد، وبواسطتها يسحب أيضا العضالت بالذات

)مرض التتنس ومرض التتنس الخلفي(

ض، بسبب انفعال التشنج، اسما تيتني أي وقد أطلق على هذه األمراأمراض التشنج وابسثوتيني أي تشنج األعضاء والتواؤها إلى خلف، وعالج

لم يبد من سياق الكالم سابقا، أن الرئة تقوم بهذه الوظيفة العضوية، عندما وصف )٤(

لم يذكر ) وما يليa ٧٩(وفي الحديث عن نظرية التنفس . تركيبها) d ٧٠(أفالطون .وربما يشار هنا إلى االحتقان الرئوي على أنواعه، وإلى التهابات الرئة. الرئة أيضا

إن التتنس، والكلمة يونانية، أي تشنج األعصاب، مرض وصفته بتفصيل كتب )٥( .المدرسة الهبكراتية

e

٨٥

a

d

-٣٣٠-

هذه األمراض شاق، غير أن الصخونات أو الحميات، خصوصا عندما تنتاب .العليل في مثل هذه األحوال، تلين األعضاء وتقضي على الداء

)بلغم أو النخاماألمراض الناجمة عن ال( ٢أما النخامة البيضاء فهي صعبة وشاقة، بسبب الهواء المحتجز في

أو (ولكن إذا لقي الهواء منافس إلى الخارج غدت النخامة . الفقاقيع أو الحببأخف وطأة وأهون، إال أنها تلطخ الجسم بلطخات بيضاء، ) العلة الناشئة عنها

.وتولد أمراضا مجانسة لهذهخامة البيضاء إذا اختلطت بالصفراء الضاربة إلى السود، وامتزجت والن

بالدورات اإللهية جدا، القائمة في الرأس، شوشت نظامها، وان دهمت العليل وقت السبات، فهي الطف وأهون، وان انتابت المرضى وهم صاحون، صعب

بكل حق التخلص منها؛ وإذ كانت هذه العاهة ذات طبيعة مقدسة سرية، دعيت .)٦(المرض المقدس

والنخامة الحادة الحامضة والمالحة هي منبع جميع األمراض الرشحية وبما أن مواضع الجسم التي تسيل إليها، متنوعة جدا، فقد اتخذت أسماء

.متنوعة جدا

).الحبوب والبثور: األمراض الناجمة عن الصفراء( ٣ي الجسم التهابات، وذلك بفعل نها تحدث فإأما األمراض التي يقال

.احراقها والهابها، فهي تنشأ جميعها بسبب الصفراءفالصفراء إذن تأخذ لنفسها منفسا إلى الخارج، وتبعث في غليانها بثورا

.من كل نوع

اجع ر. (إن المرض المقدس أو مرض الصرع عرفه أقدم أطباء اليونان ووصفوه )٦(وأفالطون يلمح إلى هذا الداء في الشرائع ). Aer ٢٩١ وهبكراتس ٣٣: ٣هروذتس

٩١٦: ١١ a.

b

c

-٣٣١-

)االلتهابات الداخلية(ولكنها إذا حشرت في داخل الجسم، تحدث فيه أمراأ كثيرة التهابية

أعظم تلك األمراض، عندما تمتزج بدم نقي، وتحول جنس محرقة، ويحصلاأللياف عن تركيبه الخاص.

)وظيفة األلياف الدموية(

وهذه األلياف قد وزعت في الدم ليحتفظ بالدقة والميوعة من جهة، وبالكثافة من جهة أخرى في تعادل وتوازن، وال يسيل من مسام الجسم

يعسر عليه أن يدور في العروق، لتثاقل حركته لميوعته بسبب الحرارة، وال فألياف الدم بتركيب طبيعتها، تحافظ على تعادل هذه . إن كان مفرط الكثافة

وهذه األلياف، إن جمعها أحد حتى من دم ميت وفي حالة برودة، . المزايايسيل الدم الباقي بجملته، ولكن ان تركها المرء على حالها، فهي تجمد الدم

.بفعل البرودة المحدقة بهسريعا

)فعل الصفراء في االلتهابات(

وإذ كان لأللياف هذه الفعالية في الدم، وكانت الصفراء بطبيعتها دما عتيقا، يعود ويذوب من اللحوم لينصب في الدم، فهي أوال تتجمد إن وقعت في

وأطفئت الدم دافئة رطبة وبمقدار زهيد، بسبب فعالية األلياف، وإذا جمدت .بعنف، ولدت داخل الجسم برودة وارتجافا

ولكن إذا تدفقت الصفراء في الدم غزيرة، تقمع األلياف بحرارتها وإن غدت قادرة . وعندما تفورها تهزها بعنف وتسبب لها االضطراب. ودفئها

على قمع األلياف إلى النهاية، تجتاز إلى صنف النخاع، وتحل ربط الروح من . تحل ربط سفينة، وتدع الروح حرة طليقةهناك، كما

d

e

-٣٣٢-

وقاوم الجسم الذوبان، فهي تتغلب . أما إذا كانت الصفراء ذات كمية أقلوإما أن تغادر الجسم من جميع مسامه، وإما أن تحشر . عندئذ على أمرها

خالل العروق إلى أسفل الجوف أو إلى أعاله، فتنبذ من الجسم، كما ينبذ من دولة ثائرة، وتحدث عندئذ اإلسهال والزحار وجميع المنفيون المشردون .األمراض المماثلة

)الحمى(

وهكذا إن كان الجسم مريضا، خصوصا من تفاقم النار فيه، فهو يحدث وإن مرض بتفاقم الهواء فيه، أحدث . )٧(االحتراقات المتواصلة والحميات

أحدث الحميات الثالثية، وإن نتج مرضه عن تفاقم الماء،. الحميات اليوميةأما المرض الصادر عن التراب، فهو يحدث . ألن الماء أبطأ من الهواء والنار

الحميات الرباعية، وال يتخلص المرء منه إال بالجهد، ألن التراب يأتي في .الدرجة الرابعة وهو أبطأ هذه العناصر كلها

س السراميني، نراجع أرستفا( الدالة على الحميات، هي لفظة عتيقة pirétosإن لفظة )٧(

١٠٣٨ ١٠٥، ثم ألفالطون، فيذرس c تتس١٧٨، وثئي c.(

٨٦

a

-٣٣٣-

الفصل الثاني واخلمسون

أمراض النفس

وأما أمراض النفس فهي . مراض الجسد تحدث وفقا لما بينا أعالهإن أ .تجري على النحو التالي، طبقا الستعداد الجسد

ولالختالل . )١(والبد أن نسلم أن اعتالل الروح هو اختالل العقلومن ثمة، أية إصابة عاناها المرء . ضربان، أحدهما الجنون واآلخر الجهل

وكذلك الملذات واآلالم المفرطة، . ين، ال بد أن نسميها مرضامن هاتين العلتيجب أن نحسبها من أخطر أمراض النفس، ألن اإلنسان سواء استفزه الفرح، أم عانى عكس هذا الشعور بسبب األلم، يتعجل اختيار هذا الشيء في غير

ا مما حينه، أو رذل ذاك في غير أوانه، وال يستطيع أن يرى أو يسمع شيئال بل يثور ثائره ويهتاج جدا، ويغدو حينئذ عاجزا كل العجز عن . يقوم أموره

.التعقل، وبعيدا عن المنطق وعن إعمال الروية

أعظم مرض هو « أي c ٦٩١: ٣ في كتاب الشرائع يعثر على نفس التعبير )١( -٥٢، نجدها مرارا »ليس المرء شريرا بإرادته«هذا، وإن العبارة السقراطية . »اختالل العقل يتوسع في النظرية ٤٨٠وحوار غرغيس . d e ٣٤٥مثال في ابرتغورس . في الحوارات

: عابير يستعيرها من المعجم الطبيتلى ويعمد إ. القائلة، بأن الرذائل ليست سوى أمراضhypoulos ،ة والعافيةما ليس له سوى ظاهر الصح kai aniatosا في . وال يقبل الشفاءأم

.حوارنا هذا، فالنظرية مدعومة باعتبارات دقيقة مستمدة من علم الحياة

b

c

-٣٣٤-

ومن غزر مناه وتدفق حول النخاع، وشابه دوحة وافرة الثمار جدا نمت ل أمر وكثر جناها، وتجاوزت فيه االعتدال، حصل هو أيضا في كتوترعرع

وإذ . على أتراح متواترة، وجنى من رغباته وثمرات الرغبات ملذات وافرةيصاب بمس من الجنون في أطول فترة من عمره، بسبب الملذات العظمى .واألتراح القصوى، يحتجز روحه، في الجسد وبواسطة الجسد، عليلة معتوهة

)ليس األشرار سوى مرضى(

أما الحقيقة . ، وإنما شريرا عن رضى وتعمدومثل هذا ال يحسب عليالفهي أن انزالقه إلى الشهوات البدنية متأت، في قسطه األعظم، من استعداد

ويصير . عنصر واحد، ينضح في الجسد رطوبته، خالل مسام العظام وفجواتهفي وكذلك القول تقريبا عن كل ما يعد إفراطا . هذا االستعداد مرضا في النفس

. الملذات، وما ينسب إلى األشرار من عار على أنهم متعمدون شرهمإذ ال يكون أحد شريرا بطوعه، وإنما الشرير . فتعبيرهم هذا ليس بصائب

وهذان . يصير شريرا بسبب استعداد فاسد في جسمه، وتربية بال تهذيب .األمران بغيضان إلى كل إنسان، ويلزمانه على كره منه

)ل األهواء والميول المنحرفةأص(

هذا، وإن النفس تعاني شرا عظيما عن طريق الجسم، من قبل األتراح فإن كانت األخالط الناجمة عن النخام حامضة في المرء ومالحة، . واألوجاع

وتاهت في الجسم مع كل ما فيه من رطوبات أو سوائل مرة وصفراوية، ولم ج، وأدارت أبخرتها في الجسد مع دورة الروح تجد لها منفذا إلى الخار

وهذه . واختلطت وامتزجت بها، فهي تحدث أمراض النفس المتنوعةاألمراض تشتد وطأتها أو تضعف، ويزداد عددها أو ينقص، وتندفع تلك األخالط إلى مواقع الروح الثالثة، كل منها إلى الموقع الذي يدهمه، ويزخرف

d

e

٨٧

a

-٣٣٥-

االستياء وحدة الطبع ومن التخاذل واالنهيار، أو من فيه ضروبا متنوعة منوأيضا من النسيان يرافقه البطء في . الجرأة والتهور ومن الخوف والجبن

.الحفظ وبالدة الفهم والفكر

)نتائج التربية والحياة االجتماعية(

عندما ال يكون لمثل هؤالء الناس : أضف إلى ما تقدم االعتبارات التاليةن ترعرعوا على سجية فاسدة، كما ذكرنا، سوى سياسات شريرة؛ وال الذي

يقرع مسامعهم في دولهم إن كان في الندوات العامة أو في االجتماعات ة إال أقوال قبيحة؛ وفضال عن ذلك عندما ال يتعلمون منذ حداثتهم أيالخاص

–كل واحد منا و-تعليم يشفيهم من أدوائهم، فهؤالء جميعهم يغدون أشرارا، وإن وجب أن نشكو فيهما . بسبب علتين قاهرتين ليس لنا فيهما أي ضلع

أحدا، فأولى بنا أن نشكو األهلين من أن نشكو أوالدهم، وأولى أن والبد أن يسعى المرء . نجرم المهذبين من أن نجرم طالبهم وتالميذهم

يتجنب الشر ويختار الخير جهد المستطاع بالتهذيب والعلوم المالئمة أن .المعاكس له

.ولكن هذه االعتبارات هي موضوع دراسة آخر

b

c

-٣٣٦-

الفصل الثالث واخلمسون

.مبدأ الطب اجلسماني والنفساني التعادل بني الروح واجلسد

إن الموضوع الذي يتجاوب مع الموضوع السابق، هو أمر العناية

الكفيلة بحفظ هذه وتلك سليمة باألجساد واألرواح، والبحث عن الوسائلإذ . فاآلن يجدر بنا ويليق أن نقابل ذلك البحث بالبحث الحاضر. صحيحة

العدل يفرض علينا أن نتكلم عن األمور الصالحة وأن نفضلها في حديثنا على .الشريرة

وإذ فرض . والبهاء والجمال هو االعتدال. وعليه نقول إن كل خير بهي. الحي صالحا وجميال، فالبد أن نعتبره من ثمة معتدالأن يكون الكائن

أما أخطر المعادالت . والصغيرة من المعادالت نشعر بها ونفكر بها وندركها .وأعظم النسب، فنحن ال نقف منها موقف التفكير والمنطق

فبالنظر إلى حاالت العافية والمرض، وحاالت الفضيلة والرذيلة، ليس ل بالتوازن أعظم وأخطر من التعادل أو عدمه فيما بينها، من تعادل أو إخال

اللهم إذا استثنينا التعادل بين الروح بالذات والجسد بالذات والتوازن بينهما، وال نفقه أن الكائن الحي . وهذه المعادالت والنسب ال نبحث عنها وال نفكر بها

يمة على كل صعيد برمته ال يكون بهيا جميال، إذا حوت نفس قديرة وعظ

d

-٣٣٧-

صورة بشرية هزيلة ومنحطة، أو إذا بني هذان الجوهران على عكس ذلك، وأما . ألن الكائن الحي يكون متشوشا خاليا من أعظم النسب والمعادالت

الكائن الحي الحاصل عليها، في الحالة المعاكسة، فهو لمن يستطيع أن يشاهده . بتعشقناأبهى المشاهد على اإلطالق وأجدرها

)تشبيه اليضاح الفكر(

ومثال ذلك جسم طالت ساقاه بإفراط، أو احرز ضخامة أخرى في أحد وهو في . فهذا الجسم قبيح باإلضافة إلى اختالل التوازن فيه. أعضائه

وبسبب . مشاركته الروح أعباءها، يعاني متاعب جمة، واختالجات كثيرة على الحضيض، ويسبب لذاته أسواء تقلقله وتهاديه يتعثر مرارا ويهوي

.ال تحصىفالبد إذن أن ندرك أن المساوئ عينها تقع أيضا للمركب من جوهرين،

فحين تكون النفس فيه أقوى من الجسد، فهي . وهو ما ندعوه الكائن الحيوعندما . تتولى أمره بحدة، وتهزه بجملته هزا عنيفا من الداخل، وتوعبه علال

وتنصرف إلى القاء . اول باستمرار بعض الدراسات والمباحث فهي تذيبهتزوفي المجالس . الدروس، وإلى المعارك الكالمية والخطابية في الندوات العامة

الخاصة تلهبه بالخصومات والطموح وحب المنافسة وتضعضعه وتركضه طباء، باإلسهال وتجلب له الرشوحات وتخدع العدد األوفر ممن يدعون أ

وتحملهم على عزو هذه األعراض واألمراض إلى أسباب ال دخل لها في تلك .هذا من جهة. الحاالت

ومن جهة أخرى، قد يكون الجسد ضخما ويفوق الروح بكثير ويغرس وإذ نشأ في الناس بالطبع رغبتان اثنتان، رغبة . مع ذهن صغير وهزيل

ما هو أوفر ألوهة فينا، هي تجاري الجسد هي رغبة الغذاء، ورغبة تماشي

e

٨٨

a

b

-٣٣٨-

. رغبة الفهم واإلدراك، فإن حركات الجوهر األقوى تتغلب وتنمي ما يخصهاوتولد . أما العقل المنتمي إلى الروح، فتجعله طائشا ال يقبل لعلم وال ذاكرة له

.له هكذا أبهظ األدواء وأخطرها، أال وهو الجهل

)العالج هو العناية بالجسم والروح معا(

وذلك بأن ال يحرك المرء الروح . وهناك خالص وسالمة واحدة لالثنينكي يكون االثنان في حرز . يحرك الجسد دون الروح دون الجسد، وأن ال

فعلى العالم الرياضي، وعلى كل من . متكافئين متوازنين، وفي صحة جيدةطه من يتعاطى أية دراسة أو أي نشاط عقلي مجهد، أن يوفي الجسد قس

ثم على من ينصرف إلى الهواية . الحركة، وأن يمارس الرياضة البدنيةالرياضية الجسمانية، أن يوفي الروح قسطها من الحركات، وأن يعمد لذلك

اللهم، إن رغب المرء بحق . إلى الموسيقى، وكل ضرب من الفلسفة والحكمة .)١(أن يدعى ويعد بصواب جميال صالحا في آن واحد

)ضرورة التمارين الرياضية الموقعة(

فعلى المرء أن يعتني بالروح والجسد وبأقسامها، طبقا لهذه المبادئ .وصورة العالم بأسره» الكل«عينها مقتديا في ذلك بجوهر

كما أنه يجف . فالجسم يحترق ويبرد بفعل العناصر الوالجة إلى داخلهة به ويتحمل ما ينتج عن هذه ويتندى بفعل العناصر الخارجية المحدق

فعندما يسلم المرء . االنفعاالت بفعل الحركتين الداخلية منهما والخارجيةجسمه إلى حركات رياضية، بعد أن يكون ذاك الجسم وادعا مستسلما إلى

téاتي العطف المألوف في هذه العبارة اليونانية أن يرد الوصفان فيها معطوفين بأد )١(

kai .س . ولذا استغرب ريفو تركيبها في هذا النصتغوررالجمهورية ٣١٥راجع اب ٤٠١: ٣ e تتس١٨٥ وثئي e.

c

d

-٣٣٩-

ولكن إن اقتدى المرء بمن دعوناها . الهدوء، يغلب الجسم على أمره ويهلكولم يدع قط جسمه يستسلم إلى السكينة في حال من مربية العالم وحاضنته،

بل راح دوما يحركه ويثير فيه بعض االهتزازات، فهو يحميه بال . األحوالانقطاع على وجه طبيعي ويدفع عنه الحركات الثائرة عليه من الداخل ومن

م، وإذ يهز الجسم باعتدال ينظم عوامل االنفعاالت الجائلة حول الجس. الخارجوينظم أعضاء الجسد المنفعلة بها حسب تجانسها، ويرتب صالتها بعضها

وعلى هذا . ببعض، طبقا للبحث الذي بسطناه سابقا وتناولنا فيه طبيعة العالمالنحو، ال يضع عددا بإزاء عدد، وال يسمح للعوامل أن تولد في الجسم حروبا

ر العافية ويعمل على بل يجعل صديقا بجوار صديق، ويوف. وأمراضا .صيانتها

ومن الحركات الرياضية، أفضلها هي الحركة الجارية في الجسم وهي أوفر الحركات مجانسة للحركة العقلية الروحية، ولحركة . والمنبعثة عنه

وأحط . أما الحركة الصادرة عن آخر فهي دون تلك. الكل أو العالم بأسرهن الغير، وتحرك الجسم وهو مستلق الحركات جميعها هي التي تصدر ع

.ومستسلم إلى الراحة والسكينةومن ثمة، أفضل تطهير وتنشيط للجسم، هو التطهير والتنشيط الناتج عن التمارين الرياضية والتطهير والتنشيط اآلتي في الدرجة الثانية، هو الصادر

.ل غير متعبةعن استنشاق الهواء في الزوارق والمراكب، أو في أية أداة نق

)المعالجة الطبية بالذات(

والصنف الثالث من الحركة قد يفيد، إذا اضطر المرء إليه غاية . وإال فيجب أن ال يقبله على اإلطالق كل امرئ حصيف مدرك. االضطرار

بواسطة ) والتنشيط(وهذا الصنف هو الصنف الطبي الذي يعمد إلى التطهير

e

٨٩

a

b

-٣٤٠-

جب أن ال نهيج بالعقاقير، األمراض الطفيفة التي ال إذ ي. العقاقير الصيدلية .ألن قوام األمراض يشبه من بعض الوجوه طبيعة الكائنات الحية. خطورة لها

في هذه الكائنات الحية، في كل صنف أو ) العناصر والجواهر(ألن لقاء جنس من أجناسها برمته، يحدث وله أزمنة من العمر معينة منظمة، وطبقا

لهذا النظام يغرس كل كائن حي، وينشأ وله عمر تحدده له الحتمية أو القدر، ، ألن المثلثات في كل )٢(إال في الحاالت أو الطوارئ التي تفرضها الضرورةفهي إذن قادرة أن تفي . كائن حي تركب حاال ومنذ البداية، ولها قدرة معينة

، ال يستطيع أحد أن يتجاوزها أبدا وال أن بمهمتها إلى فترة زمنية محدودة .يعيش من بعدها

وهذا النحو عينه يتحقق في قوام األدواء واألمراض وفي طبيعتها التي فإن اخل أحد بهذه الطبيعة وأفسدها بالعقاقير، وخالف الفترة . تتألف منها

ود أن تتحول ، فهو ي)لنشوئها وتقلصها وزوالها(الزمنية المحددة لها حتما، ومن ثمة يجب على . األمراض الزهيدة القليلة إلى أمراض خطيرة وكثيرة

المرء بقدر ما تسمح له أوقات فراغه، أن يتدبر ويوجه مثل هذه األدواء جملة بالحماية ونظام المعيشة، ال أن يثيرها ويهيجها معالجا إياها باألدوية والعقاقير

. الصيدلية

٨٥٩: ١:٦(نجد نظرية مماثلة معروضة في المسائل المتحولة المنسوبة إلى أرسطو )٢(

b في فترة زمنية محدودة، بأن كل داء يتطور تطورا منتظما، إن االعتقاد القائل ). ١٢ .هو أحد مبادئ الطب في المدرسة الهبكراتية

c

d

-٣٤١-

الرابع واخلمسونالفصل

ضرورة ترويض األرواح الثالث معا

فليكن كالمنا على النحو السابق، بشأن الكائن السابق، بشأن الكائن الحي

، وبشأن قسمه الجسدي، كيف يستطيع المرء أن يهذبه )في جوهرين(المشترك ا ويوجهه التوجيه الصحيح، أو كيف يتوجه طبقا لطبيعة هذا القسم، حتى يحي

.حياة تناسب العقلأم القسم المفروض فيه أن يهذب ويقود ويوجه، فاألولى أن يعتني به أوال جهد المستطاع، ليغدو في غاية الجمال والفضل، ويؤهل هكذا لتهذيب

والتبسط في هذه المواضيع كاف وحده في حد . جوهر الجسد وقيادته وتوجيههولكن إن تتبعها المرء، حسب . قائما بذاتهذاته، ليكون عمال فكريا مستقال

المبادئ السابقة، كعمل إضافي هامشي، وبحث فيها على هذا الوجه وختم .هكذا المقال الحاضر، فال يكون قد حاد عن منهجه وقصده

لقد قلنا ورددنا مرارا، أن للروح ثالثة أنواع، وأن هذه األنواع قد حلت . ام، وأن كل نوع أو جنس منها قد لقي حركاتهوسكنت فينا في ثالثة أقس

وعليه البد من القول اآلن أيضا بأقصى اإليجاز، أن كل نوع من هذه األنواع يعيش في البطالة وال يزاول حركاته الذاتية ليخلد بعدها إلى السكينة يمسي

أما النوع المنصرف إلى رياضاته . بحكم الضرورة ضعيفا هزيال جدا

e

٩٠

a

-٣٤٢-

الخاصة، فيصير في غاية القوة، ولذا البد أن يحرص المرء على أن تنال هذه .األقسام من الروح، حركات متوازنة متعادلة فيما بينها

)الروح العاقلة ومنزلتها السامية(

وبشأن أسمى أنواع الروح فينا، يجب أن نفكر التفكير التالي، وهو أن اهللا وهو الذي نقول . الروح بمثابة رب ومالك إلهيقد أعطى كال منا هذا القسم من

عنه إنه يسكن القمة من جسدنا، وإنه يرفعنا عن األرض لقرابتنا بالسماء ونحن نؤكد بمنتهى الصواب والصحة أننا أغراس سماوية، ال . ومجانستنا لها

نبتات أرضية، ألن األلوهة قد قومت جسم كل إنسان، ووجهته إلى ذلك الصوب، . )١(ت الروح والدتها األولى، وعلقت هامتنا وجذورنا بذاك االتجاهحيث لقي

)كيف تشركنا تلك الروح بالخلود(

فمن ينهمك إذن في الشهوات والمطامع، ويتعب ويضنى بإفراط من أجلها، تتحول أفكاره جميعا حتما إلى أفكار مائتة، وتصير قدر ما يمكن، من

عن المائت ولو بشيء زهيد، ألنه أنمى كل الوجوه أفكار مائت، إذ ال يقصرأما الذي يغار على حب المعرفة، ويجتهد . )٢(في ذاته ما يماثل المائت

اعتبارات تداني هذه Bergson et Gaudryلقد أبدي برغسون وغودري ) ١( -٥٤

.االعتبارات في جوهرهايستنتج من هذا النص ليس فقط أقسام الروح ليست كلها خالدة، ولكن أن في الخلود ) ٢(

ففي ذلك المقام يبسط هذا . اسبنوزا، األخالق، الباب الخامسراجع . أيضا درجات ).انتهى. (الفيلسوف نفس الفكرة

ال بل يقول عكسه صراحة في . ولكن يبدو لي أن أفالطون ال يقول تماما هذا القولن إولكنها . فالروح العاقلة قد أبدعها اهللا إذن خالدة. a ٤٣ و b c d ٤٢و ٤١المقاطع

اء الجسد وميوله المنحرفة ومفاسد أطماعه، غدت وكأنها مائتة ألن أفكارها انهمكت في أهو ٩٠ وفي ما يلي – وهذا بالذات ما يقوله أفالطون في نصنا الحاضر –تمسي أفكار مائت

e ٩١ و dيعود الفيلسوف ويؤكد نظرية التقمص أو الوالدات المتعاقبة، حتى يرجع . الخ )عربمال. (عندئذ بالخلود والسعادة التامةاإلنسان إلى صفاء أصله ومبادئه

b

-٣٤٣-

لتحصيل أفكار صوابية صحيحة، ويروض من مواهبه خصوصا موهبة إدراك األمور الخالدة واإللهية، فهذا اإلنسان إن بلغ الحقيقة، البد أن ينال

. طبيعة البشرية أن تحظى به، وأن ال يفوته منه شيءالخلود بمقدار ما يمكن الهذا، ومن جهة ثانية، بما أنه يخدم األلوهة دوما ويتعبد لها، وبما أنه يحفظ الرب أو المالك الساكن فيه بهيا مزدانا، فمثل هذا اإلنسان يكون حتما في

.غبطة فائقةواحد، وهو أن يعطى أما العناية بأي شيء ومن قبل كل إنسان فقوامها

والحركات المجانسة للجوهر . كل جوهر قسطه المالئم من الحركة والغذاءفيجب على كل امرئ أن . ودوران أفالكه» الكل«اإللهي فينا، هي أفكار

يتتبعها، وأن يصلح دورات روحنا الفاسدة في رأسه، والمتعلقة بالمصير، أفالكه، ويجعل فهمه مماثال وذلك باطالعه على ائتالف العالم وعلى دوران

وإذا ماثل المفهوم، بلغ أخيرا إلى . للمفهوم، طبقا لطبيعته القويمة األساسيةالحياة المثلى والفضلى، التي عرضها اآللهة على البشر، لحاضر زمنهم

.ومستقبله

c

d

-٣٤٤-

الفصل اخلامس واخلمسون

التقمص وأصل احليوانات

أو العالم » الكل«رضه في البدء والتبسط فيه، عن واآلن يبدو لنا أن ما كلفنا عإذ البد أن نذكر بكلمات . برمته حتى مولد البشرية ونشأتها، قد أشرف على االنتهاء

وجيزات كيف نشأت الكائنات األخرى، وال ضرورة لإلطالة في الموضوع، إذ يبدو المواضيع التي للمرء هكذا أوفر اتزانا واعتداال، في هذه المقاالت الدائرة حول

:فليعرض إذن الموضوع الحاضر على النحو التالي. تناولناها بالبحث

)أصل جنس اإلناث( - ١

وقضوا ) في البدء(إن كل الرجال الجبناء الرعاديد ممن جبلوا وكونوا عمرهم في اإلثم، عادوا في الوالدة الثانية، وصاروا نساء حسب المنطق

الفترة من الزمن بالضبط ولهذه األسباب، خلق وفي تلك. المحتمل المعقولوركبوا فينا لذلك كائنا حيا ذا روح، وفي . اآللهة وهندسوا حب المجامعة

. النساء كائنا آخر مماثال، وضعوا كال منهما على الطريقة التالية

)الزرع البشري: حب الجماع وأصله(

مر المشروب، بعد لقد ثقب اآللهة مخرج الشراب فينا، الذي به يوهذه تستقبله فيضغطه . اجتيازه الرئة، منسابا تحت الكالوي إلى المثانة

e

٩١

a

-٣٤٥-

هذا المخرج إذن ثقبه . الهواء، فتدفعه هي بمؤازرة هذا الضغط إلى الخارجاآللهة، لينفذ إلى النخاع المتكاثف، المنحدر من الرأس إلى العمود الفقاري، بعد

. هو الذي دعوناه في مقاالتنا السابقة مني أو زرعاوهذا النخاع. مروره بالرقبةفهذا النخاع، ألنه ذو روح حية، وقابل لالستنشاق، يؤتي العضو الذي

ولذا نشأ . يستنشق منه، الرغبة الحيوية في الفيضان، ويخلف هكذا حب التوالدكرمة، الكائن الحي، الساهر في الرجال على طبيعة األعضاء التناسلية الم

متمردا منفردا بحكمه، نظير حيوان ال يفهم نواهي العقل وال ينقاد لها، بل .يسعى ويحاول بشهواته المهتاجة الجامحة أن يسيطر على الجميع

)الرغبة الملحة في الوالدة: الرحم وطبيعته(

وما يدعى عند النساء مهبال ورحما، هو من هذه النواحي على الوضع فعندما يبقى هذا الكائن بعد . يقيم كائن حي يطمح إلى إيالد البنينعينه، وفيه

أوان المراهقة زمنا طويال، عاقرا بال ثمار، يثور ساخطا بشدة ويحتدم غيظا وحين ال يسمح . فيجول في أرجاء الجسد كله، ويسد مجاري التنفس ومخارجه

ق، ويولد له أمراضا باستنشاق الهواء، يزج بالجسم في أقصى المحن والضي .)١(وأدواء أخرى في غاية التنوع

وتدوم الحال على هذا المنوال، إلى أن يتالقى حب الرجال وشوق ويزرعان في المهبل . النساء، فيتجامعان ويجنيان الثمر، وكأنه عن الشجر

ثم . كأنما في أخدود، كائنات حية ال ترى لصغر حجمها، غير متصورة بعدعضاءها بعضها من بعض، ويغذيانها داخل الرحم، إلى أن تنمو يميزان أ

. هذه النظرية، المتعلقة بأخطار عقر المرأة، هي شائعة مدرسية في الطب اليوناني) ١( -٥٥

وزعم أرسطو أن الرحم إذا بقيت فارغة تستطيع أن تصعد في الجسم وتخنق المرأة .١٦:١٧٩ -٨:٤٢٥س ، راجع غالين)٢١ a ٧١٩، ١:١١مولد الحيوانات (العاقر

b

c

d

-٣٤٦-

وعقب تلك المدة، يسوقانها إلى النور، وينجزان هكذا مولد كائنات . وتترعرع .)١(حية تامة

).أصل الحيوانات على اختالف أجناسها وأصنافها (- ٢

الطيور- ١

الطيور أما طائفة، على هذا النحو إذن نشأت النساء، وكل جنس اإلناثفقد تطورت قليال، وأنبتت لها ريشا وأجنحة بدل الشعر، وانحدرت هكذا من رجال ال طالحين وال صالحين، وإنما خفاف الرؤوس، ينصرفون إلى الكالم عن األحداث الجوية العلوية، ويعتقدون بعد ذلك لسذاجتهم، أن البراهين التي

.)٢(هي أرسخ البراهينتدعم هذه األمور بناء على معطيات البصر الدواب- ٢

أما صنف البهائم التي تدب على األرض، وصنف الوحوش الضارية، فقد انحدر كل منها عن أناس ال يتعاطون الفلسفة أبدا، وال يتأملون بطبيعة الفلك في شيء من األشياء، ألنهم انقطعوا عن استعمال الدورات اإللهية

.ا أقسام الروح المتسلطة وآلمرة في الصدرالسائرة في رؤوسهم، واتبعوفبسبب هذه المشاغل والشؤون إذن، حنوا رؤوسهم وجروها إلى األرض لقرابتهم معها ومجانستهم لها، وارتكزت أعضاؤهم األمامية على

واستطالت هاماتهم وتشكلت جدا، طبقا لنوع . الحضيض وغدت لهم قوائمولهذه العلة، برز . ، وحركاتها في كل منهمالضغط الذي لحق دورات الروح

صنف البهائم الدابة على قوائم أربع أو أكثر، وقد جعل لها اهللا من تحتها .قواعد، وكثرها لمن غزرت غباوته منها، ليجر إلى األرض جرا أوفر

يبدو من هذا النص أن معلومات أفالطون في علم الحياة، أو معلومات معاصريه العلماء ) ١(

. الذين أخذ عنهم، كانت متقدمة جدا وبصورة مستغربة على العلم الشائع في زمانه . إن كل هذا المقطع يتسم في وضوح بالتهكم والسخرية) ٢(

e

٩٢ a

-٣٤٧-

الزواحف والدود- ٣

أما أغبى أولئك الناس الذين انبطحوا على الحضيض، ومددوا عليه جسامهم تماما، فقد استحالوا إلى حيوانات ال أرجل لها وغدوا زحافات تتجرر أ

.على األرض

زونيات وضروب المحاراتل األسماك والح- ٤

.أما الصنف الرابع فقد صار مائيا، وصدر عن أوفر الناس بالهة وجهالنسمة واآللهة الذين حوروهم وركبوهم فيما بعد، لم يحسبوهم أهال وال لل

يلة، وعوضا عن نسمة رذهم لوثوا نفوسهم بكل تماد في النالصافية النقية، أل الهواء الرقيقة الناعمة النقية دفعوهم إلى قعر الماء الستنشاق روائح لثقه اآلسنة

ومن ثمة صدر شعب األسماك، وشعوب الرخويات، وكل الطوائف ي أسفل درجاته سكنى العالم في األخرى المائية، فنال أولئك كعقاب للجهل ف

وعلى هذه القواعد واألصول، تحولت الكائنات الحية جميعها . أحط دركاتهوتتبدل أحوالها . بعضها إلى بعض في ذلك العهد، وال تزال اآلن أيضا تتحول .بفقدان الفهم أو تحصيله والوقوع في الحماقة أو التخلص منها

ةـالخاتم

برمته قد انتهى، ألن هذا العالم إذ » الكل«نا عن واآلن نقول إن خطابقد استوعب هكذا الكائنات الحية، المائية منها والخالدة، وأخذ مأله بها، وغدا حيا منظورا يشمل الكائنات المنظورات، وإلها محسوسا هو صورة اإلله المعقول، صار أعظم وأفضل وأبهى وأكمل فلك، وهو هذا العالم األوحد

.مولود اهللا الوحيد

b

c

d

-٣٤٨-

-٣٤٩-

حوار اكرتيس

-٣٥٠-

الفصل األول صحة حوار اكرتيس وميزته العامة

صحة الحوار - ١

سة اكرتيصح فلم يناقشها، . يعترف بها عموما النقد الحاضرإنفهذا . Socher et Suckowوببراهين غريبة من نوعها سوى سوشر وسكوف

ظر األول قد ال يليق بالمثالية األفالطونية، ألنه برمته وصف الحوار في نإال أن سكوف، وهو أوفر . واقعي محسوس، ال بل انجراف وراء الحواس

حذرا يعتمد استنادا إلى ابروكلس على مكانة اكرانتر، وبدعي أن هذا األخير ولكن )١(ئس، كأنه يجهل اكرتيسفي كالمه عن األطلنتيس ال يستشهد إال بالتيم

هذا البرهان هزيل دونما ريب، ألن ابروكلس يذكر عبارة واحدة الكرانتر، في حين أن هذا الكاتب قد قال أشياء أخرى كثيرة، وتكلم ربما في موضع

.غير هذا عن اكرتيسيس، ألن هذا تتمة وعالوة على ذلك، يستحيل الفصل بين التيمئس واكرت

بحيث اضطر جميع . فانشاء اكرتيس له أكبر العالقات بإنشاء التيمئس. ذاك

١ (-١(G.F.W. Suckow: Die Wisseus – chaftliche und Kűnstlerische From der Platonischen Schriften. Berlin 1855.

-٣٥١-

النقاد الضلعين في دراسات اإلنشاء، أن ينظروا إلى الحوارين في آن واحد وليس األمر على هذا النحو فقط من جهة . )٢(وأن يسموهما بنفس السمة

والموضوع العام . يمئس أيضا في صراحة عن اكرتيساإلنشاء، بل يعلن التفي هذا الحوار ينطبق انطباقا تاما على الموضوع المشار إليه في التيمئس

)٢٧b .(ة االطل: وأوجه الشبه في التفاصيل تلفت النظرعلن عنها نفلقصين يطي، )e ١٠٨ اكرتيسe ٢٤ التيمئس(ن بعبارات تكاد تكون واحدة بفي الحواري

وينوه . التمييز بين الطبقات االجتماعية في أثينا، يعرض لنا على نحو واحد). ١١١ ك،٢٤ت(لنا اكرتيس، كما ينوه التيمئس، باعتدال الفصول في االتكي

وال تضعف فينا هذا االنطباع العام الفوارق الطفيفة التي يمكن المرء أن يعثر يمئس تبسط أثنا وحدها سيادتها على ففي الت. عليها هنا أو هناك في النصين

أما في اكرتيس كما في منيكسنس، فهي تتقاسم الملك وهيفستس وفي . أثيناالتيمئس تجاري نظم أثينا، وقوانيها االجتماعية، نظم وقوانين مصر، أما في

س، نظير ويذكر اكرتي. اكرتيس فال تثار مسألة تلك البنوة في الشرعالجمهورية، مشاغل النساء الحربية، وكان التيمئس قد اغفل ذكرها

فالحوار يجري . ولكن هذه فوارق ال نفع من التوقف عندها. )٣(الصريح والمتحاورون هم أنفسهم، . )٤(النهار الذي تجري فيه منادمة التيمئسعين

وا عن الكالم حديث متواصل في حلقة سماع أحجم: وأسلوب العرض واحد .)٥(لألصغاء

)٢ (C. Ritter: Untersuchungen uber Plato, Stuttgart, 1888. p. 58 – 59. et platon I,

München 1910.P. 255. .a 452: ٥الجمهورية )٣(

: راجعd . ١١٠ اكرتيس )٤(Th. Bach Meletemata Platonicadiss. Vratislaviae, 1858, p. 21 et suiv. Il Raeder, Platons Philosophoische Entwickelung. Leipzig, 1905, p. 374.

.bd ٠٨ ثئترن اكرتيس ) ٥(

-٣٥٢-

ميزة الحوار العامة- ٢بعد تقديم وجيز يجاري . إن مخطط الحوار أو تصميمه جلي أتم الجالء

تقديم التيمئس، يصف اكرتيس، يصف اكرتيس تباعا الشعبين الخائضين ثم يعدد ما أبدى . هم وبلديهميالحرب، شعب أثينا وشعب األطلنتيس، وعاصمت

ؤسس دولة األطلنتيس من احتياجات يضمن بها المحافظة في تلك اإلله مويفصل الحفالت الطقسية التي تجعل تلك . البالد، على سؤدد العدل

أن تلك االحتياطات لم تك وافية بالمطلوب إال . االحتياطات أكثر أبهة وحفاوةطلنتيس النهاية، وغدت لدى ملوك األاآلن، ألن البربرية والهمجية تغلبت في

.وعند هذا الحد، ينقطع نصنا فجأة. تشامخا استمطر عليهم العقاب اإللهيفليس لدينا إذن من اكرتيس سوى مقدمة، تطلعنا أهميتها على المدى

ال بل قد . ار، لو أنجز تدبيجهالذي كان من المحتمل أن يتخذ هذا الحوولكنه يتوقف . جدارعى أفالطون انتباهنا إلى أن خطاب اكرتيس سيطول تسا

، وهي قوام العنصر الرئيسي في ئبالضبط في حين أوشكت الرواية أن تبتدألن كل ما تقدم من وصف البالد والقوانين، لم يكن سوى . )١(ذاك الخطاب

ونحن نعرف من التيمئس أنه كان على حوار اكرتيس أن يشمل قصة . تمهيدويردد علينا اكرتيس . لكارثة التي عقبهاالحرب بين االثينيين واألطلنطيين، وا

أن ما يعالج أفالطون من موضوع، هو حرب نشبت في عهد سحيق، حمت فيها أثينا الحضارة الهلينية، كما كان من شأنها أن تفعل أيضا فيما بعد،

).١٠٩a(وتحمي تلك الحضارة من سيطرة الفرس به أفالطون ثم فقدناه؟ أو فهل كت. فينقصنا إذن القسم األساسي من الحوار

حال الموت دون أن ينجز الفيلسوف حوار اكرتيس؟ أو عدل عن مشروع ثالثيته الكبير ليصنف كتاب الشرائع؟ إن هذا الرأي األخير هو المقبول عموما

)١١٣) ١ b :»ومطلع كهذا كان عندئذ مطلع خطاب طويل«.

-٣٥٣-

والبرهان . فقد قيل إن خاتمة الحوار لم تؤلف قط. )٢(Hermannفن عهد هرمان لغنا وال مقطع واحد منها، وأنه لم يذكرها وال كاتب على هذا القول، أنه لم يب

فعلينا ربما أن نردد عن . واحد، وال اختار من تلك الخاتمة مقطعا واستشهد بهأفالطون نفسه، ما نقله لنا التيمئس عن صولن، وهو أن األحداث لم تترك له

). ٢١c(ن متسعا وافيا من الوقت، ليسجل ما اتمنه عليه الكهان المصريو

فالكريتس في قسمه . ولكن هذه الفرضية ال تخلو من بعض الصعوبةا متقنا في سالذي بلغ إلينا، يوحي أن هذه العمل الفكري تام، وأنه درس در

فليس إذا عمال تمهيديا، وال مسودة، ويصعب على المرء حتى أن . تفاصيلهبرمته، ولم ينجز منه سوى فهل تصور أفالطون العمل . يرى فيه عجالة أولى

مطلعه؟ وهل عدل من بعد عن موضوعه األول ألسباب نجهلها؟ ولكن كيف نعلم كل هذه األمور، ونحن ال نعرف ال تاريخ فكر الفيلسوف، وال أساليب

شغله وإنتاجه؟فيبدو . هذا، ومطالعة الباب الثالث من كتاب الشرائع تدعو إلى التفكير

إذ إن أفالطون بعد . النص شبه صدى لحوار أكرتيس يجد في هذاءأن المرأن يلخص قصة ملوك اليونان األوائل األسطورية، يروي بعبارات رائعة

فهو . أما ما يتعلق بماضي أثينا األبعد. كفاح االثينيين ضد المجتاحين الفرس، وهو سبق في حوار اكرتيس وحوار التيمئيردد بنفس العبارات تقريبا ما س

بلغ إلينا، ألن تأن كوارث متعاقبة منعت روايات مآثر أثينا القديمة من أن فالطون، بعد أأال يعني هذا أن . )٣(الطوفان لم يبق كل مرة إال جبليين أميين

)٢( Geschichte und System der Platonischen Philososrhie, I, 1839 P. 514. Cf, EMunk:

Dte naturliche Ordnung der Platonischen, Schriften Berlin, 1857. 340, Bach.

وعل كل حال، يبدو «: b 682:3ثم . »بعض الجبليين الرعاة«: b 677:3كتاب الشرائع )٣( .»أن نسيانا رهيبا قد أصابهم

-٣٥٤-

أن أقدم على عمل مخيب، وهو أن يروي لنا قصة األثينيين المثالية، عدل عن دي، وهو أن يظهرهم على ما كانوا في قصده األول وعاد إلى هدف عا

ولذا . ، مهمة تفوق عبقريتهض الفيلسوف على نفسه في التيمئسالواقع؟ فقد فرنراه يعدل عنها في الشرائع، ويترك دون رجعة حوار اكرتيس وهرمكراتس

.وبما أننا أحرار في اقتراح الفرضيات، فلتحجب هذه الفرضية جهلناتوالي بعضا من المسائل العويصة جدا، التي وسوف نتفحص على ال

يثيرها حوار اكرتيس فنعالج األنساب األسطورية، ثم وصف أثينا واألطلنتيس، ووصف طقوس الذبيحة والقسم، وأخيرا نتحدث عن مصادر

.اكرتيس

-٣٥٥-

الفصل الثانـي األنســاب األسطوريـة

ئك كلهم مواليد يختلف أصل األثينيين عن أصل األطلنطيين، فأول. أرضهم، نشؤوا من تربة موطنهم بالذات، في كنف أثنا وهيفستس دونما ريب

.)١(ولكنهم ال ينتمون إلى إله أحصي في عداد األجداد

وعلى عكس ذلك، فقد انحدر ملوك األطلنطيين من إله البحر بسذون، ألقاب فملوك األكلنتيس وحدهم أحرزوا . ومن مائتة بنت أحد مواليد األرض

وهي أن . بعض أمور شهيرة أقرتها األسطورة اليونانيةرفو عن يسهو هنا البير) ١(

ما عدا آلهة من الدرجة ،هم أبناؤها األرض هي الجدة الكبرى، وأن اآللهة طرافاآللهة األولون العظام . الثالثة أو الرابعة ولدهم الخواء وابنته دجنة الليل الحالكذا إف. هاتهم أوالد األرضجميعهم، أبناء أورنوس وأبناء اخرونوس، هم وآباؤهم وأم

ثينيون من األرض فقد صدروا عن مصدر كريم شريف وجيه، أصل كل خرج األأضف إلى ذلك أن . شرف وكرم وجاه، وأنبل وأعرق محتد، ألنهم أخوة اآللهة العظام

وأخيرا معروف أن إرخثفس أو . اآللهة والبشر أجمعين في اعتقادهم من أصل واحدثينيون، كسائر الشعوب فاأل. س واألرض الجدة الكبرىإرخثونيس هو ابن هيفست

راجع في هذا كله، كتاب . اليونانية، قد انتموا هم أيضا إلى إله من اآللهة الكبار، الباب ١٩٦٦األسطورة اليونانية، لألب فؤاد بربارة، طبعة وزارة الثقافة، دمشق

.١٧، ٤، ثم الباب الثاني ف١األول، ف

-٣٥٦-

واالعتقاد السائد هو أن . ثينيون برمتهم أبناء األرضشرف، بينما كان األصحيح أن شعوبا كثيرة كانت تفاخر . األثينيين قد ولدوا من تربة موطنهم نفسها

وفي . يظهر ولكن األثينيين كانوا يغالون بتلك المفاخرة، على ما. بأصل كهذا .)٢(ما، ونصوص كثيرة تنبئنا بهذا األمرزمن أفالطون، ساد ذاك االعتقاد عمو

:ثينيين أصل األ- ١

إال أن قصة منشأ األثينيين، على ما رواها حوارا كرتيس، ال تتفق، فيما مواليد «وال يعني قولنا أن أفالطون يدس . يبدو، وأوسع الروايات رواجا

طويلة ولكنه يختار بالضبط، في الئحة . جددا ومجهولين قبل عهده» أرضمن األبطال مواليد األرض، أناسا يمكن سيرتهم الخيالية أن تتعلق بأسطورة

.طلنتيس دون تشويش كبير للتقاليداألفملوك أثينا األربعة األوائل، المذكورون في الكرتيس، ككربس، وإرخثفس وإرخثونيس وإرسخثون، هم من أبطال أهل األرض، ومن أقدم من ذكروا في

وربما ذكرنا ككربس على ما أشار فالمفتس . األقدمينكتابات اليونان wilamowitzية، في . ، باسم احدى القبائل األتيكية األولويعرف صاحب األذس

إذ يحتمل أن يكون ذاك البيت . أثينا، بيت إرخثفس، حيث اعتادت أثنا أن تتردد .)٣(من ذلك الحين هيكال مشتركا لإللهة األولمبية ولإلله األرضي

وكذلك سفكليس، في . »مولودا من األرض«ويسمي هروذتس إرخثفس ويظن فالمفتس . )٤(»مواليد األرض«رواية إيئس، يقول عن اإلرخثيين إنهم

b ٢٦٩، السياسي d e ٤١٥: ٣، الجمهورية b ٢٣٧نيكسنس م c ٢٤٧السفستي )٢(

٢٧١ a c . ..G. Finsler, omer 1,2 Leipzig, 1913, p. 222: راجع. ٥٤٧: ٢، الياذة ٨١: ٧أذسية )٣(

.٥٥: ٨راجع هروذتس . »مواليد األرض« من االرخثيين ٢٠٢ش )٤(

-٣٥٧-

Wilamowitzإرخثونيس هو ربما مرادف فقط إلرخثفس وعلى كل . )٥( أنبيذس بمثابة ويمثله لنا إفر. »مواليد األرض«حال، يذكره بنذرس أيضا بين

إله من آلهة األرض، مرتبط بها بعد نصف ارتباط، يموج على سطحها ويبدو إرسخثون أحدث . )٦(بعجزه، وهو اليزال عجز زحاف من الزحافات

وشهادات . اآللهة األربعة، ولعله هاجر وهبط األتكي، بعد إقامة في ثسليا» قالب التربة«ن قصة ، تربط بي)٧(مختلفة، أقدمها دون ريب شهادة هلنكوس

وتروي إحدى أساطيرهم، وقد نقلتها لنا شهادات . وهيكل ذوتبن الثسالي القديمستية فقط، أن إرسخثون كان قد اقتلع، في ذوتين، إحدى األشجار المقدسة نهل

فتعقبه ثأر اإللهة ولحق به أخيرا، رغم ما تخيلت ابنته . المظللة هيكل ذميترميسترا من أالعيب وحيل، دأبت في استنباطها لتدفع عن أبيها الساحرة

ولكن إرسخثون بن كيكربس، وقد مات قبل والده، كان في زمن . )٨(األذى .)٩(أفالطون قد استوطن أثينا منذ عهد بعيد وتجنس بجنسيتها

وعرفت تقاليدهم ملوكا آخرين قدامى كثيرين، تعاقبوا على عرش ت من جملتهم اكرنؤوس وأمفكتين، واثنين آخرين حمال اسم وذكر. األتكي

أناسا » مواليد األرض«وقد اختار أفالطون من بين . بنذين، وإغيئس وثسفسع األساطير المتعلقة ببسذون تشابكت حكايتهم، في عهد سحيق وال شك، م

وهيكل . رفسخثفس قد قتل أبناء بسذون الثالثة إيفملبس وإمارذس وفوفارفورفس في أثينا، يمثل عراك إرخثفس وفورفس، مالك الكوريته وابن إله

. وكان إرخثفس نفسه فتك بامارذس وشدخه شدخا مميتا. البحار واألنهار

)٥( Aristoteles und Athen, 2, Berlin, 1893, p. 128. .٢٧٠این، ش )٦(

. a ٤١٦: ١٠أثنيئس )٧(لس، نشید الكرام ذمیتر، ش )٨( . وما یلي٣٠كلیم

.٦: ٢: ١بفسنيس )٩(

-٣٥٨-

وإمارذس هذا هو ابن ايفملبس، وأمير أهل الفسيس، الذين كانوا يحاربون بس نفسه، ابن بسذون واخرنيا، وتجندل وقد صرع ايفمل. )١٠(آنذاك األثينيين

.قتيال أمام إرخثفسوبعد ذلك قاربوا أيضا بين أسطورة إرسخثون وأسطورة بسذون، فيبدو إذن أن أفالطون قد اختار ملوكا أوائل ألثينا، األبطال الذين صارعوا

بتهم، وأولئك الملوك طرا أبطال نبتوا من تر. أبناء اإلله حامي األطلنتيسوهم يمثلون نظام اليابسة مقابل سيادة البحار، وقدرة . أبطال ولدتهم أرضهم

فاألثينيون، . التربة المغذية على االنجاب، تجاه نزوات اآللهة الفوضويةعلى عكس أعدائهم، مرتبطون باألرض التي تحملهم، ومتحدون بها بوثاق

.ال يحل عراه بلىن إفهو يقول . مستطاع باحترام التقاليدهذا، ويعنى أفالطون جده ال

وهذا كان االعتقاد . األبطال الذين يأتي على ذكرهم قد سبقوا عهد ثسفسورخامة بارس تذكر . السائد، وقد نقله عن السلف أصحاب األنساب اليونانية

أما الكارثة التي محقت األطلنتيس فقد . )١١(ارخثونيس وإرخثفس قبل ثسفسوزعم المؤرخون األقدمون أن ذاك الطوفان قد وقع . عد طوفان ذفكلينوقعت ب

.)١٢(على عهد أكرنؤوس أو كيكربس أو أمفكتين

:أصل األطلنطيين - ٢

أما في ما يتعلق بأنساب ملوك األطلنتيس، فقد كان ألفالطون حرية . هول قراءهومع ذلك، فقد اجتهد هنا أيضا أن ال يجازف مجازفات ت. أوفر

.٥: ٢٨: ١، ٢: ٥: ١بفسنيس، )١٠(

وشكل اسم إرخثفس، بدل إرخثفس يوجد وحده في رخام ٤رخامة بارس، العبارة )١١( .٥٥بارس، ويعثر عليه هو نفسه في مخطوط فيينا

)١٢( Jacoby, Das marmor Parium, Berlin, 1904,p. 136 et sv.

-٣٥٩-

فأمة ملوك األطلنتيس تنحدر من اقتران بسذون بامرأة مائتة، هي اكلتو بنت وأنجب هذان المولودان األوالن . افينر ولفكيبي، مولودي الجزيرة األولين

وهم أطالس . ولدوا توائم اثنين اثنين على خمس والدات. عشرة ذكورأمنيسئس وأفتوخثنس، إالسبس وايفلمس أو غاذرس، أمفيرس وافيمن،

ئيس وذيبربيسستر، وأخيرا ازوقد يعجب المرء من انحجاب النساء . وميوهذا اإلهمال الغريب ال يليه أي . انحجابا تاما عن تلك السالالت الملكية

أما أسماء الملوك بالذات، فقد استمد أفالطون بعضها من القصائد . تعليلفاإللياذة . ن أية صلة بين حامليها وشخصيات الياذة هومرسالهومرية دو

وتعرف أيضا ميستر نجل . تعرف افيمن وايفملس، ابني اذميتس والكستيسكرتس، يبرز في األذسية، حيث يقضي عليه وافينر بن ليو. )١(ابريمسول ملك ملس وهو أاسمه ايف» مولود أرض«ثم أن بفسنيس يذكر . )٢(تليمخس

ولكن ملكين على األقل، من ملوك األطلنتيس يحمالن . )٣(هتولى عرش باترفال نعثر في أي مصنف على اسم ازئيس، مع . اسما لم يعرف له مثيل عندهم

ولقب ذيبربيس ال يظهر إال في نصوص . )٤(أن كل مخطوطات اكرتيس تثبتهلمزيف مثال، الذي ينعت به متأخرة جدا عن نصوص حوارنا، عند هراكلتس ا

بريذه٥(الهس(. أما أطالس، أول ملك من ملوك األطلنتيس، فله وحده شخصية

أن اطالس اكرتيس ال يمت بأية صلة إلى المعالم إالسطورية واضحة أ

: ٢، ايفملس، ٢٧٥ ١١ - ٢٦٥: ٨- ١٦٧ -٧ -٧٩: ٥ -٧٣٦: ٢افيمن، الياذة ) ١( -٢ .٣٧٥: ٢٤، ميستر، ٢٣ -٨٦٣، ٧١١

.٢٩٤: ٢٢ - ٢٤٢: ٢األذسية، ) ٢()١٢: ١٨: ٧) ٣. .١: ٣٧: ٩ال يعرف بفسنيس سوى أزيفس بن اكليمنس، ) ٤(

.١١، ٨٠هراكلتس المزيف، طبعة فيستا، ص ) ٥(

-٣٦٠-

وكيف غادر اطالس، اإلله . لهسيذس» مولد اآللهة«أطالس األذسية أو ند قبة السماء، لينأى بال انقطاع س، حيث كانت ذراعاه تاليوناني بالد أركذيا

نحو الغرب باتجاه عمد هرقليس، ويغدو في آخر المطاف حارس تلك األعمدة التي تدعم قنطرة السماء، إنها قصة رواها لنا فالمفتس في شيء من الفن،

.)٦(يجعلها قريبة جدا إلى الواقعقيانسية اكلميني لم يعد في حوار غير أن ابن الطيطان يابتس من األ

وال شيء في . اكرتيس سوى الملك اطالس، أول عاهل على عرش األطلنتيسفهل اختار أفالطون تلك . )٧(الحوار يذكر بمهمته األولى كلما عينها هسيذس

بنفسه ويعتقد؟ وهل اكتفى بأن ءاألسماء عفويا وعرضا، كما قد يغرر المر األناشيد الهوميرية، كما ينقب روائي معاصر عن أسماء أبطاله يقلب صفحات

في دليل ما، رغبة من الفيلسوف بأن ينسق في حواره ساللة خيالية، وأن يجاري، ومن يدري، استنباطات سابقيه؟

اذ قارب . إن عدة اتفاقات غريبة تمنعنا عن افتراض من هذا النوع وبين - واسم ذيبربيس يردنا إليها-سبريذةهسيذس من ذي قبل بين حكاية اله

. وإيفملس، يقول لنا افالطون، يحمل أيضا اسم غاذرس. )٨(اسطورة اطالس. واسمه يطلق على المقاطعة كلها التي حل فيها، فتدعى المقاطعة الغذيريةة والحال أن ابلينس العتيق وسلينس سوف يكلمانا، بعد ذلك بكثير، عن مدين

واسمها يشير في اللغة الفينيقية إلى مكان . افريقية تدعى غذير أو غذيروفي أواخر القرن الثالث للمسيح أو مطلع الرابع يذكر . )٩(محصن بأسوار

.Wilamowitz, Euripides Heracles 2, p. 130 Homerische .٦٢: ١األذسية، )٦(

Untersuchungen p. 23, cf.G. Fiinsler. Homer. 1,2, p.3. .٧٣ ص ٢ والشهادات في طبعة ارزاخ، ٥١٩ -٥١٧مولد اآللهة لهسيذس، ش )٧( .٥١٧ذوس، ش مولد اآللهة الهس )٨(

.»يدعو الفينيقيون غاذرا األمكنة المحوطة بأسوار«: هسيخيس )٩(

-٣٦١-

فال نتسرع إذن . )١(أفيينس الشاعر الالتيني قلعة في شمال افريقيا اسمها غديرفبقدر ما . لنطيين اعتباطي صرفبافراط لنؤكد أن اختيار أسماء الملوك األط

نتعمق في درس مؤلفات أفالطون، بذاك القدر نستشف فيها، حتى في .التفاصيل نوايا ومقاصد خفية

)١( De ora maritime, vers 266, "Nam Punicorum lingua conscriptum locum Gaddir

vocabat". (Poetae latini minores, Wernsdorf p. 436). ) غدير(غة الفينيقيين تدعو ألن ل«: »الساحل«يقول هذا الشاعر الالتيني في قصيدته

.»مكانا محصنا

-٣٦٢-

الفصل الثالث وصف أثينا ووصف األطلنتيس

: أثينـا - ١

إن وصف األتكي القديمة المقتضب يشمل في آن واحد معلومات تتعلق .ة البالد، وملخصا عن النظام االجتماعي األولبمواقع األمكنة وطبيع

١ - فمن الوجهة األولى، أي من وجهة موقع األمكنة وطبيعة البالد إن أبرز حدث قبل الطوفان، هو وجود طبقة كثيفة من التربة الصالحة للزرع

فبدل . على سطح أرض األتكي، حيث ال نرى اليوم سوى صخور جرداءفها المنحدرة عموديا، وبدل جرود فلفس الحجرة، تراكمت الجبال الحالية وأردا

في القديم رواب تموج بسفوحها اللطيفة االنحدار، وآجامها الكثيفة ومراعيها وقد فاضت عيون متدفقة في كل مكان، من أرض نضبت مياهها . الخصبة

.اآلن وقحلتركة فالح. ويدلل أفالطون على ذلك بتفسير مستغرب ألحداث معاصرة

التي جرفت بها أمطار الطوفان إلى البحر الترب الزراعية، تالحظ بعد في ة تغوص في اليم بصورة شبه زالجزر الصغرى، إذ أن صخور سواحلها الناش

) الداعمة عوارض سقف الردهات(وكذلك الجسور الخشبية الثقيلة، . عموديةوفي الواقع ابتدأ . القدمفي الخرائب القديمة، تثبت هي أيضا وجود الغابات في

-٣٦٣-

تجريد البالد من غاباتها منذ أقدم العصور، وعرى في بطء قمم جبال إيتا ن وهلكون وباروقد الحظ أفالطون . س من حالها المخضلة الخضراءنوبلي

تلك األحداث، ونسبها إلى كارثة من كوارث الطبيعة، في حين أن يد اإلنسان .اآلجام والغابات، وأنضبت ينابيع المياههي التي دمرت دونما ريب

فقد . وعلى كل، فاألتكي القديمة كانت أرحب وأوسع مما بقيت عليهومقاطعة ميغرا كانت الحقة . امتدت نحو الجنوب إلى حدود برزح كورنثس

وجبل فلفس مع الصرود سسنرون وبارثوبلغت نحو الشمال خط ك. بها). de ١١١(تصلت بمدينة أوربس على قناة إيفيا المنحدرة إلى نهر آسبس، وا

. فقد كانت اذن تمتد إلى مقاطعتي فيتيا وميغرا القائمتين على عهد الفيلسوف .ومع ذلك كله، فهي دولة صغيرة، ولو بدا لنا من أفالطون أنه يشيد بعظمتها

روبلس فاألك. والمدينة وقلعتها أيضا كانتا أكبر مما هما عليه في أيامنافي العهود التاريخية لم يبق منها سوى الرابية التي انتصب فوقها هيكل

ثنونالبر . ،وسلس األولى فقد انحدرت جنوبا وشرقا إلى نهر اإللسوبأما األكرضبة هلى إومن أكمة ابنكس. كس وتلة لكفتوس نفسهاوقد شملت أكمة ابن

أما األكروبلس التاريخية . على خط مستقيملومتران ونصفيلكفتوس كوقد كان . فقياسها من الغرب إلى الشرق ال يبلغ إال ثالث مئة وخمسين مترا

واألخبات الفاصلة بين . )١(يحوط المدينة واألكروبلس في القدم سور واحد ينبوع بالذاتوتفجر على األكروبلس . الهضاب الحالية لم تكن قد اطمأنت بعد

. فياض، هو ربما معين اكليبسذرا الجاري إلى اآلن، في أسفل المنحدر الغربيولم يبق من ذلك الينبوع سوى مغايض شحيحة، انتظمت بشكل مستدير

واألثينيون في أيام القيظ يتهافتون على تلك . كعيون كليروئي ونبع البنكس .الجداول والغدران

.٩١٣أرستفانس، لستراتا، ش )١ (-١

-٣٦٤-

، وهي ربوة المدينة، انتصب هيكل أكرموا فيه في وسط األكروبلس. ويبدو أن العبادتين قد اتحدنا في الواقع منذ أعرق األزمان. هيفستس وأثنا

وقراء اكرتيس كانوا يتصورون حاال . )٢(وهذا ما يثبته لنا لقب أثنا الهفستيا حي الفخار قرب السوق الكبيرة، ، القائم في)٣(ثنا وهيفستسأالهفستين، معبد

.إلى الشمال الغربي من األكروبلس الحالية ونظام أثينا القديمة السياسي، مماثل كل المماثلة في الكرتيس، - ٢

وأساس ذلك عزل الطبقات عزال تاما . للنظام الذي أشار إليه التيمئس من قبلحون يقطنون البقعة المحيطة فأصحاب الصناعات والفال. الواحدة عن األخرى

، )d ١٢٢(والمحاربون يسكنون األكروبلس نفسها حول الهيكل . باألكروبلسواحتلت المنحدرات . وقد قامت منازلهم على المنحدر المتجه إلى الشمال

. وتشترك النساء في الخدمة الحربية. )٤(الجنوبية حدائق ومالعب ومطاعم . )٥(ى الدوام عشرين ألفاوعدد المحاربين يلبث عل

األطلنتيس - ٢

إن األطلنتيس هذه، قسمة بسذون ونصيبه، هي حسب معطيات التيمئس وتعدل مساحتها مساحة آسيا وليبيا . جزيرة كبرى تحوق بها جزر أخرى

ـس عن موقعها بالضبط. مجتمعتين ولكنه . وال يفيدنا اكرتيس أكثر من التيمئ .صفها في أدق تفاصيلهاي

.هسيخيس، في مادة هفستيا )٢( .٥: ١٤: ١بفسنيس )٣( .a ٤١٧ و b ٤١٦: ٣راجع كتاب الجمهورية )٤(إن هذا العدد ال يتفق والعدد الذي يـشير إليـه . ٤٦٦c ٤٥٢a: ٥راجع الجمهورية )٥(

.امس من كتاب الشرائعالباب الخ

-٣٦٥-

حول الرابية التي عقد عليها قرانه . إليك أوال وصف العاصمة- ١. شيد بسذون مجموعة من الوصائد المتداخلة المستديرة Clotoبالبشرية اكلتو

والجزيرة . وكل وصيدة تتألف من رصيف فسيح يحدق به خندق واسع عميقمة التي اعتالها هيكل بسذون، لها قطر طوله الداخلية المتوسطة، أي قمة األك

وتحيط بها قناة عرضها أستاذين أي مئة . )١( مترا٨٨٨خمسة أستاذيا أي وتحوط الجزيرة الداخلية وقناتها، . وسبعة وسبعون مترا، وستون سنتمترا

مترا وعشرون ٣٥٥وصيدة أولى مستديرة عرضها استاذين مضاعف، أي هناك أخيرا . يحدق بهذه الوصيدة خندق ثان له نفس العرضو. سنتمترا

٥٣٢رصيف ضخم ثان وقناة ثالثة، عرض كل منهما ثالثة استاذيا ، أي وهذا الخندق األخير يبعد عن البحر خمسين استاذيا، . مترا وثمانون سنتمترا

. مترا٨٨٨٠أي

فقد . بارةوقد كمله ملوك األطلنتيس بأشغال ج. ذلك هو عمل اإللهأقاموا اتصاال بين الخندق المستدير الخارجي والبحر، بواسطة ترعة مستقيمة،

مترا وثمانون ٨٨طولها خمسون أستاذيا، وعرضها ثالث ابلثرات أي وقد شادوا جسرا . مترا وستون سنتمرا٢٩سنتمترا، وعمقها مئة قدم أي

لخنادق واألرصفة، ليصل األكمة ضخما، عرضه ابلثر أي مئة قدم، فوق اوتكلل األرصفة، وتحمي سكنى اإلله، أسوار . الملكية بباقي بقاع األطلنتيس

وقد اقتلعوا الصخور لبناء . هائلة عزرتها األبراج وغشتها الصفائح المعدنيةوالمقالع . األسوار من الجزيرة الداخلية أي من األكمة الملكية، ومن األرصفة

لم نردف القياسات بما يوازيها من األمتار إال ليكون القارئ لنفسه فكرة تقريبية عن )١(

,H. Nissen Griechische und Romische metrologieراجع . مدى اتساع العاصمة

dans 1. Muller, Handbuch 1. 2, Munchen, 1892, p. 835. وكلمة أستاذين اليونانية .وقد أثبتنا اللفظين ههنا. معها عندهم استاذياج

-٣٦٦-

منها الصخور تحولت إلى مرافئ في بطن األرض، تأوي التي استخرجتوقد حفروا في األرصفة ممرات مسقوفة، تعبر فيها السفن . إليها المراكب

أخيرا حول الخندق أو القناة الخارجية المستديرة . لتجتاز من خندق إلى آخروبين . خطوا رصيفا جديدا، يبعد عن القناة خمسين أستاذيا ويبلغ شاطئ البحر

ذاك الرصيف والخندق المستدير الخارجي، تمتد المدينة ببيوتها المتراصة فالخنادق المستديرة أو القنوات، تؤلف ثالثة مرافئ، . بعضها إلى جوار بعض

وهي ليل نهار تعج بجمهور من . تأوي إليها المراكب القادمة من كل البلدان ). ١١٧e(الناس، انصرفوا إلى أشغالهم وملؤوها صخبا

ويشاهد المرء في الجزيرة المتوسطة، هيكل بسذون واكلتو وقصر وفي وسط الجزيرة يشرف الهيكل، وطوله استاذين ). ١١٦e(الملوك المنيف

أي مئة وسبعة وسبعون مترا، وستون سنتمترا، وعرضه ثالثة ابلثرات أي لهيكل بجدرانه المتألقة ثمانية وثمانون مترا وستون سنتمترا، يشرف ذلك ا

وقصر العاهل يضاهي الهيكل رونقا وبهاء، وقد أحاطت . ذات الثراء البربريواحتل أكبر جزيرة مستديرة كاألسوار، أي الجزيرة . به معاقل الحرس الملكي

وهناك نبعان . الخارجية، ميدان سبق شاسع استدار معها وشغلها من جنباتها والثاني ماؤه ساخنة، يتفجران في الجزيرة ال ينضبان أحدهما ماؤه باردة

الصغرى المتوسطة، ويمدان الحمامات العمومية المختلفة بمياههما، كما وتتدفق تلك المياه إلى الوصيدة . يؤتيان أجمة بسذون الرطوبة الناعمة .الخارجية في جهاز علمي من القنوات

جفال يقل ع ا تكوين باقي الجزيرة الطبيعيإذ يحدق بكل . با عنا سبقأماألطلنتيس سلسلة من الجبال، ما عدا جهة واحدة، هي الجهة الجنوبية حيث

ويبلغ . وبين تلك الجبال يمتد سهل مستطيل، يتجه نحو الجنوب. قامت المدينة ٣٥٩وعرضه ألفين، أي . م٨٠٠ كلم، و٥٣٢طوله ثالثة آالف أستاذيا، أي

-٣٦٧-

مترا وستون، ٢٩ك السهل ترعة، عمقها ابلثر أي وتحيط بذا. م٢٠٠كلم ووهذه الترعة تكتنف السهل برمته، . مترا وستون١٧٧وعرضها استاذين أي

ويتفرع . ما خال جهة المدينة، إذ تنحدر مياهها في البحر من جانبي المدينةعن تلك الترعة ثالثون قناة مستقيمة متوازية عمودية بالنظر إلى سفوح

ولتلك القنوات روافد منحرفة تعرج على . تؤمن ري السهل كلهالجبال، .المدينة، لتحمل إلى أهليها المواطنين مباشرة حاصالت المناطق الجبلية

١٩١٢٨١فمساحة السهل بجملتها تعادل إذن ستة ماليين استاذيا، أي مساحة كل عشرة استاذيا في . وقد قسمت إلى ستين ألف والية. مربعا. كم

وخلف الترعة المحيطة بالسهل، . ة، أي أكثر من ثالثة كلم مربعة بقليلعشروالبالغ طولها عشرة آالف استاذيا، تمتد المنطقة الجبلية، وقد قسمت هي أيضا

.إلى واليات ال تحصى، واستوعبت عددا غفيرا من السكانوالوالية قبل . إن نظام األطلنتيس االجتماعي هو حربي صرف- ٢

وجملة الواليات الستين ألفا المنتشرة في . شيء هي مفرزة عسكريةكل السهل، تقدم للدولة عشرة آالف مركبة حربية، ومئتين وأربعين ألف حصان،

بنسبة عشرين من كل والية، ومئتين وأربعين : ومليونا ومئتي ألف محاربلف عشر ومجموع الواليات يؤ. ألف نوتي، أللف ومئتي سفينة تقل مئتي بحار

).c ١١٩(مقاطعات يخضع كل منها ألحد الملوك العشرة، ثم يرسم لنا أفالطون لوحة رائعة عن الثروات المتنوعة جدا، التي

فقد حوت الجزيرة . أوال الثروات المعدنية. اكتظت بها جزيرة األطلنتيسها وتتوافر في. أصنافا مختلفة من الحجارة الصالحة جدا لكل ضرب من البناء

المعادن الثمينة من ذهب وفضة ونحاس جبلي، ذاك المعدن الذي ال يعرف فأية مادة يدل عليها هذا ) c ١١٩، b ١١٦، e ١١٤(منه اآلن سوى االسم،

االسم الخفي المعروف دون ريب قبل عهد أفالطون؟ إن صاحب القصيدة

-٣٦٨-

المعدن المدعوة مجنا، والمعزوة إلى هسيذس، يكلمنا عن ران من ذاكوأرسطو يذكر الكلمة، في مقطع من التحليالت . )٢(المجهول، نحاس الجبلوبعد ذلك بزمان يذكر كتاب العجائب المنحول . )٣(الثانية، دون أن يعرفها

والمعزو إلى أرسطو، مناجم نحاس جبلي في فينئس من أعمال أركذيا على إن نحاس : التحليالت يقولوفلبونس في تفسيره كتاب. )٤(مقربة من مكيني

ويسلك المسلك نفسه . الجبل هو واحد والنحاس األصفر، المخلوط بالتوتياولكن نحاس الجبال المذكور في الكرتيس . القديمة )٥(أصحاب كتب الكيمياء

إنه معدن بسيط ال يشبه النحاس األصفر إذ له التماع . ليس معدنا مركبا المعدن، أو غدا مجهوال في أيامنا؟ أو عن فهل اختفى ذاك )٦(كالتماع النار

على بال أفالطون، كي يضلل القارئ، أن يستعمل كلمة مأنوسة في عهده بمعنى غير معناها؟ نحن نجهل حقا هذا األمر، وال ريب أننا سوف نجهله

.دائماوأفالطون يعدد . وال تقل ثروة األطلنتيس الزراعية عن ثروتها المعدنية

وهو يدل عليها . ما توفر األرض لسكانها من مختلف أنواع الثماربارتياح فهل يتكلم أفالطون . باستعارات يصعب على المرء أن يعين لها أنواعا محددة

عن الزيتون والرمان والليمون، وهي ثمار معروفة، إن لم يكن في اليونان، أو يتكلم . فعلى األقل في العالم الهليني؟ هذا ما يمكن المرء أن يخمنه

.ران من نحاس الجبال الالمع: ١٢٢المجن ش )٢( .٢٢. b ٩٢: ٧التحليالت الثانية )٣()٨٣٤: ٥٨ )٤ b :٦راجع هروذتس » وفي فينئس معادن تدعى نحاس الجبال «٢٥ :

٧٤.- : ٦: ١٣، ص ١٨٩٣ول، ، الكيمياء في األجيال الوسطى، المجلد األBerthlotلبلرتلو )٥(

٧٤.- )١١٦ )٦c :»وله التمتع النار«.

-٣٦٩-

الفيلسوف عن ثمار ليست من حاصالت اليونان، كجوز الهند والخروب ).b ١١٥(والتمر؟ ال بد هنا أيضا من االعتراف بجهلنا

وحيوانات األطلنتيس تشمل الحيوانات الداجنة واآلبدة المعروفة في بالد .»أكبر الحيوان نهما«ويذكر أفالطون منها خصوصا الفيل . اإلغريق

-٣٧٠-

الفصل الرابـع شعائر الذبيحة والقسم

إن أغرب قسم ربما من الكرتيس، يصف لنا ما يتبعه ملوك األطلنتيس الكهنة من شعائر، عندما يقسمون بان يملكوا بالعدل، وعندما يقضون في أمر

.فرد من أفرادهم العشرة إذا اجترح جريمة ما

شعائر الذبيحة- ١ سنين، يلتئم الملوك العشرة في معبد اإلله لهذه فكل خمس أو ست

ـسذون جملة من الثيران الوحشية. الغاية طلقون في حمى هيكل بفيتسلح . ويالملوك وحدهم بمزاريق وحبائل، ويختارون ضحيتهم ويطبقون عليها في

.زاوية، وبعد أحكام ربطها يذبحونها على نصب من نحاس الجبالإذ يعمد إلى المفردات . بة الذبيحة، ففي غاية الدقة المهنيةأما وصف رت

وال . )١(المستعملة للداللة على ذبح األضاحي، المفروزة لآللهة أبناء األرضفالساعة المعينة، ساعة األصيل عند إرخاء الليل سدوله، : يغفل الوصف شيئا

ذبيحة واهراق وبعد انجاز ال. هي الساعة المالئمة الستدعاء قوى الجحيمالدماء؛ يطهرون جزع العمود الذي تذبح عليه الضحية وتحرق بقاياها محرقة

١١٩ )١ (-١ c» ١٢٠» كانوا يذبحونa » سون ويحرقون محرقة كاملةيقد« .

-٣٧١-

وفي المأدبة الطقسية التي تعقب التقدمة، ال يأكلون من بقايا . كاملة دونما ريبوالكالم هنا عن طقس من طقوس الذبح المتبعة منذ آالف . )٢(الثور المضحى

).١١ :٢(ي يذكره هروذتس السنين، نظير الطقس الذغير أن تفاصيل مختلفة من الرتبة الطقسية تطلعنا إطالعا أدق على

فأوال ليست تلك الذبيحة محرقة من النمط . طبيعة الذبيحة المقدمة لبسذونإذ يبدو بصورة شبه أكيدة أن ملوك األطلنتيس يذبحون على هذا . المألوف

فبسذون يدعى . األشكال التي يجب أن يتقمصهالوجه اإلله نفسه في شكل منفعندما يشرب أولئك . )٣(مرارا الثور، والخائر، والدابة ذات القرون الملتوية

الملوك من دماء الثور يتهيأ لهم أنهم يغدون واإلله وحدة ذاتية، ذاك اإلله الذي علقه، وعندما يرشون وينضحون بجلط الدم أو . ضحوه في صورته ومثاله

وثانيا، إن دم الثور هو الذي يستعمل . )٤(فهم يمارسون طقس التطهير المألوف .لختم وتأييد ما يبرز الملوك من إيمان

:شعائر القسم

وليس ذلك القسم قسما عاديا، يشبه اإليمان التي يقسمها أفالطون، على إذ . )٥(همغرار مواطنيه، ويطيب له ولهم أن يرددوها في كل سانحة من حيات

.P. Stengel, Die griechischen Sakralaltertumer (l. Muller, Handbuch der Klراجع )٢(

Alterums- Wirs. V, 3, 2, 1898. p. 57) J. – E Harrisson: Prolegomena 2, 1908, p. 61 et sv. ; Critias 120 a b.

وقد كانوا يكرمون بسذون -.١٠٤ش » المجن«راجع لهسيذس، أنشودته المنحولة )٣( .٥:٣، واألذسية ٤٠٣:٢٠بذبائح ثيران سود، األلياذة

راجع اليسخلس الخئفوري أي حامالت تقادم . Thromvosيستعمل أفالطون كلمة )٤(: ١٨٤، ثم األفمنيذس أي الرحيمات وهن إآلهات االنتقام، ش ٥٤٦، ٥٣٣الموتى، ش

.الدم المسفوك... جلط .b ٩٤٩، c ٩٤٨:١٢ و a ٩١٧:١١ وc ٩٠٨: ١٠راجع كتاب الشرائع )٥(

-٣٧٢-

هو في الدين اإلغريقي القديم، من اعرق وأرهب » الشرب من دم الثور«إن فمن أقدم على شرب وهو حانث في دينه . تحكيم اآللهة في قضايا البشر

وضميره، يتعرض ألن يموت فورا، كما حدث لبسمنتس المجرم بجريرة دس بنجاح وسالم، فهو مسلح أما من اجتاز المحنة . )٦(الدسائس على كمفيسس

.ال بل ربما استطاع أن يجتاز دون أذى مياه نهر الجحيم. ألشق الصعابفبعد شرب . وبقية الشعائر تفوق أيضا ما سبق خفاء ورهبة وسرية

الدم، وتقديس الكؤوس التي سكب فيها، يجلس الملوك عند هبوط الظالم، على وعلى هذا النحو، في ظلمة دامسة، . رماد الذبيحة، وقد اطفؤوا األنوار كلها

وعند انبالج الصباح، يسجلون نصها حفرا على . يقضون ويصدرون األحكاموقد ارتدوا لخدمتهم هذه مالبس فاخرة، مشربة . صفائح من نحاس الجبال

زرقة رصاصية، كأنها أثواب األفاعي، أو مياه اليم العميقة الشفافة، أو سحب ألوان المالبس الملكية إذن . )٧(حداد اتشحت بها ثيتسسماء عاصفة، أو ثياب

لون الحداد؟ أم هو باألحرى لون إآلهات النقمة، وإآلهات المصائر، وآلهة الجحيم، عندما تصعد إلى النور وضوء النهار؟ فاللوحات أنفسها، التي ينقش

.الملوك عليها أحكامهم، توحي إلى الخيال صورة طقس من طقوس الموت

-.١٥؛ ٣ذتس هرو )٦( .٣٤:٢٤، واأللياذة c ٦٨التيمئس )٧(

-٣٧٣-

الفصل اخلامسستيمشكلة مصادر الكري

في سياق الحديث، أبدى عرضنا بعض المعطيات الواقعية التي اعتمد ولكننا ال نستطيع أن نجد من تلك المعطيات إال . عليها أفالطون ليؤلف روايته

وما هو أكيد ثابت أن . عددا زهيدا، إذ قد تلفت أغلب الوثائق القادرة أن تفيدنا .ن قد رمى في كل أمر إلى حد أقصى من مماثلة الحقيقةأفالطو

فإن دار الكالم على قصة أثينا، فما يشير إليه أفالطون من أحداث، لم ففي زمانهم، بعدت االتكي جدا . يحو قط ما من شأنه أن يثير دهشة معاصريه

الكثرون،فقد كان جبل . عن أن تكون على ما هي عليه اآلن من وحشة وإقفار، )١(وهذا ما نتثبته من فاكخة افربيذس، ظليال تكسوه غابات الصنوبر والسنديان

ولم ينقطع قط فعل القوى . وتغطيه مروج خضراء سقتها العيون الفياضةالبركانية عن الظهور في االتكي بين الفينة والفينة، بنتوء تالل أو انخساف تربة

ي حفر وادي تمبي في عهد التاريخ، دون أو انشقاق صخور، كانخساف التربة الذ .أن يكون ذلك بارزا؛ بروزه في فيتيا ولكونية أو في لكريس

وأن تناول البحث نظام بالد اإلغريق األولى السياسي، فعدد وافر من وقد . التقاليد القديمة يثبت التمييز الشديد بين الطبقات في دولة أثينا الغابرة

.١٠٥٢ – ١٠٥١، ٦٧٨ – ٦٨٧الفاكحة ش ) ١( -١

-٣٧٤-

كسيخس مقطوعة منن دستور األثينيين ألرسطو يذكر حفظ لنا تعليق على األوإن رام أفالطون . )٢(فيها انفصال طبقة الفالحين عن طبقة أهل الصناعات

التحدث عن تفاصيل شعائر العبادة وطقوسها، فقد كان يكفيه أن يفتح عينيه ليرى، في كل بالد اليونان، ألف حفلة وحفلة، تضاهي كلها ما وصف برهبتها

.ريتهاوسولكن ما هي العناصر التي كانت متوفرة لديه لوصف األطلنتيس؟ لقد

فقبل أفالطون، لم يذكر . عالجنا هذا الموضوع في كالمنا عن حوار التيمئسعلى ما يبدو، شعب األطلنطيين، سوى المؤرخ المليتسي هكتيئس، وهروذتس

عن الشعب المذكور غامض وما قاله هذا وذاك . الناسج على منوالهفي داخل ليبيا، شمالي كثب . ومستغرب، وال عالقة له مع معطيات اكرتيس

الرمال الفاصلة بين الصحراء واألرض اآلهلة، قرب جبل أطالس وإلى غرب وتفصلها ليبيا الوحوش األوابد . أرض األطرنطيين، انتشرت بالد األطلنطيين

إذ قد أقام على تلك السواحل الليبيون الرعاة عن سواحل البحر المتوسط،وما عتم فساد هذا الوصف أن ظهر، إذ ليس في البقعة المشار إليها . )٣(الرحل

وبعد هروذتس ما برح الكتاب . )٤(سوى سهول متموجة، ال جبال شامخةيدفعون بجبال أطالس نحو الغرب، إلى جوار األطلنطي مباشرة بحيث جعله

يس المليتسي في القرن الثاني قبل المسيح، على شاطئ المحيط ذينيس

.d ٣٧١التعليق على )٢(

.١٨٤: ٤هروذتس )٣(

وهـذا . ٢٤٦ – ٢٤٤ ص ١» الفينيقيون واألذسـية «، V.Berardراجع فكتور بيرار )٤( يدحـضه فـي كتابـه S.Gs:IIولكن اجـسيل . الكاتب يجعل األطلس في جبل القرود

، ص ١٩١٦ هروذتس الجزائر وباريس ١» صوص تمت إلى تاريخ أفريقيا الشمالية ن«١٠٧.

-٣٧٥-

وتبع بلد االطلنطيين نفس الطريق، وقد بحث عنه في تلك الجهات . )٥(بالذاتوال يزال خصوصا يبحث عنه كل من استثارتهم هذه المشكلة الشائكة التي ال

جية المتوحشة وعلى كل حال، ليس من عالقة بين القبيلة الهم. )٦(حل لها .الموصوفة في هروذتس، وشعب اكرتيس الراقي المتحضر حضارة فخمة

وعالوة على ذلك، كيف المرور من رمال أفريقيا إلى الجزيرة الشاسعة التي يحدثنا عنها أفالطون؟ ويبدو أن تلك الجزيرة لم يعرفها أحد

س، وإنما يذكر ابروكلس نصا لمؤرخ ي. قبل التيمئس وناني، اسمه مركل، يتكلم فيه صاحبه عن عشر جزر في البحر )٧(ألف كتابا على الحبشة

١٧٨الخارجي، أكبرها جزيرة بسذون، وهي تبلغ طول ألف استاذيا أي بذكرى نكان سكان جزيرة بسذون يلهجو«: ويقول ذاك المؤرخ. كلم

وقد . ي تلك األنحاءجزيرة األطلنتيس، التي سبقت في الواقع ووجدت فوقد كانت أفسح الجزر، وسيطرت مدة . تناقلوا تلك الذكرى عن السلف

وكانت ملكا . أحقاب طويلة، وبسطت سلطتها على جميع جزر األطلنطيغير أننا إذا استثنينا ابروكلس، ال يعرف أحد مركلس هذا، . »لبسذون

نفسه حوار التيمئس وعلى كل حال، فقد طالع مركلس . مؤرخ أفريقياأن «: ويبدو نصه مجرد مطابقة لرواية أفالطون. وحوار اكرتيس

)٥( سوذر٦٠: ٣ذي. ٢١، ص ١:٢، أول سكان أوربـا D Arbois de Jubainvilleراجع دربوا ده جوبانفيل )٦(

:ت التاليةومن أحب التبحر في هذا الموضوع يجد معلومات في المصنفا. ٢٤و ١٩٢٢، كتاب االطلنتيس، باريس، Manzi مانتزي - ١٩٢٣، الحقيقة عن االطلنتيس، ليون، Gattefosse جاتفوسه -، قارة متوارية، األطلنتيس أو القسم الـسادس مـن الكـرة R. Devigne ده فينيه -

.١٩٢٤األرضية، باريس،

.١٠-٢٠، ص ١٧٧:١راجع ديهل، )٧(

-٣٧٦-

ن هذا الحكم هو إ. »األطلنتيس ال يذكرها سوى أفالطون والذين قرؤوا لهوهذا الحكم . حكم مؤرخ من أوسع المؤرخين اطالعا على هذه المواد

.)٨(قايصح كل مرة ينقب المرء عن المصادر تنقيبا دقيوفعال حسب المرء أن يطالع الكرتيس، ليكتشف عمليا المنهج الذي ألفه

فكل عناصر وصفه األطلنتيس قد استمدها مما حوله في . أفالطون في النقلالعالم اليوناني، في أثينا بالذات، أو على تخوم الحضارة الهلينية، في كريت

.وربما في مصره من حوار اكرتيس هو أوال دقيق كل الدقة يطابق فالقسم األسطوري كل

وحيث يظن المرء أنه يلقى بعض التباين، . التقاليد اليونانية، على ما رأيناوإذا أحصى الفيلسوف، خالفا . يحتمل أن يكون أفالطون قد اتبع تعليما نجهله

ن، فما للعرف والعادة، حول بسذون مئة جنية من جنيات البحار بدل خمسيأضف إلى ذلك . )٩(ذلك إال من باب المغاالة في جزيرة ضخمة مثل األطلنتيس

هيكل يوناني ة، يشبه شبها تاما أيهيكل بسذون واكلتو، قرينته البشري ال . أنبل يكاد أن يكون في ضخامة هيكل أرتميس أفسس أو هيكل زفس األلمبي في

فالزخارف فيه أوفر ثراء، ولكن نمط . ليالأثينا، وال يبذهما عظمة إال قوعلى غرار المعبد اليوناني، فهيكل األطلنتيس هو مسكن . التزويق مماثل

ففيه يهيمن صنم جبار لإلله، . وليس كالكنيسة المسيحية بيت المؤمنين. اإللهوفي )١٠(تحدق به تماثيل أوالده وأحفاده، نظير زفس العظيم في هيكل أولمبيا

الغابة المقدسة حول المعبد، انتصبت مئات التماثيل وقد نذرتها ووقفتها له

.٣٢٨، ص ١٩١٣، ١، تاريخ أفريقيا الشمالية القديمS. Csellراجع اجسيل )٨(

لم يحص بنذرس إال خمسين نرئيذس أي جنية من بنات نرفس، األناشـيد البرزخيـة )٩( .١٠٨١راجع إفربيذس، أين، ش . ٨:٦

.١١: ٧٣:١٠ ثم ٤ : ٢٥:٩بفسنيس )١٠(

-٣٧٧-

ولم يتمكن الفنانون اليونان أن ينمقوا هياكلهم إال بالرسوم . تقوى المؤمنينأما ملوك األطلنتيس فقد غشوها بصفائح فضية . والزخارف المنوعة األلوان

.سلوب التنميق والتزويق فال يختلففالمادة أثمن وأغلى، وأما أ. وعسجديةوفيما يتعلق بنبات األطلنتيس وحيوانها، نجد أفالطون يقف منها متعمدا

فعنده تفصيل واحد دقيق، وهو ذكر الفيل، ولكن هذا . وال ريب، موقفا مبهماوالفيل ال يوجد . التفصيل ال ينطوي على أنوار خاصة عن القارة المتوارية

يقيا إال أن شهادات وافرة تشير إلى وجوده فيها حتى اآلن في شمال أفرأ . القرون األولى من التاريخ المسيحيوفي أراضي اإلغريق ذاتها، ألم يتهي

مرة من المرات ألفالطون أن يشاهد بقايا الفيل القديم، وقد انتشر ربما في ؟)١١(العصور الغابرة على كل سواحل البحر المتوسط

تطاع أفالطون أن يرى حوله، لوصف موانئ ولكن أي نماذج اسمن الثابت األكيد أن أفالطون . األطلنتيس وترعها ومبانيها وحصونها المسورة

ألن مهندسا عبقريا، هو هبوذمس . لم يضطر أن ينأى في البحث والتنقيبالمليتسي، كان قد أنشأ في جوار أثينا وعلى مقربة منها قبل عهد أفالطون

مجموعة كاملة عجيبة من المرافئ والمدن ومستودعات الذخيرة بقليل،ففي البرئفس، في ما كان سابقا جزيرة صخرية، وصلها فيما بعد . والقالع

باليابسة برزخ من رواسب السيول، انتصبت منطقة عالية من األسوار الكثيفة لمنطقة وقد عززت تلك ا. دعمت من سبعين إلى سبعين مترا بأبراج قوية

الحماية حول الموانئ الثالث، ميناء كانثرس وميناء زيئا وميناء منخيا، .وجعلت منها حصونا ال ترام

ثم كاييـه . ٧٩-٧٤، ١٩١٣، ١لية القديم ، تاريخ أفريقيا الشما S.GesIIراجع اجسل )١١(

Cayeux محضر صادر عـن نـدوة العلـوم، ( اكتشاف الفيل القديم في جزيرة ذيلس ).١٠٨٩، ص ١٩٠٨

-٣٧٨-

وبعد ذاك العهد بقليل، شيد في البرئفس السكفثيكي أي مستودع العتاد، .لتصنف هناك في نظام تام الذخيرة والمؤن المعدة لألساطيل األثينية

وهي تنفتح على . رو أن موانئ البرئفس ليست مستديرة متداخلةال غوال بد أن . ولكن اثنتين منهما ذات شكل مستدير. البحر بترع متوازية مستقلة

تكون ضخامة المشروع قد أثرت في أجداد أفالطون، فانطبعت نفوسهم بها .)١٢(انطباعا عميقا

ي هذا الحوار، توحي هذا، وتفاصيل أخرى من الوصف األفالطوني فلنا صورة عن حضارة كانت قد اندرست في عهد أفالطون، منذ زمان

غير أن ذكرياتها كانت وال بد قد لبثت حية في عالم البحر المتوسط، . سحيقوما . وتلك الحضارة هي حضارة بحر إغيئس وكريتي والمستعمرات الكريتية

ة عصور، محورشغل النحاس والقلز، المرغوب فيه انفكت جزيرة كريتي مد. وقد عرفت زخارف األحجار المتنوعة األلوان. إلى حد كبير في األطلنتيس

ويبدو أن أي بلد من بلدان العالم . وقد زينت بمثلها حصون جزيرة بسذونولم يجارها أحد في تخزين . القديم لم يتقن فن استخدام المياه إتقان كريتي له

فالحضارة . لينابيع، وجرها إلى أمكنة نائية في قنوات محكمة الصنعالعيون واأخيرا جزيرة كريتي هي . الكريتية، كحضارة األطلنطيين، حضارة بحرية

.موطن مصارعة الثيران، ومهبط عبادة اآللهة التي اتخذت شكل األثوار وصيد الثور المقدس قسم الزم من رتبة الذبائح، ليس فقط في كريتي

ذاتها، وفي اكنسوس وغورنيا، ولكن أيضا في كل بلد بدا فيها أثر الحضارة فاللوحات المنقوشة . الكريتية، نظير مكيني وتيرنثس وأرخميني وففيو

ولفرازيـر ٣ – ١: ١:١ وبفسنيس ٢٢ b ١٢٦٧: ٧:٢راجع ألرسطو، السياسيات )١٢(

J.G. Frazer س في اليونـان القديمـة، ترجمـةنيفسروث على أثار ب Roth ،بـاريس .١٩٤، ١٨٦، ص ١٩٢٣

-٣٧٩-

فهم، نظير ملوك . واألواني المصور عليها تبدي لنا الصيادين الرشقيندون القتناص الوحش األطلنتيس، متسلحون بشباك ومزاريق، ومستع

.)١٣(الضاري، قبل تضحيته، إذ فيه يتجلى إله كريتي العظيمفقد كان في وسع أفالطون، دون أن يخرج تقريبا من أثينا، أن يعثر على

وليس المرء في حاجة إلى احتمال وجود تقاليد . كل عناصر روايته الجوهرية خفية المعالم توالها أزالن أوافتراضية، تتعلق بسلطنة سلتيه قديمة، أو مملكة

فعندما كان األثينيون يطالعون حوار اكرتيس، كانوا يالقون فيه مشاهد . مزليومن يدري هل استمد أفالطون قروضا من . مأنوسة لم تضخم تقريبا ولم تحور

س أدب روائي خيالي سابق؟ إذ لم تخل اإلغريق منذ عهد األذسية وعهد أرستيئفتاريخ هروذتس يفرض . الركنيسي الشيخ، من قصص أسفار إلى بالد عجيبة

. مجموعة من المؤلفات السابقة لعهده، صبغتها ال علمية صرفة وال خيالية بحتة . أفالطونوكثير من تلك المؤلفات كان متداوال وال بد في زمن

االنتباه إلى وهناك سمة بين السمات في األسطورة األفالطونية تسترعيفهذا االنتظام . أكبر حد، وهي انتظام المنشآت في األطلنتيس انتظاما هندسياوهي تظهر . في الحقيقة هو صبغة تشترك فيها كل المدن أو الدول الوهمية

فوق كل شيء عمل العقل، غير المبالي بتشوش المادة، أو العاكف على قمعه د، وهو هبوذمس مبدع البرئفس، وقد عرف رجل فذ فري. والسيطرة عليه

ومؤلف مشروع غريب أيضا لدستور مثالي، قد عرف ذلك العبقري أن يحقق . على األقل في الحقل المادي مخططا يقهر به فهم اإلنسان الطبيعة المعاندة

.)١٤(فال يستحيل أن يكون أفالطون قد استوحى إحدى كتابات هبوذمس

)١٣(A.- J. Evaus: The palace of Minos I. The Neolithic and early and middle Minoan ages. Oxford, 1921: G. Glots:la Civilization égéenne, Paris, 1923, p. 126.210.339.

ويحتمل أن (Diels. Vorsokr. 3. 1, p. 293) ٢٢ b ٧:٢:١٢٦٧أرسطو، السياسيات )١٤(وأفالطون فـي . للداللة على المحاربين» المناضلون«يكون هبوذمس قد استعمل كلمة

.التيمئس يعمد إلى عين الكلمة

-٣٨٠-

رء في سهولة أن وصف األطلنتيس ال يخلو من وعلى كل حال يرى المفحضارة أثينا الزمن الغابر، وحضارة األطلنتيس . نوايا التهذيب والتوجيه

فمن جهة فضيلة رصينة وقوة معتدلة، . تتعارضان تعارض مثالين متباينينومن جانب دولة صغيرة قادرة في أقصى حد . ومن جهة قدرة غاشمة جامحة

ومن الجانب اآلخر شعب ال يحصى، وجيش . محاربأن تجيش عشرين ألف . ألف مجند، وعتاد ضخم جباراقوامه مليون ومائت

بربري بعظمة : ذلك أن األطلنتيس، خالفا لألتكي، هي بلد بربريمنشآته المفرطة، وبخصب أراضيه خصبا ال يصدق، وبزخارف قصوره

المختلفة عن خطط وهياكله الثرية الباذخة، ثم بربري بخطط معاركه .)١٥(وهؤالء لم يلجؤوا قط في حروبهم إلى المركبات والرماة. اإلغريق

. أخيرا، تعيش األطلنتيس على الصعيد السياسي، في ظل نظام طغياني). d ١١٧ و d ١١٢(إذ ال بد لملوكها من حماية حرس منتخبين بكل عناية

ر اكرتيس شبه معارضة ال يقدر المرء أن ال يرى في حوا، ومع حفظ التناسب. أو مجاراة لحوار منيكسنس، حيث عولج موضوع مماثل في قالب مختلف

وسقراط ال يستسلم تماما إلى السخرية، عندما يسدي فيه ثناء عاطرا إلى مدينته ومسقط رأسه، وإلى مواطنيه االثينيين، محتذيا في ذلك حذو المراثي أو

غالية عزيزة على قلب اآللهة، إذ تنازع بسذون وأثنا فبالده بالد . معارضا لهاواألتكي لم تولد على متنها، نظير أرضين أخرى، . مهمة السهر عليها

وإنما أنجبت هي نفسها قاطنيها، . زرافات من الوحوش الضارية واآلبدةومن ثم، فهي في الحقيقة . وأنتجت لهم الغذاء المالئم، وحبتهم ثمرة الزيتون

ولهـم نهـج «١١٦d» ..ولدى سماعهم أسماء يونانية تطلق على أنـاس برابـرة « )١٥(

.»..بربري

-٣٨١-

عليهم، فربوهم التربية اآللهةثم إنها ائتمنت . )١٦(م وربيبتهم وتربتهمأمهوهكذا، لما كان لالثينيين جميعا أصل واحد، فهم وحدهم عرفوا . )١٧(الالزمة

وفي كل بلد آخر يمارس المواطنون األسياد الطغيان . المساواة الحقيقية .ويستسلم له العباد

مى، أجداد االثينيين المعاصرين، وفي الواقع أحبط األثينيون القداأحبطوا في حاالت متعاقبة، جهود األحكام البربرية الطغيانية للسيطرة عليهم

وتغلبوا على إيفملبس، وقهروا األمزونيات، ودحروا كثيرين . واستعبادهمأفليست األطلنتيس أقدم السيادات البربرية . )١٨(غيرهم من الفاتحين البرابرة

أيضا؟ أليست ذاك الحكم المطلق حيث يتجلى جوهر البربرية بالذات وأرهبهنفي شرخ اقتداره وثرائه وفي ما يولد من كبر وصلف؟ فعلى هذا النمط،

وهل الحرب التي تشنها . يمازج المغزى الخلقي النيات والتوجيهات الوطنيةت على أثينا على األطلنتيس، سوى معارضة شعرية للحرب الحقيقية التي ألب

، كل ٤٤٩ قزم إلى سنة ٤٩٢البربرية الفارسية، مدة نصف قرن من سنة قوى اليونان بقيادة أثينا؟

وفي رواية وقائع تلك الحرب، في القسم الضائع أو غير المكتمل من حوار اكرتيس، كان ال بد ألفالطون من إعادة سرد إيسخلس الشيخ لها ذلك

ويتحتم عليه إذ ذاك أن ينقل . اصةالسرد الرائع، ولكن على طريقته الخالصراع خارج حدود التاريخ، وأن يستخلص منه في حرية مطلقة العبر

.األزلية

.c ٢٣٧منيكسنس )١٦()٢٣٧ )١٧ e ٢٣٨ وb d e.

)٢٣٩ )١٨ b .»وكيف ردوا على األعقاب أعداء قبل هؤالء أيضا...«.

-٣٨٢-

ومن هذا القبيل تعارض ال ريب فيه، بين القصة األفالطونية وكل فما من كاتب عرف، بنهج يفضل . محاوالت سابقي أفالطون أو معاصريه

. الم الوهم، وأن يفرض علينا حلمه كحقيقة عينيةنهج أفالطون، أن يلقينا في عولكن أفالطون في استنباطه بالذات وفي تلهيه بعارضته، ال يدع خياله ينساق،

وال يحتاج . خالفا لتلميذه هركليذس، إلى مدى أبعد مما عين لنفسه من حدودى فهو يعرف أن يحقق، معتمدا عل. بثغورس والمجوس أن يتدخلوا في روايته

، أسطورة مدهشة بتدفق حياتها، العالم الذي يحيا فيه من معطيات ما يوفر له. وغارقة في ضياء األحالم، على كونها في ذات الوقت دقيقة كمحضر مساح

تطيب ، وهو يعرف أيضا أن يبرز خير إبراز ما انطوت عليه من عبر سامية .للفيلسوف وتروق السياسي

ال بل ربما . قدرا عن الجمهورية والشرائعفمقطوعة الكرتيس ال تقل سمحنا ألنفسنا باالعتقاد أن جوهر الفن األفالطوني الخاص بالفيلسوف والذي

يظهر في هذا الحوار بنصاعة دونها نصاعة أي حوار ، ال يجاريه فيه أحد . آخر

-٣٨٣-

الفصل السادسستيخمطوطـات اكري

حيث نسخ ، ١٨٠٧باريزي إن مخطوط حوار اكرتيس الرئيسي هو ال .وشأنه في هذا األمر شأن حوار التيمئس. ١٥٢- ١٤٥الحوار على الصفحات لكن مخطوط فيينا الخامس . فال يحويان نصناW.Yأما المحظوظان

لم يخرجها ، والخمسين ينطوي على نسخة ممتازة ذات اختالفات كثيرة هامة يوفران ١٨٤ والبندقي ٢٢٨والفاتيكاني . كلها المشرفون على طبع الحوار

. هما أيضا بعض الفوراق القيمة وعلى مخطوط فيينا الخامس Aوقد قابلنا نصنا كاملة على الباريزي

. وحواشي نصنا اليوناني تشير إلى اختالفات ذنيك المخطوطين. والخمسينمزدانة ، ١٨٥٥وقد استفدنا فائدة كبرى من طبعة اكرتيس المنشورة سنة

.)١(رية وترجمة التينية أنجزها اشنيدربحواش ث

١ (-١ (Index lectionum in universitate litterarum Vratislaviensi per hiemem A.

MDCCCLV , habendarum …et Diem natalem Regis … Friderici Guilelmi IV celebrandum ,.. indicit G. E . Chr . Schneider (2 diss, Vratislaviae, 1855).

-٣٨٤-

حوار اكرتيس

-٣٨٥-

أشخاص احلوار

• مئستي

• ساكرتي

ستسكرا • س تهرمكرا •

-٣٨٦-

وار اكرتيســح أو حوار األطلنطي

:ارتياح تيمئس إلى الصمت بعد طول الحديث: المطلع- ١

أن أفلت اآلن بسرور من جوالت ، يا سقراط، م يلذ ليك: تيمئسفابتهل إلى اإلله الذي ولد . وكأنني قد رحت أستريح بعد درب طويلة، الحديث

والمولود اآلن في أقوالنا منذ عهد ، ذات يوم في الزمن الغابر، فعال من قبل عن غير وإن شططنا في الكالم، أن يهبنا صيانة ما قيل منها باعتدال، قريبوالحكم القويم أن . أن يفرض علينا العقوبة المالئمة، وتجاوزنا الحدود، تعمد

ولكي يستقيم لنا القول من اآلن . يعاد من فرط وشذ إلى األصول والنغم السديدأال ، نسأله أن يمنحنا خير العالج وأنجعه، في كالمنا عن مولد اآللهة، فصاعدا

.متابعة الحديث الكرتيس، على ما اتفقنا، ندع،وبعد االبتهال. وهو المعرفة

غضاء سامعيه- ٢ : اكرتيس يلتمس إ

كما . ولكنني أحذو حذوك. إني أقبل األمانة، أال يا تيمئس: اكرتيسأنا أيضا ألتمس ، ابتدأت وطلبت تسامح سامعيك إلقدامك على حديث خطير

بشأن ما أنا مقدم ، ال لتسامح أعظماآلن نفس التسامح ال بل أحسب نفسي أهوعلى كوني أعلم أنني موشك أن أسأل سؤال مفرط التبجح وأكثر . على قوله

.فمع ذلك ال بد لي من إبدائه، خشونة مما يطاق

١٠٦

b

c

١٠٧

a

-٣٨٧-

أي إنسان أريب مدرك يجرؤ على ادعاء أن ما قلت لم تجد قوله؟ ، أوالجوه تلقينكم أن ما سيقال بحاجة ولكن ال بد لي أن أحاول على وجه من الو

يا تيمئس ، إذ أسهل على المرء. ألنه أكثر مشقة وصعوبة، إلى تسامح أعظمإذا تحدث إلى الناس في قضية تدور حول اآللهة أن يظهر لهم في مظهر

ويظهر لنا ذاك المظهر ، من أن يحدثنا في قضية من قضايانا، المصيب، وجهلهم المطبق بأمورها، ن بشؤون اآللهةألن عدم خبرة السامعي. عينه

ونحن ، يوفران منفرجا كبيرا لمن يقدم على الخوض في قضية من قضاياها .نعرف حق المعرفة ما هي درجة اطالعنا على قضايا اآللهة

إنه . اهتموا معي لهذه الناحية التالية، ولكن ألوضح مقالي إيضاحا أوفىأن تكون أقوالنا نحن جميعا قدوة ما ، لضروري حقا من بعض الوجوه

فلننظر إلى عمل الرسامين الذي به يصورون أجسام اآللهة . )١(ومماثلةليبدو للمشاهدين أنه يمثل ، ولننظر إليه في ما يلقى من هينة أو عناء. والبشر

فنتثبت عندئذ أننا فيما يتعلق باألرض والجبال ، تلك األجسام تمثيال وافيافي كل هذه ، هار واآلجام والسماء وجملة ما فيها وما يدور في فلكهاواألن

ويقارب فيه ، نكتفي ونسر بأن يتمكن رسام أن يجاري شيئا منها ولو زهيداأضف إلى ذلك أننا لما كنا ال نعرف شيئا مضبوطا عن مثل تلك . شبهها

لها رسما األشياء، فنحن ال نتحرى رسومها وال نناقشها، بل نجتزئ رسم ظ .غامضا خداعا

ولكن عندما يقدم رسام على تصوير أجسامنا، بما أننا نشعر شعورا مرهفا بأي نقص في رسمه بسبب مالحظتنا الملحة الدائمة لذواتنا، نغدو

: ١٠قد بسطت في الجمهورية ، بها أفالطون في هذا المقام إن نظرية الفن التي يذكر)١(

ويبدو لنا أن التبسط فيها ههنا يحمل على شيء . وفي السفستي أيضا، وما يلي٥٩٨ . من الملل ألنه ال يالئم الموضوع

b

c

d

-٣٨٨-

وهذا . على من لم يؤد تأدية تامة كل أوجه الشبه) نقسو بأحكامنا(محكمين وفنرضى باألمور . قا على األقوال واألحاديثالوضع نفسه يجب أن نعتبره مطب

أما األمور التي تمت . السماوية واإللهية ولو صورها الكالم تصويرا زهيدا .إلى المائتين والبشر فنتحراها بكل دقة

فيجب إذن أن تغضوا الطرف عما سأقوله حاال وبدون استعداد، إن لم أن نفهم أن تصوير أحوال المائتين ليس إذ ال بد . أستطع أيفاءه حقه تماما

ولقد . بالسهل، بل صعب وشاق ألن تلك األحوال تمت إلى الظن والتخمينكم بهذه األمور، والتماسا ال ه، يا سقراط، لرغبتي في أن أذكرنطقت بهذا كل

فإن بدا لكم أني التمس . لتساهل أقل بل أعظم بشأن ما أنا مزمع أن أقول .حبوني إياها عن طيبة خاطرا فمنحة عادلة،ولم ال نحبوك إياها، يا اكرتيس؟ ولتوهب من قبلنا نفس الهبة : سقراط

إذ من الواضح أنه سوف يلتمس بعد قليل . للخطيب الثالث أيضا، لهرمكراتسفلكي يستنبط إذن مطلعا . عين اإلنعام نظيركما، عندما يترتب عليه أن يتكلم

فلينطق وهو واثق أن إغضاءنا . أن يردد عين االستهاللآخر وال يضطروإني أسبق وأقول لك، يا عزيزي اكرتيس، استعداد . مضمون له لذلك الحين

ومن ثم . ضاه وأثار إعجابهرالجمهور نحوك، ألن الشاعر األول قد نال كل سوف تحتاج إلى تساهل جم، إن قدرت فتمكنت من نيل نفس التأييد

.عجابإلواطبعا يا سقراط، إنك توجه نفس االنذار، إلى الزميل هذا : هرمكراتس

س، لم يرفع حتى اآلن معالم الغلبة واالنتصار . وإليولكن في الواقع يا اكرتيفعليك إذن أن تباشر خطابك بشهامة، وبعد الدعاء إلى . رجال خلعت قلوبهم

فنون، أن تظهر مآثر مواطنينا األقدمين أبولن وربات المعرفة واألدب وال .وتشيد بمديحهم

١٠٨ a

b

c

-٣٨٩-

يا صديقي هرمكراتس، ال تزال ثابت الجأش ألن أمامك آخر، : اكرتيسولكن المهمة الملقاة عليك، سرعان ما ستبدي لك . ودورك في الكالم عين للغد

ت واآلن علي أن أذعن لنصحك وتشجيعك، وأن أستنجد بمن ذكر. خطورتهاإذ أخطر أقوالنا . سينيممن اآللهة، وباآللهة اآلخرين، وال سيما الذاكرة امن

ألننا إذا تذكرنا ذكرى وافية وروينا . تكاد تتعلق كلها بهذه اإلالهة األخيرة فأنا أعرف تقريبا – وقد نقلها صولن إلى ديارنا –) المصريين(أقوال الكهنة

. ر من أنجز ما يليق به إنجازا مقبوالأننا سوف نبدو لهذا الجمهور بمظه .واآلن هيا بنا إذن لنتم ما قصدناه، دون أي أبطاء

: تلخيص معطيات التيمئس- ٣

فلنتذكر قبل كل شيء، أن جملة ما انقضى من السنين تسعة آالف، منذ أن وقعت الحرب وأعلنت بين الشعوب القاطنة ما وراء عمد هركليس

من جهة، وبين الشعوب كلها القاطنة قبل تلك العمد داخل البر وخارجا عنها .فينبغي لنا اآلن أن نفصل تلك الحرب. من جهة أخرى

هذه الدولة رئست الشعوب البرية وخاضت كان الناس إذن يرد دون أنن إولقد قلنا . الحرب كلها، وأن ملوك جزيرة األطلنتيس تزعموا شعوب البحر

أما اآلن وقد غاصت في اللجة . ت آنذاك أكبر من ليبيا وآسياتلك الجزيرة كانبسبب الهزات األرضية، فهي ال توفر للمبحرين من ههنا إلى البحر الكبير

.سوى لثق ال يعبر يمنع اإلبحار واإلجتياز بهاوسيبدي سياق كالمنا، وهو يتبسط وكأنه على سجيته، سيبدي في كل

وكم كان عندئذ عدد شعوب . انت بربريةتفاصيله، أن معظم الشعوب كولكن الضرورة تفرض علينا أوال أن نعرض من المبادئ، ما يتعلق . اليوناني ذلك العهد، وما يتعلق بخصومهم ومناوئيهم، وأن نفصل سطوة واقتدار يبأثين

وبين هذا وذاك . كال الطرفين والسياسة أو نوع الحكم المتبع لدى كل منهما .ينا أن نعطي األفضلية في الكالم لهذا البلد، وأن نبدأ به مقالنابالذات، عل

d

c

١٠٩ a

a

-٣٩٠-

الفصل األول

أثينا الزمن الغابر

: أثينا ملك هيفستس وأثنا- ١

لقد اقترع اآللهة على بقع األرض، واقتسموها كلها فيما بينهم بالرضى ق بكل منهم، كما ال إذ ال يجمل القول بأن اآللهة يجهلون كل ما يلي. ال بالنزاع

يستقيم القول بأنهم، على علمهم بما هو أصلح لغيرهم، يحاولون أن يستأثروا فقد نالوا إذن بقرع العدل والحق، . به دون اآلخرين بالخصومات والمشاحنات

ولما هبطوها، جعلوا يربونها . ما تصبو إليه نفوسهم وأقاموا في مقاطعاتهمبيد أنهم لم . م وبمثابة قنايا وصغار رضع لهمويغذونها كأنها قطعان رعيته

يعمدوا إلى العنف إلخضاع أجسادنا بقوة أجسامهم، كما الرعاة قطعانهم بالضرب، بل كانوا يقودونا ويقومون خطانا، من حيث ينقاد الحي غاية

قناع، تأثير االنقياد، من رأس سفينتنا، مؤثرين على أرواحنا طبقا لنواياهم باإلي على سفينته بالدقة، فهكذا كانوا يقودون الجنس البشري طرا، وهو النوت

.جنس المائتين، ويسوسونه تلك السياسةإذن قد نال بعض اآللهة بالقرعة جهات معينة، وحظي بعضهم بجهات

ولما كان هيفستس وأثنا قد أحرزا . خرى، وتولوا تنظيمها ورعاية شؤونهاأ

c

-٣٩١-

طبيعة وسجية إخوة من أب واحد، وهي ثانيا ميل طبيعة مشتركة، هي أوالواحد إلى ذات الهواية والمرامي، ناتج عن حبهما المعرفة والفنون، ألجل ذلك نال اإلثنان معا ميراثا واحدا هو هذه البقعة، ألنها تالئمها وتصبو طبعا إلى

، )١(بالذاتوقد أنجبا فيها أناسا أفاضل ولدوا من التربة . الفضيلة والتعقل .ووضعا لهم نظاما سياسيا قوامه العقل والفطنة

وقد حفظت أسماء أولئك الرجال، ولكن أعمالهم درست وعفت بسبب . الكوارث والباليا التي حلت بأعقابهم، وبسبب تراخي األزمان وطول الحقب

لبثت جبلية ألن األجيال المتعاقبة الناجية من تلك الكوارث، على ما قيل سابقا، أمية، تسمع سماعا فقط بأسماء عظماء البالد، وال ينقل إليها فضال عن ذلك

فكانوا إذن يأتمنون أعقابهم بسرور على تلك . إال النذر المقتضب عن أعمالهمأما فضائل السلف وشرائعهم فقد جهلوها، ما خال أصداء غامضة . األسماء

عيش وضرورياته طيلة أجيال مديدة هم ولما ضاقت بهم سبل ال. حول كل منهاوأبناؤهم، كانوا يتشاغلون بتلك الضائقات، صارفين إليها أفكارهم ومتناولين إياها بأحاديثهم، ويهملون شؤون أسالفهم األوائل، ويتغاضون عن فعالهم

ألن االهتمام باألسطورة والتنقيب عن األمور الغابرة لم . الغابرة السحيقةال مع الفراغ من الهموم المعاشية، عندما عرف بعضهم أن يجتاحا المدن إ

ومن ثمة قد حفظت لنا أسماء . ضروريات الحياة قد أمنت لهم، وليس قبل .األقدمين دون األعمال

وأقول هذه األشياء، وأقيم الدليل على قولي معتمدا في ذلك على رواية خثونيس وإرسخثونفهو يقول إن أغلب أمجاد كيكربس وإرخثفس وإر. صولن

، وأن كل ما يتردد عندنا من بطوالت عمن سبقوا عهد )من الملوك(وغيرهم

ة اليونانية، لألب بربارة دمشق، طبعـة راجع في تفصيل هذا كله كتاب األسطور ) ١ (-١ )المعرب. (١٩٦٥وزارة الثقافة واالرشاد

d

e

١١٠

b

a

-٣٩٢-

ثسفس، عندما تذكر أسماء كل منهم، إن أمجاد لك هؤالء الرجال قد سردها أولئك وكذلك . الكهنة في حديثهم عن الحرب التي وقعت آنذاك، ذاكرين أسماء أبطالها

، قد رويت هي أيضا على )ئي عشن في تلك العهودالال(أسماء وأمجاد النساء .الطريقة نفسها

: دستور أثينا القديم-٢

وبما أن المهام المتعلقة بالحرب كانت في تلك العهود مشتركة بين الرجال ولذا زين أهل هاتيك العصور المسلحة وأبدوها بذاك الزي، طبقا -والنساء،

، في الواقع يبرهن زي اإللهة وتمثالها على -م للقانون المشار إليه في هذا المقاأن كل الحيوانات المزدوجة، المؤلفة من ذكور وإناث، تستطيع بطبيعتها أن توفر

بين (، الفضيلة المالئمة المشتركة )لجنس الذكور ولجنس اإلناث(لكل جنس فيها، ).الجنسين

لمنصرفين إلى المهن وقد قطن في هذا البلد آنذاك أوال جماهير المواطنين اوالصناعات، وإلى تأمين العيش من األرض، وثانيا جمهور المحاربين، وقد عزله منذ البدء أناس إلهيون، فأقام منفردا عن الجماهير األخرى، وقد أمنت له كل وسائل العيش والتهذيب، ال يقتني أحد من أفراده ملكا خاصا، معتقدين

فهم ال يفرضون على المواطنين اآلخرين إتاوة . نهمأن األشياء كلها مشتركة بيما، وال يتقاضونهم سوى المعيشة الواقية، بعد أن يقوموا بجميع المهمات التي

للذود (وفيناها البارحة حقها من التفصيل، في كالمنا على حماة البالد المقامين ).عنها

: وصف األتكي القديمة وحدودها-٣

فقد شملت . يقال عن بالدنا صادق يحمل علة الثقةوفي الحقيقة، ما كانفي ذلك العهد حدودا امتدت من جهة إلى المضيق، ومن جهة البر المقابلة إلى

c

d

e

-٣٩٣-

قمم جبال كثرون وبارنسس، وانحدرت نحو اليمين وضمت مدينة أربيا، وعلى سبالشمال بلغت البحر وتاخمت نهر آس.

لذا تمكنت البقعة أن . على كل تربة بطيبتها وخصبهاهذا وقد تفوقت تربتنا ولنا . تقوت آنذاك جيشا عرمرما، مع انقطاعه التام عن أشغال الفالحة والزراعة

دليل كبير على ذلك الخصب، وهو أن البقية الباقية من هذه التربة تضاهي أية مراعيها لكل بقعة أخرى على اإلطالق بغزارة ثمارها الفاخرة وتنوعها وطيبة

وفي ذلك الحين كانت التربة تؤتي ثمارها بوفرة فائقة، . ضرب من الحيوان .فضال عن جمال تلك الثمرات ولذتها

ولكن كيف يكون هذا الكالم أمينا صادقا، وبناء على أي أثر من تلك التربة نحو القديمة قد يستقيم؟ إن أرضنا كلها راحت تتباعد عن البر وتستطيل ممتدة

وحوض البحر حولها يغور بجملته إلى عمق . البحر، وتستلقي عليه وكأنها رأس -وإذا حدثت طوفانات ضخمة كثيرة خالل اآلالف التسعة الماضية، . سحيق

ففي تلك –. )١(وهذا هو عدد السنين المنصرمة من ذلك الزمن إلى عهدنا هذارض من الصرود العالية، األحقاب الطويلة والغير المتعاقبة، انجرفت تربة األ

بل . ولم تترك نجودا أو تالال تستحق الذكر، كما تفعل في أمكنة غير هذه األمكنةولم . سحبتها السيول دوما إلى األعماق المحدقة بأرضنا حيث غارت وتوارت

وإذا قيست هذه . )٢(يبق منها سوى آثار، مثل اآلثار الراسبة في الجزر الصغيرةفقد جرفت من . ة القائمة في ذلك العهد، شابهت عظام جسم مريضالبقايا بالترب

.األرض تربتها الخصبة الرخصة، ولم يلبث من البقعة سوى جسمها األعجف

، كما أشار إليها حوار )e ١٠٨( تلك هي المدة التي أشار إليها هذا الحوار من قبل )١( ).٢٤e ٢٣e(التيمئس

حر اغيئس، يلمح أفالطون ههنا إلى جزر الككالذس، المنتشرة على شكل مستدير في ب)٢( . إال في ماندر. وهي مجرد صخور عارية، ال تربة فيها وال مياه. وهذا معنى اسمها

١١١

a

b

-٣٩٤-

ولكنها في ذلك الزمان، كانت سليمة، وشملت جباال غزيرة التربة عالية . )٣(كانيةواتسعت لسهول وافرة التربة أيضا خصبة سميت اليوم سهول فلفس البر

ألن من تلك . وحوت في جبالها غابات كثيفة ال تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذاولكن من زمن ليس بالبعيد، كانوا . الجبال ماال يوفر اآلن غذاء إال للنحل وحده

وال تبرح سقوف تلك . يقطعون منها أشجارا ضخمة تصلح لدعم أكبر األبنية. د كثرت فيها أيضا األشجار المثمرة الباسقةهذا وق. األبنية سليمة حتى اآلن

.وتوافرت فيها المراعي الطيبة للمواشي السنوية، ال كأراضينا )٤(وكانت تلك التربة تستغل أيضا مياه زفي

. الحاضرة التالفة، التي يجري عليها الغيث وهي جرداء، ثم ينحدر إلى البحار، ثم تتقبل ماء السماء وتختزنه في بل كانت هي نفسها كمية غزيرة من المياه

طبقاتها الصلصالية المتماسكة التي ال تدعه يرشح، وتتشرب مياه الهضاب العالية، وتحقنه في جوفها، ثم تفجر في كل البقاع كوثرا فياضا يتدفق بال انقطاع

والهياكل القائمة إلى أيامنا هذه على عيون تلك الغدران، . من الينابيع واألنهار .هي دالئل لنا على صحة كالمنا الحاضر عن تلك التربة القديمة

وقد عمل فيه ونظمه على ما . تلك كانت طبيعة الريف، وذلك كان وضعهيليق به مزارعون حقيقيون منصرفون كل االنصراف إلى مهمتهم، متعشقون

ياضة الجمال وصالحون بالطبع، ينعمون بأرض غاية في الجودة، ومياه متدفقة ف .ال تنضب، وفصول مؤاتية تلك البقاع، معتدلة خير اعتدال

إن كلمة فلفس اليونانية تدل على ضرب من الحجارة البركانية السوداء الكثيرة الثقوب )٣(

. وكلمة فلفس استعملت ههنا للداللة على أرض كثرت فيها تلك الحجارة. كاالسفنج .٧١، والسحب ٢٧٣س رواية االخرنيس راجع ألرستفان

وقد نسبوا إليه كل األحداث السماوية العلوية . زفس هو أبو اآللهة والبشر في نظرهم )٤(وعنى بها األمطار » مياه زفس«ولذا قال ههنا . من برق ورعد ومطر وبرد وثلج

واإلرشاد، راجع األسطورة اليونانية، لألب فؤاد بربارة طبعة وزارة الثقافة . الموسمية )المعرب. (١٩٦٥دمشق

c

d

e

-٣٩٥-

:مدينة أثينا -٤

فقبل كل : أما المدينة فقد أهلت على الوجه اآلتي في ذاك العصر الغابرأذا انقضت عليها . شيء لم تكن حالة هضبة األكروبلس على ما هي عليه اليوم

خارقا فأذابتها وجردتها من التربة ليلة واحدة، انهمرت أمطارها انهماراوصحبتها هزات أرضية، وقبل الهزات فيضان ماء هائل، هو الطوفان الثالث قبل

.)١(الكارثة التي حلت على عهد ذفكلين

وقد بلغت تلك الهضبة من العظمة مدى كبيرا، بحيث امتدت إلى وانطوت على تلة اب سووس وإلسس المقابل بهانهرهرذنينيكس وعلى جبل لكفتو .

وغزرت تربة الهضبة كلها، وانبطحت وتسطحت في أعاليها ماخال جهات قليلة ، على سفوحها بالذات، أهل المهن والصناعات، األكروبلسوسكن خارج . منها

ومن المزارعين كل الذين انصرفوا إلى الزراعة والفالحة بجوارها أما رأس س فقد أقام منطويا على ذاته جمهور المحاربين، وجعلوا مساكنهم حول لكروباأل

نوها بجدار واحد، كأنها حديقة منزل واحد، ونزلوا فهيكل أثينا وهيتس، وحصسوتوفرت . وأعدوا هناك مطاعم شتويةاألكروبلسبيوتا مشتركة واقعة في شمال قد يق بها من نواد وهياكل إال أنهم ركة وما يللهم كل أسباب المعيشة المشت

بل اتبعوا سبيال وسطا . أعرضوا عن الذهب والفضة، ولم يعمدوا قط إلى استعمالهابين الترف والخسة، وابتنوا ألنفسهم منازل جميلة، شاخوا فيها هم وأحفاد أحفادهم،

.ب يماثلونهممتقلبين فيها ذاتها على الدوام، وتاركينها من بعدهم ألعقا

والتميئس . قد وقع أذن أربعة طوفانات، ومنها طوفان ذفكلين، قبل الزمن الحاضر)١( -٤. ١: ٣راجع المقدمة ). b ٢٣(وقد وقع من ذي قبل طوفانات كثيرة : يقول فقط

. واألسطورة اليونانية المذكورة، بشأن ذفكلين وطوفانه

١١٢

a

b

c

-٣٩٦-

ة من األكرا الجهة الغربيوبلس فقد استفادوا منها إلنشاء حدائق أموتفجرت في موضع . ومالعب، ومطاعم جماعية يغادرونها آناء القيظ

رت اآلن بسبب الهزات، ولم تترك ااألكروبلس الحالية عين غزيرة واحدة، غانت توفر لهم جميعا أما أهل ذلك العهد، فقد ك. حولها سوى جداول صغيرة

.ماء غزيرا ال ينضب، يفيض فيضانا في الشتاء وفي الصيفكانوا يسهرون على مواطنيهم، ويسوسون . وهذا كان نمط حياتهم

ويحرصون أشد . شعوب اليونان األخرى، وهي منقادة لهم عن رضىالحرص على أن يبقى فيهم عدد الرجال والنساء، الذين أصبحوا قادرين على خوض الحروب أو الذين خاضوها وظلوا قادرين على خوضها، واحدا على

ذن أولئك الحماة إفقد امتاز . الدوام، أي حوالي عشرين ألفا في أقصى الحدودبتلك المزايا، وساسوا دولتهم وبالد اليونان طرا بالعدل على ذلك المنهج

بمختلف مناقبهم أجسادهم وبجمال واشتهروا في كل أوربا وآسيا . المطرد . )٢(وذاع صيتهم أكثر من جميع معاصريهم. الروحية

وصف المقتضب يذكرنا باللوحة التي رسمها أفالطون في الجمهورية عن إن هذا ال )٢(

a ٢٧(ولكنه ال ينطبق على البرنامج الذي بسطه الفيلسوف في التميئس . الدولة المثلى

b .( وطبقا لذاك البرنامج، كان على اكرتيس أن يتوسع خصوصا في عرض مناقب واإلبهام، ولعله يدع هذا الموضوع ولعل أفالطون يتعمد الغموض. األثينيين القدامى

.ليجول فيه جولة أكمل في حوار هرمكراتس

d

e

-٣٩٧-

الفصل الثاني

يس نت األطل

؟ لماذا يسمى اكرتيس أصحابها بأسماء يونانية- ١ ألن كل المعارف مشتركة بين –ولنبسط لديكم اآلن أنتم الخالن

ا الحرب عليهم، ولنفصل ، لنبسط لديكم حال مناوئيهم الذين شهرو-األصدقاء كيف كانت حالهم، وأطوار نشأتهم، إن لم تفتنا ذكرى األمور، ألنا سمعنا بها

.ونحن بعد أطفالبد لي، قبل مباشرة الحديث، أن أبين لكم أيضا هذه النقطة التالية وال

بإيجاز، خشية أن تدهشوا لكثرة سماعكم أسماء يونانية، أطلقت على أناس إن صولن، لعزمه على . وف تعلمون إذن سبب تلك التسمياتس. برابرة

فوجد أن . االستفادة من هذه القصة في شعره، قد استفهم عن معنى األساميسماء بعد أن نقلوها بمعناها إلى أولئك المصريين األولين قد دونوا تلك األ

إلى لغتنا وهو في نوبته، تفهم مفاد كل اسم من تلك األسامي ونقلها. لغتهموهذه المخطوطات قد كانت طبعا عند جدي، وال تزال لدي إلى . وسجلهافإن سمعتم إذن . )١(وقد أكببت على درسها وتأملها وأنا بعد غالم صغير. اآلن

لعل أفالطون قدسها عما قال في الفقرة السابقة، وهو أن اكرتيس قد سمع سماعا فقط )١(

ولم يرد . في طفولته بتلك القصص والروايات، ال أنه قد أكب على درسها وتأملها ). ٢٦(د اكرتيس في حوار التميئس ذكر لهذه المخطوطات المحفوظة عن

١١٣ a

-٣٩٨-

أما . أسماء تجاري أسامي بالدنا، فال يأخذكم العجب، إذ اطلعتم على سببها .العهد كما يلي تقريباتلك القصة الطويلة، فقد ابتدأت في ذلك

:ملوكها األوائل. األطلنتيس ملك بسذون- ٢

، )على أرجاء الكون(على ما قلنا، في ما سبق، عن اقتراع اآللهة حصصا هنا أكثر اتساعا وهنا أقل، وإقامة ، )١(واقتسامهم األرض كلها بينهم

لنحو بجزيرة األطلنتيس، ، حظي بسذون على هذا ا)٢(الهياكل والذبائح ألنفسهموأقام أبناءه الذين أنجبهم من امرأة مائتة، في مكان ما من الجزيرة هذه

.أوصافه

على مقربة من البحر وإلى منتصف الجزيرة بجملتها، امتد سهل قيل وانتصبت . عنه إنه كان أبهى كل السهول طرا، ومن أوفرها طيبة وخصبا

سين استاذيا من منتصفه، هضبة منخفضة كذلك في هذا السهل، على خمهنالك كان يسكن رجل اسمه افينر، من أهل األرض األولين الذين . الجوانب

وأنجبا . وقد أقام مع امرأته لفكيبي. نشؤوا في تلك البقعة، ومن تربتهم بالذاتفي ولما بلغت الصبية سن الزواج، ماتت أمها وتو. ابنة وحيدة اسمها اكلتو

. وحصن الهضبة التي أقامت عليها. إليها بسذون واقترن بهالأبوها وماوحوطها بحلقات أو وصائد صغيرة فكبيرة من ماء ، وقدها على شكل مستدير

ومن تراب تلتف تباعا الواحدة حول األخرى؟ اثنتين من تراب، وثالثا من وكل حلقة تبعد . يرةوقد خطها وكأنه يدور على نفسه من منتصف الجز. ماء

ولما حصنها على هذا الوجه، . بعدا واحدا من كل جهاتها عن ذاك المنتصف

يذكرنا أفالطون ههنا . ١٠٩ بشأن قسمة األراضي بين اآللهة انظر ههنا المقطع )١( .باعتقاد عم وانتشر عندهم، وقد حاولوا أن يفسروا به اختالف العبادات المحلية

. راجع في أسماء األشخاص على اختالفهم، المقدمة، الفصل الثاني)٢(

b

c

d

e

-٣٩٩-

وهو نفسه . إذ لم يكن بعد من سفن وال من إبحار. غدت ممتعة على البشر. )٣()ادق المحدقة بهانالناشئة عن الوصائد والخ(كإله زين الجزيرة المتوسطة

أحدهما يتدفق ساخنا واآلخر ينساب من عينه وفجر من تربتها ينبوعي مياه، .وقدم للجزيرة من األرض طعاما متنوعا وافرا. عذبا باردا

فرباهم وقسم جزيرة . وولد له في خمس والدات عشرة توائم ذكوريه األكبرين مقر رة أقسام، وأعطى األول من مولوداألطلنتيس كلها إلى عش

ه ملكا ونصب. فضل الحصص وأكثرها اتساعاوهي أ. قة بهأمه والحصة المحدوأقطع كال منهم والية أناس . وجعل هؤالء أمراء. على إخوته اآلخرين

.كثيرين وسلطه على بقعة شاسعة

وأعطى األكبر أو الملك االسم الذي أطلقت . سمائهمأوسماهم جميعهم بلنطي، ألن اسم أطالس كان نسبته على الجزيرة كلها وعلى البحر المسمى أط

وأطلق على الثاني، المولود بعد . األول، الذي ملك في ذلك العهد) ابنه(اسم ألن التوأم الثاني نال ، ذاك، اسم إيفملس باليونانية وغاذرس باللهجة المحلية

بالقرعة طرف الجزيرة المتجه نحو أعمدة هركليس، والمقابل اآلن المقاطعة ودعا )٤( المسماة باسم مكان هناك أطلق اسمه على تلك المقاطعةالغذيرية

وأعطى . ابنيه المولودين في الوالدة الثانية، األول أمفيرس والثاني إفيمن. االثنين في الوالدة الثالثة، السابق أعطاه اسم امنسيئس والالحق اسم افتوخثن

وقد زين . حظ القارئ أن أفالطون يصف حالتين متعاقبتين على جزيرة االطلنتيسيال )٣(

.الجزيرة وجملها على التتالي اآللهة ثم البشر بحذقهم ومهارتهمكل هذه السالالت واألنساب تبدو وكأنها مجاراة أو معرضة لما ألف منها الشعراء )٤(

التفاصيل كلها، ونيته المزج وال ريب أن أفالطون ينهمك في هذه . والمؤرخونأما اختيار األسماء ومعانيها ، ألنها كما يبدو لن تفيد أية فائدة في ما بعد. والتهكم

.الفصل الثاني، فليرجع في ذلك إلى المقدمة

١١٤

a

b

c

-٤٠٠-

ل من البطن الرابع دعاه االسبتر ولمولودي البطن واألوسس والتالي مي .الخامس للمتقدم فيهما جعل اسم أزائس وللمتأخر اسم ذيبربيسوتسلطوا على . فهؤالء قطنوا الجزيرة هو وأعقابهم مدى أجيال وأجيال

ال بل، على نحو ما قيل سابقا، بلغت سيادتهم . جزر كثيرة أخرى في البحروولدت .)١(لواقعة داخل أعمدة هركليس من جهتنا هذهحدود مصر وترنيا ا

والملك وهو األكبر كان يسلم الملك دوما لبكر . ألطالس ساللة كبيرة وكريمة .فحفظوا الملك مدى أجيال وأجيال. مواليده

: موارد األطلنتيس الطبيعية- ٣

قط ثروة وقد أحرز أولئك الملوك ثروة بلغت من الضخامة حدا لم تبلغهوتوافرت . أية ساللة ملكية قبلهم، وال يسهل أن تبلغها يوما ثروة من بعدهموقد كان . عليهم كل موارد المدينة وكل موارد المقاطعات األخرى من البالد

ولكن أكثر الخيرات . يأتيهم من الخارج بسبب سيادتهم، خيرات وافرةل ما يستخرج من المناجم أوال ك. ت الجزيرة توفرها لهمالضرورية للحياة كان

وذلك المعدن الذي نسميه اآلن فقط، وفي . )٢(من معادن صلبة أو سهلة الذوبانوهو نحاس . ذاك العهد، باإلضافة إلى اسمه كان صنفه يستخرج من األرض

وقد كان ألهل ذلك العهد أنفس . الجبال الموجود في بقاع كثيرة من الجزيرةثانيا كل األخشاب التي تقدمها الغابات للنجارين في . )١(بالمعادن ما خال الذه

وتقوت أيضا بوفرة . شتى أشغالهم، كانت الجزيرة توفرها لهم بال انقطاع

). ab ٢٥(في موضوع السلطنة األطلنطية راجع التيمئس ) ١(بان كالرصاص والقصدير، راجع السفستي المعادن السهلة الذوtictaيعني بكلمة تكتا ) ٢(

)٢٦٥ c.( .في ما يتعلق بنحاس الجبال، راجع المقدمة، الفصل الثالث، القسم الثاني )١(

d

e

١١٥

-٤٠١-

الوة على ذلك ضرب من عوكان فيها . صنوف الحيوانات الداجنة واآلبدةخرى، إذ قد تيسر فيها المرعى والغذاء لكل الحيوانات األ. الفيلة منتشر جدا

ي ترعى في الجبال العائشة في البحيرات والمستنقعات والغدران، والتها والسهول، وتيسر أيضا حتى لذاك الحيوان وهو أضخم الحيوانات وأشد

.)٢(نهماوباإلضافة إلى تلك الخيرات، كانت الجزيرة تحمل وتنمي خير إنماء

في أية بقعة من كل صنوف العطور واألطياب، التي تنميها األرض اآلن بقاعها، سواء صدرت تلك األطياب من الجذور أم األعشاب أم األشجار أم

وتؤتي أيضا أثمارا طريئة وجافة . الصموغ المتقطرة من األزاهر أو الثمارجعلت لطعامنا، وثمارا نستعملها إلعداد الخبز، ندعو أصنافها كلها حبوبا،

فتعطينا المشروبات والمآكل والدهون، وثمارا تحملها األشجار المختلفةواألثمار التي جعلت للتسلية واللذة، ذات القشور والصعبة االدخار، وكل األثمار التي تقدمها بعد الطعام واالكتظاظ منه لمن تعب من األكل كفاكهة مسلية مستحبة، كل تلك الفواكه واألثمار على اختالف أصنافها، كانت الجزيرة الواقعة

.الشمس تؤتيها إذ ذاك فاخرة بهية رائعة، وبكميات ال تحدتحت فقد استغل القوم، إذن كل تلك الخيرات وجنوها من تربتهم، ثم انصرفوا . إلى تشييد الهياكل واألبنية الملكية والموانئ ومرافئ تخزين السفن وإصالحها

.ليوعمروا أرجاء البالد برمتها وزينوها بانتظام على النحو التا

: تخطيط حاضرة الملك وأبنيتها- ٤

فأقاموا الجسور أوال فوق الخنادق التي مونت بماء البحر، المحدقة بحاضرة الملك القديمة، وفتحوا هكذا طريقا إلى الخارج، ومن الخارج إلى

.من المقدمة. م.بشأن حيوانات األطلنتيس، راجع ن )٢(

a

b

c

-٤٠٢-

أما القصور الملكية فقد شيدوها حاال ومنذ البدء، في مهبط . القصور الملكيةوكان الواحد منهم يتسلمها من سلفه مزينة منمقة، . جدادهماإلله وموطن أ

وهكذا دواليك حتى . فيعود إلى تزيينها، ويفوق من سبقه في األبهة والسؤددبلغوا في تزيين البناء حد الدهشة والذهول، يستولي على من يشاهد ضخامة

.األشغال ورونقها ٨٨,٨٠(ة ابلترات واحتفروا ترعة باشروا بها من البحر، عرضها ثالث

٨٨٨٠(وطولها وطولها خمسون استاذيا ) م٢٩,٦٠(وعمقها مئة قدم ) متراوبلغوا بها الخندق الخارجي وجعلوا مرور السفن عن طريق تلك ) مترا

. الترعة من البحر إلى الخندق ممكنا، وقد أصبح ذاك الخندق بمثابة ميناء. سفن معا من أضخم السفنوشقوا فوهة الترعة بحيث تتسع إلبحار ثالث

وكذلك حفروا الوصائد أو األرصفة الفاصلة بين الخنادق، حفروها بازاء الجسور، بحيث تتسع إلبحار سفينة ثالثية واحدة من خندق إلى آخر وسقفوها

أي جوانب (فصارت السفن تعبر تحت تلك الجسور ألن شفاه . فوق الممراتألكبر السفن أن تعبر (يا سطح البحر لتسمح األرصفة علت علوا كاف) ممرات

ألن أكبر الخنادق الذي جرت إليه مياه البحر بلغ من ). منها إلى الخنادقوالحلقتان التاليتان . والرصيف الذي تاله ساواه عرضا. العرض ثالثة أستاذيا

، الرطبة منهما عرضها أستاذين مضاعف، واليابسة )أي الخندق والرصيف(وأما الخندق الذي يلتف . ا نفس العرض الذي لسابقتها الرطبةلها هي أيض

). م١٧٧,٦٠(حول الجزيرة عينها الواقعة في وسط الهضبة فعرضه أستاذين .والجزيرة أخيرا التي قام بها القصر الملكي بلغ قطرها خمسة استاذيا

وقد حوطوا هذه الجزيرة األخيرة واألرصفة وجانبي الجسور، ولها وأقاموا أبراجا وأبوابا على الجسور . رن من العرض، بسور من حجارةابليث

واقتطعوا الحجارة من دائرة الجزيرة . عند ممرات مياه البحر إلى الخنادق

d

e

١١٦

a

-٤٠٣-

المتوسطة ومن األرصفة الملتفة حولها، من جانبي تلك األرصفة الجانب والجانب الخارجي سود وأحمر، ومن تلك الحجارة ما هو أبيض وأ. الداخلي

وفي حين اقتطاعها كانوا يحفرون في الصخر مستودعين للسفن سقفهما فمنها ما شادوه . لخيطان نسجهكوقد نسقوا األبنية تنسيق الحائ. الصخر ذاته

بسيطا من لون واحد، ومنها ما نمقوا ألوان حجارته مازجين بين لون ولون، وصفحوا وجه سور الرصيف فحبوها لذة طبيعية. بغية اللهو والتسلية

وصبوا على «الخارجي كله بالنحاس، مستخدمين هذا المعدن وكأنه دهان أي (سور الرصيف الداخلي قصديرا وغلفوه به، أما سور االكروبلس نفسها

، فقد غشوه بنحاس الجبال، ولهذا المعدن )الجزيرة التي توسطت الهضبة .التماع النار

: والينابيع ومختلف األبنية البالط والهياكل- ٥

ففي : أما األبنية الملكية داخل األكروبلس فقد نظمت على النحو التاليوسط الجزيرة بالذات شيد هيكل مقدس الكليتووبسذون، حوطوه بسياج من ذهب وحظروا دخوله على الجميع، فهناك خلف بسذون واكتلو ساللة الملوك

والى هناك كانوا يأتون كل سنة من . مكانالعشرة، وولداها في ذاك الالمقاطعات العشر، ويقدمون الذبائح الحولية الربيعية لكل من أولئك الملوك

.)١(األولينوله . وهيكل بسذون نفسه كان له أستاذين طوال وثالثة ابلثرات عرضا

. اولكن شكله كان بربري. من العلو ما يالئم الطول والعرض ويجمل في النظر

ولما كانوا يأتون كل سنة أي مرة في الـسنة . إن كلمة هوريئا اليونانية تعني الربيعية )١(ن الذبائح للملوك العشرة األولين، أبناء بسذون وأنصاف االلهة، كانت تلك الذبائح يقدمو

وهذا معنـى الكلمـة . الحولية الذبائح الربيعية التي يقدمون فيها بواكير الثمار والغنم )المعرب. (أيضا أو أحد معانيها

b

c

d

-٤٠٤-

. وقد لبسوا الهيكل كله من الخارج بالفضة، ما عدا مشارفه فقد غشوها بالذهبومن داخل الهيكل شوهد السقف كله من عاج منمق بالعسجد واللجين ونحاس . الجبال، وما تبقى من جدران وأعمدة وحضيض، غطوه بالنحاس الجبلي

مركبته، يقود أحصنتها ونصبوا في الهيكل تماثيل من ذهب، اإلله واقفا على يكاد يمس ذروة السقف بهامته، والنرئيذة على ) ممشوق القامة(الستة المجنحة،

. )٢(وقد اعتقد أهل ذاك العهد أن هذا كان عدد هاتيك الجنيات. مئة دلفين من حولهوقامت أيضا داخل الهيكل تماثيل أخرى كثيرة، قدمها أفراد المواطنين وفاء

وحول الهيكل الخارجي، نقشوا في الذهب رسوم كل النساء وكل .نذورهموأقيمت تماثيل كثيرة قدمها الملوك . الرجال الذين أنجبهم الملوك العشرة األولون

وفاء نذر أفراد المواطنين في العاصمة، أو في المقاطعات الخارجية التي تسلط كما . عه تلك الزينة الرائعةوقد جارى المذبح بفخامته وإتقان صن. األمراء عليها

.)٣(الق البالط الملكي بعظمة السلطنة وأبهة الهياكل ورونقهاوقد استغلوا الينبوعين، ينبوع الماء البارد وينبوع الماء الحار، وغزارة

وكالهما صالحان بالطبع صالحا عجيبا لالستعمال، للذة . مياههما ال حد لها. ولهما أبنية، وغرسوا أشجارا تالئم طبيعة المياهوأنشؤوا ح. مياههما وخصبها

واحتفروا أحواضا وبركا، منها ما هو في العراء تحت أديم السماء، ومنها ما وجعلوا الحمامات الملكية على حدة، . هو مسقوف شتوي للحمامات الدافئة

وحمامات الرعايا على حدة، وجعلوا أيضا حمامات خاصة بالنساء، وخصوا وأعطوا كل فئة من تلك الحمامات . غيرها بالخيل، وأخرى بالدواب الباقية

سطورة اليونانية، دمشق في اإلله بسذون إله البحر والبر، راجع لألب فؤاد بربارة، األ )٢(

الفقرة ٢: ٣وفي النرئيذة بنات زفس، نفس الكتاب . وما يلي١: ١١: ٢، ١٩٦٦ )المعرب. (األولى

تو يماثل على لالفصل الخامس، إلى أن هيكل بسذون واك، لقد لفتنا النظر في المقدمة )٣( .نطاق أوسع، وأكبر تقاسيم الهيكل اليوناني المألوفة

e

١١٧

a

b

-٤٠٥-

وفائض المياه سحبوه إلى أجمة بسذون المقدسة، وقد انطوت . الزينة الالئقة بها. على كل أصناف الشجر، البديع اإللهي بروعته وبسوقه بسبب طيبة التربة

صيفين المحدقين بالجزيرة ومددوا قنوات إلى الجزيرتين أو الوصيدتين أو الر .)٤(المتوسطة بازاء الجسور، ليوصلوا المياه إليهما بواسطة تلك القنوات

وبنوا هنالك هياكل كثيرة آللهة كثيرين، وغرسوا حدائق وبساتين، وأقاموا مالعب عدة رياضية وميادين تدريب للخيل، كل فئة على حدة في كلتا الجزيرتين

ومن جملة األشغال ميدان سبق خاص، أقيم في منتصف . المستديرتين كاإلسوارالجزيرة الكبرى المستديرة، عرضه استاذين وطوله ينتشر حول دائرة الجزيرة

ومن على جانبي ذاك الميدان الملتف حول الجزيرة . كلها ليتيح للخيل التنافسانة وأكثرهم أم. ، شيدت معاقل الحرس لجمهور حملة الرماح)الكبرى الخارجية(

نظمت حراستهم في الصغرى من الجزيرتين المحدقتين باألكروبلس، في الجزيرة والذين فاقوا الجميع أمانة أعطيت لهم منازل في . المقابلة تماما لرأس الهضبة

.)٥(الملوك بالذات) قصور(داخل األكروبلس، حول

مام أفالطون البالغ بمنشآت األطلنتيس المائية يفـسر وال ريـب باالعتبـارات إن اهت )٤( :التاليةأن أفالطون يعارض بين ذاك البلد الغارق في كل صنف من الخيـرات باعتبار -١

.كي القاحلة الجافة في عهدها التاريخيتالطبيعية، وبين األها الكريتيون في هـذا بالنظر ربما إلى ذكريات األعمال الرائعة العجيبة التي حقق -٢

.ابقا في المقدمة، الفصل الخامسالمضمار، على ما فرضنا س

ويعني اسمهم حملة الرماح وبريئنذرس، . أن الذوريفوري هم بالضبط حراس الطغاة )٥( راجع في. على ما يقال، هو أول من أقام مثل أولئك الحرس لذاته في مدينة كورنثس

. ٩٨: ١، وذيجنس الالثرتي ٥٧٥b: ٩ ثم ٥٦٧d: ٨هذا الموضوع الجمهورية، هذا، وفي دولة يونانية، على زعم أفالطون، ال يحتاجون إلى لكنات وال إلى ذلك

.التمييز بين كتائب أكثر أو أقل أمانة

c

d

-٤٠٦-

تجهيزات أما مستودعات السفن، فقد غصت بالمراكب الثالثية، وكل الهذا ما يتعلق بمسكن الملوك وقد . والمعدات الالزمة لها، وكلها على خير أهبة

أما من يجتاز المرافئ، وهي ثالثة، ويتجه نحو . نظم على النحو الذي بيناخارج الهضبة، يلقى سورا يبتدئ عند البحر، ويدور حول الهضبة، على بعد

الخندق هو نفسه أكبر الموانئ وهذا. خمسين أستاذيا من أكبر الخنادقثم ينغلق على . المستديرة حول الهضبة، ويلزم السور هذا البعد من كل جهة

.ذاته عند فوهة الترعة الممتدة من البحروازدحمت الترعة . فكل تلك البقعة كانت عامرة بمنازل كثيرة متراصة

وملؤوا وقد أتوا من كل حدب وصوب،. وأكبر المرافئ بالمراكب والتجارالفضاء أثناء النهار وآناء الليل، لوفرة عددهم، صراخا وصخبا وكل ضرب

.من الضجيج

: الرقعة الباقية في البالد، طبيعتها الجغرافية وتنظيمها- ٦

مسكن اإلله (لقد ذكرنا اآلن عن حاضرة الملك وعن المسكن القديم، . يتردد تقريبا في ذلك العهدما كان ) وأبنائه الملوك العشرة وقرينته اكلتو

وعلينا أن نعيد إلى الذهن طبيعة الرقعة األخرى من البالد، وما كانت عليه .ونوع تنظيمها

قد كان إذن يقال أوال إن البالد كلها كانت عالية جدا عن سطح البحر ناشزة الصخور، وإن البقعة المحدقة بالعاصمة كانت كلها سهال يحوط تلك

إن السهل نفسه أحدقت به الجبال على دائرته، وانحدرت العاصمة، ون السهل كان بطاحا متساوية األديم، كلها إالجبال حتى ساحل البحر، و

مستطيلة، يبلغ مداها على جانبها ثالثة آالف استاذيا، ومن وسطها أخذا من

e

١١٨

a

-٤٠٧-

اتجهت ونظرا إلى الجزيرة بجملتها، وقد . )١( الداخل، ألفي استاذياالبحر نحووقد أشادوا آنذاك بوفرة . تلك البقعة نحو الجنوب، وأمنت أذى رياح الشمال

الجبال المحيطة بها وشموخها وبهائها، إذ تفوقت على كل جبالنا الحالية وضمت عددا كبيرا من القرى الغنية بالسكان، كما اشتملت على أنهار

وانات الداجنة أو وبحيرات ومروج، توفر القوت لكل المواشي، من الحياآلبدة؛ وغابات كثيفة من كل صنوف األشجار، الالزمة لجملة الصناعات

.الخشبية، ولكل منها بوفرة منقطعة النظير

لقد عملت الطبيعة إذن في ذلك السهل، وتعب عليه ملوك كثيرون، . وكان رباعي الشكل، وأكثره مستقيم الجوانب مستطيل. ومدة أحقاب طويلة

وإن تحدث المرء عن . شذ عن ذلك منه، فقد قوموه بحفر خندق حولهوماعمقه وعرضه وطوله، فقد ال يصدق قوله عن عمل كهذا من صنع األيادي،

ولكن ال بد لنا من ترداد . لضخامة ذلك المشروع إذا قوبل باألشغال األخرى .ما قد سمعنا

وإذ . في كل مداه استاذينحفر الخندق إلى عمق ابليثرن، وبلغ عرضهفهذا الخندق . أحاط بالسهل كله، فقد وصل طوله إلى حد عشرة آالف استاذيا

كان يستمد مياهه من الجداول المنحدرة من الجبال، ويدور حول السهل، ويبلغ ضواحي العاصمة من على جانبيها، ومن هناك يتركونه يجري نحو البحر

اشتقوا منه قنوات ) من جهة الجبال(الخندق وفي أعالي ذلك . ليصب فيه، جروها في السهل نحو قسم ) مترا٢٩,٦٠(وسيعة، عرضها بالضبط مئة قدم

وعن . وكانت كل قناة تبعد عن األخرى مئة استاذيا. الخندق القريب من البحرطريق تلك القنوات كانوا يزجون أخشاب الجبال إلى المدينة، وينقلون

.١١٩a و١١٨aراجع . فتكون مساحة السهل ستة ماليين استاذين) ١(

b

c

d

e

-٤٠٨-

وشقوا ترعا جانبية للمالحة بين . رى بالمراكب في مواسمهاالمحاصيل األخ .قناة وأخرى وبين حاضرة الملك

واعتادوا جني ثمرات األرض والفواكه، مرتين في السنة، مستغلين مياه زفس في الشتاء، وما تحمل منها األرض في الصيف، جارين جداول من

.الترع واألقنية السهل لخوض الحروب، فقد فرضوا أما عدد الرجال الصالحين في

واتسعت الناحية إلى . بشأنه أن يقدم كل قلم اقتراع أو ناحية رئيس سريةوجملة النواحي ستون ألف ناحية، وقيل إن عدد . عشرة استاذيا في عشرة

وقد وزعوا، حسب . رجال الجبال والبقاع األخرى من البالد ال يحصىوقد . تلك النواحي، وأخضعوا جميعهم لرؤسائهااألمكنة ومواقع القرى، على

رتب على كل رئيس سرية، أن يتبرع للحرب بسدس مركبة حربية، ليبلغ عدد المراكب عشرة آالف، وأن يقدم حصانين وفارسيهما، وجوادي مركبة أيضا ولكن دون المركبة، ومحارب يصلح للخدمة في المشاة أو الفرسان مع ترس

ارس الجوادين اإلضافيين سائسهما أيضا، وجنديين من المشاة صغير، ومع فالمدججين بالسالح وقواسين، ومن الرماة أصحاب المقاليع اثنين أيضا، ومن المشاة رماة الحجارة وحملة الرماح ثالثة من كل صنف، وأربعة مالحين

ة على فقد نظمت إذن أمور حاضرة الملك الحربي. لتجهيز ألف ومئتي سفينةأما أمور المقاطعات األخرى فقد نظمت على وجه غير . النمط اآلنف الذكر

.)٢(وقد يطول بنا الوقت لتفصيله. هذا

هذا المقام هو تنظيم بربري ألن اليونان إن التنظيم العسكري الذي يصفه أفالطون في )٢(لم يستعملوا قط المركبات الحربية، التي شاع استعمالها عند المصريين والفرس

راجع المقدمة . والمقالع أيضا كان سالحا بربريا، استعمله خصوصا أهل لغوريا .الفصل الخامس

١١٩

a

b

-٤٠٩-

: السلطات وحفلة القسم ومحاكمة الملوك- ٧أما السلطات ومراتب الشرف فإليك ما كانت عليه، وقد نظمت كذلك

ي مقاطعته وفي مدينته، على لقد تسلط كل من الملوك العشرة ف. منذ البدءأما سلطة الملوك . الناس وأغلب القوانين، معاقبا من يشاء وقاتال من يشاء

الواحد على اآلخر وصالتهم فيما بينهم، فقد حددتها فرائض بسذون، على ما نقله إليهم الشرع وتوصياته، وقد نقشها الملوك العشرة األولون على نصب

.ضع في منتصف الجزيرة في هيكل بسذونمن نحاس الجبال، وفهناك كان الملوك العشرة يلتئمون مرة في السنة الخامسة، ومرة في السادسة بالتعاقب، مراعين في تحديد السنين تساوي العدد المفرد بالعدد

وفي اجتماعاتهم كانوا يتقاضون في الشؤون والمصالح المشتركة . المزدوج .لفات الشرع إذا تجاوزه أحدهم، ويقضون فيهابينهم، وينظرون في مخا

وعندما كانوا يزمعون الجلوس للقضاء، كانوا قبل ذلك يتبادلون األيمان هيكل بسذون، ينفرد فيها الملوك العشرة ) أجمة(بعد إطالق الثيران في . التالية

ثم يطاردون تلك . ويضرعون إلى اإلله أن يقبض على الضحية المقبولة لديهوالثور الذي . ان بال سالح من حديد، ولكن بالدبابيس والشباك فقطالثير

.يقبضون عليه، كانوا يسوقونه إلى النصب، ويذبحونه فوقه طبقا لسنتهموقد نقش على النصب، فضال عن الشرائع، قسم يستدعي لعنات كبيرة

ه فبعد تضحية الثور طبقا لشرعهم، وبعد إحراق كل أعضائ. على الحانثينوما تبقى من . يمزجون كأسا كبيرة من دمه، وينضحون به كال منهم بمفردهوعلى األثر . دم الثور يأخذونه ويلقونه في النار، بعد تطهير النصب به

يتناولون جامات من ذهب، ويستقون دما من الكأس الكبيرة، ويسكبون منه على النصب، وأن فوق النار، ويحلفون أن يرعوا في القضاء السنن المنقوشة

يعاقبوا من يكون قد سبق وتجاوز إحدى تلك السنن، وأن يتقيدوا بها من بعد

c

d

e

١٢٠

a

-٤١٠-

وال يتجاوزوا إحداهما عمدا، وأن ال يحكموا أو ينقادوا ألمر حاكم منهم، إال وبعد أن يتعهد كل منهم بهذه األمور عن نفسه . اذا حكم طبقا لشرائع أبيهم. )١(ت، يشرب من دم الثور ويقدم جامه لهيكل اإللهوعن ساللته مستدعيا اللعنا

.ثم ينصرف إلى العشاء وما إليه من ضرورياتوعند حلول الظالم، وقد خمدت وبردت نار األضاحي، يتشحون جميعهم بحلة زرقاء من أبهى الحلل، ويجلسون على الحضيض، فوق رماد

فائهم كل نور حول وفي الليل الحالك، بعد إط. األضاحي التي أقسموا عليهاالهيكل، يشرعون في التحاكم، ويقضون في أمر من قد يتهمه أحدهم أنه خالف

وبعد التقاضي وإصدار الحكم، حالما ينبثق الفجر، يسجلون . الشرع في شيء .أحكامهم على لوحة من ذهب، ويعلقونها للذكرى مع حللهم

تيازات كل وكان لهم سنن كثيرة أخرى خاصة، تتعلق بصالحيات واموأعظم تلك السنن أن ال يشهروا السالح أبدا بعضهم على . من الملوك العشرة

بعض، وأن يهبوا جميعهم لنجدة من يستنجدهم، اذا حاول أحدهم في مدينة من مدنهم أن يعزل األسرة المالكة، وأن يتفاوضوا معا نظير أسالفهم في شؤون

والقيادة العليا فيها لساللة الحرب وغيرها من المهام، تاركين الزعامةأطالس، وأن ال يكون للملك من صالحية في إصدار حكم الموت على أحد

.أقربائه، إن لم يوافق على ذلك الحكم أكثر من نصف الملوك العشرة

٨ -انحطاط ملوك األكلنتيس الخلقي :

كانت إذن تلك القدرة الجبارة الهائلة في هاتيك البالد، فجيشها اإلله :ودفع بها إلى بالدنا هذه، لعلة تماثل على ما قيل العلة التالية) زفس(

. الخطيرة الهامةتلك كانت عادة مألوفة بعد الذبيحة، السيما في األمور) ١(

b

d

e

-٤١١-

مدة أجيال طويلة، وما دامت فيهم طبيعة اإلله وافية كافية، لبث الملوك العشرة خاضعين للشرع منقادين له، عائشين بحلم وتعقل طبقا للعنصر اإللهي

عواطف صادقة ونبيلة من ألنهم حصلوا بفضله مشاعر و. المنتمي فرعهم إليهكل وجه، متصرفين بحكمة في كل صروف الدهر الطارئة، ومعاملين أيضا

ولذا ما خال الفضيلة ازدروا كل ما توفر لهم . بعضهم بعضا بدراية وحنكةوحسبوا بسهولة كوقر شاق أكداس . من خيرات، وعدوه من الصغائر حقيرا

لم يسكروا بسبب ثرواتهم، ولم ينزلفوا في و. الذهب وغيره من النفائس المقتناةالترف، بل لبثوا واعين صاحين، يستشفون في ثقابة ذهنهم أن تلك الخيرات تزداد لهم بسبب مودتهم وتصافيهم المتبادل وفضلهم وفضيلتهم، وأن الخيرات على عكس ذلك تتقلص وتتالشى بفرط التهافت عليها والتقدير الزائد لها، وأن

فكل صنوف النعم التي أتينا على ذكرها . ضا تتلف آنئذ معهاالفضيلة أيوتفصيلها سابقا، توافرت وتكاثرت لديهم بسبب مثل هذا التفكير ومثل تلك

.العقلية، وبسبب الطبيعة اإللهية المستقرة فيهمولكن عندما ذبل فيهم العنصر اإللهي وذوى، ومازج مرارا وتكرارا

وعندئذ، لم يعد في وسعهم . تغلب عليه الطبع البشريالعنصر المائت المتفاقم،وبدوا ألنظار أصحاب البصيرة . حمل نعمائهم الحاضرة، فهانوا وتحاقروا

أما . ملطخين بالعار والشنار، وأتلفوا أبهى النفائس الروحية وفقدوهاالقاصرون عن النظر إلى حياة السعادة النظرة الصادقة، فقد حسبوهم إذ ذاك

. الفضل والغبطة، مكتظين جشعا ظالما وسؤددا واقتدارافي ذروةإال أن زفس السائد بالحق والشرع على اآللهة، لقدرته على استشفاف مثل تلك األمور، لما فقه إلى أية حالة زرية وصلت تلك الساللة الفاضلة

، أراد أن ينزل بها العقاب، كي تعود وتضحي أكثر اتزانا واعتداال) أصال(فاستدعى اآللهة أجمعين ليعقدوا جلسة طارئة في . وترد بالعقوبة إلى صوابها

١٢١

a

b

c

-٤١٢-

أفخم قصورهم، الواقع في قلب الكون بأسره، والمطل على كل الكائنات التي .وبعد أن لم شملهم قال. ينالها التحول والصيرورة

انتهى بعون اهللا تعالى وأيده

-٤١٣-

الصفحة

٧ ................................................................ مفتتح

مقدمة حوار التيمئس

١١ ........................تأليف وتاريخه، مالحظات عامة: الفصل األول ١١ ................مصير التيمئس على مر العصور: البحث األول

١٤ .............................ميزة التيمئس العامة: البحث الثاني

١٦ ...................الموضوع الرئيسي في الحوار: البحث الثالث

١٩ ................................التصميم واالنجاز: البحث الرابع

٢٢ .....................طابع التخمين في العرض: البحث الخامس

٢٦ ...............................أشخاص الحوار: البحث السادس

٣٢ .............إحاالت التيمئس إلى حوارات سابقة: البحث السابع

٣٤ .......تاريخ التيمئس وعالقاته بفيلفس والسياسي: البحث الثامن

٣٨ .................................مصادر التيمئس: البحث التاسع

٤٥ ...................................سطورة األطلنطيسأ: الفصل الثاني

-٤١٤-

الصفحة

٥١ .....................................اهللا ونموذجا العالم: الفصل الثالث

٥١ .....................................نموذجا العالم: البحث األول

٥٣ ............................وجود المثل والصور: البحث الثاني

٥٥ .........................إله أفالطون في التيمئس: البحث الثالث

٥٩ .............................................روح العالم: الفصل الرابع

٥٩ .................................موقع روح العالم: ث األولالبح

٦١ ......................عناصر تركيب روح العالم: البحث الثاني

٦٣ ...............................تركيب روح العالم: البحث الثالث

٧٠ ...................................تأليف السلسلة: البحث الرابع

٧٨ ................................نظام أفالطون الفلكي: الفصل الخامس

٧٨ ...................................الكرة السماوية: البحث األول

٧٩ ...........................أبعاد الكواكب السيارة: البحث الثاني

٨٢ ..........................حركات الكرة السماوية: الثالبحث الث

٨٣ ........................فرضيات أفالطون الفلكية: البحث الرابع

٨٧ ..موقع األرض وجمودها أو سكونها عن الحركة: البحث الخامس

٩١ ..................................صورة العالم: البحث السادس

٩٣ .............................نظرية المحل والعناصر: الفصل السادس

٩٣ ............................................ المحل:البحث األول

-٤١٥-

الصفحة

٩٣ ..........................................مقام نظرية المحل - ١

٩٤ ..................................................رةالضرو - ٢

٩٥ .......................................صعاب مشكلة المحل - ٣

٩٧ .........................................استعارات أفالطون - ٤

٩٧ ...............................هل المحل هو المكان الفارغ - ٥

٩٨ .........................معنى النظرية األفالطونية المحتمل - ٦

١٠١ ........................................... الصور:البحث الثاني

١٠١ .....................................وجود المثل أو الصور - ١

١٠٢ .......................عالقة نظرية المثل بنظرية العناصر - ٢

١٠٣ .........................................العناصر: البحث الثالث

١٠٣ ..................................ةمتوالية العناصر الهندسي - ١ ١٠٦ ..........................................المثلثات األساسية - ٢

١٠٩..........................................المجسمات األولية - ٣

١١٠........................................صعوبات هذا البناء - ٤

١١٥..........................اتساع معارف أفالطون الرياضية - ٥

١١٨..................................األحداث الجوية: البحث الرابع

١١٨........................................................النار - ١

١١٩......................................................الهواء - ٢

-٤١٦-

الصفحة

١١٩ .......................................................الماء - ٣

١٢٠ .....................................................التراب - ٤

١٢٣ ..................................روح اإلنسان وجسده: الفصل السابع

١٢٣ .................................. ريةالروح البش: البحث األول

١٢٣ ................................................أقسام الروح - ١

١٢٥ .............................................األرواح السفلى - ٢

١٢٦ .......................الحوارات األخرى ومصاعب التعليم - ٣

١٢٨ ....................................................التقمص - ٤

١٣١ .......................................اتحاد الروح والجسد - ٥

١٣٢ ...................................األجسام الحية: البحث الثاني

١٣٢ ......................................عناصر األجسام الحية - ١

١٣٣ .............................................التشريح عموما - ٢

١٣٤ .......................................الغائية في بنية الجسم - ٣

١٣٧ ......................ضويةتنسيق المسائل المتعلقة بعلم الع - ٤

١٣٧ .............................................العروق الكبيرة - ٥

١٣٧ .............................................التنفس والغذاء - ٦

١٣٨ ...........................مجاري التنفس الغشائية والغازية - ٧

١٣٩ ...............................................عملية التنفس - ٨

-٤١٧-

الصفحة

١٤١ ..............................عملية التغذية والدورة الدموية - ٩

١٤٢ ............................ مصادر علم الحياة األفالطوني-١٠

١٤٣ ...............................حساساتإلنظرية ا: البحث الثالث

١٤٤ ......................................................الرؤية - ١

١٤٦ ......................................................المرايا - ٢

١٤٦ .....................................................األلوان - ٣

١٤٨ ......................................................السمع - ٤

١٤٩ ......................................................الذوق - ٥

١٥٠ ........................................................الشم - ٦

١٥٠ ......................................................اللمس - ٧

١٥٠ .............................................الحس المشترك - ٨

١٥١ ......................................مصادر هذه النظريات - ٩

١٥٢ ............................المرضية والمداواة والوقاية: الفصل الثامن

١٥٢ ........................مبدأ المرضية األفالطونية: البحث األول

١٥٣ .......................................اللحم والدم: البحث الثاني

١٥٣ .......................................تحلل اللحم: البحث الثالث

١٥٥ .........................................حمياتال: البحث الرابع

١٥٦ .................مصادر المرضية في التيمئس: البحث الخامس

-٤١٨-

الصفحة

١٥٨ .................................أمراض النفس: البحث السادس

١٥٨ .................................المداواة والوقاية: البحث السابع

١٦٠ ...........................................................الختام

١٦٥ ............................. مخطوطات التيمس ونصه:الفصل التاسع

١٦٥ ..................................في المخطوطات: البحث األول

١٦٨ .................................النص والترجمة: البحث الثاني

هو حوار في نشأة الكون واإلنسانالتيمئس و

١٧٣ ...................................................... التمهيد–أ ١٧٣ .............................................. المطلع– ١

١٧٣ .............................. تلخيص حديث البارحة- ٢

٣ -ة يقابل وصفه النظريد سقراط تاريخ دولة حقيقي١٧٧ . يو

١٨٠ .................................... التطرق إلى الموضوع–ب

١٨٠ ...................................... حديث اكرتيس- ١

١٨٢ ....................................... رواية صولن- ٢

١٩٣ ................اقي الحوار األسلوب المفروض إتباعه في ب–ج ١٩٤ .............................................. توزيع األدوار–د

١٩٧ ...............................المثاالن الممكنان والمبدع: الفصل األول

-٤١٩-

الصفحة

٢٠١ .......................الصالح اإللهي. لماذا هناك عالم: الفصل الثاني

٢٠٣ ..........................الحي بذاته. طبيعة مثال العالم: الفصل الثالث

٢٠٥ ..بما فهو يفرض وجود النار والترابلما كان العالم حس: الفصل الرابع

٢٠٧ ....العالم كروي وهو يكفي ذاته ويشمل األجسام كلها: الفصل الخامس

٢١٠ ...........................................روح العالم: الفصل السادس

٢١٤ ....................................وظائف روح العالم: الفصل السابع

٢١٥ ....................................أصل الدوام والزمن: الفصل الثامن

٢١٧ ..............وضع الكواكب السيارة في الفلك ودورها: الفصل التاسع

٢٢٠ ...........ي العالم أربعة أصناف األحياءال بد أن يحو: الفصل العاشر

٢٢٣ ...................ساللة اآللهة اآلخرين الشعبية: الفصل الحادي عشر

٢٢٥ ...................تركيب أجساد األحياء اآلخرين: الفصل الثاني عشر

٢٢٧ ..................المبدع يصور األرواح ويركبها: الفصل الثالث عشر

٢٢٩ ...............اآللهة األحداث يصورون األجسام: الفصل الرابع عشر

٢٢٩ ............................. والجسداتحاد الروح: ٢٣٣ .......جسم اإلنسان: شرح األمور بالعلة الغائية: الفصل الخامس عشر

٢٣٧ .......األسباب الالحقة واآللية وصلتها بالبصر: الفصل السادس عشر

٢٣٩ ...........................................السمع: الفصل السابع عشر

٢٤٠ ................ والضرورةةشرح األمور بالحتمي: الفصل الثامن عشر

-٤٢٠-

الصفحة

٢٤١ .............................لشاردالسبب التائه ا: الفصل التاسع عشر

٢٤٣ ...............................................المحل: الفصل العشرون

٢٤٦ ...........................القابل أو الوعاء: الفصل الحادي والعشرون

٢٤٩ ............................الصور أو المثل: الفصل الثاني والعشرون

٢٥١ ................الوجود والصيرورة والمحل: الفصل الثالث والعشرون

٢٥٣ ............الحركة المحلية والتشويش األول: الفصل الرابع والعشرون

٢٥٥ .......العناصر األولى وتركيبها الداخلي ومولدها: ونالفصل الخامس والعشر

٢٦٠ ...........أشكال العناصر األولى األربعة: الفصل السادس والعشرون

٢٦٢ ..........................تحوالت العناصر: الفصل السابع والعشرون

٢٦٥ .................حركات العناصر وسكناتها: الفصل الثامن والعشرون

٢٦٧ .........أصناف العناصر األربعة وتعددها: الفصل التاسع والعشرون

٢٧١ ......الحجارة: الجمادات الصادرة من الماء والتراب: الفصل الثالثون

٢٧٤ ...................أصل االنطباعات الحسية: الفصل الحادي والثالثون

٢٧٩ ...................................اللذة واأللم: الفصل الثاني والثالثون

٢٨٢ ............................المذاقات المختلفة: الفصل الثالث والثالثون

٢٨٥ ......................................الروائح: الفصل الرابع والثالثون

٢٨٧ ...........................السمع والصوت: خامس والثالثونالفصل ال

٢٨٨ ....................................األلوان: الفصل السادس والثالثون

-٤٢١-

الصفحة

٢٩١ ..............العلة اإللهية والعلة الضرورية: الفصل السابع والثالثون

٢٩٢ .............................تلخيص ما سبق: الفصل الثامن والثالثون

٢٩٣ ...............................جنس المائتين: الفصل التاسع والثالثون

٢٩٦ ...................................روح تغذية الجسم: الفصل األربعون

٢٩٧ ......التبصير والعرافة: بنية الكبد ووظيفته: الفصل الحادي واألربعون

٣٠٠ .....................................الطحال: واألربعونالفصل الثاني

٣٠٢ ............................الجوف واألمعاء: الفصل الثالث واألربعون

٣٠٣ ......................العظام واللحم والنخاع: الفصل الرابع واألربعون

٣١١ .............................أصل النباتات: الفصل الخامس واألربعون

٣١٣ ................وظائف العروق وتوزيعها: واألربعونالفصل السادس

٣١٧ .............شرح التنفس وتعليله تعليال آليا: الفصل السابع واألربعون

٣١٩ ..........................نتائج أخرى مماثلة: الفصل الثامن واألربعون

٣٢١ ................................تغذي الجسم: الفصل التاسع واألربعون

٣٢٤ ................................شرح عام لألمراض: الفصل الخمسون

٣٢٧ ..................بب األمراضاألخالط س: الفصل الحادي والخمسون

٣٣٣ .............................أمراض النفس: الفصل الثاني والخمسون

٣٣٦ ............مبدأ الطب الجسماني والنفساني: الفصل الثالث والخمسون

٣٣٦ .......................التعادل بين الروح والجسد:

-٤٢٢-

الصفحة

٣٤١ ......ضرورة ترويض األرواح الثالث معا: الفصل الرابع والخمسون

٣٤٤ ...............اتالتقمص واصل الحيوان: الفصل الخامس والخمسون

٣٤٧ ................................................................الخاتمة

مقدمة حوار اكرتيس

٣٥٠ .....................صحة حوار اكرتيس وميزته العامة: الفصل األول ٣٥٠ ..................................صحة الحوار : - ١ ٣٥٢ ............................ميزة الحوار العامة : - ٢ ٣٥٥ ....................................األنساب األسطورية: الفصل الثاني

٣٥٦ .................................أصل األثينيين : - ١ ٣٥٨ ..............................أصل األطلنطيين : - ٢

٣٦٢ ........................ثينا ووصف األطلنتيسوصف أ: الفصل الثالث ٣٦٢ ............................................أثينا : - ١ ٣٦٤ .....................................األطلنتيس : - ٢

٣٧٠ ..................................شعائر الذبيحة والقسم: الفصل الرابع ٣٧٠ .................................شعائر الذبيحة : - ١ ٣٧١ ...................................شعائر القسم : - ٢

٣٧٣ ..............................مشكلة مصادر الكرتيس: الفصل الخامس

٣٨٣ .................................مخطوطات الكرتيس: الفصل السادس

-٤٢٣-

الصفحة

وار األطلنطيحوار اكرتيس أو الح

٣٨٦ ............ارتياح تيمئس إلى الصمت بعد طول الحديث: المطلع- ١

٣٨٦ ................................... اكرتيس يلتمس إغضاء سامعيه- ٢ ٣٨٩ ......................................... تلخيص معطيات التيمئس- ٣

٣٩٠ .......................................أثينا الزمن الغابر: الفصل األول

٣٩٠ ................................ أثينا ملك هيفستس وأثنا-١

٣٩٠ ...................................... دستور أثينا القديم-٢

٣٩٢ .......................دودها وصف األتكي القديمة وح-٣

٣٩٥ ............................................. مدينة أثينا-٤

٣٩٧ ..............................................األطلنتيس: الفصل الثاني

٣٩٧ ................... لماذا يسمي اكرتيس بأسماء يونانية-١

٣٩٨ .............. األطلنتيس ملك بسذون، ملوكها األولون-٢ ٤٠٠ ............................ موارد األطلنتيس الطبيعية-٣

٤٠١ ........................ تخطيط حاضرة الملك وأبنيتها-٤

٤٠٣ .............ية البالط والهياكل والينابيع ومختلف األبن-٥

٤٠٦ .طبيعتها الجغرافية وتنظيمها: الرقعة الباقية من البالد-٦

٤٠٩ ............... السلطات وحفلة القسم ومحاكمة الملوك-٧

٤١٠ ............................ انحطاط األطلنتيس الخلقي-٨

-٤٢٤-

م٢٠١٤/ الطبعة الثانية نسخة١٠٠٠عدد الطبع