ﻥﺍﻮﻴﳊﺍ ﻙﻮﻠﺳ ﻥﻮﻤﻀﳌﺍ ﰲ...

731
١ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﳌﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﺃﻡ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﺍﳉﺎﻫﻠﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﳊﻴﻮﺍﻥ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻔﲏ ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺍﳌﻀﻤﻮﻥ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺇﻋﺪﺍﺩ: ﺍﻟﻌﺮﰲ ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﲪﻦ ﺳﻌﺪ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺇﺷﺮﺍﻑ: ﺍﻟﺰﻫﺮﺍﱐ ﺍﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺩﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻋﺎﻡ: ١٤٢٦

Transcript of ﻥﺍﻮﻴﳊﺍ ﻙﻮﻠﺳ ﻥﻮﻤﻀﳌﺍ ﰲ...

  • ١

    اململكة العربية السعودية

    جامعة أم القرى

    كلية اللغة العربية

    سلوك احليوان يف الشعر اجلاهلي

    دراسة يف املضمون والنسيج الفين

    سعد عبدالرمحن العريف: إعداد عبداهللا ابراهيم الزهراين:إشراف الدكتور

    رسالة دكتوراه١٤٢٦: عام

  • ٢

    دمةـاملق

  • ٣

    شامخ يف األسوار املضروبة حوهلا بفعل ن علو اإلنسانية م تعاين حقول الدراسات

    حالت دون النظر فيما ف ،ت جمال الرؤية داخل هذه األسوار حجبالباحثني يف إطارها واليت

    من بني هـذه صادرة هود البحثية جعل اجل ي خارجها يف حقول املعرفة األخرى، ما جير

    ، حقيقي يثري املعـارف اإلنـسانية يد، األمر الذي حال دون جتد األسوار وواردة إليها

    ميكن هلـذا أن وال. ا لتبدو يف مضامني خمتلفة تتجاوز النمط املألوف ويستخرج مكنونا

    ونتائج البحوث من شقوق املعرفة األخرى مث تفعيلـها يف النظريات يتم إال بعد استمداد

    ورمبـا . من قبل يعهده وعند ذاك يظفر بطلع جديد مل ،األرض اليت يقوم الباحث حبرثها

    ة املعرفـة مل ، ألن خريط ا العصر أشد من ذي قبل ه البحثي يف هذ كانت احلاجة هلذا التوج

    ـ ت بينها الطـرق قَّ فقد ش دة منعزلة، تعد جزراً متباع فتـداخلت صبت اجلـسور ، ون ،

    ، األمر الذي يفرض ت املعرفة منظومة شديدة االندماج حىت أمس مع الطبيعيات اإلنسانيات

    أن يغذي دراسته بشيء مـن - كاألدب مثالً -حث يف إحدى العلوم اإلنسانية لباعلى ا

    لنظريات العلمية املعاصرة ويف تاريخ ا . ى ليتضاعف بريقها وتسمو نتائجها املعارف األخر

    أصـبح "، حىت صص لتنوير موضوعات حبثهم ثبت كسر بعض الباحثني قيد التخ شواهد ت

    ثرياً من الفالسفة ومنظري الثقافة املعاصرين يلجـؤون أن نرى ك من األمور املعتادة حالياً

    علـى - ، فبينما تستعني جوليا كريستيفا العلمية كمنهل أساسي لتنظريهم ظريات إىل الن

    كيكيته إىل ، يلجأ جاك دريدا يف تف تها عن الشعر بنظرية فيزياء الكم يف نظري - سبيل املثال

  • ٤

    حديث إىل أمهية االستمداد من املعـارف وقد تنبه باحث عريب .)١( "الرياضيات املنطقية

    اطبـاً البـاحثني يف جمـال ، يقول خم دياً بأمهية هذا التنويع الثقايف األخرى فرفع صوته منا

    إمنا أطالبهم وأصر على مطالبتهم باالطالع يف قسمني اثنني من الدراسـات ال ":األدب

    م األحيـاء علـو : ، ومها باألدا إن أرادوا أن يتقنوا عملهم كباحثني يف محميص هلم منه

    إىل االنعتاق من أسر الرسالة اليت بني أيدينا سعى الباحث ويف .)٢( "والدراسات اإلنسانية

    علـى ، ولعل عنوان الرسالة يقوم شاهداً من مناهل املعرفة األخرى ترافالتخصص باالغ

    ن خمتلفان من لونا) اهلي الشعر اجل ( و ) سلوك احليوان ( ـ ف امتزاج معريف تضمه دفتاها،

    .، ينتمي كل منهما إىل جزيرة بعيدة عن األخرىاملعرفة

    * * *

    يف عـي ور رس وتفتق ، غُ ةغة غربي الذهن أن علم احليوان علم ذو صب لقد وقر يف

    كن حني نطلـع ول، ديثةين ذا احلكم اجلهود البحثية احل إذا ع حق، وهذا مدارس الغرب

    ،وا مصنفات نفيسة يف موضـوع احليـوان ألوائل قد خطُّ ي العلماء ا إىل تراث أسالفنا نلف

    ،)حياة احليوان الكـربى ( يف والدمريي ،)احليوان ( وعلى رأسهم اجلاحظ يف موسوعته

    ، وإىل جانب هؤالء أبو حيـان )ئب املخلوقات وغرائب املوجودات عجا( زويين يف والق

    وكـذلك ،)الـشفاء ( الكبري وابن سينا يف كتابه ،)اإلمتاع واملؤانسة ( التوحيدي يف

    لوطين للثقافة والفنون واآلداب، سلـسة عـامل الس ا :الكويت( ، الثقافة العربية وعصر املعلومات بيل علي ن )١(

    .١٣٤، ص) م ٢٠٠١، ديسمرب ٢٧٦املعرفة، ع . ٧٦ص : نظر وت٧٤، ص ) م١٩٦٩، ٢مكتبة اخلاجني، ط: القاهرة ( األديب ، ثقافة الناقد حممد النويهي)٢(

  • ٥

    هذه املصنفات وغريها حوت علماً غزيراً عن كل مـا . إخوان الصفاء يف بعض رسائلهم

    ،الطري واحلشرات وضروب الزواحـف كذا و سواء املستأنس أو الوحشي ،يتعلق باحليوان

    متناولة احلديث عن جوانب عدة كالسلوك والطباع واالنفعاالت وطرق العـيش وأدواء

    اعتمدت أوربا علـى "، ولذا مل يكن مستغرباً أن ان وطرق عالجها وغري ذلك كثري احليو

    ، فكتاب احليوان للجاحظ كان من أهـم ء العرب واملسلمني يف هذا اال مؤلفات علما

    ، أما كتاب حياة احليوان يواناملصادر اليت استند عليها علماء الغرب يف حبوثهم يف جمال احل

    ، وبقي املرجع لطالب العلم يف علم جم إىل معظم اللغات األوربية د تر الكربى للدمريي فق

    ، هذا شاهد على أصالة تلك املـصنفات و ،)١( "مجيع أحناء أوربا بدون استثناء احليوان يف

    ورغم ذلك مل حنصر اعتمادنـا يف . يف هذا اال يه من احلقائق واملعلومات وقدر ما حتو

    تـب ، بل أضفنا إليها ما كُ هذه املدونات فحسب اجلاهليني على إضاءة نصوص الشعراء

    جهود الغـربيني كانت ن وإ واء من قبل علماء الشرق أو الغرب، ، س حديثاً يف هذا العلم

    . أوفر وأغزر

    * * *

    إن علم سلوك احليوان علم يتناول احليوان وهو وحدة متكاملة ولـيس أعـضاء

    واء كـان فـرداً أو يف منظومـة س مفرقة، فهو يركز اهتمامه على احليوان حال حياته،

    ، وأشكال استجاباته للمـثريات نشطتهمناحي أصف وي وطباعه، فرياقب عاداته اجتماعية،

    ،١، طمؤسـسة الرسـالة : بـريوت ( احليـوان إسهام علماء العرب واملسلمني يف علم علي عبد اهللا الدفاع، )١(

    . ٤٩ ص :وتنظر . ١١ ـ ١٠ص ، ص ) م١٩٨٦ /هـ١٤٠٦

  • ٦

    وقد كان للـشاعر اجلـاهلي . أو من داخل ذاته احمليطةمن حوله، سواء كانت من البيئة

    عر ، وغالب ما سجلته عني الـشا نصيب ثر من النصوص املصورة هلذا اجلانب من احليوان

    النصوص ودقـة األوصـاف ومطابقتـها ورغم وفرة مما يقرره العلم ويثبته العلماء، هي

    ، ما جعـل راً مل تطأها قدم باحث فيما نعلم األرض بك ، فقد ظلت هذه يات العلمية نظرال

    ، وهو م واألدب من شعرنا اجلاهلي مسكوتاً عنه هذا اجلانب اخلصب الذي جيمع بني العل

    ن ندخر جهداً يف العمل على إظهارها يف إطـار جيمـع الدقـة ما سنتوىل حبثه بصورة ل

    . والشمول واالستقصاء

    : عدد من األمور من خالل املوضوع أمهية وميكن استجالء

    ضاءه أعو فيصف جسده أن سلوك احليوان ال يبحث احليوان من اخلارج :األول

    ب واألسرار اليت تكشف جانباً من جانباً داخلياً مليئاً بالعجائ، بل يتناول وهي تفاريق ممزقة

    ، وما وهبها من القدرات وأمناط السلوك الـيت عظمة البارئ سبحانه يف تركيب خملوقاته

    هذا اخللق يف عامله على هذه وإمنا بث اهللا تعاىل : " قال أبو حيان التوحيدي . تنظم حياا

    ، يق إىل تعرف خالقها العقل طر ف ب باينة ليكون لإلنسان املشر ق املت لَاألخالق املختلفة واخلِ

    ره اليت جيد ب، ونيل لرضوانه مبا يتزود من عِ توحيده له مبا يشهد من أعاجيبها لصحةوبيان

  • ٧

    لقد كـان و. )١( " إىل طاعة من أبداها وأبرزها حادٍ ، وداعٍ فيها، وليكون له موقظ منها

    ، مة مجيعاً صحابه واأل هذا اجلانب يف أ ا حممد صلى اهللا عليه وسلم حريصاً على تأصيل نبين

    ا طـائر لقد تركنا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وما مير بن : "حىت قال أبو ذر الغفاري

    . )٢( "إال وعندنا من شأنه علم

    نـصوص أن االستعانة باجلهود العلمية احلديثة يف علم احليـوان لقـراءة :الثاين

    ، أما حني نقتصر على لشعرالصحيحة ل عمل على بيان املعاين السلوك يف الشعر اجلاهلي ست

    قيقة أسأنا القراءة وشوهنا احل قد نكون علمية حقائق دس جت دبية يف قراءة نصوص النظرة األ

    شواهد ألخطـاء بعـض القـراء صفحات الباب األول وستمر يف . اليت يريدها الشاعر

    بعض مـا والدارسني يف فهم املعاين الصحيحة لنصوص سلوك احليوان اليت ال ميكن فهم

    . فيها من دون االستعانة بأحباث العلماء

    ـ :الثالث ه أن هذه الدراسة ستربز مدى ثقافة شعرائنا القدامى وقدر مـا حتتوي

    ودقـة اجلاهلي بصفاء عدسـته ، حيث استطاع الشاعر أشعارهم من املعلومات واحلقائق

    . املقررة يف زمننا املعاصر هد تعد من النظرياتتأمله تصوير مشا

    أن جتلية هذا اجلانب العلمي باالرتكاز على شعرنا القدمي قد يساعد على :الرابع

    ى عل ، وقدرة تراثنا خالهلا هويتنا استالل نظرية علمية عربية لعلم سلوك احليوان نثبت من

    ـ ١/١٩٥، )ت . ط، د . املكتبة العصرية، د : بريوت ( أمحد أمني وأمحد الزين : ملؤانسة، حتقيق اإلمتاع وا )١(١٩٦.

    ، ) م ١٩٩٦/ هـ ١٤١٦ط، . دار اجليل، د : بريوت ( عبد السالم حممد هارون : اجلاحظ، احليوان، حتقيق )٢(٢١٢/ ٤.

  • ٨

    ، األمر الذي سيعمل على وضع رصيد العرب من هذا إثبات حضوره وقدرته على العطاء

    .بني التراث اإلنساين العلمي ه بالعلم يف مكانه الالئق

    أن هذا البحث سيقدم وجهاً آخر للحيوان مغايراً لـصورته املـشوهة :اخلامس

    ، فحني هلا يف هيئة جامدة فارغة من احلس املعلقة على جدار الذهن، واليت يتشكل من خال

    آخـر أن له شأناً نضع أيدينا على سلوكيات احليوان القائمة على التنظيم والتعقيد ندرك

    .خمالفاً ملا نعتقد

    أن هذه الدراسة رمبا تدفع إىل إعادة النظر يف تفسري لوحات احليوان يف :السادس

    ، فقد جار الكثري من الدارسني على ة قصصية ين، وخاصة تلك القائمة على ب لقدميشعرنا ا

    ال يـراد وأدوات فنية و أهنا رموز ، أ بالقول بأهنا استطراد غري معين هذه اللوحات مكتفني

    غفلة تامة عن أن ما تضمه تلك اللوحات مـن سـلوكيات احليـوان ، غافلني ا الظاهر

    . وينسجم مع طبيعته بق عليهوطباعه ينط

    أن هذه الدراسة ستعمل على إبراز قدر الوعي الشعري لدى الشعراء من :السابع

    ، وهذا العمل لقصيدةثها بالبناء الفين العام ل وأحدا ملها على ربط مشاهد اللوحة خالل ع

    ، وهو جانب مهم يف بيان أصالة الشعراء ودقة نظرهم يشكل الشق الثاين من هذه الدراسة

    .يف اختيار املشاهد ووضع لبنات النص يف بناء متماسك حمكم

    ما عن انتقاء جدول الشعر اجلاهلي خاصة لبحث سلوك احليـوان فيـه فـألن أو

    ن ، فقد كان احليوان من غريهم وأكثر مشاهدة وخمالطةااجلاهليني كانوا أوثق اتصاالً باحليو

  • ٩

    ، واطالعاً رحباً على ي أتاح هلم معرفة واسعة به ، األمر الذ يساكنهم بيئتهم ويقامسهم إياها

    .أسرار عيشه وأمناط سلوكه

    ، هو العمدة اللباب الفذ من حياة أمة فذة " أن الشعر اجلاهلي هو ويضاف إىل هذا

    ا ، إذ ذلك العهد تصويراً مباشـراً يف وىل يف تصوير حياة العرب بأيديهم األالتارخيية العربية

    ، وإن رضته على النقد اللغوي استجاب لـه ، وإن ع ضته على التاريخ العام استجاب له عر

    .)١( "عرضته على تاريخ احلضارة استجاب له

    ـ رنا حيز ونود التنبيه بأن حص ا وبـني الدراسة يف إطار الشعر اجلاهلي مل حيل بينن

    العام ، وذلك ألن شعرهم يف طابعه حليواناالستعانة ببعض نصوص املخضرمني يف سلوك ا

    ياً ، فكان امتداداً طبيع وصوره بالدين اجلديد وألفاظه أسلوبهجاهلي خالص، إذ مل يتأثر يف

    وحيث كـان لتقسيم،ل، إال حني نتخذ الزمن ال الفن أداة للنمط اجلاهلي يعسر فصله عنه

    واحلقيقة .نييضرمني متصالً بشعر اجلاهل خ شعر امل أبقينا ال حبثاً تارخيياً فقد بياً فنياً عملنا أد

    هـذا إضـافة إىل أن ه جيعل التمييز بينهما عسري سفَأن تركيب شعر الفريقني وروحه ون ،

    ، قبل اإلسـالم أم مي ال ميكن احلكم عليها إىل أي عصر تنت الكثري من قصائد املخضرمني

    . يد عصرها عريت تلك القصائد من املقدمات أو املناسبات اليت تعني على حتدبعده ؟ فقد

    ، إضافة إىل صدور شعراء العصرين من منهل واحد واشـتراكهما ولذا كان هذا اإلشكال

    يف طابع شعري واحد ذي مسات واحدة متثل النمط اجلـاهلي ـ دافعـاً إىل اسـتعانتنا

    ، ط. دار الثقافـة، د :الدار البيضاء ( القرن الثالث اهلجري ، تاريخ الشعر العريب حىت آخر بييت حممد جنيب البه )١(

    .٤٦ ، ص )م١٩٨٢

  • ١٠

    وينبغي التنبـه إىل أن . خالصة العام جاهلية ا كانت يف بنائها مـ املخضرمني ل بنصوص

    " تستقر فيها النفوس وتتفتح فترة ربز الظواهر اجلديدة يف الفن إال بعد عصور االنتقال ال ت

    اً ظهور اإلسالم حـد وعلى هذا ال يصح جعل.)١( "األذهان على متطلبات العهد اجلديد

    الباً على شعراء ة تؤكد بقاء هذا النمط غ ونة الشعري ، فاملد النتهاء النمط الشعري اجلاهلي

    ، ل املخـضرمني ـس اجلاهلي إىل رحيل جي فَ، حىت لقد مد البعض هذا الن ما بعد اجلاهلية

    ثـل ميلدوا وقالوا الشعر قبل اإلسالم قد رمني الذين و ضانقراض جيل الشعراء املخ "ـ ف

    -هـ ٥٩ حوايل سنة -طيئة صح القول بأن وفاة احل ، فإذا ملنا إىل التحديد بداية النهاية

    .)٢( "س اجلاهلي فَتراجع النكان اإليذان ب

    * * *

    دراسات ال: مها و مرين هامني يف سياق هذه املقدمة وهنا ال بد من التعريج على أ

    .، واملنهج املتبع فيه السابقة يف موضوع الرسالة

    ـ ١٤١٨، ٥مؤسسة الرسالة، ط : بريوت ( الم فيه ، شعر املخضرمني وأثر اإلس حيي اجلبوري )١( ، ) م١٩٩٧/هـ

    . ٣٤٩ص جملة امع العلمي : اد بغد( م ، عناصر الوحدة الثقافية يف الشعر العريب عصر ما قبل اإلسال اجلادر حممود عبد اهللا )٢(

    ولالستزادة يف هـذه . ٢٣٢، ص ) م ١٩٨٢نيسان /هـ١٤٠٢، رجب ، اجلزءان الثاين والثالث ٣٣العراقي، مج ط، .دار سـعد الـدين، د : دمـشق ( وهب رومية، بنية القصيدة العربية حىت هناية العصر األموي : القضية ينظر

    : القـاهرة ( وسيد نوفل، شعر الطبيعة يف األدب العريب . ٢٧٨- ٢٧٧ و ٢٥١، ص ص ) م ١٩٩٧/هـ١٤١٨وشوقي ضيف، التطور والتجديـد يف الـشعر األمـوي . ١٢١-١٢٠، ص ص ) م ١٩٧٨، ٢دار املعارف، ط

    و أنور أبو سويلم، اإلبـل يف الـشعر اجلـاهلي . ١٧-١٣، ص ص ) م ١٩٧٧، ٦دار املعارف، ط : القاهرة ( و تقدمي عمر الدسوقي لديوان الشماخ بتحقيـق . ١١، ص ) م ١٩٨٣/هـ١٤٠٣، ١دار العلوم، ط : الرياض (

    .١٠-٩، ص ص ) م ١٩٦٨ط، .دار املعارف، د: القاهرة ( صالح الدين اهلادي

  • ١١

    على مصنف أو جـزء - حسب ما توصلنا إليه -أما الدراسات السابقة فلم نعثر

    ، ملعاجلة اليت نزمـع ممارسـتها ا يعاجل احليوان يف الشعر اجلاهلي اب أو حبث منشور من كت

    ، وتـسعى لربطهـا ها على األمناط السلوكية للحيوان تركز يف جانب من اليت وهي تلك

    .احلديثة بالبحوث العلمية

    بعملية ي يقوم أوالً ، فهو منهج وصفي حتليل ملنهج املتبع يف حبث هذا املوضوع وأما ا

    ر النصوص املتعلقة بسلوك احليوان، مث تـصنيفها يف ونة الشعرية اجلاهلية حلص مسحية للمد

    مادة الدراسة على الدواوين ولن نقتصر يف مجع . اً نيربز كل حقل لوناً سلوكياً مع ي حقول

    إىل إضـافة ،، بل سنضم إليها اموعات الشعرية من املختارات وكتب احلماسة فحسب

    .، وكذلك النصوص املبثوثة يف املصادر األدبية القدمية ياتالدواوين املنشورة يف الدور

    احليوان، كاجلـاحظ ونشري إىل أننا سنعتين عناية بالغة جبهود أسالفنا يف موضوع

    . زويين والدمريي وابن سيناء والتوحيدي ، مث القأوالً

    * * *

    ـ ف من مقدمة ومتهيد وبابني يضم كل واحـد م والرسالة اليت بني أيدينا تتأل هما ن

    .، مث تأيت اخلامتة يف هناية احلديث عدداً من الفصول

    تكلمنا ، مث واصل ومد اجلسور بني جزر املعرفة أما املقدمة فعرضنا فيها لضرورة الت

    .ى املنهج املتبع فيه ومصادره الكرب، ودراساته السابقة وعن أمهية موضوع الرسالة

  • ١٢

    تمهيد سنعرض األسباب اليت هيأت للعرب القدماء معرفة باحليوان وأتاحت ويف ال

    .هلم االطالع على أسراره وأمناط سلوكه

    ، ويتألف من ة سلوك احليوان يف الشعر اجلاهلي أما الباب األول فمخصص لدراس

    : مخسة فصول

    : نظام هي ، ويضم ثالثة أمناط هلذا ال كلم عن النظام االجتماعي للحيوان يت: األول

    .العالقة احلميمة و، ع، واألسرة احليوانيةسلوك التجم

    شـكال ، ويـضم عـدداً مـن األ يتحدث عن سلوك السيطرة :والفصل الثاين

    . والوحدة والتفرد،، ونفي الشركاءاالمتالك اجلغرايف، والقيادة: ، وهي السلوكية

    ـ سنعرض : ويف الفصل الثالث : ة حمـاور لسلوك الصراع عرب احلديث عن ثالث

    .و والفرار والعد، واالحتيال والتخفي،املطاردة واالفتراس

    ، وقد تـشكلت السلوكيات اهلادفة لصيانة البقاء فيتحدث عن : أما الفصل الرابع

    . ، واالهتداء ، والظمأ، والزادة واتقاء أحوال الطبيع،االستكشاف: يف مخسة أمناط هي

    ناه للحديث عن نظام التواصـل لـدى يأيت الفصل اخلامس الذي خصص وأخرياً

    فعرضنا النصوص الشعرية الدالة على امتالك احليوان جسراً لغوياً يتبادل املعلومات ،احليوان

    .من خالله

  • ١٣

    بـع لوك احليوان يف نسيج القصيدة ويتتوبعد ذلك يأيت الباب الثاين الذي يدرس س

    والباب يتكون مـن م للنص الشعري، ناء العا اخليوط الفنية والنفسية الدقيقة اليت تربط الب

    :ستة فصول

    ، ويعـرض آراء دث عن الوحدة يف القـصيدة القدميـة فصل نظري يتح : األول

    .املؤيدين واملعارضني من القدماء واحملدثني

    كل فصل بقراءة عدد عىن هذا الباب فهي فصول تطبيقية ي أما الفصول املتبقية من

    السر يف انتقاء الشاعر هذا النوع بنيي، ف من احليوان الشعرية املختصة بضرب من النصوص

    املنشئ لوحة ومشاهدها وأحداثها مع نفسية ال ، ومدى انسجام بنية يوان دون غريه من احل

    وقد جـاءت الفـصول ـذا . بكل ما فيه من الشرائح كامال ، مث مع نسيج النص أوالً

    :الترتيب

    .سلوك الناقة يف نسيج القصيدة : الفصل الثاين

    .سلوك احلمار الوحشي يف نسيج القصيدة : الثالث الفصل

    .سلوك الثور الوحشي يف نسيج القصيدة : الرابع الفصل

    .سلوك الظليم وأنثاه يف نسيج القصيدة : اخلامس الفصل

    .سلوك الطري يف نسيج القصيدة : السادس الفصل

    .ص نتائج الدراسة هناية املطاف جتيء اخلامتة لتلخويف

  • ١٤

    * * *

    االعتراف بالفضل أتقدم بالشكر الوافر ألستاذي الدكتور وومن واجب أداء احلق

    ، وشد بكفـه ، وسجاين بكرمه، ورعاين بيده احلانية ين بفضله اهللا الزهراين الذي جلل عبد

    نتـشر ، ومحلين على راحلته حني تكثـر العقبـات وت يدي حني تشتد عتمة الطريق على

    ، خلقه مقدار ما غرفت من حبر علمـه ، ولقد هنلت من أهنار األشواك اليت تعوق املواصلة

    ، وعلـي الفضل فيما انتهى إليه هذا العمل، فله فضل حسنه فلله مث ألستاذي الكرمي يعود

    .وزر سيئه

    وقبل أن يلج القارئ الفاضل يف أرض هذه الرسالة أستأذنه يف القول بأين أملـس

    :صف طريقاً مضالً تشااً بيين وبني تأبط شراً حني قال ي

    خابرعت الن يلَثبت ومل يدليلٌ مل يهدين لَه تعسفْته بالليـِل

    نقص ال عملي هذا من يفإذا كان تأبط شراً يقول هذا مفتخراً فإين أقوله معتذراً عما يبدو ف

    د من قبـل، السري يف طريق مل ميه - كما اعتسف تأبط شراً -قصري، فقد اعتسفت تالأو

    دياً أثار كـوامن العزميـة ، بل كان حت على إطفاء شعلة احلماسة عامالً إال أن هذا مل يكن

    . اً منه ن مل تكن تامة الكمال فلعل هلا حظ منطقة إلوقوف بعربة البحث يفل

  • ١٥

    دـالتمهي

  • ١٦

    يف مل يكن اإلنسان القدمي يرى احليوان شيئاً منفصالً عنه، بل كان يراه ركناً رئيساً

    ، فهما عمق تشابه أإىل ويقامسه بيئته، ويتعدى األمر هذا ،حياته، فهو يعيش معه على أرضه

    ره، حىت قا مناخ واحد يقاسيان حره و ميعيشان حياة تعصف ا ظروف متطابقة، ويكتنفه

    فترى احليوان يبتهج كما يبتهج اإلنسان حـني ،ا واحد وهو مطر السماء مإن مورد رزقه

    حيث جيد احليوان يف هذا ضماناً للحياة، كما يرى اإلنسان يف ذلـك ،ائهاجتود السماء مب

    أي حد يبلغ الـتالحم إىلنظر اف، ضماناً له هو، ألن حياة احليوان ضمان لإلنسان وحياته

    .بني اإلنسان واحليوان

    بني اإلنسان واحليوان هيأ لألول معرفة عميقـة حبيـاة يلتماههذا االختالط بل ا

    أمل عامله العجيـب، بـل تاعه، فصور ذلك يف شعره تصويراً دقيقاً أتاح لنا احليوان وطب

    يقول اجلاحظ مـصوراً مـدى االخـتالط . مشاعره خفق نفسيته لسماع إىلوالتسلل

    هذه األجناس الكثرية ما كان منها سبعاً أو يمـة أو " : والتجاور بني اإلنسان واحليوان

    ا، فقد نزلـو ومناشئهموهي يف منازهلم ... د الوحش مشترك اخللق فإمنا هي مبثوثة يف بال

    . )١( " وهم أيضاً من بني الناس وحش أو أشباه الـوحش ،كما ترى بينها، وأقاموا معها

    ونتيجة هلذا االختالط جاءت طائفة كبرية من أمثال العرب مرتكزة على احليوان، تلقـي

    إمنا كانت العرب أكثر أمثاهلا : " الضوء على جوانب من سلوكياته وعاداته، قال الدمريي

    .٦/٢٩، الحيوان، الجاحظ)١(

  • ١٧

    مضروبة بالبهائم، فال يكادون يذمون أو ميدحون إال بذلك، ألهنم جعلوا مساكنهم بـني

    .)١(" السباع واألحناش واحلشرات فاستعملوا التمثيل ا لذلك

    على مقربة من اجلاهليني قد كان عامل وحدة البيئة من أهم األسباب اليت جعلت ل

    زاد هذا االرتباط أن اجلاهلي كـان ما و ،م معرفة حياته وأسرار عيشه احليوان فأتاحت هل

    ها عامله ا ألنه كان ير ا،رهيبدي تأففاً من لفح هجريها أو لسع زمهر ال ي يعشق الصحراء و

    يـداً ح ورمبا كان فيها و ،أسفاره ورحالته اليت ال تكاد تنقطع كتنف ي ي ذالفسيح املمتد ال

    . فيأخذ يف تأمله ومراقبة سلوكهان الوحشي له اقتراب أكثر من احليو فتهيأ

    , شد احلاجة إليه أاً يف معرفة احليوان أهنم كانوا يف قمع امىقدال للعرب أضافومما

    - األهلي خاصة عيننو -فاحليوان , كان عمود حياة اإلنسان هنأحىت رمبا صح لنا القول ب

    ى ظهره أمحاله وأمتعته، وقوة اإلنسان ضارباً يف األرض، وقوة محل أناخ عل هقوة نقل ركب

    ينه علـى تع بالطعام والشراب، وقوة أمدتهقوة اقتصادية و عسكرية استعان به يف غاراته،

    ته اليت سييته اليت تكنه من احلر والقر، ومادة أك بالشتاء حيث أمده مبادة أخ و مقاومة اهلجري

    شمل مجيـع وجـوه فتأمل كم يقدم احليوان لإلنسان من خدمات ت . مل جيستتر ا ويت

    قال اهللا تعاىل متحدثاً عن منافع . حياته لتعرف قدر احليوان عند اإلنسان وعلو قيمته لديه

    أومل يروا أنا خلقنا هلم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم هلا مالكون، وذللناهـا هلـم ( احليوان

    .)١() وهلم فيها منافع ومشارب أفال يشكرون ،فمنها ركوم ومنها يأكلون

    .١/١١) ت .، د١دار إحياء التراث العربي، ط: بيروت ( حياة الحيوان الكبرى )١( .٧٣ ، ٧٢، ٧١، يس)١(

  • ١٨

    فـاحليوان األهلي منـه فحـسب، ىوهذه احلاجة للحيوان ليست مقصورة عل

    عنه يف بيئة يغلـب مصدراً غذائياً ال غىن فكان بذلك ، حمور أنشطة الصيد كان الوحشي

    نشري إىل أن الصيد كان من أكثر العوامل اليت و .عليها اجلفاف وتضيق فيها موارد الرزق

    له تأمل طباعه، يتيح القانص يضطر إىل الدنو منه دنواً أتاحت للعرب معرفة باحليوان، ألن

    ال بـد يةعد معرفة ضـرور يورصد كافة جوانب سلوكه وعاداته، وهذا التأمل والرصد

    . صيد من اإلحاطة ا ملراعاا أثناء ممارسة النصللقا

    * * *

    ولقد انعكست على صفحة الشعر اجلاهلي آثار خمالطة العرب للحيـوان وقـدر

    هم به، فقد كان الشعراء لصفاء أعينهم ودقـة أمسـاعهم ال يـدعون شـيئاً مـن معرفت

    عامله إىل مصدراً رئيساً لدراسة احليوان والنفاذ أشعارهم كانتف السلوكيات إال صوروه،

    عن حياة احليوان يف مكان رفيع من حيث الشعرية تلك امللحوظات وتقع. الداخلي املثري

    : ثالثة قتها، وذلك ألسبابدأمهيتها و

    أن الشعراء صوروا احليوان حال حياته فتمكنوا من مالحظـة أنـشطته : األول

    .املختلفة

    أهنم سجلوا ملحوظام عن احليوان يف وسـطه الطبيعـي، أي يف بيئتـه : الثاين

    .األصلية اليت ولد ونشأ ومات فيها

  • ١٩

    دة البيئة ابع عن وح ني استغرقته تلك املشاهدات، وهذا ذطول الزمن ال : الثالث

    طول حياته، ما باليت ا متكن اإلنسان من تأمل احليوان وقتاً ممتداً و آنفاً، عنها اليت حتدثنا

    . وملحوظاته عن احليوان دقيقة وشاملة ملختلف أمناط السلوك والطباع هجعل صور

    اليت هي يف حقيقتها عوامل مـساعدة - وبعد التأمل جند أن هذه األسباب الثالثة

    علماء سلوك احليـوان يف بعض مل تتح ل -اسة سلوك احليوان وحتقيق الدقة فيها لنجاح در

    فكانـت ، دراسام قائمة على دراسة احليوان ميتـاً ال حيـاً أكثر ألنالعصر احلديث،

    جهودهم منصبة على فصل أجزاء احليوان بعضها عن بعض، مث تشرحيه وفحصه فحـصاً

    . ولوجي الكبري يف تقنية ااهر وصـناعة العدسـات جمهرياً دقيقاً أعان عليه التقدم التكن

    م التقدم يف هذا التوجه البحثي إال أنه ال يقدم شيئاً عن حياة احليوان وعاداته الفردية غور

    . عليها إال بدراسته حياً، وهو ما صنعه الشاعر اجلاهلي اإلطالعجتماعية اليت ال ميكن الوا

    ئقاً يف الدراسات احلديثة لعلم احليوان، ألهنا خر عا آلأما الوسط الطبيعي فيمثل هو ا

    صار تعايشهما يف بيئة واحدة غـري ف ،ن بيئة اإلنسان عانفصلت يف هذا الزمن بيئة احليوان

    وهلذا بات عسرياً على علماء السلوك يف هذا العصر وحتضره،متاح يف ظل تطور اإلنسان

    .سلوكه بيئة احليوان واالندماج معه فيها لدراسة إىلالنفاذ

    وكذلك فإن الزمن شكل عائقاً لعلماء هذا العـصر، ألن تـسجيل امللحوظـات

    ، بل البد من البقاء معه يف بيئته زمناً ميتد ه عامل إىلة عتم بزيارة سري يالعلمية عن احليوان ال

    لسنوات عديدة يف بعض احلاالت، وهذه عقبة حبثية كربى حالت دون التقدم املرجـو يف

  • ٢٠

    البيئـة إىل الوراء إىل ة جعل ارتداده نيبيئته املد بيوان، ألن استقالل اإلنسان جمال سلوك احل

    يف حني مل يكن الشاعر اجلاهلي يعرف بيئة أخرى غري بيئته ،البدائية أمراً يف غاية الصعوبة

    . احليوان العيش فيها هاليت يشاطر

    ات البيئيـة إن علماء هذا العصر يقرون بصعوبة دراسة سلوك احليوان بسبب العقب

    راهم يؤكدون على أن حتقيق النجاح يف هذه الدراسات ال يتم يف املختربات ت لذا ،والزمنية

    بل يف الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه احليوان، مع ضرورة عدم إحداث ،ومراكز البحث

    إىلي نفهم سلوك حيوان ينتمي لك ف " ،اس بصورته العامة سأي تغيري يف هذا الوسط أو امل

    ذلك تعذرني، ينبغي أوالً أن نالحظ بدقة كيفية ارتكاسه يف حميطه الطبيعي، وإذا نوع مع

    الطبيعي مـا يشبه حميطه له ومل يكن باإلمكان دراسة احليوان إال أسرياً، ينبغي إنشاء حميط

    فعل احليوان حقيقة يف وضع أو يف آخر، ي نالحظ يف هذا احمليط ما أن عندئذ ميكننا ،أمكن

    العامل إىلذه الطريقة فقط نستطيع فهم احليوان وفهم نظرته اخلاصة . فعله ال ما يستطيع

    .)١(" احمليط به

    البيئـة عن احليوان كان ينطلق مـن هن الشاعر اجلاهلي يف صور أوسبق أن بينا

    ـ الطبيعية ـ ه اليت يساكنه احليوان فيها، وحني تتاح هذه الفرصة للعامل احلديث فإن شعر ي

    لكن هذه التجربة ،ملحوظاته، ألهنا حققت الشرط الرئيس لدراسة السلوك ةبتميزه وأمهي

    ـ يقول أحد علماء سلوك احليوان مب ،البحثية العسرية ال تتهيأ إال للقليل ة هـذا راً نـد ين

    لدا )١( وانيفي برنيي سلوك الحي ت، التطور وال ة ول ل األ: ، ترجم د وائ يم تمحم هيل حك ( اسي وس

    .٩٦ ، ص )م١٩٨٤، منشورات وزارة الثقافة: سوريا

  • ٢١

    تيحت هلـم الفرصـة أُ كان من حسن حظ بعض العلماء أن " :الضرب من الدراسات

    والواقع أنه قليالً ما تتاح هذه الفرصة ...اصة ا يف بيئاا الطبيعية اخل اتملالحظة احليوان

    جوارهم بعض احليوانات الـيت إىلألحد العلماء، والذين يسعدهم احلظ هم الذين يكون

    شعراء اجلاهليني متيز ال السر يف كانت إذن فمخالطة احليوان . )١( "ميكنهم القيام بدراستها

    ن اجلاحظ يف موسوعته يستقي معارفـه هلذا مل يك واستحقاق أوصافهم للبحث والنظر، و

    إن املولد ال يؤمن عليه ": عن احليوان من شعر احملدثني، يقول مبيناً شرط املخالطة وأمهيته

    وليس كاألعرايب الذي إمنا حيكي املوجود الظـاهر ،)٢(خيالً يف ذلك األمر داخلطأ إذ كان

    مستغرباً خطأ احملدثني يف وصـف مل يكن وهلذا . )٣(" ي ذعرفته غُ له، الذي عليه نشأ، ومب

    من ذلك ما عيـب وه أو يساكنوه كما كان عليه أوائل الشعراء، و ألهنم مل جياور احليوان

    : على أمين بن خرمي يف قوله ميدح بشر بن مروان

    ـا قد وجفإندنٍرـ بشا أم ادراً ولوا مذك األسِدكأم

    .)١( " الكرمية عسرة نزرة النتاج اتحليوان يف أن جعل أم األسد ولوداً، ألن اأ أخط"ألنه

    العني واألذن البشريتني وخمالطة احليوان يف وسطه الطبيعي طيلة ومما سبق يتبني أن

    عوامل بوأت الشعراء اجلاهليني مكانة رفيعة يف وصف احليوان ونعت سلوكياته، زمن ممتد

    وان )١( ول سكوت، سلوك الحي ة جون ب ل وع : ، ترجم د خلي د الحمي د عب د الحافظ حلمي محم ( ب

    . ٣٣ ص ،)ت . د ،ط. ي، د مؤسسة الخانج: القاهرة .ني وصف الحيوان عي )٢( .١٨٤-٤/١٨٣، الحيوان)٣(د : ق ، تحقي الموازنة بين أبي تمام والبحتري ،مدي اآل )١( د الحمي دين عب روت ( محمد محيى ال : بي

    .٤٣، ص )ت .دط، . المكتبة العلمية، د

  • ٢٢

    العلماء لدراسة سلوك احليوان التقدم التكنولوجي الذي طوعه بآليام تلك وا فاق حىت رمبا

    األمر الذي يفرض على الباحث النظر ،اسةس التسجيل احل وآالتممثالً بكامريات التصوير

    إىل ملحوظات الشعراء بعني الواقعية واإلميان بصدقها لكوهنا قد حققت الشروط الواجب

    . توفرها لدراسة احليوان

    ات احليوان أهنا يف كثري منها ومما يلفت النظر يف ملحوظات الشعراء حول سلوكي

    جوانب إنسانية خالصة يلتقي فيها احليوان مع اإلنسان، ولكن اإلقـرار ـذا التقـاطع

    السلوكي يواجه من قبل الكثري باالستنكار والرفض بسبب النظرة االستعالئية اليت تـضع

    أسر هذه وحني حناول االنعتاق من . اجلماد العاري من احلس والشعور احليوان يف حكم

    الرؤية فإننا نصاب بالدهشة ملا تنطوي عليه حياة احليوان من العجائب اليت تزداد تنوعـاً

    كلما ازداد الباحث تأمالً، األمر الذي يزيد الناظر إمياناً خبالقه وتعجباً من حكمته فيمـا

    احثون وهلذا كان الب . أودع هذه املخلوقات من الطباع ونظم العيش البالغة الدقة والتعقُّد

    يف احليوان هم أكثر اخللق إمياناً مبا تنطوي عليه مملكته من دفائن احلكم ولطيف املعـاين،

    وإذا : " تأمل قول اجلاحظ وهو يصور دهشته ويدعوك إىل مشاركته التأمـل واالعتبـار

    مسعت ما أو دعها اهللا تعاىل من عظيم الصنعة، وما فطرها اهللا تعاىل عليـه مـن غريـب

    أجرى بأسباا من املنافع الكثرية، واحملن العظيمة، وما جعل فيها من الـداء املعرفة، وما

  • ٢٣

    أجللتها أن تسميها مهجاً، وأكربت الصنف اآلخر أن تسميه حشرة، وعلمـت -والدواء

    .)١(" أن أقدار احليوان ليست على قدر االستحسان، وال على أقدار األمثان

    وان تتبدى لنا أسرار جيل ا قدر احليوان وحني نتقدم أشواطاً يف دراسة سلوك احلي

    لدينا ملا يتسم به من القدرات املذهلة اليت يبذّ ا البشر من غري تعلم أو تلقني، حـىت إن

    ال يقدر عليه حـذاق رجـال الـرأي، " كثرياً من أجناس احليوان بلغت يف ذلك قدراً

    س أكملهم خـصاالً وأمتهـم وفالسفة علماء البشر بيد وال آلة، بل ال يبلغ ذلك من النا

    فأحسنت هذه األجناس بال تعلم ما ميتنع على اإلنسان وإن تعلَّـم، فـصار ال ... خالالً

    .)٢(... " حياوله، إذ كان ال يطمع فيه

    ويعرض القرآن الكرمي منوذجني فريدين للحيوان يظهر فيهما مضارعاً للبشر، بـل

    الرأي وحسن التمييز، األول يف النملـة، ظاهراً على كثري منهم يف جودة البيان وصواب

    حىت إذا أتوا على وادي النمل : ( أما النملة فقد قال اهللا جل وعز فيها . والثاين يف اهلدهد

    قالت منلة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ال حيطمـنكم سـليمان وجنـوده وهـم ال

    طر صاحت فيمن معها ، فانظر إىل اتزان رأيها وبعد نظرها، فحني أحست باخل )٣()يشعرون

    مث تأمل ختام قوهلا الذي يفيض . حتذرهم وحتضهم على اللجوء إىل معاقلهم طلباً للسالمة

    رقة حيث التمست العذر لسليمان عليه السالم وجنده بأهنم لو أحلقوا بالنمل ضرراً فإهنم

    ) . وهم ال يشعرون ( غري قاصدين، ألن دقة جرم النمل جتعل اجليش يدمههم

    .٦/٦، الحيوان)١( .٧/١٧ : وينظر٣٧-١/٣٦، المصدر السابق )٢( .١٨، النمل )٣(

  • ٢٤

    ستمع إىل النموذج اآلخر الذي جاء يف اهلدهد، قال تعاىل حكاية عنه يف إنكاره ولن

    وجدا وقومها يسجدون للشمس من دون اهللا وزين : ( ما وجد عليه ملكة سبأ وقومها

    هلم الشيطان أعماهلم فصدهم عن السبيل فهم ال يهتدون، أال يسجدوا هللا الـذي خيـرج

    ما ختفون وما تعلنون، اهللا ال إله إال هو رب العرش اخلبء يف السماوات واألرض ويعلم

    ، فاهلدهد هنا يتحدث مبنطق العاقل املميز حني ينكر السجود لغري اهللا، ويدعو )١() العظيم

    وهذا : "إىل االستدالل على اخلالق بآياته، مث خيتم بإفراد اهللا باأللوهية وامللك، قال اجلاحظ

    .)٢(" املميزين املستدلني الناظرين يدل على أنه أعلم من ناس كثري من

    وإذ رأينا مثالني للحيوان يف حكمته وصواب رأيه فإن األمثلة على ما يتسم به من

    اخلصائص السلوكية اليت يوازي ا اإلنسان أو يفوقه أوفر وأغزر، فالكلب مثالً يتحلـى

    وحنن نعلم أن " : بكثري من الصفات اليت يعرى منها البشر، نص على ذلك اجلاحظ بقوله

    لو رام الشيء الذي حيسنه الكلـب يف ... أدق الناس حساً وأرقهم ذهناً وأحضرهم فهماً

    كثري من حاالت الكلب لظهر له من عجزه وخرقه وكالل حده وفساد حسه ما ال يعرف

    . )١(... ) بدونه أن األمور مل تقسم على مقدار رأيه وال على مبلغ عقله وتقديره

    أصناف احليوان مكاناً رفيعاً من حيث الطهارة ورعاية القرىب، فتجد وحتتل بعض

    قرأت يف كتـاب : " الذكور ال تنـزو على اإلناث اليت تتصل معها برحم، قال ابن قتيبة

    .٢٦ – ٢٤، النمل )١( .٧٨ / ٤، الحيوان )٢( .١١٧ -١١٦/ ٢الجاحظ، الحيوان، )١(

  • ٢٥

    ، ولو وقع هـذا مـن )٢(" من كتب الروم أن اإلبل تتحامى أمهاا وأخواا فال تسفدها

    فهل يبلغ ندم بين آدم ! )٣(سها لشدة ما جتد من الندم ذكور اإلبل خطأً فإهنا رمبا قتلت أنف

    على ذنوم هذا احلد الذي يبلغه احليوان ؟

    ولعل أجل ما يتسم به احليوان من الفضائل الدالة على نبله أنه ال يقدم على قتـل

    فالوحوش ال تقتل املخلوقات األخـرى " بين جنسه، وال تسول له نفسه االعتداء عليهم،

    ترى هل كـان . )٤(" بتهاج، وال تعذب الوحوش أبناء جنسها إىل أن لكهم أملاً رد اال

    الشنفرى مطَّلعاً على خصال احليوان هذه حني قرر االنسالخ من اتمـع البـشري إىل

    : اجلماعة احليوانية اليت أعلن عن هوية أفرادها بقوله

    هقَطُ زوأَر ملَّسع أَلُويل دونكـم أهلون سيدلولُُ وعـرفاُء جي )١(هم الرهطُ ال مستودع السر شائع لديهم وال اجلاين مبا جر يخذلُ؟

    * * *

    وحيث فاق احليوانُ اإلنسانَ يف بعض اجلوانب فقد شاركه يف جوانب أخـرى،

    ـ ه فنقاط التقاطع السلوكية بينهما كثرية جداً، ورمبا كان احليوان األصل يف ذلك مث يشب

    إن أخالق أصناف احليوان الكثرية مؤتلفة يف : " اإلنسان به أو جيرى جمراه، قال أبو حيان

    ار، )٢( ون األخب اهرة ( عي ب المصرية، ط: الق د : وينظر . ٢/٧٥، ) ١٩٩٦، ٢دار الكت ن عب اب

    .٦/٢٥٥، ) ت .، دط.دار الجيل، د: بيروت ( أحمد أمين ورفاقه : ربه، العقد الفريد، تحقيق .١٨/ ١الدميري، حياة الحيوان الكبرى، : ينظر )٣(ة )٤( ديب، ترجم اريخ التع روود، ت اردت ه دوان : بيرنه دوح ع شق ( مم دي،ط: دم ، ٢دار الجن

    .١١، ص )م ١٩٩٨ق )١( سدوسي، تحقي رو ال ن عم ؤرج ب د م ي في ه، ألب ب : ديوان ر غال ي ناص اض ( عل : الري

    . ٦٧، ص ) م ١٩٩٨/هـ١٤١٩، ١ب، طمطبوعات مجلة العر

  • ٢٦

    نوع اإلنسان، وذلك أن اإلنسان صفو اجلنس الذي هو احليوان، واحليوان كـدر النـوع

    وحني تتأمل جتد يف طبع اإلنسان وخلقه بعض خصال احليـوان . )٢(" الذي هو اإلنسان

    أصنافه، فتجده قد أخذ شيئاً من أخالق السباع، وحاز عدداً مـن سـجايا املتفرقة بني

    احليوان األهلي، ورمبا عثرت فيه على شيء من خصال الطري وأصناف اجلـوارح، ولـذا

    العامل الصغري سليل العامل الكبري، ملا وجدوا فيه من مجيع أشكال مـا يف " سمي اإلنسان

    .)٣(" مما يف البهائم والسباع خلقني أو ثالثة ورمبا وجدوا فيه ... العام الكبري

    وكانت بعض سلوكيات احليوان مطلباً نفيساً لإلنسان حرص على اقتفائها وحث

    خذ من احلمار شكره وصربه، ومن الكلب : " غريه عليها، من ذلك ما نسب حلكيم قوله

    خـذ مـن " : وقال بعض احلكمـاء . )١(" نصحه ألهله، ومن الغراب كتمانه للسفاد

    اخلنـزير بكوره يف احلوائج، ومن الكلب نصحه ألهله، ومن اهلرة لطف نفـسها عنـد

    وقد استمسك ابن املقفع ذا القول فعمل به، وأعلن ذلك غري خمٍف تعلُّمـه . )٢(" املسألة

    أخذت من كل شيء أحسن ما فيه، حـىت مـن الكلـب : " من هذه الفصائل، يقول

    وأعاد بعض املتميزين من الرجال سـبب . )٣(... " الكلب واخلنـزير واهلر، أخذت من

    مب أدركت ما أدركـت : قيل لبزرمجهر " تفوقهم إىل اقتفائهم احليوان يف بعض سلوكه،

    .١/١٤٣اإلمتاع والمؤانسة، )٢( .٢١٣ -١/٢١٢الجاحظ، الحيوان، )٣(ق )١( ار، تحقي صوص األخب رار ون ع األب شري، ربي ي : الزمخ ليم النعيم راق ( س وزارة : الع

    .٤/٤٠٢ ،)ت .ط، د.األوقاف والشؤون الدينية، الكتاب الثالث عشر، د .١/١٤٤لتوحيدي، اإلمتاع والمؤانسة، أبو حيان ا)٢(ق، تحقيق )٣( ق للتلفي راهيم صالح :الثعالبي، التوفي ة، : دمشق ( إب ة العربي مطبوعات مجمع اللغ . ٧٨، ص )م ١٩٨٣/هـ١٤٠٣ط، .د

  • ٢٧

    ببكور كبكور الغراب، وصرب كـصرب احلمـار، وحـرص كحـرص : من العلم ؟ قال

    وان بعـض سـلوكياته، وكما أن العاِلم يفوق أقرانه إذا استقى من احلي . )٤(" اخلنـزير

    فكذلك من يتصدر ملنصب القيادة ال ميسي قائداً عظيماً إال إذا اجتمعت فيه عشر خصال

    سخاء الديك، وحتنن الدجاجة، وقلب األسد، ومحلـة اخلنــزير، : " من طباع احليوان

    وروغان الثعلب، وختل الذئب، وصرب الكلب على اجلراحة، وحذر الغـراب، وحراسـة

    وثوب الفهد، وصيد العقاب، واسـتالب : وزاد بعضهم . )١(" اية احلمام الكركي، وهد

    . )٢(احلدأة، ومجع الذرة

    ومما يبني متيز احليوان أيضاً ممارسته سلوكاً يعد من أخص مزايا اإلنسان وأدله على

    احلكمة وحسن التدبري، وهو أن أصنافاً من احليوان تعتمد سياسة التخطـيط للمـستقبل،

    دم مبعطيات احلاضر، وحيث إن احليوان ال يعنيه إال صيانة بقائه وحتصيل عيشه، وبناء القا

    وأجناس : " قال اجلاحظ . فإن ختطيطه ملستقبله ال يتجاوز ما يهمه يف حياته، وحسبه هذا

    من احليوان تدخر، وتشبه يف ذلك باإلنسان ذي العقل والروية وصاحب النظر يف العواقب

    وقـد . )٣(" الذر والنمل والفأر واجلرذان والعنكبوت والنحل : مثل والتفكري يف األمور،

    يظهر بني هذه األنواع ما يظهر بني البشر من التعاون لتحقيـق األهـداف، ألن الغايـة

    .٧٨ المصدر السابق، ص )٤(ار، : والنص تجده عند . ٣٥٤ – ٢/٣٥٣الجاحظ، الحيوان، )١( ون األخب ة، عي . ١/١١٥ ابن قتيب

    سة، اع والمؤان دي، اإلمت ق . ١/١٤٤والتوحي وب، تحقي ار القل البي، ثم ضل : والثع و الف د أب محم . ٣٨٢، )م ١٩٨٥ط، .دار المعارف، د: القاهرة ( إبراهيم

    . ٧٧الثعالبي، التوفيق للتلفيق، ص : ينظر )٢( .٣٤ /٤الحيوان، )٣(

  • ٢٨

    : واحدة، والبالء الذي حيل ا جراء التفريط يصيبها مجيعاً، جاء يف رسائل إخوان الصفاء

    وية ومتييز وتدبري وسياسة، مثل النمل والنحل، جيتمع ومن اهلوام واحلشرات ماله فكر ور "

    مجاعة منهم ويتعاونون على أمر املعيشة، واختاذ املنازل والبيوت والقرى، ومجع الـذخائر

    . )٤(" والقوت للشتاء

    وحني نتعمق قليالً يف دراسة ذلك التشابه متجاوزين الـسطح إىل القـاع جنـد

    من اإلنسان واحليوان متشاة يف طبيعتها وتكوينـها العمليات الكائنة يف غور جسد كلٍّ

    ... فسر كثري من علماء احليـاة " العام، وكذا نتيجتها املرتسمة على أمناط السلوك، فقد

    أفعال احليوانات كأهنا متاماً أفعال إنسانية بسيطة، وبذلك تضيق الثغرة بني اإلنسان وبـني

    فقد ... ة أو صورة مبسطة من العقل البشري وعقل احليوان عبارة عن ترمج ... احليوانات

    ال ختتلف كثرياً الوظائف اليت تقوم ا أخماخ احليوانات الثديية عن الوظائف اليت تقوم ـا

    أخماخنا، كما أن أخماخ هذه احليوانات تشبه يف تركيبها التشرحيي أخماخنا، ولو أهنا أبسط

    ني اإلنسان واحليوان ليس مقتصراً على األمنـاط وذا يتبني أن التماثل ب. )١(" منها تركيباً

    السلوكية، بل هو أعمق من ذلك كثرياً إذ يشمل العمليات الداخلية املعقدة الـيت تـؤول

    . إليها تلك األمناط

    .٢/١٨٥، )ت.ط، د.دار صادر، د: روت بي( رسائل إخوان الصفاء وخالن الوفاء )٤(ة )١( وان، ترجم صية الحي وآس، شخ ونرو ف زاوي . د: م صطفى الغ ي م اهرة ( فتح ة : الق مكتب

    .٢٣٣-٢٣٢، ص ص )ت .ط، د.نهضة مصر، د

  • ٢٩

    إن ما أسلفنا من البيان حول خطوط التوازي ونقاط التقاطع يف سلوك كل مـن

    اد العاملني، لكنه تقارب ال يلغي الفـوارق اإلنسان واحليوان ليؤكد مدى التقارب بني أفر

    بينهما، فالتشابه يف ضرب من ضروب السلوك ال يعين التشابه فيها مجيعاً، إذ تبقى هنـاك

    .حدود وفواصل يظل ا اإلنسان حمتالً أعلى املراتب يف سلم املخلوقات

    وجتدر اإلشارة إىل أن ما عرضنا يف هذا التمهيـد حـول سـلوكيات احليـوان

    اركته اإلنسان يف بعضها مل يتناول إال أقل قدر من ذلك، حيث اكتفينا مبا نص عليه ومش

    الدارسون من مواضع التشابه، ليكون ما سنورده يف الباب األول من سلوكيات احليـوان

    ممهداً له مبا قدمنا هنا، خاصة أن الكثري منها هي يف أصلها إنسانية حبتـة، مثـل الغـرية،

    التوقع، والقيادة، واالستدالل، والـشعور باملـسؤولية، واإلحـساس والشك، واحلرية، و

    .وغري ذلك كثري مما سنراه هناك ... بالسعادة، وتبادل املعلومات

  • ٣٠

    األولالباب

    سلوك احليوان يف الشعر اجلاهلي

  • ٣١

    ..توطئة

    )١(

    ق الـصلة ت هلم أوث كان القدمي أن أرباب لوحاته يلمس املتجول يف معرض شعرنا

    ، حىت خلعوا عليهـا فكانوا حيسون مبتانة اتصاهلم ا ، مبكونات بيئتهم، الصامتة والصائتة

    . وروح وقدرة على التكلم واإلبانة حس ميشاركهم بيئته كل ما مزاياهم البشرية فكان ل

    وهذا االندماج الذي بدا فيه الشاعر قدمياً متفاعالً ومنفعالً باألشياء مـن حولـه ميكـن

    املبعثرة من أحجـار الطلل اته يف تلك الوقفات الطللية املتسمة بالوجدانية مع بقاي مشاهد

    ، فترى الشاعر يتجاوز صمت هذه البقايا ومجودهـا اٍف سفع ، وأث متهدم ، ونؤيٍ صماء

    ا وحمتواها وتأتلف يف كوهنا تخرج ما فيتوجه إليها مبستويات من اخلطاب ختتلف يف أسلو

    ويبدو أن الـشاعر . "واإلبانة الصمت والسكون إىل اإلفصاح بقي من أجزاء الطلل من

    حينما كان خياطب عناصر الطبيعة مل يكن يدرك زمن اخلطاب أن هذه األشياء ال تعقـل

    وإمنا كان موقفه النفسي يفرض عيه أن يتوجه إىل مثل هذه األشياء وحيـدث ،وال تفصح

    العالقة احلميمة الـيت كانـت ويكشف هذا األمر عن ،معها تواصالً بوعي أو دون وعي

    .)١(" تربط اإلنسان بالطبيعة

    راسـات اجلامعيـة والنـشر والتوزيـع، مؤسسة محادة للد: دإرب( موسى ربابعة، مجاليات األسلوب والتلقي )١( .٦٣ ص ،) م ١،٢٠٠٠ط

  • ٣٢

    جندها تتراوح بني توجيه النـداء لألطالل املوجهةوبالوقوف عند أشكال اخلطاب

    ، وبني مساءلة بقايا الطلل عن أهله وحتـري تلقـي )٢(، وبني إلقاء التحية عليها )١(إليها

    أن هذه األطـالل " احلجر فهذا يعين وكون الشاعر يطرح السؤال على .)٣(اإلجابة منها

    ، وأهنا مرجوة التجاوب فذلك خيرج األشـياء ب لكنها ال جتاوب التجاو/ مرجوة اإلجابة

    ليـة من مجوديتها وصمتها املوضوعيني وحييلنا إىل التأمل باالجتاه الوجداين للظـاهرة الطل

    مبا فيه من إحياء ) الشيئي / اإلنساين ( ، إذا يالحظ االندماج املوازي للرومانسية األوربية

    .)٤(" للطبيعة الصامتة

    يف إضافة الفعل إىل : ( وقد وقف الثعاليب عند ألوان اخلطاب هذه حتت فصل مساه

    وعد هذا من سنن العرب يف كالمها اليت يعربون ا عـن ) ما ليس بفاعل على احلقيقة

    ملعري ووصفه بالكثرة يف أشـعار كما أشار إىل هذا أبو العالء ا .)٥( اجلماد بفعل اإلنسان

    .١٤ ،)م١٩٩٠، ٣دار املعارف، ط: القاهرة( حممد أبو الفضل إبراهيم : حتقيقالنابغة الذبياين، ديوانه،: ينظر )١( ، ) م ١٩٩٠، ٥دار املعـارف، ط : القـاهرة ( حممد أبو الفضل إبراهيم : حتقيق امرؤ القيس، ديوانه، : ينظر )٢(

    ط، .املكتــب اإلســالمي، د: القــاهرة ( حممــد ســعيد مولــوي : حتقيــقوعنتــرة، ديوانــه، . ١٦٨ص ط، .اهليئة العامة للكتاب، د : القاهرة ( صنعة أيب العباس ثعلب وزهري، ديوانه، . ١٨٥ ص ،) م١٩٧٠/هـ١٣٩٠ .٨ ص ،" ) م١٩٤٤/هـ١٣٦٣نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب سنة "م، ١٩٦٤/هـ١٣٨٤

    : ولبيد بن ربيعة، ديوانه، حتقيـق . ١٢٥والنابغة، ديوانه، ص . ٢٢٠انه، ص زهري بن أيب سلمى، ديو : ينظر )٣( .٢٩٩، ص )م ١٩٨٤، ٢، ط)٨(وزارة اإلعالم، سلسلة التراث العريب، : الكويت ( إحسان عباس

    ـ ١٤١٩، ١دار املنتخب العـريب، ط : بريوت ( سعد حسن كموين، الطلل يف النص العريب )٤( ، )م ١٩٩٩/هـ .٥١ص

    ، ٤دار الكتـاب العـريب ، ط : بـريوت ( فائز حممد وإميل يعقـوب : حتقيق فقه اللغة وسر العربية، : ينظر )٥( .٣٣٦-٣٣٥ ص ص ،) م ١٩٩٠/هـ١٤٢٠

  • ٣٣

    متسمة بذلك الـضرب مـن األنـسنة ومادامت صلة الشعراء ببقايا الطلل .)١(العرب

    احليـة فإن صلتهم مبكونات بيئتهم ، النطق واإلبانة واإلحساس حبياة اجلماد وقدرته على

    عر ما تنطوي عليه ضلوعها من املـشا وكشفاً ع وأكثر إحساساً بذاتيتها كانت أشد عمقاً

    وهذه هي اجلوانب اليت سينصب حديثنا فيها يف . والطبائع من السلوكيات وما يبدر منها

    اليت تتخذ منحـى األوصاف أما ،، وهي تلك اليت تصور احليوان حال حركته هذا الباب

    فيصفها وهـي تفـاريق مفككـة تشرحيياً يعمد إىل تفصيل أعضاء احليوان عضواً عضواً

    . ر احليوان حياً بل ميتاً ساكناً وكأنه متثال ال روح فيه ألهنا ال تصوفسنحيد عنها

    واالرتكـاز والعواطف، باملشاهد والغىن تتسم باحليوية حليوانإن لوحات سلوك ا

    وهذا من أهم الفوارق اليت تفرق بني لوحـات ،على عنصري احلركة والتنوع يف الصور

    بسبب ،خذ وضعاً خاصاً ال يفارقه نظر فيها ويأ اليت يتجمد امل "الشعراء ولوحات الرسامني

    أما الشاعر فإن انفساح الزمن عنده يعطيه الفرصـة كـي ،ما يتقيد به الرسام من املكان

    ما حنـن بـصدده مـن جلياً في لفيه وهذا امللمح ن . )٢( "يرسم ما يريد يف أوضاع خمتلفة

    ألدق والتقاطهـا تذهلك تلك اللوحات بشموهلا حيث ،أوصاف الشعراء لسلوك احليوان

    فلم تعـد ، حىت حتس بأنك ترى وتسمع وتعيش ما يصوره لك الشعراء واقعاً حياً املناظر،

    وهذه الدقة يف الوصف . جيذبك إىل ساحاته الرحبة بل عاملاً ،تلك اللوحات نصوصاً تقرأ

    ، ٢دار املعـارف، ط : القـاهرة ( عائـشة عبـد الـرمحن : حتقيـق رسالة الـصاهل والـشاحج، : ينظر )١(

    .٣٤٢ ص ،) م ١٩٨٤/هـ١٤٠٤ .٢٥٧ - ٢٥٦تطور والتجديد يف الشعر األموي، ص ص شوقي ضيف، ال )٢(

  • ٣٤

    ، قـال أبـو هـالل عيار جودة النعت والقدرة على نقل املتلقي إىل عامل املوصوف هي م

    ي أن تعرف أن أجود الوصف ما يستوعب أكثر معاين املوصوف حـىت ينبغ: "العسكري

    وهذه النقلة من حال القراءة إىل حال . )١( "كأنه يصور املوصوف لك فتراه نصب عينك

    لذا كان منطبقاً كيات احليوان، املشاهدة هي ما مييز عامة أوصاف الشعراء اجلاهلني لسلو

    به الشيء حىت كاد تِعأحسن الوصف ما ن " : بن رشيق ايف قول ) سناحلُ (عليها نعت

    أبلـغ : " يف قول بعـض املتـأخرين ) البالغة ( وكـذا نعت . )٢( "متثله عياناً للسامع

    .)٣( "الوصف ما قلب السمع بصراً

    )٢(

    ،إن حديث املرء عن بعض القضايا املسكوت عنها جيابه غالباً باالستنكار والرفض

    ح عنها ال خلطأ يف املسألة املفص، ع احلجاب عنه قد كشف مساحة أُلف أهنا ف بل ألن ما ر

    .د كثري من احلقائق ما يدفع لرواإللف هو كسر اطراد قاعدة العادة ما يعين أن،مستورة

    وهو جانب بالغ ،وما حنن بصدده من احلديث يتناول شق السلوك يف حياة احليوان

    وما تلتـف عليـه ،ع والطبا نفها من النظم ومايكت ، للحيوان ، يتصل باحلياة الداخلية الدقة

    معقـدة صـورها وهذا يعين أننا سنبسط القول يف نظم سـلوكية ،املشاعرالضلوع من

    ، املكتبـة العـصرية : بـريوت ( علي حممد البجاوي وحممد أبو الفضل إبـراهيم : ، حتقيق كتاب الصناعتني )١(

    .١٢٨ ، ص )م ١٩٨٦/هـ١٤٠٦، ١جني، ط مكتبـة اخلـا : القـاهرة ( النبوي عبد الواحد شـعالن : حتقيق ,العمدة يف صناعة الشعر ونقده )٢(

    . ١٠٩٦ ص ،) م ٢٠٠٠/هـ١٤٢٠ .١٠٩٧، ص املصدر السابق )٣(

  • ٣٥

    ا سوقاً ال رفق فيه يسوقن عن هذه اجلوانب املغيبة وحديثنا ،الشمول و الدقة الشعراء مبنتهى

    أفـراد مملكـة النفوس البشرية لتوظيفها يف نعت ت اخلاصة بوصف أرض املصطلحا إىل

    مضروب حوهلا سياج حيول دون فك ، وهي مصطلحات حماطة ذهنياً باحلصانة ،احليوان

    هل يف حياة احليوان وسلوك أفراده ما يبـيح أن : والسؤال .. أسرها من التملك البشري

    ننعته باملصطلحات البشرية ؟ واإلجابة تتوقف على مدى اعتماد سلوكيات احليوان علـى

    .، وعلى قدر امتالكه لألحاسيس واملشاعر راكدالتنظيم واإل

    يتميز بأمناط من السلوك ال تعتمـد علـى أنهجيمع الباحثون يف سلوك احليوان

    ، وأنـه والـوعي وقيامها على االنضباط ،الغريزة قدر اعتمادها على اخلربة واالكتساب

    اليت املثريات وتثور يف داخله ألوان من االنفعاالت تتناسب مع ،كذلك ميتلك األحاسيس

    ولسائر احليوانـات أيـضاً " : قال ابن سينا . اليت تتحرك يف نفسه تواجهه، أو احلاجات

    ولكن ما حيول بيننا وبني اإلميـان بـأخالق احليـوان .)١(" أخالق وانفعاالت نفسانية

    ، حىت صار لفظ بشر وحدهم هم الذين يتميزون بذلك والتصديق بانفعاالته اعتقادنا أن ال

    ار سبة ملن حييف من البـشر أو مجود احلس وعدم اإلدراك حىت ص مشعاً مبعاين ) واناحلي(

    ولو تأملنا لرأينا يف بعض أجناس احليوان من الفضائل واخلـصال مـا . حييد عن الصراط

    خالقه وقدرته على الفهـم ولذا جتد الباحثني يف أسرار حياته يقرون بأ ،يقصر عنه البشر

    وقوة اإلدراك وكذلك كثري من احليوان البهيمي له من الفهم " : والتمييز، قال ابن جزي

    اهليئة املصرية العامة للتأليف والنـشر، : القاهرة ( إبراهيم مدكور : حتقيق ،احليوان) ٨(، "الطبيعيات"، الشفاء )١( .١٣٧ ص،) م ١٩٧٠/هـ١٣٩٠ط، .د

  • ٣٦

    العقالء واالهتداء يف مصاحله واملعرفة مبراشده ما يقصر عنه كثري من والتصرف يف منافعه

    ـ اثل ما يتسم بـه ميفهذا النص يقرر أن للحيوان وعياً . )١( "اء ويعجز عنه عديد من األلب

    اهواجسه بلغة نفهمها دفعن درة احليوان على التعبري عن لكن عدم ق من البشر، التمييز ذوو

    ، حني أنه حقيقـة يـشعر ويـدرك مثـل اإلنـسان يف ،إىل االعتقاد بأنه عدمي اإلدراك

    وهذا ما جيعل لغة وصف ما يعتري اإلنـسان . فاالنفعاالت بينهما متشاة إىل حد كبري

    قال أحد الطرفني بل وتطابقه، املنعوت يف واحليوان من األحاسيس واحدة ال تتغري لتشابه

    وإن يكاد يستحيل التعبري عنها بكلمـات قد ختترب احليوانات انفعاالت : " علماء السلوك

    ، االستحالة ال تعين أن احليوانات ال متلك مشاعر وأحاسيس ولكن هذه ،كانت تشعر ا

    الفصيلة احليوانية ومع ذلك قد يتشارك البشر مع احليوانات يف أغلبية املشاعر اليت تستطيع

    . )٢( "الشعور ا

    ما يدور نستطيع الوقوف على ولعدم قدرة احليوان على اإلبانة بلغة نفهمها فإننا ال

    ال تتصل بالسلوك الذي ميكن ، وهي تلك اليت منتهى اخلفاء لده من أمور يقع بعضها يف خب

    قال بعـض أهـل " ل، لفكر والتأم تتعلق با استتاراً، بل بنواٍح أشد الوقوف عليه ووصفه

    ـ ١٤٠٦ط، .دار الغرب اإلسالمي، د : بريوت( حممد العريب اخلطايب : حتقيق كتاب اخليل، )١( ،) م ١٩٨٦/هـ

    .١٨٦ص هنلـة بيـضون : ، ترمجة "ياة االنفعالية عند احليوان احل"، عندما تبكي الفيلة وسوزان مكارثي جفري ماسون )٢(

    .١٤٣ و٧٨ص ص : وتنظر . ٣٤. ص ،) م ١٩٩٩/هـ١٤٢٠، ١امع الثقايف، ط: أبوظيب (

  • ٣٧

    ولكنا ال ، ووحدانية اإلله ، وخلق املخلوقات ،ال يبعد أن تدرك البهائم حدث العامل : العلم

    . )١(" نفهم عنها وال تفهم عنا

    كما قرر الشاعر القدمي وأكـد ات اإلحساس والشعور لدى احليوان ـ ورغم ثب

    ـ العامل احل ها ما هو يف مرتبة رفيعة فمن، إال أن احليوانات تتفاوت يف مستوى ذلكديث

    كما هو واقع بني ،من حيث اإلدراك والتمييز ومنها ما يقع دون ذلك بدرجة أو درجات

    وإن من احليوان ما هو يف أشرف املراتب مما : "جاء يف رسائل إخوان الصفا . البشر متاماً

    . )٢( "التعليم ، والتمييز الدقيق وقبول كانت له احلواس اخلمس يلي رتبة اإلنسانية، وهو ما

    حيدد فيه ذلك الضرب من احليوان الذي له احلواس اخلمس ونعثر على نص عند ابن سينا

    لنـوع مـن وهذا ا . )٣( " فله احلواس اخلمس كل حيوان دموي ويلد حيواناً " :يف قوله

    ذي وصفه وفهم هو ال ز أشرف املراتب وأنه ذو متيي الصفا بأنه يف احليوان الذي نعته إخوان

    يف درجة عالية من احلكمـة من خالهلا غزيرة يظهر عنه مشاهد راء اجلاهليون ونقلوا الشع

    .، كما سيأيت بيانه بشواهده، بل والقدرة على التفكري والتخطيط وحل املشكالتوالفطنة

    وإذا كان قد انتابك الذهول أو ألـم بك االستنكار لقولنا بقدرة احليوان علـى

    ات فاعلم أنك مل تربح قابعاً يف سجن العادة واإللف الذي التفكري والتخطيط وحل األزم

    .١٨٨ اخليل، ص ابن جزي، كتاب )١()٢/١٨٤ )٢. .٦١، احليوان، ص )٨(الشفاء، )٣(

  • ٣٨

    ، وإذا كنت تبغي احلقيقـة فـانزع إال بقدر ما يقع يف حدود أسواره ليس فيه من النور

    ٠الرتاج وأضئ العتمة لترى النور وتؤمن بشمس احلقيقة

    إننا لن نتمكن من الفهم الصحيح ملا سطره الشعراء اجلاهليون عن سلوك احليوان

    إال بعد أن نتجرأ على كسر طوق املفاهيم اليت رسختها العادة والتواطؤ الضمين ال البحث

    املعتمدة علـى الـتفكري اً معقدة من أمناط السلوك والتحقيق، ألن يف حياة احليوان ضروب

    هـواء على غرار اإلنـسان، احلـواس واحلـدس واأل ، فهذه احليوانات متلك "والوعي،

    كالغرية والشك واملنافسة واالمتنـان ، حىت أكثرها تعقيداً فسهاوالعواطف واالنفعاالت ن

    ستحضار الذاكرة والتخيل والتصميم واالختيار وا... اخلداع واالنتقام وهي متارس ،والنبل

    . )١(" وتداعي األفكار والتحليل املنطقي بدرجات شديدة االختالف

    ى اهللا عليه وسلم صل وحني نتأمل بعض النصوص واألخبار الواردة عن نبينا حممد

    يوان بأنه ليس يمة جامدة ال ختتلجهـا كان مدركاً حلقيقة احل يف شأن احليوان، جند أنه

    مـا أمل، ولديه من احلوائج والرغبات ، وحيزن ويت املشاعر، بل هو كائن حي حيس ويشعر

    د تح نه صلى اهللا عليه وسلم هنى أن ومن ذلك أ .نسان مما جتب مراعاا وتقديرها لدى اإل

    حد (ذلك، ولكنها تدرك معىن ملا هنى عن ، فلو مل يكن هلا إدراك )٢(الشفرة أمام الذبيحة

    ٠ ٥، ص " احلياة االنفعالية عند احليوان"جفري ماسون، عندما تبكي الفيلة ) ١(: الريـاض ( ، )٣١٧٢(إذا ذحبتم فأحسنوا الذبح، حديث رقم : سنن ابن ماجه، أبواب الذبائح، باب : تنظر ) ٢(

    . )م ١٩٩٩/هـ١٤٢٠، ١وزيع، طدار السالم للنشر والت

  • ٣٩

    ألن الدابة يناهلا ما ينال ،)١( " ال جتعلوا ظهور دوابكم جمالس : "وورد عنه قوله ). الشفرة

    وجاء عنه صـلى اهللا . اإلنسان من الرهق واإلعياء فوجبت مراعاة هذا اجلانب رمحة ا

    فكمـا أن ،)٢(" ال تطرقوا الطري يف أوكارها فإن الليـل أمـان اهللا : " عليه وسلم قوله

    وتبلغ مراعاة مشاعر احليـوان . لراحته وسكونه فإن احليوان كذلك اإلنسان يبتغي الليل

    حني نطق عواطف الطري منتهاها يف ذلك اخلرب الذي المس فيه النيب صلي اهللا عليه وسلم

    جوانح احلمرة من احلزن بسبب فقد فرخيها اللذين أخذمها أحد الصحابة مبا يضطرم بني

    من فجع هذه بولدها ؟ردوا : " فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حني رأى ما أصاا

    رب عما يعتري مصطلح إنساين حبت يع ) الفجيعة(وال خيفى أن مصطلح . )٣( "ولدها إليها

    ، ما يؤكد حلّ باحلمرة من أمل مرارة الفقد نا لوصف ما ، استخدمه نبي املرء من شده احلزن

    .وحدة العواطف واملشاعر بني اإلنسان واحليوان

    وتتجلى عنايته صلى اهللا عليه وسلم بنفسية احليوان وحاجاته على مستوى آخـر

    ، فهذه امرأة دخلت النـار هيب تارة والترغيب تارة أخرى من اخلطاب يتخذ صورة التر

    وتلـك . )٤(حيث مل تراع حاجاا فحبستها ومل تطعمها حىت هلكت جلورها على هرة

    ، ٥مكتبـة اخلـاجني، ط : القـاهرة ( عبـد الـسالم هـارون : حتقيـق اجلاحظ، البيان والتبيني، : ينظر )١(

    .٣٩٤/ ٤والزخمشري، ربيع األبرار، . ٢٦٩/ ٢ ،) م ١٩٨٥/هـ١٤