مقدمة الطبقة األولى والحمد لله رب العالمين، والصالة والسالم على سيدنا محم��د وعلىآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع األنبياء والمرسلين...

وبعد... فق��د ك��انت عاش��وراء وس��تبقى، الث��ورة ال��تي ال ينف��د عطاؤه��ا، والمدرسة التي ال ينض��ب معينه��ا، وال�ذكرى ال��تي تتج��دد على م��دى

األزمان... إال أن قدر الثورات التغييرية الكبرى أن يتسلل إليها مع مرور األي��ام ش��يء من التفس��ير الخ��اطئ ال��ذي يش��وه رس��التها، أو التوظي��ف

المخادع الذي ال يلتقي مع أهدافها وتطلعاتها. وعاش��وراء ه��ذه المدرس��ة الخال��دة لم تكن بمن��أى عن مح��اوالت التزوير والتش��ويه، ل��ذا ك��انت بحاج��ة مس��تمرة إلى الرص��د ال��واعي الذي ال بد أن تض��طلع ب��ه الطليع��ة المثقف��ة في األم��ة للوق��وف في

وجه كل أشكال التحريف والتزوير. ويؤسفني القول: إن الثورة التي رفعت راية اإلصالح وحملت عنوانه

" غدت بحاج��ةوإنما خرجت لطلب اإلصالح في أ�مة جدي..." إلى اإلص��الح في بعض وس��ائل إحيائه��ا وتفس��ير مفاهيمه��ا وبي��ان

مقاصدها! في هذا السياق الذي يفضح التزوير والتضليل جاءت موضوعات هذا الكت��اب ال��ذي انطل��ق- في األس��اس- من خالل مق��االت كتبت في مناسبات شتى، لكن م��ا يجمعه��ا ه��و الح��رص على أن تبقى ص��ورة

عاشوراء نقية نقاء الطهر الذي جسده أبطالها. وقد تم توزيع الكتاب على فص��لين أساس��يين، يتن��اول الفص��ل األول منهما جملة من المفاهيم المزورة ال��تي س��اهمت الث��ورة الحس��ينيةص للح��ديث عن في تص��حيحها، وأم��ا الفص��ل الث��اني فه��و مخص��

اإلحياءات العاشورائية في أهدافها وأساليبها.

1

أس��أل الل��ه س��بحانه أن ينف��ع به��ذا الكت��اب، وأن يجعل��ه في س��جلحسناتنا يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى الله بقلب سليم.

والسالم على الحسين )ع( وعلى علي بن الحسين )ع( وعلى أنصارالحسين ورحمة الله وبركاته.

حسين أحمد الخشنبيروت- حارة حريك

هـــ1431 محرم 27في

الفصل األول:مفاهيم صححتها الثورة الحسينية

مفهوم إطاعة السلطان الجائر-1

2

مفهوم الحياد أو االعتزال-2عقيدة الجبر-3التباس مفهومي الثورة والفتنة-4في مفهوم النصر-5مفهوم اإلرجاء وتخريب الدين-6العالقة بالمثل األعلى وركائزها الثالث-7

الفصل األولحتها الثورة الحسينية مفاهيم صح

كتب كثيرا عن أبعاد الثورة الحسينية ودالالتها، عن أسبابها ونتائجه��ا، عن ظروفها السياسية واالجتماعية... ورغم ذل��ك كل��ه يج��د الب��احث المتأمل أن هناك ما يمكن أن يقال حول أبعاد هذه الثورة وأه��دافها، وأنه يمكن المساهمة في إضاءة بعض الجوانب. ومن جملة القض��ايا التي يمكن المساهمة فيه��ا؛ ألنه��ا لم تع��ط حقه��ا من البحث، قض��ية دور هذه الث��ورة في تص��حيح المف��اهيم ال��تي تم تش��ويهها وبثه��ا في

3

أوساط األم�ة آن�ذاك وق�دمت على أنه�ا أفك��ار أو مف�اهيم أو تع�اليمإسالمية، مع أنها ال تمت إلى اإلسالم بصلة.

ومن الط��بيعي، ف��إن أق��در الن��اس على تص��حيح االنح��راف الفك��ري والمفاهيمي هم أهل البيت ال��ذين أذهب الل��ه ال��رجس عن عق��ولهم وقلوبهم وأعمالهم وطهرهم تطهيرا، ولهذا كانت المهمة األولى التي أنيطت بأهل هذا البيت هي حراسة الدين وصيانته عن كل مح��اوالت

التزوير والتحريف. ولئن ح���الت الظ���روف الق���اهرة دون تس���لمهم لزم���ام اإلمام���ة السياس��ية، فإنه��ا لم تمنعهم من النه��وض بأعب��اء اإلمام��ة الفكري��ة والدينية التي بها- ال باإلمامة السياسية- ق��وام إم��امتهم، فق��د ش��كل األئم��ة من أه��ل ال��بيت )ع( المرجعي��ة الديني��ة والفكري��ة لكاف��ة المسلمين، وقد أكد النبي )ص( في كل أحاديثه وكلماته الواردة في حقهم على م���رجعيتهم الفكري���ة أك���ثر من ترك���يزه على إم���امتهم

(2) وحديث السفينة(1)(1)السياسية، كما نالحظ ذلك في حديث الثقلين

وغيرها من األحاديث.(2) وعلى ضوء هذا، فإنا نتصور أن أح��د أهم وج��وه اإلص��الح ال��تي نهض بها اإلمام الحسين )ع( وجعلها عنوانا لثورته عن��دما ق��ال في وص��يته

را وال بطــرا والألخي��ه محم��د بن الحنفي��ة: " إني لم أخرج أشــ�مــة م�فسدا وال ظالما، وإنمــا خــرجت لطلب اإلصـالح في أ

، هو اإلصالح الديني والفكري؛ ألن أس��وأ م��ا ابتلت ب��ه(1)(1)"جدي... األمة- آنذاك- ليس مجرد االنح��راف الس��لوكي عن تع��اليم الرس��الة، وإنما االنحراف الفكري وتزوير المفاهيم الدينية في محاولة إلخضاع

األمة وترويضها.

(1)(1) " : ) وا ) تضل لن به تمسكتم إن ما فيكم تارك إني قال وأنه ص عنه الفريقان رواه الذي هو الثقلين حديث : يفترقا: ولن بيتي، أهل وعترتي األرض، إلى السماء من ممدود حبل الله كتاب اآلخر من أعظم أحدهما بعدي

( " ج الترمذي، سنن فيهما تخلفوني كيف فانظروا الحوض، علي يردا ص 5حتى المصادر 329، من وراجع ، ج: الكافي كتاب ص 2الشيعية ،415.)

ج (2)(2) للطبراني، األوسط المعجم في كما ونصه أيضا، الفريقان رواه السفينة ص 5حديث بيتي: " 306، أهل." ) هلك ) عنها تخلف ومن نجى دخلها من قومه في ع نوح كسفينة فيكم

ج (1)(1) األنوار، ص 44بحار ،329.

4

األ�مة المهدورة والمقهورة وقب�ل الح��ديث عن أبع�اد اإلص�الح الفك��ري وال�ديني ال��ذي أس��همت الثورة الحسينية في تحقيقه، ال بد لنا أن نقدم ص��ورة مختص��رة عن الظروف التي أحاطت بالثورة وهيأت لهذا االنح��دار والتقهق��ر ال��ذي��ة، أصاب األمة، ما جعلها تتجرأ على سفك دم سيد شباب أه��ل الجن

فما الذي أصاب هذه األمة وأوصلها إلى هذا المستوى؟ والجواب: إن أس�وأ م�ا ع��انت وتع�اني من�ه أم�ة من األمم أن تعيش الهدر في طاقاتها أو القهر في إرادتها، فإن الهدر يحول أفراد األم��ة إلى كم مهمل ينعقون مع كل ن��اعق ويميل��ون م��ع ك��ل ريح، والقه��رها، وقد كانت يسلب األمة اختيارها ويبدد طاقاتها ويمنع تطورها ورقي سياسة الطغاة والمستكبرين على م��ر الت��اريخ وإلى يومن��ا ه��ذا هي األخذ بهذين األسلوبين- أسلوبي الهدر والقهر- بغي��ة الس��يطرة على

ر لديها. الشعوب وقمع إرادة التحر والذي ابتليت به األمة اإلسالمية بع��د م��دة وج��يزة من وف��اة رس��ول الله )ص( أنها وقعت فريسة الهدر والقهر معا، فتراجعت وتقهق��رت على أكثر من ص��عيد وفي أك��ثر من مج��ال. ونب��دأ أوال بالح��ديث عن سياسة اله��در وأبعاده��ا ونتائجه��ا، م��ع بي��ان موق��ع الث��ورة الحس��ينية ودورها في مواجهة ه��ذه السياس��ة، ثم نع��رج للح��ديث عن سياس��ة القهر ونتائجها السلبية في تخلف األمة مع بيان دور الثورة الحسينية

في مواجهة هذه السياسة.

فرعون وسياسة الهدر يطرح لنا القرآن فرعون نموذجا صارخا للحاكم المستبد الذي تق��وم سياسته على هدر وتبديد طاقات األمة ومصادرة عقوله��ا وقت��ل روح اإلبداع عندها واختصارها بشخصه، فهو يقودها ويسوسها ويفك��ر له��ا

ادوعنها } ــ ش �ريك�م إال ما أرى وما أهديك�م إال سبيل الر {ما أ5

[، أما هي- أعني األمة- فليس لها من األم��ر ش��يء، وإنم��ا29]غافر:��ة ل��ه وعبي��د في مملكت��ه، ول��ذا ن��دد موس��ى )ع( ب��ه هي مج��رد رعي

ا علي أنوبسياس��ته ه��ذه ق��ائال لفرع��ون: } نهــ وتلــك نعمــة تم� [، لقد كان بنو إس��رائيل عن��د22{ ]الشعراء:عبدت بني إسرائيل

فرع��ون مج��رد جماع��ة متلقي��ة ال شخص��ية له��ا وال تمل��ك التخطي��ط لمستقبلها وإدارة شؤونها، وغاية ما يطمح إليه المرء أن يكون عب��دا لفرع���ون، وأن يس���مح ل���ه بالعم���ل في "أرض المل���ك" الواس���عة

لــك�} ــا قــوم أليس لي م� ال ي ونادى فرعــون� في قومــه قــون ر� ــ ــري من تحتي أفال ت�بصـ ار� تجـ ــ ــذه األنهـ ر وهـ ــ {مصـ

�ه51]الزخرف: [، وقد استكان ق��وم فرع��ون للعبودي�ة وأدمنوه��ا؛ ألنمأه��در عق��ولهم وص��ادرها، } ــاع�وه� إنه� تخف قومــه� فأط فاســ

[.54{ ]الزخرف:كان�وا قوما فاسقينمشاهد الهدر في العصر الجاهلي

والنموذج اآلخر لألمة المهدورة هم العرب قب��ل اإلس��الم، فق��د ك��ان اإلنس��ان الع��ربي مه��دور الكرام��ة، مه��دور اإلرادة والحري��ة، مه��دور

المشاعر واألخالق والمال والقوة. ومش��اهد اله��در في العص��ر الج��اهلي كث��يرة ال تخفى على الخب��ير

والباحث التاريخي وإليك بعضها:نما له��اهدر العقول : إن انتشار عبادة األصنام واتخاذ كل قبيلة ص��

ر على إم�ا من ص��خر أو تم�ر حتى إذا ج��اعت أكلت��ه، ه��و خ�ير مؤش�� ضعف العقول، وكذلك األمية المنتشرة بين الجاهليين إلى درج��ة أن يك��ون الع��ارفون ب��القراءة والكت��اب أف��رادا قالئ��ل يع��دون باألص��ابع، وهكذا انتشار الخرافة واألسطورة والكهانة والسحر والشعوذة، إلى إدمان الناس على تناول الخمور والمسكرات، إن ذل��ك كل��ه ش��واهد

على أن عقول العرب كانت مهدورة ومستقيلة. : وإن انتشار أسواق النخاسة واستعباد اإلنسان ألخيههدر اإلنسان

اإلنسان واسترقاقه له وتحويله إلى سلعة تباع وتشترى، دليل واضحعلى هدر اإلنسان وكرامته.

6

��ةهدر األخالق : إن إكراه الفتي��ات على البغ��اء ووأد البنت وهي حيــلوالنظر إليها نظرة عار لدرجة } ــاأل�نثى ظ م ب ر أحد�ه� وإذا ب�ش

وء مــا وم من ســ� و كظيم*يتوارى من القــ سودا وه� ه� م� وجه�اء ه� في التراب أال ســ ــون أم يد�ســ ر به أي�مسك�ه� على ه� ب�ش

ــون ــا يحك�م� [ هي ش��واهد على ه��در األخالق59-58{ ]النح��ل:موضعف القيم وتردي العواطف اإلنسانية.

: إن انتشار الربا والقمار وغيرها من وسائل أكل الناسهدر المالبالباطل، هي مؤشرات على الهدر االقتصادي.

اإلسالم ومحاربة الهدر وجاءت بعثة رس��ول الل��ه )ص( لتض��ع ح��دا لسياس��ة اله��در وتش��كل انقالب��ا ك��امال على ك��ل قيم المجتم��ع الج��اهلي ومفاهيم��ه، فرس��الة النبي )ص( أعطت للعقل مكانة مرموقة واعتبرت��ه الحج��ر األس��اس في المعارف الدينية، فبه يعرف الله وصدق الرساالت ويوم المع��اد، وهكذا الحال في المعارف اإلنسانية التي فتح اإلسالم الب��اب أمامه��ا على مص��راعيه، وأراد للعق��ل أن يب��دع ويكتش��ف ويحلق في آف��اقر العق��ل من ��ه ح��ر السماء واألرض، ولم يقف األمر عند ذلك، ب��ل إنل��ه وتعي��ق حركت��ه، فح��رم الش��عوذة ك��ل األغالل والقي��ود ال��تي تكب والسحر والكهانة وغيره��ا من األس��اليب ال��تي ال ترتك��ز على قاع��دة عقلية وعلمية، فعندما يسمع رسول الله )ص( بعض الناس ي��رددون عقيب وفاة ابنه إبراهيم التي تزامنت مع كس��وف الش��مس ق��ائلين: كسفت الشمس حزنا على إبراهيم، فإنه )ص( ي��أبى الس��كوت على هذا االستخفاف بالعقل، فيصعد المنبر وي��دحض ه��ذا االعتق��اد ق��ائال:

يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيــات اللــه ال" ، وب��ذلك يق��دم(1)(1)"يكسفان لموت أحد من الناس وال لحياته

لنا درسا بليغا في محاربة الخرافة.��ة واإلنس��انية وهكذا حارب اإلسالم كل أشكال ه��در الكرام��ة والحري واألخالق والمال، فحرم البغ��اء وإك��راه البن��ات والفتي��ات على الزن�ا،

ج (1)(1) خزيمة، ابن ص 2صحيح ،329.

7

، وح��رم القم��ار والرب��ا والغش، وعم��ل على فضال عن تحريم وأدهن تحرير اإلنسان من العبودية، واستطاع النبي )ص( في ف��ترة وج��يزة أن يصنع أمة ذات إرادة وكرامة وصاحبة قدرة على التغيير واإلبداع،ن العرب- وهم قبل اإلسالم مجرد جماعة هامشية لم األمر الذي مك يكن أحد يحسب لها حس��ابا- أن يفتح��وا الع��الم، ويص��بحوا أم��ة ذات حض���ارة تن���افس أهم الحض���ارات وأعرقه���ا كحض���ارتي الف���رس

والرومان.إرهاصات سياسة الهدر في المجتمع

دة الحكم في ��ة س�� لكن بعد وفاة رسول الل��ه )ص( واعتالء ب��ني أمي ظ��روف تاريخي��ة معروف��ة حص��لت تح��والت كب��يرة في المجتم��ع اإلسالمي، وصرنا نشهد في بداية األمر إرهاصات سياسة الهدر بع��د أن محاها اإلسالم، ثم استفحل األمر بالتدريج، األمر ال��ذي ب��دد تل��ك الصورة المشرقة وشوهها، وأضحت المنظومة العقدي��ة والتش��ريعية واألخالقي��ة ال��تي أرس��ى رس��ول الل��ه )ص( قواع��دها في مع��رض��زت بص��فائها التشويه والتالعب، وتلوثت ال��روح اإلس��المية ال��تي تمي ونقائه��ا، والخط��ورة أن ه��ذا اله��در ص��ار يتم تحت عن��اوين إس��المية

مزيفة. ومن مش��اهد ه��ذا اله��در: تل��ويث العق��ل اإلس��المي من خالل فتح المجال أمام المنابع غير اإلسالمية لتبث سمومها وأفكارها المنحرفة في أوساط المسلمين على يدي أمثال: كعب األحبار ووهب بن منبه

، وهكذا تم العمل على تخدير األمة وش��ل إرادته��ا ع��بر(2)(2)وأمثالهما مجموعة من المفاهيم الدخيل��ة والمش��وهة من قبي��ل عقي��دة الج��بر وغيرها من المفاهيم التي سنعرضها في مطاوي البحث التي روجه��ا األمويون، بغية إخضاع األمة لسلطانهم وتبرير طغي�انهم بقض�اء الل�ه

وقدره. وقد عمت سياسة اله��در، وزال االهتم��ام بص��ناعة اإلنس��ان الم��ؤمن المخلص، وحلت محل ذلك ثقافة االس��تزالم والمحس��وبية، وأه��درت

ص (2)(2) المحمدية، السنة على أضواء كتاب ذلك، بشأن .147راجع بعدها وما

8

أيض���ا ك���ل الطاق���ات اإلنس���انية بإبع���اد وتهميش معظم الص���حابة والت��ابعين، وأم��ا القيم اإلس��المية فك��انت الض��حية الكب��يرة لسياس��ة الهدر والتجاوز، من قبيل قيم��ة المس��اواة ال��تي أعلنه��ا اإلس��الم بين جمي���ع المس���لمين، من دون ف���رق بين أس���ود وأبيض وع���ربي أو��زت أعجمي، حيث عمدت السلطة السياس��ية إلى تج��اوز ذل��ك، ومي

، وهك��ذا الح��ال في(1)(1)بين الع��رب والم��والي في العط��اء والمراكز��ة، فق��د تمت مص��ادرتها، ه��ذا فض��ال عن تج��اوز الح��دود قيم��ة الحري الشرعية في الجانب السلوكي بشكل فاضح؛ وتطول سلسلة اله��در���ة واالجتماعي���ة ال���تي ش���ملت األم���ة في كاف���ة الج���وانب الروحي واإلنسانية، وكذا في الجانب االقتص��ادي، فق��د عم اله��در في الم��ال

العام وانتشر البذخ واإلسراف واإلثراء غير المشروع. وفي حديث مروي عن رسول الله )ص( نجد إشارة واض��حة إلى م��ا سوف يصيب أمته )ص( من جراء سياسة اله��در بك��ل أبعاده��ا، كم��ا ويحدد هذا الحديث المس��ؤولية عن ه��ذا ال��تردي، يق��ول )ص(- فيم��ا

إذا بلغ بنو العــاص ثالثين رجال كــان مــال اللــهروي عنه -: ".(2)(2)"د�وال وعباد الله خوال ودينه دخال

والخ���ول: العبي���د والخ���دم، وال���دخل: العيب والغش، بمع���نى أنهميدخلون في الدين ما ليس منه.

ثورة الحسين ومواجهة سياسة الهدر أمام هذا االنحدار في المسيرة اإلس��المية ال��ذي المس ح��د االنقالب الكامل والع��ودة إلى قيم المجتم��ع الج��اهلي، ك��ان من الط��بيعي أن يتص��دى األئم��ة من أه��ل ال��بيت )ع( وعلى رأس��هم اإلم��ام علي )ع( وول��داه الحس��ن والحس��ين )ع( لتص��حيح االنح��راف والح��ؤول دون وصول سياسة اله��در إلى أه��دافها، وق��د تن��وعت أس��اليبهم في ه��ذا المجال، إال أن الهدف ك�ان واح�دا، وه�و الع�ودة باألم�ة إلى مكانته�ا

والعودة بالمفاهيم اإلسالمية إلى حيويتها وصفائها.(1)(1) : ج المعتزلي، الحديد أبي البن البالغة نهج شرح والموالي العرب بين العطاء في التفضيل حول ص 8راجع ،

ج 111 والغارات، ص 2، ،499.ص (2)(2) البطريق، البن .471العمدة

9

وقد س�اهمت ث�ورة اإلم�ام الحس�ين )ع( مس�اهمة فعال�ة في إيج��اد صدمة كبيرة في الرأي العام اإلسالمي في مواجه��ة سياس��ة اله��در، وأوجدت هزة عنيفة أيقظت الوجدان اإلسالمي ونبهت��ه إلى االنح��دار األخالقي ال��ذي أص��اب األم��ة وإلى التش��وه الخط��ير ال��ذي ط��اول

المفاهيم اإلسالمية. ص��حيح أن اله��در ق��د بل��غ م��داه بع��د ت��ولي يزي��د بن معاوي��ة لزم��ام السلطة وارتكابه الفظ��ائع والفض��ائح، من اس��تباحة المدين��ة، وه��دم الكعب��ة، وقت��ل اإلم��ام الحس��ين )ع( وأه��ل بيت��ه وأص��حابه بالطريق��ة المروع��ة ال��تي تج��اوزت ك��ل القيم والح��دود اإلنس��انية واإلس��المية، فعندما يقف اإلمام الحس��ين )ع( في ك��ربالء وين��ادي جيش عم��ر بن سعد مستصرخا ومس��تنفرا النخ��وة والم��روءة العربي��ة، ب��دال من أن

ويحك�م يا شــيعة آل أبييستنفر فيهم وجدانهم ال��ديني، ق��ائال: " ســـفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم ال تخـــافون المعـــاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحســابكم إن كنت

، فه��ذا يع��ني أن االنحط��اط األخالقي بل��غ(1)(1)"عربا كما تزعمون منته��اه، وعن��دما يستنص��ر الحس��ين ض��مائر المس��لمين في ص��حراء ك��ربالء فال يج��د س��وى أف��راد قالئ��ل تلبي الن��داء وتق��ف إلى جانب��ه، وعندما تسبى بنات الرسالة دون أن يشعر أحد بالخجل والعار، فهذال مؤش���رات واض���حة على م���وت الض���مير اإلس���المي وغ���يره يمث واض��محالل القيم اإلنس��انية، أق��ول: إن ه��ذا كل��ه ص��حيح، لكن رغم س��وداوية المش��هد والص��ورة، إال أن نهض��ة الحس��ين )ع( بف��دائيتها ونتائجها المأساوية المروعة، استطاعت أن تؤسس الس��تعادة األم��ة وعيها ودورها المفقود وعزتها وكرامتها المهدورة وإرادتها المسلوبة، فأشعلت نار الثورة بوجه الظ��المين، وأس��همت في إيق��اظ الض��مائر

وتصحيح المفاهيم اإلسالمية.القهر والتخلف

هذا كله فيما يرتبط بسياس��ة اله��در، وأم��ا القه��ر فه��و الوج��ه اآلخ��ر المكم��ل لسياس��ة اله��در، وبهم��ا تكتم��ل الص��ورة، ص��ورة األم��ة

ج (1)(1) األنوار، ص 45بحار ،51.

10

المس��تعبدة وال��تي ال ح��ول له��ا وال ق��وة، والحقيق��ة، أن القه��ر أول في قم��ع إرادة االس��تبداد ه��و حرف��ة الطغ��اة وأس��لوبهم المفض��ر ونيل االستقالل، وغير خفي على أح��د أن أمتن��ا الشعوب في التحر ع��انت وال ت��زال تع��اني من س��ياط القه��ر والظلم ون��ير االس��تبداد واالستعباد، األمر الذي أضعفها وبدد طاقاتها وشل إرادته��ا وفاعليته��ا واس��ترق إنس��انها، وجع��ل خيراته��ا وإمكاناته��ا مزرع��ة يس��تمتع به��ا الحاكم وحاشيته، ولم يبالغ من اعت��بر أن االس��تبداد ه��و س��ر تخل��ف هذه األمة، كما رأى الكواكبي في كتاب��ه "طب��ائع االس��تبداد ومص��ارع االستعباد" أو المحقق النائيني في كتابه "تنبيه األمة وتنزي��ه المل��ة"،فه��ا في ��ه- أع��ني االس��تبداد- أح��د أس��باب تخل وعلى أق��ل تق��دير فإن المجال العلمي واالقتصادي والسياسي وغيره��ا من المج��االت ال��تي س��بقتنا فيه��ا األمم األخ��رى بع��د أن ط��ورت نظامه��ا السياس��ي، وتخلصت من استبداد السلطة ووصاية الكنيسة ورج��ال ال��دين على

العقول. وكما أن السيرة الفرعونية انتهجت سياسة الهدر بكل أبعاده��ا- كم��ا أسلفنا -، فإنها قد اعتمدت سياسة القه��ر واالس��تبداد واإلذالل، وق��د

إن فرعــونعبر القرآن الكريم عن ذلك أبلغ تعبير، قال سبحانه: }م نه� ة م عال في األرض وجعل أهلها شيعا يستضعف� طائفــدين م إنه� كان من الم�فســ م ويستحيي نساءه� {ي�ذبح� أبناءه�

[، بالمقابل فإن األنبياء كما تحركوا لمواجهة كل أش��كال4]القصص: الهدر ومصادرة عقول األمة وحقوقها، فإنهم أيض��ا وقف��وا دوم��ا إلى جانب المستضعفين بوج��ه الظلم��ة والمس��تبدين، ففي الح��ديث عن

"إن الله عــز وجــل أوحى إلى نــبي مناإلم��ام الص��ادق )ع(: أنبيائه في مملكة جبـار من الجبــارين أن ائت هـذا الجبـار فقــل لــه: إنــني لم أســتعملك على ســفك الــدماء واتخــاذ األموال، وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين،

.(1)(1)"فإني لن أدع ظالمتهم وإن كانوا كفارااالنقالب على األعقاب

ج (1)(1) ص 2الكافي، ،333.

11

وعن��دما ن��درس الث��ورة الحس��ينية في س��ياقها وظروفه��ا التاريخي��ة ومبررات انطالقها، فإنن��ا نج��د أنفس��نا أم��ام أم��ة س��عى الن��بي )ص( جاهدا إلى إعدادها ثقافيا، وعم��ل على بنائه��ا معنوي��ا وداخلي��ا، ون��زع ك��ل أس��باب الخ��وف من نف��وس أبنائه��ا، فأص��بح الف��رد المس��حوق الضعيف قويا قوة اإليم��ان، عزي��زا ع��زة اإلس��الم، فوق��ف أم��ام آل��ة القت��ل بك��ل ش��جاعة، يس��تقبل الم��وت والتع��ذيب والتجوي��ع ص��ابرا محتس��با وه��و يحس بل��ذة روحي��ة ال يض��اهيها ش��يء، وي��دخل على سالطين زمان��ه أمث��ال كس��رى وقيص��ر.. بلباس��ه الع��ربي المتواض��ع��اهم حامال رسائل النبي )ص( ليتلوها عليهم بكل عزة وإباء، داعي��ا إي

للدخول في اإلسالم. إن ه��ذه األم��ة ال��تي ص��نعها رس��ول الل��ه )ص( لم تلبث ط��ويال بع��د ارتحاله إلى الرفيق األعلى حتى انقلبت على األعق��اب، وع��اد القه��ر واالستبداد ليمارس هذه الم�رة على الخلص من أتب��اع رس��ول الل��ه، وال س��يما بع��د اعتالء معاوي��ة س��دة الحكم، وتحويل��ه الخالف��ة إلى

، وقد انعكست هذه(1)(1)كسروية وقيصرية كما قال عبد الله بن عمر الكس��روية على نم��ط حيات��ه الشخص��ية المليء بالب��ذخ واإلس��راف، وعلى سلوكه العام مع األمة، لجهة اتباعه أساليب التضليل ومحاربة الدين باسم الدين والهدر بكل أشكاله، وإلى ذلك كل��ه فق��د ابتك��رت الكسروية اإلسالمية أساليب ترهيبية قمعية متنوع��ة تكف��ل له��ا دوام

الملك واستمرار السلطة، وإليك بعض هذه األساليب:الترويع والترهيب-1

��ة الكس��روية ك��ل أش��كال ال��ترويع فق��د مارس��ت الس��لطة األموي وال��ترهيب بح��ق األح��رار ال��ذين وقف��وا بوج��ه اس��تبدادها وظلمه��ا وفسادها وانحرافها، أو خالفوها الرأي، ال س��يما من أنص��ار علي )ع( وأتباعه، وقد أورد المؤرخون صورا مخيفة عن مشاهد القتل واإلبادة التي تعرضت لها الجماعة الواعي��ة من أبن��اء األم��ة، أمث��ال حج��ر بن عدي وص��حبه ورش��يد الهج��ري وهك��ذا مال��ك األش��تر ال��ذي دس ل��ه معاوي��ة ع��بر بعض عيون��ه الس��م بالعس��ل، كم��ا قت��ل غ��يره بنفس

ج (1)(1) والسياسة، اإلمامة ص 1راجع ،195.

12

الوسيلة، وعرف عنه القول بعدما بلغه مصرع مالك: "إن لل��ه لجن��دا ، وبل��غ ال��ترويع في عه��د معاوي��ة م��داه، لدرج��ة أن(2)(2)من عس��ل"

الشخص الموالي لعلي )ع( كان يفضل أن يق��ال ل��ه: "زن��ديق" على��ه من ش��يعة علي، وإذا أراد أح��د من ص��حابته )ع( أن أن يق��ال: إن يحدث عنه اض��طره الخ��وف إلى الترم��يز والتوري��ة، فب��دل أن ي��ذكر

.(3)(3)اسم علي )ع( كان يقول: حدثني أبو زينب وباإلضافة إلى تص��فية الكث��ير من الشخص��يات المعارض��ة للس��لطة، فقد تم إقصاء أو نفي اآلخرين وإبعادهم عن ساحة الت��أثير الش��عبي،

كما حصل ذات يوم مع أبي ذر الغفاري. وإن من يراقب صورة المجتمع الكوفي عشية أحداث كربالء يجد أن سياس��ة ال��ترهيب وال��ترغيب بلغت م��داها، م��ا جع��ل آالف الن��اس

ينفضون عن مسلم بن عقيل بعد أن بايعوه على النصرة والجهاد! إن شخص��ية اإلنس��ان الك��وفي- كم��ا يس��تفاد من مجم��وع الش��واهد التاريخية- أعني بها الشخصية المتقلب��ة في مواقفه��ا والم��ترددة في خياراتها الحائرة في والءاتها، الشخصية التي تعيش انفص��اما نفس��يا وتجاذب��ا داخلي��ا بين م��ا هي المص��الح من جه��ة، وم��ا هي العواط��ف واألحاسيس الدينية من جهة أخرى، إن هذه الشخص��ية هي البره��ان الس��اطع على نج��اح سياس��ة اله��در والقه��ر ال��تي انتهجته��ا الس��لطة

األموية في بلوغ أهدافها.التجويع والحصار االقتصادي-2

واألسلوب اآلخر الذي ال يقل بشاعة عن سابقه، هو أسلوب الحصار االقتص��ادي والتجوي��ع ال��ذي م��ورس بح��ق المعارض��ين للكس��روية األموية، ونتيجة ذل��ك عاش��ت ش��ريحة كب��يرة من أبن��اء األم��ة القه��ر والمعاناة وذاقت البؤس والجوع، ومن ه��ؤالء أه��ل المدين��ة المن��ورة الذين عاقبتهم السلطة المستبدة، فانتش��ر الفق��ر بينهم وخيم عليهم البؤس، ولما حج معاوي��ة وم��ر على المدين��ة اس��تقبله الن��اس ومنهم األنصار الذي خرجوا الس��تقباله مش��اة! خالف��ا لس��ائر الن��اس ال��ذين خرجوا على الرواحل، فقال لهم: "ما منعكم من تلقي كم��ا يتلق��اني الناس؟ فقال له س��عيد بن عب��ادة: منعن��ا من ذل��ك قل��ة الظه��ر )أي

ص (2)(2) األشراف، .399أنسابج (3)(3) للمفيد، ص 1اإلرشاد ج 310، الحديد، أبي ابن البالغة، نهج وشرح ص 4، ،73.

13

وس��ائل الرك��وب( وخف��ة ذات الي��د، وإلح��اح الزم��ان علين��ا وإيث��ارك بمعروف���ك غيرن��ا، فق���ال معاوي��ة مس���تهزئا: أين أنتم من نواض���ح المدينة! فأجابه س��عد: نحرناه��ا ي��وم ب��در ي��وم قتلن��ا حنظل��ة بن أبي

.(1)(1)سفيان"��ه أما الع��راق فق��د طالت��ه العقوب��ات االقتص��ادية أك��ثر من غ��يره؛ ألن

معقل المعارضة ومركز ثقلها.

شراء الضمائر والذمم-3 ومن جمل��ة األس��اليب الرخيص��ة والالأخالقي��ة ال��تي انتهجته��ا س��لطة القمع واالستبداد: أسلوب شراء الضمائر بإغراءات الم��ال أو الج��اه، ولذا اختار عمر بن س�عد قت��ال اإلم�ام الحس��ين )ع( وذل األب�د لق��اءي، ونجح معاوي��ة في ش��راء بعض عرض دنيوي زائ��ل وه��و مل��ك ال�ر الق�ادة الكب�ار في جيش اإلم��ام الحس�ن )ع( األم��ر ال�ذي دفع��ه م��ع أسباب أخرى إلى اختيار الصلح مع معاوية، وقد سقط الكثيرون في امتح��ان الم��ال والج��اه ولم ينجح س��وى القل��ة من ذوي الكرام��ة والمروءة والدين، أمثال الصحابي جابر بن عبد الله األنص��اري ال��ذي ورد على معاوية ذات ي��وم فلم ي��أذن ل��ه بال��دخول علي��ه توهين��ا ل��ه، فانصرف عنه، فوجه له معاوي��ة س��تماية درهم، فرده��ا ج��ابر، وكتب

إليه:والماءوإني ألختار القنوع على الغنى اجتمعا إذا

بالبارد المحض وفي الناس من يقضىوأقضي على نفسي إذا األمر نابني

عليه وال يقضيأهينوألبس أثواب الحياء وقد أرى أال الغنى مكان

(1)(1)له عرضي

(1)(1) ) ( : ج القرشي، شريف باقر للشيخ ع الحسين اإلمام حياة عن نقال األشراف، أنساب ص 2أنظر ،124.ج (1)(1) الشيعة، ص 4أعيان ،49 ) ج ) للقرشي، ع الحسين اإلمام حياة ص 2، ،123.

14

قتل الشخص أو الشخصية-4 وتن��وعت أس��اليب الطغ��اة والمس��تبدين، فمن عج��زوا عن اس��تيعابه وشرائه عملوا على قتله والتخلص منه كما أسلفنا، وإذا أخفق��وا في تصفيته جسديا خوفا من ردات الفع��ل على ذل��ك أو ألي س��بب آخ��ر عملوا على قتله معنويا، بتشويه صورته وحياكة األكاذيب حوله، مم��ا قد يسقطه أمام الرأي العام، وقد أتقن اليهود اتب��اع ه��ذه السياس��ة القذرة، أع��ني سياس��ة قت��ل الش��خص أو الشخص��ية م��ع أنبي��اء الل��ه

ولورسله، كما حدثنا الق��رآن عنهم ق��ائال: } اءك�م رســ� أفك�لما جــ ــذبت�م وفريقــا تكبرت�م ففريقــا ك ك�م� اســ ســ� بما ال تهوى أنف�

[.87{ ]البقرة:تقت�ل�ون في ه��ذا الس��ياق الت��اريخي المثق��ل بك��ل أش��كال االس��تبداد والقه��ر��ة في ج��دار ل ص��دمة قوي ج��اءت ث��ورة اإلم��ام الحس��ين )ع( لتش��ك الص��مت وال��ذل، وتس��جل اعتراض��ا ص��ارخا على سياس��ة القه��ر واالستبداد وتضع األمة أمام مسؤولياتها في مواجهة الظالمين، وق��د نجحت تلك النهضة رغم مأساويتها في استنهاض األمة وتحريرها من عقدة الخوف كما شهد بذلك ت��والي األح��داث والث��ورات والحرك��ات

النضالية عقيب وقعة كربالء. لقد استنهض اإلمام األمة بدمائ��ه ودم��اء أص��حابه، وس��طر بمواقف��ه وجه�اده وكلمات�ه دروس الع��زة واإلب�اء، وبقي ش��عاره الخال�د ي�تردد

هيهــات منــا الذلــة يــأبى اللــه لنــا ذلــكعلى م��دى األزم��ان "ــوف حمية �ن رت وأ ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطه�ــارع ــام على مص ــة اللئ ــؤثر طاع ــة من أن ن ــوس أبي ونف

.(1)(1)"الكرامالمفاهيم المزورة

بع��د ه��ذا الع��رض المس��هب للح��ال ال��ذي وص��لت إلي��ه األم��ة بفع��ل سياستي الهدر والقه��ر، ن��أتي إلى الح��ديث عن أس��وأ األدوات ال��تي

ج (1)(1) األنوار، ص 74بحار ،162.

15

اس���تخدمتها الس���لطة في معركته���ا، وهي إنت���اج مجموع���ة من المص����طلحات أو اإلف����ادة من بعض المص����طلحات والش����عارات��ة اإلسالمية ال��تي تم اس��تغاللها بش��كل جي��د وتوظيفه��ا بطريق��ة ذكي إلله��اء الجمه��ور أو إش��غاله بقض��ايا هامش��ية أو تخ��ديره وبث روح الي��أس في��ه، وق��د ط��اول التش��ويه واالس��تغالل ع��ددا من المف��اهيمل انحرافا فكريا وعقديا خطيرا، أس��اء إلى واألفكار والعقائد، بما شك صفاء اإلسالم في عقيدته وشريعته ومفاهيمه، كما أساء إلى أص��الة الشخص��ية اإلس��المية وص��فائها، وفيم��ا يلي نط��ل على أبع��اد ه��ذا االنقالب واالنحراف المفاهيمي مع اإلشارة المركزة إلى دور اإلم��ام

الحسين )ع( في مواجهته. وس��وف نالح��ظ أن المف��اهيم ال��تي تم تزويره��ا لم تكن مبتدع��ة أو مكذوبة بالكلية، إنما له��ا أص��ل إس��المي في الكت��اب أو الس��نة، لكن األهواء ويد السياسة عملت على تحريفها وتفسيرها تفسيرا خاطئ��ا،

خدمة لمصالحها وأهدافها الخاصة ومن هذه المفاهيم:مفهوم إطاعة السلطان الجائر-1

لق���د اكتش���فت الس���لطة وطالبه���ا مبك���را دور ال���دين في الحي���اة االجتماعية وقدرته الهائلة على التأثير الجم��اهيري، وغ��دا واض��حا أن ك��ل مح��اوالت إقص��اء ال��دين عن واق��ع الحي��اة أو تص��نيفه كمخ��در��را له��ذا ال��دور بق��در م��ا هي للشعوب لم تؤت أكلها ولم تش��كل تنك اعتراف صريح به، وقد أغرت جاذبية الدين هذه وس��لطانه المعن��وير على النف���وس طالب الس���لطة فعمل���وا على اس���تغالله والتس���ت بشعاراته وتوظيف مقوالته واستثمارها بما يخدم مص��الحهم، ب��ل لم تتوان العقلية السلطوية عن إلباس السلطان لب��وس اإلل��ه، لتض��في علي��ه- أي الس��لطان- قدس��ية تح��ول دون الج��رأة على معارض��ته أود علي��ه، بحج��ة أن ذل��ك يس��توجب النقم��ة والغض��ب اإللهي التم��ر

ويستنزل العذاب!فشل ونجاح

16

إن ما هدفت إليه هذه المحاوالت السلطوية هو تطويع األمة- بسالح الدين- إلرادة السلطان، وتطوي�ع ال�دين نفس�ه ومقوالت�ه بم�ا يخ��دم

مصالح السلطة ومآربها. ولئن م��نيت الس��لطة بفش��ل ذري��ع وعج��ز كب��ير عن احت��واء األنبي��اء والرس��ل، فإنه��ا لم تفش��ل في احت��واء الكث��ير من أتب��اعهم، ولع��ل أقسى ضربة أصابت المؤسسة الدينية في كل تاريخه��ا ه��و محاول��ة��ل الس��لطة، ليغ��دو "رج��ل ال��دين"- كاهن��ا أو فقيه��ا- ت��دجينها من قب موظفا في بالط السلطان سائرا في ركاب��ه، م��ع أن دوره الط��بيعي هو رصد سلوك الس�لطة والعم�ل على تقويمه�ا وإرش�ادها وتص�حيح

انحرافها.

الكسروية اإلسالمية ومواجهة الدين بالدين وكما لم تفشل السلطة في اس��تيعاب المؤسس��ة الديني��ة، فإنه��ا لم تفشل في تحريف تعاليم الدين وتشويه مبادئ��ه، وال ش��ك أن أخط��ر تهدي��د واج��ه ال��دين ه��و مح��اوالت تحريف��ه ال��تي اض��طلعت به��ا أو أس��همت فيه��ا الهيئ��ة الحاكم��ة، عن��دما أدركت أن مواجه��ة ال��دين ب��الحرب العلني��ة والمباش��رة هي مجازف��ة غ��ير مض��مونة النت��ائج، فاستعاضت عن ذلك بالمواجه��ة الخفي��ة، أي مواجه��ة ال��دين بال��دينر بش��عارات ال��دين نفس��ه وارت��داء عباءت��ه واالنقالب من خالل التست علي��ه من ال��داخل. إن ه��ذا االخ��تراق ال��ذي س��جلته الس��لطة على حس��اب ال��دين لم يقتص��ر على دين دون س��واه، ب��ل ش��مل ك��ل "األديان" والشرائع السماوية، بم��ا في ذل��ك اإلس��الم، والح��ديث عن دور السلطة السياسية ومحاوالتها تشويه اإلس��الم وتحري��ف تعاليم��ه ومفاهيمه اإلصالحية، واالنقالب على كل اإلرث الرسالي ال ينبغي أن يس��تفز أح��دا، فه��و واق��ع وال مج��ال إلنك��اره، وه��ل ينك��رن أح��د أن��ة أو فقهي��ة الس��لطة في اإلس��الم اس��تطاعت أن تميت فرق��ا كالمي وتحيي أخ��رى، وأنه��ا أغلقت ب��اب االجته��اد... أج��ل إن علين��ا متابع��ة رصدية آلثار ذلك وتداعياته على واق��ع األم��ة؛ ألن تع��رض المنظوم��ة

17

��ة أم��ة لل��تزوير أو التحري�ف ل�ه ت��أثير المفاهيمية والعقدية تحديدا أليمباشر على دور األمة التاريخي وموقعها الحضاري.

ال شك إذن في أن الكسروية اإلسالمية استطاعت تزوي��ر جمل��ة من المفاهيم اإلسالمية وتحريف البعض اآلخر منها بطريقة التفافية ذكية جانبت المواجهة المباشرة التي تجعلها في ص��دام م��ع ال��رأي الع��ام وتعريها أمام��ه، فلج��أت- ب��دل ال��رفض المباش��ر للنص- إلى ال��تزوير والتالعب في التفس��ير م��ع إيج��اد "مظل��ة ش��رعية" و"غط��اء دي��ني"

بمؤازرة جملة من وعاظ السالطين وفقهاء البالط.أنصاف اآللهة

من هذه المفاهيم المزورة أو التي طالها ال��تزوير، مفه��وم الس��لطة��ا، وإض��فاء هال��ة من القداس��ة نفس��ها، فق��د تم إعط��اؤه طابع��ا غيبي المصطنعة عليه، في اعتبار السلطان ممثال للرب على األرض، فه��و ي��د الل��ه وظل��ه، وص��فاته هي عين ص��فات الل��ه، فالل��ه ه��و المل��ك، والسلطان كذلك، والله صاحب الجاللة، والسلطان كذلك، وإطاعت��ه من إطاعة الله، ومعصيته من معصيته، وال يكتمل التضليل إال بإيج��اد س��ند دي��ني له��ذا المفه��وم، فق��د روي عن رس��ول الل��ه )ص( قول�ه:

لكن هذا الحديث على(1)(1)"السلطان ظل الله على األرض.." فه�و يرش�د إلى ض��رورة(2)(2)فرض صحته وتجاوز ما قيل عن ضعفه

��ة تخلق الس��لطان ب��أخالق الل��ه، بتجس��يد مب��ادئ الع��دل في الرعيف والج��ور، وه��و م��ا ج��اء في رواي��ة واللطف بهم، بعي��دا عن التعس��

السلطان العادل المتواضــع ظــل اللــهأخرى له��ذا الح��ديث " . ومع صرف النظر عن ذل��ك، ف��إن ال��ذي(3)(3)"ورمحه في األرض

ر بش��كل مغ��اير ��ه ق��د أس��يئ فهم الح��ديث وتطبيق��ه، وفس� ج��رى أن ��ا لمفاده ومراده، فأعطيت السلطة- وفق التفسير المزور- بعدا غيبي ربانيا يغدو الن��اس أمامه��ا في موق��ع العبي��د أم��ام س��يدهم وم��الكهم

ج (1)(1) العمال، كنز ص 6راجع ص 4، للطوسي، األمالي وراجع مختلفة، وبزيادات عديدة مصادر من رواه فقد ،634.

ج (2)(2) للعجلوني، الخفاء كشف ص 1راجع ،213.(3)(3) . ج ن، ص 1م ،456.

18

ه وكرم��ه، وإن ل عليهم بش��يء فمن من والمنعم عليهم، ف��إن تفض��أمسك ومنع فمن حقه.

ويبدو أن ه��ذا المق��دار لم يلب ك��ل طموح��ات الس��لطة الكس��روية، باعتب��ار أن التفس��ير الم��ذكور ق��د ال ينطلي على الكث��يرين ال��ذين سيرون تنافيا واضحا وعدم انسجام بين ظلية السلطان لله س��بحانه وبين انغماس��ه في الش��هوات وظلم��ه للعب��اد، ول��ذا ابت��دع العق��ل الكسروي فكرة جديدة تبرر ل��ه انغماس��ه في الش��هوات واس��تبداده بالسلطة، وهي فكرة "إطاعة السلطان ولو كان فاسقا جائرا"، وتم��ه إسناد هذه الفكرة إلى رسول الل��ه )ص(، حيث روي عن��ه )ص( أن قال: "يكون بعدي أئمة ال يهتدون بهداي وال يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قل��وب الش��ياطين في جثم��ان إنس، قلت: كي��ف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع لألم��ير، وإن

.(4)ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع..." واألم��ر األكي��د أن ه��ذا المفه��وم ك��انت ل��ه ت��داعيات خط��يرة على مستوى األمة؛ ألنه استطاع تخديرها وشل إرادتها وقمع روح التغي��ير واإلصالح فيها، كما أنه ساهم في إنتاج الفك��ر االس��تبدادي، بم��ا مهد لقمع المعارضة، بل ومنع من تش��كل الفك��ر المع��ارض النق��دي؛ ألن أية نواة للمعارضة كان يتم استئصالها "بحجة شرعية" وهي "وجوب إطاعة السلطان"، ولذا لم يشهد تاريخن��ا اإلس��المي حرك��ة معارض��ة جدية، باستثناء ما جرى في عهد اإلمام علي )ع( عندما سمح لل��رأي اآلخر أن يعبر عن نفسه بحرية، من خالل حركة معارضة جريئ��ة هي حركة الخوارج التي لم تتوان عن تكفير اإلمام نفسه دون أن يقمعها أو يواجهها أو ينتقص من حقوقها، اللهم إال بعد أن تحولت إلى حركة انشقاق وأخلت باألمن العام لألمة، قال )ع( مخاطبا ه��ذه الجماع��ة:

" ــا كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن ال تسفكوا دما حرام.(1)(1)"وال تقطعوا سبيال وال تظلموا أحدا

المفهوم المذكور على طاولة النقدج (4)) مسلم، ص 6صحيح ،20.ج (1)(1) للكحالني، السالم ص 3سبل ،258.

19

إن مفهوم إطاعة السلطان ولو كان جائرا، ه��و مفه��وم م��زور وغ��ير دقي��ق على ال��رغم من وج��ود بعض المنظرين والم��روجين ل��ه، من أمثال عبد الله بن عمر، فقد روى أنه جاء إلى عب��د الل��ه بن مطي��ع- وهو ممن ثار على يزيد بعد وقعة الحرة الفظيعة التي أباح فيها يزيد المدين��ة ثالث��ة أي��ام لجيش��ه وقت��ل فيه��ا آالف المس��لمين وانتهكت أعراضهم- وأراد ابن مطيع تكريم عبد الله بن عمر، فق��ال: اطرح��وا ألبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك ألجلس، أتيت��ك ألح��دثك حديثا، سمعت رسول الله )ص( يقول: "من خلع يدا من طاع��ة لقي الله يوم القيامة ال حجة ل��ه، ومن م��ات وليس في عنق��ه بيع��ة م�ات

.(2)(2)ميتة جاهلية" إن هذا المفهوم ال يتوافق مع المنطق القرآني الذي نهى في العديد من آياته عن إطاعة الظالمين والفاسقين وأهل اإلثم والفساد، ق��ال

ك�م� النار�تعالى: } { ]ه��ود:وال تركن�وا إلى الذين ظلم�وا فتمسرفين*الذين[ وق���ال أيض���ا: }113 ــوا أمـــر الم�ســـ وال ت�طيعـ�

ون لح� ــ د�ون في األرض وال ي�ص ــ [،152-151{ ]الش��عراء:ي�فسته أن وظيف��ة ن وهكذا فإن المستفاد من هدي رسول الل��ه )ص( وس�� األم��ة تق��ويم الس��لطان إذا أخط��أ، وإص��الح أم��ره، ورفض انحراف��ه

أفضل الجهــاد كلمــةوظلمه، وض��رورة مواجهت��ه ب��الحق، ف��إن ".(3)(3)"عدل أو حق عند سلطان جائر

وهكذا رأينا أن مدرسة أه��ل ال��بيت )ع( ت��رفض ه��ذه الفك��رة رفض��ا قاطعا وتعت��بر أن عدال��ة الح��اكم هي المس��وغ الش��رعي لبقائ��ه في الحكم، وبفقدها يفقد شرعيته، وهذا ما يس��تفاد من الكت��اب الك��ريم

[،124{ ]البق��رة:ال ينــال� عهــدي الظالمينفي قول��ه تع��الى: } ال تصلح اإلمامــة إال لرجــلومن سنة الرسول )ص( في قوله: "

فيه ثالث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، حلم يملك ، وعن أم��ير(1)بــه غضــبه، وحســن الواليــة على من يلي..."

ــةالمؤم��نين )ع(: " ــاووا بين أئم ــاس حين س ــك الن ــا هل إنمج (2)(2) مسلم، ص 3صحيح ،1478.ج (3)(3) داوود، أبي ص 2سنن ،325.ج (1)) ص 1الكافي، ،407.

20

الهدى وأئمة الكفر فقالوا: إن الطاعة م�فترضــة لكــل من قام مقام النبي )ص( برا أو فاجرا، فــأتوا من قبــل ذلــك،

�م كيف }قال تعالى: جرمين*ما لك سلمين كالم� أفنجعل� الم�ز اإلم��ام الحس��ن )ع( على(2)(2)[36-35{ ]القلم:تحك�م�ون ، وق��د رك

إنما الخليفة منهذا المبدأ، فقال في خطبة له بمحضر معاوية: "ــة من ســار ــه وليس الخليف نة نبي ــه وســ� ــاب الل ســار بكت

.(3)(3)"بالجورد ه��ذا المب��دأ- أع��ني ع��دم ج��واز وأما اإلمام الحسين )ع(، فإنه جس�� الخضوع للسلطان الجائر- بفعله قبل قول��ه، ف��إن ثورت��ه بوج��ه يزي�د واختياره الشهادة على البيع��ة، ه��و خ��ير بره��ان على رفض اإلس��المز ��ه )ع( رك شرعية السلطان الجائر وض��رورة الخ��روج علي��ه، كم��ا أن على هذا األمر في كل مراحل ثورت��ه، ففي كتاب��ه إلى أه��ل الكوف��ة

فلعمري مـا اإلمـام إال الحـاكم بالكتـاب القـائميقول )ع(: ")"بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله

وفي خطابه ألمير المدين��ة حين دع��اه إلى بيع��ة يزي��د ق��ال )ع(:(4)(4ــف،أيها األمير" إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وم�ختل

المالئكة بنا فتح الله وبنــا ختم اللــه، ويزيــد رجــل فاســقــق ــة معلن بالفس ــل النفس المحترم ــر قات ــارب الخم ش

.(5)(5)"ومثلي ال ي�بايع مثله "، فإننا نستفيد من��هومثلي ال يبايع مثلهولنتأمل جيدا قوله )ع(: "

أن القضية عند الحسين )ع( ليست قضية شخصية، ولذا لم يقل وأنا "، ما يوحي بأن ك��ل من ك��ان على نهجومثليال أبايعه، وإنما قال "

"، أيمثلهوخط الحسين )ع( وهو خ��ط اإلس��الم ال يمكن أن يب��ايع "ص��فا بص��فات يزي��د، ونح��و ذل��ك قول��ه )ع(: " إنا لله وإنــا إليــهمت

راجعون، وعلى اإلسالم السالم إذ ب�ليت األ�مــة بــراع مثــل.(1)(1)"يزيد

ص (2)(2) والمتشابه، .71المحكمص (3)(3) الطالبيين، .47مقاتلج (4)(4) ص 2اإلرشاد، ،39.ص (5)(5) الطفوف، قتلى على .98الملهوف(1)(1) . ص ن، .99م

21

ومن أهم كلمات اإلمام )ع( وأوضحها في هذا المجال م��ا ذك��ره فيــائرا،كتاب��ه إلى أش��راف الكوف��ة: " من رأى منكم ســلطانا ج

رم الله، ناكثا لعهده، مخالفا لسنة رسول الله، ستحال لح� م� يعمل في عباد الله باإلثم والعــدوان، ثم لم يغيــره بقــول وال فعــل كــان حقيقــا على اللــه أن يدخلــه مدخلــه، وقــدــوا علمتم أن هؤالء القوم قد لزموا طاعة الشــيطان وتول عن طاعــة الــرحمن، وأظهــروا الفســاد وعطلــوا الحــدودموا حالله وإني واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحر

، فه��ذا النص ص��ريح في أن الوق��وف بوج��ه(2)(2)"أحق بهــذا األمر السلطان الج��ائر ومعارض��ته بالفع��ل والق��ول ه��و خ��ط رس��ول الل��ه��ه نهى عن الخ��روج على ومنهجه، وعليه فكل ما ينسب إلي��ه )ع( وأن السلطان الجائر، ولزوم إطاعته أو نحو ذل��ك، ه��و إم��ا كالم مك��ذوب على رسول الله )ص(، أو أنه ناظر إلى صورة م��ا إذا ك��ان النه��وض غير مجد، أو ك��انت األولوي��ة ل��رص الص��فوف الداخلي��ة في مواجه��ة أخطار الخارج التي تحدق باإلسالم والمس��لمين، وذل��ك على قاع��دة

.(3)(3)"أل�سلمن ما سلمت أمور� المسلمينأمير المؤمنين )ع(: "ارتدادات المفهوم

وعلى الرغم من سلبيات المفهوم المشار إلي��ه ح��ول ظلي��ة الح��اكمد أو يرفض، بل ال تزال امتدادات��ه مس��تمرة لله، فإنه إلى اآلن لم يفن وارتدادات��ه قائم��ة، ف��الحكم في بالد المس��لمين م��ا زال حك��را على "العائالت المالكة" والحكومات المستبدة، وما فتئ وعاظ السالطين ينظ��رون لثقاف��ة التس��ليم واالنقي��اد ألولي��اء األم��ور والرض��وخ لهم والدعاء ب�أن يم�د الل��ه في أعم��ارهم "المبارك��ة"، وإنه��ا لدالل�ة ذات مغ��زى أن تج��د قواميس��نا السياس��ية والدبلوماس��ية مألى بألق��اب الجاللة والفخام��ة والعظم��ة والس��مو والمع��الي وألف��اظ االس��ترحام واالستعطاف وما إلى ذلك، مما قد ال تجده في لغ��ة أخ��رى، كم��ا أن آداب التخاطب والتعارف مع الس��لطان تأخ��ذ- ل��دينا- ط��ابع االنحن��اء والخضوع وتقبيل األيدي وربما األرجل، ه��ذا م��ع أن ص��فات العظم��ة

ج (2)(2) األنوار، ص 44بحار ،382.ج (3)(3) البالغة، ص 1نهج ،124.

22

والكبرياء التي يسبغها هؤالء الحكام على أنفس��هم أو نس��بغها عليهم ال نرى لها ترجمة عملية في مواجهة أعداء األمة ومغتص��بي أرض��ها، وإنما تتم ترجمتها ونرى آثارها في مواجهة أبناء األمة، ما يذكرنا بم��ا

قاله بعض الشعراء في وصف أمراء األندلس وحكامها:أسماء معتصم فيها ومعتضدمما يزهدني في أرض أندلس

صولةألقاب مملكة في غير موضعها انتفاخا يحكي كالهر (1)(1)األسد

��ة مم��ا ال إن القصة هي قصة هذا اإلدمان على العبودية والرقي نجد تفسيرا له إال في ثقاف��ة االس��تعباد ال��تي تم إدخاله��ا في تك��وين شخص��ية المس��لم، وت��ركت بص��ماتها في الالوعي لدي��ه، ول��ذا تم التعامل مع الفقي��ه عن��دما اعتلى ع��رش الس��لطة بالطريق��ة نفس��ها واآلداب والرسوم عينها التي يتعام��ل به��ا م��ع الس��لطان، من تق��ديم فروض الطاعة واالحترام له، إلى إسباغ الهال��ة القدس��ية علي��ه، بم��ا يمنع من مناقشته ونقده، في استبعاد واضح لكل المنطق اإلسالمي باعتبار الحاكم- كما المحكوم- تحت سقف القانون والمساءلة، وفي الدعوة إلى قي��ام األم��ة ب��دور النق��د والتس��ديد والرقاب��ة المس��تمرة

لتصرفات الحاكم.علي ومواجهة النهج الكسروي

��ه- وق��د ق��دم اإلم��ام علي )ع( مثال أعلى في ه��ذا المق��ام، فإن اقتداء برسول الله )ص(- أضفى على السلطة بع��دا إنس��انيا ش��عبيا، نازع��ا عنه��ا هال��ة القداس��ة والغيبي��ة، ووض��ع الح��دود الفاص��لة بين

فال تكلمونيالسلطة الكس��روية والس��لطة الش��عبية، ق��ال )ع(: "ظ� به عند ظوا مني بما ي�تحف بما ت�كلم� به الجبابرة� وال تتحفــانعة، وال تظنوا بي ــالطوني بالمص ــادرة، وال تخ ــل الب أه استثقاال في حـق قيـل لي، أو التمــاس إعظـام لنفسـي،

ي�عــرض عليــه كــان فإنه من استثقل الحق له أو العدل أن

ج (1)(1) للذهبي، النبالء أعالم ص 17سير ،144.

23

وا عن مقالــة بحــق أو العمــل� بهمــا عليــه أثقــل، فال تكفــ.(1)(1)"مشورة بعدل...

إن السلطة التي ينشدها علي )ع( ترفض النهج الكس��روي في��ارا وملك��ا ف��وق الق��انون إدارة الحكم، ألنه نهج ي��رى في الح��اكم جب والمساءلة، وتعتمد النهج اإلسالمي ال��ذي ي��رى في الح��اكم مس��ؤوال عن إدارة األمور أمام الله وأمام الجم��اهير، وه��و كغ��يره من الن��اس يخضع لسلطة القانون والمساءلة من األمة، ويتمايز ه��ذان النهج��ان

وفق النص المتقدم في عدة أمور: فال تكلمــوني بمــا على مس��توى أس��لوب الخط��اب م��ع الح��اكم "-1

"، فال تبجي��ل وال تعظيم وال مبالغ��ة في مخاطب��ةت�كلم به الجبــابرةالحاكم، خالفا لما هو الحال في النهج الكسروي.

ظوا مني على المستوى النفسي، ففي النهج اإلسالمي "-2 وال تتحفظ به عند أهل البادرة "، وأهل البادرة هم أهل الس�يف،بما ي�تحف

أم��ا في النهج الكس��روي، ف��إن الخ��وف يتملك الم��رء عن��د مواجه��ة الس��لطان، فيتحفظ ويح��ترز كث��يرا في أقوال��ه وأفعال��ه، خش��ية أن

يبطش به السلطان ويناله منه الضرر. "، فالوال تخــالطوني بالمصــانعة على مس��توى آداب التعام��ل "-3

تزل��ف وال تص��نع خالف��ا للنهج الكس��روي في الحكم، ف��إن المم��األةوالمصانعة هي أسلوب التعامل مع السلطان.

وال تظنوا بي اســتثقاال في على مس��توى النق��د والمحاس��بة "-4ــورة ــق أو مش ــة بح وا عن مقال ــ ــل لي... فال تكف ــق قي ح

"، فالنقد والمشورة حق لألم��ة في منظ��ار علي )ع(، أم��ا النهجبعدل ا الكسروي فإنه يصادر هذا الحق، ويعتبر النقد تط��اوال وتجريح��ا ومس��

بكرامة الحاكم.

مفهوم الحياد أو االعتزال-2 ويأتي على رأس هذه المفاهيم مفه��وم العزل�ة أو م�ا يص��طلح علي�ه اليوم بالحياد الذي كان الكثيرون يتسترون به، هربا من نصرة الح��ق

ج (1)(1) البالغة، ص 2نهج ،202.

24

وب��ذل الم��ال والنفس في مواجه��ة الباط��ل، وإنن��ا نالح��ظ أن فك��رة االع��تزال ق��د ظه��رت في عه��د أم��ير المؤم��نين )ع(، حيث اعتزل��ه جماعة ولم يشتركوا معه في حروب��ه، وال اش��تركوا م��ع أعدائ��ه، ب��ل اختاروا الجلوس على التل، ومن هؤالء عبد الله بن عمر وس��عيد بن مال��ك، وق��د ج��اء في نهج البالغ��ة أن الح��ارث بن ح��وط أتى أم��ير المؤمنين فقال: أتراني أظن أن أصحاب الجمل ك��انوا على ض��اللة؟

يا حــارث إنــك نظــرت تحتــك ولم تنظــر فوقــكفقال )ع(: " فحرت، إنك لم تعرف الحــق فتعــرف من أتــاه ولم تعــرف

". فقال الحارث: فإني اعتزل م��ع س��عدالباطل فتعرف من أتاه إن سعدا وعبد اللــه بنبن مالك وعبد الله بن عمر، فقال )ع(: "

. فه��و )ع( يري��د(1)(1)"عمر لم ينصرا الحق ولم يخــذال الباطل علي معالتأكيد على أن معركته هي معرك��ة الح��ق ض��د الباط��ل "

. وعن��دما يك��ون الص��راع ص��راع ح��ق(2)(2)"الحق والحق مع علي وباطل، فالمطلوب من كل مسلم أن يخذل الباطل وينصر الح�ق، ال

أن يكون حياديا؛ ألنه ال حيادية بين الحق والباطل. نعم إنما يكون الحياد أو االعتزال مبررا شرعا في ج�و الفتن ال�تي ال يعرف فيها الحق من الباطل، فحينئذ يكون الموق��ف كم�ا ق��ال أم�ير

كن في الفتنة كابن اللبون، ال ظهر فيركبالمؤمنين )ع(: " ، ولكن هذا ال ينطبق على معرك��ة علي )ع((3)(3)"وال ضرع فيحلب

مع خصومه، وال معركة الحسين )ع( مع يزيد وأتباعه. وهكذا قد تكون العزلة محم��ودة في م��ورد آخ��ر، وه��و م��ا إذا ك��انت تمثل الفرصة المثلى لحفظ الدين وحماي��ة النفس عن االنح��راف أو السقوط تحت ضغط الواقع الفاسد، وهذا ما امتدح به الل��ه س��بحانه

م ومــاالفتي��ة من أه��ل الكه��ف، ق��ال س��بحانه: } وإذ اعتزلت�م�وه��م ربك�م من ر لك ــ� ــف ينش أو�وا إلى الكه ــ ــد�ون إال الله ف يعب�

رفقا ن أمرك�م م حمته وي�هيئ لك�م م [.16{ ]الكهف:ر

ج (1)(1) البالغة، ص 4نهج ،63.ص (2)(2) للصدوق، ج 150األمالي االحتجاج، ص 1، ج 97، طالب، أبي آل مناقب ص 1، ،323.(3)(3). : الحكم باب البالغة نهج

25

ومن جهة ثالثة، فإن العزلة ربما مثلت احتجاجا على الواق��ع الفاس��د ومدخال إلثارة األسئلة الفكرية في محاولة إليقاظ الضمائر والعق��ول وتحفيزه��ا على التفك��ير، والع��ودة إلى ال��ذات واالس��تجابة لن��داء الفطرة، ولعل هذا هو السر وراء اعتزال خليل الله إبراهيم )ع( عن

ــدع�ون من د�ون اللهقوم��ه، ق��ال تع��الى: } ــزل�ك�م ومــا ت وأعتا قيا*فلم ــ ــد�عاء ربي شـ ــون بـ ـ� ى أال أك ــ ــو ربي عسـ وأدعـ�حاق ــ ــه� إس ــا ل ــد�ون من د�ون الله وهبن ــا يعب� م وم ــزله� اعت

وب وك�ال جعلنا نبيا [.49- 48{ ]مريم : ويعق� وفي هذا السياق نفهم الروايات التي تعتبر العزلة نوعا من العب��ادة، أو أن فيه��ا س��المة ال��دين، ففي الح��ديث عن رس��ول الل��ه )ص(:

وعن أم��ير(2)(2)"العزلة ســالمة وعنه )ص( "(1)(1)"العزلة عبادة".(3)(3)"سالمة الدين في اعتزال الناسالمؤمنين )ع(: "

أما فيما عدا ذلك، فإنه ال محل شرعا للعزلة، بل ربما شكلت خيان��ة لألمة وتخاذال عن نصرة الحق، وإننا نعتقد أن ث��ورة اإلم��ام الحس��ينحته )ع( بما تمثله من شرعية إسالمية قد فضحت هذا المفهوم، فض�� بمواق��ف رجاالته��ا وأبطاله��ا ال��ذين أب��وا الجل��وس على الت��ل، أو أن يس��معوا داعي��ة الحس��ين )ع( دون أن يجيب��وه، وق��د س��جلت بعض

إدان��ة ليس فق��ط لل��ذين ش��اركوا في قت��ل(4)(4)النصوص والزي��ارات اإلمام )ع( وأهل بيته، بل لك��ل ال��ذين س��كتوا عن نص��رته، أو رض��وا

كم��ا(5)(5)"الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهمبقتله؛ ألن " قال أم��ير المؤم��نين )ع(، وق��د ظه��رت ثم��رة ذل��ك س��ريعا، ف��أحس المجتمع الك��وفي بالن��دم وس��يطر ه��ذا الش��عور على النف��وس ال��تي سرعان ما تفجرت غضبا في وجه قتل��ة اإلم��ام )ع( من خالل حرك��ة التوابين، في محاولة لتالفي التقصير، والتكفير عن الذنب الكبير في

خذالنه وتركه وحيدا في أرض الطفوف.

الدين (1)(1) .341أعالمج (2)(2) العمال، ص 3كنز ،372.ج (3)(3) الوسائل، ص 11مستدرك ،393.(4)(4) : ص الطوسي، للشيخ المتهجد مصباح .722و 720راجعج (5)(5) البالغة، ص 4نهج ،40.

26

عقيدة الجبر-3 ومن جملة المفاهيم العقائدية الخاطئة التي س��اهمت إلى ح��د معين في تخدير األمة اإلسالمية وشل إرادتها وتقاعسها عن نص��رة قض��ايار بطريق��ة الحق والعدل: مفهوم "القضاء والق��در" ال��ذي ق��دم وفس�� خاطئة، ليصبح مرادفا لفكرة الجبر وسلب إرادة اإلنس��ان، ه��ذا على الرغم من أن أصل المبدأ )مبدأ القضاء والقدر( صحيح وسليم، وق��د

بعأكد القرآن علي��ه في ع��دة آي��ات، ق��ال تع��الى: } فقضاه�ن ســماوات في يــومين الذي خلــق[، وق���ال: }12{ ]فص���لت:ســ

وى*والذي قــدر فهــدى [، والقض��اء بمع��نى3-2{ ]األعلى: فســ ، و"الق��در والتق��دير: ت��بين كمي��ة(1)(1)"فصل األمر قوال ك��ان أو فعال"

، وفي الخبر عن اإلمام الرضا )ع( وقد سأله يونس عن(2)(2)الشيء" هي الهندسة ووضــع الحــدود من البقــاءمعنى القدر فقال: "

.(3)(3)" والقضاء: هو اإلبرام وإقامة العينقال:والفناء، ثم الخلفية السياسية لعقيدة الجبر

ربما كان تبني بعض الناس لعقيدة الجبر منطلق��ا من جم��ودهم على بعض الظواهر، أو سوء فهمهم لبعض اآلي��ات القرآني��ة ال��تي تتح��دث

{أال له� الخلــق� واألمــر�عن عم��وم ق��درة الل��ه تع��الى، كقول��ه: }اء الله� رب[، وقول��ه: }54]األع��راف: اؤ�ون إال أن يشــ وما تشــ {والله� خلقك�م وما تعمل�ون[، وقوله: }29{ ]التكوير:العالمين [، وغيرها من اآليات التي ي��تراءى منه��ا ألول وهل��ة أن96]الصافات:

الله س��بحانه ه��و الخ��الق ألفع��ال اإلنس��ان بم��ا ق��د يس��لبه االختي��ار، وطبيعي أن هذا الفهم خاطئ ومرفوض؛ ألن خالقيته تع��الى ألفع��ال العباد ال تعني سلب االختيار عن اإلنسان ليصبح مجرد آلة، بل الفعل صادر عن العبد باختياره، ومع ذل��ك يص��ح نس��بته إلى الل��ه س��بحانه، بلح��اظ مالكيت��ه لإلنس��ان ولك��ل أفعال��ه، وه��و ال��ذي أعط��اه الق��درة والق��وة على الفع��ل حتى في ح��ال ص��دور المعص��ية من��ه، وه��ذه

(1)(1). قضى مادة األصفهاني، الراغب مفردات(2)(2). : قدر مادة ن م،ج (3)(3) ص 1الكافي، ،158.

27

النظرية هي التي تسمى بنظرية "األمر بين األمرين" التي أكد عليهاأئمة أهل البيت )ع( وعرفوا بها في مقابل نظريتي الجبر والتفويض. لكن البعض اآلخر من القائلين بالجبر لم تكن القضية عن��دهم قض��ية التب���اس في فهم بعض اآلي��ات القرآني���ة، وإنم��ا هم ينطلق���ون من ب��ا كوا ببعض الظ��واهر القرآني��ة تهر خلفيات غير سليمة، وربم��ا تمس��تهم وانحرافاتهم، وقد أخبر الن��بي )ص( من مسؤولياتهم وتبريرا لتفل

ســيأتي زمــان علىعن ه��ذه الفئ��ة بقول��ه- فيم��ا روي عن��ه- : "ــا أ�متي يؤولون المعاصي بالقضاء، أولئك بريئون مني وأن

.(1)(1)"بريء منهمكهم به��ذه العقي��دة ه��دف سياس��ي كما أن فئة ثالثة يقف وراء تمس�� سلطوي، وهو محاولة تبرير تسلطهم على رق��اب الن��اس، والس��عي إلى تحييد الجماهير عن ساحة الصراع؛ ألن هذه العقيدة إذا م��ا بثت في األمة، فإنها تمهد لتخدير الناس ودفعهم إلى الي��أس من إمكاني��ة التغيير السياسي واالجتماعي، بحجة أن الله هو مالك المل��ك، ي��ؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويذل من يش�اء ويع�ز من

يشاء. ولهذا رأينا أن السالطين األمويين ومن س��ار في رك��ابهم ك��انوا على رأس المروجين لهذه العقيدة، ليقولوا للناس: إن الله هو الذي ق��در أن يك��ون معاوي��ة أو يزي��د خليف��ة للمس��لمين، وال م��رد لقض��اء الل��ه وقدره! وإن ما جرى على الحسين )ع( في كربالء ك��ان بتق��دير الل��ه وفي علمه وإرادته، فال تلقوا بالالئمة على يزي��د أو ابن زي��اد أو عم��ر بن سعد! إلى غير ذلك من األغراض السياس��ية ال��تي أري��د تمريره��ا تحت غطاء عقيدة يدعى انتسابها إلى القرآن واإلس��الم، وق��د ع��رف عن معاوية أنه: "أول من زعم أن الله يريد أفعال العباد كله��ا" ولم��ا عين ابنه يزيد خليفة للمس��لمين واع��ترض علي��ه عب��د الل��ه بن عم��ر أجابه: "إن أمر يزيد قد ك��ان قض��اء من القض��اء وليس للعب��اد خ��يرة

.(2)(2)من أمرهم"ص (1)(1) اإللهيات، في محاضرات في السبحاني جعفر الشيخ .282نقله المستقيم الصراط كتاب عنج (2)(2) والسياسة، ص 1اإلمامة ،161.

28

��ه لم��ا ورد علي��ه م��وكب الس��بايا، وعلى نفس المنوال سار يزيد، فإن قال مخاطبا اإلم��ام زين العاب��دين )ع(: "ي��ا بن حس��ين، أب��وك قط��ع

(3)رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما ق��د رأيت"

. فيزيد يعتبر أن ما جرى على اإلمام الحسين )ع( وأه��ل بيت��ه في(3) كربالء هو مما صنعه الله بهم ال مما جنته يداه اآلثمتان، وبنفس هذه��ه لم��ا أدخلت اللغة تكلم عبيد الله بن زياد مع العقيلة زينب )ع(، فإننع الل��ه عليه إلى قصر اإلمارة في الكوفة قال له��ا: "كي��ف رأيت ص��

، فه��و- إذا-(1)(1)"ما رأيت� إال جميال...بأخيك وأهل بيتك" فق��ال: "صنع الله، وليس صنع ابن زياد!

المشركون واألحبار وعقيدة الجبرت على أن المش��ركين ك��انوا ونالح��ظ أن بعض اآلي��ات القرآني��ة نص��رون ش��ركهم وعب��ادتهم لألص��نام ب��إرادة الل��ه لهم ذل��ك، ق��ال ي��بر

سبحانه: } ول� الذين أشرك�وا لو شاء الله� ما أشركنا وال سيق�يء ــا من شــ من ــا وال حر ن [، ونق��ل الق��رآن148{ ]األنع��ام:آباؤ�

االكريم عنهم أيضا: } ــدناه�م م حمن� مــا عب وقال�وا لو شاء الــرون ص� م إال يخر� م بذلك من علم إن ه� [، م��ا20{ ]الزخ��رف:له�

يعني أن هذه العقيدة الباطلة كان لها انتشار في الوس��ط الج��اهلي،وربما ظلت رواسبها في أذهان البعض حتى بعد إسالمهم.

وتش��ير بعض الش��واهد التاريخي��ة إلى أن وهب بن منب��ه، وه��و من مسلمة أهل الكتاب الذين أكثروا النقل والرواي��ة عن اإلس��رائيليات، كان من المروجين لفك��رة الج��بر ونفي االختي��ار عن اإلنس��ان، حيث يقول: "كنت أقول بالقدر حتى قرأت بض��عا وس��بعين كتاب��ا من كتب األنبياء في كلها: من جعل لنفسه شيئا من المشيئة فقد كفر فتركت

.(2)(2)قولي"آل البيت )ع( ومحاربة عقيدة الجبر

ج (3)(3) للطبرسي، الورى ص 1إعالم ،474.ص (1)(1) الطفوف، قتلى على .201الملهوفج (2)(2) عساكر، البن دمشق مدينة ص 63تاريخ ،386. المصادر من وغيره ،

29

ونجد عند مراجعتنا للمصادر الروائي��ة والتاريخي��ة، أن له��ذه العقي��دة أنصارا في عهد أمير المؤمنين )ع( الذي قام كسائر أئمة أهل ال��بيت )ع( بمحاربتها وتفنيدها وبيان بطالنها ومنافاتها للقرآن الكريم وس��نة الرسول )ص(، فقد روي أنه جاء رجل- والملفت أنه شامي كما جاء في نهج البالغة- إليه بعد انصرافه من ح��رب ص��فين، فق��ال ل��ه: "ي��ارني عما كان بيننا وبين ه��ؤالء الق��وم من الح��رب، أمير المؤمنين خب

مـا علــوتمأكان بقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤم��نين )ع(: " ". فق��التلعــة وال هبطتم واديــا إال وللــه فيــه قضــاء وقــدر

الرجل: فعند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤم��نين! فق��ال ل��ه: ولم؟ قال: إذا كان القضاء والقدر ساقانا إلى العمل، فما وجه الث��واب لن��ا على الطاعة، وما وج��ه العق��اب لن��ا على المعص�ية؟ فق��ال ل��ه أم�ير

"أوظننت يا رجل أنه قضــاء حتم وقــدر الزم،المؤمنين )ع(: ال تظن ذلك، فإن القول بــه مقــال عبــدة األوثــان وحــزب الشيطان وخصماء الرحمن وقدرية هذه األ�مة ومجوســها، إن الله تعــالى أمــر تخيــيرا، ونهى تحــذيرا، وكلــف يســيراــا، ولم يخلــق الســماء ولم يطــع مكرهــا، ولم يعص مغلوب

ــل }األرض وما بينهمــا بــاطال وا فوي ر� ــك ظن الذين كفــ ذلوا من النار ["، فق��ال الرج��ل: فم��ا القض��اء27{ ]ص:للذين كفر�

األمر بالطاعــةوالقدر الذي ذكرته يا أمير المؤم��نين؟ ق��ال )ع(: " والنهي عن المعصية والتمكين من فعــل الحســنة، وتــرك السيئة والمعونة على القربة إليــه، والخــذالن لمن عصــاه والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، كل ذلك قضــاء اللــه في أفعالنا وقدره ألعمالنا، فأما غير ذلك فال تظنه، فــإن

": فق��ال الرج��ل: ف��رجت عني ي��ا أم��يرالظن له محبط لألعمالالمؤمنين فرج الله عنك، وأنشأ يقول:

الرحمنأنت اإلمام الذي نرجو بطاعته من المآب يوم غفرانا

30

باإلحسانأوضحت من ديننا ما كان ملتبسا ربك جزاك (1)(1)إحسانا

ويبقى لثورة الحس��ين )ع(، دور كب��ير في تفني��د ه��ذه العقي��دة ومحاربتها، فقد جسدت هذه الثورة بالفعل ال بالقول اختيار اإلنس��ان وحريته في اختيار مص�يره، كم�ا أنه��ا أك�دت على ه��ذه الحقيق�ة من��ه لم��ا أدخ��ل الس��بايا خالل امتداداتها، فقد ذك��ر في كتب الس��يرة أن على ابن زياد التفت إلى علي بن الحسين )ع( وقال من هذا؟ قي��ل:

علي بن الحسين، فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟! قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتلهفقال له علي: "

الله�"، فق��ال ابن زي��اد: ب��ل الل��ه قتل��ه! فق��ال علي )ع(: }النــاسس حين موتها [، فقال: ابن زي��اد وب��ك42{ ]الزمر:يتوفى األنف�

. وهك��ذا نس��تطيع أن(2)(2)جرأة على جوابي، اذهبوا به فاضربوا عنقه نقول: إن كل الثورات والحركات التي ق��امت بع��د استش��هاد اإلم��ام الحس��ين )ع( ك��انت خ��ير تعب��ير على نج��اح ه��ذه الث��ورة في إع��ادة الحرية واإلرادة إلى األمة وإسقاط نظرية الجبر من نفوس الث��ائرين

واألحرار.- التباس مفهومي الثورة والفتنة4

ومن جملة ه��ذه المف�اهيم أو الش�عارات ال�تي تم توظيفه�ا بطريق�ة��ة في مواجه��ة حرك��ة اإلم��ام الحس��ين )ع( ش��عار ��ة تهويلي تخويني "الحفاظ على وحدة األمة" وذلك بتصوير الحس��ين )ع( رجال يس��عى للفرقة وتشتيت الكلمة وتمزيق الصفوف، في محاولة لتأليب ال�رأي الع��ام اإلس��المي ض��ده وإفق��اد حركت��ه الص��بغة الش��رعية، وإلباس��ها لبوس��ا انش��قاقيا ض��يقا، ويب��دو أن معاوي��ة ه��و أول من رمى حرك��ة الحسين )ع( بهذه التهمة، فقد ج��اء في رس��الة وجهه��ا إلي��ه: "أنظ��ر لنفسك ولدينك وألمة محمد، واتق شق عصا هذه األم��ة وأن ت��ردهم

.(1)(1)إلى فتنة"ج (1)(1) ص 1اإلرشاد، ج 225، والكافي، ص 1، ،155.ص (2)(2) ( 202الملهوف، سعد ) ابن طبقات من ع الحسين اإلمام وترجمة ،79.ج (1)(1) الطوسي، للشيخ الرجال، معرفة ص 1اختيار ج 257، األنوار، بحار ص 44، ،212.

31

وهكذا فعل والي الح��رمين )مك��ة والمدين��ة( عم��رو بن س��عيد ال��ذي ، وق��د نس��ج(2)(2)وجه إلى اإلمام )ع( رسالة يحذره فيها من الش��قاق

عبد الله بن عمر على نفس المنوال حيث كان ي��رى أن على اإلم��امك ما عاش، وأن ي��دخل في ص��الح م��ا دخ��ل في��ه الن��اس "أن ال يتحر

.(3)(3)فإن الجماعة خير" واألمر عينه فعله عبيد الله بن زياد مع مسلم بن عقيل، فقد خاطب��ه بعد أسره وإحضاره إلي�ه: "ي�ا ش�اق، خ�رجت على إمام�ك وش�ققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة"، فأجابه مسلم: "كذبت ي��ا ابن زي��اد

هم(4)(4)إنما شق عصا المس��لمين أنت وأب��وك زي��اد" ، وال عجب أن يتهم بذلك وال��ده أم��ير الحسين )ع( بأنه يشق عصا المسلمين، فقد ات

.(5)(5)المؤمنين )ع( وفي دراستنا لهذا المفهوم الملتبس، عنيت ب��ه مفه��وم "ش��ق عص��ا األمة"، الذي أريد به التعمية على إسالمية الثورة اإلسالمية وأصالتها القرآنية، ال بد لنا أن نتوقف وقفتين أساسيتين، ت��دور الوقف��ة األولى حول بيان المفهوم المذكور وتحدي�د الم��ائز بين��ه وبين الث��ورة، بينم��ان ��بي نط��ل في الوقف��ة الثاني��ة على إس��المية الث��ورة الحس��ينية، ونس ال��تي نتع��رف من خالله��ا على إس��المية أي ث��ورة أو حرك��ة األس��

نضالية. أوال: مفهوم "شق الصف" في الميزان الشرعي

ال يرتاب مس��لم في أن ش��ق عص��ا األم��ة وتش��تيت كلمته��ا وتمزي��ق صفوفها هو من كبائر اإلثم والمعاصي، كيف وقد حث القرآن الكريم على جمع الشمل واالعتصام بحبل الله، ونهى عن التن��ازع والتن��احر،

قال تعالى: } ل�وا ــازع�وا فتفشــ وله� وال تن ــه ورســ� وأطيع�وا اللابرين وا إن اللـه مـع الصـ بر� ك�م واصـ { ]األنف��ال:وتذهب ريح�

[، وهكذا فإن النبي )ص( حذر من الخ��روج على الجماع��ة فق��ال46ة)ص( فيما روي عنه: " من خرج من الجماعة فقــد خلــع ربقــ

من شق، وفي حديث آخ��ر عن��ه )ص(: "(1)(1)"اإلسالم من عنقهج (2)(2) والنهاية، البداية ص 8راجع ،175.(3)(3) ) ( ، ع الحسين اإلمام .3039كلماتص (4)(4) الحلي، نما البن األحزان .24مثيرج (5)(5) األنوار، ص 33بحار ،81.ج (1)(1) العمال، ص 1كنز ،207.

32

ة اإلســالم من عنقه ،(2)(2)"عصا المسلمين، فقــد خلــع ربقــ من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريدوعنه )ص(: "

.(3)(3)"أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه بيد أن األمر الج��دير ب��البحث والتأمل ه��و معرف��ة الم��راد من "ش��ق عصا األمة"، فهل أن كل حركة ثورية تواج�ه الس�لطان تعت��بر حرك�ة انشقاقية مذمومة؟ وهل شق العصا الم��ذموم يع��ني الس��كوت على الظلم والمنكر وإقرار الواقع الفاسد؟ ثم ه��ل من الص��حيح والج��ائز

وضع نهضة اإلمام الحسين )ع( في خانة الحركات االنشقاقية؟المائز بين الفتنة والثورة

وفي اإلجابة على ذلك نقول: إن ثمة فارق��ا شاس��عا وم��ائزا بين��ا بين الفتنة والث��ورة من جه��ة، وبين ش��ق العص��ا والمعارض��ة االحتجاجي��ة على ممارسات الحاكم الجائر والمس��تبد من جه��ة أخ��رى، وال يج��وز الخلط بين هذا وذاك، فالفتنة تكون في حالة ع��دم تمي��يز الح��ق عن الباطل، وعلى اإلنسان أن يكون فيها حياديا كما أسلفنا، أم��ا الث��ورة والجه��اد بالس��الح والعت��اد، أو بالكلم��ة والموق��ف فيك��ون في حال��ة الصراع بين الحق والباطل، وهذا أمر محب��وب ب��ل ه��و واجب وفع��ل

إن أفضل الجهــاد كلمــة عــدل عنــد ســلطانجهاد، وقد ورد " وال يجوز لإلنسان أن يكون حياديا بين الحق والباطل.(1)(1)"جائر

ولطالم��ا عم��ل الظ��الم والح��اكم المس��تبد على تم��ييع المف��اهيم والتالعب بالمص��طلحات وقلب الحق��ائق واس��تغاللها اس��تغالال س��يئا، بغية قمع ك��ل تح��رك ش��عبي مع��ارض لحكم��ه وكم األف��واه المن��ددة بظلمه، وهكذا تحول مفه�وم "ش��ق العص��ا" إلى عص��ا غليظ��ة لجل��د المعارضين واألحرار، وغدا عنوان الفتنة حج��ة ل��زج المظل��ومين في السجون، كما أصبح شعار "ضرورات الصراع" ذريع��ة لت��أخير عملي��ة

اإلصالح السياسي واالقتصادي إلى ما شاء الله!..مصطلح اإلرهاب

وه��ذا م��ا فعلت��ه دوائ��ر االس��تكبار في أيامن��ا من إطالق مص��طلحر في "اإلرهاب" على معارضي سياساتها بما في ذلك حركات التح��ر

(2)(2). . ن مج (3)(3) مسلم، ص 6صحيح ،23.ج (1)(1) ص 5الكافي، ج 60، أحمد، مسند ص 3، ،19.

33

��بر "اإلره��اب" جريم��ة يع��اقب عليه��ا الع��الم وط��البي العدال��ة، واعت القانون العالمي، مع أنه إلى يومنا لم يتم وضع تعريف قانوني واضحق بين أعم��ال لإلرهاب، ألن وضع تعري��ف ق��انوني دقي��ق س��وف يف��ر اإلره��اب حق��ا ال��تي يق��وم أص��حابها بقت��ل األبري��اء وتروي��ع اآلم��نين والتعدي على الممتلكات العامة أو الخاصة، وبين حرك��ات المقاوم��ةر التي تريد تحرير األرض واإلنسان من نير االحتالل، إنن��ا دون والتحر أدنى ش��ك ن��دين اإلره��اب ونعت��بره جريم��ة نك��راء وق��د ي��دخل فيم��ا يس��ميه فقهن��ا اإلس��المي "بالحراب��ة" أو "اإلفس��اد في األرض" وه��و يجرمه القانون اإلسالمي ويعاقب عليه عقوب��ة ال تص��ل إليه��ا عقوب��ةت عليه��ا اآلي��ة الثالث��ة والثالث��ون من س��ورة أخ��رى، وهي ال��تي نص�� المائ��دة، إال أنن��ا في ال��وقت عين��ه ن��رفض تم��ييع المص��طلح بغي��ة

استخدامه في غير موضعه بما يخدم مصالح المستكبرين.

الضوابط والسياقات وفي ضوء ما تقدم يتضح أن األساس في وص�ف حرك�ة معين�ة بأنه�ار، أن ننظر إلى حركة انشقاق وفتنة وإرهاب، أو حركة مقاومة وتحر واق��ع األم��ور ال إلى مج��رد الش��عارات والكلم��ات المعس��ولة؛ ألن للباطل عالماته، وللحق عالماته وموازينه، ورب حركة إذا تمت وفق ضوابط خاصة وضمن سياقات معينة وظروف مح��ددة تك��ون حرك��ة تحرر أو عمال نهضويا، ولكن إذا اختلفت الظروف وتبدلت الس��ياقات تغدو عمال فتنويا أو انتحاريا. والضابط األساسي في هذا المجال: أن التوحد واجتماع الكلمة إذا كان على الخ��ير واله��دى ومص��لحة األم��ة وحفظ النفس والدين والع��رض ونص��رة المظل��وم وإغاث��ة المله��وف فه��و أم��ر مطل��وب وواجب، والخ��روج على وح��دة من ه��ذا الن��وعر عقال ومنطق��ا ودين��ا، وبالمقاب��ل ف��إن االحتج��اج مرفوض وغير م��بر واالعتراض إذا ك��ان على الظلم والع��دوان وتج��اوز القيم والمب��ادئ، فإنه ال يعد عمال انشقاقيا مذموما، بل هو أم��ر مطل��وب وواجب ول��و كان فيه خروج على إجماع األمة وخرق لوحدتها؛ ألن اإلسالم يرفض

القاعدة القائلة:مسالم على كفر يوحد بيننا وأهال وسهال بعده بجهن

34

ألنها قاعدة ال تستند إلى منطق وال يعضدها عقل أو دين.الحسين )ع( قائد ثورة ال طالب فتنة

ووفق��ا للمعي��ار والض��ابط المتق��دم يص��بح واض��حا أن حرك��ة اإلم��ام الحسين )ع( هي حركة ث��ائر ومجاه��د يري��د تص��حيح الفس��اد وتق��ويم االنح��راف ال��ذي دب في جس��م األم��ة، وليس��ت حرك��ة ش��خص ب��اغ للفتنة أو الس��لطة أو الش��هرة، وإن دراس��ة تاريخي��ة بس��يطة لواق��ع األمة اإلسالمية آنذاك وما وصلت إليه األمور من انحراف خطير عنل- كم��ا س��لف- مس��ار الرس��الة وأحك��ام الش��ريعة وتعاليمه��ا، م��ا مث انقالب��ا ش��امال وردة كامل��ة على مب��ادئ اإلس��الم، انطلقت من رأس الهرم والسلطة، وال سيما بعد تولي يزيد المعروف بفسقه وفج��ورهت��ه خالفت��ه ه��ذه على األم��ة من ويالت خالفة المسلمين، م��ع م��ا جر وكوارث؛ إن دراسة بسيطة لذلك كفيلة بتصديق وتأكيد ما نقوله من أن حرك��ة اإلم��ام الحس��ين علي��ه الس��الم ك��انت أك��ثر من مطلوب��ة وواجبة؛ ألنها حرك��ة إص��الح وتغي��ير، وال يص��ح بح��ال من األح��وال أن توصف بأنها حركة انشقاقية أو حركة فتنة، وإننا نقول هذا الكالم مع غض النظر عن موقفنا المبدئي القاضي بأن الحسين )ع( هو مص��در الشرعية، واس��تنادا إلى مواقف��ه تق��اس أفع��ال اآلخ��رين وس��لوكهم،

دون العكس. ويمكننا تجاوز ما قلناه من أن حركة اإلمام الحس��ين )ع( هي حرك��ة ث��ورة وإص��الح ال حرك��ة فتن��ة وانش��قاق، لنق��ول أك��ثر من ذل��ك: إن النهض��ة الحس��ينية اس��تطاعت رف��ع االلتب��اس بين مفه��ومي الث��ورة والفتنة، ورسمت الحد الفاصل بينهما، ووضعت مفهوم "شق عص��ا" المسلمين في س��ياقه ونص��ابه الص��حيح، ليغ��دو واض��حا أن الط��رف اآلخر المعادي لإلمام )ع( هو صاحب الفتن��ة وه��و ال��ذي يش��ق عص��ا األمة، ولذا جاء في رسالة اإلمام الحسين )ع( إلى معاوية- ردا على

وإني ال أعلم فتنة أعظمرسالته التي يحذره من شق العصا:- ".(1)(1)"على هذه األ�مة من واليتك عليها

ج (1)(1) األنوار، ص 44بحار ،212.

35

وفي رده على رسالة عمرو بن سعيد التي ح�ذره فيه�ا من الش�قاقي وصلتي فج�زيتكتب عليه السالم إليه: " إن أردت بكتابك بر

خيرا في الدنيا واآلخرة، وإنه لم يشاقق من دعا إلى الله.(2)(2)"وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين

ثانيا: إسالمية الثورة الحسينية من نافل القول: إن ثورة اإلم��ام الحس��ين)ع( في أبعاده��ا المختلف��ة ودالالتها المتنوع��ة هي ث��ورة إس��المية بامتي��از، فهي منس��جمة تم��ام االنسجام مع مبادىء الشرعية اإلس��المية، ب��ل هي مص��در الش��رعية وبها تقاس الشرعية، إال أننا في هذه المرحل��ة الحساس��ة من ت��اريخ األمة نشعر أن إسالمية هذه الث�ورة تغيب في خط�اب بعض الن�اس، وال نجدها حاضرة عند آخرين، األمر الذي يحتم علين��ا- بحكم انتمائن��ا إلى الحسين)ع( روحا وفكرا وعاطفة- أن نستحض��ر ه��ذه اإلس��المية

ياتها. ونبين عمقها وامتداداتها وتجل وإسالمية الثورة- أية ثورة- ال تتمثل بمج��رد انتم��اء أص��حابها رس��ميا إلى اإلسالم، وال بادعاءات فارغة، أو شعارات رنانة، بل إن إسالمية

الثورة تتمثل في: إسالمية القيادة.(1إسالمية القضية والشعار والهدف. (2إسالمية الممارسة الثورية.(3

هذه أن سيكتشف الحسين)ع( اإلمام ثورة في والمتأمل العناصر الثالثة متوفرة بشكل ال لبس فيه، وفيما يلي نوضح ذلك:

إسالمية القيادة أما العنصر األول، وهو إسالمية الرمز والقائد، فغير خفي أننا

أمام قائد إسالمي غير عادي، فهو أحد أبناء البيت اإلسالمي األول، وه��و ال��بيت ال��ذي ق��ام اإلس��الم على أكتاف��ه، فالحس��ين )ع(، تربي��ة رسول الل��ه )ص( وإع��داده، درج في بيت��ه، وت��ربى في حج��ره، وق��د

ج (2)(2) والنهاية، ص 8البداية ،177.

36

��ه ابن أول الن��اس إس��الما ألقم��ه )ص( اإليم��ان م��ع الحليب، كم��ا أن وأش��دهم عزيم��ة وش��كيمة، ع��نيت ب��ه أم��ير المؤم��نين علي بن أبي طالب )ع(، وهو أيضا ابن سيدة نس��اء الع��المين وس��يدة نس��اء أه��ل الجنة، فاطمة الزهراء )ع(، وهذه التربية واإلع��داد النب��وي لشخص��ية اإلمام الحسين)ع( جعلته يعيش منذ طفولته هموم الدعوة اإلسالمية

ويواكب انتصاراتها وأفراحها وأتراحها وكل حركيتها.. وف��وق ذل��ك كل��ه، ف��إن رس��ول الل��ه ق��د منح��ه بج��دارة العدي��د من األوسمة التي لم يمنحها لغيره من ص��حابته، فه��و س��يد ش��باب أه��ل

"، وه��و م��عالحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنةالجنة، " "الحسن والحســين إمامــانأخيه الحسن )ع( إمام قام أو قعد،

. وأخال أن رسول الله )ص( وه��و يطل��ق ه��ذه(1)(1)قاما أو قعدا"و إال وحيالكلمة أو تلك وهو الذي ال يطل��ق الكالم جزاف��ا } إن ه�

��ه األم��ة في4{ ]النجم:ي�وحى [ كان يستشرف المستقبل اآلتي لينب قادم األيام، وعند اشتباك األمور وتشابه المواقف واحتدام الفتن أنك بالحس��ين )ع( فه��ذا م�ا تعني��ه كلم�ة الن�بي )ص( أن عليه�ا التمس�� الحسين )ع( إمام على كل حال، أو أنه سيد شباب أهل الجن��ة، فه��و المرجع الذي ال بد لألمة أن تعود إليه، وتتمسك بعراه، وبذلك تعتصم األمة من الضالل واالنحراف، ألن سيد شباب أهل الجن��ة ال يمكن أن��وقعهم في الض��الل، وإال فكي��ف يك��ون س��يد يق��ودهم إلى ردى، أو ي

شباب أهل الجنة؟!اآلخر الله)ص( رسول قول بوضوح عليه يدل المعنى وهذا

(1)"الحسين مصباح الهــدى وســفينة النجــاةفيما يروى عنه: "

، فأن يكون الحسين س��فينة النج��اة، معن��اه أن الرك��وب في ه��ذه(1) السفينة فيه منجاة األمة من هالك اآلخرة، والعصمة من فتن ال��دنيا،

"إنيوهذا المعنى هو م�ا ي�دل علي��ه أيض��ا ح��ديث الثقلين بوض�وح: تارك فيكم الثقلين، أحــدهما أكــبر من اآلخــر: كتــاب اللــه

ج (1)(1) طالب أبي آل ص 3مناقب ،163.ج (1)(1) طالب أبي آل ص 1مناقب ،267.

37

حبل ممدود من الســماء إلى األرض وعــترتي أهــل بيــتي،.(2)(2)"وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض

إسالمية القضية والشعارات واألهداف جهة من الثورة إسالمية وهو الثاني العنصر إلى جئنا ولو

القضية واألهداف والطروحات، فإننا نرى أن الشعارات التي رفعته��ا الثورة الحسينية ليست شعارات مذهبية وال عشائرية، ب��ل ش��عارات قرآنية إسالمية بكل ما تعنيه كلمة اإلسالمية من معنى، ونرى أيض��ا أن المبادىء والقيم والتطلعات التي استهدفتها ليست مبادىء مادية أو تطلعات سلطوية، بل هي مب��ادىء إنس��انية، وإلي��ك بعض األمثل��ة على سمو المعنى، وأخالقية اله��دف ال��ذي طرحت��ه الث��ورة وتطلعت

إليه: : في وصيته ألخيه محمد بن الحنفية يقول أب�و عب��د عنوان اإلصالح-1

".. وإني لم أخـــرج أشـــرا وال بطـــرا والالل���ه الحس���ين)ع(: مفسدا وال ظالمــا، وإنمــا خــرجت لطلب اإلصــالح في أمــة

، فاإلصالح هو مهمة األنبياء وطموح المرسلين، كما ح��دثنا(3)(3)"جديتطعت� ومــاالله تعالى عن أنبيائه: } اإلصالح مــا اســ �ريد� إال إن أ

�نيب� بالله عليه توكلت� وإليه أ [88{ ]هود:توفيقي إالولنا أن نتساءل: ما الذي استهدفت هذه الثورة إصالحه؟

هذا سؤال هام ويحتاج إلى إجابة بمستواه من األهمية، ولكني أعتقد أنها هدفت إلى إصالح الكثير من االنح��راف على مس��تويات عدي��دة، على المستوى الفكري والسلوكي واإلجتم�اعي والسياس��ي..، وعلى األصعدة كافة، على صعيد األمة و الف��رد.. أراد الحس��ين )ع( إص��الح

النفوس .. وإصالح تزوير النصوص. : ومن أهم أهداف الث��ورةمواجهة الظالمين والمستكبرين-�� 2

الحسينية وعناوينها: عنوان مواجهة الظلم والظالمين، وهذا العن��وان حاضر في الشعارات التي رفعتها ه��ذه الث��ورة، وه��ذا م��ا أك��د علي��ه

ج (2)(2) أحمد ص 3مسند ،14 26،.(3)(3) : ت ) الكوفي أعثم بن ألحمد الفتوح ( 134كتاب ج ص 5ه�� ،21.

38

القرآن الكريم في قوله تعالى: } ــوا ــوا إلى الذين ظلم� وال تركن�ك�م� النار� [.113{ ]هود:فتمس

ــير الواقــع المنحــرف3 أن": ج��اء في ت��اريخ الط��بري: - تغي الحسين خطب أصحابه وأصحاب الح��ر بالبيض��ة، فحم��د الل��ه وأث��نى

أيها الناس إن رسول الله)ص( قال: من رأىعليه، ثم قال:رم اللــه، ناكثــا لعهــد اللــه، منكم سلطانا جائرا مستحال لح� مخالفا لسنة رسول الله )ص(، يعمل في عباد الله باإلثما على والعدوان، فلم يغير عليه بفعل وال قــول، كــان حقــ اللــه أن يدخلــه مدخلــه، أال وإن هــؤالء القــوم قــد لزمــوا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهـروا الفسـاد وعطلوا الحدود، واســتأثروا بـالفيء، وأحلـوا حـرام اللــه،

. (1)(1)"وحرموا حالله وأنا أحق من غير "اللهم إنك تعلم� أنهوهنا نت��ذكر كالم وال��ده أم��ير المؤم��نين)ع(:

ــا منافســة في ســلطان وال التمــاس لم يكن الذي كان منــرد المعــالم من دينــك طــام ولكن لن ول الح� شيء من ف�ضــ�ــون من ــأمن المظلومـ ــالح في بالدك، فيـ ر اإلصـ ــ ون�ظهـ

ــدودك ــة� من ح� عطل . إن قض��ية التغي��ير(2)(2)"عبادك، وت�قام الم�)تغيير الواقع الفاسد( هي هدف قرآني إسالمي إنساني.

: واآللي���ة ال���تي- األمـــر بـــالمعروف والنهي عن المنكر4 تستخدم لتطبيق العناوين المتقدمة هي آلية األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول أبو عب�د الل�ه الحس�ين)ع( في تتم�ة كالم�ه اآلن�ف

ــرحول اإلصالح: ".. أ�ريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنك وأسير بســيرة جــدي )ص( وأبي علي بن أبي طــالب )ع(، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهــو خــير�

، واألمر ب��المعروف والنهي عن المنك��ر- وه��و الطريق��ةالحاكمين"د من خالله��ا اإلص��الح- ه��و اآلخ��ر عن��وان ق��رآني العملية التي يتجس��

ج (1)(1) الطبري .302ص 4تاريخج (2)(2) البالغة .13ص 2نهج

39

م أوليــاء� بعضبامتي���از، } ه� ؤمنــات� بعضــ� ـون والم� ؤمنـ� والم�الة ــون الصــ ــر وي�قيم� نك وف وينهون عن الم� ون بالمعر� ر� يأم�م� ه� يرحم� �ولـــئك ســ وله� أ كاة وي�طيع�ون الله ورس� وي�ؤت�ون الز

ــه عزيــز حكيم ك�نت�م[، وق��ال تع��الى: }71{ ]التوب��ة:الله� إن اللون عن وف وتنهــ ون بــالمعر� ر� رجت للناس تــأم� �خــ ة أ �م خير أ

نكر وت�ؤمن�ون بالله [، وقال تعالى في آية110...{]آل عمران:الم�ونأخ���رى: } ر� ــأم� ــر ويـ ــدع�ون إلى الخيـ ة يـ �م نك�م أ ولتك�ن م

فلح�ــون �ولـــئك ه�م� الم� ــر وأ نك ون عن الم� وف وينهــ {بالمعر�[.104]آل عمران:

وتجسيدا لمبدأ رفض المنكر فقد أعلن الحسين)ع( رفضه بيعة يزيد، "أيها األمير إنا أهل بيت النبوةألنها مثال واضح وجلي للمنكر:

ــا ختم، ومعدن الرسالة ومختلف المالئكة، بنا فتح الله وبن ويزيد رجل فاسق شارب الخمــر قاتــل النفس المحترمــة

.(1)(1)"معلن بالفسق، ومثلي ال يبايع مثله وال يخفى الت��داخل الكب��ير الحاص��ل بين العن��اوين المتقدم��ة، وه��و تداخل ال يعنينا حالي��ا بي��ان ح��دوده، ألنن��ا حالي��ا بص��دد بي��ان إس��المية

العناوين والشعارات، بصرف النظر عن تحليل أبعادها وحدودها. : وهذا العن�وان ه��و من أهم العن�اوين- كرامة اإلنسان وعزته5

اإلنسانية التي رفعتها ثورة الحسين )ع(، يقول أبو عبد الله الحس��ينــز بين اثنــتين بين)ع(: "أال وإن الدعي ابن الــدعي قــد رك

ــة، يــأبى اللــه لنــا ذلــك ــة وهيهــات منــا الذل لة والذل الســــة ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حميــارع ــام على مص ــة اللئ ــؤثر طاع ــة من أن ن� ــوس أبي ونف

، ه��و أيض��ا ش��عار ق��رآني، "هيهات منا الذلة"إن شعارالكرام". ـؤمنينيق���ول الل���ه تع���الى: } وله وللمـ� ة� ولرســ� {ولله العــز

[، وقد ف��وض اإلس��الم إلى الم��ؤمن أم��وره كله��ا، ولم8]المنافقون: يفوض إليه أن ي��ذل نفس��ه، وإن ك��ل من يعم��ل على إذالل اإلنس��ان

ص (1)(1) الطفوف قتلى على 17الملهوف

40

وإهانت��ه فه��و م��دان في مدرس��ة الحس��ين )ع( ول��و ك��ان يلطم علىالحسين )ع( ويبكيه.

معوقات أمام امتدادات الثورة إسالميا وإنسانيا أمام هذه العناوين القرآنية والمنطلقات اإلسالمية واإلنسانية لنهض��ة الحسين )ع( ال بد لنا أن نستغرب مح��اوالت تفريغه��ا من مض��مونها، أو مسخ معانيها، أو تشويه صورتها وسجنها في إطار ضيق، وهذا م��ا ق��د يفعل��ه بعض الن��اس جهال، وربم��ا يفعل��ه آخ��رون حق��دا، إن م��ا

نستنتجه مما تقدم: إن الحسين )ع( هو إم�ام المس�لمين ومقت�دى األح�رار، وليس ملك��ا لطائفة معينة، أو جماع��ة بعينه��ا، وعلي��ه، فال يج��وز احتك��ار الحس��ين )ع(، أو االستئثار بثورته، وإن أكبر تشويه لثورته هو محاولة مذهبتها، أو وضعها في إطار غيبي ال يفهمه أحد، أو تقديم اإلمام )ع( باعتباره صاحب مشروع انتحاري، أو ما إلى ذلك من تحليالت تح��رف الث��ورة عن مس��ارها، ومن أس��وأ ه��ذه التحليالت م��ا يقول��ه البعض من أن��ه ��ا، بخالف أخي��ه الحس��ن )ع( فإن مزاج الحسين )ع( كان حادا وثوري كان هادئا وديعا، ولذلك هادن الحسن )ع( وقاتل الحسين )ع(، فه��ذار عن جه��ل كب��ير، ألن الحس��ين )ع( في قض��ايا األم��ة لم يكن يعب��ة انفعالي��ة، لينطلق من منطلقات شخصية، وال من اعتب��ارات مزاجي وهكذا كان الحسن )ع( أيضا، وعندما قرر الحسن )ع( أن يه��ادن أو قل أن يختار الصلح بشروط معينة، فألن المصلحة اإلس��المية ك��انت تقتضي اختيار هذا الموقف، ولو كان الحس��ين )ع( آن��ذاك في موق��ع القيادة لفعل ما فعله الحسن )ع(، بل إن الحس��ين )ع( واف��ق أخ��اه الحسن على صلحه وأمضى شروط أخيه، ورفض أن يثور حتى هلك��ه رأى كم��ا رأى الحس��ن من قب��ل، أن ال مص��لحة في معاوي��ة، ألن الحراك والثورة في زمن معاوي��ة، ه��ذا من جه��ة، ومن جه��ة أخ��رى، فإن الحسن )ع( كان هو اآلخر ثائرا ومقاوما، وقد حمل الس��الح في أول األم��ر، إلى أن رأى أن الظ��روف ال تس��اعده على االس��تمرار بالثورة فصالح. فالحسن والحسين)ع(- إذا- لم يختلفا، فهما معا ق��د

41

صالحا عندما رأيا أن الصلح خير، وهما معا قد جاه��دا وحمال الس��الحعندما اقتضى األمر حمله.

الثورة لمنطلقات الخاطئ التحليل أن نرى نا فإن هنا ومن وأهدافها، هو من جملة المعوقات أم��ام امت��دادها إلى آف��اق جدي��دة، كما أن الخط��اب الم��ذهبي في إحيائه��ا واستحض��ارها ه��و اآلخ��ر من

جملة المعوقات وأخطرها.إسالمية الممارسة الثورية

والعنصر الثالث الذي تتجلى إسالمية الثورة فيه، هو- كما ذكرن��ا في��ة، ألن اإلس��المية ال مس��تهل الح��ديث- إس��المية الممارس��ة الثوري تحققه��ا الش��عارات وال المب��ادئ المج��ردة، ب��ل ال ب��د من التجس��يد العملي لهذه المب��ادئ، وهن��ا مقي��اس اإلس��المية الحق��ة، وهن��ا تخت��بر مصداقية الشعارات، وهنا يع��رف الث��ائر الص��ادق من الك��اذب، وهن��ا سقطت وتسقط الكثير من الحرك��ات ال��تي ت��زعم اإلس��المية، حيث يتحول أتباعها إلى لصوص وقطاع طرق وسفاكي دم��اء، إن أخالقي��ة الثائر هي البرهان العملي على صدق إس��الميته ونب��ل قض��يته، وهن��ا نجد النبل في ثورة الحسين )ع( ونرى األخالقي��ة ب��أعلى مس��توياتها، فهو الذي يخرج من مكة المكرمة مح��وال حجت��ه إلى عم�رة مف��ردة، ألنه ال يريد أن تنتهك حرمة البيت العتيق بقتله، وه��و ال��ذي ال يمنع��ه حصار الق��وم ل��ه وغ��درهم ب��ه أن ي��دعو لهم بالهداي��ة، وأن ينص��حهم ويشفق عليهم ويحذرهم من عاقبة قتله وس��فك دم��ه، وه��و ال��ذي ال تسجل كتب التاريخ عليه زلة في قول أو فعل، أو تصرفا عدوانيا في كل مسيرته وإلى حين استشهاده، وهو الذي يأمر فتيانه عندما يصل إليهم الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس في ح��ر الظه��يرة ق��ائال:فوا الخيـــل "اســـقوا القـــوم وأرووهم من المـــاء، ورشـــ

، بينما نجد في المعسكر المقابل- الذي يزعم االنتماء(1)(1)"ترشيفاة ب��أجلى مظاهره��ا، إلى اإلسالم- الوحش��ية بأبش��ع ص��ورها، والخس�� والعدوانية بأقسى تعبيراتها، وما قتل األطف��ال، والتنكي��ل باألجس��اد، والتعرض باألذى للنساء، ومنع الماء عن غير المقاتلين رغم العطش

ج (1)(1) الطبري ج 302ص 4تاريخ للمفيد .78ص 2واإلرشاد

42

الشديد إال بعض النم��اذج الص��ارخة على تل��ك الوحش��ية والممارس��ة الالأخالقية التي ال ت�زال تش�كل لعن�ة على أص�حابها إلى يومن�ا ه�ذا؛ ي��ذكر المؤرخ��ون أن عبي��د الل��ه بن زي��اد يرس��ل إلى الح��ر الري��احي رسالة يقول له فيها: "أما بعد فجعج��ع بالحس��ين حين يبلغ��ك كت��ابي ويقدم عليك رسولي، فال تنزله إال بالعراء في غير حص��ن وعلى غ��ير

.(1)(1)ماء"!كيف نترجم إسالمية الثورة؟

شعارتها وقرآنية الحسينية الثورة إسالمية على تأكيدنا إن وإنسانية أهدافها يعني:

أوال: ض��رورة إخراجه��ا من ال��دائرة المذهبي��ة ومن دائ��رة التحليالت��دخلها في إط��ار من الخاطئ��ة ال��تي تحبس��ها في نط��اق ض��يق أو ت

الغيبية. ثانيا: اتخاذها نموذجا يحتذى، ومثاال أعلى يستلهم ويقتدى، ومدرس��ة ت��تربى عليه��ا األجي��ال، وه��ذا م��ا ي��دفعنا إلى دع��وة ك��ل المس��لمين واألحرار في العالم إلى اإلفادة من معين هذه الث��ورة، ألن الحس��ين��ه )ع( مل��ك الجمي��ع، ومن يبتع��د عن الحس��ين )ع( فه��و الخاس��ر، ألن يح���رم نفس���ه من الن���ور والض���ياء، ومن اس���تلهام دروس الع���زة

والكرامة واإلباء. وثالثا: ضرورة أن نترجم إسالمية الثورة وقرآنية ش��عاراتها وإنس��انية طروحاتها في أس��اليب استحض��ار الث��ورة، ووس��ائل إحيائه��ا، لتك��ون أس��اليب اإلحي��اء إس��المية وإنس��انية، وليس��ت أس��اليب ملتبس��ة أو

متخلفة أو مبعث اشمئزاز ونفور. في مفهوم النصر-5

يصف بعض الباحثين ثورة اإلمام الحسين )ع( بأنه��ا مأس��اة إنس��انية مروعة، ويرى آخرون أنها أشبه بعملية انتحارية لم تبلغ أهدافها، ب��ل

ج (1)(1) الطبري ج 308ص 4تاريخ للمفيد واإلرشاد .83ص 2،

43

أسفرت عن نتائج مأساوية مؤلم��ة ال ت��زال عالم��ة فارق��ة في ج��بيناإلنسانية ولطخة عار في تاريخها.

بي��د أن ه��ذا التحلي��ل يب��دو س��طحيا وس��اذجا وه��و مبتن على رؤي��ة قاص��رة أله��داف الث��ورة ومقاص��دها ونتائجه��ا، ويؤس��فني أن بعض علماء المسلمين لم يوفقوا إلدراك أبعاد تلك الث��ورة وبلي��غ دروس��ها وعظيم عطاءاتها، وك��انوا أقص��ر نظ��را من ال��زعيم الهن��دي الش��هير غاندي القائل: "تعلمت من الحسين كي��ف أك��ون مظلوم��ا فأنتص��ر". ويظه��ر للمتأمل أن أس��اس االش��تباه ل��دى ه��ؤالء ه��و في نظ��رتهم الخاطئة لمفهومي النصر والهزيمة، هذه النظرة الضيقة ال��تي تح��دد مفه��وم النص��ر بمق��دار النج��اح العس��كري فحس��ب، األم��ر ال��ذي لم يتحقق في نهضة الحس��ين )ع( م��ا يجع��ل منه��ا حرك��ة فاش��لة وف��ق المقياس المذكور، لكن النظرة المذكورة لمفهوم النصر غير دقيقة، بل هي مجتزأة ومشوهة وال تالمس الحقيقة، فالحقيقة التي ي��دركها البصير والمتابع لحرك��ة النهض��ة الحس��ينية وت��داعياتها ونتائجه��ا على الواقع اإلسالمي ماضيا وحاضرا، هي أن دماء الحسين )ع( س��اهمت في تغيير مجرى التاريخ اإلسالمي، وأيقظت الضمائر الميت��ة وخلقتد حرك��ة وعي في األم��ة اإلس��المية، ك��ان من نتائجه��ا حرك��ات التم��ر وث��ورات الغض��ب واالنتق��ام ال��تي تالحقت وتت��الت )حرك��ة المخت��ار الثقفي، حركة التوابين وغيرهما من الث��ورات(، م��ا أدى إلى س��قوط

حكم بني أمية وانهيار سلطانهم، هذا من جهة. ومن جه��ة أخ��رى، ف��إن اإلم��ام الحس��ين )ع( أص��بح مثال أعلى لك��ل��وار والمناض��لين من أج��ل التح��رر واالنعت��اق من ن��ير الظ��المين الث��وار فه��ذا دلي��ل انتص��ار ال والمستبدين؛ وعندما يغدو المرء ملهما للث هزيمة، وعندما تزلزل دماؤه الزكية ع��روش الظ��المين، فه��ذا دلي��ل

نصر مؤزر ال مأساة مروعة. وهكذا نستطيع القول عن نهضة الحسين )ع(: أنها ص��ححت مفه��ومعته، ليص��بح أبع��د م��دى من النصر ذاته، وبرهنت على ش��موليته وس�� مجرد النجاح العسكري وأعمق غورا من مجرد الفوز اآلني المؤقت، وق��د أثبتت األي��ام خط��أ ك��ل أولئ��ك األش��خاص المخلص��ين أو غ��ير

44

المخلصين الذين حاولوا ثني اإلمام الحسين )ع( عن عزم��ه وتق��ديم ، بحجة أن أهلها ال يمكن(1)(1)"النصائح" إليه بترك التوجه إلى الكوفة

الوثوق بهم، وكذلك دعوتهم له إلى ترك الثورة والخ��روج على حكم يزيد ألن فرص نجاحها ض��ئيلة، ف��إن نظ��رة ه��ؤالء "المش�فقين" إلى األمور كانت قاصرة وخاطئة وسطحية، بينما كان الحسين )ع( ينظر ع��بر منظ��ار الت��اريخ ويستش��رف المس��تقبل البعي��د، ف��يرى أن دم��ه الزاكي سيتحول إلى نار تحرق كل الظالمين، ويرى قواف��ل األح��رار تهتف باسمه وتسير على نهجه وتتخذه مثال أعلى وقدوة في الجه��اد

والتحرر.انتصار القيم واألخالق

��ه انس��جم م��ع ذات��ه ومبادئ��ه، ولم نعم، إن الحس��ين )ع( انتص��ر، ألن يتنازل عن قيمه وأخالقه، ولم يتقاعس عن القيام بواجبه، ولم يرض

موت في عــزلنفسه حياة الذل والهوان، وقد قالها عليه السالم: "". وأنشأ يقول:خير من حياة في ذل

)والعار أولى من دخول النارالموت أولى من ركوب العار

1)(1)

إن الحسين )ع( انتصر بانتصار المبادئ اإلسالمية، وبقاء ش��علة الدين حية، وسنة النبي )ص( وتعاليم��ه حاض��رة وفاعل��ة، وق��د أش��ار إلى هذا المعنى إمامنا زين العابدين )ع( عندما ورد المدينة المن��ورة بعد أحداث ك��ربالء، فق��د اس��تقبله إب��راهيم بن طلح��ة بن عبي��د الل��ه وقال له: ي��ا علي بن الحس��ين، من غلب؟ وه��و مغطى رأس��ه، وه��و

ذا أردتفي المحمل، فأجابه اإلمام زين العاب��دين علي��ه الس��الم: "إ(2)"أن تعلم من غلب، ودخـل وقت الصـالة فـأذن، ثم أقم

(2).

(1)(1): ) ( ) ( : مكة عن صبيحتها في الخروج ع أراد التي الليلة في ع لإلمام قال حيث الحنفية بن محمد هوالء منفإن" مضى، من كحال حالك يكون أن خفت وقد وأخيك بأبيك غدرهم عرفت قد من الكوفة أهل إن أخي يا

.) ( " الملهوف وأمنعه الحرم في من أعز فإنك تقيم، أن رأيتج (1)(1) آشوب، شهر البن طالب أبي آل ص 3مناقب ج 224، األنوار، بحار وراجع ص 44، ،192.(2)(2) : الطوسي الشيخ .677أمالي

45

وهذا هو الذي جع��ل اإلم��ام الحس��ين )ع( يطل��ق على نهض��ته ص��فة الفتح؛ ألن النهضة التي تحمل هذه المعاني وتهدف إلى تجديد حيوية الدين وفاعليته في النفوس، وتفضح كل أش��كال الزي��ف والتض��ليل، وتزلزل ع��روش الظ��المين، وتغ��دو مثال أعلى لك��ل الث��وار واألح��رار تشكل فتحا مبينا، قال )ع(: فيما روي عنه من كتابه إلى أخيه محمد

بسم اللــه الــرحمنبن الحنفية وق��د كتب��ه إلي��ه وه��و في مك��ة: " الـــرحيم من الحســـين بن علي إلى محمـــد بن علي ومن قبله من بني هاشم، أما بعد... فإن من لحق بي است�شهد

.(3)(3)"ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسالم لق��د رأين��ا الحس��ين )ع( ي��وم عاش��وراء رغم الج��راح واآلالم والتعب والنصب والجوع والعطش يعيش حال��ة من الف��رح ال��روحي ال نظ��ير لها، يسقط أمامه الشهيد تلو الشهيد من أنصاره وإخوانه وأبنائ��ه فال يزيده ذلك إال إصرارا وعزيم��ة وإيمان��ا ويقين��ا، وكلم��ا اش��تدت علي��ه الخط��وب، ون��الت من��ه الرم��اح والس��يوف، وأطبقت علي��ه الرج��ال والخيول، كان يزداد توهجا وإش��راقا ويتألأل وجه��ه ن��ورا، كم��ا وص��فه

.(1)(1)بعض خصومه" وهكذا نجد أن الفرح ال��روحي ينس��حب على ك��ل أص��حاب الحس��ين��ة وك��انوا ��ة ونف��وس مطمئن )ع( الذين استقبلوا الموت بص��دور عاري يترنمون بأراجيز وأشعار تعبر عن روح عالية ورباطة ج��أش وإخالص

وشهامة قل نظيرها. وإن مشهد زينب )ع( بعد مصرع اإلمام الحسين )ع( وأصحابه وأه��ل بيته وهي تشق صفوف الجيش األموي المحتشد والذي كان ي��ترقب منها البكاء والعويل، وإذا بها تفاجيء الجموع عندما تض��ع ي��دها تحت��ة بغ��ير رأس، ثم تق��ول فيم��ا نس��ب إليه��ا: جس��ده الط��اهر وه��و جث

ــان" ــل من القرب ــذا القلي ــا ه ، إن ه��ذا(2)(2)"اللهم تقبل من(3)(3) : الزيارات اإلمامة 157كامل دالئل ،188. المصادر من وغيرهاج (1)(1) األنوار، ص 45بحار ،50.(2)(2) ) تعرض ) مما غيرها أو التاريخية المصادر في عليه نعثر لم ع زينب السيدة إلى المنسوب الدعاء هذا

ج طوبى، شجرة كتابه في الحائري مهدي محمد الشيخ ذكره وإنما كربالء، ص 2ألحداث العالمة 293، وكذلك ، " ص " ، الكبرى زينب كتابه في ( 75النقدي ( " ج " ، ع الحسين اإلمام حياة كتابه في القرشي شريف باقر والشيخ ،

ص 2 ،301.

46

المشهد الملحمي البطولي، خير دلي��ل على أن زينب هي المنتص��رة على عمر بن سعد وجيشه، وأن الحسين )ع( هو المنتصر على يزي��د وأزالم��ه، فالنص��ر يخ��رج من رحم المعان��اة والج��راح، والهزيم��ة هي

انهزام الذات وانحدار القيم.الهزيمة المعنوية لجيش عمر بن سعد

ولو انتقلنا إلى الضفة األخ��رى إلى معس��كر عم��ر بن س��عد وجيش��ه وتس��اءلنا، أي نص��ر حقق��ه ه��ؤالء؟ وهم ق��د اس��تعملوا ك��ل األدوات واألس��لحة المحرم��ة والالأخالقي��ة في ح��ربهم م��ع الحس��ين )ع( منض��ع والنس��اء وس��بي بن��ات الش��تائم والس��باب وحبس الم��اء عن الر رس��ول الل��ه )ص( وض��ربهن بالس��ياط إلى قط��ع رؤوس الش��هداء

والتمثيل باألجساد! أي نصر حقق��وه؟ وهم لم يغمض لهم جفن بع��د ليل�ة الح��ادي عش�ر من المحرم، وإنما عاشوا- كما يظهر من سيرتهم- حص��ارا اجتماعي��ا وهزيمة نفسية وع��ذابا روحي��ا ومعنوي��ا أم��ام محكم��ة الض��مير ال��تي الحقتهم وأدانتهم، قب��ل أن تالحقهم س��يوف الث��وار والط��البين بث��أر الحس��ين )ع( وتستأص��لهم عن آخ��رهم، ثم أحيل��وا بع��د ذل��ك على محكمة التاريخ التي أدانتهم وجرمتهم أيض��ا ووض��عتهم في س��جالتها وصفحاتها السوداء القاتمة، وسوف يحالون آجال على محكمة العدل اإللهي ليقف��وا بين ي��دي عزي��ز مقت��در ويج��ازيهم على م��ا اق��ترفت

أيديهم وسولت لهم أنفسهم.مفهوم اإلرجاء وتخريب الدين-6

والمفهوم اآلخ��ر المش��وه والمص��طنع ال��ذي ص��اغته ي��د األه��واء م��ع محاولة إضفاء لبوس إسالمي عليه، هو مفه��وم اإلرج��اء ال��ذي ظه��ر في أكثر من مرحلة وبأكثر من ص��ورة، فم��ا الم��راد به��ذا المفه��وم؟

وما هي مخاطرة؟ وما هي الجهة التي وقفت وراء صناعته؟مفهوم اإلرجاء

اإلرجاء لغة بمعنى الت��أخير، يق��ال: أرج��أ األم��ر: أخ��ره، ق��ال تع��الى: [،36{ ]الش���عراء:أرجه وأخاه� وابعث في المدائن حاشرين}

47

ــك منوق��ال س��بحانه: } ــؤوي إلي ن وت� اء منه� ــرجي من تشــ ت�اء ون[، وفي آي��ة ثالث��ة ق��ال تع��الى: }51{ ]األح��زاب:تشــ ر� وآخــ

ا يت�وب� عليهم والله� عليم م وإم ا ي�عذب�ه� رجون ألمر الله إم م� [ وأما اصطالحا: فهو يرمز إلى فرق��ة إس��المية106{ ]التوبة:حكيم

عرفت بالمرجئة، ويب��دو أن اللف��ظ م��ر بع��دة مراح��ل، وأطل��ق على أكثر من جماعة قبل أن يستقر في نهاية المطاف على معنى محدد، ففي حين أطل��ق في بداي��ة األم��ر على ال��ذين توقف��وا بش��أن بعض الرموز مرجئين أمرهم إلى الله، ونسب ذلك إلى الحسن بن محم��د��ه أول من ق��ال باإلرج��اء، وقي��ل عن ه��ؤالء بن الحنفية حتى قي��ل: إن المرجئ��ة: إنهم غ��الوا في الش��يخين أبي بك��ر وعم��ر، وتوقف��وا في الصهرين علي )ع( وعثمان، وفي مرحلة الحقة استقر إطالق اللف��ظزت باالعتق��اد القائ��ل: إن على جماعة شكلت تيارا واسعا نسبيا وتمي اإليم��ان فع��ل القلب واللس��ان وال عالق��ة ل��ه بالعم��ل، فهم ق��دموا اإلذعان القل��بي وأخروا العم��ل وأرج��أوه، على ه��ذا، فالمرجئ��ة على النقيض من الخوارج ومن جمهور األم��ة اإلس��المية، فهم لم يحكم��وا بكف��ر م��رتكب الكب��يرة، كم��ا ي��رى الخ��وارج، وال بفس��قه، كم��ا ي��رى

جمهور األمة، بل حكموا بإيمانه مرجئين أمره إلى الله.اإلرجاء دين الملوك

تشير الدالئل والش��واهد التاريخي��ة إلى دور الس��لطة السياس��ية في صناعة و"فبرك��ة" ه��ذا المفه��وم، وعلى األق��ل تأيي��ده وال��ترويج ل��ه، باعتراف الخليفة العباسي المأمون، فق��د س��أل الم��أمون النض��ر بن ش��ميل: "أت��دري م��ا اإلرج��اء؟ فأجاب��ه النض��ر: دين يواف��ق المل��وك

، وينق��ل(1)(1)يصيبون به من دنياهم وينقص من دينهم، قال: صدقت" ابن أبي الحدي��د المع��تزلي عن ش��يخه وأس��تاذه أن "أول من ق��ال��ه ال يض��ر باإلرجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص، كانا يزعمان أن مع اإليمان معصية، ولذلك قال معاوية لمن قال له: حاربت من تعلم

ر�وارتكبت م���ا تعلم، ق���ال: وثقت بقول���ه تع���الى: } إن الله يغفــ ، ولما أنكرت السيدة عائشة على(2)(2)[53{ ]الزمر:الذن�وب جميعا

ج (1)(1) كثير، البن والنهاية ص 10البداية ج 303، عساكر، البن دمشق مدينة تاريخ ص 33، ،301.ج (2)(2) البالغة، نهج ص 6شرح ،325.

48

معاوية قتله حجر بن عدي أجابه��ا بم��ا يواف��ق عقي��دة اإلرج��اء، ق��ائال.(3)(3)"دعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا عز وجل"

اإلرجاء وتخريب الدين إن خط��ورة ه��ذه العقي��دة أنه��ا ت��برر للح��اكم اس��تئثاره واس��تبداده بالسلطة وممارساته القمعية بحق معارضيه، كم��ا ت��برر ل��ه انحراف��ه على مستوى سلوكه الشخصي وتجاوزه حدوده الل��ه، فالع��ذر عن��ده جاهز، وهو أن العصيان ال ينافي اإليمان، وأن األمر بيد الل��ه، ويظه��ر من بعض الرواي��ات أن تي��ار اإلرج��اء أخط��ر من تي��ار الج��بر؛ ألن المرجئ�ة ال يكتف�ون برف��ع المس�ؤولية عن الظلم�ة المس�تبدين كم�ا يفعل القدرية أو المج��برة، ب�ل يق�دمون لهم األع��ذار على ج�رائمهم ويحكمون بإيمانهم، قال اإلم��ام الص��ادق )ع( فيم��ا روي عن��ه بش��أن

إن هـؤالء يقولـون إن قتلتنـا مؤمنــون، فـدماؤناالمرجئة: ".(4)(4)"متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة

هذا فيم�ا يرتب��ط باس�تغالل ه��ذه العقي��دة من قب��ل الس��لطان، وأم�ا مخاطرها على المستوى اإلسالمي الع��ام فليس��ت أق��ل ش��أنا؛ ألنه��ار من الض�وابط الش��رعية، وه��ذا تساعد على التحلل الخلقي والتح��رل تخريبا للدين وتجاوزا للقيم وإشاعة للفاحشة، لذا في الحقيقة يمث لم يت��وان أئم��ة أه��ل ال��بيت )ع( عن مجابه��ة تي��ار اإلرج��اء وبي��ان مخاطره على عامة المسلمين وعنصر الشباب تحدي��دا، على اعتب��ار أنه يقدم لهم غطاء لجن��وحهم الغرائ��زي وانس��ياقهم وراء الش��هوات

بــادروا أوالدكموالملذات، ففي الحديث عن اإلمام الصادق )ع(: ".(1)(1)"الحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة

اإلرجاء في ثوبه الجديد في اآلونة األخيرة اتخذ اإلرجاء طابعا جدي��دا مف��اده: أن اإليم��ان في��ة والمراس��م الديني��ة، القلب ال في المظ��اهر أو الطق��وس العبادي ف�المهم أن يطهر الم�رء قلب�ه من الغ�ل وال�دنس، ويل�تزم الق�وانين العامة ويحافظ على النظ��ام وال يعت��دي على اآلخ��رين أو ينتقص من��ه يب��دو جميال وبراق��ا، لكن��ه ال يعكس حقوقهم، وهذا المنطق رغم أن

ج (3)(3) والنهاية، ص 6البداية ج 235، للطبراني، الكبير المعجم ص 19، ،320.ج (4)(4) ص 2الكافي، ،409.ج (1)(1) ص 6الكافي، ،47.

49

الحقيق��ة كامل��ة، ب�ل يخفي في ثناي��اه محاول��ة للتفلت من الش�ريعة وفرائضها العبادية مع االستهانة بالمحرمات والواجب��ات؛ إن اإلس��الم ال يغفل إطالقا دور القلب ومحوريته في فعل اإليمان، كم��ا ال يغف��ل التأكيد على دور العمل الصالح وحف��ظ النظ��ام في حركي��ة اإليم��ان، ولذا جاء اإليمان مقرونا بالعمل الص��الح في أك��ثر من آي��ة من آي��ات��ه في ال��وقت عين��ه ي��رى أن االنفت��اح على الل��ه القرآن الك��ريم، لكن واللجوء إليه واالل��تزام بش��ريعته وحالل��ه وحرام��ه ج��زء ال يتج��زأ من مفهوم اإليمان، وله دوره الكبير في تعزيز روح المسؤولية اإلنسانية وااللتزام بالقوانين العامة واحترام اآلخ��رين، وق��د ورد في الح��ديث:

2)"اإليمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل باألركان"

)(2).اإلرجاء الشيعي

والمفارقة العجيبة أنه وفي الوقت الذي نالح��ظ أن األئم��ة من أه��لدين على البيت )ع( ق��د ح��اربوا اإلرج��اء وح��ذروا من مخ��اطره، مؤك أهمية العمل ومحوريته في اإليمان، وإذا بهذا المفهوم يقتحم س��احة بعض الجماع��ات الموالي��ة أله��ل ال��بيت )ع( ويظه��ر في أوس��اطها، ليصبح األئمة )ع( عنوان اإلرجاء وبابه الواس��ع بع��د أن ك��انوا عن��وان محاربت��ه وأش��د الن��اس في مواجهت��ه. أج��ل لق��د ش��اعت في بعض األوساط فكرة مش��وهة مفاده��ا: أن الش��يعة ب��أجمعهم ن��اجون ي��وم القيامة، المؤمن منهم والفاس��ق، المطي��ع والعاص��ي، فليس ش��رطام��ات، ب��ل لدخول الشيعي الجنة أن يعم��ل الص��الحات وي��ترك المحر يكفيه أن يذرف دمعة على الحسين )ع( وينبض قلبه بمحبت��ه ومحب��ة

عن هذا المعنى في قوله:(1)(1)أهل بيته )ع(، وقد عبر بعض الشعراءووكلت األمر إلى حيدرسودت صحيفة أعمالي

إن ه��ذا المفه��وم مخ��الف للعق��ل والنق��ل، أم��ا العق��ل فباعتب��ار أنن والمس��يء في جنس مقتضى العدل اإللهي أن ال يتس��اوى المحس�� الجزاء ثوابا أو عقابا، كما أن حكمت��ه تع��الى ت��أبى أن يس��مح بتج��اوز شريعته، والمفهوم اآلن��ف ي��وازي إس��قاط الش��ريعة ويج��رئ الن��اس على فع��ل المعاص��ي وت��رك الواجب��ات، وأم��ا النق��ل فيكفي��ك قول��ه

ج (2)(2) اإلسالم، ص 1دعائم ،3.(1)(1). بالكوثرية المعروفة قصيدته في الهندي رضا السيد الشاعر وهو

50

ليس بأمانيك�م وال أمــاني أهــل الكتــاب من يعمــلتع��الى: }وءا ي�جز به وال يجد له� من د�ون الله وليا وال نصيرا*ومن س�ــئك �ولـ ؤمن فأ و م� �نثى وه� الحات من ذكر أو أ يعمل من الص

ل�ون الجنة وال ي�ظلم�ون نقيرا [، على124-123{ ]النس���اء:يدخ� أن األئمة )ع( قد واجهوا هذا النمط من اإلرجاء كما واجه��وا اإلرج��اء

قــالالمعروف، ففي الحديث عن جابر عن اإلمام الباقر )ع( قال: " لي: يــا جــابر أيكتفي من ينتحــل التشــيع أن يقــول بحبنــا أهل البيت! فوالله مــا شــيعتنا إال من اتقى اللــه وأطاعــه وما كانوا ي�عرفون يا جابر إال بالتواضع والتخشع واألمانــة وكثرة ذكر الله والصوم والصالة والبر بالوالدين والتعاهدكنة والغــارمين واأليتــام للجيران من الفقراء وأهل المســ وصدق الحديث وتالوة القرآن وكف األلسن عن الناس إال�مناء عشائرهم في األشــياء. قـال جــابر: من خير، وكانوا أ فقلت يــا ابن رســول اللــه مــا نعــرف اليــوم أحــدا بهــذه الصـفة، فقـال: يــا جــابر ال تـذهبن بـك المـذاهب، حسـب الرجل أن يقول: أ�حب عليا وأتــواله ثم ال يكــون مــع ذلــك فعاال؟! فلو قال: إني أحب رسول الله )ص( فرسول الله )ص( خير من علي )ع( ثم ال يتبع سيرته وال يعمل بسنته،ــه، ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الل ليس بين الله وبين أحد قرابــة، أحب العبــاد إلى اللــه عــز وجل أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جــابر واللــه مــا ي�تقــرب إلى الله تبارك وتعالى إال بالطاعــة، ومــا معنــا بــراءة من النار وال على الله ألحد حجة، من كان مطيعا لله فهو لنــا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ومــا ت�نــال واليتنــا

.(1)(1)"إال بالعمل والورع هذا منطق أهل البيت )ع( المتناغم مع كتاب الله، وهو يؤكد على أن اإليمان ال ينفك عن العمل، وليس هو مجرد نبضة قلب أو دمعة عين تذرف على مصاب الحسين )ع(، وليت شعري ألم تكن قل��وب بعض الذين خذلوا اإلمام الحسين )ع( تنبض بمحبته، وعيونهم تذرف الدمع

ج (1)(1) ص 2الكافي، ،75.

51

��ة برفق��ة العب��اس وعلي األك��بر على مصابه فه��ل ي��دخل ه��ؤالء الجنوالحر الرياحي...؟!

��ة ونصوص��ها المختلف��ة عن��دما إن الث��ورة الحس��ينية بدروس��ها العملي الرأي(2)(2)أكدت على أن القيمة هي للبذل والتضحية، أدانت سكوت

العام اإلس��المي، م��ع أن معظم ه��ذا ال��رأي هم من أص��حاب النواي��ا الطيبة، أنها بذلك تكون قد فضحت مفهوم اإلرجاء وزيفه، ب�ل إنن�ا ال نبالغ بالقول: إن هذا المفهوم وغيره من المفاهيم التي ساهمت في تحييد األمة وتخديرها قد ساهمت في سفك دم اإلم��ام الحس��ين )ع(

والنخبة الطيبة من أصحابه وأهل بيته. إن الفكرة اإلرجائية التي تقص��ر العالق��ة بعلي )ع( واألئم��ة من أه��ل بيته على الجانب العاطفي، هي فكرة مشوهة، وليست من اإلس��الم��ة كاذب��ة ��ة إن لم يص��دقها العم��ل ك��انت محب في ش��يء؛ ألن المحب��دت علي��ه الرواي��ات الكث��يرة ال��واردة عن ومخادعة، وهذا المعنى أك األئم��ة )ع( في بي��ان ص��فات الش��يعة، كم��ا في الح��ديث عن اإلم��ام

والله ما شيعة علي إال من عف بطنه وفرجــهالصادق )ع(: " إلى غ��ير ذل��ك(3)(3)"وعمل لخالقه ورجا ثوابــه وخــاف عقابه

من الروايات. وفي ضوء ذلك فإن ما ورد في بعض الروايات المنسوبة إلى رسول الل��ه )ص( ب��أن حب علي حس��نة ال تض��ر معه��ا س��يئة، ال ب��د لن��ا من��رفض بمعارض��تها للق��رآن تسجيل عالمة استفهام إزاءها، فإم��ا أن ت��ة والسنة الصحيحة وألن الوعد الحتمي ب��المغفرة على مج��رد المحب يتنافى وتشريع األحكام، وإما أن تؤول بم��ا ال ين��افي م��ا تق��دم، ك��أن��ا )ع( ال ي��رتكب أو ال ينبغي ل��ه أن ي��رتكب ر ب��أن من يحب علي تفس�� المعاص��ي؛ ألن المحب يس��ير على ه��دي حبيب��ه ويقت��دي بس��يرته وأخالقه، وأما ادعاء المحبة ومن ثم ارتك��اب المحرم��ات، فه��و دلي��ل على أن المحبة كاذب��ة، وإال فه��ل يعق��ل أن يك��ون العاص��ي المج��رم

القاتل صادقا في حب علي )ع(؟!

(2)(2) ) اإلمام ) وكلمات مواقف في وكذلك والشام، الكوفة من كل في ع زينب السيدة خطابات في ذلك نالحظ ) في ) عليه والساكتين القتل في المشاركين بين تساوي التي الزيارات نصوص في وكذلك ع العابدين زين

. الله رحمة من والطرد اللعنص (3)(3) للصدوق، الشيعة .7صفات

52

��ة ه��ذه النقط��ة ومحوريته��ا وحساس��يتها س��نعود إلى تناوله��ا وألهميومقاربتها في الوقفة التالية.

العالقة بالمثل األعلى وركائزها الثالث-7 ولع��ل من أخط��ر المف��اهيم ال��تي س��اهمت الثقاف��ة الحس��ينية في فضحها وتزييفها: المفهوم المتصل بالعالقة بالمث��ل األعلى، حيث تم اجتزاء هذه العالقة، بل مسخها من بعض الوجوه، وتوض��يحا ل��ذلك ال

بد لنا في البدء أن نتساءل: كيف ينبغي أن تكون العالقة م��ع الرم��ز ال��ديني والمث��ل األعلى؟ م��ا هي األسس والركائز ال��تي تق��وم عليه��ا؟ كي��ف نجع��ل ه��ذه العالق��ة مثمرة وناجحة؟ ولماذا تغدو أحيانا غير مجدي��ة وال م�ؤثرة؟ وانطالق��ا من ذلك فلنا أن نسأل: كيف نب��ني العالق��ة م��ع اإلم��ام الحس��ين )ع( كواحد من أبرز المثل العليا في اإلسالم؟ وأين يكمن الخلل في هذهر العالقة عند األمة التي عاصرت اإلمام الحس��ين )ع( م��ا جعله��ا تتنك له وتنقلب عليه؟ م��اذا ج��رى لينقلب اآلالف بين ليل��ة وض��حاها على

سفيره مسلم بن عقيل بعد مبايعتهم له، ليجد نفسه وحيدا فريدا؟ركائز العالقة

أعتقد أن نجاح العالقة م��ع الرم��ز ال��ديني والمث��ل األعلى تس��توجبقيامها على ثالث ركائز أو قواعد:

ب���أن تفهم المث���ل األعلى وتتع���رف على الركـــيزة المعرفيـــة: -1 مشروعه وطموحاته وأهدافه وتقتنع ب�ه وتدخل�ه إلى عقل�ك من خاللده من القيم الس�امية، فمعرف�ة من ما يملك من عناصر الحق ويجس� هذا النوع شرط أساسي لتبني المثل األعلى واتباع نهج��ه، وبالمقاب��ل

الناس أعــداءفإن الجهل بذلك هو مدعاة لمعاداته ومحاربت��ه؛ ألن ".(1)(1)" كما قال علي )ع(ما جهلوا

ــة والشــعورية:-2 ــيزة العاطفي وهي ض��رورة أيض��ا لنج��اح الرك العالقة، وال يكفي في المنطق اإلسالمي والقرآني أن يجم��د اإلنس��ان في عالقته بالمبدأ والمثل األعلى على المعرفة العقلية البحتة، ب��ل ال

ج (1)(1) البالغة، ص 4نهج ،42.

53

بد أن يتبع المعرفة الم��ذكورة عالق��ة عاطفي��ة، ليش��عر القلب ب��دفء��ة كم��ا ش��عر العق��ل بق��وة الحج��ة، ومن هن��ا وج��دنا أن الق��رآن المحب الكريم يركز على الجانب العاطفي، س��واء في العالق��ة االيجابي��ة م��ع األشخاص، أو العالقة الس��لبية، ففي العالق��ة اإليجابي��ة حيث ال ب��د أن تغمر القلب مش��اعر الحب تج��اه أولي��اء الل��ه وأئم��ة اله��دى من أه��ل

را إال المــودةالبيت )ع(، يقول تعالى: } ق�ل ال أسأل�ك�م عليه أجــربى [.23{ ]الشورى:في الق�

وفي العالق��ة الس��لبية يل��زم على اإلنس��ان رفض الظلم بقلب��ه، كم��اــون باللهيرفضه بقوله وفعله، يقول تعالى: } ــا ي�ؤمن� ال تجد� قوم

ــو كــان�وا وله� ول اد الله ورســ� ــوادون من حــ ر ي� ــوم اآلخــ واليم م أو أبناءه� [.22{ ]المجادلة:آباءه�

: فال يكفي اإلنس��ان أن يع��رف المث��ل األعلىالركيزة الســلوكية -3��ه إلى عم��ل وس��لوك، وهن��ا ويحبه، ب��ل ال ب��د أن ي��ترجم معرفت��ه وحب يحصل الم�ائز بين المعرف�ة الص�ادقة والمعرف��ة الكاذب�ة، فمن ك�انت معرفته ومحبته صادقتين، ينعكس ذلك على سلوكه، وال يك��ون هن��اك انفصام بين قوله وفعله، أو بين عاطفته وسلوكه. قال تع��الى مش��يرا

�م�إلى ه����ذا التالزم: } اتبع�وني ي�حببك ــ ــه فـ إن ك�نت�م ت�حبون اللـ [، وروي أن اإلمام الصادق )ع( تمثل ببيتين من31{ ]آل عمران:الله�

الشعر يشيران إلى هذا التالزم:ه هذا محال في الفعال بديعتعصي اإلله وأنت تظهر حب

ك صادقا ألطعته إن المحب لمن يحب لو كان حب(1)(1)مطيع

العقل مصفاة القلب إن الركائز الثالث اآلنفة هي قواعد أساسية وتعتبر ش��روطا رئيس��ية في نجاح العالقة بالمثل األعلى، ووقوع الخلل في أي منها سيعرض العالقة لالنهيار أو التشويه، كما أن الخل��ل في أعم��دة البن��اء يع��رض البناء برمت��ه لالنهي��ار أو التص��دع، وال ب��د من االلتف��ات إلى أن رك��ائز العالق��ة ه��ذه متدرج��ة كم��ا عرض��ناها، بمع��نى أن االرتب��اط يب��دأ أوال

ص (1)(1) الصدوق، للشيخ .578األمالي

54

فكريا وعقلي��ا، ويتل��وه االرتب��اط الع��اطفي، ثم الس��لوكي أو العملي، ولو حصل خلل في هذه التراتبية المنطقي��ة، ف��إن ذل��ك س��يؤدي إلى نتائج غير محمودة، فلو أن اإلنسان بنى العالقة العاطفية م��ع المث��ل األعلى قب��ل العالق��ة الفكري��ة، ف��إن ذل��ك ق��د يوقع��ه في الش��طط��دخل شخص��ا إلى قلب��ك قب��ل أن ي��أذن والزي��غ، ول��ذا فال يج��وز أن ت��ة العق��ل ب��ذلك؛ ألن العق��ل بض��وابطه القائم��ة على أس��اس المحبوالبرهان، هو المصفاة والبوصلة التي تحدد مسار العاطفة وحركتها. وفي هذا المجال، فإننا ال نج��انب الحقيق��ة إذا قلن��ا: إن أك��ثر ح��االت الغلو في األشخاص ناتجة عن قيامنا بإدخال بعض الرموز إلى قلوبنا مباشرة ودون المرور على مصفاة العقل وموازين��ه، وإذا رجعن��ا إلى

هلــك في رجالن: محب غــال ومبغضكالم اإلم��ام علي )ع(: "ر هذا الجنوح الع��اطفي اإليج��ابي(1)(1)"قال فإننا ال نستطيع أن نفس

والسلبي، أو لنقل: هذا الغلو في الحب أو الكره إال باختالل الت��وازن بين العق��ل والعاطف��ة، وإنن��ا نالح��ظ أن بعض الم��ذاهب بنت فكره��ا وعقيدتها- إزاء بعض الرم��وز- على ض��وء عاطفته��ا ومش��اعرها، ولم��ة، وك��انت تركز عاطفتها على أساس عقلها ووفق الضوابط البرهاني

النتيجة الطبيعية لذلك وقوعها في الغلو أو الشطحات الكثيرة.مصادر المعرفة

ولكن يبقى السؤال: ما هي ض��وابط المعرف��ة ومص��ادرها الص��حيحةومن أين تستقى؟

وفي اإلجاب��ة على ذل��ك نق��ول باختص��ار: إن عقي��دتنا بش��أن الرم��وز الدينية من األنبياء واألئمة )ع( ال يصح أن تقوم على بعض االنفعاالت والتصورات الذاتية أو الخي��االت الوجداني��ة، فض��ال عن ثقاف��ة األحالم واألساطير وما إلى ذلك، وإنم��ا يجب أن تق��وم على أس��اس الق��رآن والبرهان وما ثبت من السنة والسيرة، فالعالقة يجب أن ترتكز على هذه األسس لتكون سليمة، وإال فقد الفكر موضوعيته وغ��دا تبريري��ا

ج (1)(1) البالغة، ص 4نهج ،28.

55

��ه س��وف يتج��ه حينئ��ذ إلى ت��برير م��ا تق��ود إلي��ه أك��ثر من��ه نق��ديا؛ ألنالعاطفة، بدل أن يضبط إيقاعها لصالح ما يقتضيه البرهان والحجة.

شروط الحب إن لم تقم المحبة للمثل األعلى على أسس س��ليمة فق��د تق��ود إلى��و وتوق��ع في الزل��ل والزي��غ- كم��ا أس��لفنا- ومن هن��ا ك��ان من الغل��ة وض��وابطها وش��روطها على الض��روري التأكي��د على أس��س المحب

ضوء ما يستفاد من الكتاب والسنة. وأولى تلك الشروط: أن يك��ون الحب في الل��ه س��بحانه، فنحن إنم��ا نحب الن���بي )ص( أو اإلم���ام )ع( ال ل���ذواتهم الشخص���ية وال لبعض العالئق العشائرية أو القومية، وإنما نحبهم لله وللرسالة وما يتحلوندون من مب��ادئ، وق��د ورد في الح��ديث عن ب��ه من قيم، وم��ا يجس��

ــا حب اإلســالماإلم��ام علي بن الحس��ين )ع( " . وعن(1)(1)"أحبون أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه وأحبونيرسول الله )ص(: "

ب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي ، وعن اإلم��ام الحس��ين(2)(2)"لح� وض��ممن أحبنا لله وردنا نحن وهو على نبينــا هكــذا- )ع(: "ــبر والفــاجرإصبعيه (3)"- ومن أحبنا للدنيا فإن الدنيا تسع ال

(3).��ا واعي��ا يتح��رك على بص��يرة من وثاني هذه الش��روط، أن يك��ون حبم به العاطف��ة والغري��زة، العقل وهدى من الوحي، ال حبا أعمى تتحكه يعمي ويصم، تماما كم�ا حص�ل م�ع فإن الحب إن لم يكن واعيا فإن��زان في امرأة العزيز التي قادها حبها الغرائزي إلى الخروج عن االت

فاتها، قال تعالى: } وقال نسوة في المدينة امرأة� العزيزتصربا إنا لنراها في ضالل ت�راود� فتاها عن نفسه قد شغفها ح�

بين [، وإذا ك��ان الحب الغرائ��زي يفق��د اإلنس��ان30{ ]يوس��ف:م توازنه، فإن الغلو العاطفي فيم��ا نحن في��ه يق��ود إلى الغل��و العق��دي

وتجاوز الحد، كما ذكرنا.ج (1)(1) األنوار، ص 46بحار ،73.ج (2)(2) األنوار، ص 27بحار ،76.ص (3)(3) الحسين، اإلمام .583كلمات

56

وثالث هذه الشروط، أن يكون من الطرفين، فال يكفي أن تحب اللهن أن يبادلن��ا الل��ه ورس��وله واألئم��ة ورس��وله واألئم��ة )ص(، ب��ل يتعي الحب أيضا، وإذا كنا نستطيع أن نتلمس حبنا لل��ه ورس��وله بمراجع��ة قلوبنا وأنفسنا، فكيف نع��رف ونكتش��ف حب الل��ه ورس��وله واألئم��ة

لنا؟ ليس من س��بيل إلى ذل��ك إال اتب��اع س��لوكهم والس��ير على خط��اهم واالهتداء بهديهم؛ ألنه وكما سلف، فإن عالمة الصدق في الحب هي اإلتباع والعمل، وقد ورد في الخبر عن اإلمام الب��اقر )ع( في وص��يته

��ه ق��ال: " يــا جــابر بلغ شــيعتي عني الســالملج��ابر الجعفي أن وأعلمهم أنه ال قرابة بيننا وبين الله عز وجل وال ي�تقــرب إليه إال بالطاعة، يا جابر من أطاع الله وأحبنــا فهــو ولينــا

ــه حبنا ــى لم ينفع ، وفي الح��ديث عن أب��ان بن(1)(1)"ومن عصــبيت،تغلب قال اإلمام الشهيد )ع(: " من أحبنا كان منا أهــل ال

قاله��ا منا أهــل الــبيت، حتى فقلت: منكم أهل ال��بيت؟! فق��ال: فمن تبعني } أما ســمعت قــول العبــد الصــالحثالثا، ثم قال:

د )ع( من خالل استش��هاده(2)(2)[36{ ]إب��راهيم:فإنه� مني حيث أك باآلي���ة المبارك���ة على أن الحب الص���ادق ال ب���د أن يتبع���ه العم���ل

واالقتداء. باتضاح أن العالقة بالمثل األعلى ال تستقيم إال إذا قامت على رك��ائز ثالث هي: الركيزة المعرفية والركيزة العاطفية والركيزة الس��لوكية، فإن التساؤل التالي يفرض نفسه: أين يكمن الخلل في هذه الركائز عند المسلمين زمن اإلم�ام الحس�ين )ع(؟ ه�ل أن مش�كلتهم ك�انت

مشكلة معرفة أو مشكلة عاطفة أو مشكلة سلوك؟أهل الشام وسياسة التجهيل

وفي اإلجابة على ذلك نقول: إن األمة اإلسالمية في تلك المرحل��ة ال يمكن وضعها في كفة واح��دة لجه��ة مرك��ز الخل��ل وطبيعت��ه، فهن��اك قسم كبير من أبناء األمة كان الخلل عندهم في الرك��يزة المعرفي��ة،

ج (1)(1) األنوار، ص 68بحار ،179.(2)(2) ) ص ) ، ع الحسين اإلمام كلمات .695موسوعة

57

فهم يجهلون أهل البيت ومكانتهم وم�نزلتهم، ولع�ل أه�ل الش�ام هم أجلى مصداق لهذه الفئة، وذلك بفعل عوامل عديدة أهمها: وقوعهم تحت وطأة السياسة التجهيلية لألمويين، والشواهد على ذلك كثيرة، وأول من اتبع هذه السياسة هو معاوية بن أبي س��فيان وأوص��ى به��اعار دون ال��دثار، ابنه يزيد قائال له بش��أن أه��ل الش��ام: "إجعلهم الش�� فإن رأيت من عدوك ريبا فارمه بهم، ثم اردد أهل الشام إلى بلدهم

وق��د نجحت ه��ذه(1)(1)وال يقيم��وا في غ��يره فيت��أدبوا بغ��ير أدبهم" السياس��ة نجاح��ا كب��يرا فلم يع��رف أه��ل الش��ام عن اإلس��الم إال م��ا وص���لهم عن طري���ق األم���ويين، وق���د امتألت المص���ادر التاريخي���ة باألحداث والقصص التي تدلل على ذلك، فق��د روى المس��عودي في

: "أن رجال من األخب��اريين س��أل رجال من(2)(2)كت��اب م��روج ال��ذهب زعماء أهل الشام وأه��ل ال��رأي والعق��ل منهم: من أب��و ت��راب ال�ذي

يلعنه اإلمام على المنبر؟ قال: أظنه لصا من لصوص الفتن"!. ونقل الس�يد ابن ط��اووس أن ش��يخا ش��اميا دن��ا من نس��اء الحس��ين وعياله بعد وصول موكب السبايا إلى الشام وق��ال: الحمدلل��ه ال��ذي قتلكم وأهلككم وأراح البالد من رج���الكم وأمكن أم���ير المؤم���نين

؟ قال: نعم،هل قرأت القرآنمنكم، فسأله اإلمام زين العابدين: فتال )ع( علي��ه بعض اآلي��ات النازل��ة في أه��ل ال��بيت كآي��ة الم��ودة والخمس والتطهير وأفهمه أنهم المعنيون بهذه اآليات، عندها أصيب ه��ذا الش��يخ بالص��دمة وال��ذهول وق��ال: بالل��ه إنكم هم! فق��ال زين

تالله إنا لنحن هم من غير شــك، وحــق جــدناالعابدين )ع(: " ، فبكى الشيخ ورمى بعمامت��ه ثمرسول الله )ص( إنا لنحن هم

��ا ن��برأ من ع��دو آل محم��د رف��ع رأس��ه إلى الس��ماء وق��ال: اللهم إن ، ويب��دو أن "األكثري��ة الس��احقة من أه��ل الش��ام ك��انت(3)(3))ص(..."

لتهم الدعاي��ة األموي��ة وحجبتهم عن على غ��رار ه��ذا الش��يخ ق��د ض��ل.(4)(4)معرفة أهل البيت )ع("

أين الخلل عند أهل العراق والحجاز؟ج (1)(1) الفريد، ص 5العقد ،115.ج (2)(2) الذهب، ص 3مروج ،39.ص (3)(3) .177الملهوف،ج (4)(4) القرشي، شريف باقر للشيخ الحسين اإلمام ص 3حياة ،372.

58

وإذا كان أه��ل الش��ام يع��انون من مش��كلة الجه��ل بأه��ل ال��بيت )ع( ومكانتهم، فما هي مشكلة أهل العراق والحجاز؟ هل مش��كلتهم هي

في الجانب المعرفي أو العاطفي أو السلوكي؟ أقول: أما بالنسبة للج��انب الع��اطفي: فال ب��د من اس��تبعاد أن يك��ون هناك مشكلة عامة سواء لدى أهل الشام أو عموم المس��لمين فيم��ا يرتبط بمحبة أهل البيت )ع(، نعم هناك أفراد ربما ليسوا قليلين ق��د أعمى الحق��د قل��وبهم تج��اه أه��ل ال��بيت )ع( بفع��ل بعض الرواس��ب النفسية أو الجاهلية العشائرية أو األطماع الدنيوي��ة، بي��د أن ذل��ك لم يشكل ظاهرة عامة أو تيارا واس��عا في جس��م األم��ة، وذل��ك ألن م��ا تحلى به األئمة )ع( من آل البيت )ع( من أخالق عالية وقيم س��امية، باإلضافة إلى الوصايا القرآنية والنبوية بشأنهم كان كفيال ب��أن يجع��ل��ده الش��واهد التاريخي��ة لهم في القل��وب مكان��ا مرموق��ا، كم��ا تؤك

المستفيضة. وهكذا يمكن القول: إنه ال مشكلة عن��د الحج��ازيين أو العراق��يين في الجانب المعرفي، وكيف يجهل أه��ل مك��ة والمدين��ة مكان��ة الحس��ين )ع(!؟ وهو الذي ترعرع في ديارهم وعرفوا قربه النس��بي وال��روحي والرس��الي من رس��ول الل��ه )ص(، وعرف��وا وق��رأوا اآلي��ات القرآني��ة النازل��ة في بي��ان فض��له وفض��ل أه��ل ال��بيت جميع��ا، كآي��ة المباهل��ة والتطهير وغيرها، وال ي��زال ص��دى كلم��ات رس��ول الل��ه )ص( بحق��ه وحق أخيه الحسن )ع( يتردد في أسماعهم ون��واديهم، كقول��ه )ص(:

، أو قول��ه(1)(1)"الحسن والحســين ســيدا شــباب أهــل الجنة" حســـين مني وأنـــا من حســـين أحب اللـــه من أحب)ع(: "

والكالم بعينه ينطبق على أهل العراق فإنهم لم يكونوا(2)(2)"ح�سينا ج��اهلين بمكان��ة الحس��ين ومقام��ه، كي��ف وه��و ال��ذي ع��اش بين ظهرانيهم ردحا من الزمن عندما اتخذ والده علي )ع( الكوف��ة مق��را ل�ه وعاص�مة لدولت��ه، كم�ا أن أج�واء الع��راق لم تكن مقفل�ة ليعيش أهلها مشكلة جهل، وإن كتب أه��ل الكوف��ة ورس��ائلهم إلى الحس��ين التي تدعوه ليقدم عليهم ويبايعوه إماما وخليف��ة خ��ير دلي��ل وبره��ان

(1)(1) : ج أحمد، مسند المثال سبيل على ص 3انظر ص 3، الصدوق، أمالي ،112.ج: (2)(2) أحمد، مسند ص 4انظر ص 172، الزيارات، كامل ،117.

59

على معرفتهم التامة بمكانته العالية، كما أنه عندما اس��تنطقهم ي��وم عاشوراء وسألهم عن منزلته من رسول الله )ص(، وعما قاله )ص( في��ه وفي أخي��ه الحس��ن )ع( وعن قرابت��ه من حم��زة وجعف��ر وعلي

.(3)(3)وخديجة وفاطمة لم يجدوا مفرا من اإلقرار بمعرفة ذلك كله وخالصة الق��ول: إن أه��ل الع��راق والحج��از لم يكن عن��دهم مش��كلة

معرفية أو عاطفية تجاه الحسين )ع( وأهل بيته.نقاط اللقاء بين الفريقين

بل نستطيع القول: إن أعداء الحسين )ع( وقتلته كانوا يلتق��ون على محبته ومعرفته، وإنها حقا لمفارقة عجيب��ة أن ت��رى أع��داء الش��خص

وأنصاره يلتقون معا على معرفته ومحبته! نعم لقد كان أنصاره )ع( على معرفة تامة بمكانته ومنزلته الرفيع��ة، وهذا أمر غني عن البيان وهكذا كان أعداؤه ومح��اربوه على معرف��ة��ك ت��رى ب��ذلك، ولع��ل أبل��غ تعب��ير وأص��دق ش��اهد على م��ا نق��ول: أن الشخص الذي احتز الرأس الشريف، وهو سنان بن أنس يدخل على

عبيد الله بن زياد حامال الرأس بيده وهو ينشد قائال:باأوقر ركابي فضة أو ذهبا فقد قتلت الملك المحج (1)(1)وخيرهم إذ ينسبون نسباقتلت خير الناس أما وأبا

��ا ل��ه وتعلقت وأيضا كم��ا أن قل��وب أنص��اره )ع( ق��د امتألت حب أرواحهم بشخصه الك��ريم، ف��إن قل��وب أعدائ��ه ك��انت تنبض بمحبت��ه وكانت دموعهم تنهمر حزنا عليه، حتى وهم يرمونه بالسهام والنب��ال ويهجمون على مخيم النساء واألطفال، وهذا ما عبرت عن��ه بوض��وح كلمة الشاعر الفرزدق أو غ�يره، عن�دما التقى بالحس�ين )ع( وس�أله )ع( عن أخبار العراق خلفه؟ فقال: "قلوب الن��اس مع��ك وس��يوفهم

، بل إننا نج��د رأس الجيش المع��ادي للحس��ين )ع( ع��نيت(2)(2)عليك" بذلك عمر بن سعد يذرف الدموع حزنا علي��ه، فق��د أوردت المص��ادر

ص (3)(3) الحسين، اإلمام .����428 419كلماتج (1)(1) الذهب، ومروج الطالبيين ص 3مقاتل ص 75، الصدوق، وأمالي ،226.ص (2)(2) الرفيعة، ص 548الدرجات والملهوف، ،125.

60

التاريخية أنه وبعد مصرع الحس��ين )ع( ق��الت زينب لعم�ر بن س��عد: "يا عمر أيقتل أبو عبد الل��ه وأنت تنظ��ر إلي��ه؟! ف��دمعت عين��اه حتى

.(3)(3)سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها"نقطة االفتراق

إذن بماذا امتاز أصحاب الحسين عن أعدائ��ه م��ا دام أن ه��ؤالءونه؟ وهؤالء يعرفونه ويحب

أعتق���د أن نقط���ة االف���تراق تكمن في الج���انب الس���لوكي، فأصحاب الحسين )ع( كانوا أصحاب بصيرة وإرادة وعزيم��ة، وك��انت إرادتهم طوع أيديهم، فانسجم سلوكهم مع فكرهم وع��واطفهم، ولم يسمحوا للدنيا ومغرياتها والنفس وشهواتها أن ته��ز إرادتهم، ول��ذلك ق��دموا أرواحهم وج��ادوا بأنفس��هم في س��بيل نص��رة الح��ق، فك��انت

معرفتهم مثمرة ومحبتهم صادقة. أما أصحاب عمر بن سعد وجيش ابن زياد فقد اس��تولى عليهم حب الدنيا وسقطوا تحت تأثير المغريات، فحصل ن��وع من االنفص��ام بين عقولهم وسلوكهم، وإن أخطر مشكلة واجهت وتواج��ه اإلنس��ان على مر العصور هي مشكلة االنفصام بين األق��وال واألفع��ال أو بين االعتقاد والممارسة، وقد ندد القرآن بهذه الص��فة وح��ذر منه��ا، ق��ال

ــرتعالى: } ول�ون مــا ال تفعل�ــون*كب� يا أيها الذين آمن�وا لم تق�ول�وا ما ال تفعل�ون [، وق��ال3-2{ ]الص��ف:مقتا عند الله أن تق�

مسبحانه: } ه� س� [.14{ ]النمل:وجحد�وا بها واستيقنتها أنف�ضح أن الميزان في االستقامة وحسن العالقة م��ع وعلى ضوء ذلك يت المث��ل األعلى ال يكمن في مج��رد معرف��ة جام��دة أو عاطف��ة خاوي��ة كاذبة، فما أكثر من يعرف الحق لكنه يعاديه، أو يحب الخ��ير لكن��ه ال��ة إلى يفعله! وإنما الميزان في أن تتحول المعرفة إلى عمل والمحب سلوك. إن مجرد أن تعرف الحسين أو تندبه وتبكي��ه ليس كفيال ب��أن ال تحارب��ه وال ض��مانا على أن ال تذبح��ه أو تقاتل��ه، وإن الن��اس ال��ذي يس���تطيعون التوفي���ق بين أفك���ارهم وع���واطفهم من جه���ة، وبين

ج (3)(3) التاريخ، في ص 2الكامل ،572.

61

سلوكهم من جهة أخرى هم قل�ة قليل�ة، وق��د قاله�ا اإلم�ام الحس�يننتهم فــإذا)ع(: " الناس عبيد� الدنيا والــدين لعــق على ألســ

، وق��د قاله��ا علي )ع( وه��و(1)(1)"محصـوا بــالبالء قــل الـديانون يتح��دث عمن ع��اداه وحارب��ه من القاس��طين والن��اكثين والم��ارقين:

ــدار� }كــأنهم لم يســمعوا كالم اللــه حيث يقــول:" ــك ال تلــوا في األرض وال ــد�ون ع�لـ� ا للذين ال ي�ريـ ــ رة� نجعل�هـ ــ اآلخـ

تقين ادا والعاقبــة� للم� بلى واللــه لقــد[�� 83{ ]القص��ص:فســم ــدنيا في أعي�نهم وراقه� سمع�وها ووعوها لكنهم حليت ال

ها .(2)(2)"زبرج� ول��و أردن��ا المقايس��ة بين الفئ��ة ال��تي جهلت مق��ام أه��ل ال��بيت )ع(تهم وم��ع ذل��ك فح��اربتهم، والفئ��ة ال��تي ع��رفت مق��امهم وربم��ا أحب قاتلتهم، لقلنا بكل وضوح: إن الفئة األولى أهون حاال وأقل إدانة من الفئة الثانية؛ ألن من جهل الح��ق فقاتل��ه، ليس كمن عرف��ه وقاتل��ه، وقد قال أمير المؤمنين )ع( في معرض نصيحته بترك قتال الخوارج

ليس من طلب الحــق فأخطــأه� كمن طلب الباطــلبع��ده: ".(3)فأدركه"

ثورة الحسين تفضح التزييف وهكذا استطاعت ثورة اإلمام الحسين )ع( بم��ا أفرزت��ه من مواق��ف وجسدته من تضحيات وأوضحته من حقائق ومعالم أن تفضح العالقة المزيفة بالحق أو بالمثل األعلى، هذه العالقة التي تتجمد عند ح��دود العق��ل والقلب دون ال��نزول إلى أرض الواق��ع وتحم��ل المس��ؤولية وتقديم التضحيات. إن نداء الثورة ولس��ان حاله��ا ومقاله��ا: إن الحب إن لم يترجم سلوكا وحركة فه�و خ�داع ونف�اق، وإن المعرف��ة إن لم يصدقها العم��ل فهي معرف��ة مزيف��ة وس��تكون حس��رة على ص��احبها

ووباال. التجهيل واستعباد األ�مة

ج (1)(1) األنوار، ص 44بحار ،382.ج (2)(2) البالغة، ص 1نهج ،36.ج (3)) البالغة، ص 1نهج ،108.

62

إذا كان الخلل في العالقة مع أهل البيت )ع( كامن��ا ل��دى فئ��ة كب��يرة من أبناء األمة في الركيزة المعرفي��ة، ول��دى فئ��ة أخ��رى في ض��عف اإلرادة والعزيمة كما أسلفنا. فإن السؤال ال��ذي يف��رض نفس��ه هن��ا: أنه كيف تمت عملية تجهيل الفئة األولى؟ وكيف تمت مصادرة إرادة

الفئة األخرى؟ هذا ما نحاول اإلجابة عليه فيما يلي: وبداي��ة ال ب��د من الق��ول: إن وعي األم��ة وإرادته��ا يش��كالن األرض��ية��ة مبادئه��ا وفاعليته��ا، كم��ا أنهم��ا )ال��وعي الص��لبة لمناعته��ا وحيوي واإلرادة( يعتبران خط الدفاع األول عن األمة وقيمها، وهما الص��خرةر عليها ك��ل أحالم الط��امعين وأم��اني الط��امحين وخط��ط التي تتكس

المستكبرين. وقد أدرك الطغاة أنه لن يكتب لهم النجاح باحتواء األمة والس��يطرة عليها إال بالعمل الدؤوب على مص��ادرة وعيه��ا، وش��ل إرادته��ا، ول��ذا اعتمدوا مختلف األساليب في سبيل الوصول إلى غايتهم المنشودة،��ة الرامي��ة إلى ونبدأ بالحديث عن مساعي بعض رموز الدول��ة األموي

مصادرة وعي األمة.سياسة التجهل

في س��بيل التغلب على وعي األم��ة اإلس��المية ال��ذي أنتج��ه اإلس��الم وقائده العظيم الرس��ول األك��رم )ص( ك��ان ال ب��د من اتب��اع سياس��ة تجهيلية تضليلية تعتمد منهج التلويث الفك��ري والتش��ويش اإلعالمي، وكان أنجع األس��اليب وأكثره��ا ت��أثيرا في ه��ذا الص��دد، اعتم��اد نفس األدوات والطرق التي تملك القداسة في نف��وس المس��لمين، ع��نيت��ة ال�تي تم اختالقه�ا ونس�بتها إلى رس��ول الل�ه بذلك النص�وص الديني )ص( من قبل جمع من ذوي الذمم الرخيصة ممن ب��اع دني��ه ودني��اه، وسخر علمه أو صحبته لرسول الل��ه )ص( لبث الدعاي��ة الكاذب��ة في

خدمة السلطان وأهدافه. ينقل الشيخ أبو جعفر األسكافي أن معاوية "وضع قوما من الصحابة وقوم��ا من الت��ابعين على رواي��ة أخب��ار قبيح��ة في علي )ع( تقتض��ي

63

��رغب الطعن فيه والبراءة منه وجعل على ذلك جعال )عوضا مالي��ا( ي.(1)(1)في مثله فاختلقوا ما أرضاه"

وكتب أيض��ا إلى عمال��ه ووالت��ه كتاب��ا يحثهم على الرواي��ة والتح��ديث بفضائل عثمان، وإكرام كل من يروي حديثا في مناقبه، ولما أك��ثروا من ذل��ك كتب إليهم كتاب��ا آخ��ر- كم��ا ينق��ل ابن أبي الحدي��د-: "إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل ناحي��ة ف��إذا جاءكم كتابي هذا ف��ادعوا الن��اس إلى الرواي��ة في فض��ائل الص��حابة والخلفاء األولين، وال تتركوا خبرا يرويه أح��د من المس��لمين في أبي تراب إال وتأتوني بمناقض له من الصحابة، ف�إن ه�ذا أحب إلي وأق��ر لعيني وأدحض لحج��ة أبي ت��راب وش��يعته، وأش��د عليهم من من��اقب عثمان وفضله". يقول: فقرأت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة

.(1)(1)في مناقب الصحابة مفتعلة ال حقيقة لها..." إن هذه السياسة التجهيلية التي ترافقت م��ع س��د ش��به ت��ام للمن��ابع األصيلة للثقافة اإلسالمية أثرت أثرها في المسلمين، وال س�يما أه�ل الشام منهم، فأصبحوا وقد تشوهت مع��رفتهم باإلس��الم ورم��وزه إنة التالي��ة لم نقل أصبحوا ال يعرفون من اإلسالم إال اسمه، وإن القص��

، وإن كانت ال تخلو من المبالغ��ة بي��د أنه��ا(2)(2)التي ينقلها المسعودي تشهد بوضوح على نج��اح السياس��ة التجهيلي��ة في بالد الش��ام، ه��ذه السياسة التي كان لوعاظ الس��الطين والم��تزلفين دور في إنجاحه��ا،

يقول المسعودي: "إن رجال من أهل الكوفة دخل على بع��ير ل��ه إلى دمش��ق في ح��ال منصرفهم عن صفين فتعلق به رجل من دمشق فق��ال: ه��ذه ن��اقتي أخذت مني بصفين، ف��ارتفع أمرهم��ا إلى معاوي��ة، وأق��ام الدمش��قي خمسين رجال بينة يشهدون أنها ناقته، فقضى معاوي��ة على الك��وفي،��ه جم��ل وأمره بتسليم البعير إلي��ه، فق��ال الك��وفي: أص��لحك الل��ه إن وليس بناقة! فقال معاوية: هذا حكم ق��د مض��ى، ودس إلى الك��وفي بعد تفرقهم فأحضره، وسأله عن ثمن بعيره، فدفع إليه ضعفه وب��ره

ج (1)(1) البالغة، نهج ص 4شرح ،639.ج (1)(1) النهج، ص 11شرح ،44.ج (2)(2) الذهب، ص 3مروج ،39.

64

وأحسن إليه، وقال له: أبلغ عليا أني أقاتله بمائ��ة أل��ف م��ا فيهم منق بين الناقة والجمل!؟". يفر

االستخفاف بالعقول إن واحدة من أخطر نت��ائج سياس��ة التجهي��ل والتض��ليل ال��تي ينتجه��ا الطغاة هي تهيئة األمة لقبول االستعباد، وتحويلها إلى أداة طيعة بي��د الح��اكم، تنفذ مخططات��ه ومش��اريعه دون أن يك��ون له��ا حض��ور أو مس��اهمة أو رأي في ص��نع الحاض��ر أو المس��تقبل؛ ألن الح��اكم ق��د��ر للن��اس ص��ادر وعيه��ا وعقوله��ا، واختص��رها بشخص��ه وأص��بح يفك وعنهم، وغدا الفرد منهم مجرد إمعة يخوض مع الخائضين، وق��د ورد

أبلغ خيرا، وقل خــيرا، والفي الحديث عن اإلمام الكاظم )ع(: "ــا مــع النــاس تكن إمعة، قلت: وما اإلمعة؟ قال: تقول: أن وأنا كواحد من النــاس، إنمــا همــا نجــدان نجــد خــير ونجــد

.(1)(1)"شر إن سياسة التجهيل المذكورة هي سياسة الطغاة على م��ر العص�ور، فقد اتبعها فرعون مع بني إسرائيل، فجعلهم عبيدا له، وك��ان يف��اخر��ة إنكاري��ة بذلك ويجاهر ب��ه، ول��ذا خاطب��ه موس��ى )ع( بلغ��ة احتجاجي

نها علي أن عبدت بني إسرائيل} { ]الشعراء:وتلك نعمة تم�22.]

ر إال بعد أن استخف إن فرعون لم يصل إلى هذا المستوى من التكبمبعقول قوم��ه، ق��ال تع��الى: } فاستخف قومــه� فأطــاع�وه� إنه�

[، وجاء سلبهم حرية التفكير54{ ]الزخرف:كان�وا قوما فاسقين بعد ذلك نتيجة طبيعية لالستخفاف بعقولهم. ق��ال تع��الى حكاي��ة عن

بيللسان فرعون: } �ريك�م إال ما أرى ومــا أهــديك�م إال ســ ما أشاد [، وبعد ذاك لم يعد مس��تغربا وال مس��تبعدا من��ه29{ ]غافر:الر

ــا ربك�م� األعلىأن يتج���رأ على ادع���اء الربوبي���ة } ال أنـ ــ {فقـ[، دون أن يسمع صوت اعتراض أو احتجاج!24]النازعات:

ص (1)(1) المفيد، : 210أمالي ج األنوار، بحار وراجع ص 75، ،325.

65

وهكذا نجد أن طواغيت قريش انتهجوا أسلوب فرعون في التض��ليل والتجهيل في مواجهتهم لرسول الله )ص(، وفي هذا السياق تنوعت��ه اتهاماتهم له، فتارة رموه بأنه كاهن، وأخرى بأنه ساحر، وثالث��ة بأن

شاعر، ورابعة بأنه مجنون. وقد أثرت أساليبهم الدعائي�ة ه��ذه في نف�وس الكث�يرين من الع�رب مدة من الزمن، حتى أنهم أقنعوا واح��دا من الشخص��يات المرموق��ة في قومه أن يسد أذنيه بالقطن عندما يم��ر إلى ج��انب رس��ول الل��ه )ص( حذرا من أن يتأثر بسحره، فق��د ذك��ر المؤرخ��ون أن أس��عد بن زرارة أحد وجهاء الخزرج دخل مكة يطلب النص��رة من ق��ريش على األوس أخصامه وأخصام قومه، فاعتذر له عتبة بن ربيع��ة عن تلبي��ة القرشيين لطلبه بحجة "أن لهم ش��غال بمحم��د ال��ذي ادعى الرس��الة وسفه أحالمهم وسب آلهتهم وأفسد شبابهم وفرق جماعتهم"، ولم��ا أراد أسعد االنصراف عنه والذهاب إلى البيت للطواف حذره عتبة أو نص��حه ب��أن ال يفع��ل؛ ألن محمدا )ص( في المس��جد، وق��د يس��حره بكالمه، فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر، ال بد لي أن أط��وف بالبيت؟ قال: ضع في أذنيك القطن! فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه بالقطن فطاف بالبيت، ورس��ول الل�ه )ص( ج�الس في الحج��رة ال��تي تحكي تفطن أس��عد بع��د )حجر إس��ماعيل(... إلى آخ��ر القص�� ذلك ولومه لنفسه، ثم رميه القطن من أذنيه وذهابه إلى رسول الله

، إن ال��دعوة إلى وض��ع القطن(1)(1))ص(، ومن ثم إس��المه على يديه في األذنين هي عمل غبي ال يأخذ به إال من فقد عقله، أو وق��ع تحت

تأثير سياسة طاغوتية تهدف إلى تضليل األمة ومصادرة وعيها. وإن وض��ع األم��ة اإلس��المية بع��د تح��ول الخالف��ة إلى مل��ك عض��وض يتوارثها األبناء عن اآلباء لم يكن أفضل حاال مما تحكي عن�ه الص�ورة المتقدمة، بل إن وضعها كاد أن يتجاوز ه��ذه الص��ورة س��وءا ل��وال أن الفئة الواعي��ة من أبن��اء األم��ة، وعلى رأس��هم أئم��ة أه��ل ال��بيت )ع(

وقفت سدا منيعا بوجه كل سياسات التضليل والتجهيل.هدم الدين بمعاول الدين

ج (1)(1) الورى، ص 1إعالم ،137.

66

ب��ل يمكن الق��ول: إن الوض��ع من بعض جوانب��ه ت��ردى وانح��در في تاريخنا اإلسالمي إلى أسوأ مما كان علي��ه في العص��ر الفرع��وني أو الجاهلي، وذلك أن مصادرة عق��ول ب��ني إس��رائيل من قب��ل فرع��ون ك�انت عملي�ة مفض�وحة وال تمل�ك حج�ة برهاني�ة وال تقبله�ا الفط�رة والوجدان، وهذا ما سهل على النبي موسى )ع( وس��اعده في إقن��اع بني إسرائيل بضرورة التحرر من نير الطاغية وقيوده، بي��د أن األم��ر في العهد اإلسالمي كان مختلفا، فمصادرة العق��ول واإلرادات ك��انت تتم باسم الدين وكم األفواه يغلف بشعارات ش��رعية إس��المية، ويتم التنظير للعبودية والخنوع واالستس��الم للح��اكم بأح��اديث ملفق��ة عن��ه )ص( ي��دعو إلى لسان رسول الله )ص(، من قبيل ما تق��دم من أن

إطاعة السلطان ولو كان جائرا، أو نحو ذلك. إن قم��ة المك��ر وال��دهاء أن تتم مواجه��ة ال��دين باس��م ال��دين، أو اس��تغالل ال��وحي ض��د مقاص��د ال��وحي نفس��ه، وبه��ذا ينح��ر اإلس��الم بسيوف صنعها وصنع حامليها، وهذا ما حصل مع اإلمام الحسين )ع( بالتحديد يوم عاشوراء، وقد وصف لن��ا )ع( ه��ذا األم��ر خ��ير توص��يففي بعض خطبه العاشورائية التي خاطب فيها الجيش األموي قائال:

)أوق��دتم(سللتم علينا ســيفا لنــا في أيمــانكم وحششــتم " على عــدونا وعــدوكم)أوق���دناها(علينــا نــارا اقتــدحناها

فأصبحتم إلبا ألعدائكم على أوليـائكم بغـير عـدل أفشـوه.(1)(1)"فيكم وال أمل لكم أصبح فيهم

إنه )ع( في خطبته هذه يشير إلى مفارقة عجيبة وحقيقة مرة، وهي أن النف��وس ال��تي ص��نعها وه��ذبها رس��ول الل��ه )ص( لتك��ون حامل��ة لمب��ادئ اإلس��الم وحارس��ة أمين��ة لبالد المس��لمين تح��ولت بع��د م�دة قص��يرة في عم��ر الرس��الة إلى ق��وة للقض��اء على اإلس��الم، وإلى سيوف مسلولة بوجه القادة المسلمين من ذرية رس��ول الل��ه )ص(، وم��ا ك��ان ذل��ك ليحص��ل ل��وال سياس��ة التجهي��ل ال��تي ص��ادرت عق��ل��ل ك��ل م�ا يلقى إلي��ه من أفك��ار ذات المس��لم وجعلت��ه مس��تعدا لتقب��ة وأح��اديث تنس��ب إلى الرس��ول الك��ريم، حتى ل��و ك��انت صبغة ديني

ص (1)(1) .96الملهوف،

67

��ده الش��واهد الكث��يرة في مخالف��ة للعق��ل والمنط��ق، وه��ذا م��ا تؤكتاريخنا اإلسالمي.

دور وعاظ السالطين في تضليل األ�مة وقد استطاعت السلطة السياسية على الدوام تسخير بعض الوعاظ وتجار الدين وتوظيفهم لخدمة أه�دافها التس�لطية أو ت�برير مواقفه�ا التخاذلي��ة، وق��د أس��هم ه��ؤالء في تخ��دير األم��ة وتض��ليلها وتعطي��ل إرادته��ا، وربم��ا يك��ون خط��رهم على ال��دين أش��د ض��ررا من خط��ر��ام المس��تبدين أنفس��هم، بس��بب دورهم الخط��ير في إس��باغ الحك الشرعية على نظ��ام االس��تبداد والقه��ر وت��برير سياس��ات الظ��المين ونزواتهم الخاصة، وذلك بانتحال النصوص أو انتقاء بعضها أو تأويله��ا وتفس��يرها بم��ا يخ��دم سياس��ة الح��اكم، ونم��اذج ه��ذه الش��ريحة في تاريخنا اإلسالمي وواقعنا الراهن كثيرة جدا ال يسع المج��ال للح��ديث المستفيض عنها، وأكتفي هنا بالقصة الطريف��ة ال��تي تنق��ل عن أح��د المحدثين في العصر العباسي وهو غياب بن إبراهيم الذي دخل ذات يوم على المهدي العباس��ي وه��و يله��و بالره��ان على الحم��ام، ف��أراد

��ه ق��ال: " ال ســبق إالالتقرب إليه فحدثه بقول رسول الله )ص( أن " وزاد فيه أو "جن��اح" في إش��ارة إلىفي خف أو حافر أو نصل

الحمام وج��واز الره��ان علي��ه، فكاف��أه المه��دي بعش��رة آالف درهم، ولما قام من عنده قال المه�دي: "أش��هد أن قف��اك قف�ا ك��ذاب على رسول الله )ص("، وأضاف: "ما قال رس��ول الل��ه )ص(: "أو جن��اح"

ب إلي" .(1)(1)ولكنه أراد أن يتقردور مشبوه لبعض الشخصيات

ول��دى دراس��تنا للمش��هد اإلس��المي الع��ام قبي��ل النهض��ة اإلس��المية الحسينية وموقف العديد من الصحابة والت��ابعين، س��نجد أن بعض��هم لم يكت��ف بالحي��اد أو التق��اعس عن نص��رة اإلم��ام الحس��ين )ع( ب��ل��ة على جرأته��ا على شجع من حيث يشعر أو ال يشعر السلطة األموي الله ورسوله وإقدامها على انتهاك الحرم��ات، وعن��دما نق��رأ رس��ائل

ج (1)(1) بغداد، ص 2تاريخ ،320.

68

اإلشفاق والنصح التي وجهت من قبل الكثيرين لإلم��ام الحس��ين )ع( نلمس ه��ذا األم��ر بوض��وح، ونكتش��ف في ثناياه��ا موقف��ا مش��بوها ال يمكن تبريره، كما حصل مع عمرو بن سعيد بن العاص ال��ذي أرس��ل إلى اإلمام رسالة يدعوه فيها إلى ترك الشخوص إلى العراق وأن ال

يشق عصا الطاعة، كما سلف وذكرنا. وإذا كان موقف عمرو بن سعيد هذا يمكن فهم��ه باعتب��ار أن الرج��ل

، فإن مواقف البعض اآلخر(2)(2)كان نائب الحرمين كما يذكر ابن كثير ال يمكن فهمه��ا وال تبريره��ا، ومن ه��ؤالء ش��ريح القاض��ي ال��ذي ال يفاجئنا بوجوده دونما سبب مفهوم في قصر اإلمارة قرب ابن زي��اد، وكذا ال يفاجئنا بتركه نصرة اإلمام الحسين )ع(، إنه ال يفاجئن��ا ب��ذلك فحس��ب، ب��ل يفاجئن��ا أيض��ا بس��كوته- وه��و القاض��ي- على الظلم والمنكر الذي ارتكبه ابن زياد على مسمع ومرأى منه بحق هانئ بن عروة، عندما ضربه بالقضيب على وجهه وكسر أنفه ونثر لحم خديه على لحيت��ه، ثم حبس��ه في إح��دى غ��رف القص��ر، وبع��د ذل��ك يخ��رج شريح لينق��ل رس��الة من ابن زي��اد إلى قبيل��ة ه��انئ ال��تي امتعض��ت واجتمعت حول القص��ر يطمئنهم فيه��ا ب��أن ص��احبهم حي ولم يقت��ل، األمر الذي حال دون هج��ومهم على القص��ر وربم��ا تغي��يرهم لمس��ار

.(1)(1)األحداثالنهضة الحسينية تفضح التزييف

إن النهض�ة الحس�ينية رغم دمويته�ا ومأس�اويتها اس�تطاعت اخ�تراق حجب الجه��ل والتض��ليل وتبدي��د س��حب الظلم��ة والتش��ويه ال��تي مورست بح��ق أه��ل ال��بيت )ع(، وإن رحل��ة الس��بي من الكوف��ة إلى الشام رغم مرارتها ومعاناتها وكثرة شجونها ساهمت في فضح يزيد وبيان زيفه، كما أسهمت في التعريف بحقائق اإلس��الم ومكان�ة أه��ل��أت فرص��ة ذهبي��ة ل��زين ال��بيت )ع(؛ ألن ه��ذه الرحل��ة القس��رية هي العابدين )ع( وزينب وسائر الس�بايا أن يقف��وا في جم�وع المس�لمينلين المحتش��دين في ك��ل محط��ات ه��ذه الرحل��ة الش��اقة المض��ل

ج (2)(2) والنهاية، ص 8البداية ،176.ج (1)(1) الطبري، ص 4تاريخ ،254.

69

والطويل��ة ويش��رحوا لهم حقيق��ة الموق��ف بكلم��ات وخطب ملتهب��ة سرعان ما ظهر صداها وبان أثرها في نفوس المسلمين الذين ك��ان للكثيرين منهم مواقف رسالية ش��جاعة س��جلها الت��اريخ بإدان��ة يزي��د وعبيد الله ابن زياد ومواجهتهما حتى داخل قصر الث��اني في الكوف��ة وقصر األول في الشام، ونخ��ال ب��ل نك��اد نج��زم أن يزي��د ن��دم أش��د الندم على إحضار الس��بايا وس��وقهم من الكوف��ة إلى الش��ام، بع��دما رأى ردة فعل أهل الشام الذين استمعوا لزين العاب��دين )ع( يخطب في مسجدهم ويبين لهم مكانته ومكان��ة أه��ل ال��بيت )ع( وم��ا ج��رى

عليهم من ظلم وعدوان.

الفصل الثانياإلحياءات العاشورائية

الوظيفة واألهداف واألساليب

70

كيف نحيي عاشوراء-1مسألة اإلحياء: الضوابط العامة-2عينات من وسائل اإلحياء-3الخطاب العاشورائي: اإليجابيات والسلبيات-4

الفصل الثاني

71

اإلحياءات العاشورائيةالوظيفة واألهداف واألساليب

كيف نحيي عاشوراء؟-1 لم��اذا نح��يي ال��ذكريات والمناس��بات التاريخي��ة؟ لم��اذا نع��ود إلى الماض��ي؟ أليس في حاض��رنا الكث��ير من الهم��وم والمش��اغل ال��تيل الرجوع إلى التاريخ والعمل على استعادته تغنينا عن ذلك؟ أال يشك محاولة هروب من الواقع وآالمه؟ ثم إذا كان ال بد من أن نحيي هذه ال��ذكريات، فكي��ف نحييه��ا؟ وم��ا مع��نى اإلحي��اء؟ وم��ا هي وس��ائله وأس��اليبه؟ وه��ل له��ذه األس��اليب ال�تي درجن��ا عليه�ا قدس��ية، أم أن

رة؟ قضية الوسائل قضية متحركة متغيلماذا نحيي الذكريات؟

عندما نحيي ذكرياتن��ا، فإنن��ا ال نس��تهدف أن نع��ود إلى ال��وراء، أو أن نتجمد في الماض��ي، أو أن نستنس��خ الت��اريخ، ال ألن عجل��ة الحي��اة ال تعود إلى الوراء فحسب؛ ب��ل ألن ذل��ك خالف منط��ق الت��اريخ نفس��ه وس��ننه الحاكم��ة. إذا نحن نس��تهدف من إحي��اء ال��ذكريات تحقي��ق

مجموعة أهداف، من أهمها: : التواصل مع هذا التاريخ وتأكيد ارتباطنا به؛ ألنه جزء من هويتناأوال

��ا، ��ا وفكري ��ا ب��ل روحي وهو امتدادنا؛ إن بيننا وبينه نس��با ليس بيولوجي وإذا كنا نؤكد على هذا التواصل مع تاريخن��ا، فألن ذل��ك يع��زز هويتن��ا المستقلة وأصالتنا، ويحقق مفه��وم ال��ذات ل��دينا، بعي��دا عن االنبه��ار باآلخر وحضارته الذي يصل عن��د البعض إلى نك��ران ال��ذات والخج��ل

بهويته وانتمائه. ثانيــا : إن في تاريخن��ا اإلس��المي محط��ات للح��ق والع��دل، وص��ورا

مشرقة مضيئة وقيما مطلقة، والقيم��ة مل��ك ال��زمن كل��ه، ال تع��رف حاضرا أو ماضيا أو مس��تقبال. إن الحس��ين )ع(- على س��بيل المث��ال- ليس ملك التاريخ، بل هو بثورته وما تحمل من قيم ومعان، هو ملك

72

اإلنسانية كلها على امتدادها. إن حاجتنا إلى ه��ذا الت��اريخ هي حاجتن��ال بكل الشخص��يات المعص��ومة من األنبي��اء إلى المثل األعلى المتمث��ه واألئمة )ع(، من دون أن يع��ني ذل��ك أن األم��ة أص��يبت ب��العقم وأن ليس بإمكانها إنتاج مثل عليا من واقعها فتلجأ إلى الماض��ي، ب��ل ألن مشكلة نكران الذات التي تحدثنا عنها، جعلت البعض يتنك��ر لرم��وزه التاريخية ويلجأ إلى استيراد مثل عليا من الخارج، كما نلمح ذلك في سلوك الكثير من شباب المسلمين. على أن المعص��وم يبقى المث��ل

األعلى الذي يحتذى به ويؤخذ منه وال يرد.كيف نستعيد تاريخنا؟

على ض�وء ذل�ك، ف��إن علين�ا، ونحن نس�تعيد تاريخن�ا، أن نستحض�ره للعبرة ال للعبرة، لالستلهام منه والتأسيس عليه، ال لمج��رد الوق��وفر األمج���اد واالنتص���ارات؛ ألن التغني باألمج���اد على األطالل وت���ذك والوقوف دوما على األطالل، يختزن شعورا باإلحباط والفشل بفع��ل الهزائم الحضارية التي منينا بها، فص��رنا نح��اول الف��رار من الحاض��ر وهزائمه إلى الماض�ي وأمج�اده في محاول�ة للتع�ويض النفس�ي. إن اللجوء إلى الماضي واستعادته بهذه الطريقة ال يعالج المش��كلة، ب��ل هو أشبه بتناول القرص المخدر الذي يحاول أن ينسينا األلم، م��ع أنل المحفز ��ه يش��ك ت��ذوق األلم أو تحسس��ه ض��روري في حالتن��ا؛ ألن النطالق األمة من جديد نحو اإلبداع والتطور، إذ إن اإلبداع يخرج من

رحم المعاناة. إن سيطرة ما يمكن أن نسميه النزعة التاريخية على العقل المسلم بحيث غدا المسلم في ظلها شخصا يعيش غيابات التاريخ ومجاهل��ه، ويعمل على استعادته بتفاصيله، ال تشل حركة اإلبداع لديه فحس��ب، بل تعقد حاضره، وتضيف إلى مشاكله المعاصرة مشكلة أخرى، من خالل ه���ذا االستحض���ار الم���رعب لك���ل االنقس���امات التاريخي���ة، واس��تدعائها بطريق��ة تجع��ل الواق��ع المعاص��ر نس��خة مك��ررة عن الماضي، فيتعارك المسلمون ويتناحرون في القرن الخ��امس عش��ر للهجرة على ما تعارك عليه المسلمون في القرن األول! ويختلف��ون

73

باس��م الت��اريخ ورجاالت��ه، ب��دال من أن يتنافس��وا على اختي��ار أفض��لالسبل الكفيلة بنهضة األمة وإيقاظها من سباتها.

إن تاريخ األمم ال بد من أن يكون عامل تطور ومحفزا نح��و التق��دم، وال يجوز بحال أن يش��كل حج��ر ع��ثرة وإعاق��ة في مس�يرة النه�وض

والتطور.معنى اإلحياء ودالالته

هناك أك��ثر من طريق��ة في إحي��اء ال��ذكرى أو المناس��بة، فهن��اك منة للتس��لية أو الترفي��ه عن النفس، يعمل على استعادة الذكرى كقص�� كمن يحاول مشاهدة فيلم سينمائي- مثال- ليتخفف من أعباء الحي��اة وض��غوطها، وربم��ا يك��ون ال��دافع ل��دى البعض ه��و مج��رد الفض��ول المع��رفي. إن ه��ذا النح��و من اإلحي��اء ال يالمس- بطبيع��ة الح��ال-

المغزى الحقيقي لعملية إحياء عاشوراء أو غيرها من مناسباتنا. كما أن البعض يتحرك في عملية اإلحياء باعتبار أن الذكرى أص��بحت جزءا من عادات��ه وتقالي��ده، ودرج عليه��ا من��ذ الص��با بحيث إذا تركه��ا استوحش، وهذه الطريقة- كس��ابقتها- ليس��ت هي الطريق��ة المثلى، وال هي التي هدف إليها األئمة )ع( في دعوتهم إلى إحياء المناسبات التاريخي��ة، كم��ا في الح��ديث عن اإلم��ام الص��ادق )ع( مخاطب��ا بعض

"... فأحيوا أمرنا يا ف�ضــيل، فــرحم اللــه� من أحيــاأصحابه: .(1)(1)"أمرنا

إن األج��دى في عملي��ة اإلحي��اء أن نح��ول ال��ذكرى إلى حرك��ة تغي��ير وإصالح لكل واقعنا ونجعله- أي واقعنا- على صورة صاحب ال��ذكرى. ولذا فلنعمل، وبدال أن نذهب في رحلة تاريخية لنس��تمع إلى أح��داث عاش��وراء، ثم نع��ود إلى ممارس��ة حياتن��ا، وك��أن ش��يئا لم يكن، ومن دون أي تغيير لسلوكنا وفي حياتنا، فلنعمل على أن يزورنا الحس��ين )ع( في بيوتن��ا وس��احاتنا وك��ل مواقعن��ا، ولنعم��ل على أن يط��وف

ص (1)(1) الصدوق، للشيخ اإلخوان ( 32مصادقة ج ) الكافي، في ع الباقر اإلمام عن ونحوه ص 2، وج 176، ص 8، ،80.

74

الحسين )ع( على عقولنا لينظفها من األغالل والقي��ود، وعلى قلوبن��اليطهرها من األحقاد.

ة أو رواي�ة فيلم أو قص�يدة ش�عرية، إن عاشوراء ليس�ت مج�رد قص���ة وحرك��ة وليست طقسا دينيا أو فلكلورا شعبيا، أنها مدرس��ة تغييري

إصالحية لكل الواقع الفاسد. "، ه��و في حقيقت��ه دع��وة إلى أن نحي��اأحيوا أمرناإن قول��ه )ع(: "

بالحسين )ع( وليس مج��رد دع��وة إلى البك��اء؛ ألن الحس��ين )ع( فيدق عن��د ملي��ك مقت��در، وليس بحاج��ة إلى ك��ل دموعن��ا مقع��د ص�� ولطمياتنا، فالمطلوب إذا ليس مجرد أن نحيي الذكرى، ب��ل أن نحي��ا

بالذكرى باستلهام معانيها.نجاح عملية اإلحياء وشروطها

إن نجاح عملية اإلحياء أو فشلها هو رهن بمدى نجاحنا أو فش��لنا في استلهام قيم الث��ورة الحس��ينية، واس��تهداء أه��داف ص��احب ال��ذكرىعاته وإرشاداته. إن الحسين )ع( كان مصلحا، فال ب��د من واألخذ بتطل أن نكون مع المصلحين، وإال كيف تكون حسينيا وت�ردد م�ع الحس�ين

�مــة جــدي أ�ريـد�)ع( قوله: " إنما خرجت� لطلب اإلصـالح في أ "، وأنت ترجم المصلحينأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر

بكل كلمات الشتائم والسباب والتكف��ير والتض��ليل. ليس في وس��عنا أن نك��ون حس��ينيين، ونبكي الحس��ين )ع(، ونحن نحم��ل أخالق يزي��د

ر والظلم والفسق والفجور؟! في التكب والشرط الثاني لنجاح عملية إحي��اء المناس��بة التاريخي��ة: ه��و أن يتمنن الحاكم��ة على الت��اريخ، بعي��دا عن استحض��ارها وف��ق منط��ق الس����ؤخر، كم��ا ه��و االستغراق في القشور والتفاصيل التي ال تق��دم وال ت��ز على م��ا ��ه يرك ة التاريخي��ة، فإن األسلوب القرآني في عرض القص�� يمكث في األرض بعيدا عن الزب��د ال��ذي ي��ذهب جف��اء، ق��ال تع��الى:

ة} ــ ــ ــون خمس ــ ول� م ويق� م كلب�ه� ابع�ه� ــة ر ــ ول�ون ثالث يق� ــ ــ سم ــامن�ه� بعة وث ــون ســ ول� ــالغيب ويق� م رجما ب م كلب�ه� ه� سادس�م إال قليل فال ت�مار ه� ا يعلم� بي أعلم� بعدتهم م م ق�ل ر كلب�ه�

75

دا ــ م أحـ نه� تفت فيهم م ــاهرا وال تســـ ــراء ظـ {فيهم إال مـ [، فليس المهم هو عددهم، إنما المهم هو الدرس الكبير22]الكهف:

ل بقدرة الله على إبقائهم أحياء مدة مديدة. المتمث وفي الح��ديث، أن رس��ول الل��ه )ص( دخ��ل ذات ي��وم إلى المس��جد،

قي��ل: عالم��ة، ق��ال:ما هــذا؟فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: ��اموما العالمة؟ قالوا: أعلم الناس بأنس��اب الع��رب ووق��ائعهم وأي

ذاك علم ال ينفــع منالجاهلية وباألشعار العربي��ة، فق��ال )ص(: " علمه� وال يضر من جهله�، إنما العلم ثالثــة: آيــة م�حكمــة أو

نة قائمة، وما خالهن فهــو فضل .(1)(1)"فريضة عادلة، أو س�وما أكثر الفضول في أبحاثنا التاريخية والفلسفية واألصولية!

والشرط الثالث لنجاح العملية اإلحيائي��ة: أن ال نت��ورط- عن قص��د أو غير قصد- في عملي��ة تش��ويه ال��ذكرى وص��احبها، من خالل الق��راءة المشوهة للنهضة وأه��دافها، وإس��قاط الكث��ير من مس��بقاتنا الذهني��ة عليه��ا. ولع��ل أخط��ر عملي��ات التش��ويه ال��تي تعرض��ت له��ا الث��ورة الحس��ينية وشخص��ية اإلم��ام الحس��ين )ع(، هي محاول��ة تقزيمه��ا وحبس��ها في إط��ار ض��يق، بتص��وير اإلم��ام الحس��ين إمام��ا للش��يعة فحسب، بما يشكل إساءة إليه ومحاولة أخ��رى لقتل��ه؛ ألن الحس��ين )ع( فوق المذاهب، وه��و إم��ام للمس��لمين جميع��ا ولك��ل من يتطل��عللحرية. وقيم الثورة الحسينية عابرة لكل المذاهب واألطر الضيقة.

نة، فال وعلي أن أقولها صراحة: إن عاشوراء ال تح��يى في وج��ه الس�� المس��لم الس��ني الي��وم ه��و يزي��د، وال المس��لم الش��يعي الي��وم ه��و��ه مع��ني ني أن يش��عر أن الحس��ين )ع(. نعم، إن المطل��وب من الس�� بالحس��ين )ع( وثورت��ه، وعلي��ه أن يس��تفيد من دروس��ها، فعناوينه��ا بأجمعها ليست عناوين شيعية، بل عناوين إس��المية بامتي��از، كم��ا أن الشيعي معني هو اآلخر بإخراج عاشوراء من القمقم الطائفي ال��ذي حاول حبسها فيه من خالل مجموعة من األط��ر الض��يقة واألس��اليب

المنفرة التي تترافق مع عملية اإلحياء.

ج (1)(1) ص 1الكافي، ،32.

76

مسألة اإلحياء: الضوابط العامة-2 إذا ك���ان إحي���اء ذك���رى اإلم���ام الحس���ين )ع( أم���را ال ج���دال في��ه مشروعيته- على األقل لدى أتباع مدرس��ة أه��ل ال��بيت )ع(- ب��ل إن يبدو ملحا وضروريا، ال ألنه يعبر عن شكل من أش��كال التواص��ل م��ع اإلمام الرمز والمثل األعلى فحسب، وإنما ألن له��ذا اإلحي��اء وظيف��ة��ة، رسالية وتغييرية من خالل مساهمته الفعالة في التعبئة الجماهيري إال أن الجدل ك��ان وال ي��زال قائم��ا في بعض وس��ائل اإلحي��اء وم��دى مش��روعيتها أو ج��دوائيتها، وأعتق��د أن الح��ديث عن تل��ك الوس��ائل تفصيال يجب أن يسبقه حديث عن الضوابط واألص��ول ال��تي يف��ترض

أن تحكم وسائل اإلحياء.أ- قاعدة الشعائر الحسينية

��ه وأول ما يواجهنا على هذا الصعيد عنوان "الشعائر الحس��ينية"، فإنل في مض��مونه ودالالت��ه قاع��دة أساس��ية هام��ة يتح��دد عن��وان يمث

بموجبها األساس الشرعي لمسألة اإلحياء ووسائله المتنوعة.وقفة مع المصطلح

ربم��ا يتوق��ف البعض عن��د مص��طلح "الش��عائر الحس��ينية" ليتس��اءل مستغربا أو مستنكرا عن معنى كون الش��عائر حس��ينية، أي منس��وبة إلى اإلمام الحسين )ع(!؟ فإن الشعائر إنما تنتسب إلى الله سبحانه

عآئركم��ا ورد في قول��ه تع��الى: } فا والمــروة من شــ إن الصــ والب�دن جعلناها لك�م من[، وفي آية أخرى: }158{ ]البقرة:الله

[، وفي آية ثالثة: }36{ ]الحج:شعائر الله يا أيها الذين آمن�وا ال [. وعليه، فال مسوغ لنسبة الشعائر2{ ]المائدة:ت�حلوا شعآئر الله

إلى النبي )ص( فضال عن اإلمام )ع(!��ه أق��رب إلى اإلش��كال وفي اإلجاب��ة على ه��ذا االع��تراض نق��ول: إن اللفظي، ف��إن نس��بة الش��عيرة إلى اإلم��ام الحس��ين )ع( ال تن��افي نسبتها إلى الله، فهي م��ا دامت معتم��دة على حج��ة ش��رعية فيمكن نس��بتها إلى الل��ه س��بحانه، وأم��ا نس��بتها إلى اإلم��ام الحس��ين )ع(، فباعتبار ارتباطها المباشر ب��ذكراه وطريق��ة إحيائه��ا، أي أنه��ا تض��اف إلي��ه تمي��يزا له��ا عم��ا س��واها من الش��عائر، كم��ا يق��ال: "الش��عائر اإلسالمية" تمييزا لها عن الشعائر غير اإلسالمية، وهكذا قد تستخدم

77

عب��ارة "ش��عائر الم��ذهب" باالعتب��ار نفس��ه، ول��و أردن��ا الجم��ود علىره بلح��اظ م��ا ق��د المصطلح القرآني- وهو جمود قد يكون له ما ي��بر��ة في نس�بة الش�عائر إلى الل��ه- فاألنس�ب أن ال يبدو من عناية قرآني يستخدم مصطلح الشعائر منسوبا إلى غير الله مطلقا، بما في ذل��ك األديان واألنبي��اء، دون أن يختص ذل��ك بخص��وص النس��بة إلى اإلم��ام

الحسين )ع(.الشعائر والتوقيفية

أجل، ثمة إشكالية أخرى في المقام ترتبط بأصل استخدام مص��طلح الشعيرة م��ع ص��رف النظ��ر عن توص��يفها أو نس��بتها إلى غ��ير الل��ه، وحاصل اإلشكالية، أن إطالق تسمية الشعيرة على وسائل وأساليب إحي��اء ال��ذكرى، إن أري��د اس��تعماله كاص��طالح خ��اص أو بض��رب من المس��امحة والتج��وز، فال ض��ير في ذل��ك، وأم��ا إن أري��د ب��ه حقيق��ة الشعيرة، فهذا قد يثير أمامنا شبهة التوقيفية؛ ألن شعائر الل��ه- وهي كما تم تعريفها: أعالم دينه ومتعبداته التي أشعرها لعباده، أي جعله��ا أعالما لهم، كما هو حال المناس��ك والمس��اجد واألنبي��اء والرس��ل...-

أمور توقيفية، كما هي األحكام الشرعية والعبادات. وأما احتمال أن ال تكون الشعائر أمورا توقيفية كما ه��و ظ��اهر بعض

، م��ا يع��ني أن الش��عيرة يمكن تكونه��ا بعي��دا عن عص��ر(1)(1)الفقه��اء النص، فهو احتمال بعيد وال يساعد علي��ه ال��دليل؛ ألن ك��ون أم��ر من األمور شعيرة وعلما من أعالم الدين، ليس موكوال إلى الناس، بل ال بد من التنصيص على شعائريته من قبل الله سبحانه أو حجج��ه على العب��اد، وي��وحي ب��ذلك أن "الش��عائر" لم ت��أت في الق��رآن إال وهي مض��افة إلى الل��ه س��بحانه كم��ا أس��لفنا، ومن هن��ا وج��دنا أن الفقي��ه الكبير السيد الخ��وئي )رحم��ه الل��ه(، نفى "ش��عارية التطب��ير"، معلال

.(2)(2)ذلك بعدم النص على الشعارية��ه فال مفر إذا من االلتزام بتوقيفية الشعائر، ومعنى التوقيفية هن��ا، أن ال يمكن الحكم بشعائرية هذا العم��ل أو ذاك إال إذا ورد النص ب��ذلك.

يكون (1)(1) ربما بل شرعا، راجح األذان في الثالثة بالشهادة اإلتيان أن أكد الذي الحكيم، محسن السيد وهوشعائر – من معدودة العصور هذه في أصبحت ���� الثالثة الشهادة أعني ألنها وإنما الجزئية، بعنوان ال واجبا

( ." " ج الوثقى، العروة مستمسك التشيع رمز و ص 5اإليمان ،545.)ج (2)(2) الشرعية، ص 2المسائل ،337.

78

كما أنه وبمقتضى التوقيفية، ال بد من الجمود على المضمون ال��واردفي النص، وال يسمح بتجاوزه والتصرف فيه زيادة أو نقصا.

��ه يقض�ي ب�الجمود ولكن هذا األمر يخلق لنا مش�كلة في المق�ام؛ ألن على وسائل اإلحياء المنصوصة وع��دم إمكاني��ة تطويره��ا، فض��ال عن استحداث وسائل جديدة، فالنياحة- على سبيل المثال- وال��تي ك��انت تتم في زمن األئمة )ع( بطريقة خاصة، إذا اعتبرناها شعيرة، فالالزم اعتماد تلك الطريقة نفس�ها وع��دم تجاوزه��ا أو التص�رف فيه�ا، ف��إذا��ة الفص��حى ك��ان الن��ائح في ال��زمن الس��ابق ينش��د الش��عر بالعربي وبأسلوب فني معين، فال يص��ح للن��ائح الي��وم- انس��جاما م��ع توقيفي��ة�ة، فض�ال عن اس��تخدام لغ�ة الشعيرة- إنش�اد الش�عر باللهج�ة العامي

أخرى، وهكذا ال يجوز له تجاوز طريقة اإلنشاد.س��م به��ا والس��ؤال: كي��ف نوفق بين المرون��ة ال��تي يف��ترض أن تت المراسم ووسائل اإلحياء، األمر الذي ال ينسجم م��ع توقيفيته��ا، وبينة والعام��ة افتراض أنها ش��عائر كم�ا ه��و مش�هور على ألس�نة الخاص��

؟(1)(1)وكما نص على ذلك الفقهاءوالحقيقة أننا أمام خيارين:

إما نفي شعائرية تل��ك المراس��م، وه��و م��ا يفتح الب��اب واس��عا أم��ام التط��وير والتجدي��د المرج��و والمطل��وب، وإم��ا االل��تزام بش��عائريتها وتوقيفيته��ا، م��ا يع��ني الجم��ود على المنص��وص منه��ا وع��دم إتاح��ة

الفرصة أمام التطوير والتجديد.ر وال مفه��وم، ول��ذا لم ال سبيل إلى الثاني حتما؛ ألنه جمود غ��ير م��بر يلتزم به أحد على اإلطالق، وأما األول، ف��االلتزام ب��ه ق��د ال يث��ير في وجهن��ا كب��ير مش��كلة، ش��رط االل��تزام بمش��روعية وس��ائل اإلحي��اء

ومطلوبيتها. أجل، يمكننا القول وبكل تأكيد: إن الحسين )ع( نفس��ه- كم��ا األنبي��اء واألئم���ة )ع(- ش���عيرة وعلم من أعالم دين الل���ه، كم���ا أن ي���وم استشهاده هو يوم من أيام الله، ومسؤوليتنا أن نعظم تلك الش��عيرة

ذلــك ومن ي�عظمونبجل ذل��ك الي��وم، امتث��اال ألم��ر الل��ه تع��الى: }ل�ــوب وى الق� ا من تقــ [. والتعظيم32{ ]الحج:شعائر الله فإنهــ

الشأن (1)(1) بهذا استفتاء على له إجابة في الغطاء كاشف آل حسين محمد الشيخ كالم المثال سبيل على راجع : ص الحسينية، الشعائر حول الدين علماء فتاوى كتاب .68في الحسيني المنبر مؤسسة إعداد ،

79

له وسائله، ومنها النياحة أو مواكب العزاء أو اللطم، فه��ذه وأمثاله��امن أساليب تعظيم الشعيرة ال أنها الشعيرة عينها.

ه��ذا، وربم��ا يس��تخدم البعض في توص��يف ه��ذه األس��اليب مص��طلح الشعار، والشعارية- خالفا للشعائرية- مسألة متحركة ومرن��ة ويمكن تكونها بعد عصر النص، لكن صحة هذا االستخدام ال تخلو من تأم��ل؛ ألن الظ���اهر أن "الش���عار" "كالش���عيرة" في كون���ه من القض���ايا التوقيفية، وهذا ما أكد الس��يد الخ��وئي في كالم��ه المتق��دم. نعم، إن مص���طلح المراس���م الحس���ينية ال يث���ير أي تحفظ أو اع���تراض في

المقام.��ة عن المراس��م وربم�ا يت��وهم البعض أن نفي الش�عائرية أو التوقيفي العاشورائية يضعها مجددا تحت سؤال المشروعية من أساسها، كما��ة إلغائه��ا بذريع��ة ع��دم ويفتح الب��اب من جه��ة أخ��رى أم��ام إمكاني

توقيفيتها، إال أن هذا الكالم ال يصغى إليه: : ألن نفي الشعائرية ال يعني بوجه نفي المش��روعية، فم��ا أك��ثرأوال

األمور المشروعة والمسنونة وربما الواجبة، لكنها لم تصل إلى رتبة الشعارية، ولم تتعنون بعن��وان الش��عائرية، أليس��ت المضمض��ة قب��ل الوضوء مثال مسنونة، لكن هل يتخيل أحد أنه��ا ش��عيرة؟ وغ��ير خفي أن المراسم العاشورائية في الجملة قد ثبتت مشروعيتها، إما لتوفر

، أو(1)(1)نص خاص يؤكد ذلك، كما هو الحال في البك��اء والنياح��ة مثال الندراجها تحت عنوان عام ثابت المشروعية، كم��ا ل��و انطب��ق عليه��ا

عنوان اإلحياء أو تعظيم الشعائر. : وأما توهم أن نفي التوقيفية يفتح الباب أم��ام إلغ��اء المراس��مثانيا

أو تجميدها، فه��و زعم واه ج��دا؛ ألن غ��الب المراس��م المعروف��ة م��ا دامت مشروعيتها ثابتة بالدليل، فال موجب لرفع اليد عنها أو إلغائه��ا أو تجميدها، وال سيما بمالحظ�ة م�ا ه��و ظ��اهر النص�وص من العناي�ة ببعض تلك األس��اليب، م��ا ي��وحي بالخصوص��ية ال��تي ق��د تالمس ح��د��ة والوس��يلة، وه��ذا التوقيفية بلحاظ المقصد والجوهر، ال بلحاظ اآللي يع��ني أنن��ا في حقيق��ة األم��ر أم��ام خي��ار ث��الث- مغ��اير للخي��ارين

(1)(1) .) ( : الله رحمه األمين محسن للسيد المآتم إقامة على الالئم إقناع كتاب الصدد في راجع

80

��ة- أو لنق�ل ش��عائرية- المراس��م، وبين المتقدمين- يجم�ع بين توقيفيمرونتها، وهذا ما توضحه القاعدة الرابعة اآلتية.

ب- الشرعية: مالكها ومعيارها إن ما تقدم يقودنا إلى الحديث عن الضابط الثاني الذي ال بد من أن يت��وافر في وس��ائل اإلحي��اء وأس��اليبه، وه��و ش��رط المش��روعية،

والمشروعية في المقام ترتكز على عنصرين:��د ش��رعية ه��ذهأحدهما : أن يت��وفر ل��دينا دلي��ل خ��اص أو ع��ام يؤك

��ة الوسيلة أو تلك؛ ألن هذه الممارسات إنما ي��ؤتى به�ا كأعم��ال قربي ��ة وإال ذات بعد ومضمون عبادي، فال بد من ت��وفر دلي��ل على العبادي

وقعنا في شبهة التشريع المحرم واالبتداع في الدين. : أن ال ينطبق عليها عنوان يقتضي تحريمها، سواء بالعنوانوالثاني

األولي، كم��ا ه��و الح��ال في بعض وس��ائل إدم��اء الجس��د أو تع��ذيب النفس بما يترك ضررا بالغ��ا عليهم��ا، أو ب��العنوان الث��انوي، كم��ا في بعض أشكال التعبير العنيفة التي تبعث على الس��خرية أو االس��تهزاء مما يوجب الهتك والتوهين، فإن اإلنسان يحرم عليه القيام بك��ل م��ا يهين ب��ه نفس��ه من أفع��ال أو تص��رفات، فكي��ف إذا ك��انت ه��ذه

فات موجبة لهتك الخط الذي ينتمي إليه؟! التصر وهذا الشرط يبدو بديهيا وال يحتاج إلى دليل؛ ألن الغ��رض من إحي��اءب إليه، ومن الواضح أن ه��ذا ال يتحقق الذكرى هو إطاعة الله والتقرمة، فإنه ال يطاع الله من حيث يعصى، وال نقاش ألحد بالطرق المحر من العلم��اء في ه��ذا الش��رط من حيث المب��دأ، وإنم��ا الكالم في

الصغرى وتشخيص المصداق. وهكذا، فإن الشرعية تفرض علينا اجتناب األساليب المش��تبهة ال��تي يختلط فيها الحق بالباطل، والحالل ب��الحرام، وق��د ورد في الح��ديث عن اإلمام الصادق )ع(- وه��و يقيم أداء بعض أص��حابه في ح��وار دار

��ك " ��ه ق��ال ألح��دهم: إن تمزجبينهم وبين رج��ل من أه��ل الش��ام- أن(1)"الحق مع الباطل، وقليل الحق يكفي عن كثــير الباطل

، األمر الذي يعطينا قاعدة هام��ة في المق��ام مفاده��ا أن الغاي��ة ال(1)

ج (1)(1) ص 1الكافي، ،73.

81

ر الوسيلة، بل إن نظافة الغاية ونبل الهدف ال بد أن ينعكسا على تبرالوسيلة ذاتها.

وربم���ا يتح���دث بعض الفقه���اء عن أن دخ���ول الح���رام على بعضم نفس��ه، ال حرم��ة المراسم ال يقتض��ي س��وى حرم��ة العم��ل المح��ر المراسم رأسا، وهذا الكالم صحيح وعلى القاعدة، لكن في خصوص ما لو كان الح��رام عارض��ا أو طارئ��ا على وس��يلة اإلحي��اء، من قبي��ل��ه ال دخول بعض النس��اء غ��ير المتس��ترات على مج��الس الع��زاء، فإن��ه غ��ير س��ليم فيم��ا ل��و ك��انت يقتضي تحريم المجالس نفس��ها، ولكن الوسيلة عينها محرمة أو متضمنة للحرام، فإن ذلك يقتض��ي اجتنابه��ا

من األساس.مقاربة خاطئة

��ة هذا، على أن لن��ا أن نس��جل في المق��ام ونظ��ائره مالحظ��ة منهجي��ة حاص��لها، أن مقارب��ة الموق��ف من وس��ائل اإلحي��اء بطريق��ة فقهي��ة، وبعي��دا عن مالحظ��ة اله��دف من عملي��ة اإلحي��اء وص��رف مهني وبص��رف النظ��ر عن دور ه��ذه الوس��يلة أو تل��ك في تحقي��ق اله��دف��ة أو الس��لبية، والص��ورة ال��تي يمكن المذكور أو عن تأثيراتها اإليجابي أن ترسمها في ذهن المتلقي بشأن الخط الذي ينتمي إليه القائمون بهذه الممارسات، إن مقاربة الموقف بهذا الش��كل ليس��ت س��ديدة، ذلك ألننا في الوقت الذي نؤكد على عنص��ر الش��رعية وف��ق اآللي��ات الفقهية في كل وسائل اإلحياء التقليدية منها أو المستجدة، ن��رى أن��ة العام��ة م��ا من المهم ج��دا أن تمتل��ك ه��ذه الوس��ائل من المقبوليبس والقيل والقال، وأن تمتلك من الصدقية ما يجعلها يبعدها عن الل وسيلة حضارية تساهم في إيصال ص��وت الث��ورة الحس��ينية في ك��ل��ا لل��ذكرى، قيمها ودروسها إلى الرأي العام، م�ا يش��كل إحي��اء حقيقي ولذا فاألجدى، بل الضروري اجتناب كل األساليب الملتبسة والمثيرة

للجدل واالنقسام. ولنا أن نتساءل في المقام: أيكفي في اتخاذ عم��ل م��ا "ش��عيرة" أو ما ة مستمرة، أن ال يكون هذا العمل محر شعارا أو طريقة ثابتة وسن في ذاته حتى ل��و ك��ان غ��ير م��ألوف ل��دى العقالء، ب��ل مث��ار س��خرية واستهزاء؟ أال يف��ترض أن نفتش عن ج��دوى ه��ذا األس��لوب أو ذاك،

82

وعن فاعليته ومس��اهمته في تحقي��ق أه��داف اإلحي��اء قب��ل اعتم��اده كطريقة دائمة في عملية اإلحياء؟ وهل أن اإلحياء هو أم��ر اعتب��اطي ال هدف له؟ حاشا أن يك��ون األم��ر ك��ذلك، أو أن ي��دعو اإلس��الم إلى

شيء من هذا القبيل! إن مسألة اإلحياء لو كانت شأنا شخصيا يمارسه الشخص فيم��ا بين��ه وبين نفسه لهان األمر، أما عندما تكون وسيلة تعبير عام��ة، وتحم��ل مضمونا شعاريا أو شكال شعائريا، كما هو الحال في جل، إن لم نقل كل أساليب اإلحياء، فال يكفي والحال هذه التذرع بعدم ال��دليل على الحرمة وبالتالي اإلفتاء بالحلية، من دون أن تؤخذ باالعتبار التأثيرات واالنطباع��ات ال��تي يتركه��ا ه��ذا األس��لوب أو ذاك في ذهن المتلقي، ومن دون أن يالح��ظ م��دى مس��اهمة ه��ذا األس��لوب في تحقي��ق

األهداف المبتغاة من عملية اإلحياء. فوسائل أو أساليب من قبيل اإلدماء والمشي على الجمر أو المشي مشية بعض الحيوانات أمام المراقد المطه��رة للمعص��ومين، وهك��ذا تلطيخ الوج��وه وال��رؤوس ب��ل األجس��اد كله��ا بالوح��ل وال��تراب كم��ا

، ال يكفي مقاربتها بلغة الحالل والح��رام(1)(1)يحصل في بعض البلدانفحسب، بل ال بد من أن يالحظ فيها ما ذكرناه.

وبعبارة أكثر دقة: إن مقاربة الموقف فقهيا من هذه الممارس��ات، ال��ة نفس��ها، ب��النظر إليه��ا في يكتفى في��ه، حتى طبق��ا للمع��ايير الفقهي ذاتها، ومع صرف النظر عما يكتنفها من ردود األفعال، وما قد تتركه من انطباع��ات س�لبية عن الجماع��ة والخ��ط الفك�ري ال�ذي تلتزم�ه. ومن هنا انبثقت فكرة العنوان الث��انوي ال��ذي يقض��ي برف��ع الي��د عن الحكم األولي لألفع��ال والتص�رفات، وحيث إن ه�ذه الممارس�ات، أو بعضها على األقل، موجبة للهتك والتوهين، فالالزم اجتنابه��ا حتى ل��و

سلمنا بأنها مباحة بالعنوان األولي.المشروعية والنوايا الحسنة

ضح مما تقدم أن معيار المشروعية متقوم بأمرين، وهما: ات : توفر دليل يؤكد الشرعية.أوال

ج (1)(1) المروج، الجزائري جعفر محمد للسيد الدراية، منتهى ص 6راجع ،640.

83

: ع��دم وج��ود م��ا ي��دل على الحرم��ة س��واء ب��العنوان األولي أوثانيابالعنوان الثانوي.

ضح أنه ال يكفي في اعتماد وسيلة معينة كطريق��ة وفي ضوء ذلك، يت أو سنة متبعة في إحياء المناسبات، مجرد حسن النية ل��دى اآلخ��ذين بهذه الوسيلة، فإن حسن النية ليس معيارا للحلية واإلباح��ة، كم��ا أن

سوءها ليس دليال على الحرمة. ومن هنا يظهر وجه التحفظ على كالم العالمة الشيخ محم��د حس��ين��ة آل كاشف الغطاء، حيث يل��وح، ب��ل يظه��ر من��ه رب��ط الش��رعية بني الشخص، ولننقل كالمه أوال، ثم نسجل تحفظنا علي��ه، يق��ول )رحم��ه

الله(:��ات المتداول��ة في ه��ذه "مسألة لطم الصدور ونح��و ذل��ك من الكيفي األزمنة، كالض��رب بالسالس��ل والس��يوف وأمث��ال ذل��ك، إن أردن��ا أن��ة والص��ناعة نتكلم فيه��ا على حس��ب م��ا تقتض��يه القواع��د الفقهي المقررة الستنباط األحكام الش��رعية، فال تس��اعدنا إال على الحرم��ة،ص للعموم��ات ��ه ال مخص�� وال يمكننا إال الفتوى ب��المنع والتح��ريم، فإن األولية والقواعد الكلية من حرمة اإلضرار وإيذاء النفس وإلقائها في التهلكة، وال دليل لنا يخرجنا عنها في المق��ام"، ثم يق��ول مس��تدركا: "إن حق األمر وحقيقة هذه المسألة إنما عن��د الل��ه ج��ل وعال، ولكن ه��ذه األعم��ال واألفع��ال إن ص��درت من المكل��ف بطريق��ة العش��ق��ة والوالي��ة ألبي عب��د الل��ه )ع( على نح��و الحقيق��ة الحس��يني والمحب والطريقة المستقيمة، وانبعثت من اح��تراق الف��ؤاد واش��تعال ن��يران األحزان في األكباد بحيث تك��ون خالي��ة وم��برأة من جمي��ع الش��وائب والتظاهرات واألغراض النفسانية، فال يبعد أن يكون جائزا، بل يكون

حينئذ من القربات وأجل العبادات...". وفي الختام يقول: "وأغلب األش��خاص ال��ذين يرتكب��ون ه��ذه األم��ور�ات، ال ي�أتون به�ا إال من ب�اب التظ�اهر والم�راءاة والتحام�ل والكيفي والمداجاة، مع أن هذا المعنى بغير القصد الصحيح والنية الص��ادقة ال

.(1)(1)يخلو من إشكال بل حرام..."

ص (1)(1) األعلى، .19����22الفردوس

84

أقول: إن ما ذكره )رحمه الله( بشأن حرمة األعمال المذكورة طبقا��ه إذا لم يكن للقاعدة صحيح، م��ع تحف��ظ في قض��ية اللطم، حيث إن عنيفا جدا ومؤذيا للجسد، فال وجه لتحريمه استنادا إلى قاعدة حرمة

اإلضرار بالنفس. إال أن المالحظ��ة األساس��ية على كالم��ه، هي في اس��تدراكه وإثبات��هفات والممارس��ات في ح��ال ��ة جمي��ع تل��ك التص��ر إباح��ة ب��ل عباديق لمص��اب أه��ل ال��بيت )ع(، ف��إن ه��ذا ص��دورها عن قلب متح��ر االستدراك مما لم يتضح له وجه صحيح يوجب رفع اليد عن القاع��دة األولية أو تخصيصها، فإن ما دل على حرمة اإلضرار بالنفس مطل��قفات بقلب متفجع، كم��ا ه��و ش��امل وشامل لحالة صدور هذه التص��ر لحالة صدورها بقلب مراء ومخ��ادع، وإن ك��ان الث��اني أش��د تحريم��ا، وهك��ذا الح��ال في العن��اوين الثانوي��ة، كعن��وان الهت��ك والت��وهين، فال

تغيرها نوايا األشخاص على اختالفها. وبعبارة أخرى: إن ض�رب القام�ة بالس�يف- مثال- ال يخ��رج عن كون�ه��ة فاعل��ه اإلتي��ان ب��ه قرب��ة إضرارا بالنفس، أو موجبا للهتك بمجرد ني إلى الله تعالى، أو قصده التفجع على ما أصاب أهل البيت )ع(، كم��ا��ة أنه ال مخرج ل��ه عن حكم اإلض��رار ب��النفس، فمج��رد التفج��ع أو ني القرب��ة ال يخ��رج "التطب��ير" عن موض��وع اإلض��رار ب��النفس وال عن حكمه، بل ربما كان اإلتيان ب��ه ب��داعي القرب��ة وقص��د العبادي��ة أش��د��دع وج��ود دلي��ل خ��اص يقض��ي إشكاال بسبب شبهة االبتداع، م��ا لم ي برف��ع الي��د عن القواع��د وتقيي��د مطلقاته��ا أو تخص��يص عموماته��ا، ومجرد النية الحسنة ال يصلح دليال للتقييد، أال ت��رى أن أخ��ذ اإلنس��ان مال غيره ب��دون اس��تئذان به��دف ص��رفه في وج��وه الخ��ير ال يخ��رج

ما وربما مصداقا للسرقة الموجبة للحد. فعله عن كونه عمال محر ولهذا، فالقائل بجواز تلك التصرفات هو أمام خي��ارين ال ث�الث لهم��ا:��ر لتل��ك إما أن يأتي بدليل يقضي برفع اليد عن تلك القواعد، أو يتنك القواعد من أص��لها، م��ا يكفي��ه مؤن��ة التقيي��د، والمتأم��ل في كلم��ات الفقه��اء المج��وزين لتل��ك الممارس��ات، يالح��ظ أنهم: بين من أنك��ر تمامية تلك القواعد، معت��برا أن اإلض�رار ب��النفس ليس محرم��ا على إطالق��ه، ب��ل في خص��وص م��ا ل��و ك��ان مص��داقا إللق��اء النفس في

85

��د لتل��ك التهلك��ة أو م�ا يق��رب من ذل�ك، وبين من ادعى وج�ود المقيالقواعد، أو ادعى األمرين معا.

��ا ثالث��ا ه��و األق��رب إلى الص��حة، ي��رى أن تل��ك لكن ثم��ة رأي��ا فقهي القواعد تامة في نفسها وال دليل تاما على تخصيصها أو تقيي��دها، وال بد من متابعة ذلك بالتفصيل في الحديث عن آحاد تل��ك الممارس��ات

مما يأتي الحديث عنه.ج- المبادئ والوسائل

ومن القواعد التي يمكن الحديث عنها في مسألة اإلحي��اء، م��ا يمكن أن نطلق عليها: "قاع��دة ض��رورة التمي��يز بين المب��ادئ والوس��ائل"،

فإن عملية اإلحياء ترتكز على نوعين من العناصر: العناصر الجوهرية الثابتة، وهذه نسميها: المبادئ، والعناص��ر المرن��ة المتحركة وهذه نسميها: الوسائل، ولهذه القاع��دة أمثل��ة عدي��دة في المف��اهيم أو األحك��ام اإلس��المية، من قبي��ل قض��ية إع��داد الق��وة في

امواجه��ة األع��داء الم��أمور ب��ه في قول��ه تع��الى: } م م وأعدوا له�ــل ــاط الخي ب ة ومن ر ــو [، ف��إن60{ ]األنف��ال:استطعت�م من ق�

إعداد القوة هو مبدأ يمتلك ثبات��ا في العن��وان ومرون��ة في التط��بيق، باعتبار أن وسائل القوة متحركة ومرن��ة، م��ا يجعله��ا تس��تجيب لك��ل عناصر القوة المستجدة، وال يتخيل أحد ضرورة الجمود على مس�ألة

"رباط الخيل"، لوضوح أنها مجرد وسيلة وال خصوصية لها.رة ب��المعروف" ال��وارد في مس��ألة وهكذا الح��ال في عن��وان "العش��

نالتعام��ل م��ع الزوج��ة مم��ا ج��اء في قول��ه تع��الى: } وه� ر� وعاشــوف ــالمعر� [، ف��إن مب��دأ العش��رة يمتل��ك ثبات��ا في19{ ]النس��اء:ب

العنوان، ومرونة وحركية في التطبيق. وفي المقام، فإن مس��ألة اإلحي��اء مطلوب��ة وض��رورية، انس��جاما م��ع

" فتن��درج في ع��دادأحيــوا أمرنادعوة األئمة من أهل البيت )ع(: " المبادئ الثابتة، وأما وسائله وآلياته وطرق��ه، فإنه��ا متحرك��ة وتمل��ك حظا كبيرا من المرونة. وعلي��ه، فباإلمك��ان اق��تراح أس��اليب إحيائي��ة جدي��دة مس��تمدة من وحي العص��ر وثقافت��ه ووس��ائله الحديث��ة فية والرواي��ة، أو أس��لوب التعب��ير والخط��اب، من قبي��ل أس��لوب القص�� التصوير التمثيلي الفني، ونحو ذلك من الوسائل الجديدة التي يمتلك

86

��ة بعض��ها من الت��أثير م��ا يجعله��ا أبل��غ وأوق��ع من الوس��ائل التقليدي المتوارثة، ولعل ما س��تأتي اإلش��ارة إلي��ه من ض��رورة االجتن��اب عن الوسائل المثيرة لالستهجان، والتي تعطي انطباعا س��لبيا مهين��ا، ه��و مؤشر واضح على ضرورة مراعاة العصر وانطباعات المتلقي ومدى قبوله أو تنفره من الوسيلة المعتمدة في اإلحياء، األم��ر ال��ذي يع��ني أن علين��ا أن ال نجم��د على الوس��ائل لتغ��دو مطلوب��ة في ذاته��ا م��ع صرف النظر عن وظيفتها وأهدافها، ب��ل ال ب��د من أن تبقى الوس��يلة في خط الهدف، متفاعلة معه، وال تجوز التضحية بالهدف أو تض��ييعه حفاظ��ا على الوس��يلة، وإال فنك��ون ممن ض��يع الج��وهر حرص��ا علىك بالشكل على حساب المضمون، وهذا في الحقيقة المظهر، وتمسغ��وا م��ا وقعت في��ه الغالبي��ة العظمى من أتب��اع األدي��ان، عن��دما فر العبادات من مضمونها الروحي والرسالي، وحولوها م��ع ال��وقت إلى

مجرد طقوس شكلية جوفاء. إن قاعدة التمييز بين المبادئ والوسائل لن ترفع الخلط بين الث��ابت والمتغير، وتفسح في المج��ال أم��ام إمكاني��ة التط��وير والتجدي��د في الوسائل فحسب، بل يفترض أن تساهم أيض��ا في تخفي��ف المع��ارك الهامشية التي تعتمد لغة التشهير والتض��ليل لمج��رد االختالف ح��ول��ه ليس من ��ة ه��ذه الوس��يلة أو تل��ك أو ع��دم ج��دوائيتها؛ ألن جدوائي��ه ال م��برر ش��رعي ل��ذلك- مع��اداة أو الحكمة في شيء- فضال عن أن تض��ليل من ين��اقش في ج��دوى ه��ذه الوس��يلة أو تل��ك م��ع إق��راره

بالمبدأ.د- ضرورة العاطفة في استمرار قيم الثورة

��ز من القواعد الهامة أو األسس التي ال بد من أن تدرس بعناية ويرك عليه���ا في المق���ام، مس���ألة دور العاطف���ة في إحي���اء المناس���بات التاريخية، وعلى رأسها ذكرى عاشوراء، إذ قد ال يبالغ المرء بالقول:�ة الث�ورة الحس�ينية وتفاع��ل إن من أهم العوامل في استمرار فاعلي��ه الجمهور معها، رغم مرور ما يقارب األربعة عشر قرنا عليها، هو أن تضج بعناصر المأساة والمشاهد العاطفية ال��تي ته��ز القلب وتالمس الش�عور وتح��رك الوج��دان اإلنس�اني، والحقيق�ة أن األئم��ة من أه��ل البيت )ع( هم من خطط لربط القضية الحسينية بالعاطفة، فهم أول

87

من أنش��أ مج��الس الرث��اء، وجلس��وا يس��تمعون إلى الش��عراء ال��ذينوا علي��ه. أوا ك��ل األج��واء للبك��اء وحث يرثون اإلمام الحس��ين )ع(، وهي��ه ليس من الص��حيح إبع��اد العاطف��ة عن وفيم��ا أرى وأعتق��د، فإن أس��اليب إحي��اء ال��ذكرى الحس��ينية؛ ألن ذل��ك س��ر فاعليته��ا وقوته��ا

التعبوية والفكرية كما سيتضح.الب�عد العاطفي، هل هو ثابت أو متغير؟

ولكن الس��ؤال ال��ذي يف��رض نفس��ه في المق��ام ه��و: أن المنحى العاطفي الوجداني في إحياء الذكرى، وهو الطاغي على كل وسائل اإلحي��اء المتعارف��ة، ه��ل ه��و من المب��ادئ الثابت��ة أو من الوس��ائل المتحركة؟ وإذا ك��ان مج��رد وس��يلة، فلم ال يمكن اعتم��اد وس��ائل أو��ة تأخ��ذ بأس��لوب الف��رح مثال في إحي��اء ال��ذكرى؟ أو مراسم احتفالي على األقل، لماذا ال تتم استعادة المناسبة بطريقة احتفالي��ة تس�تلهم��ة ال��دروس بعي��دا عن أس��لوب اإلث��ارة العاطفي��ة والطريق��ة البكائي

المشجية؟ وربما يذهب البعض أبعد من ذلك، عن��دما يس��تنكر اعتم��اد الوس��ائل المفجعة كالنياحة ومواكب العزاء واللطم وغير ذلك، على اعتب��ار أن هذه األفعال كانت رد فع��ل ع��نيف اتخ��ذت أس��لوب جل��د ال��ذات في محاولة للتكفير عن الذنب عقيب شعور جم��اعي بالن��دم تمل��ك أه��ل

.(1)(1)الكوفة بسبب تقاعسهم عن نصرة اإلمام الحسين )ع(وفي اإلجابة عن هذه التساؤالت المشروعة نقول:

إن المتأمل في النصوص الواردة في سياق الحث على إحياء ذك��رى اإلم��ام الش��هيد أبي عب��د الل��ه الحس��ين )ع(، يلح��ظ- كم��ا أش��رنا-زا يه��دف إلى رب��ط القض��ية الحس��ينية تخطيطا واعي��ا واهتمام��ا مرك بالج��انب الع��اطفي الش��عوري في طريق��ة التفاع��ل معه��ا، وتعت��بر نصوص البكاء على الحس�ين )ع( والح�زن لمص�ابه خ�ير ش�اهد على ذلك، إال أن تأكيد وسائل معينة في إحياء الذكرى بطريق��ة وجداني��ة، ال ينبغي أن يفهم خطأ على أنه دعوة إلى الجمود على تلك الوسائل بما يمنع من تطوير األساليب القديمة أو اس��تحداث أس��اليب جدي��دة في اإلحي��اء؛ ألن ه��ذه النص��وص ال يس��تفاد منه��ا خصوص��ية له��ذه

ج (1)(1) الشيعية، المعارف دائرة ص 1راجع ،427.

88

��ة الوسيلة أو تلك بقدر ما يستفاد منها تأكيد العاطفة كمبدأ في عملي اإلحياء. أما التعبير عن العاطفة، فله وس��ائله المختلف��ة والمتحرك��ة،

والتي تختلف باختالف الظروف واألمكنة واألزمنة. وأعتقد أن السر في اعتماد المنحى العاطفي في اس��تعادة ال��ذكرى وإحيائها، هو أن الحدث العاشورائي إذا ما ج��رد من البع��د الع��اطفي��ة، وأص��بح الوجداني، فقد فاعليته وقدرته التعبوية ووظيفت��ه التغييريد حدث ت��اريخي كس��ائر األح��داث التاريخي��ة، والحقيق��ة أن ه��ذا مجر المع��نى ليس حك��را على الح��دث العاش��ورائي، ب��ل "إن القض��ية الحس��ينية كالقض��ية اإلس��المية، ال ب��د من أن ي��تزاوج فيه��ا العق��ل والعاطفة، وال بد من أن ي��تزاوج فيه��ا اإليم��ان والحس، وكم��ا نحت��اج إلى ال��براهين العلمي��ة لتنمي��ة األفك��ار في عقولن��ا، فإنن��ا نحت��اج إلى األس���اليب العاطفي���ة من أج���ل تعمي���ق العاطف���ة في إحساس���نا ومشاعرنا"، كما يقول سماحة العالم��ة المرج��ع، الس��يد فض��ل الل��ه

)رضوان الله عليه(. ومن هنا يمكننا الق��ول: إن المنحى الع��اطفي في إحي��اء المناس��بات التاريخية، وعلى رأس��ها ذك��رى اإلم��ام الحس��ين )ع(، لم ينطل��ق من�ه مجرد انفعال إنساني طبيعي أم�ام ه�ول المأس��اة فحس�ب، ب�ل إن انطلق من تخطي��ط واع وم��دروس من قب��ل األئم��ة من أه��ل ال��بيت )ع(، أراد للمناسبة أن تكون محطة تغيير، وهذا قد ال يكون ميس��ورا إال إذا دخلن��ا إلى القض��ية من ب��اب القلب باعتب��اره مفتاح��ا للعق��ل، فيتكامل الوجدان مع البرهان بما يساهم في حصول عملي��ة التغي��ير

لدى اإلنسان.فات باعتباره��ا جل��دا لل��ذات في محاول��ة وأم��ا تفس��ير بعض التص��ر للتكفير عن ال��ذنب، فنق��ول في التعلي��ق علي��ه: إن ه��ذه التص��رفات على نح��وين: فهن��اك التعب��يرات الحزين��ة من قبي��ل البك��اء أو اللطم بصورته العفوية والتلقائية، وهذه، فضال عن كونه��ا تعب��يرات إنس��انية عامة ينطلق بها اإلنسان عند ت��أثره بح��دث جل��ل، ق��د ورد النص في الحث عليها، ما يجعل ذلك سر انتشارها، وهناك التعب��يرات العنيف��ة، والتي تظهر بصورة جلد لل��ذات ك��التطبير ونح��وه، وه��ذه، فض��ال عن التشكيك في شرعيتها، فإنها قد حدثت في زمن متأخر بع��دة ق��رون

89

��رجح البعض أنه��ا ج��اءت من خ��ارج الفض��اء عن واقع��ة ك��ربالء، وياإلسالمي كما سنذكر الحقا.

أساليب التعبير عن العاطفة وعن��دما ن��أتي إلى أس��اليب التعب��ير عن العاطف��ة، نج��د أن هنال��ك أساليب إنسانية عامة، كالبكاء الذي يمثل تعبيرا إنسانيا عن الح��زن، واللطم العفوي الذي يوحي بالتأثر بالمصيبة، ومن الطبيعي أن يقرر اإلسالم هذه األساليب اإلنسانية انطالق��ا من انس��جامه- في تعاليم��ه وأحكامه- مع الفطرة البشرية، ولذلك كان النبي محم��د )ص( رقي��ق القلب، غزير الدمعة في المصائب، وقد قال )ص( عندما فق��د ول��ده

تدمع العين، ويحزن القلب، وال نقول مــا ي�ســخطإبراهيم: ".(1)(1)"الرب

ولكن ثمة وسائل أخرى إلحياء الذكرى الحسينية شاعت في األزمنة المتأخرة، وثار معها ج��دل واس��ع ح��ول مش��روعيتها وانس��جامها م��ع الخط اإلسالمي من جهة، وحول مدى مساهمتها في خدم��ة النهض��ة الحسينية وتعميم قيمها من جهة أخرى. كما أن ثمة وسائل أخ��رى ال شك في ش��رعيتها وج��دوائيتها، لكن ق��د تك��ون تعرض��ت لش��يء منن��ا التشويه، أو دخلها شيء من التحريف، كما سنالحظ فيما يأتي، وإن نعتقد أن ذلك من مظاهر الغلو الع��اطفي، ه��ذا الغل��و ال��ذي انعكس سلبا ليس على وس��ائل إحي��اء ال�ذكرى فحس�ب، ب�ل على الخط��اب العاشورائي برمته، وعلى قراءة الح��دث العاش��ورائي وعلى العالق��ةمع صانعي النهضة الحسينية ورموزها كما ستأتي اإلشارة إليه الحقا.

عينات من وسائل اإلحياء-3 وفيما يأتي، نع��رض ثالث��ة نم��اذج من وس��ائل اإلحي��اء المنتش��رة بين الناس، والنموذج األول منها، وهو التطبير ه��و نم��وذج ملتبس ومث��ير للجدل ومش��كوك في ش��رعيته، والنموذج��ان الث��اني والث��الث وهم��ا الزيارة والخطابة هما نموذجان مش��روعان وف��اعالن، وإن البس��تهما أو شابتهما بعض التشويهات أو التصرفات الخاطئة أو المحرمة، مما

يحتاج إلى إصالح وتهذيب، وفيما يلي نتطرق إلى هذه النماذج:

ج (1)(1) ص 3الكافي، ،263.

90

)*()*(أ ـــ ضرب القامة بالسيف

ــوذج األول: بع��ة في إحي��اءالنم لع��ل من أغ��رب الوس��ائل المت الذكريات الدينية تلك الوسيلة أو الطريقة ال��تي يعتم��دها البعض في إحياء ذكرى شهادة اإلمام الحسين )ع( والمتمثل��ة بض��رب ال��رؤوس بالس��يوف، وه��و العم��ل ال��ذي اص��طلح علي��ه في بعض األوس��اط ب��

، فماذا عن شرعية هذه الوس��يلة؟ وم��تى جاءتن��ا ومن(1)(1)"التطبير"أين؟ وما هي مبررات المدافعين عنها؟ وهل هي مبررات مقبولة؟

في المقابل، ما هو مستند المعارضين لها وحجتهم في رفضها؟ ه��ذاما نحاول تسليط الضوء عليه فيما يأتي:

عادة حادثة ودخيلة إن لم يكن من الواضح عندنا بشكل تفصيلي متى وكيف نشأت هذهة؟ إال أنه العادة؟ ومن هو أول من قام بهذا العمل أو سن هذه السن من المؤكد أنه��ا ع��ادة مس��تحدثة ولم تكن في عص��ر الن��بي)ص( وال األئمة من أهل البيت )ع(، ولم ترد أية إشارة في شأنها، ال في كتب الحديث والروايات، وال في كتب التاريخ وال في غيرها من المص��ادر، وذل��ك ب��الرغم من ت��وفر ال��دواعي لنق��ل مث��ل ه��ذا التص��رف، ليس بسبب غرابته فحسب، بل وبسبب منافاته للتعاليم اإلسالمية اآلم��رة بالص��بر على المص��ائب والناهي��ة عن الج��زع وخمش الوج��وه وش��ق

الجيوب عند المصيبة. وهكذا لم يعهد ولم ينقل حدوث مثل ه��ذا التص��رف فيم��ا تال عص��ر األئمة )ع( من قرون؛ ألن ما نقله بعض الم��ؤرخين- ك��المقريزي في خططه، وأبي الفداء في تاريخه- عن مظاهر االحتفال بعاشوراء في

.(2)(2)العصر الفاطمي والبويهي، ليس فيه إشارة إلى هذه العادة يق��ول الس��يد محس��ن األمين: "ولم ينق��ل ناق��ل أن أح��دا فعله��ا من عوام الش��يعة، وال أن أح��دا أجازه��ا من علم�ائهم في األعص��ار ال��تي كانت ملوك البالد اإلسالمية فيه��ا كله��ا ش��يعة"، وي��ذكر الس��يد مث��اال

مكتب )*()*( عن الصادرة بينات، جريدة في ونشر الزمن من عقد قبل كتب قد بالتطبير المرتبط البحث هذا إن.) الله ) رحمه الله فضل حسين محمد السيد الراحل المرجع

(1)(1) : والكلمتان " السالح، من الفأس والطبرزين الطبر فإن الفارسية، اللغة من مأخوذ الكلمة أصلاللغة" ) في المنجد ، ج 459فارسيتان الوسيط، المعجم في ما ونحوه ص 2، ،555 .)

ج (2)(2) الحسني، معروف هاشم للسيد عشر، االثني األئمة سيرة في كلماتهما ص 2راجع ،107.

91

على تل��ك ال��دول: دول��ة الف��اطميين والحم��دانيين والبويه��يين، ثم يضيف: "مع ما كان عليه بنو بويه من التشدد في نشر إقامة العزاء، حتى ك��انت في زم��انهم تعط��ل األس��واق في بغ��داد ي��وم عاش��وراء،

.(3)(3)وتقام مراسم العزاء في الطرقات" وي��رجح الكث��ير من العلم��اء والب��احثين أن تك��ون ه��ذه الع��ادة ق��د تسربت إلى الفضاء اإلسالمي الشيعي من خارجه، وتبرز أمامنا عدة آراء في تحديد المنشأ والمصدر األس��اس له��ا، فبينم��ا ي��رجح الس��يد هاشم معروف الحسني أن تكون هذه العادة ال��تي وص��فها بالدخيل��ة والتي ال يقرها الشرع قد تسربت إلى بعض األقطار بع��د أن حكمه��ا

، ف��إن الش��هيد مطه��ري ي��ذهب إلى(1)(1)الشيعة من الهنود الق��دامى "أن الطبل والتطبير عادات ومراسم جاءتن��ا من أرث��وذكس القفق��از

.(2)(2)وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم" أما عن ظهورها في جبل عامل، فيقول السيد محس��ن األمين: "ولم تكن هذه األعمال معروفة في جبل عام��ل، وال نق��ل أن أح��دا فعله��ا فيه، وإنما أحدثها فيه في ه��ذا العص��ر بعض ع��وام الغرب��اء، وس��اعد على ترويجها بعض من يرتزق بها، ولم ينقل عن أحد من علماء جبل

.(3)(3)عامل أنه أذن فيها أو أمر بها في عصر من األعصار..." أجل، ثمة إشارة بالغة الداللة أشار إليها محمد بن طولون الص��الحي

ه���، حيث907الدمشقي في كتابه "إعالم الورى"، في أحداث سنة قال ما نصه:

"في يوم عاشوراء، اجتمع جماعة من األوباش واألعجام والقلندري��ة بدمشق، وأظهروا قاع��دة ال��روافض من إدم��اء الوج��وه وغ��ير ذل��ك، وقام عليهم بعض الناس، وترافع��وا إلى ن�ائب الغيب��ة )وكي��ل ال��والي)أثناء غيابه( المذكور، فنصر أهل البدعة وشوش على القائم عليهم"

4)(4). صحيح أن ه��ذا النص يتح��دث عن إدم��اء الوج��وه ال ال��رؤوس، إال أن ذل��ك ال يقلل من داللت��ه على أن قض��ية اإلدم��اء ك��انت منتش��رة في

ص (3)(3) .31التنزيه،ص (1)(1) الثورة، وحي .167من(2)(2) ) ( : ص والدافعة الجاذبة قوتيه في ع علي اإلمام كتاب .165راجعص (3)(3) .30التنزيه،ج (4)(4) الشيعية، المعارف دائرة عن ص 7نقال ،432.

92

بعض األوساط في بداية القرن العاشر وربما فيما س��بقه، وال س��يما بمالحظ��ه قول��ه: وأظه��روا "قاع��دة ال��روافض" ال��تي تش��ير إلى أن قضية إدماء الوجه كانت معروف��ة عن��د من أس��ماهم ابن طول��ون ب��

"الروافض" وهو مصطلح ينبز به الشيعة كما هو معروف. ولكن هذا النص ال يثبت امتداد هذه العادة إلى ما قبل القرن التاسع��ه ال ي��دل على فضال عن اتص��الها ب��زمن األئم��ة )ع( كم��ا ال يخفى، أن

شرعية هذا التصرف كما هو واضح.

التطبير وخدمة القضية!متصلة وغير طارئة العادة هذه كون من تقدم ما ضوء في

ب��زمن المعص��ومين، يك��ون من الض��روري أن نط��ل على الوج��وه والمستندات التي تمسك بها المدافعون عنها، لنالحظ مدى تماميته��ا

وهل هي كفيلة بإثبات شرعيتها. ولكن قبل ذلك يجدر بنا هنا أن ننبه إلى قضية في غاية األهمية، كن��ا قد أشرنا إليها سابقا وهي أنه عندما نريد أن نحول عمال ما إلى سنة ن�واظب عليه��ا ونهتم به��ا ونعتم�دها في إحي��اء ال��ذكرى الحس��ينية أو غيرها من المناسبات، ونخرج بها إلى الرأي الع��ام، ف��إن علين��ا أن ال نقتصر في تقييمها على السؤال عن مدى إباحته��ا ب��المعنى الفقهي، بل يجدر بنا أن نسأل عن م��دى مس��اهمة ه��ذه الوس��يلة في خدم��ة القضية التي نتبناها ونؤمن به��ا، والخ��ط ال��ذي ننتمي إلي��ه، وه��ذا م��ا علينا أن نعرفه فيما يرتبط بع��ادة التطب��ير، إن لجه��ة مس��اهمتها في التعري�ف بأئم��ة أه��ل ال�بيت)ع( وإيص��ال فك��رهم إلى اآلخ��رين وفتح قلوب الناس عليهم، أو- على األقل- لجهة تأثيرها في تهذيب نف�وس الذين يقومون بهذا العمل، وه��و ض��رب رؤوس��هم بالس��يف ويحي��ون عاشوراء بهذه الطريقة الدموية، فهل يستطيع الم��دافعون عن ه��ذه

العادة أن يذكروا لنا مدى مساهمتها في تحقيق هذه األهداف؟ أوليس جرح الرؤوس بالسيوف، ثم ضربها باألكف حتى ي��نزف ال��دم ويمأل الوجه والرأس واليدين ويلطخ الثياب كله�ا، يع��د مش�هدا منفرا لآلخرين، ومثيرا لدهشتهم وتعجبهم، كما أنه مفزع لألطفال ومرعب

93

للنساء، وبالتالي يكون االستمرار في هذا العمل مس��اهما في إغالق قلوب الناس عن التعرف على مدرسة أهل ال��بيت )ع( تحت عن��وان إحياء ذكرهم؟! وبعبارة أخرى : نك��ون به��ذا العم��ل ق��د س��اهمنا من

حيث ال نشعر في إماتة ذكرهم بدل أن نحييه وننشره!.دعوة إلى المدافعين عن التطبير

ودعونا نتحدث بلغ��ة األرق��ام واإلحص��اءات، ونتجنب لغ��ة التهوي��ل أو التخوين، أو اتهام المتمسكين بالتطبير والمدافعين عنه في نواياهم، كما قد يفعل بعضهم عندما يتهمون المعارض��ين لهم بالتقص��ير بح��ق أهل البيت )ع(، ونحن عندما ال نتهمهم فألنه ال يحق لنا ذل��ك، كم��ا ال يحق لهم ذلك أيضا، بل دعوني أقول: إننا ال نشك بانتفاء نية اإلساءة أو قصد التشويه عند معظم هؤالء، وحرص الكثيرين منهم على نشر فكر أهل البيت)ع(، لكن من جهتنا، فإنن��ا نختل��ف معهم، ليس فق��ط في شرعية هذا العمل، بل في تقييم الفائدة المرج��وة من��ه، إذ نحن��ه عم��ل يس��يء إلى مدرس��ة إه��ل ال��بيت )ع( على قناع��ة تام��ة بأن

وأتباعهم .��ة ولكي نك��ون موض��وعيين ومنص��فين، فإنن��ا نوجهه��ا دع��وة جدي للمدافعين عن هذا العمل والم��روجين ل��ه، ومف��اد ه��ذه ال��دعوة: أنة بالعم��ل ��ة جه��ة موثوق��ة من الجه��ات المختص�� تع��الوا واخت��اروا أي اإلحصائي وكلفوها بالقيام بإجراء عملية استطالع رأي واسعة تشمل شريحة كبيرة من الناس، ويكون المس��تهدف به��ذا االس��تطالع ليسنة، ب��ل وغ�ير المس��لمين أيض�ا، خصوص المس��لمين الش��يعة أو الس�� على أن يك��ون الس��ؤال الموج��ه إليهم واض��حا ومح��ددا وبعي��دا عن��ة على موق��ف االعتبار الديني أو الم�ذهبي حتى ال ت�أتي اإلجاب�ة مبني مذهبي سلبي أو إيجابي تجاه هذه الظ��اهرة، لنس��أل- مثال- الس��ؤال��دمون أنفس��هم بالس��يوف أو السالس��ل التالي: ل��و رأيت أشخاص��ا ي الحديدية تعبيرا عن حزنهم على موت فقيد لهم، فما ه��و انطب��اعكم األولي إزاء ذل��ك، ه��ل تستس��يغ ه��ذا العم��ل ؟ أو أن��ك تس��تغربه وتستهجنه وتستنكره؟ ويمكننا أن نقدم للمستطلعين صورة عن أحد مواكب التطبير واإلدماء، ونسأل كل واحد منهم: م��ا ه��و رأي��ك به��ذا العم��ل ال��ذي يق��وم ب��ه أص��حاب ه��ذه الص��ورة ؟ وعلى ض��وء ه��ذه

94

اإلجابات يمكننا أن نعرف إلى أي ح�د تخ�دم ظ�اهرة التطب�ير فكرن�اوقضيتنا.

راتهم المؤيدون ومبر وهنا نصل إلى المقاربة الفقهية له��ذه المس��ألة الحساس��ة، وس��وف نب��دأ أوال بمالحظ��ة أدل��ة الم�دافعين عن ه��ذه الع��ادة، ثم ننتق��ل إلى

مالحظة أدلة المعارضين والرافضين لها.ثوا بعدة وجوه وشواهد وهي ما أما المدافعون عن التطبير فقد تشب

يلي:األول ��ه ال دلي��ل على حرم��ة ه��ذا العم��ل رغم أن في��ه إض��رارا : إن

بالنفس، فإن هذا المقدار من اإلض��رار لم تثبت حرمت��ه، وإنم��ا ثبتت لدينا حرمة قتل النفس أو قطع األعض��اء أو نح��و ذل��ك، أم��ا م��ا دون ذلك من إلحاق األذى بالنفس، فهو محكوم بالحلية، بمقتض��ى أص��الة البراءة؛ والحلية الثابتة، بحكم العقل القاضي بقبح العق��اب بال بي��ان،

عــذبين حتىوبحكم الش��رع، من خالل قول��ه تع��الى: } وما ك�نا م�وال [.15{ ]اإلسراء:نبعث رس�

ولكن نقط��ة الض��عف في ه��ذا االس��تدالل هي نه��وض ال��دليل على الحرمة، كما سيأتي، ومعه، فال مجال للتمسك باألصل المذكور، كما

هو معلوم ومحقق لدى الفقهاء. : إنه ال ريب في أن البكاء واإلبك��اء على اإلم��ام الحس��ين)ع(الثاني

مطلوب ومستحب، كما نصت علي��ه الرواي��ات العدي��دة والمتض��افرة الواردة عن األئم��ة )ع(، والبك��اء أو اإلبك��اء فع��ل يحت��اج إلى محف��ز، والمحف��ز إم��ا ق��ولي ك��ذكر المص��ائب وإنش��اد الم��راثي، أو عملي

كضرب الرأس بالسيف .��ة البك��اء واإلبك��اء على اإلم��اموالجــواب : إن م��ا دل على محبوبي

�ه ن�اظر إلى الط�رق اإلنس�انية الحسين )ع( هو أمر ال شك في��ه، لكن المألوفة لذلك، وال يشمل الوس��ائل غ��ير المتعارف��ة في التعب��ير عن الحزن، كما هو الحال في عادة ضرب ال��رأس بالس��يف. ه��ذا إن لم يثبت لن��ا حرم��ة ه��ذه الع��ادة، وإال س��يكون خروجه��ا عم��ا دل على��ة ��ا؛ ألن م��ا ي��دل على مطلوبي مطلوبية البكاء واإلبك��اء واض��حا وجلي

95

مة، أال ترى أن ما شيء ال يستفاد منه مطلوبيته ولو بالوسائل المحر دل على استحباب إدخال السرور على قلب المؤمن- مثال- ال إطالقم��ة كالغيب��ة أو له، لصورة إدخال الس��رور على قلب��ه ب��الطرق المحر

.(1)(1)الزنا أو نحو ذلك؟ : إن في ه��ذا العم��ل )إدم��اء ال��رأس( اقت��داء بالحس��ين)ع(الثــالث

وصحبه، ومواس��اة وتعزي��ة آلل ال��بيت )ع(، وال ريب في أن االقت��داء بالحسين)ع( مطل�وب ومحب��وب، ومواس��اة أه��ل ال�بيت )ع( هي من

أعظم القربات.والجواب على هذا االستدالل الذي هو من غرائب الكالم:

��ل،أوال : ��ل حيث قت إن االقتداء باإلمام الحسين )ع( يك��ون ب��أن نقت ونجرح رؤوسنا حيث جرح رأس��ه، وه��و لم يج��رح نفس��ه بعق��ل ب��ارد وهو يسير في الطرقات، وإنما جرح نفسه وضحى بنفس��ه وه��و في ساحة المعركة، يقاتل في سبيل الله، فلنجرح رؤوسنا ونبذل دماءن��ا

.(1)(1)في مواجهة العدو، فبذلك يكون االقتداءة بالتأكي��د، ولكنثانيا: أما مسألة المواساة، فإنها مطلوبة ومس��تحب

السؤال: كيف تكون المواساة، ثم لمن تكون؟ أما السؤال األول عن كيفية المواساة، فجوابه: أنه��ا تك��ون ب��الطرق المألوفة، دون الط��رق المس�تهجنة أو المحرم�ة، ومس�ألة أن يج�رح اإلنسان نفسه ألن حبيبه جرح، أو يجلد ظهره ألن حبيبه جلد، ليست��ة من أساليب المواساة ل��دى العقالء، ليش��ملها م��ا دل على مطلوبي

المواساة.فات؟ وأما السؤال الثاني، وهو: من نواسي بهذه التصر

فالذي يتردد على األلسن أننا نواسي سيدتنا الزه��راء )ع( أو رس��ول الل��ه )ص( أو أم��ير المؤم��نين )ع(، نواس��يهم ب��دمعتنا ولطمن��ا على

الصدور وجرح رؤوسنا. إال أن مالحظتنا األساسية على هذا الكالم هي: إن استخدام مفهوم المواساة في المقام وعلى الرغم من شيوعه على األلس��نة ال يخل��و من لبس أو مص��ادرة أو اش��تباه، وذل��ك ألن المواس��اة إنم��ا تك��ون

ج (1)(1) األنصاري، للشيخ مة المحر المكاسب ص 1راجع ،308.ص: (1)(1) الله، فضل للسيد عاشوراء حديث .134أنظر

96

لألحياء بسبب تأثرهم وحزنهم وانفعالهم البشري على فقد ح��بيب أو عزيز أو صديق، أما الموتى الذين توفاهم الله فال معنى لمواساتهم! صحيح أن رسول الله )ص( وابنته فاطمة الزهراء )ع( ووص��يه أم��ير المؤمنين )ع( وغيرهم من آل البيت)ع( هم أحياء عند ربهم يرزقون، إال أنه وفق مقاييس ذلك العالم، فليس واضحا أنهم يعيشون الح��زن والغم واأللم، لنواس��يهم أو نخف��ف عنهم، ب��ل هم في ش��وق وف��رح للقاء أحبابهم ومسيرهم إليهم ليعيش��وا مع��ا في كن��ف رض��وان الل��ه

وجنته البرزخية التي أعدها للصالحين من عباده وأوليائه. ولو سلمنا أن الموتى يت��أثرون ويت��ألمون في ع��المهم ال��برزخي لم��ا يجري على أقربائهم وأحبابهم في عالم الدنيا، فال يبعد انصراف أدلة

المواساة إلى مواساة األحياء في عالمنا هذا، دون عالم البرزخ. ومن اللطيف ما ذكره الش��هيد مطهري تعليق��ا على قض��ية مواس��اة الزهراء، قال )رحمه الله(: "إن هذا أمر مثير للسخرية، فه��ل تحت��اج

ع��ام على المأس��اة إلى المواس��اة، في1400الزه��راء بع��د م��رور ال��وقت ال��ذي نعلم أنه��ا اآلن مجتمع��ة م��ع الحس��ين )ع(... وه��ل إن

عام1400فاطمة عندكم طفلة صغيرة حتى تظل تلطم وتبكي بعد )حتى نأتي لنعزيها ونأخذ بخاطرها هذا هو الكالم الذي يخرب الدين"

1)(1). : إن العقيل���ة زينب الك���برى )ع( عن���دما رأت رأس أخيه���االرابع

الحسين)ع( مرفوعا فوق الرمح أمام محملها نطحت جبيبنها بمق��دم ، وق��د حص��ل(2)(2)المحمل حتى سال ال��دم وتق��اطر من تحت قناعها

هذا العمل بمرأى اإلم�ام زين العاب�دين )ع( وق�د أق��ره وأمض�اه ولمينهها عنه.

ولكن هذا الدليل مردود لعدة وجوه أهمها: إن الرواية التي نقلت ذلك ضعيفة السند؛ ألنها مرس��لة، كم��ا أوال:

، ق��ال: "رأيت في بعض الكتب(3)(3)ص��رح ب��ذلك العالم��ة المجلسي المعتبرة روي مرسال عن مسلم الجص��اص"، ثم ذك��ر الرواي��ة، وم��ع ضعف الرواية سندا فال تصلح إلثبات حكم شرعي، وهو إباحة ض��رب

ج (1)(1) الحسينية، ص 1الملحمة ،35.ص (2)(2) الحسينية، الشعائر في العلماء 100فتاوى 141،.ج (3)(3) األنوار، ص 45بحار ،114.

97

الرؤوس بالسيوف، والظاهر أن الكت��اب ال��ذي نق��ل عن��ه المجلس��ي ،(4)(4)هذه الرواية هو "المنتخب" للطريحي، كما ذكر العالمة النق��دي

وكون الكتاب معتبرا عند المجلسي كما ذكر في كالم��ه، ال يع��ني أنرواياته كلها معتبرة عنده، فضال عن غيره، كما هو واضح.

��هثانيا: إن من المستبعد صدور هذا الفعل من العقيلة زينب)ع(؛ ألنــة،مخالف لوصية أخيها اإلمام الحسين )ع(، فإنه أوصاها قائال: " أ�خي

ــا، وال ي علي جيب ق إني أقســمت فــأبري قســمي، ال تشــ� تخمشي علي وجها، وال تدعي علي بالويل والثبور إذا أنــا

. وهذه الوصية فضال عن كونه��ا واردة في مص��ادر أك��ثر(5)(5)"هلكت اعتبارا من تلك الرواية، فإنها منسجمة مع العموم��ات أو المطلق��ات

،(1)(1)الكثيرة الناهية عن خمش الوجه، وفي بعض��ها النهي عن لطمه واس��تنادا إلى ه��ذه الرواي��ات، أف��تى فقهاؤن��ا بحرم��ة خمش الوج��ه

.(2)(2)ولطمه، بل ادعي عليه اإلجماع ف��إذا ك��ان الحس��ين )ع( ينهى زينب)ع( عن مج��رد خمش وجهه��ا،

فكيف تنطح جبينها حتى يسيل الدم؟! وقد تطرح محاولتان لرفع المناف��اة الم��ذكورة بين م��ا تض��منته تل��ك

الرواية وما اشتملت عليه الوصية : : أن يقال: إن اإلدماء لم يكن مقصودا ل��زينب)ع(المحاولة األولى

وال ك��انت تتوقع��ه عن��دما لطمت رأس��ها، فال يتن��افى فعله��ا ه��ذا م��عوصية اإلمام )ع( لها.

��ه سيقض��ي على إمكاني��ة ولكن هذا التوجيه لو أنه رفع المناف��اة، فإن االستدالل بالرواية إلثبات جواز اإلدماء؛ ألن إدماءها )ع( لرأسها غ��ير

مقصود لها بحسب الفرض. أن يق��ال: إن وص��ية الحس��ين )ع( نهته��ا عنالمحاولــة الثانيــة:

خمش الوجه، وكالمنا في إدماء الرأس.

ص (4)(4) الكبرى، .112زينبج (5)(5) ص 2اإلرشاد، ،94. الطبري ورواهج (1)(1) الوسائل، ص 15راجع الباب 583، ج 31، الوسائل، ومستدرك الحديث، الكفارات أبواب ،449، 2من

10الحديث 6 1، ،. الدفن أبواب منج: (2)(2) الجزيني مكي بن محمد األول للشهيد الشريعة أحكام في الشيعة ذكرى .56ص 2أنظر

98

بي��د أن ه��ذه المحاول��ة أض��عف من س��ابقتها، وذل��ك ألنن��ا في ه��ذه المرحل��ة من البحث ال نبغي االس��تدالل بم��ا ج��اء في الوص��ية على��ر، وإنم��ا نري��د الق��ول ب��أن الوص��ية حرمة التطبير ليورد علينا بما ذك معارضة للرواية المذكورة، والمعارضة محققة، ألن تل��ك الرواي��ة لم ترد في إدماء الرأس ليقال بعدم المنافاة بينه��ا وبين الوص��ية، وإنم��ا نصت على أن زينب نطحت جبينه��ا حتى س��ال ال��دم، والج��بين ج��زء من الوجه، فالتع��ارض بينه��ا وبين الوص��ية الناهي��ة عن خمش الوج��ه محكم، ه��ذا على أن لقائ��ل أن يق��ول: إن م��ا ورد في الرواي��ات من النهي عن خمش الوجه يستفاد منه حرم��ة إدم��اء ال��رأس أيض��ا ول��و في غ��ير الوج��ه أيض��ا، ألن خمش الوج��ه ه��و بنظ��ر الع��رف مث��ال

لإلدماء، أو أنه تعبير عن الجزع. "... إن يــوم: إنه ورد في الخبر عن اإلم��ام الرض��ا )ع(: الخامس

، بتق��ريب أن(1)(1)"الحسين أقــرح جفوننــا وأســبل دموعنــا...تقريح الجفون معناه جرحها.

، فإنها ال تدل(2)(2)ولكن هذه الرواية، فضال عن كونها غير نقية السندعلى المدعى، وهو جواز التطبير، إذ يمكن االعتراض على دالالتها:

: إن تقريح الجفون هو عبارة عن ظهور أث�ر البك��اء على جف��ونأوال العين، فترى محمرة لذلك، وه��ذا التق��ريح ال يص��ل إلى ح��د الج��رح، كما ال يصل ضرره إلى حد ضرب الرأس بالس��يف وم��ا يس��تتبعه من ن��زف كث��ير لل��دم وربم��ا إغم��اء، ول��ذا ف��إن الكث��يرين ممن يض��ربون قاماتهم يض��طرون إلى مراجع��ة المستش��فيات واألطب��اء، كم��ا ن��رى

ذلك رأي العين، وعليه، فال يقاس األعلى باألدنى. : إن تقريح الجفون- كما يرى السيد األمين في رسالة التنزي��ه-ثانيا

يحصل بصورة قهرية، نتيجة لكثرة البك��اء، وليس عن اختي��ار وتعمد- كم��ا في ض��رب ال��رأس-، وإن لم يمكن الج��زم ب��ذلك، فال أق��ل من�ا يمن�ع من االس�تدالل. وعلم اإلم�ام )ع( ب�ترتب احتماله احتم�اال قوي القرح على بكائه غير معلوم إال من باب علم الغيب الذي لو س�لم ال

يكون مناطا للتكليف.ص (1)(1) الصدوق، .190أمالي فإن الصدوق رواها عن شيخه جعفر بن محمد بن مسرور، وهذا الشيخ وإن ترضى الصدوق وترحم (2)(2)

: عليه، لكن ذلك ال يدل على التوثيق، طبقا للمبنى الرجالي المشهور ج الحديث رجال معجم .90ص 5أنظر

99

وإنالسادس والجزع الجزع، مصاديق من هو اإلدماء إن : كان مبغوضا في المصائب، لكنه جائز في خصوص مص��يبة أبي عب��د الله الحسين)ع(، بل ومحبوب، طبقا لما جاء في األخبار الواردة عن األئمة األطهار )ع( والتي تتقدم على العمومات والمطلق��ات الناهي��ة

عن الجزع تقدم الخاص على العام والمطلق على المقيد. ويالحظ على ذلك:

: إن الرواية األساس والتي عليها االعتم��اد من رواي��ات الج��زعأوال هي رواية معاوية بن وهب عن الص��ادق )ع( وال��تي ج��اء فيه��ا: "ك��ل

،(1)(1)الجزع والبكاء مكروه ما خال الجزع والبكاء لقتل الحس��ين )ع("(2)(2)وهذه الرواية وبصرف النظر عن س��ندها ، وبص��رف النظ��ر أيض��ا

عما قيل بشأنها أو يقال من منافاتها لحكم العقل باعتبار أن الج��زع في بعض مظاهره العنيفة ك��التطبير أو نح��وه، مم��ا ق��د ين��درج تحت

، أو ه��و في األق��ل ص��فة غ��ير(3)(3)ظلم النفس هو أمر قبيح في ذاته حسنة في اإلنسان، بل مس��تقبحة عقالئي��ا وبص��رف النظ��ر عم��ا ق��د

ج (1)(1) الشيعة ح 505ص 14وسائل المزار أبواب .10منج ) (2)(2) الكالم جواهر بالحسنة الجواهر صاحب وصفها فقد الرواية، هذه صحة في بينهم الخالف ص 4وقع

365 : ج( ) الوثقى العروة شرح في التنقيح أنظر الله رحمه الخوئي السيد وكذلك صاحب( 365ص 9، ووصفها ، " ج " النجاة صراط في لكن وثاقتها، أو الروايات بصحة التصريح دأبه أن مع ، الرواية ب� 443ص 3الحدائق

" ص " الشيعة أحاديث جامع في المعتبرة األحاديث كتابه في محسني آصف الشيخ وظاهر بالصحيحة، وصفت.291و82 تضعيفها

الرواية،: سند في واقعين رجلين وثاقة في اإلشكال إلى الرواية توثيق في بينهم الخالف مرد كان ربما أقولوهما :الزيارات،: األول كامل صاحب قولويه بن محمد بن جعفر والد قولويه، بن موسى بن جعفر بن محمد

ال بأن التزم قد إنه حيث الزيارات كامل في عنه جعفر ابنه برواية يكتفى أن إال بوثاقته تصريح ال هذا فمحمد : رجال ) معجم أنظر واسطة، وبدون مباشرة والده عن الرواية أكثر قد وهو ثقة، عن إال كتابه في يروي

ج األشعري( 174����175ص 18الحديث الله عبد بن سعد أصحاب خيار من إنه فيه النجاشي قول ذلك ويؤيدالقمي.

: عيسى الثاني بن محمد عنه يروي الذي األنصاري محمد أبي مع متحدا كان لو وهذا األنصاري، محمد أبو: أنظر ) وغيره التستري حقق كما األنصاري إبراهيم بن الله عبد هو والذي الجبار، عبد بن ومحمد العبيدي

ج الرجال " ) 210����211ص 6قاموس ج( " الكافي خيرا كان بأنه الجبار عبد بن محمد لشهادة توثيقه، فيمكن ،3 " " 127ص نصر( " ألن به، يعتني ال بأنه الخوئي السيد رده فقد يعرف ال مجهول فيه الصباح بن نصر قول وأما ،

( " ج الحدث رجال معجم ضعيف الصباح وثاقة( 40����42ص 23بن إلى أيضا الرجال قاموس صاحب مال وقدج ) الرجال قاموس فيه الصباح بن نصر غمز على له الجبار عبد بن محمد تزكية مقدما األنصاري، محمد 11أبي

" 211ص 6وج 1494ص على( " داللتها ولكن قريبة الكذب عدم لجهة التوثيق على خيرا كان داللة أن مع هذا ، في يرد لم الكالم هذا أن سيما تأمل،وال من تخلو ال الضبط وهو الوثاقة المعتبرفي اآلخر العنصر لجهة التوثيق

" : " عليه " يلقى ترجمته في قال الغضائري ابن أن وثاقته في الشك على يبعث ومما والتعديل، الجرح مقام ( " ... ج الرجال قاموس شاهدا يخرج أن ويجوز كثيرا ال( 209ص 6الفاسد الله رحمه الخوئي السيد كان وإن ،

يروي الذي األنصاري مع متحد روايتنا في األنصاري محمد أبا أن ثبت لو كله هذا الغضائري، ابن بتضعيفات يعتدعن الزراد محبوب بن للحسن رواية نجد لم ألنه واضح، غير االتحاد لكن الجبار، عبد بن ومحمد العبيدي عنه

. هذه روايتنا إال وهب بن معاوية عن لألنصاري رواية نجد لم وهكذا هذه، روايتنا في إال األنصاري محمد أبي(3)(3) : بعض على التبريزي الشيخ أجوبة على علقها التي التعليقات أنظر الله، رحمه الله فضل السيد ذلك ذكر

ص إليه الموجهة حكمه 57االستفتاءات مصاديق من وكونه الجزع بقبح العقل حكم في التأمل يمكن ولكن ،هذا. الظلم بقبح

100

يطرح كمعارض لرواية الجزع تلك، والمعارض هو م��ا تق��دم من نهي اإلمام )ع( لزينب )ع( عن خ��دش وجهه��ا علي��ه باعتب��ار الخ��دش من مصاديق الجزع كم��ا ه��و واض��ح، وبص��رف النظ��ر أيض��ا عن منافات��ه لقيمة الصبر التي أكد عليها القرآن بتأكيدات ال تقب��ل التقيي��د، األم��ر الذي يجعل من الصعب الركون إلى هذه الرواية أو غيرها في إثب��ات هذا الحكم المخالف للمطلقات والعموم��ات الناهي��ة عن الج��زع، وال سيما بناء على مبنى حجية الخبر الموثوق، أقول: بصرف النظر عن ذلك كله، فإن هذا الخبر يتضمن ما ال يمكن االل��تزام ب��ه وه��و الحكم بكراهة البك��اء إال على اإلم�ام الحس��ين )ع(، ف��إن ه��ذا مم��ا ال يمكن االل��تزام ب��ه، على ظ��اهره، إذ كي��ف يحكم بكراه��ة مطل��ق البك��اء،��ه أم��ر فط��ري، وق��د بكى رس��ول الل��ه )ص( على ول��ده والح��ال أن إبراهيم وعلى جعف��ر بن أبي ط��الب، وبكت الزه��راء )ع( على أبيه��ا )ص( وعلى أخته��ا رقي��ة بنت رس��ول الل��ه )ص(، وبكى الكث��ير من

. (4)(4)األئمة )ع( في موارد مختلفةمن واحد غير سعى فقد اإلشكال، من ذكرناه ما وألجل

الفقه��اء لتوجي��ه الكراه��ة ال��واردة في ه��ذا الخ��بر بتوجي��ه يمن��ع مناالعتراض، وقدم في هذا المجال توجيهان:

م��ا ذك��ره الش��يخ يوس��ف البح��راني حيث ق��ال: إن "الم��راداألول: بالكراه��ة هن��ا ع��دم ت��رتب الث��واب واألج��ر علي��ه مج��ازا ال الكراه��ة

.(1)(1)الموجبة للذم" ما ذكره السيد الخوئي رحمه الله من أن "المراد بالكراهيةالثاني:

فيه الكراهية العرفية، لعدم مناسبته- أي البكاء- مع الوقار والعظم�ة. (2)(2)والمنزلة"

إال أن هذين التوجيهين مخالفان للظاهر، وال سيما الث��اني، فال يص��ار إليهما، والسيد الخوئي )رحمه الله( معترف بأن ما ذك��ره ه��و تأوي��ل للخ��بر، فال مل��زم لألخ��ذ ب��ه، ألنن��ا ملزم��ون باتب��اع الظ��واهر دون االحتم��االت والت��أويالت، ومن الواض��ح أن حم��ل الكراهي��ة في كالم المعصوم على الكراهة العرفية هو مجرد احتمال يحت��اج إلى قرين��ة،

ج (4)(4) الشيعة وسائل ..87الباب 282ص 3أنظر الدفن أبواب منج (1)(1) الناضرة .164ص 4الحدائقج (2)(2) الوثقى العروة شرح في .342ص 9التنقيح

101

ألن المعص��وم ه��و في ص��دد بي��ان األحك��ام الش��رعية، ال األحك��ام العرفية، على أن كراهية البكاء عرفا وعدم مناسبته للوقار أمر غ��ير دقيق، إذ لنا أن نسأل أين ه��و الع��رف ال��ذي يس��تنكر البك��اء؟ وه��ل يستنكره بالنسبة للرجال أم للنس��اء؟ ال يخفى أن النس��اء من دأبهن البكاء وال يعيبهن ذلك، والرجال أيضا يبكون في المصائب وال يعيبهم ذلك وال ينافي وقارهم، أجل المكروه عرفا هو مرتبة من البكاء تبل��غ حد الجزع، وفي ضوء ما تقدم من عدم وجود جواب مقن��ع لإلش��كال المتقدم، فسوف يضعف الوثوق بالخبر الم��ذكور، وي��زداد وهن��ا على

وهن، وال سيما على مبنى القائلين بحجية الخبر الموثوق. : م��ع التس��ليم بص��حة الرواي��ة وقابليته��ا لتخص��يص المطلق��اتثانيا

وإمكان توجيه كراهة البكاء الواردة فيها بشكل أو بآخر، إال أن ك��ون التطبير من مصاديق الجزع غير واضح، ألن تعبيرات الجزع العقالئي��ة��ر لم يعهد فيها اإلدماء، ولم يعرف عن أح��د من الن��اس أن��ه ك��ان يعب في حاالت الجزع بجرح رأسه وإدماء نفسه بشكل متعمد واختياري،

وإن كان قد يحصل اإلدماء بشكل غير مقصود. م��ع التس��ليم بمص��داقية التطب��ير للج��زع، إال أن م��ا دل علىثالثا:

حرم��ة التطب��ير ول��و ب��العنوان الث��انوي- كم��ا س��يأتي- يخرج��ه عن المصداقية المذكورة إخراجا حكميا، ألن الجزع- على ف��رض إباحت��ه- ال يؤدى بطريق��ة محرم��ة، أت��رى ه��ل يت��وهمن أح��د أن دلي��ل الج��زع يشمل صورة خلع اإلنسان ثيابه بالكلية والمشي عاريا أم��ام الن��اظر المحترم، باعتبار أن ذلك من مصاديق الجزع؟! أو يشمل صورة خلع المرأة لحجابها وكشفها ألج��زاء من جس��دها بنفس االعتب��ار؟! وه��ل يتحقق الجزع بقطع اإلنسان لبعض أصابع يده؟! بالطبع ال، ألن دلي��ل الجزع ليس مشرعا أو مبيحا للمحرم��ات، وإنم��ا ي��ؤدى الج��زع- على فرض شرعيته في نفس��ه- ب��الطرق المش��روعة، وعلي��ه، فال ب��د من إثبات عدم حرمة التطبير في الدرجة األولى ليتمسك بعد ذلك بدليل

الجزع إلثبات مطلوبيته أو إباحته.رابعا: سقفا وضعت أنها الروايات بعض من المستفاد إن

أعلى للجزع، فال يتجاوز، ففي خ��بر ج��ابر عن أبي جعف��ر )ع(، ق��ال: "قلت له: ما الجزع؟ قال: أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم

102

. فهذا هو أقصى الجزع(1)(1)الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي" وأشده، أما ما هو غير ذل��ك أو أعن��ف من��ه، ك��التطبير فال ي��دخل في��د م��ا الج��زع، وه��ذه الرواي��ة وإن ك��انت ض��عيفة الس��ند، إال أنه��ا تؤي

ذكرناه. ��دي التطب��ير أض��عف مم��ا تق��دم فال ض��رورة وهناك حجج أخرى لمؤي

لذكرها.المعارضون وحججهم

تمسك معارضو التطبير بأحد وجهين: : إن ه��ذا العم��ل في��ه إض��رار واض��ح ب��النفس، وك��ل إض��راراألول

بالنفس حرام، ويدل على ذلك العقل الذي يحكم بقبح ظلم النفس،��دميها بغ��ير وس��يرة العقالء المس��تقرة على ذم من يج��رح نفس��ه وي سبب مش��روع، وهك��ذا النص��وص الكث��يرة، مث��ل م��ا ورد عن إمامن��ا

ولكنه سبحانه خلق الخلــق، فعلم مــا تقــوم بــهالباقر )ع(: "(2)."أبدانهم فأحله لهم... وعلم ما يضرهم فنهــاهم عنــه..

، إلى غير ذلك من الروايات المستفيضة واألدلة التي يستفاد منه��ا(2) حرمة اإلضرار بالنفس، ولو لم يصل إلى ح��د الهالك المحتم. )راج��ع للتوسع في شأن هذا الدليل ما ذكرناه في كتابنا: "في فقه السالمة

الصحية: التدخين نموذجا"(.��ه إذا خ��اف وقد اتفق الفقه��اء، كم��ا ينق��ل الس��يد محس��ن األمين: أن المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققه من استعمال الماء في��ه أق��ل الوضوء، انتقل فرضه إلى التيمم، ولم يجز له الوضوء، مع أن

.(1)(1)ضررا وإيذاء من شق الرؤوس بالمدى والسيوف وقد تمسك به��ذا ال�دليل في المق��ام ك��ل من الس��يد األمين والس�يد فضل الل��ه، وق��د اع��ترف الش��يخ محم��د حس��ين آل كاش��ف الغط��اء )رحم��ه الل��ه( في كتاب��ه "الف��ردوس األعلى" ب��أن مقتض��ى القواع��د الفقهية من حرمة اإلض��رار وإي��ذاء النفس وإلقائه��ا في التهلك��ة ه��و حرمة التطبير واإلدماء، وإن حاول )رحمه الله( في استدراك ل��ه أن يثبت الحلية في صورة ما لو صدر هذا العم��ل بنح��و العش��ق وقص��د

ج (1)(1) الشيعة .83ب 1ح 272ص 3وسائل الدفن أبواب منالباب (2)(2) الحديث 1الوسائل المحرمة، األطعمة أبواب من ،1.ص (1)(1) .28التنزيه،

103

الحب ألبي عبد الله الحسين)ع(، ولكن محاولته ه��ذه- كم��ا أس��لفنا- غير موفقة، ألن النوايا الحسنة ال توجب تغيير الحكم الشرعي، كم��ا

ال توجب تغيير الموضوع في المقام وهو اإلضرار بالنفس.��ه مب��اح ب��العنوان األولي، ولكنالثاني : إن هذا العمل لو افترضنا أن

بما أنه صار موجبا ل��وهن الم��ذهب وهتك��ه، ورمي أتباع��ه بالوحش��ية والتخل��ف والس��خرية منهم، فيح��رم ب��العنوان الث��انوي، وال س��يما أن

كونوااألئمة )ع( قد أمروا أتباعهم بأن ال يفعلوا م��ا يس��يء إليهم: " زينا لنا وال تكونوا شينا، حببونا إلى النــاس، وال ت�بغضــونا،

وق��د.ــ (2)جروا إلينا كل مــودة، وادفعــوا عنــا كــل قــبيح..." تمسك بهذا الدليل كث��يرون من العلم��اء والفقه��اء )كالعلم��اء: األمين��ة..(، وفضل الله والخامنئي وهاشم معروف الحسيني، والشيخ مغني وأقر آخرون بأن هذا العم�ل ل�و ك�ان موجب�ا للهت��ك والس�خرية فه�وم، كالسيد الحكيم الذي أفتى "بأنه ال مانع منها إن لم يكن فيه��ا محر

،(3)(3)خوف الضرر... ولم تكن موجبة للسخرية وتهييج عداوة الغ��ير" ونظ���ير ه���ذا الكالم قال���ه الس���يد الخ���وئي في اإلجاب���ة على بعض

.(4)(4)االستفتاءاتر وط��بيعي أن ص��دق عن��وان الهت��ك والت��وهين أو الس��خرية- كم��ا عب السيد الحكيم- لن يدركه أو يتوجه إليه إال من له اطالع على أص��داء المسألة في الواقع الع��المي، وم��ا تعكس��ه وس��ائل اإلعالم من ردود الفعل تجاهها، وما تترك��ه من انطباع��ات س��يئة في نف��وس اآلخ��رين

إزاء أتباع مدرسة أهل البيت )ع(. وقد يقول قائل: إذا كان استهزاء اآلخر وسخريته موجب��ا ل��ترك ه��ذه العادة وتحريمها، فهذا يستلزم رفع اليد عن الحج والص��الة وغيرهم��ا من العبادات؛ ألن الغير قد يسخر من حجنا وما في��ه من أعم��ال ق��د تبدو غريبة، مثل رمي الجم��رات أو الط��واف ب��البيت أو الس��عي بين جبلي الصفا والمروة.. وهكذا قد يسخر اآلخرون من صالتنا وما فيها من ركوع وسجود.. أفهل نترك الحج والصالة أو غيره��ا من الش��عائر

حتى ال يسخر منا اآلخرون؟!ج (2)) األنوار، ص 75بحار ،348.ص (3)(3) الشعائر، في العلماء .88فتاوىج (4)(4) الشرعية، ص 2المسائل ،339.

104

: إن الصالة والص��يام والحج هي من العب��ادات والف��رائضوالجواب التي قام عليها الدين، وما كان كذلك فال مجال لرفع اليد عنه بسبب سخرية اآلخرين واستهزائهم، وأما التطب�ير فليس واجب��ا، وإنم�ا ه��و-ر إن لم يكن محرما- على أحسن التق��ادير عم��ل مب��اح، والمب��اح يتغي حكمه بتغير العناوين، أو طروء عناوين ثانوية عليه كعن��وان الهت��ك أو

نحوه، وال يقاس بالواجب إطالقا.��ؤدى ال بقص��د القرب��ة هذا كله لو كان هذا العمل )التطب��ير( ي��ؤتى ويب إلى الل��ه د والتق��ر ��ة، وأم��ا م��ع اإلتي��ان ب��ه بعن��وان التعب والعبادي سبحانه، كما ه��و الملح�وظ خارج�ا فس�وف ي�برز أمامن�ا وج�ه ث�الث للتحريم، أال وهو عن��وان البدع��ة، ف��إن أي عم��ل عب��ادي أو ش��عائري يؤتى به بكيفية خاصة، إن لم يقم عليه دليل خاص، كان ابت��داعا في

الدين وتقوال على الله بما لم يقله. ولكن يمكن التعليق على ذلك بأنه يكفي لخروج العم��ل عن االبت��داع وجود األمر به ولو كان دليله عاما، وال حاجة للدليل الخاص، فتأمل.

موقف العلماء من ضرب الرأساه قد يحلو للبعض أن يقول: إن القول بتحريم التطب��ير ش��اذ ولم يتبن من يعتد به من العلم�اء والفقه�اء، ولكن ه��ذا الكالم ناش�ئ من قل�ة االطالع على آراء العلم��اء، ف��إن الكث��ير من علمائن��ا وفقهائن��ا وقف��وا بوجه هذه العادة وغيرها من العادات الدخيلة، يقول اإلمام الخمي��ني في إشارة نرجح أنها ناظرة إلى مسألة التطبير: "فنحن ال نق��ول وال يقول أحد من المؤمنين إن كل عم��ل يق��ام به��ذا العن��وان ه��و عم��ل مقبول، بل إن العلماء الكبار اعت��بروا الكث��ير من ه��ذه األعم��ال غ��ير

.(1)(1)جائزة وكانوا يمنعون منها" ويعتبر العالمة الكب��ير الس��يد محس��ن األمين من أش��جع العلم��اء في مواجهة هذه العادة وغيرها من "المنكرات والبدع"- على حد تعبيره- التي أدخلت على الشعائر الحسينية، وق��د ق��اد )رحم��ه الل��ه( حرك��ة إصالحية في مواجهتها، وناصره في حركته ه��ذه الس��يد أب��و الحس��ن األص��فهاني،- مفتي��ا بحرم��ة ض��رب ال��رأس- والس��يد هب��ة ال��دين

ص (1)(1) األسرار، .169كشف

105

الشهرستاني والشيخ عبد الكريم الجزائري المجته��د الكب��ير، وهك��ذا.(2)(2)العالمة الشيخ محسن شرارة والسيد مهدي القزويني وغيرهم

بأن مقتض��ى(3)(3)وقد اعترف الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء القواعد حرمة إدماء ال��رأس كم��ا أس��لفنا، وإن داف��ع عن��ه في بعض كتبه األخرى، ونقل عن السيد الحكيم قوله: "إن ضرب القامة غصة

.(4)(4)في حلوقنا" وهكذا ه��اجم ه��ذه الع��ادة علم��اء آخ��رون، فالس��يد هاش��م مع��روف الحسني اعتبره��ا ظ��اهرة ش��اذة ودخيل��ة، وأنه��ا من الزي��ادات ال��تي أس��اءت إلى الم��آتم الحس��ينية وإلى التش��يع، وق��د اس��تغلها أع��داء الشيعة للتنديد والتشويه والسخرية، وصاروا يقصدون بل��دة النبطي��ة يوم العاشر من المحرم ويسمونه يوم جن��ون الش�يعة، ويض�يف ب�أن

أون منها .(5)(5)األئمة بال شك ال يرضون بهذه المظاهر ويتبر وهك��ذا وج��دنا الش��يخ عب��د الل��ه نعم��ة يراه��ا من الش��وائب الغريب��ة البعي��دة عن روح ال��ذكرى وجالله��ا وأه��دافها، وأنه��ا ال تتص��ل بال��دين بس��بب أو نس��ب، وإنم��ا هي ع��ادة دخيل��ة على المجتم��ع الش��يعي

، وبالجرأة عينها تصدى العالمة المرجع السيد(6)(6)امتصها من خارجهفضل الله لمواجهة هذه العادة وتحريمها.

وأخيرا وليس آخرا، فقد دع��ا س��ماحة الس��يد الخ��امنئي إلى محارب��ةع وتش��وه ص��ورته. هذه الظاهرة والمنع منها؛ ألنها تسيء إلى التش��ي وإثر موقف السيد الخامنئي هذا، فقد ص��درت العدي��د من المواق��ف

العلمائية المؤيدة له والداعمة لرأيه. ونختم الحديث بكلمة للشيخ محمد جواد مغنية تصور موقف العلماء تجاه هذه العادة، يقول )رحمه الله(: "وعلم��اء الش��يعة بكامله��ا دون اس��تثناء ينكرونه��ا أش��د اإلنك��ار، وإذا س��كت عنه��ا من س��كت وغض الطرف، فإنما يسكت خوفا من بعض الع��وام ال��ذين اتخ��ذوها س��بيال

ج (2)(2) الشيعة، ص 10أعيان ،178.ص (3)(3) األعلى، .21الفردوس(4)(4) : ص الحرمين، في حوارات راجع العسكري، مرتضى السيد ذلك عنه .270نقلص (5)(5) الحسينية، الثورة وحي .167منص (6)(6) ع، التشي .499روح

106

لالتجار والكس��ب" } ــاءه� فال يطان� ي�خــوف� أولي �م� الشــ إنما ذلكؤمنين ون إن ك�نت�م م م وخاف� وه� .(1)(1)[175{ ]آل عمران:تخاف�

ب- الزيارة: أهدافا ودالالتل ظ��اهرة ب��ارزة فيوالنموذج الثاني : هو نموذج الزيارة التي تمث

التاريخ الديني لدى كل األدي�ان، ف��إنهم م�ا ف��تئوا يس�عون في زي�ارة مراقد وقبور األنبياء واألولياء والصالحين، وقد سار المسلمون- سنة وش��يعة- وف��ق ه��ذه الس��يرة العام��ة، ولم يش��ذ منهم أح��د عن ذل��ك سوى بعض الفرق المتأخرة التي أث�ارت بعض الش�بهات ح�ول مب��دأ

الزيارة وأصل شرعيتها. ولسنا هنا بصدد إثبات شرعية الزي��ارة فق��د أش��بعها علم��اء اإلس��الم

وإنما يهمني تسجيل بعض الوقف��ات(2)(2)بحثا، وأتوا بما ال مزيد عليه حول أهداف الزيارة ودالالتها وإثارة بعض المالحظ��ات ح��ول م��ا ق��د

يعلق بها من شبهات في مضامينها وطريقة أدائها.أهداف الزيارة

ــة األولى ل ش��كال منالوقف : إن زي��ارة المراق���د المطه��رة تمث أشكال التواصل مع صاحب المرقد، نبيا كان أو وليا، سواء التواص��ل��ة، أو التواص��ل ��ة وروحي الروحي لما توفره الزيارة من س��ياحة عبادي الفكري والعاطفي لما تتيح��ه للزائ��ر من فرص��ة للتع��رف على فك��ر المزور ورسالته، كما أن الزيارة تمنح اإلنس��ان الغ��ارق في متاه��ات الحياة فرصة للتأمل ووقفة مع الذات ليق��وم بمراجع��ة ش��املة لك��لعات صاحب فاته وأفكاره وعواطفه، ويرى مدى مالئمتها مع تطل تصر المرقد باعتباره ق��دوة ومثال أعلى للزائ��ر، وبه��ذا تخ��رج الزي��ارة عن كونه��ا مج��رد طقس أو ع��ادة ألفناه��ا، لتك��ون مص��در إله��ام روحي ومعرفي وتؤدي وظيف��ة رس��الية على المس��توى ال��تربوي وال��روحي والثقافي، هذا فضال عن أنها تعبر عن التزام أخالقي بضرورة تمجي��د الم��زور وتكريم��ه وإعالء ش��أنه والتنوي��ه باس��مه، تق��ديرا لتض��حياته ومواقفه وجهوده، األمر الذي يساهم في تعزيز تلك القيم والمب��ادئ

والتشجيع عليها والدعوة إليها.في التحفظات

ص (1)(1) الحياة، مع .68اإلسالم(2)(2) . : األمين محسن للسيد االرتياب وكشف الشافعي، للسبكي السقام شفاء المثال سبيل على راجع

107

إن وظ��ائف الزي��ارة المش��ار إليه��ا في الوقف��ةالوقفــة الثانيــة: األولى سوف تساهم في حال تفعيلها وتثقيف األمة عليه��ا في إزال��ة بعض التحفظ��ات أو الش��بهات ح��ول جدوائي��ة الزي��ارة وفائ��دتها، وال

كين إال أن يثيروا الجدل أو التشكيك من جهتين: يبقى للمشك : أن يثار سؤال الشرعية البحت��ة ح��ول مب��دأ الزي��ارةالجهة األولى

من أصله، وهذا ما فعله المعارضون لمبدأ الزيارة والمتش��ددون في تحريمها والمنع منها، والحقيقة أن ما يستند إليه ه��ؤالء في م��وقفهمد الكث��يرون من علم��اء الف��ريقين الرافض غير مقنع وال ت��ام، وق��د فنتهم، وأثبت��وا الش��رعية بال��دليل المقن��ع، حتى إن بعض ش��بهاتهم وأدل األعالم استدل على مشروعية الزيارة باألدلة األربعة، أع��ني الكت��اب

، وقد ألمحنا في مستهل الكالم إلى أن(1)(1)والسنة واإلجماع والعقل س�يرة العقالء من مختل�ف األدي�ان بم�ا في ذل�ك المس��لمون جاري�ة على زيارة المراقد، ولم نجد ما يصلح دليال للمنع عن ه��ذه الس��يرة، ومن المعلوم أن األعمال أو الطقوس التي يؤديه��ا الزائ��ر المس��لم- في األعم األغلب- ال تخرج عن خط التوحيد وال تعيد إنتاج الوثني��ة أو عبادة غير الل�ه س�بحانه، ف��الزائر ال�ذي يقص�د رس�ول الل�ه )ص( أو إماما من أئمة أهل البيت )ع( ويشتغل في مشاهدهم بتالوة الق��رآنن في شيء استسهال أو الصالة والدعاء لله سبحانه، ليس من التدي رميه بالشرك أو الضالل أو االبتداع، أو الوثنية أو القبورية إلى غيرها

من األوصاف. : إن أهداف الزيارة ودروسها يمكن استلهامها دونم��االجهة الثانية

م عن��اء الس��فر حاج��ة إلى التواج��د في الض��ريح أو المرق��د وتجش�� وتحمل المشقات وبذل األموال في سبيل زيارته، فاالرتب��اط ب��النبي أو اإلمام والتواصل معهم�ا مطل�وب على ك��ل ح�ال وفي ك��ل زم�ان

ومكان، وال يتوقف ذلك على زيارة الضريح. وهذا الكالم ال يخلو من وجاهة؛ ألن روح الم��زور ال يحبس��ها المك��ان ال��ذي دفن في��ه، والتواص��ل ال��روحي والفك��ري مع��ه ال يتوق��ف على التواجد بقرب ض��ريحه، ب��ل لربم��ا حص��ل للبعي��د من االرتب��اط م��ا ال يحصل للقريب، ومن طري��ف م��ا ينق��ل في ه��ذا الص��دد أن الم��ولى

ص (1)(1) االرتياب، : 361كشف ذلك. في إليه الركون يمكن وما تامة، غير األدلة أو الوجوه هذه بعض إن أقول. والشهداء األولياء مراقد زيارة على الجارية للمسلمين العملية والسيرة الفعلية، أو القولية السنة هو

108

النراقي وقد كان في "كاشان" أرسل إلى السيد مهدي بحر العل��وموكان في النجف رسالة ضمنها البيتين التاليين:

هنيئا لكم في الجنان الخلودأال قل لسكان أرض الغري فإنا عطاشى وأنتم ورودأفيضوا علينا من الماء فيضا

فأجابه السيد بحر العلوم:ديار الحبيب بعين الشهودأال قل لمولى يرى من بعيدعلى شاهد غائب بالصدودلك الفضل من شاهد غائب

بعدكم-فنحن على القرب نشكو الظمأ على وفزتم- (1)(1)بالورود

��ه يبقى لزي��ارة المك��ان ال��ذي يض��م في ث�راه ولكنن��ا نالح��ظ أن جسد الحبيب معنى خاصا وأثرا روحيا عميق��ا، وال س��يما أن اإلنس��ان بحكم بش��ريته ينش��د إلى المحسوس��ات، ويت��أثر بالمك��ان والزم��انك إحساس��ه وعواطف��ه عناص��ر الق��رب والبع��د، أال ت��رى أن وتح��ر الحضور الروحي واالنجذاب المعنوي الذي يتملك الم��رء وه��و ي��دخل الحض��رة الش��ريفة لرس��ول الل��ه )ص( حيث مح��ل تص��اعد أنفاس��ه

وترددات صوته وموطئ أقدامه ال يمكن أن يحصل لإلنسان البعيد! هذا بصرف النظر عما ورد في أم��ر الزي��ارة عن ق��رب- زي��ارةاألنبياء واألولياء- من حث وترغيب في النصوص اإلسالمية المختلفة.

الزيارة في خط التنزيه في ض��وء م��ا تق��دم من أه��داف س��اميةالوقفــة الثالثــة:

للزيارة، فإنه يجدر بنا أن نعم��ل- باس��تمرار- على إبق��اء الزي��ارة في خط هذه األهداف، خط التنزيه الذي يبعد الزيارة عن كل م��ا يش��ين وما فيه شائبة الغلو أو الشرك، ويفترض بالعلماء الرس��اليين العم��ل ال���دؤوب في س���بيل تثقي���ف ال���زوار على ض���رورة االبتع���اد ق���در المس��تطاع عن االس��تغراق في الج��وانب الش��كلية والترك��يز على المعاني والدالالت السامية للزي��ارة، ولع��ل من التص��رفات المش��ينة والشاذة ما يفعله البعض من الزحف على بط��ونهم أو المش��ي على

ج (1)(1) الشيعة ج 163ص 10أعيان الرجالية، الفوائد ومقدمة ص 1، ،74.

109

م بعض الفقهاء أطرافهم األربع عند وصولهم إلى المقامات، وقد حر هذه األعمال ومنعوا منها، ب��ل نق��ل عن الس��يد ال��بروجردي تحريم��ه للسجود على أعتاب تلك المقامات ب��العنوان الث��اني، دفع��ا لالنطب��اع الخاطئ الذي يوحي به هذا العمل لآلخرين الذين قد يرون في ذل��ك سجودا لصاحب المقام، م��ع العلم أن الغالبي��ة ممن يفعل��ون ذل��ك ال

يقصدون سوى السجود شكرا لله على توفيقه لهم للزيارة.

نصوص الزيارات في الميزان وثم��ة نقط��ة أخ��رى ن��رى ض��رورة التط��رقالوقفة الرابعة:

إليها، وهي ترتبط بنصوص الزيارات ومضامينها، فإن نصوص الزيارة��ة للزائ��رين، وهي تتض��من الكث��ير من ل م��ادة تثقيفي المرس��ومة تمث المفردات ذات الداللة العقدية )كم��ا يالح��ظ في الكث��ير من فق��رات��ة( أو الزيارة الجامعة التي يس��تند إليه��ا في إثب��ات المط��الب العقدي التشريعية )كما في زيارة الناحية المقدسة والح��ديث فيه��ا عن لطم الخ��دود، كم��ا في زي��ارة عاش��وراء وقض��ية اللعن( أو نح��و ذل��ك من المفاهيم الفكرية المختلفة، األم��ر ال��ذي يف��رض علين��ا التعام��ل م��ع نصوص الزيارات بدقة عالية وإخضاعها لض��وابط المنهج العلمي في قراءة النص، إن لجه��ة الت��دقيق في أس��انيدها وع��دم التعام��ل معه��ا على أساس قاعدة التسامح في أدلة الس��نن، أو لجه��ة الت��دقيق في متونها بغية التأكد من عدم حص��ول الخل��ط والخب��ط واالش��تباه فيه��ا والزيادة عليها، أو لجهة مالحظة مدى انسجام مض��امينها م��ع الخ��ط الق��رآني والمف��اهيم اإلس��المية األص��يلة، والملح��وظ أن الكث��ير من الزي��ارات تش��تمل على ثغ��رة أو أك��ثر في واح��د من الجه��ات الثالث المشار إليها، أما ضعف السند فهو ثابت في غير واحد من الزي��ارات

(1)(1)حتى المشهورة منها، كما أن الخلط واالش��تباه واق��ع كث��يرا فيها

وهكذا فإن بعضها تشتمل على مضامين قلقة وربما منافي��ة للق��رآنالكريم.

ج (1)(1) الدخيلة، األخبار ص 1راجع ،252. بعدها وما

110

وفي ضوء ذلك تكون الحاجة ماسة وملحة إلى القيام بدراس��ة شاملة لنصوص الزيارات المأثورة بطريقة موضوعية بعي��دا عن لغ��ة التشهير والتضليل )كم��ا حص��ل م��ؤخرا م��ع العالم��ة الس��يد مرتض��ى العسكري عندما قوب�ل بلغ�ة تش�هيرية بس�بب رأي ل�ه في أن اللعن المع��روف في زي��ارة عاش��وراء ليس من أص��ل الزي��ارة وإنم��ا ه��و مجعول( ومما يزي��د في الحاج��ة إلى دراس��ة كه��ذه، علمن��ا بحص��ول التزوير في بعض الكتب المتداولة للزيارة كما ش��هد ب��ذلك المح��دث المتتبع العالمة الشيخ حسين النوري وشكى من عدم اعتناء العلم��اء

ومعرفتن��ا أيض��ا ب��أن جمل��ة من ال��رواة(2)(2)بتص��حيح ه��ذا االنح��راف المتهمين بالوضع والغلو والتخليط قد ألف��وا كتب��ا في الزي��ارات ومن هؤالء: عبد الله بن عبد الرحمن األصم المس�معي، ومنهم محم�د بن عبد المطلب الشيباني، ومنهم داوود بن كثير ال��رقي، ومنهم محم��د

بن أرومة.- الخطاب العاشورائي: اإليجابيات والسلبيات4ل أهم وس��يلة الس��تعادة إن الخط��اب العاش��ورائي نفس��ه يمث

الذكرى الحس��ينية، ونقص��د بالخط��اب العاش��ورائي، الخط��اب ال��ذيخذ من أحداث النهضة الحسينية ومجريات رحلة الحس��ين )ع( إلى يت كربالء محورا له، سواء بالطريقة المش��جية المعروف��ة ال��تي يتواله��ا أرباب هذا الخطاب، وهم قراء العزاء أو من يطل��ق عليهم الروادي��د، أو بطريقة الوعظ العادي الذي يحاول استهداء النهض��ة في دروس��ها وعطاءاتها، أو بطريقة العرض السردي الكتبي ألحداث النهض��ة كم��ا عليه كتب المقاتل )الكتب التي تناولت مقتل اإلم��ام الحس��ين علي��ه

السالم(.الخصائص اإليجابية للخطاب العاشورائي

امتاز الخطاب العاشورائي بعدة خصائص إيجابية جعلت��ه ف��اعال ومؤثرا أك�ثر من غ�يره من أنم�اط الخط�اب ال�ديني، ومن أهم ه��ذه

الخصائص:ص (2)(2) والمرجان، .134����140اللؤلؤ

111

: وهذا أمر مشاهد بالعيان،قدرته على االستقطاب الجماهيري-1 فإن الدعوة إلى مجلس عزاء حسيني يتلوه قارئ عادي، تشهد إقب��اال شعبيا بما ال تشهده الدعوة إلى محاضرة فكرية لعالم كبير، فم�ا س�ر

ذلك؟ إن م��رد ذل��ك إلى ع��دة عوام��ل، أهمه��ا أن الخط��اب العاش��ورائي يالمس الوج��دان ويدغ�دغ العواط��ف ويث��ير األش��جان على م��ا ج��رى للحس��ين )ع( ابن بنت رس��ول الل��ه من مص��ائب وفواج��ع يه��تز له��ا

الضمير ويندى لها الجبين.��هدوره في االستنهاض:-2 الخاصية الثانية للخطاب العاش��ورائي، أن

خطاب تعبوي استنهاضي له تأثير بالغ ودور كب��ير في بث روح الث��ورةفض للظلم والباطل، وله��ذا وتحريك اإلرادة والعزيمة ونشر ثقافة الر لم يكن مستغربا ما قام به السالطين من بني أمية وبني العب��اس من قم��ع الش��عائر الحس��ينية ومحاول��ة استئص��الها، ولكن هيه��ات، فلئن استأصلوا الشعائر، فالحسين حي ساكن في القلوب والمشاعر، وإن حرث��وا الق��بر الش��ريف وه��دموه، ف��أنى لهم أن يزيل��وا ح��رارة حب

الحسين من قلوب المؤمنين، وهي حرارة دائمة لن تبرد أبدا. الميزة الثالثة للخطاب العاشورائي، أنهدوره الثقافي التنويري:-3

بعضساهم- إن من خالل بعض خالل من أو المثقفين رموزه العلماء والمفكرين ال��ذين يعتل��ون المن��بر الحس��يني في عاش��وراء أو غيره��ا- في نش��ر ال��وعي والثقاف��ة اإلس��المية األص��يلة، واس��تطاع أن يرفع من مستوى األمة الفكري، وق��دم تحليال موفق��ا ألس��باب الث��ورة الحسينية ونتائجها ودورها في تصحيح المسار اإلس��المي، وإص��الح م��ا��ه ح��ول المن��بر الحس��يني إلى من��بر فسد من أمور المسلمين، كما أنتهم لل���دفاع عن قض���ايا المس���لمين والحف���اظ على وح���دتهم وع���ز وكرامتهم، وإن أدنى مراجعة لل��تراث أو العط��اء العاش��ورائي لعلم��اء ومفكرين أمثال: الش��يخ ال��وائلي )رحم��ه الل��ه(- وال��ذي ش��هد المن��بر الحس��يني على يدي��ه تط��ورا ملحوظ��ا- والش��هيد المطهري، والس��يدن م��دى ال��ثراء الفك��ري فضل الله، والشيخ شمس الدين وغيرهم، تبي

وحجم الدور الثقافي التنويري الذي لعبه المنبر الحسيني.

112

مالحظات نقدية على الخطاب العاشورائي ما تقدم من إيجابيات الخطاب العاشورائي لم يمنع من عل��وق بعض��ه إلى ذل��ك العلم��اء المص��لحون، وعمل��وا على السلبيات به، وقد تنب تهذيب��ه وتنقيح��ه من ك��ل م��ا يش��ين ويس��يء إلى ال��ذكرى وقدس��ية صاحبها وصورة المحتفلين بها، ولكن رغم تلك الجهود المشكورة، ال ن��زال ن��رى الكث��ير من الثغ��رات في الخط��اب الم��ذكور بحاج��ة إلى

إصالح وتسديد، وفيما يلي نشير إلى أهم هذه الثغرات: : من جمل��ة المؤاخ��ذات ال��تيالجمود على األساليب التقليدية -1

يمكن تسجيلها على الخطاب العاشورائي، ابتع��اده إلى ح��د كب��ير عن األخ��ذ باألس��اليب الحديث��ة ال��تي يمكن أن تس��اهم في بي��ان أه��داف الثورة الحسينية وإيصال ندائها إلى البشرية جمعاء. واألخذ باألساليب الحديثة، ال يعني بوجه عام التخلي عن األس��اليب التقليدي��ة م��ا دامت تؤدي غرضها ولها جمهوره��ا الواس��ع، فلنأخ��ذ- إذا- به��ذه وتل��ك. نعم، علينا أن ال نتمسك باألساليب والوسائل إلى حد التقديس، ونعت��بر أنل بدعة أو تخريبا لذكرى عاشوراء؛ ألنه وكما أفاد الشهيد تطويرها يمث مطهري، "ال يوجد في اإلسالم وسيلة مادية وش��كل ظ��اهر ل��ه ص��بغة من التقديس بحيث يجد المسلم نفسه ملزما بالتمسك بذلك الش��كل

رهما تبدل الزمان(1)(1)والظاهر" ، نعم، المضمون والمبدأ ثابتان وال يغي والمكان، والبعد الع��اطفي في الخط��اب العاش��ورائي ليس ش��كال وال طارئا، بل هو مبدأ ثابت ومضمون أصيل- كما ذكرنا س��ابقا- ال ب��د من��رة، وال ك��ة ومتغي أن يحافظ عليه، أما وسائل التعبير عنه، فإنه��ا متحر��ة في مانع، بل من الض��روري أن نس��تفيد من ك��ل األس��اليب التعبيرية الفن والمسرح واألدب، من الرسم، إلى التمثيل، إلى أسلوب القص�� وغيرها، تماما كما نستفيد من كل الوسائل التقنية الحديثة من التلفاز

والراديو والكمبيوتر وغيرها.��ة تع��رض األح��داث ولقد شهدنا في الس��نوات األخ��يرة نم��اذج تمثيلي العاش��ورائية بطريق��ة ناجح��ة وم��ؤثرة، وإنن��ا نعتق��د أن فيلم��ا واح��دا يعرض أحداث عاشوراء بتميز ونجاح، كفيل بأن يؤثر عاطفيا وتثقيفيا

ص (1)(1) والدافعة، الجاذبة قوتيه في علي .176اإلمام

113

بما ال يستطيعه عشرات الخطباء الناجحين، من دون أن يقل��ل ذل��كمن دورهم.

��ه والتطوير المنشود، كما يتم باألخذ باألساليب الحديثة المالئمة، فإن��ة الش��ائعة ال��تي نعلم أنه��ا م��ا يمكن أن يط��اول األس��اليب التقليدي اتخ��ذت ش��كلها الح��الي، إال بع��د أن قطعت مراح��ل تطويري��ة ع��دة، وعلى سبيل المثال: فإن الشعر الشعبي العراقي يش��كل ج��زءا من مجلس العزاء، وهو يتلى في معظم البل��دان العربي��ة، بم��ا في ذل��كه لبنان- مثال -، الذي ال يفهم معظم أبنائه ه��ذا الل��ون من الش��عر؛ ألن ينظم باللهج��ة العراقي��ة ومص��طلحاتها الخاص��ة، فم��ا الم��انع من استبداله في لبنان بشعر عامي لبناني، وال س�يما بمالحظ��ة م��ا له�ذاالشعر من موقع في النفوس كما هو مشاهد في الحفالت الزجلية.

: ال ريب أن اإلمام الحسين )ع(، شخصية تحظىالمنحى المذهبي -2 باالحترام والتقدير والمحبة عند كل المسلمين، على العكس من يزيد��ة بااللتف��ات لص��فات اإلم��ام وجالوزته، وهذه المحبة تكاد تك��ون بديهي الحسين الروحية والخلقية، وبااللتفات إلى كون��ه )ع( من أه��ل ال��بيت��ة في م��ودتهم وطه��ارتهم ال��ذين ن��زلت العدي��د من اآلي��ات القرآني وفضائلهم، وبااللتفات أيضا إلى احتضان رسول الله )ص( له وتأكي��ده��ة الحس�ين من محبت��ه، واحترام��ه من احترام�ه. وعلي��ه، ف��إن أن محب الحسين إم��ام من أئم��ة المس�لمين، وعظيم من عظم��ائهم، لكن م��ع ذلك، فإن االحتفال بذكراه يقتص��ر على طائف��ة واح��دة من ط��وائفهم

هذه(1)(1)وهم الشيعة، فما السر في ذلك؟ ولماذا ال يحيي أهل السنة الذكرى؟ مع استثناء بعض الفرق ال��تي له��ا موق��ف س��لبي من أص��ل��ة، بم��ا في ذل��ك إحي��اء ال��ذكرى فك��رة إحي��اء ك��ل المناس��بات الديني

الحسينية واستلهام دروس العزة والتضحية منها! قد يكون الشقاق التاريخي والعصبية المذهبية لعبا دورا أساس��يا في تمذهب ال��ذكرى واص��طباغها بل��ون م��ذهبي خ��اص، ب��ل إن العص��بية المذكورة أدت في بعض المراحل إلى أن تقابل مظاهر الحزن ل��دى��ة الشيعة بمظاهر السرور لدى غيرهم، وهو ما انتق��ده حتى ابن تيمي

عاشورائي (1)(1) مجلس أول بإقامة فبدأ القطيعة، هذه ينهي أن لبنان في السنة مفتي خالد حسن الشيخ حاولسؤال ) سلسلة راجع المشروع هذا أجهضت الظروف ولكن والشيعة، السنة فيه يلتقي الفتوى دار بإشراف

الحلقة ) الله فضل السيد سماحة مع ص( 5وجواب ،33 .)

114

، معتبرا ذل��ك من الب��دع المحدث��ة، لكن ألم تخ��ف(1)(1)في بعض كتبه حدة هذا الشقاق منذ مدة ليست قصيرة وارتفعت بدال منها أص�وات الوح��دة ون��داءات التق��ريب بين المس��لمين؟ أوليس الحس��ين )ع( قضية جامعة ينبغي أن يلتقي على إحياء ذكراه كل المس�لمين، وه��و

ما لم يحصل إلى اآلن إال على نحو المجامالت؟! هذا، ولكن لآلخرين أن يقولوا عن الخطاب العاشورائي: إنه ال يزال- ة، ومنف�را قا يحتكر الحسين )ع( لطائفة خاص� في األغلب- خطابا ضي لغيرها، إلى درجة يشعر اآلخرون بأنهم- كم��ا ق��ال أح��د كب��ارهم في لبنان- مسؤولون عن قتل الحسين )ع(، أضف إلى ذلك منف��را آخ��ر، وهو األساليب العنيفة التي ترافق إحياء الذكرى في بعض المناطق،

مما ال يستسيغه اآلخرون. إن أس��لمة ذك��رى عاش��وراء، بمع��نى جعله��ا ذك��رى إس��المية عام��ة، وليست شيعية فحسب، ال يتم فقط بدعوة المس��لمين اآلخ��رين إلى إحيائها، بل ال بد من أن يسبق ذلك قي��ام أتب��اع اإلم��ام الحس��ين )ع( ومشايعيه بنزع الفتائل التفجيرية من الخطاب العاشورائي، وص��ياغة خطاب توحي��دي يحف�ظ لل�ذكرى مض�مونها الرس�الي ويحقق ه�دفها

اإلصالحي. إن ما يدعو إلى االس��تهجان، أن االتج��اه اإلص��الحي ال��ذي ي��دعو إلى تهذيب الخط�اب العاش��ورائي من الش�وائب ومن ك�ل م�ا يش�ين، أو يدعو إلى االستفادة من الوسائل واألساليب الحديثة، يقابل بالصدود وبردات فعل عنيفة تصل إلى حد الشتيمة والتضليل، وهذا م�ا يع��وق��ة لكث��ير من أح��داث الث��ورة الحس�ينية، قيام دراسات ج��ادة وتحقيقي خشية أن يتوصل الباحث إلى نتيجة مخالفة لما هو س��ائد ومت��داول، وقد أخبرنا بعض العلماء المحققين، أنه عثر على نص أو رواي��ة ت��دل على أن الس��بايا لم يعرج��وا في طري��ق الع��ودة إلى ك��ربالء، لكن نصحه بعض إخوانه أن ال يدرجه في كتاب��ه عن اإلم��ام الحس��ين )ع(،

خشية أن تناله العامة بألسنتهم.

ص (2)(1) المستقيم، الصراط .300اقتضاء

115

د نفس��ها حارس��ة إن مش��كلتنا تكمن في ه��ذه ال��ذهنيات ال��تي تجنللقديم والسائد، مع غض النظر عن مدى وثاقته وصدقيته.

: إن طغي��ان المنحى الع��اطفي اإلغراق في الجــانب العــاطفي-3 في التعام��ل م��ع النهض��ة الحس��ينية ه��و من أخط��ر الش��وائب ال��تي

طاولت هذا الخطاب، ويمكن رصد ذلك على ثالثة مستويات:- غلبة المنحى العاطفي على وسائل إحياء النهضة.1 - طغي���ان المنحى الع���اطفي في ق���راءة الح���دث العاش���ورائي2

التاريخي. - طغيان المنحى العاطفي في التفاع��ل م�ع ص�انع الح�دث، أقص�د3

اإلمام الحسين )ع( وصحابته األبرار. ويهمني في المقام التركيز على الجانبين األول والثاني، أما الث��الث، وه��و غلب��ة المنحى الع��اطفي في التفاع��ل م��ع ص��انع الح��دث، فق��د

تطرقنا إليه سابقا لدى حديثنا عن العالقة بالمثل األعلى وركائزها.- غلبة المنحى العاطفي على وسائل اإلحياء1

أما بالنسبة إلى البعد العاطفي في إحياء الذكرى، فق��د تق��دم الكالمال، وتح��دثنا عن أن ذك��رى عاش��وراء ال يمكن إبعاده��ا أو عن��ه مفص�� إفراغه��ا من المض��مون الع��اطفي؛ ألن ذل��ك يع��ني س��لخها عن أهم��ة، ب��ل ربم��ا أدى ��ة واالس��تمرار والفاعلي مؤثراتها التي منحتها الحيوي ذلك إلى تحويلها إلى مجرد حدث تاريخي جامد ال نبض فيه وال قدرة له على التأثير كأكثر األحداث التاريخية، هذا فضال عن أن المض��مون العاطفي للذكرى يف��رض نفس��ه على ك��ل مس��تمع أو ق��ارئ لوق��ائع

النهضة وأحداثها. يقول الشاعر بولس سالمة:كادأنا المسيحي أبكاني الحسين وقد حتى بالدمع )شرقت

يشرق بي(إعوالبكيت حتى وسادي ضج من حرق قلمي في وضج

منتحب

116

منال يستوي في لقاء النار شاهدها جذعا فوقها والمرتمي الحطب

ومن هنا، فليس صحيحا إبعاد المضمون العاطفي عن وس��ائل إحي��اءالذكرى، بما في ذلك الخطاب العاشورائي التقليدي.

ولكن المالحظ����ة ال����تي يمكن تس����جيلها هن����ا، هي أن الخط����اب العاشورائي أغ�رق في تص�وير الج�انب المأس��اوي لل�ذكرى إلى ح�د اإلف��راط وتج�اوز الحق�ائق، إلى درج�ة ص�ار مقي�اس نج��اح الخطيب الحسيني هو في مدى قدرته على إبكاء الجمهور وإث��ارة ع��واطفهم، وهذا ما جعل االهتمام لدى الكث��يرين من منظمي المج��الس ينص��ب��ة على مالحظة صوت الخطيب أكثر مما ينصب على كفاءت��ه الفكري��ة، والغل��و المش��ار إلي��ه في اس��تعراض الج��انب وقدرت��ه التحليلي المأساوي، والذي انتهجه غالبية أرباب المنبر الحسيني، ه��و تحري��ف ألهداف النهضة الحس��ينية وتش��ويه لص��ورة المج��الس العاش��ورائية، بحيث غ��دت مج��الس للتفري��غ الع��اطفي والتنفيس ال��ذاتي، م��ع أن الهدف األهم الذي رسمه األئمة )ع( له��ذه المج��الس ه��و أن تق��وم، ومن خالل ال��دموع، ب��دور رس��الي في تحص��ين األم��ة وتعبئته��ا ض��د الظلم والظالمين، فال يغدو هدف الدمعة شخصيا وذاتيا بقدر م��ا ه��و

هدف رسالي عام. وفي هذا السياق ينبغي أن توضع الروايات الحاثة على البكاء وذرف الدموع على اإلمام الحسين )ع(، والمبشرة ب��األجر الكب��ير والث��واب الجزيل لكل من ذرف من الدمع جناح بعوضة، فإن هذه الروايات لو صحت سندا، فهي واردة في سياق الدعوة إلى إحياء أمر أهل البيت )ع(، وهو أمر اإلسالم، إذ ليس عند أهل البيت )ع( إال اإلس��الم، ومن

ــا حبهن���ا ق���ال اإلم���ام الحس���ين )ع( فيم���ا روي عن���ه: " أحبون ، وليس من الوارد في منطق العقل والدين، أن يكون(1)(1)"اإلسالم

مجرد التباكي أو البكاء على اإلمام الحس��ين )ع(، ول��و ب��ذرف دمع��ة واحدة، مدخال صاحبه إلى الجنة بغير حساب، ول��و ك��ان أبع��د الن��اس

عن أهل البيت )ع( سلوكا وأخالقا ومنطقا!(1)(1) ) ص ) ، ع الحسين اإلمام كلمات .584موسوعة

117

ورب قائل يق��ول: م��ا الم��انع من اتخ��اذ المج��الس الحس��ينية مظل��ة للتفريغ العاطفي، فيبكي كل إنسان نفسه ومصائبه وأحزانه وذنوب��ه تحت خيمة اإلمام الحسين )ع(، وبذلك تقوم المجالس ب��دور ترب��وي

وأخالقي؟ ويمكننا التعليق على ذلك، بأن في ذلك إفراغا للذكرى من مضمونهاك الدمع��ة في الرس��الي، وتالعب��ا بمض��مونها الع��اطفي ال��ذي تتح��رد الشهداء، على أن فرص البك��اء أجوائه حزنا على ما جرى على سي من خش��ية الل��ه، أو ن��دما على م��ا اق��ترف اإلنس��ان من ال��ذنوب والمعاص��ي، ليس��ت ن��ادرة، ب��ل هي وافي��ة كافي��ة، وذل��ك من خالل المراسم العبادية، من الص��الة، إلى الص��يام، إلى الحج، إلى ال��دعاء، ما يرسم لإلنسان نظاما روحيا متكامال ال فراغ في��ه ليمأله بمف��ردات

جديدة.العاطفة المثقفة

إنن��ا ن��دعو بص��راحة إلى ض��رورة التفكي��ك بين "العاطف��ة المثقف��ة" و"ثقافة العاطفة"، ففي الوقت الذي ال نمانع، ب�ل نش�جع- اس��تلهاما من وصايا أئمة أهل البيت )ع(- ربط المراس��م الحس��ينية بالعاطف��ة، لما لذلك من دور فاعل في تثوير األم��ة في وج��ه الظلم والطغي��ان، إال أننا ال نريد لهذه العاطفة أن تصبح مجرد انفع��ال ع��ابر أو مته��ور، وإنما نريدها عاطفة مثقف�ة واعي�ة، ال تأس�رها الدمع�ة، وال تس�قطها المأساة. وأما "ثقافة العاطفة" التي تصادر العقل وتعتمد األس��اليب االنفعالي��ة ال��تي تخ��رج اإلنس��ان عن توازن��ه، وتخل��ط بين الح��ق والباطل، فهي ليست من اإلسالم أو الش�عائر اإلس�المية في ش�يء، وال تعتبر مصداقا إلحياء أم��رهم )ع( مم��ا وردت األح��اديث في الحث عليه؛ ألن اإلسالم يرفض الباطل شكال ومضمونا، وال يقب��ل اعتم��اده في الوسيلة كما الغاية، فمنهج اإلسالم يقوم على أساس أن نظاف��ة الغاية ال بد من أن تنعكس على الوسيلة، كما أن قدس��ية المض��مون ال بد من أن تنعكس على الشكل، وه��ذا م��ا يرش��د إلي��ه كالم اإلم��ام

118

الصادق )ع(، الذي تقدمت اإلشارة إلي��ه س��ابقا: "قلي��ل الح��ق يكفي.(1)(1)عن كثير الباطل"

- المنحى العاطفي في قراءة الحدث التاريخي2 من المفهوم والمبرر- شرعا وعقال- أن تلعب العاطفة دورا أساس��يا في طريق���ة إحي���اء ذك���رى اإلم���ام الحس���ين )ع(، ال ألن التفاع���ل العاطفي مع الذكرى أمر تفرضه طبيعة المأس��اة على ك��ل ذي حس إنس��اني فحس��ب، ب��ل ألن إحي��اء ال��ذكرى باألس��اليب ذات المنحى العاطفي، وربطها المستمر بالوج��دان، ه��و الطري��ق األنج��ع لض��مان استمرار قيم الثورة الحسينية وترس��يخها في النف��وس، إال أن األم��ر غير المفه��وم وال الم��برر ه��و اعتم��اد "المنهج الع��اطفي" في ق��راءة

النص التاريخي العاشورائي ومحاكمته.القراءة العاطفية

والقراءة العاطفية ليس��ت حك��را على أح��داث عاش��وراء، وإنم��ا هيسم به��ا معظم الم��ؤرخين والب��احثين في تع��املهم م��ع صفة عامة ات أحداث الت��اريخ اإلس��المي، على األق��ل في بعض مفاص��له ومراحل��ه التاريخية، كم��ا ه��و الح��ال في مرحل��ة الخالف��ة األولى، حيث ق��دموا بشأن هذه المرحلة- في أحداثها ورجاالتها- تقييما عاطفيا أك��ثر من��ه��ة في دراس��ة األح��داث وتق��ييم تقييما واقعيا، واعتمدوا معايير تنزيهي الشخصيات. أوليست القراءة السائدة ألح��داث ص��در اإلس��الم، وم��اكئ على عنص��ر أخالقي وه��و حس��ن جرى بع��د وف��اة الن��بي )ص(، تت الظن بالص��حابة، وتتخ��ذ من ع��دالتهم الم��دعاة مرجع��ا في تحلي��ل األحداث وتقييمها؟! األمر الذي أدى إلى استخالص نتائج ال تمت إلى��ة عن عالق��ة الص��حابة بعض��هم الحقيقة بص��لة، وق��دم ص��ورة مالئكي بالبعض اآلخر، وهو األم��ر ال��ذي تكذب��ه األق��وال واألفع��ال، وتفض��حه

الوقائع والمعارك التي جرت فيما بينهم مما ال نريد الخوض فيه؟! إن الق��راءة العاطفي��ة للت��اريخ المنطلق��ة من مب��دأ حس��ن الظن أو اإلعجاب به��ذا الت��اريخ ورم��وزه، وال��تي تس��عى جاه��دة لإلص��الح بين

ج (1)(1) ص 1الكافي، ،173.

119

الجماعات أو الشخصيات المختلفة فيم��ا ال يمكن اإلص��الح في��ه، ق��د أس��همت في ض��ياع الحق��ائق وتم��ييع الوق��ائع، وس��اوت بين الجالد والضحية، وبين الصالح والطالح، وهذا ما عبرت عنه بوضوح الجمل��ة التي كتبها بعض المسلمين على ض��ريح الص��حابي الجلي��ل حج��ر ابن عدي الكندي، والجملة هي: "هذا ضريح سيدي حجر بن عدي رض��ي

الله عنه، قتله سيدي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه!".ن الظن، يق��ف في مقابل هذه النظرة المفرط��ة في التف��اؤل وحس�� أصحاب منطق القطيعة مع التاريخ اإلسالمي، واإلدانة لكل منجزات��ه ورموزه، واعتباره تاريخا مزورا ومبنيا على باطل، وكل م��ا بني على باطل، فهو باطل. إن هذه النظرة السوداوية المفرطة في التش��اؤم وإس��اءة الظن، مجافي��ة للحقيق��ة، وبعي��دة ك��ل البع��د عن الم��يزان الش��رعي ال��ذي ي��دعو إلى اإلنص��اف والع��دل في تق��ييم األح��داث

رمنك�مواألشخاص، وإعطاء كل ذي حق حقه، قال تعالى: } وال يجــوى تعــدل�وا اعــدل�وا ه�ــو أقــرب� للتقــ نآن� قــوم على أال {شــ

[.8]المائدة: وقد الحظنا أن أمير المؤمنين عليا )ع(، وه��و المع��ني األول في أم�ر الخالفة، لم يمنعه تجاوز اآلخرين لحقه أن يقيم الوضع اإلسالمي في

�سلمن ما سلمت أ�مور�عهد الخلفاء تقييما إيجابيا، عندما قال: " أل.(1)(1)"المسلمين ولم يكن فيها جور إال علي خاصة

فعلي )ع( ينحي عاطفته ومظلوميته جانب��ا، ويحكم بموض��وعية تام��ة على واقع أمور المسلمين. وتعجبني الموضوعية التام��ة ال��تي اتس��م بها الفقيه الكبير السيد أبو القاسم الخوئي )رحمه الل��ه( في تقييم��ه ألخطر قضية شغلت المسلمين وباعدت بينهم، وهي قضية الخالف��ة، فقد نفى أن يكون الخليفة األول وكذا الث��اني ناص��بي الع��داوة أله��ل البيت )ع( بحسب الظ��اهر، وإنم��ا القض��ية هي الطم��ع في الرئاس��ة

، وه��ذا ال�رأي أث�ار حفيظ��ة بعض تالمذت�ه، فتعجب من(2)(2)والسلطة كالمه واستغربه، على اعتبار أن أوضح شاهد على نصب العداوة ه��و

ج (1)(1) البالغة، ص 1نهج ،124.ج (2)(2) الشيعة، ص 3فقه ،126.

120

الهجوم على دار الصديقة فاطمة الزه��راء )ع( وإح��راق بابه��ا... إلى . والحقيقة أن السيد الخوئي لم يكن ليغف��ل عن ه��ذه(3)(3)آخر كالمه

األحداث، وأخاله قد أجاب عليها ضمنا عن��دما لخص القض�ية ب�الطمع في الرئاسة والسلطة، فإن اإلنسان قد ين��ازع أحب الن��اس إلي��ه في أمر الخالفة، وقد قالها هارون الرشيد ألحد أبنائه: "والله لو ن�ازعتني

. فمص��ادرة(1)(1)هذا األمر أخذت الذي فيه عيناك، فإن المل��ك عقيم" حق الغير ال تتالزم مع بغض��ه وكراهت��ه، أولم يكن بعض قتل��ة اإلم��امونه وتفيض عيونهم بال��دموع حزن��ا علي��ه، كم��ا ت��دل الحسين )ع( يحب على ذلك الكثير من الشواهد، ومنها كلمة الفرزدق الش��هيرة عن��دما لقيه اإلم��ام الحس��ين )ع( في الطري��ق وس��أله: كي��ف خلفت الن��اس

.(2)(2)بالعراق؟ فأجاب: "خلفتهم وقلوبهم معك وسيوفهم عليك" : إن الت��اريخ ال يق��رأ بعاطف��ة؛ ألن العاطف��ة فيوخالصــة القــول

م، وإذا ��ة(، تعمي وتص�� جانبها اإليجابي )المحبة(، أو السلبي )الكراهي استحكمت باإلنسان منعته من الرؤية الصحيحة لألحداث، ول��ذا ف��إن القراءة التحليلية ألحداث التاريخ، إنما تكون ناجح��ة بمق��دار ابتعاده��ا عن المنحى العاطفي في تفسير األحداث واعتمادها المنهج النق��دي

الموضوعي.السلبيات

إن غلب���ة المنحى الع���اطفي على وس���ائل اإلحي���اء عموم���ا، وعلى الخطاب العاشورائي خصوصا، ك��ان له��ا نت��ائج س��لبية عدي��دة نش��ير

فيما يلي إلى بعضها: - القراءة االنتقائية1

��ة إذا م��االسلبية األولى : إن التجييش العاطفي أو اإلثارة العاطفي غدت ه��دفا في ح��د ذاته��ا، فإنه��ا س��تقود ال محال��ة إلى التعام��ل م�عق النصوص بطريقة انتقائية، فكل ما ال يخدم غرض الخطيب ال يتطر

ج (3)(3) الصالحين، منهاج ص 3مباني ،205.(1)(1) ) ج ) ، ع الرضا أخبار ص 2عيون ،86.ص (2)(2) للدينوري، الطوال .245األخبار

121

، ومن األمثلة على ذلك: عدم تع��رض الخطب��اء(3)(3)إليه وربما يحذفه ال من ق��ريب وال من بعي��د إلى وج��ود رواي��ة أخ��رى غ��ير الرواي��ة المتداولة في قصة مقتل أبي الفضل العباس، والرواي��ة األخ��رى هي ما ذكره السيد ابن طاووس وغيره من خروج الحسين والعباس معا��اس عن طلبا للماء، ثم اعتراض خيل ابن سعد لهما واقتطاعهم العب

.(4)(4)الحسين )ع( وإحاطتهم به من كل جانب حتى قتل )رحمه الله( ومن الواضح أن هذه الرواية ال تتضمن عناصر إثارة عاطفية كما ه��و الحال في الرواية المتداولة التي تفترض انتداب اإلمام الحسين )ع( أخاه أبا الفضل العباس إلحضار الماء لألطفال، ووصول العباس إلى الماء وهمه بشربه، ثم رميه من يده بعد ت��ذكر عطش الحس��ين )ع( إلى آخر الرواية، ونحن ال نريد تبني هذه الرواية أو تلك، وإنم��ا نري��د

اإلشارة إلى المنهج االنتقائي في التعامل مع النصوص.- هاجس إبكاء الجماهير2

: إن الخطاب الع��اطفي ال��ذي طب��ع ق��راءة الع��زاءالسلبية الثانية على اإلمام الحسين )ع( اختصر هذه النهضة المباركة بالدمعة وصور المأساة المروعة، فال�ذي يش�غل اهتم�ام ق��ارئ الع�زاء ه�و الج�انب المأس��اوي، ويض��عف اهتمام��ه باس��تعراض ص��ور المالحم والبطول��ةق أو ال يمل��ك ودروس الع��زة والكرام��ة واإلب��اء، وهك��ذا ق��د ال يتط��ر إمكانية التطرق إلى الدور النهضوي والتغييري لثورة اإلمام الحسين )ع(. في ضوء ذلك، يص��بح مقي��اس نج��اح "الخطيب الحس��يني" في م��دى قدرت��ه على إبك��اء الجم��اهير واس��تثارة ع��واطفهم، واس��تدرارنا نالحظ أن معيار تصنيف الخطباء- لدى عام��ة الن��اس- دموعهم، وإن ال يأخذ باالعتبار م��دى علمهم وثق��افتهم بق��در م��ا يأخ��ذ في االعتب��ار رخامة ص��وتهم ونداوت��ه، األم��ر ال��ذي انعكس على الخطيب نفس��ه،

فصار هاجسه األول واألخير هو إبكاء الناس وليس تثقيفهم.ـــ تسرب الخرافة إلى ثقافتنا3

(3)(3) ) ص: ) الصدر، صادق محمد الشهيد للسيد ع الحسين تاريخ فلسفة من شذرات .235����237راجعص (4)(4) الطفوف، قتلى على .170الملهوف

122

: إن سيطرة المنحى العاطفي على وس��ائل إحي��اءالسلبية الثالثة ال��ذكرى، وعلى رأس��ها الخط��اب العاش��ورائي، س��محت بتس��رب الخراف��ة إلى الخط��اب اإلس��المي عموم��ا، والخط��اب العاش��ورائي

خصوصا، وهذا أمر طبيعي في ظل غياب العقل النقدي واستقالته. وم��ا ي��دعو إلى القل��ق، أن الخط��اب الم��ذكور ال��ذي تس��ربت إلي��ه�اس من خالل ��ا يس�معه الماليين من الن الخرافة قد غ�دا خطاب�ا علني المحطات التلفزيونية المجندة لهذه الغاية، والعالمة الفارقة في هذا الخطاب- مضافا إلى اعتماده ثقافة القطيعة مع اآلخ��ر- هي إغراق��ه في الح����ديث عن المع����اجز والكرام����ات دون تثبت من ص����حتها وواقعيتها، وإمعانه في سرد القص��ص الخيالي��ة والحكاي��ات ال��تي هي أقرب إلى األساطير منها إلى الحقيقة، كم��ا ه��و الح��ال في رواي��ات كتاب "أسرار الشهادة" للدربن��دي، ه��ذا الكت��اب المش��حون باألخب��ار الواهية والقصص المجعولة على ح�د تعب��ير المح�دث الن�وري، ال�ذي��ه ه��اجم كتاب��ه الم��ذكور، وإن لم يش��كك في إخالص الدربن��دي، لكن معتبرا أنه "ليس له أي وقع وال اعتبار لدى علماء هذا الفن وجهاب��ذة الحديث والسير، بل إن األخذ منه واالعتم��اد علي��ه ي��دل على ض��عف الناقل وقلة بص��يرته في األم��ور"، ويض��يف: "ب��ل إن نفس المؤل��ف يعترف في كتابه بضعف رواياته، وي��برز بعض العالم��ات الدال��ة على كذبها ووضعها، إال أنه راح يبرر سبب نقل��ه له��ا، فك��ان ش��ريكا فيم��ا

.(1)(1)سببته تلك الروايات من الفساد" رحم الله المحدث النوري، فقد أحسن وأجاد في كتاب��ه ه��ذا )اللؤل��ؤال عن ش��روط ق��راءة الع��زاء وارتق��اء والمرج��ان(، إذ تح��دث مفص�� المن���بر، وأش���ار في ثناي���اه إلى الكث���ير من األك���اذيب والقص���ص المجعول��ة، وال��تي ال ت��زال إلى يومن��ا ه��ذا تتلى على المن��ابر بك��رةاء العزاء وكل الخطب��اء وعشيا، وأرى لزاما علي أن أنصح أخواني قر والوع��اظ بمطالع��ة ه��ذا الكت��اب، واالس��تفادة من مطالب��ه وفوائ��ده

الكثيرة.-التساهل في العرض التاريخي4

ص (1)(1) والمرجان، .201اللؤلؤ

123

: إن الغلو العاطفي س��اهم في تس��طيح الخط��ابالسلبية الرابعة العاشورائي، حيث غدا- إال م��ا ن��در- خطاب��ا متس��امحا ومتس��اهال في��راعي ت في نق��ل األح��داث. وال ي ع��رض الوق��ائع التاريخي��ة، فال يتثب قواع��د البحث العلمي في دراس��ة الت��اريخ وتحقيق��ه وتنقيح��ه، ول��ذاة وم��ا يناقض��ها، ونق��ل ينطل��ق الخطيب- أحيان��ا- في س��رد القص�� األح��داث المفجع��ة والمش��اهد المحرك��ة لألش��جان من دون إثب��ات صدقيتها أو مالحظة مدى انسجامها مع مكانة أهل ال��بيت )ع(، فيم��اك عن��دما تس��مع يرتب��ط بهم من أح��داث، وعلى س��بيل المث��ال: فإن الرواية المشهورة على ألسنة القراء، من أن العباس لما وص��ل إلىر عطش أخيه الحسين واألطف��ال، المشرعة وأخذ الماء بكفه ثم تذك

رمى الماء من يده، رغم ظمأه الشديد، وردد قائال:وبعده ال كنت أن تكونييا نفس من بعد الحسين هوني

د اإليث��ار ب��أعلى ص��وره، ولكن في تجد نفسك أمام مشهد رائع يجس المقابل، عندما تس��مع أو تق��رأ أن الحس��ين )ع( نفس��ه عن��دما توجه إلى المشرعة وأخذ الماء بيده، لم يت��ذكر عطش األطف�ال والنس�اء،روه على شرب الماء وت��رك عيال��ه بل هم بالشرب لوال أن القوم عي

(1)(1)عطاشى ، فيعطيك هذا انطباعا بأن موقف العب��اس ك��ان مفعم��ا باإليثار أكثر من موقف الحسين )ع(، وهو ما ال يمكن القب��ول ب��ه، أو

ه يحتاج إلى التوجيه بعد التوثيق. على األقل، فإن��ة لإلم��ام وهك��ذا، ق��د يق��دم ل��ك الخط��اب العاش��ورائي ص��ورة مذل الحسين )ع( عندما يعرض لك مش��هدا عن آخ��ر لحظ��ة من لحظ��ات عم��ره الش��ريف، حيث يتق��دم بعض أعدائ��ه من��ه وهم خ��ائفون من همسات يسمعونها تخرج من فمه )ع( خشية أن تكون دع��اء عليهم،

ي عطش��ان" . فه��ل تنس��جم ه��ذه(2)(2)فإذا به ي��ردد ق��ائال: "ي��ا رب إن الصورة مع عزة اإلمام الحسين وإبائه وشهامته ورباطة جأشه، التي عكسها بعض خصومه أكثر مما يعكسها الكالم المذكور ال��ذي ي��رددهاء العزاء، إذ يقول بعض الرواة: "والل��ه م��ا رأيت يه من قر بعض محب

ج (1)(1) النجاة، ص 1سفينة ،88.ص. (2)(2) ن، .93م

124

(3)مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه، أربط جأشا من��ه..."

، واألمثلة على ذلك كثيرة.(3) إن هذه النزعة التساهلية في سرد األحداث، والتي تنشأ- غالب��ا- من حرص الخطيب على إثارة العواطف، مستفيدا من كل العناصر التي تساهم في تحقيق ذلك، أدت إلى انقالب الموازين الحقيقية، ليص��بح الجواب الذي يس�معه المع�ترض أو المس��تفهم عن بعض المف��ردات هو: ما دليلك على عدم حدوث هذه القضية، مع أن القاعدة البديهية في هذا المجال وغيره تقول: إنه ال بد من إقامة الدليل على حدوث الواقع��ة ال على نفيه��ا، فالمط��الب بال��دليل ه��و من ي��دعي اإلثب��ات وليس المنك��ر أو المتحف��ظ. وعن��دما تس��ود النزع��ة التس��امحية، وال��ل بالس��كوت تواج��ه من العلم��اء بالنق��د والتص��حيح، ب��ل ق��د تقابم، اللؤل��ؤ ��ه علي��ه الم��يرزا الن��وري في كتاب��ه القي واإلمض��اء، كم��ا نب

، فمن الطبيعي أن يفتح ذلك الباب أمام الخي��ال،140والمرجان، صة ع��رس لينطلق في نسج قصص ال واقعية لها وال دليل عليها، كقص�� القاسم، أو قصة ليلى أم علي األكبر، مع أن الكثيرين من المحققينحوا بأنه ال دليل على تواج��دها في ك��ربالء، ك��المحقق القمي في صر "نفس المهم��وم"، ب��ل إن أس��تاذه الن��وري اعت��بر أن م��ا يح��اك عن تفاصيل حضورها في كربالء وطلب اإلمام الحسين )ع( منه��ا ال��دعاء

، ورغم ذلك، فقد تمحل وتكل�ف بعض(1)(1)البنها هو "كذب في كذب"المعاصرين إلثبات ذلك بما ال طائل تحته.

ه( مق��داما في مواجهت��ه وقد كان السيد محسن األمين )ق��دس س��ر ومجابهت��ه له��ذه النزع��ة التس��امحية، ول��ذا ك��ان الك��ذب على رأس المنك��رات ال��تي انتق��دها في "رس��الة التنزي��ه" وع��دد فيه��ا جمل��ة األكاذيب الشائعة في زمانه، وبعضها لم نعد نسمع بها بفضل جهوده

وجهود سائر العلماء المصلحين.قراءة العزاء بلسان الحال

ص (3)(3) .170الملهوف،ص (1)(1) والمرجان، .128اللؤلؤ

125

ويبدو أن النزعة التسامحية المذكورة ال��تي فرض��ها طغي��ان المنحى العاطفي أسهمت في إنتاج أو ابتكار طرق معينة في قراءة الع��زاء،اء الع��زاء الحس��يني من ط��رح ومن هذه الطرق، م��ا ش��اع ل��دى ق��ر الكثير من األمور المتصلة بمجريات النهضة الحسينية وأح��داثها على طريقة "لسان الحال"، وغالبا ما يأتي ذلك في سياق حشد العناص��ر الم��ؤثرة، وال س��يما عن��دما يج��د الخطيب أن النص��وص التاريخي��ة ال تس��عفه كث��يرا، فيطل��ق العن��ان لمخيلت��ه لتتص��ور بعض األق��وال أو األفعال، ثم تصوغها بلس��ان الح��ال أو بعب��ارة "ك��أني ب��ه يق��ول... أو

يفعل...".ما المقصود بلسان الحال؟

يطلق لسان الحال على م��ا يقاب��ل لس��ان المق��ال، وإذا ك��ان لس��ان المقال هو ما ينطق به اإلنسان، فإن لسان الحال هو م��ا ي��دل علي��ه ظ��اهر أم��ره دون أن يتف��وه بش��يء، وظ��اهر الح��ال يمكن تلمس��ه ومعرفت��ه من خالل س��لوك الم��رء ومواقف��ه وقس��مات وجه��ه ونح��و

ذلك، قال الشاعر:

ه م سر لوال ينم به لسان الحالكاد المتيم أن يكت وإن الكثير من المعايير القرآنية واردة وف��ق أس��لوب لس��ان الح��ال، كما في الموارد التي ينقل فيها القرآن كالما عن جهة غير عاقل��ة وال

ول� لجهنم هــل امتألتناطقة، من قبيل قوله تعالى: } يــوم نق�ــزيــد ول� هل من م [، ف��إن ج��واب جهنم ه��و بلس��ان30{ ]ق:وتق�

، وهك��ذا م��ا ورد ح��ول تكلم الس��ماوات واألرض(1)(1)الحال ال المقالفي قول��ه تع��الى: } ا ولألرض ائتيــا طوعــا أو كرهــا فقال لهــ

[، والموجب لحمل كالم الس��ماء11{ ]فصلت:قالتا أتينا طائعين أو األرض على كون��ه بلس��ان الح��ال ال المق��ال م��ع أن ذل��ك خالف��ة الس��ماء الظاهر، هو القرين��ة المقتض��ية ل��ذلك، باعتب��ار ع��دم قابلي

واألرض للنطق.

ج (1)(1) طاووس، البن اإلقبال ص 1راجع ،420.

126

وقد عرف أسلوب "لسان الحال" لدى الشعراء واألدب��اء، وش��اع في القص��ص واألمث��ال، حيث ينظم الكالم بلس��ان الح��بيب أو بلس��ان

الزمان أو الديار أو بعض الحيوانات، قال الشاعر:كانجاءت سليمان يوم العرض هدهدة جرادا إليه أهدت

في فيهامقداروأنشدت- بلسان الحال- قائلة على الهدايا إن

مهديهاالموقف الشرعي

وامتد األسلوب الم��ذكور إلى مج��االت الوع��ظ واإلرش��اد، وخصوص��ا في قراءة المجالس الحسينية، حيث عمد الخطب��اء إلى نق��ل الكث��ير من الكلمات عن النبي )ص( أو األئمة )ع( أو بعض شخصيات الثورة بلسان الحال، ومن الطبيعي أن يقع التس��اؤل عن مش��روعية ذل��ك، وال سيما في ظل وجود مناخ إسالمي يبالغ في تح��ريم الك��ذب على الله أو رسوله والتقول عليه بما لم يقل��ه. وق��د س��ئل الفقي��ه الكب��ير السيد الخوئي )رحمه الله( عن إنشاد األشعار بلسان الحال مع كون بعض المس�تمعين ال يعرف�ون ذل�ك، فأج�اب: "ال ب�أس م�ا لم يقص�د

، فهو يفترض أن المس��ألة ترتب��ط بقص��د الخطيب،(1)(1)واقع النسبة"د ك��ون الكالم للن��بي أو اإلم��ام، دخ��ل فعل��ه تحت عن��وان ف��إن قص�� الكذب، وإن لم يقصد ذلك، فال بأس في األمر وال دليل على حرمته، ويعزز ذلك تعارف هذا األس�لوب في عص�ر الن�بي واألئم�ة، ولم ي�رد

عنهم ما يمنع منه أو ينهى عنه. ولكن القضية ال ترتبط بقص��د الخطيب فحس��ب، ب��ل هي أوس��ع من ذلك، وثمة مالحظات عديدة يمكن تسجيلها على األسلوب الم��ذكور،

لما يترتب عليه من النتائج السلبية.من يعرف حال اإلمام الحسين )ع(؟

ج (1)(1) النجاة، ص 2صراط ،443.

127

ولعل أهم تلك المالحظات هي أنه في الوقت الذي نق��ر ب��أن لس��ان الحال هو أسلوب متعارف، وق��د يك��ون تعب��يره عن الواق��ع أبل��غ من

لسان الحــال أصــدق منلسان المق��ال، وكم��ا ق��ال علي )ع(: "خص ال��ذي يري��د(2)(2)"لسان المقال ، لكن ذلك مرهون بكون الش��

أن يعكس حال غيره، على معرفة تام��ة ب��ذلك الغ��ير، وإلم��ام كام��ل بمكانته ونمط تفك��يره وخصوص��ياته النفس��ية والش��عورية، وإال فق��د يعكس ح��ال الغ��ير بش��كل خ��اطئ ومش��وه. والس��ؤال: ه��ل ال��ذين يتح��دثون عن اإلم��ام الحس��ين )ع( أو عن زين العاب��دين )ع( أو عن رس��ول الل��ه )ص( بلس��ان الح��ال يس��تطيعون معرف��ة ح��ال ه��ؤالءم��ا بمجري��ات المعصومين؟ ومن كان منهم حاض��را في ك��ربالء أو مل

ذلك اليوم؟! وبعبارة أخرى: إن التعبير عن ح��ال اآلخ��ر يتوق��ف على ت��وافر ثالث��ة

عناصر:المتحدث الذي يحاول اكتشاف حال اآلخر.-1المتحدث عنه الذي يراد معرفة حاله.-2 عالقة المتحدث بالمتحدث عنه واطالعه على س��لوكه ونم��ط تفك��يره-3

اته. وخصوصي وهذه العناصر الثالثة ال نرى أنها مكتملة في المقام ليك��ون للح��ديثرا عن واق��ع الح��ال، فال المتح��دث في الغ��الب مصداقية ويك��ون معب يملك ثقافة كافية تؤهله معرفة حال اإلم��ام أو غ��يره من شخص��يات الثورة، وال ه��و على عالق��ة حس��ية بالواقع��ة تمكن�ه من تق�دير واق��ع الحال أو ظاهره، وال المتحدث عن��ه رج��ل ع��ادي يمكن ألي ك��ان أن يتعرف أحواله بس��هولة، وال س��يما في ظ��ل ه��ذا البع��د الزم��ني عن

الواقعة وأحداثها. وعلى ض��وء ذل��ك، ت��أتي الكث��ير من األح��اديث والمع��اني المنقول��ة��رة عن ��رة عن ثقاف��ة الخطيب أك��ثر مم��ا هي معب بلسان الحال معب واقع الح��ال، ول��ذا ن��رى تل��ك المع��اني ترتف��ع وتهب��ط تبع��ا لمس��توىم الهب��وط أحيان��ا إلى الخطيب الثق��افي، ويص��ل المس��توى في س��ل

ص (2)(2) والمواعظ، الحكم .420عيون

128

درجة يسقط الخطيب معها أفكاره وتخيالته على الوقائع بدال من أن��ة عش��ائرية، ت��راه يكون مرآة صادقة لها، فالشاعر الذي يعيش ذهني

ينظم على لسان اإلمام الحسين )ع(:ليدسادة نحن واألنام عبيد ولنا طارف العلى والت

م��ع أن من الواض��ح أن ه��ذا ال يمت إلى فك��ر الحس��ين )ع( بص��لة.��ة، ويهتم وهكذا نرى أن الخطيب ال��ذي يش��غل بال��ه اإلث��ارة العاطفي بإبك��اء الن��اس، ينس��ج من مخيلت��ه الكث��ير من الص��ور والكلم��اترة بلسان حال رسول الله )ص( أو الس��يدة فاطم��ة المشجية والمؤث )ع( أو اإلمام الحسين )ع( أو زينب )ع(، مع أن بعضها ال يتناسب مع

مكانتهم.خلط الحقائق باألوهام

والمالحظة الثاني�ة: إن الح��ديث بلس��ان الح��ال ق��د احت�ل مس�احة الما يخل��و مجلس بأس بها من قراءة المجلس الحسيني، بحيث إنه قل من نقل شعر أو ن��ثر بلس��ان الح��ال، وه��ذا ق��د يعطي انطباع��ا غ��ير دقيق عن ندرة األحداث والوقائع المؤرخة ح��ول النهض��ة الحس��ينية، كما ويؤدي إلى خلط الحقائق باألوهام لدى الرأي العام الذي يع��وزه في الغالب التفريق بين ما يط��رح بلس��ان الح��ال أو لس��ان المق��ال،نا نالحظ أن بعض أبي��ات الش��عر نظمت في البداي�ة بلس�ان ح��ال وإنل الكث��يرون أنه��ا من اإلمام الحسين )ع(، ثم م��ع م��رور ال��وقت، تخي

نظم اإلمام، ومن ذلك قول الشاعر:إال بقتلي يا سيوف خذينيإن كان دين محمد لم يستقم

��ه من إنش��اد اإلم��ام ل الكث��يرون، ومنهم بعض الب��احثين، أن فق��د تخي ، وقد احتمل ذلك الشيخ محم��د حس��ين آل كاش��ف(1)(1)الحسين )ع(

��ه من نظم الش��اعر الع��راقي الش��يخ محس��ن أب��و(2)(2)الغطاء ، مع أن.(3)(3) ه��1305الحب المتوفى في سنة

(1)(1) : ص للتيجاني؛ السنة أهل هم الشيعة المثال سبيل على .69راجعص (2)(2) المأوى، .210جنةج (3)(3) شبر، جواد للسيد الطف أدب ص 10راجع ،131.

129

ر بعض األكاذيب والتحريف��ات ال��تي ، أمكننا أن نفس ا الظن وإذا أحسن طاولت النهضة الحسينية، وش�كا منه�ا المص�لحون- أمث��ال المح��دث الن���وري في كتاب���ه "اللؤل���ؤ والمرج���ان" والش���يخ المطه���ري في "الملحمة الحسينية"- وفق ما ذكرنا، بمع��نى أن بعض األم��ور ك��انت تطرح بداية بلسان الحال، أو بعن��وان "ك��أني ب��ه يق��ول"، ثم تح��ولت بمرور الوقت إلى "مسلمات" و"حقائق"، حتى غدا االعتراض عليه��ا مستهجنا بدل أن يستهجن طرحه��ا، وربم��ا ك��ان من ه��ذا القبي��ل م��ا يطرح في قصة ليلى أم علي األكبر، مما لم يوج��د من��ه عين وال أث��ر في المصادر التاريخية وغيرها، فمن المرجح أن بعض الخطباء نس��جة على طريق��ة "وك��أني بليلى.."، ثم تلقفه��ا اآلخ��رون ه��ذه القص�� وتداولوها على أنها واقعة، اشتباها منهم أو جهال بحقيقة األمر، ويبدو أن المس��ألة تج��اوزت االش��تباه، "وأص��بح لس��ان الح��ال م��بررا ل��دى

، وك���أن الس���يرة(4)(4)البعض لنق���ل كث���ير من التفاص���يل الكاذب���ة" الحسينية لم يكفها ما أدخل عليها بلس��ان المق��ال، ففتحن��ا باب��ا آخ��ر

للكذب تحت عنوان لسان الحال.تثقيف األ�مة بلسان الحال!

وثمة مالحظة ثالثة في المقام، وهي أن الخطابة الحسينية، بم��ا في ذلك ما يحكى بلسان الحال، لها دور ثقافي تعبوي، والخطيب يسهم في البن��اء الفك��ري والعقي��دي لألم��ة، وعلي��ه، فال يج��وز التس��اهل أو التهاون في األمر كما هو حاصل، إن لجهة إعداد الخطب��اء الم��ؤهلين لهذه المهمة وإسكات المتطفلين والمت��اجرين منهم، أو لجه��ة م��ادة الخطاب��ة، ع��نيت ب��ذلك الس��يرة الحس��ينية ال��تي ال زالت تع��اني من الثغرات الكب��يرة في التحقي��ق والتوثي��ق، أو لجه��ة أس��لوب الع��رض والطرح الذي تحكمه عقدة إبكاء الجمهور، ما يجعل الخطيب أس��يراع قاعدة "التسامح لهذا الهدف، فتراه يتمسك بشواذ األخبار، أو يوس�ة، أو يعتم�د طريق�ة في أدلة الس�نن" لم�ا يش�مل األح�داث التاريخي لسان الحال، وربما يدخل الكث��ير من أوهام��ه وتخيالت��ه تحت عن��وان "وكأني به يقول"... وعلى سبيل المثال، عندما يستمع الجمهور إلى

ص (4)(4) الحسينية، النهضة على أضواء كتابه في الصدر، صادق محمد السيد الشهيد يقول .90كما

130

ة ليلى، وأنه��ا ذهبت ب��أمر اإلم��ام إلى الخيم��ة م��ا يحكى في قص�� ونشرت شعرها ودعت، البنها علي األك��بر، فه��و- أع��ني الجمه��ور- ال ينظر إلى المسألة من زاوية أنها صورة مفجعة فحسب، بل إن هذه الصورة تترك في ذهنه انطباعا عن شرعية ه��ذا العم��ل واس��تحبابه، �ه أم�ر ليس ثابت�ا أعني نشر المرأة شعرها عند قراءة الدعاء، م�ع أن��ا عن��د ظ��اهرة الق��راءة بلس��ان م التوق��ف ملي شرعا، األمر الذي يحت

الحال.- السيرة الحسينية وتحدي نزعة التقديس5

: إن المنحى العاطفي في الخطاب العاشورائيالسلبية الخامسة أسس لنزعة خطيرة، وهي نزعة تقديس التراث أو الت��اريخ برم��وزه وشخصياته ومحطاته وانتصاراته، ما يرفع رموزه إلى درجة العص��مة والتع��الي على النق��د، ويض��في على محطات��ه وأحداث��ه هال��ة من

القداسة والهيبة، بحيث تمنع من مقاربته النقدية. ويالحظ أن منسوب التقديس يرتفع كلما تقهقرت األمة أكثر وت��دنى مستواها الحضاري، م��ا يجعله��ا تمعن في اس��تعادة أمج��اد الماض��ي،

حيث تجد فيها تعويضا نفسيا عن هزائم الحاضر.���دعا في ه���ذا المج���ال، فق���د أحاط���ه وتاريخن���ا اإلس���المي ليس ب المسلمون- على األقل في بعض مراحله- بهالة قدسية اختل��ط فيه��ا الوجداني بالتاريخي، والواقعي بالمتعالي أو المتخيل، ولذا ت��رى أنهم ال يستسيغون وال يتقبلون الق��راءة النقدي��ة ألحداث��ه ومجريات��ه، وم��ع هذه النزع��ة، انس��اق المس��لمون الش��يعة في التع��اطي م��ع أح��داث��ة النهضة الحسينية. ولذلك، ليس مس��تغربا أن تك��ون قراءته��ا النقدي محفوفة بالمخاطر، وأن يتخوف الكثيرون من إبداء رأي مخالف في تحليل أحداثها، خشية تعرضهم ل�ردود فع��ل قاس�ية، كم�ا حص�ل م�ع بعض العلماء الذين ناقشوا في بعض األفكار الس��ائدة رغم افتقاره��ا إلى ال��دليل، كقض��ية وج��ود "ليلى" زوج��ة اإلم��ام الحس��ين )ع( في ك��ربالء، أو قض��ية رج��وع م�وكب الس��بي من الش��ام إلى ك��ربالء فير ��ة، ويبل��غ الت��وت العشرين من صفر، أو غيرها من المفردات التاريخي

131

��ة واالستنفار المذهبي م��داه إذا م��ا تم تس��جيل بعض األس��ئلة النقدي إزاء موقف بعض الشخصيات غير المعص��ومة ممن أوص��لتهم الهال��ة القدسية إلى رتبة القديسين ومصاف المعص��ومين، على ال��رغم من

إقرار الناقد بفضلهم وعظيم مقامهم ومنزلتهم.سلبيات نزعة التقديس

�د أن الحقيق��ة هي الض�حية األولى للنزع��ة التقديس�ية في من المؤك التعامل م��ع ال��تراث والت��اريخ، ف��إن هال��ة القداس��ة ال��تي يح��اط به��ا الحدث أو الش��خص، تش��كل حاجب��ا عن رؤي��ة الحق��ائق، وعائق��ا عن�دخل العاطف�ة في عملي�ة ق��راءة النص، الوصول إلى الواقع؛ ألنه�ا ت فتستبعد من��ه أو تض��يف علي��ه م��ا ت��راه ض��روريا للحف��اظ على نق��اء الصورة المرسومة سلفا عن الحدث الت��اريخي، وربم��ا وص��ل غل��واءز العاطفة- عند البعض- إلى حد اختالق األحداث والقصص ال��تي تع��ز قناعاته، ما يؤدي إلى اختالط الوقائع باألوه��ام، وض��ياع الحق��ائق في رك��ام األس��اطير. ه��ذا من جه��ة، ومن جه��ة أخ��رى، ف��إن النزع��ة المذكورة تحد من الشجاعة العلمية، أو قل تزهد في اقتحام ميادين البحث الت��اريخي المتص��ل بالمق��دس المف��ترض، ف��إن الب��احث أوب دراس���ة ه���ذه األح���داث أو الشخص���يات بطريق���ة المحقق يتهي موض��وعية تس��تهدف اس��تجالء الحق��ائق، وذل��ك خش��ية وص��وله إلى قناعات مختلفة عما هو سائد ومشهور، وقد تصدم- ه��ذه القناع��ات-��ة معين��ة عن تاريخ��ه ورم�وزه، الرأي العام الذي يمل��ك ص�ورة نمطي

وقد أصبحت هذه الصورة جزءا من وعيه الديني وبنائه الفكري. لهذه األسباب- وربما لغيرها- ظل النص التاريخي العاشورائي بمنأى عن الدراسة الموضوعية والتحقيقية، وما بذل من جه��ود ج��ادة على هذا الص��عيد، كمح��اوالت الس��يد محس��ن األمين )رحم��ه الل��ه(- مثال- بقي بعيدا عن التأثير الفاعل، ليبقى التساهل إزاء هذا النص هو سيد الموقف! وربما تلفق- أحيانا- بعض الحجج الواهية لدعم هذا المنحى��ط ع��زائم الب��احثين ويزه��دهم أو التس��اهلي واالس��ترخائي، بم��ا يثب يخوفهم من درس تلك األحداث وتحقيق نصوص��ها، من قبي��ل الع��ذر��ة بعض العلم�اء وعزم�ه على ال�واهي ال�ذي ي�ردده بعض�هم ح��ول ني

132

تحقي��ق الرواي��ة الص��حيحة أو الق��ول الص��حيح بش��أن وف��اة الس��يدة الزهراء )ع( )على اعتبار أن في المسألة ثالثة أقوال(، وإذا بالزهراء )ع( تأتي هذا العالم في منامه لتقول له: يا هذا أتراك، استكثرت أن يقام لي ثالث مناسبات يبكى فيها علي؟! فما كان من هذا العالم إال

االنصراف عن عزمه! إن هذا النمط من التفكير الالمنطقي لن يطمس الحقائق التاريخي��ة فحس��ب، وإنم��ا ه��و مع��وق لحرك��ة البحث العلمي ونه��وض األم��ة وعبورها نحو المستقبل. إن الخطوة األولى على صعيد نجاح الجهود��ل ��ة ووص��ولها إلى غاياته��ا، تتمث العلمية والبح��وث التاريخي��ة والفقهي بتحريره��ا من س��طوة اله��االت والقداس��ات المص��طنعة والخراف��اتواألساطير الملفقة التي تكبل حركة البحث بتقديسها غير المقدس.

محاكمة التراث الخبري والتاريخيفة ورفعه��ا أجل، إننا في الوقت الذي ندعو إلى تمزيق الهاالت المزي من أمام حركة البحث التاريخي أو غيره، ف��إن ذل��ك ال يع��ني رفض��نا محاكمة النصوص التاريخية وفق معايير مبرهن��ة وض��وابط ثابت��ة في محلها، لكن السؤال عن الميزان في ذلك؟ وإلى أي حد يمكن وض��ع سقف كالمي أو غيره يحكم البحث الت��اريخي ويتم في ض��وئه رفض الرواي��ات ال��تي تتج��اوز الس��قف الم��ذكور؟ ولم��اذا ال نعكس األم��ر فنجعل الرواية والحادثة التاريخية ميزانا لقب��ول المفه��وم الكالمي أو ��ة بعي��دا ��ة والعقدي رفضه؟ أو قل: كيف لنا أن نب��ني تص�وراتنا الكالمي

من هذا التراث الخبري؟ : إن ثم��ة ث��وابت عقيدي��ة تم تبنيه��ا اس��تنادا إلى ب��راهينوالجــواب

عقلية أو نقلية قطعية، سواء فيما يتص��ل بالل��ه س��بحانه وص��فاته، أو فيما يتصل بالنبي )ص( أو اإلمام )ع(، أو فيما يتصل بي��وم المع��اد أو ما إلى ذلك، ومن الطبيعي أن تمثل هذه المس��لمات س��قفا ال يمكن للقراءة التاريخية أو الفقهية أو سواها تجاوزه، ومن األكي�د أن تراثن�ا الخبري والتاريخي يض��م مض��امين تتن��افى وأص��ل التوحي��د اإللهي أوم رفض��ها أو تأويله��ا على عص��مة الن��بي واإلم��ام, وأخب��ار كه��ذه يتحت

133

�ه ق�ال: األقل. وعلى س�بيل المث�ال: فق�د روي عن أبي عب�د الل�ه ان "ص��لى علي )ع( بالن��اس على غ��ير طه��ر وك��انت الظه��ر، ثم دخ��ل، فخرج مناديه أن أمير المؤمنين )ع( ص��لى على غ��ير طه��ر فأعي��دوا، وليبلغ الشاهد الغائب". فهذا الخبر شاذ ويتنافى م��ع عص��مة اإلم��ام، فال بد من طرحه، كما اعترف ناقله الشيخ الطوسي، بينما استغرب��ل الش��يخ الس��يد الخ��وئي )رحم��ه الل��ه( نق��ل ه��ذا الح��ديث من قب

الطوسي والكليني وذكره من أساسه في كتب الحديث. هناك قضايا عقدية اجتهادية قد تختلفولكن في المقابل، فإن

فيها األنظار بسبب عدم قطعية أدلته��ا، وهي قض��ايا كث��يرة، فه��ذه ال يمكن اعتبارها ميزانا لمحاكمة التراث الخبري والتاريخي، بل إن هذا التراث قد يشكل مستندا له��ذه المف��اهيم، وعلى س��بيل المث��ال: إن الفكرة التي تطرح حول ضرورة أن يكون آب��اء الن��بي )ص( إلى آدم موحدين تفتق��ر إلى دلي��ل حاس��م ومقن��ع، فال يمكن اعتباره��ا ميزان��ا ل��رفض أو تأوي��ل النص��وص المعارض��ة، ب��ل ال ب��د من أن تؤخ��ذ ه��ذا النصوص- وال سيما القرآنية- في االعتب��ار قب��ل حس��م الموق��ف إزاء

هذه الفكرة. وفي هذا الس��ياق، يهمن��ا التنبي��ه إلى ض��رورة أخ��ذ ال��تراث ال��روائي الفقهي باالعتب��ار، واالس��تفادة من��ه في بن��اء المف��اهيم والتص��ورات

العقدية؛ ألنه تراث زاخر ويضيء على حياتهم الشخصية.اختالط المناهج

إلى ما تقدم فإن ثم��ة معض��لة أخ��رى- مض��افا إلى مشكلة النظرة التقديسية للتراث- تعترض عملي��ة البحث والتحقي��ق التاريخي، وهي معضلة الخلط بين الت��اريخي والعق��دي من القض��ايا،- عن قص��د أو غ��ير قص��د- إلب��اس بعض القض��ايا التاريخي��ة حيث يتم لبوسا عقديا يجعل من مقاربتها النقدية محاولة مس بالعقيدة، وه��ذار عن خلل منهجي كب��ير، على اعتب��ار أن لك��ل علم فضال عن أنه يعب��ه أم��ر غاي��ة في منهجيت��ه وأدوات��ه في االس��تنباط واالس��تدالل، فإن

134

ب عليه من س��ريان أحك��ام القض��ايا العقدي��ة إلى الخطورة، لما يترتالقضايا التاريخية.

فمثال: هل إن مس��ألة دفن ال��رؤوس الش��ريفة لإلم��ام الحس��ين )ع(��ة أو التاريخي��ة وصحابته إلى جانب األجساد هي من المس��ائل العقدي المحضة؟ وهكذا مسألة رجوع اإلمام زين العابدين )ع( للص��الة على

جسد أبيه اإلمام الحسين )ع(؟ نعم، ال شك في أن بعض القضايا قد تختلف وجهات النظر في عدها من مباحث هذا العلم أو ذاك، كما أن بعضها ق��د تك��ون ذات بع��دين،ن تعتبر مسألة كالمي��ة، وبلح��اظ آخ��ر تعت��بر مس��ألة فهي بلحاظ معي تاريخية أو فقهي��ة، وق��د الحظن��ا أن الس��يد محس��ن األمين اعت��بر أن

مسألة أمية النبي )ص( هي أشبه بالقضايا التاريخية. إن الخلط بين موضوعات العلوم وما ينتج عنه من محاذير وسلبيات، يفرض علينا تحديد الفوارق التي يتم في ضوئها فك االشتباك بين ما هو عقدي وما هو فقهي أو تاريخي أو م�ا إلى ذل�ك، وه�ذا أم�ر غاي�ة

ضنا له في بعض المقاالت. في األهمية، وقد تعر

الفصل الثالثمحاضرات عاشورائية

فلسفة الحب في مدرسة اإلمام الحسين )ع(-1الحسين )ع( أمن وأمان-2الخطاب العاشورائي: قراءة في المفهوم والمصادر-3

135

الفصل الثالث)*()*(فلسفة الحب في مدرسة اإلمام الحسين )ع(

وتع��ود عاش��وراء مثقل��ة بك��ل جراح��ات الت��اريخ وآالم��ه وس��هامه ومواجع��ه، وتع��ود عاش��وراء مض��مخة ب��األحمر الق��اني معلن��ة بك��ل

إني ال أرى الموت إال سعادة والحياة مع الظالمينوضوح: " "، وتعود عاشوراء مفعمة بكل معاني العزة واإلب��اء، ويع��ودإال برما

"، وتعود عاشوراء ويعودهيهات منا الذلةالنداء الحسيني الخالد: " معها الشوق والحنين، والدمع واألنين، وتعود عاشوراء ونستعيد معها ص��بر زينب )ع( وعزيم��ة الحس��ين، وإيث��ار أبي الفض��ل العب��اس، وشجاعة علي األكبر، وتضحية كل تلك الصفوة الطاهرة من أصحاب الحس���ين )ع(، هك���ذا عرفن���ا عاش���وراء، وهك���ذا ينبغي أن تك���ون

وتستمر..

عاشوراء )*()*( ليالي من الخامسة الليلة في المحاضرة هذه الحسنين 1434ألقيت اإلمامين مسجد في ه�� . الشواهد بعض وزيدت التعديالت بعض عليها أجريت وقد بيروت، ���� حريك حارة ���� السالم؛ عليهما

136

ولكن، هل لنا أن نرى في عاشوراء قيمة إض��افية أخاله��ا غائب��ة أو مغيبة عن قاموسنا اإلسالمي، وهي قيمة الحب؟ هل لنا أن نرى في عاشوراء غير ال��دماء واألش��الء؟ أو ق��ل: ه��ل لن��ا أن ن��رى الحب في

وسط الدماء واألشالء؟ بك��ل تأكي��د يمكنن��ا أن ن��رى ذل��ك، وأن نتعلم الحب في مدرس��ة��ة، وال إلث��ارة عاشوراء، ألن عاشوراء ليست مدرسة للحقد والكراهي الغرائ��ز وإيق��اد الفتن، وإنم��ا هي مدرس��ة نتعلم منه��ا ك��ل المع��اني الس��امية، وعلى رأس��ها قيم��ة الحب اإلنس��اني والعش�ق اإللهي، ب�ل

وحاجتنا - قبل ذل��ك - إلى يمكنك القول: إن حاجتنا إلى الحسين )ع( والزهراء )ع( وكل المثل العلي��ا، هي رسول الله )ص(، كما علي )ع(

في ج���انب أساس���ي منه���ا، تع���ود إلى حاجتن���ا إلى الحب وال���روح والعاطف��ة، ألن ه��ؤالء هم مص��در الحب والجم��ال، كم��ا هم مص��در

الفكر واألخالق. ودعوني أسلط الضوء على هذه القيمة العظيم��ة من خالل المح��اور

الثالثة التالية:

دور الحب في الحياة-1دور الحب في العقيدة اإلسالمية-2دور الحب في عاشوراء-3

دور الحب في الحياة المحور األولالحب من أنبل العواطف اإلنسانية

في المحور األول، علينا أن نقول بادىء ذي بدء : إن عاطف��ة الحب فين��ا هي من أجم��ل العواط��ف اإلنس��انية وأنبله��اال��تي أودعه��ا الله��

وأعمقها أثرا، فهي منطلق كل خير، وهي - بكل تجلياتها وامت��داداتها - الطاقة الملهمة لإلنسان والمحركة له، وال نبالغ بالقول: أنه��ا ال��تي تعطي اإلنس��ان مع��نى اإلنس��انية، ألن اإلنس��ان ب��دون حب ص��خرة صماء، وال يمكن أن نرى في هذه العاطف��ة ش��يئا س��لبيا، وهك��ذا ه��و

137

الحال في ك��ل الغرائ��ز والعواط��ف ال��تي أودعه��ا الل��ه فين��ا وفطرن��ا عليها، هي خير لنا، شريطة أن نوجهها في االتجاه الص��حيح، فغري��زة الغضب- مثال - أو ما يسميه الفالسفة بالقوة الغضبية، هي بكل تأكيد خ��ير لإلنس��ان عن��دما نغض��ب لل��ه، أو انتص��ارا للح��ق، حيث ي��دفعنا الغض��ب لل��دفاع عن أنفس��نا أو أعراض��نا أو أرض��نا، رافض��ين ال��ذل

والهوان والخنوع، وهكذا غريزة الشهوة التي بها استمرار النسل.. وهكذا هو الحال في عاطفة الحب بكل تجلياتها، بما في ذلك حب الذات- مثال - فه�و ليس أم�را م�ذموما، فاإلنس�ان مجب��ول على حبه، وأن ال يعص��يه ذاته، ومن أحب ذاته حقا وصدقا فال ب��د أن يحب رب طرفة عين أبدا، ألن عصيانه لربه فيه تعريض النفس للمهالك، فمن

أحب نفسه أحب ربه، كما أن من عرف نفسه عرف ربه. وإذا كان حب ال��ذات ش��يئا جميال من حيث المب��دأ إذا وجه توجيه��ا ص��حيحا، ف��األولى أن يك��ون حب الكم��ال جميال، ألن حب الكم��ال والجمال يدفع اإلنسان دائما نح��و األم��ام والتطل��ع نح��و األفض�ل، فال يستكين وال يتجمد، ولوال هذه العاطفة لكنا كسائر المخلوق��ات ال��تي ال تعرف اإلبداع وال التطور مهما كانت أفعالها متقنة، كما هي مملكة��ه جم��ال س��اكن ال النحل مثال، فإنها في غاية الجمال واإلتقان، بيد أن نعه رونق��ا ��ه يض��في على أفعال��ه وص�� يعرف التطور، أما اإلنسان فإن خاصا من حيويته ولمسة مميزة من جم��ال ذوق��ه، وله��ذا نق��ول: إن عاطف��ة الحب هي ال��تي تص��نع الحي��اة وتعطيه��ا جماله��ا، فل��وال حبر للمعنى، لما أنتج الفك��ر المب��دع، ول��وال حب الش�اعر لجم�ال المفك القصيدة، لما أنتج شعرا وأدب��ا، ول��وال حب األم لولي��دها لم��ا ص��برت، ه��و ال��ذي يجعله��ا على عناء حمله ووضعه ومشقة تربيته؛ إنه الحب تستعذب ك��ل ه��ذه المش��قات واآلالم، ول��وال حب الفالح لألرض لم��ا غرسها باألشجار والورود، ولوال حب اإلنسان للوطن، لما داف��ع عن��ه وب��ذل دم��ه في س��بيله، وإلى ه��ذا ال��دور المهم للحب في ص��ناعة

ــدان بحبالحي��اة أش��ار اإلم��ام علي )ع( بقول��ه: " ــرت البل ع�م ، فأن تحب وطنك معن��اه أن تعم��ره، وأن تحاف��ظ على(1)"األوطان

ص (1)) العقول .207تحف

138

جماله، وال تسيء إلى بيئته، وأن تحب وطنك معناه، أن تنش��ر الحبفي ربوعه وتبذر الخير في أرجائه.

ا، ومن هنا يتضح أن حب المرء لوطنه وأهله وذاته وبيته.. ليس دنس�� ، ول��ذا(2)حب الـوطن من اإليمـان"ب��ل ه��و ج��زء من اإليم��ان، "

)ص( عندما ه��اجر من مك��ة المكرم��ة ك��ان يتلفت وجدنا رسول الله الله يعلم أني أحبكوراءه والشوق يغمره ويقول مخاطبا مكة: "

ولوال أن أهلك أخرجــوني عنــك لمــا آثــرت� عليــك بلــدا وال��ه إلى .(3)ابتغيت� عليك بدال" وق��د ك��ان )ص( يرس��ل نفح��ات حب

أحد جبل نحبــهالطبيعة والجبال وه��و القائ��ل فيم��ا ي��روى عن��ه: "".ويحبنا

الحب والعالقات اإلنسانية وإذا كان الحب الفطري ه��و ال��ذي يحكم عالقتن��ا ب��الوطن واألرض والحيوان والجبال، فاألولى أن يحكم عالقة اإلنس��ان بأخي��ه اإلنس��ان على اختالف دوائره��ا ومس��توياتها، ففي دائ��رة العالق��ات الزوجي��ة

ودة ورحمةيقول لنا الله: } [، لتكون21{ ]الروم:وجعل بينك�م م المودة هي الحاكمة بين الزوج وزوجته، وفي دائرة العالقة بين اآلباء

"أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذاواألبناء تأتي الوصية المروية: ــدرون إال أنكم ــإنهم ال ي ــوا لهم ف ــيئا فف ــدتموهم ش وع

، وهك��ذا ف��إن الول��د م��أمور ب��أن يحب والدي��ه، وأن(1)ترزقــونهم" يخفض لهما جناح الذل من الرحمة.. ولو انطلقنا إلى دائرة األخ��وان

م{في ال��دين، ف��إن توص��يفهم الق��رآني أنهم حماء بينه� ]الفتح:}ر���ه مطل��وب من��ه أن29 ��ة، فإن [، وعلى مستوى عالقة الح��اكم بالرعي

يعيش الحب لهم، وإذا عاش الحب للناس، فلن يستطيع إال أن يعدل بينهم، يقول أمير المؤمنين )ع( في عهده المعروف لمال��ك األش��تر:

ج (1)) اآلمل ص 1أمل ،11.ص (1)) العسكري لإلمام المنسوب .555التفسير((1) : ج ص 6الكافي ،49.

139

"وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف بهم،ب�عا ضـــاريا تغتنم� أكلهم، فـــإنهم ــونن عليهم ســـ ـ� وال تك

. (2)"صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق ولم يكت��ف الن��بي )ص( ب��دعوتنا إلى اعتم��اد لغ��ة الحب في ك��لمنا ابتك��ار أس��اليب التح��اب، ومن ه��ذه األس��اليب عالقاتنا، بل إنه عل

.(3)"تهادوا تحابوا"أسلوب التهادي، يقول )ص(: المحور الثاني: دور الحب في العقيدة الصحيحة

بعض تجليات الحب اإللهي��ه مح��ور الحي��اة وأما في المح��ور الث��اني فنق��ول: إن الحب كم��ا أنكها، فإنه يأتي ويندرج في صلب العقيدة اإلس��المية الص��حيحة، ومحر ألن الله تعالى هو ملهم الحب ومصدره األول، ومن صفاته عز وجله تعالى وإن كان ال يتجزأ وال يحد وال يوصف، كما ه��و "الحبيب"، وحب الح��ال في س��ائر ص��فاته، لكن ه��ذا الحب - من جهتن��ا نحن، ال من

جهته تعالى - على نحوين :ر والفاجر، وحب خ��اص، ال يس��تفيد من��ه إال حب عام يستفيد منه الب

من دخل الباب.��درك مغ��زاه إال من ع��رف أما الحب الخاص، فال يفقه معناه، وال ي

ــك فــرامحالوة مناجاة الله تعالى، " من ذا الذي ذاق حالوة حب ، وكون هذا الحب خاصا ليس ناشئا من قبله تعالى، أو(1)"منك بدال

بس��بب بخل��ه حاش��اه، ب��ل إن الس��بب ي��أتي من جه��ة العب��د، أي أن بابه تعالىالمشكلة كما يقال في القابل وليس في الفاعل، فإن "

.. لكن اإلنس��ان ق��د(2)"مفتوح لداعيه وحجابه مرفــوع لراجيه يح��رم نفس��ه من نعم��ة الحب اإللهي بابتع��اده عن طاع��ة الل��ه وعن مناجات��ه وعبادت��ه، إن ه��ذا الن��وع من الحب يحت��اج إلى تفاع��ل من الطرفين، كما يقال في لغة اليوم، ويكفي العب��د أن يح��اول ويس��عى

((1). البالغة نهج((1) : ج ص 5الكافي ،144.((1) .) ع ) العابدين زين لإلمام المنسوبة المحبين مناجاة من((1) .) ع ) العابدين زين لإلمام الخائفين مناجاة من

140

للتحبب إلى الله والتقرب منه ليفتح له الباب ويتذوق شيئا من طعم ، "يــا حــبيب من تحبب إليــه"الحب اإللهي، وقد ورد في الدعاء:

��ك لن فحتى لو كنت "تتحبب" إلى الله وتسعى في هذا الس��بيل، فإن��ه تع��الى ل��ك، تحرم من بركة حبه، بل ستشعر بش��يء من حالوة حب فكيف إذا كنت تحبه حقا أو قطعت شوطا في مسيرة حبه وعشقه؟

وأما الحب العام الذي يشمل البر والفاجر، فإنه يتجلى: في كل هذا الكون البديع، في أنفسنا، وفيما حولنا، فك��ل م��ا فيأ -

��ه هذا الكون من جمال وروع��ة وحب، إنم��ا ه��و رش��حة من فيض حب وجماله تعالى الذي ال ينض��ب، إن ك��ل ه��ذا العط��اء التكوي�ني والنعم التي ال تعد وال تحصى، وكل هذا الجمال ال�ذي ال تحي��ط ب�ه الباص��رة��ه لن��ا ولطف��ه بن��ا، إذ س��خر لن��ا ك��ل ه��ذا، ووع��دنا ه��و تعب��ير عن حب

وهابالمزيد، } [. 18{ ]النحل:وإن تع�دوا نعمة الله ال ت�حص� في إرس��ال الرس��ل ومعهم الكت��اب والم��يزان، ليأخ��ذوا بي��دب -

اإلنس��ان إلى ش��اطئ األم��ان، وليق��وم الن��اس بالقس��ط والع��دل،فاألنبياء هم رسل الحب والسالم.

ومن رشحات حبه تعالى أنه خلق لن��ا الجن��ة لنعيش فيه��ا نعيمج - األبد الذي ال ينفد في ج��واره تع��الى، وفي ص��حبة األنبي��اء واألوص��ياء

والصالحين وحسن أولئك رفيقا.��هد - ��ه- أيض��ا - ، ألن ويمكننا القول: إن خلق الن��ار ه��و من فيض حب

تعالى لم يخلق النار للتشفي من خلقه، وال لالنتقام منهم، بل لتكون رادع��ا لهم عن البغي والع��دوان والظلم والعص��يان، وليحملهم على الهدى ويأخذ بأيديهم إلى الكمال المطلق، وهذا منتهى الحب، أليسك البنك ه��و ال��ذي ق��د ي��دفعك ألن تقس��و علي��ه أحيان��ا، أو ته��دده حب بالعقاب، لتشعره بالمسؤولية وتأخذ بي��ده إلى طري��ق المك��ارم، ألن كثرة الدالل والغنج تفسد الطفل، وهي خطأ تربوي دون أدنى ش��ك،نا تعالى، بل هو فوق ذلك، فهو أرأف بن��ا من األب بابن��ه، هكذا هو رب��ه يحب تع��ذيبنا، ب��ل خلقه��ا ومن األم برضيعها، فهو خلق الن��ار، ال ألن��ة "تجس��م األعم��ال" ف��إن الن��ار بهدف إصالحنا، بل إنه وطبقا لنظري

141

إنما هي األثر الطبيعي ألعمالنا، فنحن الذين "نخلقها" بسوء اختيارنا وتمردنا على الله. إنني ال أتحدث شعرا، وإن كان الش��عر ينتمي إلى مدرسة الحب، وإنم��ا أتح��دث عن فلس��فة الحب اإللهي ال��تي تتجلى في كل عطائه التكويني والتشريعي، كم��ا تتجلى في ثواب��ه وعقاب��ه،

في جنته وناره.جريمة نكراء

والجريمة الكبيرة التي جنيناها على أنفسنا ودينن��ا، أنن��ا- في بعض خطابنا الديني - لم نر الله تعالى، ولم نقدمه على هذه الصورة، ب��ل رأيناه مصدرا للخ��وف وال�رعب، حيث تتق�دم عن�دنا- في ح�ديثنا عنور الرحم��ة، فالل��ه ه��و الجالد المنتقم، ور الع��ذاب على ص�� الل��ه- ص��

وإذا سألك عبادي عني فإنيوتغيب عن هذا الخطاب صورة: }ــان... ــداع إذا دع ــوة ال ريب أ�جيب� دع ــ [186{]البق��رة:قــ إن،

الخطاب الديني الذي يقدم الله تعالى على هذه الصورة، يكره الل��ه إلى الناس، ويحوله إلى كابوس دائم ومخيف، ما ي��دفع بعض الن��اس إلى أن يف��روا من ال��دين، ومن الح��ديث عن الل��ه، ولس��ت أتح��دث بكالم تهويلي، بل هو كالم من صلب الواقع، وإليكم هذه القصة التي

هي من أعجب ما واجهته في حياتي: أتاني قبل مدة شاب ملتزم دينيا، فرأيته حائرا خائفا نحيال! قلت: م��ا بك؟ قال: إني أكره الله!! فصدمت لما سمعت، ألني لم أكن أتوقع مثل هذه اإلجابة، فنحن نع��رف وق��د اعت��دنا أن يأتين��ا بعض الش��باب وهو يقول: أنا أشك في وجود الله فكي��ف تثبت لي وج��وده؟ أم��ا أن يأتي ش��خص ي��ؤمن بالل��ه ويق��ول ل��ك: "أن��ا أك��ره الل��ه!" فه��ذا أم��ر عجيب، قلت للفتى: أتكره الله أم أنك ال تؤمن به؟ قال: أنا أؤمن به وأعتقد بوجوده، ألن ك��ل ش��يء في ه��ذا الك��ون ي��دل علي��ه، إذن لمته م��ع رج��ل من تكرهه، قلتها له مستنكرا؟! فحكى لي الف��تى، قص�� مدعي العرفان، وكانت "نصيحة" هذا الش��خص "العرف��اني" ل��ه هي

التي أوصلته إلى هذا الحالة الغريبة، وخالصة القصة:

142

أن هذا الفتى وهو شاب جامعي، قد أحب فتاة معه في الجامعة حبار بريئا، وألنه ال يستطيع الزواج بها في مرحل��ة الدراس��ة، لع��دم تيس����ه خش��ي أسباب الزواج وظروفه، فأخذ هذا األمر يقلقه، وال سيما أن الوقوع في الحرام، فشكى أمره إلى ذاك الرجل الذي كان يثق ب��ه،��ه ال يمكن أن ف�"أفتاه" ذاك الرجل بأن عليك ت��رك الفت��اة ف��ورا، ألن��ان: حب الل��ه، وحب ه��ذه الفت��اة! فاس��تجاب يجتم��ع في قلب��ك حب��ه المس��كين له��ذه "النص�يحة"، وأبل��غ الفت��اة بترك��ه له��ا، ليك��ون حب خالصا لله وحده! ومع الوقت أخ��ذ الف��تى يعيش ص��راعا مري��را، ألن حب الفتاة ال يزال نابضا في قلبه، رغم أنه ضحى بها لحس��اب الل��ه، وفي ذروة هذا الصراع الداخلي الذي الزم هذا الفتى ألشهر عدي��دة، خلص إلى النتيجة التالية وهي: أن "حب الله" هو الذي أفقده حبيبتهه لل��ه إلى بغض لل��ه، وخسرها، فانقلب رأسا على عقب، وتح��ول حب

أي أصبح الله خصمه وعدوه الذي أفقده حبيبته!. إن ه��ذا الف��تى وأمثال��ه ه��و ض��حية من ض��حايا الخط��اب ال��ديني��ه ض��حية الجه��ل، إذ م��تى ك��ان حب الرج��ل المتخل��ف والمنف��ر، إن للمرأة، أو حب المرأة للرجل يتن��افى وحب الل��ه؟! أحبب من ش��ئت��ك لل��ه ��ك إي��اه في خ��ط حب إنسانا أو حيوانا أو جم��ادا، لكن ليكن حب تعالى، إن الحب عندما يكون انجذابا ش��عوريا ال إرادي��ا نح��و اآلخ��ر الي ط��بيعي خ��ارج عن ��ه انفع��ال جبل يكون مبغوضا عند الله تعالى، ألن اإلرادة، وما كان كذلك ال يالم عليه صاحبه، وال يعاقب، أجل يف��ترض بالمؤمن أن ال ينجرف مع المشاعر إلى الحد الذي يخرج عن توازن��ه أو يدفعه الهيام الرتكاب الحرام، ولو على مستوى النظ��ر أو اللمسر كث��يرا من أو غير ذل��ك من المق��دمات المحرم��ة، وال يج��وز أن ن��بر

التجاوزات الشرعية على أساس الحب أو العشق.ه إلى صورة الل��ه تع��الى، وكما أساء بعض خطابنا الديني وليس كل فإنه أساء إلى صورة األنبياء، فقدمهم باعتبارهم دعاة فتك وكراهية، ال باعتبارهم دعاة سالم وحب وتراحم، ويص��بح ش��عار الن��بي األك��رم محمد )ص( لدى بعض المسلمين الذين يحملون راية التكفير: "لق��د

143

��روى عنه ، أهك��ذا ه��و رس��ول الل��ه حق��ا؟ ال(1)جئتكم بال��ذبح"، كم��ا ي والله، كيف يكون كذلك وهو الرحمة المهداة، وقول الله فيه أص��دق

[.107{ ]األنبياء:وما أرسلناك إال رحمة للعالمينالقول: } وهكذا فإن هذا الخطاب التهويلي والتخويفي قدم لنا يوم القيامة بصورة مجتزأة يغلب عليها طابع الع�ذاب والن�يران وتجاه��ل مش�اهد الرحمة اإللهية التي تسبق الغضب والنقمة، هذه الرحمة التي تتطلع إليها عنق إبليس في ذلك اليوم، وبذلك يكون الخطاب قد جنى على العقائد الثالث للمسلمين وهي: "اإليمان بالله" و"اإليمان بالرس��ول"��ة منف��رة، ه��ذا من ج��انب و"اإليمان بالمعاد"، فقدمها بطريقة تهويلي العقيدة، وأما الشريعة فقد غدت من خالل ه��ذا الخط��اب عبئ��ا ثقيال على النف��وس يش��عر اإلنس��ان المس��لم ب��العجز عن امتثاله��ا، إن

إنمــا ب�عثتالش��ريعة ال��تي طابعه��ا الع��ام ه��و الس��هولة واليس��ر "ل المس��لم(1)"بالحنيفية السمحة ف��إذا به��ا تتح��ول إلى قي��ود تكب

وتنقل كاهله وتعرقل حياته وتوقعه في المشاكل الص��حية والنفس��ية كما نالحظ ذلك لدى األشخاص الذين ابتلوا بكثرة الوس��اوس بش��أن

الطهارة أو القراءة في الصالة أو نحوها.التوحيد في الحب

أعود إلى قصة الجم��ع بين حب الل��ه وحب من س��واه، ألق��ول: إن حبنا لكل ما عدا الله هو حب مشروع، ألن الله أمرنا بذلك، وفطرن��ا على ذلك، لكن مش��روعية ه��ذا الحب مش��روطة ب��أن ال يتق��دم حب أحد على حب الله عندما يتزاحم الحبان، حتى لو كان ه��ذا الش��خص

ــآؤ�ك�مهو آباءنا أو أمهاتنا أو أوالدن��ا: } ــاؤ�ك�م وأبن ل إن كــان آب ق�يرت�ك�م وأمــوال اقترفت�م�وهــا ك�م وعشــ وإخــوان�ك�م وأزواج�ونها أحب إليك�م اكن� ترضــ ادها ومســ ون كســ ارة تخشــ وتجــوا حتى يــأتي بيله فتربصــ� اد في ســ وله وجهــ ن الله ورس� م

[، إن24]التوبة: {الله� بأمره والله� ال يهدي القوم الفاسقينك البن��ك أو لزوج��ك، أو ل��دنياك، أو المش��كلة هي عن��دما يتح��ول حب

الحديث (1)) رقم حبان، ابن .6687صحيحج (1)) الطوسي الشيخ .105ص 2أمالي

144

لموقع��ك في الس��لطة... إلى معب��ود من دون الل��ه، وتتج��اوز ألجل��ه تعاليم الله، فهنا يكون الش�رك في الحب واالنح�راف عن حب الل�ه،

ب} م كح� ــدادا ي�حبونه� ومن الناس من يتخذ� من د�ون الله أنبا لله.. [.165{ ]البقرة:الله والذين آمن�وا أشد ح�

، فإنن��ا عن��دما نوحد الل��ه في وبهذا يتضح لنا معنى التوحيد في الحب الحب - كما نوحده في األلوهية أو الخالقية أو الربوبية أو العبودي��ة - فال يراد بذلك أن ال نحب أحدا غ��يره، ب��ل أن ال يتق��دم حب أح��د من��ه، لنحب في الل��ه، ونبغض في الل��ه، وب��ذلك تبقى الن��اس على حب قلوبنا نابضة بحب الل��ه، يق��ول اإلم��ام الص��ادق )ع( فيم��ا روي عن��ه:

رم اللــه غــير الله" كن في حــ .(1)"القلب حرم� اللــه فال ت�ســ "إلهي من ذا الــذي ذاق حالوةوعن اإلم��ام زين العاب��دين )ع(:

ــك فــابتغى رب ــدال، ومن ذا الــذي أنس بق� حبك فرام منك ب.(2)"عنك حوال

كيف نحب الله؟ وتسألني وأتساءل معك: كيف لن��ا أن نص��ل إلى مرتب��ة الحب لل��ه

تعالى؟ إن الوصول إلى درجة المحبين لل��ه، وه��و ليس ب��األمر الهين يحت��اج إلى مجاه��دة مس��تمرة ألنفس��نا حتى ال يس��يطر عليه��ا حب األن��ا، أو حب األهل أو المال أو الجاه، أو غيرها من الحجب، وما أكثر الحجب التي تحجبنا عن الله تع��الى! فيغيب حب الل��ه عن قلوبن��ا في غم��رة الهوى، وسطوة الشهوات، ووسوسة الشيطان. ولهذا فإن المؤمن -��ة الل��ه - بحاج��ة مس��تمرة إلى المراقب��ة وفي سعيه للفوز بلذيذ محب والمحاسبة لنفسه، كما هو بحاجة للتأم��ل ال��واعي والبص��ير في ك��ل آيات الله باعتبارها من مظاهر حبه لخلقه، سواء كانت في اآلفاق أو في أنفس��نا؛ وه��و أيض��ا بحاج��ة إلى الطلب من الل��ه والتوس��ل إلي��ه ليوفق��ه للوص��ول إلى درج��ة المح��بين، كم��ا ك��ان ي��دعو اإلم��ام زين

أسألك حبك إلهيفيم��ا نس��ب إلي��ه من مناج��اة: " العاب��دين )ع( ((1) : ج األنوار ص 67بحار ،26.((1) . المحبين مناجاة من السجادية الصحيفة

145

وحب من ي�حبك وحب كل عمــل يوصــلني إلى قربــك، وأن تجعلك أحب إلي مما سواك، وأن تجعــل حبي إيــاك قائــدا

. (3)"إلى رضوانك وشوقي إليك ذائدا عن عصيانك

هل نخاف الله أم نحبه؟ وفي ضوء ما تقدم، فإننا نعتقد أن العالقة مع الل��ه ال ب��د أن يحكمه��ا مب��دأ الحب ال مب��دأ الخ��وف، ألن��ه س��بحانه ليس مص��درا للخ��وف

والرعب لنخافه كما نخاف السالطين الظلمة - مثال-!! صحيح أن الكثير من النصوص الدينية من اآليات والروايات تحدثنا عن "مخافة الله" باعتباره��ا ص��فة كم��ال في اإلنس��ان، ق��ال تع��الى:

م} وه� اف� ــ ــاءه� فال تخـ ــوف� أوليـ يطان� ي�خـ ــ �م� الشـ ــا ذلك إنمـؤمنين ون إن ك�نت�م م اف� [، إلى غ��ير ذل��ك175{ ]آل عم��ران:وخــ

من اآلي��ات أو الرواي��ات ال��تي تمت��دح ال��ذين يخ��افون الل��ه س��بحانه وتعالى، إال أن "خوف الله" هنا ال ينطلق من كونه تع��الى - في ذات��ه أو صفاته - مصدرا للخوف، وكيف يكون مخيفا، وهو العدل المطلق،حمة الشاملة ال��تي ال تح��د وال��تي وس��عت ك��ل والجمال الكلي، والر

حمة؟! شيء؟! كيف يكون مخيفا وهو الذي كتب على نفسه الر إذا، لماذا علين��ا أن نخ��اف الل��ه، طبق��ا لم��ا ج��اء في بعض اآلي��ات

والروايات؟ إننا نخافه خوف المذنب الذي يؤلم��ه التقري��ع والحس��اب، أي إنن��ا

ونفي الحقيقة نخاف من ذنوبنا، من جرأتنا وتمردنا عليه، } ويخاف�وء الحساب [، وال نخاف منه لكونه مص��در الخ��وف21{ ]الرعد:س�

أو القلق، أو ألنه يبطش ويظلم, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. إن مع��نى أن نخاف��ه تع��الى، ه��و أن نستحض��ره في ك��ل أعمالن��ا وخطواتن��ا وفي ك��ل م��ا نهم بارتكاب��ه وفعل��ه، أن نخاف��ه يع��ني أن ال نعيش الغفلة عنه طرفة عين أبدا، إن معنى: "خ��ف الل��ه"، أو "ات��ق

((1) , سابق مصدر المحبين .مناجاة

146

الله" أو "اخش الله" أن ال تتج��رأ علي��ه، ألن الج��رأة علي��ه س�توقعك ال تضره معصـية منفي الشقاء، ال ألن جرأتك عليه تضره، فهو "

فالدعوة إلى خوف الله،(3)"عصاه وال تنفعه طاعة من أطاعه هي في عمقها دعوة إلى مص��لحة اإلنس��ان في ال��دنيا واآلخ��رة، ب��ل هي دع��وة إلى حب الل��ه والس��ير في خ��ط رض��وانه وطاعت��ه، ألن العاصي المذنب المتمرد على سيده هو كاذب في دعوى الحب، ألن الحب ي��دفع إلى الطاع��ة، والح��بيب ال يق��دم على أي عم��ل يغض��به حب الخائفين، حبيبه، ولهذا فإننا نخاف الله خوف المحبين، وال نحب��ا، بينم��ا الحب يجع��ل المحب خائف��ا وجال من ألن الخوف ال يصنع حب

التقصير في خدمة الحبيب.آثار حب الله في حياتنا

ثم إن حب الل��ه تع��الى إذا تمكن من القلب، فس��وف ي��ترك آث��اراطيبة ومهمة في حياتنا الفردية واالجتماعية:

أال بــذكر اللــه تطمئن- فهو سوف يمنحنا األمن واالطمئن��ان، }1ل�وب� [، فمهما واجهن��ا من ص��عوبات يبقى حب الل��ه28{ ]الرعد:الق�

"مــاذا هو أنيسنا، يروى عن اإلمام الحسين )ع( أنه قال في دعائ��ه:د من وجــدك؟"، دك؟ ومــا الــذي فقــ إن لس��انوجد من فقــ

المحب على الدوام:فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى واألنام غضابوليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

- وسوف يمنحنا االنضباط العملي والسلوكي، ألن المحب ال يمكن2اتبع�ونيأن يغضب أو يزعج حبيبه } ل إن ك�نت�م ت�حبون الله فــ ق�

�م� الله� [، وقد نسب إلى اإلم��ام الص��ادق)ع(31{ ]آل عمران:ي�حببكبيتان من الشعر:

ه هذا لعمرك في الفعال بديع تعصي اإلله وأنت تظهر حب((1). المتقين خطبة البالغة، نهج

147

ك صادقا ألطعته إن المحب لمن يحب مطيع (1)لو كان حب

��ه الل��ه، بعي��دا عن3 - إنه سوف يدفعنا لنحب كل من أحب الله وأحبالهوى والعصبية.

المحور الثالث: الحب في مدرسة عاشوراء حب أولياء الله هو من حب الله

وأما المحور الثالث، وه��و دور الحب في عاش��وراء فال��ذي أعتق��ده أن أروع ما في عاشوراء هو مشاهد العش��ق والحب لل��ه وفي الل��ه، والتي نراها في معسكر اإلمام الحسين )ع(، حيث يغدو الم��وت في سبيل الله سعادة؛ ونستهل الحديث في هذا المحور عن الراب��ط بين حب الله، وحب أوليائه، فنقول: إنه وطبق��ا لم��ا أس��لفنا في المح��ور ه خالصا الثاني، فإن على المسلم أن يوحد الله في الحب، ليكون حب له، وال يشرك معه أحدا، وال ش��ك أن حب أولي��اء الل��ه، ه��و من حب الله تعالى فال يتنافى وحبه تعالى، تماما كما قلنا ب��أن حبن��ا لك��ل من

كا في خط حب الله. حولنا ال يتنافى وحب الله، ما دام متحر ومن هنا, فأنت معني بأن تحب أولي�اء الل��ه - وهم رس��له وحجج��ه على العباد - ألنهم )ع( "أحباء الل��ه وأوداؤه"، ب��ل ألنهم "األدالء على الله"، وهم يدلونك على طريق الحب اإللهي، وأعتقد أن حب أولي��اء الله ال يحتاج إلى وصايا خاصة من أحد، فهم بما يمتلكون من جاذبية روحانية وأخالقية سوف يدخلون القلوب ب�دون اس��تئذان، وذل��ك ه��و سر إمامتهم وواليتهم، لكن مع ذلك نجد أن الله تعالى ق��د أك��د على

ــل الأهمي��ة محبتهم، حتى جع��ل م��ودتهم هي أج��ر الرس��الة، } ق�ربى را إال المــودة في الق�ــ [،23{]الش��ورى:أسأل�ك�م عليه أجــ

وهكذا نجد أن رسول الل��ه )ص( الح��بيب المص��طفى، ق��د نص على "حسين مــنيأهمية محبتهم وأن بها ق��وام اإليم��ان، فق��ال )ص(:

، إن حب(1)وأنـــا من حســـين أحب اللـــه من أحب حســـينا" الحسين )ع(- إذا- هو من حبنا لرسول الله )ص(، وحبنا لرسول الله

((1) : ج الشيعة ص 15وسائل ،308.((1) : ج أحمد .172ص 4مسند

148

هو من حبنا لله، بينما بغض الحسين )ع( - كما بغض أبيه علي )ع( - هو عالمة على عدم حب الله وال رسوله، أي هو عالمة النف��اق، كم��ا

.(2)جاء في األحاديث المختلفةالحسين شهيد الحب اإللهي

وعندما نطل على حب الحسين )ع( لل�ه تع��الى، وال�ذي تجلى في كل حياة أبي عبد الله الحسين )ع( وال سيما في عاش��وراء فس��نرى أنن��ا أم��ام ظ��اهرة منقطع��ة النظ��ير من حب الل��ه وعش��قه، وإلي��ك

توضيح ذلك من خالل صورتين روتهما لنا المصادر التاريخية:األولى: "هون ما نزل بي أنه بعين الله".

عندما يسقط أص�حاب الحس�ين )ع( وأبن�اؤه ص�رعى على رمض�اء كربالء، يخرج الحس��ين)ع( إلى جيش عم��ر بن س��عد طالب��ا منهم أن يسقوا الطفل الرضيع، ألن العطش أخذ منه مأخذا عظيما، وكان ما كان.. فرماه حرملة بن كاهل األسدي بسهم وذبح��ه من الوري��د إلى الوريد وهو في حجر والده، فماذا يكون موقف الحسين )ع( بع��د أن��رمي دم رض��يعه نح��و الس��ماء؟ ه��ل يبكي أو يش��كو أو يج��زع أو ي يتراجع؟ كال، بل إنه يتوجه إلى الله ليخاطبه بكلمات العشق التالي��ة:

، م��ا أص��عبه من موق��ف! أن(2)"هون ما نزل بي أنه بعين الله" هون ما نزليذبح رضيعك في حجرك! ولكن ما أعظمه من يقين "

"!بي أنه بعين الله ويتردد على ألسنة البعض أنه )ع( لما كثرت الجراحات في جس��د

ذاإلمام الحسين )ع( كان يقول: " إلهي إن كان هذا يرضيك فخ� "، ولكن لم أعثر على ه��ذا الكالم في المص��ادر،مني حتى ترضى

أجل نقل في كتاب "شرح إحق��اق الح��ق" ذل��ك عن اإلم��ام الحس��نم منه مأخذا ولفظ كبده "استقبل القبلة وق��ال: )ع( بعد أن أخذ الس

ذ مني حتى ترضى" .(1)"يا رب خ�

ج (1)) النسائي .115ص 8سننص (1)) الطفوف قتلى في 69اللهوف((1) : ج الحق إحقاق .558ص 26شرح

149

"إني أحب الصالة". الثانية:��ه وفي الي��وم التاس��ع من وكما جاء في كت��اب الط��بري وغ��يره: أن محرم وبعد أن أصبحت الخيارات واضحة، "إما السلة، وإما الذل��ة" - طلب اإلمام الحسين )ع( من أخيه العباس أن يتفاوض م��ع عم��ر بن سعد ليؤخرهم إلى غد، ويتركهم هذه العش��ية، لم��اذا؟ ه��ل ليودع��وا العيال؟ أو ليفكروا بطريق ألجل اله��رب؟ كال، ال ه��ذا وال ذاك، ب��ل " لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهــو يعلم أنيــدعاء ــه وكــثرة ال ــه وتالوة كتاب ــالة ل ــد كنت أحب الص ق

.(2)"واالستغفار وإننا ال ندري أي صالة صالها الحسين )ع( تلك الليلة؟ وفي أية حالة من حاالت االنقطاع إلى الله كانت ص��الته؟؟ فعال ال ن��دري، ألن ه��ذا المقام المعنوي ال يفقه��ه إال من ذاق حالوت��ه، ولكن م��ا نس��تطيع أن نجزم به أن صالته كانت صالة المحبين العاشقين الوالهين، ونالح��ظ هنا أن اإلمام )ع( لم يذهله تكاثر الهم��وم فيحتم في كالم��ه، ويق��ول

"، بل قال: "لعلنا نصليمثال: " "، ألنه )ع( ق��د ال يس��تطيعلنصل��ه )ع( يق��ول: " إن الله تعــالى يعلمالصالة، ثم األهم من ذل��ك أن

ــدعاء ــ ــرآن وال ــ ــا أحب تالوة الق ــ ــالة، كم ــ أني أحب الص".واالستغفار

وتحدثنا بعض المصادر أن الحسين )ع( قد طلب توقيف الحرب أو تأخيرها قليال مرة أخرى، وذلك في ظهيرة ي��وم العاش��ر من مح��رم،��ه وبع��د أن قت��ل جم��ع من أص��حاب الحس��ين )ع( وأحس بعض فإن

أن الموت قد اقترب واألجل قد دنا، تق��دم من الحس��ين أصحابه )ع( )ع( قائال: "يا أبا عبد الله نفسي لك الفداء إني أرى هؤالء القوم ق��د اقتربوا منك وال والله ال تقتل حتى أقتل دون��ك إن ش��اء الل��ه، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصالة التي قد دنا وقتها، ق��ال: فرف��ع

ــه� منالحس��ين رأس��ه، ثم ق��ال: ــك الل ــالة جعل ــرت الص "ذك

ج (1)) الطبري .316ص 4تاريخ

150

: ســلوهمق��الالم�صلين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها، ثم . (1).. "أن يكفوا عنا حتى نصلي

فالحسين )ع( يطلب من القوم استمهاله بضع دقائق، لماذا؟ ه��ل ليرتاح أو ليشرب الماء؟ كال، بل ألجل إقامة الصالة، وأي صالة تل��ك هي التي صالها الحسين )ع( ظهيرة العاش��ر من مح��رم؟ ص��لى )ع( والسهام تنهمر عليه كالمطر حتى استشهد بعض أصحابه ممن وقف أمامه ليحميه من السهام ليتمكن )ع( من الص��الة جماع��ة بمن تبقى

. (2)من أصحابه إن إصرار الحسين )ع( على إقامة الص��الة وه��و في وس��ط القتلى واألشالء، يذكرنا بموقف أبي��ه علي )ع( في ليل��ة الهري�ر في ص��فين، فقد كان - والسهام تتساقط علي��ه والس��يوف واألس��نة تتش��ابك من حوله - ينظر إلى السماء مراقبا وقت الصالة، فقال ل��ه ابن عب��اس:

أنظر إلى الــزوال حتى"يا أمير المؤمنين ما هذا الفع��ل؟ ق��ال: ��ا عن��دنا لش��غال بالقت��ال عن الص��الة،نصلي ، فقال له ابن عباس: إن

.(3)"على ما نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم على الصالةفقال )ع(: معسكر األولياء المتفانين في الله وفي حب وليه)ع(

وهذا الفداء المنقطع النظير المتمثل بوقوف هذا اإلنس��ان العظيم أمام الحسين )ع( يقيه من السهام ليصلي مع صحابته، يجعلك ح��ائرا

أمام هذه الثلة الطاهرة التي عشقت الحس��ين )ع( وفدت��ه بأرواحه��اهام المتوجه��ة والنفوس، فأن يقف المرء أمام شخص آخر ليقيه الس إليه، ويتلقاها بصدره وجسده، إن هذا ال يفعله إال أولئك الذين أعاروا جماجمهم لله، وال يفهمه إال من ذاق حالوة العشق اإللهي، فقد روي أن اإلم��ام )ع( طلب من زه��ير بن القين وس��عيد بن عب��د الل��ه أن

، فتق�دما أمام�ه في نح��و منتقدما أمامي حتى أ�صلي الظهر" نصف أصحابه حتى صلى بهم صالة الخوف، وروي أن سعيد بن عب��د

فاستهدف لهم، يرمون��ه بالنب��ل، الله الحنفي تقدم أمام الحسين )ع(((1) : ج الطبري ص 4تاريخ ،334.((1) : ج األنوار، بحار ص 45أنظر ،21.((1) : : ج الشيعة وسائل ص 4أنظر ،246.

151

��رمى كلما أخذ الحسين )ع( يمينا وش��ماال ق��ام بين يدي��ه، فم��ا زال ي حتى س��قط إلى األرض وه��و يق��ول: اللهم العنهم لعن ع��اد وثم��ود، اللهم أبلغ نبيك السالم عني، وأبلغه ما لقيت من ألم الج��راح، ف��إني

ثم أردت بذلك نصرة ذرية نبيك، مات، فوجدوا ب��ه ثالث��ة عش��ر س��هما . وه��ذا نم��وذج عن(1)سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح"

حب أولئك الثلة إلمامهم)ع(. وإليك نموذجا أخر يعكس حبهم لله وسرورهم بلقائه، فه��ذا بري��ر بن خضير يهازل ويمازح عبد الرحمن بن عبد ربه، فق��ال ل��ه األخ��ير: "والله ما هذه بساعة باطل، فقال برير: والله إن قومي لق��د علم��وا أني ما أحببت الباطل شابا وال كهال، ولكني مستبشر بما نحن القون،

.(2)والله ما بيننا وبين الحور العين إال أن يميل هؤالء بأسيافهم" وفي كتاب رجال الكشي أن حبيب بن مظاهر أخذ يمزح، فقال ل��ه برير بن خضير الهمداني: - وك�ان يق�ال ل�ه س�يد الق�راء- : "ي�ا أخي ليس هذه بساعة ضحك! قال: فأي موضع أح��ق من ه��ذا بالس��رور؟ والله ما هو إال أن تميل علينا هذه الطغ��ام بس��يوفهم فنع��انق الح��ور

.(3)العين" وأكتفي به��ذا الق��در من نم��اذج التف��اني في الل��ه تع��الى، وإال،��ون أن فالنماذج لدى أصحاب الحسين )ع( كثيرة جدا، وقد كانوا يتمن يقتلوا ثم ينشروا ثم يقتلوا ثم ينشروا، يفعل ذلك بهم ألف مرة فداء

.(4)للحسين )ع("الحسين وشفقته على أعدائه

ذكرنا في المحور الثاني أن من يسيطر عليه حب الله، فال يمكن أن يشرك معه أحدا في فعل أو قول أو نبضة قلب، ونقول هن��ا: إن من يمتلئ قلب�ه بحب الل�ه، فلن يع��رف ه��ذا القلب غ�ير لغ��ة الحب ولن يجد متسعا للحقد، ألن الحب والبغض ال يجتمعان في قلب الم��ؤمن،

((1) : ج األنوار ص 45بحار ،21.((1) : ج التاريخ في ص 4الكامل ،60.((1) : ج الرجال معرفة ص 1اختبار ،293.((1) : : ج الطبري تاريخ ص 4أنظر ،318.

152

ولهذا فإنه حتى عن��دما يبغض أع��داء الل��ه وأع��داء اإلنس��انية، فه��و ال��ه يبغض فيهم س��وى كف��رهم وعص��يانهم وتم��ردهم على الل��ه، ولكن يشفق على أشخاصهم، ألنهم يسيئون إلى أنفسهم ويوردونه��ا م��ورد الهلكة، ولذا فهو يتألم عليهم وي��دعو لهم بالهداي��ة، ولهداي��ة ش��خص واحد من أعدائه أحب إليه من أن يموت على يديه، ولو ك��ان يم��وت

��ر عن��ه علي )ع(: " فواللــه مــاظالم��ا، ويب��وء بآثام��ه، وه��ذا م��ا عب وقعت الحــرب يومــا إال وأنــا أطمــع أن تلحــق بي طائفــةــك أحب إلي من أن ــدي بي وتعشــو إلى ضــوئي وذل فتهت

.(1)"أقاتلها على ضاللها وإن كانت تبوء بآثامها وهكذا كان الحسين )ع( يخاف على أعدائه من مغبة ج��رأتهم علي��ه وإق��دامهم على قتل��ه وس��فك دم��ه، يح��دثنا أح��دهم أن��ه وق��ف على

؟معنا أنت أم عليناالحس��ين )ع( فق��ال ل��ه أب��و عب��د الل��ه )ع(: " فقلت: يا ابن رسول الل��ه: ال مع��ك وال علي��ك، ت��ركت أهلي وول��دي،

ــا حتىأخاف عليهم من ابن زياد، فقال الحس��ين )ع(: " فول هرب ال ترى لنا مقتال فوالذي نفس محمد بيــده ال يــرى مقتلنــا

، وهك��ذا ن��راه(2)"اليوم رجل وال يغيثنــا إال أدخلــه اللــه النــار يقول ذلك لعبي��د الل��ه بن الح��ر ال��ذي ف��ر من الكوف��ة حتى ال يلتقي بالحسين )ع( ولكن تش��اء األق��دار أن يلتقي��ه في الطري��ق، ويقص��ده��ه اعت��ذر، فق��ال ل��ه اإلمام )ع( طالبا منه نصرته واالنضمام إلي��ه، لكن

فــإن لم تنصــرنا فــاتق اللــه أن تكــون ممنالحس��ين )ع(: "ــرنا إال ــد ثم ال ينص ــا أح ــمع واعيتن ــه ال يس ــا، والل يقاتلن

. (3)"هلك فالحسين )ع( يخاف على هذا الشخص أو ذاك من الن��ار أو الهالك إن حضرا مقتله ولم ينصراه، وفي كل األح��وال، ف��إن ه��ذا الش��خص لن ينج�و من المس�اءلة ي�وم القيام�ة، وال ن�دري إذا ك�ان الل�ه يقب��ل عذره بالخوف على ذريته، ألن ذريته ليست أع��ز من ذري��ة الحس��ين��ه ال حيادي��ة بين )ع(، كما أن قوله: "ال لكم وال عليكم" مرف��وض، ألن

((1). : بصفين القتال في لهم إذنه أصحابه استبطأ وقد البالغة نهج((1) : ص صفين .141وقعة((1) : ص للمفيد : 81اإلرشاد ص الطبري وتاريخ ،308.

153

الحق والباطل، ومن لم يخذل الباطل فهو قد خذل الحق، وقد ق��ال خذلوا الحــق ولم ينصــروا)ع( في الذين اعتزلوا القت��ال مع��ه: "

.(1)"الباطل الحسين صاحب مشروع إحيائي وليس انتقاميا

ومن هن��ا تع��رف أن أب��ا عب��د الل��ه الحس��ين )ع( لم يكن ص��احب مشروع انتقامي وال ثأري، ولم يكن راغب��ا في س��فك ال��دماء، وإنم��ا مشروعه هو إحياء النفوس والمجتمع��ات بن��ور اإلس��الم، وهك��ذا ه��و مش��روع حفي��ده اإلم��ام المه��دي )عج(، فه��و لن يخ��رج ألج��ل الث��أر واالنتقام واستخراج جثث الم�وتى من القب�ور ثم ص�لبها، كم�ا ي�زعمرا بثقاف��ة الحي��اة، وال البعض، بل إنه يخرج حامال لواء الع��دل، ومبش�� حياة بدون عدل، فالعدل هو عماد الحياة، كما أنه ال حياة بدون حب،

فالحب هو روح الحياة."حببونا إلى الناس" مسؤولية الخطاب العاشورائي

ر في ضوء ما تقدم، من أن مشروع الحسين )ع( والثقافة ال��تي بش�� به��ا هي ثقاف��ة الحب والرحم��ة والتواص��ل، ف��إن من مس��ؤوليتنا أن نقدم الحس�ين )ع( باعتب��اره داعي��ة للس�الم وللحب، كم�ا ه��و داعي��ة للع��دل، إن مس��ؤولية الخط��اب العاش��ورائي أن يق��دم الحس��ين )ع( على هذا األساس، وأن يقدم كل األئمة من أه��ل ال��بيت )ع( ك��ذلك، وهكذا فإن وظيفة الشعائر الحس��ينية واإلحي��اءات المختلف��ة ل��ذكرى الحسين )ع( وكل األئمة من أهل البيت )ع( أن تؤدي هذه الوظيفة، وهي أن تدخل الحسين )ع( إلى القل��وب، وتع��رف الن��اس برس��الته، فإذا كانت أساليب اإلحي��اء منف��رة أو مق��ززة بش��كلها أو بمض��مونها، فإنها ستشكل خيان��ة للحس��ين )ع(، ألن وظيف��ة وس��ائل اإلحي��اء هي فتح قل���وب الن���اس على الحس���ين )ع( ورس���الته.. وأنت إذا فتحت قلوب الناس على الحسين )ع( وأهل البيت)ع( فأنت بذلك س��تدخل بكل سهولة إلى عقولهم لتفتحها على فكر الحس��ين )ع(، وس��تدخل إلى حياتهم لتغيرها على صورة الحق الذي يمثله اإلمام الحسين)ع(،

((1). : السابقة الخطبة البالغة نهج

154

��ر عن��ه اإلم��ام الص��ادق )ع(: " حببونا إلى النــاس والوهذا ما عبوا إلينــا كــل مــودة وادفعــوا عنــا كــل تبغضونا إليهم، فجر

.(1)"شر وأعتقد أن الخطاب الديني عموما سواء الخطاب الذي يتحرك ب��ه الخطيب والمبل��غ أو الفقي��ه أو الفيلس��وف أو المتكلم مع��ني ب��أن يستفيد من قيمة الحب، ويتخ��ذها قيم��ة هادي��ة وحاكم��ة لك��ل نتاج��ه سواء ك��ان موعظ�ة أو فت��وى أو فك��را، فه�ل ص��احب ه��ذا الخط�اب يالحظ إلى أي حد يسهم خطاب��ه وفك��ره وفت��واه في تح��بيب الن��اس باإلسالم ودفعهم إلى الكمال، أو أنه يس��هم في تنف��يرهم عن ال��دين

وعن الله تعالى؟��ه ولهذا تعالوا أيه��ا العاش��قون للحس��ين )ع( ونحن نبكي��ه أن نبكي بكاء المحبين ال بكاء المنتقمين، وهلموا بنا ونحن نلبس السواد على الحسين )ع( أن ال ندع الل��ون األس��ود ي��دخل قلوبن��ا ليمأله��ا بالحق��د والبغضاء، فقد ورد في الحديث عن اإلمام الصادق)ع( وقد سئل عن

، فالس��واد ه��و(2)"بيض قلبــك والبس مــا شــئتلبس الس��واد " تعب��ير رم��زي عن التع��اطف م��ع الحس��ين)ع(، ولكن ال ب��د أن تبقى قلوبنا نقية بيض��اء، كبي��اض قلب الحس��ين)ع(، وكنق��اء ش��رف زينب،

وكصفاء منحر الطفل الرضيع. والس����الم على الحس����ين )ع( وعلى علي بن الحس����ين )ع( وعلى المستش���هدين بين ي���دي الحس���ين )ع( وعلى الس���ائرين على نهج

الحسين )ع( ورحمة الله وبركاته.

((1) : ج الشيعة ص 2وسائل ،8.((1) : ج الشيعة ص 4وسائل ،385.

155

)*()*(الحسين )ع( أمن وأمان

لماذا عاشوراء؟ ولم هذا اإلصرار على استعادة ذكرى كربالء؟ أليس في عاشوراء الحاضر ما يغ��ني عن الرج��وع إلى عاش��وراء الت��اريخ؟ أليس في مآسي الحاض��ر أك��ثر من ك��ربالء، فلم نض��يف ك��ربالء إلى كربالئنا؟! ثم أليست عاشوراء بطريقة استعادتها مصدر توتر وعامل تفرقة، بدل أن تكون مصدر إلهام وعنصر اطمئن��ان وفرص��ة للتوح��د

في مواجهة الطواغيت والظالمين؟

عاشوراء    إلى العودة علينا تحتم األسئلة هذه على واإلجابة القض��ية واأله��داف، ول��دى دراس��ة ه��ذه األه��داف بدق��ة وعناي��ة، سنكتشف أن ثمة ه��دفا حس��ينيا عاش��ورائيا ق��د أض��عناه في ص��خب المأس��اة وضوض��ائها، حيث طغت المأس��اة في عاش��وراء على م��ا عداها من قيم الثورة وأهدافها، وتلك مأساة ه��ذه ال��ذكرى المبدع��ة والخالقة، وهذا الهدف الضائع هو ه��دف األمن واألم��ان ال��ذي أرادت

فالحس��ين )ع( لم يكن داعي��ة ش��قاق هذه الثورة إعادته إلى األم��ة، وحرب، ولم يكن ثائرا لمجرد الثورة، بل داعي��ة س��الم وتوحي��د، أراد توحي��د األم��ة على الرس��الة والح��ق، أن ك��ل م��ا اس��تهدفته النهض��ة

الحسينية هو أن تستعيد األمة أمنها السليب وسالمها المفقود.عاشوراء )*()*( ليالي في المحاضرة هذه ( 1433ألقيت حارة ) السالم عليهما الحسنين اإلمامين مسجد في ه��

. بيروت ���� حريك

156

وربم��ا يتس��اءل البعض معترض��ا: أي أمن أو س��الم ه��ذا ال��ذي   تتحدثون عنه والحال أن النهضة الحسينية بك��ل أح�داثها هي مس�يرة يلفه��ا القل��ق، ويكلله��ا الخ��وف، وتتح��رك في طري��ق القت��ل وس��فك

الدماء؟!

فإن    ذكرناه مما تعجب ال نقول: ذلك اإلجابة على ولكننا في ارسالة اإلسالم ما هي إال رسالة أمن وسالم، قال تع��الى: } يا أيهــ

ول إذا دعــاك�م لمــا ســ� تجيب�وا للــه وللر ـوا اســ الذين آمنـ� [، فاإلس��الم رس��الة حي��اة، وال حي��اة ب��دون24…{ ]األنفال:ي�حييك�م

أمن واستقرار.

 الجاهلية واألمن السليب

في    معي تعالوا واالطمئنان، باألمن اإلسالم عالقة ولتتضح إطاللة سريعة على المشهد العام م��ا قب��ل بعث��ة الن��بي)ص(، فكي��ف كانت الصورة آنذاك؟ إن الصورة العام��ة لم��ا علي��ه الجاهلي��ة وحي��اة اإلنسان آنذاك، هي عبارة عن صورة قبائ��ل متن��احرة متقاتل��ة، يغ��ير بعضها على بعض، وص��ورة إنس��ان مه��دور الكرام��ة، يس��لب ويقت��ل ويس��بى، فال يع��رف األمن على المس��توى الحي��اتي، وك��ذلك على المستوى األخالقي، إذ يكفيك أن تعرف أن اإلنسان الج��اهلي وص��ل به االنحط��اط الخلقي إلى درج��ة إك��راه فتيات��ه على البغ��اء حتى ل��ونا، كم���ا نص على ذل���ك ال���ذكر الحكيم، وال أمن على أردن تحص���

ووأد المس��توى االجتم��اعي إذ الطبقي��ة والعبودي��ة وقط��ع األرح��امدة الموقف، وال أمن على المستوى االقتصادي، فالربا البنات هي سي والقمار وأكل المال بالباطل وتجارة الرقيق هي من أش��هر تج��ارات العربي أنذاك، وفوق ذلك كله فال أمن على المس��توى ال��روحي، ألن عبودية األصنام ال تمنح اإلنسان أمنا روحيا وال سالما داخلي��ا، أي أمن روحي اس��تمده الع��ربي من اآلله��ة وه��و ال��ذي حوله��ا إلى وس��يلةللتج�����������������������������������������������������������������������������������ارة؟

157

في هذا الجو المكفهر والملب��د ك��انت بعث��ة رس��ول الل��ه )ص(،    ولم يمض ربع قرن من الزمن على بعثته )ص( حتى اجترح المعجزة الكبرى عن��دما ح��ول تل��ك الجماع��ات المتقاتل��ة إلى أم��ة له��ا كيانه��ا وهويتها، أمة مترابطة متكافلة، أعاد لإلنسان ثقت��ه بنفس��ه، وأرس��ى في ذلك المجتم��ع منظوم��ة أخالقي��ة وقيم��ا س��امية فك��ان دين��ه دين األمن والسالم والرحمة، ألن مشكلة اإلنسان مطلق اإلنس��ان وليس اإلنس��ان الع��ربي والج��اهلي فق��ط هي مش��كلة األمن بك��ل أبع��اده، واألمن هو حاجة فطرية لإلنسان، لذا ترى أن لديه تطلعا فطريا نحو األمن، فهو يطمح أن يعيش ب��أمن وس��الم واطمئن��ان، وق��د ال ي��درك اإلنسان قيمة هذه النعمة إال عند افتقادها، كما ورد في الح��ديث عن

.(1)(1)"نعمتان مجهولتان: األمن والعافيةرسول الله )ص(: "

اإلسالم واألمن

ولكن كيف حقق النبي )ص( هذه المعجزة؟  

��ه واس��تجابة له��ذه الفط��رة، ف��إن اإلس��الم في ك��ل والج��واب: إن تشريعاته وعقائده ومفاهيمه ه��دف إلى توف��ير ه��ذه الحاج��ة للن��اس

جميعا.

فعلى مستوى األمن الشخصي، فإن اإلسالم حرم كل ما يمس    بالنظام العام، فحرم السرقة والتع��دي والقت�ل، وك��ل م�ا ي�ؤدي إلى إقالق راح��ة الن��اس، حتى ل��و ك��ان ذل��ك من خالل ص��وت الق��رآن أو مجلس الع��زاء، وإن أقس��ى عقوب��ة أقره��ا التش��ريع اإلس��المي، هي

إنماعقوبة من يخل بالنظام العام ويفسد في األرض، قال تعالى: }عون في األرض وله� ويســ ــه ورســ� ارب�ون الل جزاء الذين ي�حــن م م ل�ه� فسادا أن ي�قتل�وا أو ي�صلب�وا أو ت�قطع أيديهم وأرج�م ــدنيا وله� م خزي في ال خالف أو ي�نفوا من األرض ذلك له�

[.33{ ]المائدة : في اآلخرة عذاب عظيمص (1)(1) النيسابوري، الفتال الواعظين، .472روضة

158

وعلى المستوى االجتم��اعي، دع��ا اإلس��الم إلى ك��ل م��ا من ش��أنه   تمتين أواصر المجتمع، )صلة األرحام، زيارة اإلخوان، حق��وق الج��ار، عيادة المرضى، تشييع جنازة المؤمن...( ونبذ كل ما يؤدي إلى إيجاد الفوارق وقطع الجسور مع اآلخر، )تحريم الغيب��ة والنميم��ة والفتن��ة،

والتكبر والتعدي على الناس وإزعاجهم...(.

تحصين    إلى دعا اإلسالم فإن األخالقي، األمن وعلى مستوى المجتمع، معتبرا أن الصدق واألمانة هي عنوان اإليم��ان، وح��رم ك��ل ما من شأنه أن يمس باألخالق العامة، فحرم العالقات غير الشرعية والشذوذ والكذب والغدر، ولم يكن عبثا أن يلخص رسول الل��ه )ص(

م مكـــارمرس����الته بتتميم مك����ارم األخالق، " إنمـــا ب�عثت ألتم".األخالق

هدف    حيث عينه، األمر نجد االقتصادي، المستوى وعلى اإلسالم إلى ردم كل الفجوات االقتص��ادية، ف��أمر بالزك��اة والخمس، وندب إلى اإلحسان والص��دقة، وح��رم الرب��ا واالحتك��ار وأك��ل الم��ال

بالباطل ليوجد بذلك استقرارا اقتصاديا في المجتمعات.

واألمر عينه نج��ده على المس��توى الص��حي والغ��ذائي والبي��ئي، ق��الم من ج�ــوعتع��الى: } فليعب�ــد�وا رب هــذا البيت*الذي أطعمه�

ن خوف م م [. 4-3{ ]قريش:وآمنه�

ولكن كل ذلك ما كان ليكفي بإشباع حاجة اإلنسان إلى األمن،     بل ال بد قبل ذلك كله ومعه من توفير األمن ال��روحي للن��اس، إذ ل��و أن اإلنسان عاش في مجتمع آمن حياتيا ومتواصل اجتماعي��ا وع��اش برفاهية اقتصادية ومناعة أخالقية، ف��إن ذل��ك على أهميت��ه ال يعطي��ه سالما روحيا، أال ترون أن بعض الذين ينتحرون ك��انوا يعيش��ون رغ��د الحياة ومع ذلك أقدموا إلى وضع حد لحياتهم، ألن هذه الرفاهي��ة لم تعطهم س��الما داخلي��ا. إن األمن ال��روحي ال يتحق��ق إال ب��العودة إلى

ــوب�الله، وإال بذكر الل��ه، } ل� ــه تطمئن الق� {]الرع��د:أال بذكر الل [ ومن هنا فإن المنظومة العبادية في اإلس��الم من ص��الة وص��وم28

159

ودع��اء وغيره��ا م��ا هي إال وس��ائل ت��رمي إلى إيص��ال اإلنس��ان إلى السمو الروحي، والحقيقة أن كل أش��كال األمن األخ��رى ال يمكن أن

تتحقق بصورتها المثلى إن لم يحصنها األمن الروحي.

معادلة اإليمان واألمان

جميع    على األمن أن وهي هامة، معادلة أمام يجعلنا وهذا الذينمستوياته إنما ينبعث من اإليم��ان وذك��ر الل��ه، ق��ال تع��الى: }

م� األمن� وه�م ــئك له� �ولـ م بظ�لم أ وا إيمــانه� آمن�وا ولم يلبســ�هتد�ون [ وله��ذا فكلم��ا وج��دت أن المجتم��ع مس��تقر82{ ]األنعام:م

��ه مجتم��ع من الناحي��ة االجتماعي��ة واالقتص��ادية والروحي��ة ف��اعلم أن مؤمن، وكلم��ا ك��ان مجتمع��ا مه��تزا اجتماعي��ا ويعيش إنس��انه القل��قى في��ه الجريم��ة واالنحالل، فه��ذا ال��روحي والتفلت األخالقي وتتفش�� مؤشر على أن اإليمان قد غادر ه��ذا المجتم��ع حتى ل��و ك��ان أف��راده يصلون ويصومون ويبكون على الحسين)ع( ويقيمون المج��الس في بيوتهم، إن مجتمعا يس��وده القل��ق والخ��وف والجريم��ة وتنتش��ر في��ه

المخدرات كيف يكون مجتمعا مؤمنا؟!

وبهذا يتبين أن العقيدة اإلسالمية ليست عقيدة تجريدية ذهنية،   ��ة تمأل القلب والوج��دان، كم��ا ترض��ي العق��ل ب��ل هي عقي��دة حركي والفكر، وتساهم في صنع األمن في حي��اة اإلنس��ان، فاإليم��ان بالل��ه

يمنح اإلنسان السالم واالستقرار، وكذا اإليمان بالمعاد.

إن العقيدة تقدم إجابات مقنعة على أسئلة المصير التي تقلق   اإلنس�������������������ان وتقتحم علي�������������������ه فك�������������������ره.

    وهكذا الحال في العبادات، فصالتك إن لم تمنحك سالما روحيا��ا فهي مس��مى ص��الة وليس��ت ج��وهر الص��الة، ف��إن واستقرارا عائلي الصالة هي صالة القلب التي تتناغم مع حركات الجسد، قال تع��الى:

م لـــذكر الله} ــوب�ه� لـ� ع ق� ــوا أن تخشـــ {ألم يـــأن للذين آمنـ� [ إن علينا أن نعيش في أم��ان م�ع الل��ه قب��ل ك��ل ش��يء16]الحديد:

لنعيش في أمان مع أنفسنا ومع الن��اس من حولن��ا، فالل��ه ه��و ال��ذي

160

يعطينا األمن ألنفسنا ولمجتمعنا، وإذا عشت األمن مع الل�ه فحس�بكذلك، وكما قال الشاعر:

وليت��ك ترض��ى واألن��ام            فليت��ك تحل��و والحي��اة مري��رة       غضاب

وبيني وبين الع��المين         وليت الذي بيني وبينك عامرخراب

بن    لعمرو جوابه )ع( في الحسين الله عبد أبو دنا سي ويقول ــؤمنسعيد على كتاب األمان: " فخير األمان أمــان اللــه ولن ي�

اللــه يــوم القيامــة من لم يخــف في الــدنيا، ونســأل اللــه".مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة

صمامات األمان

وتأكيدا على حاجة اإلنسان إلى األمن بكل أبعاده، فإن اإلسالم    وباإلضافة إلى ما تقدم قد جع��ل في حي��اة اإلنس��ان ص��مامات أم��ان

وهي:

المكان اآلمن، ويطالعنا على هذا الصعيد مك��ة المكرم��ة، فهي واح��ة-1 وإذ جعلنا البيتأمن وسالم يأمن فيها اإلنسان والحيوان والطير، }

}125{ ]البق��رة:مثابة للناس وأمنــا ال إبــراهيم� رب[،� وإذ قــ ق أهلــه� من الثمــرات... اجعل هـذا بلدا آمنــا { ]البق��رة:وارز�

[، وكم ك��ان اإلم��ام الحس��ين )ع( يق��در حرم��ة ه��ذا البل��د اآلمن126عندما خرج منه مخافة أن تنتهك حرمته ويقتل هناك.

- الزم��ان اآلمن، فهن��اك األش��هر الح��رم ال��تي يح��رم فيه��ا القت��ال2 ليستريح المقاتلون وتأمن الناس، وهناك شهر رمضان الذي يف��ترض أن يس���اهم في تحقي���ق األمن ال���روحي واالقتص���ادي واالجتم���اعي

161

رلإلنسان، وليلة القدر } { ]الق��در:سالم هي حتى مطلع الفجــ5.]

- اإلنس���ان ال���ذي يمث���ل األمن واألم���ان، وفي الطليع���ة ي���أتي3 المعصوم)ع(، والحقيقة أن هذا هو سر حاجتن��ا إلى الرس��ل واألئم��ة )ع(، ف��النبي )ص( وك��ذا اإلم��ام ليس س��لطانا، وإنم��ا ه��و من خالل رسالته ومهمته الملجأ الذي يأمن من لجأ إليه، فهو الملجأ والحص��ن والكه��ف، في ح��ديث ابن عي��اش ق��ال: ق��ال رس��ول الل��ه)ص(:

النجوم أمان ألهــل األرض من الغــرق وأهــل بيــتي أمــان" ألمــتي من االختالف، فــإذا خالفتهــا قبيلــة من العــرب

النجــوم، وعن��ه )ص(: "(1)(1)"اختلفــوا فصــاروا حــزب إبليس أمان ألهل السماء فإن طمســت النجــوم أتى الســماء مــاــا يوعدون، وأنا أمان ألصحابي فإذا ق�بضت أتى أصحابي م يوعدون، وأهل بيتي أمان ألمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى

دتنا الزه��راء )ع((2)(2)"أمتي مـا يوعـدون في خطبته��ا ، وعن س��ي جعل الله اإليمان تطهيرا من الشرك... وإمامتناالشهيرة: "

ــا من الفرقة ــان في، وعن أم��ير المؤم��نين )ع(: "(3)(3)"أمان كفــع وهــو األرض أمانان من عذاب الله، أما أحدهما فقــد ر�ــو ــه وه ــكوا ب ــر فتمس ــدونكم اآلخ ــه )ص( ف ــول الل رس

م وأنت ثم تال قوله تعالى: }االستغفار، ــه� لي�عــذبه� وما كان اللون م يستغفر� م وه� عذبه� [33{ ]األنف��ال:فيهم وما كان الله� م�

وهذا هو الدور األساسي لألئمة من أهل البيت )ع( فدورهم األساس ليس ت��ولي الس��لطة الزمني��ة وإن ك��انت حق��ا لهم، ب��ل إن دورهم

األساس هو في مرجعيتهم الروحية والعلمية.

وما يؤسف له أننا نركز على المرجعية الزمنية ألهل البيت)ع(    أكثر مما نركز على إمامتهم الروحية والمعرفية، ول��ذلك نخ��وض في هذا الجدل الكبير حول إثب��ات أحقيتهم بالخالف��ة بع��د الرس��ول )ص(ذا لو أننا نبذل بعض ه��ذا الجه��د في تأكي��د المرجعي��ة العلمي��ة ويا حب

ج (1)(1) للحاكم، ص 3المستدرك ،129.(2)(2) . . ج ن ص 3م ،457.ج (3)(3) األنوار، ص 29بحار ،223.

162

هم أرادوه��ا والروحي��ة، ص��حيح أن الس��لطة الزمني��ة ح��ق لهم، ولكن ليحققوا من خاللها األمن لألم��ة، ويفش��وا الع��دل في الن��اس، يق��ول

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منــاأمير المؤمنين)ع( "ول منافســـة في ســـلطان وال التمـــاس شـــيء من ف�ضـــ�ــالح في الح�طام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر اإلصعطلــة� من بالدك فيأمن المظلمــون من عبــادك وت�قــام الم�

" فقد كانوا )ع( صمام أمن وأمان للناس، واإلم�ام الحس�ينحدودكدوا هذا المعنى فكان ص��مام أمن )ع( هو أحد هؤالء األئمة الذين جس وأمان للناس حتى في ثورته وحركته وهو ما أش�ار إلي�ه ق�ول الن�بي

، ف��إن(1)(1)"الحسين مصــباح� الهــدى وســفينة� النجــاة)ص(: " المصباح هو الذي يمنح اإلنسان النور ليأمن في الطري��ق، والس��فينة

هي التي تمنحه االستقرار واألمن من مخاطر األمواج وتالطمها.

إن حركة الحسين)ع( لم تكن حركة فتنة وال شقاق، يقول)ع(:   ــا.." (2)(2)"إني لم أخرج أشرا وال بطرا وال مفسدا وال ظالم

أما بعــد فإنــه لم يشــاقق اللــهفي رسالته لعمرو بن س��عيد : "ــني من ــال: "إنـ ــالحا وقـ ــل صـ ــه وعمـ ــا إلى اللـ من دعـ

"، ولو أننا نظرن��ا إلى ك��ل ش��عارات الث��ورة الحس��ينيةالمسلمين.. لوجدناها ش��عارات إس��المية ت��رمي إلى تحقي��ق الخ��ير للن��اس، لق��د استطاعت السلطة أن تسلب الناس أمنهم واستقرارهم وتماسكهم وأخالقهم وروحانيتهم، وتعيد األمة إلى ما يشبه عصر الجاهلية، وأراد الحسين بثورته أن يعيد للناس ش��يئا من ه��ذا األمن المفق��ود، يق��ول

ــد أ�ميتت)ع( في رس��الته إلى أه��ل البص��رة: " ــنة ق ــإن الس ف والبدعــة قــد أحــييت فــإن تســمعوا قــولي أهــدكم ســبيل

. إن ن��داء الحس��ين )ع( على رمض��اء ك��ربالء وفي ك��ل(3)(3)"الرشاد تلك الرحلة الجهادي��ة، ون��داءه لك��ل األجي��ال تع��الوا إلي فعن��دي ك��ل الخ��ير واألمن لكم، تع��الوا إلي فقل��بي يس��عكم جميع��ا، لكن أولئ��ك القوم الذين ق��د ختم الل��ه على قل��وبهم، طعن��وا ذل��ك القلب الكب��ير

(1)(1) : ج آشوب شهر البن طالب، أبي آل ص 1مناقب ،317.ج (2)(2) األنوار، ص 44بحار ،329.ج (3)(3) التاريخ، في ص 4الكامل ،23.

163

برماحهم وسهامهم وانتهكوا حرمة الله والرس��ول في��ه وس��ال ال��دم الط��اهر ليتح��ول دم��ه بع��د ذل��ك إلى نهج يقت��دي ب��ه األح��رار ال��ذين

يريدون الوصول إلى شاطئ األمان.

هذه هي حقيقة الحسين)ع( وحقيقة الدين الذي استش��هد من أجل��ه الحسين، لكن ماذا فعلنا نحن ب��ني اإلنس��ان! لق��د جنين��ا على ال��دين كم��ا جنين��ا على الحس��ين)ع(؛ جنين��ا على ال��دين عن��دما حولن��اه إلى عامل توتر وقلق وخوف، وكم من دماء س��فكت باس��م ال��دين! وكم من أعراض انتهكت باس��م ال��دين! إن الخط��اب ال��ديني ب��رع في أن يق��دم الل��ه وه��و الرحم��ة المطلق��ة والحب المطل��ق وه��و الس��الم الشامل إلى كائن مخي��ف جالد يتل��ذذ بتع��ذيب عب��اده وخلق��ه بالن��ار، فنقدم صور العذاب والنقمة على صور المحبة والرحمة، وكأنه يقال

ــبه"؟ أينخلقهم للنار والشقاء، أين " يا من سبقت رحمته غضــادي؟ أين صورة }"كتب على نفسه الرحمة" ألك عب وإذا ســ

تجيب�وا عني فإني قريب أ�جيب� دعوة الداع إذا دعــان فليســد�ون م يرش� [.186{ ]البقرة:لي ولي�ؤمن�وا بي لعله�

وهكذا، فإن خطابنا الديني صور النبي )ص( باعتباره جالدا، وش��عاره��ه الرحم��ة المه��داة للع��المين، } ومــا"لق��د جئتكم بال��ذبح"! م��ع أن

[، وهك��ذا جنين��ا في107{ ]األنبي��اء:أرسلناك إال رحمة للعالمين بعض خطاباتنا وأساليبنا على الحسين)ع( وب��دل أن نقدم��ه باعتب��اره سفينة للنجاة قدمناه وحاص��رناه باعتب��اره رم��زا للمأس��اة، وب��دل أن نحول ذكراه إلى "مصباح للهدى" وموئل لألنام، فإذا بن��ا نحوله��ا إلى عنصر توتر، عنص��ر ت��وتر على المس��توى اإلس��المي، عن��دما أردناه��ا ذكرى في وجه اآلخرين، وإال فم��ا مع��نى أن يق��ف ع��الم من إخوانن��ا أهل السنة على هذا المنبر أو غيره ليقدم شهادة على حب الحسين وأهل بيته)ع(؟! إن معنى ذل��ك، أن خطابن��ا ال ي��زال يش��عر اآلخ��رين باإلدانة ويحملهم المسؤولية. وعنصر توتر على المس��توى اإلنس��اني الع��ام من خالل ص��ورة ال��دم ال��تي نظه��ر به��ا للن��اس من خالل م��ا يسمى التطبير، حتى أطلق بعض��هم على ي��وم عاش��وراء ي��وم ال��دم، ألن البعض حوله إلى ما يشبه حمام الدم، والحسين )ع( لم ي��رد لن��ا

164

أن نس��فك دمن��ا في الس��احات، ب��ل أراد له��ذا ال��دم أن يج��ري في عروقنا لنصنع الحياة العزيزة، وإذا فرضت علين��ا الح��رب من أع��داء

األمة فلنسفك دماءنا في الجبهات.

هذا هو الحسين)ع( فال تحبسوه في الكهوف المظلمة، أبقوه    في الهواء الطلق ليتنفس كل الناس من خالله نسيم الحري��ة وعب��ق النب��وة، ال تجعل��وه في الظلم��ة والعتم��ة أبق��وه في الن��ور س��اطعا��ر والف��اجر، ال ت��نزلوا بالحس��ين إلى كالشمس ترسل ضياءها إلى الب مستواكم، بل اص��عدوا إلى مس��تواه حيث القم��ة الش��امخة والنفس المطمئنة، حيث الفرح الروحي الذي يجعل طعم الموت حلوا ما دام في سبيل الل��ه، حيث الفن��اء بالل��ه، م��ا أعظم ه��ذا االطمئن��ان ال��ذي انطوى عليه قلب الحسين )ع(! وما أرسخ هذا اإليم��ان ال��ذي جعل��ه فرحا مستبشرا وهو يقدم القرابين تلو القرابين من أبنائ��ه وأص��حابه

ــيكوهو يترنم قائال على ما ينسب إليه: " إلهي إن كان هذا يرضذ مني حتى ترضى ".فخ�

نغفل    أن نريد فال السلبيات هذه إزاء صوتنا نرفع إذ إننا إيجابيات الخطاب الحسيني الكثيرة ال نريد جلد ذاتنا بطريقة معنوية وفكرية، كما يجلد البعض نفس��ه بطريق��ة حس��ية، وإنم��ا نري��د تنزي��ه الذكرى من كل ما يشوه صورتها، ونريد اإلصالح على هدي الحسين

" وعلىإنما خرجت لطلب اإلصالح في أمــتي جــدي…)ع(، "تطعت� ومــاهدي األنبياء من قبله، } اإلصالح ما اســ �ريد� إال إن أ

�نيب� بالله عليه توكلت� وإليه أ [.88{ ]هود : توفيقي إال

)*()*(الخطاب العاشورائي: قراءة في المفهوم والمصادر

عاشوراء )*()*( ليالي من التاسعة الليلة في المحاضرة هذه الحسنين 1432ألقيت اإلمامين مسجد في ه��. ) بيروت) ���� حريك حارة السالم عليهما

165

ال نب��الغ عن��دما نق��ول إن نهض��ة اإلم��ام الحس��ين )ع( ك��انت نهض��ة إنسانية بامتياز، إنسانية في أهدافها ومنطلقاته��ا وفكره��ا ورس��التها، وهي تحم��ل ك��ل عناص��ر الفك��ر اإلنس��اني، وك��ل القيم اإلنس��انية المتس��امية. وإن النهض��ة اإلنس��انية بحاج��ة في اس��تمراريتها ودوامر به��ا تأثيره��ا، إلى خط��اب إنس��اني يحم��ل قيم ه��ذه النهض��ة، ويبش�� وينشرها بين الناس، فإذا ما افتق��دت أي نهض��ة مث��ل ه��ذا الخط��اب

اإلنساني، فإنها بالتأكيد ستنتهي وسيؤول أمرها إلى الزوال. والسؤال: هل الخطاب العاشورائي ارتقى إلى مستوى هذه النهض��ة

ومشروعها وحمل قيمتها اإلنسانية ورسالتها اإلسالمية؟ اإلنصاف يقتضي منا القول بأن الخطاب العاشورائي، رغم إيجابيات��ه��ه ع��رف التي ال يمكن إنكارها، لم يرق إلى مس��توى النهض��ة، ب��ل إن

الكثير من اإلخفاقات والسلبيات.الخطاب العاشورائي

وفي البدء، ال بد من أن نشير إلى أن الخطاب العاشورائي، ال نقصد به ما يتلوه قارئ العزاء أو الخطيب الحسيني فحسب، فما يتحفنا به قارئ العزاء، هو جزء مهم ومصداق بارز لهذا الخطاب العاشورائي، لكنه ال يختصره، بل إن ك��ل جه��د ش��فهي أو كت��ابي، س��رديا ك��ان أو تحليليا، شعريا أو نثريا، قصصيا أو مس��رحيا... إن ك��ل جه��د إنس��اني

من هذا القبيل، هو خطاب يعكس هذه النهضة وأهدافها.  وفي ضوء ذلك، يغدو كل واحد منا معنيا بهذا الخط��اب ومنتج��ا

ة هض��ة وأه��دافها وشخص��ي ل��ه، فعن��دما تش��رح لص��ديقك مع��نى الن رجاالتها، فأنت تقوم بخطاب عاشورائي، وكذلك األستاذ الذي يشرح��ان ال��ذي يرس��م بريش��ته ة، والفن هضة اإلنساني لطالبه أهداف هذه الن��ان ال��ذي ينتج فيلم��ا عن ه��ذه لوح��ة لمش��هد عاش��ورائي، أو الفن

النهضة... إن هؤالء يساهمون في تقديم خطاب عاشورائي. في ضوء هذا البيان والتعريف للخطاب العاشورائي، ال يش��كلن أح��د علينا بأنه ما الداعي لطرح قضية الخطاب العاشورائي من على هذا

المنبر الذي يخاطب الجمهور العام، فهذا اإلشكال ليس في محله: ألننا كلنا معنيون بالخطاب العاشورائي، وكلنا يمكن أن نساهمأوال:

في تقديمه، كما أسلفنا.166

ثانيا: ألن الجمهور العاش��ورائي ال يج��وز أن يبقى جمه��ورا مس��تمعا��ة، ومتلقيا فحسب، ب��ل ال ب��د من أن يك��ون جمه��ورا مش��اركا بفاعلي وعندما يستمع، فعليه أن يستمع بعقل مفت��وح وب��أذن واعي��ة... ففي

ــده،الحديث عن أبي جعفر)ع(: "من أصغى إلى ناطق فقد عب فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقـد عبــد اللـه، وإن كــان

.(1)(1)الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان" إن الجمهور العام مع�ني ب�أن يفتح عقل�ه ويقيم ك�ل م�ا يلقى علي��ه،ها األحبة، لستم مجرد أشخاص تستمعون وتصدقون كل م��ا فأنتم، أي يلقى عليكم، أنتم أجل من ذلك، علينا جميعا أن نكون أصحاب عق��ل

 ووعي وتحليل.مزايا الخطاب العاشورائي

في ضوء هذا التعريف للخطاب العاشورائي، أدخل اآلن إلى تقييمه،��ات، ويمتل��ك الكث��ير من ��ه يحم��ل الكث��ير من اإليجابي فكم��ا قلت، إن العناصر الجيدة والفعالة )وهذه العناصر تم الحديث عنها ض��من ه��ذا

الكتاب فراجع(:ه يمتل��ك ق��درة على االس��تقطاب الجم��اهيري اإليجابية األولى: أن

ق��ل نظيره��ا، فق��د ال تج��د شخص��ا مهم��ا ك��ان متفوه��ا يس��تطيع أناس كم���ا يس���تقطبهم الخطيب الحس���يني والمن���بر يس���تقطب الن الحسيني، وقد ال يكون منشأ هذه القدرة على االستقطاب ه��و ق��وةة، الجذب في الخطاب العاش��ورائي، ب��ل المنش��أ ه��و ح��رارة القض��ي "إن لقتــل الحســين حــرارة في قلــوب المؤمــنين ال تــبرد

هذه الحرارة هي التي تمتلك هذه القوة من الجذب.(2)(2)"أبداعبوي، فه��و ك��ان والواإليجابية الثانية: هي دوره االستنهاضي والت

ي��زال ق��ادرا على اس��تنهاض األمة وتعبئته��ا، ودفعه��ا نح��و الحرك��ةياق، ج��اءت كلم��ة اإلم��ام الخمي��ني م��ا في ه��ذا الس�� ورة، ورب والث

المعروفة: "كل ما عندنا فهو من كربالء ومن عاشوراء".ــورائي ــ ــاب العاش ــ ــة للخط ــ ا اإليجابية الثالث : فهي دورهأم

ن��ويري، فنحن ال ننك��ر أن بعض الخطب��اء العاش��ورائيين ق��افي والت الثورة الحس���ينية، ���رين، ممن تح���دثوا وكتب���وا عن الث والعلم���اء المفك

ج (1)(1) ص 6الكافي، ،434.ج (2)(2) الوسائل، ص 1مستدرك ،318.

167

�ا، ولع�ل ص�احب ه�ذا المن�بر، العالم�ة �ا تثقيفي يمتلكون خطابا تنويري الراحل والفقيه المجدد، السيد محمد حسين فضل الل��ه، ك��ان إم��ام

 التنويريين في هذا العصر بامتياز.هذه، أيها األحبة، بعض الخصائص اإليجابية للخطاب العاشورائي 

السلبيات والثغراتة، هناك إخفاقات وسلبيات، ال ب��د وإلى جانب هذه الخصائص اإليجابي من أن نشير إليها بهدف تالفيها وتصحيحها، بما يخدم أهداف النهضة

الحسينية:السلبية األولى: إن هذا الخطاب ال يزال في األعم األغلب خطابا

ق، مذهبيا، يحبس اإلمام الحسين)ع( ونهضته في إط��ار م��ذهبي ض��ي ليغدو إمام الطائفة وإمام الجماع��ة، وليس إم��ام المس��لمين، فض��ال

عن أن يكون إمام اإلنسانية.لبية الثانية: ��ا بامتي��از،الس إن هذا الخطاب ال ي��زال خطاب��ا عاطفي

��اس، ليغ��دو ويطغى عليه المنحى العاطفي الذي يس��تهدف إبك��اء النذلك هدفا للخطيب الحسيني، ومقياسا لنجاحه.

لبية الثالثــة: س���امحالســ إن الخط���اب العاش���ورائي يعتم���د التاريخي، ليس هناك في األعم األغلب تدقيق ساهل في العرض الت والتثقي��ف العاش��ورائي، ولع��ل غلب��ة المنحى الع��اطفي في مص��ادر التاريخي، سامح في ق��راءة النص الت المشار إليه، هي التي أدت إلى التل ه إذا ك��ان الغ��رض ه��و إبك��اء الجمه��ور، فال ب��د من أن يتوس�� ألنظر عن صحته أو ع��دم الخطيب كل شيء يستدر الدمعة، بصرف الن

صحته.ة ركيز على هذه الس��لبي أيها األخوة، ما أبتغيه في هذه الكلمة، هو التالثة، أي التسامح في مصادر الخطاب العاشورائي، ألني أعتقد أن الثات كث��يرة ونت�ائج خط�يرة على ال�وعي وعلى ص�ورة لهذا األمر سلبي

اإلمام الحسين وهدفية ثورته.حيحة والمعت��برة لهذا، ال بد لي أوال من أن أبين ما هي المصادر الص�� للثقاف��ة الحس��ينية والعاش��ورائية، ثم أبحث ثاني��ا عن المص��ادر غ��ير

المعتبرة:المصادر المعتبرة للثقافة العاشورائية

168

أما المصادر المعت��برة، وال��تي ينبغي أن تتثق��ف األمة على أساس��ها، ألن التثقيف مسؤولية، وهي مس��ؤولية مش��تركة بين الخطيب ال��ذي يقوم بتثقيف الناس، والمستمع ال��ذي ال ب��د ل��ه من أن يع��رف كي��ف يتثقف وعمن يأخ���ذ ثقافت���ه، ف���إن المص���ادر المعت���برة للثقاف���ة

العاشورائية وللثقافة اإلسالمية عموما هي: القرآن الكريم ويأتي على رأس ه��ذه المص�ادر، فه�و المص�درأوال:

��ه المرج��ع ال��ذي تح��اكم على األول للثقافة اإلس��المية، ب��ل يمت��از بأنضوئه كافة المصادر مما ستأتي اإلشارة إليها.

قاف��ة وإذا لم يكن هن��اك ش��ك في أن الق��رآن الك��ريم ه��و مص��در الثة األول، ف��إن المهم أن نع��رف كي��ف نفهم الق��رآن، وكي��ف اإلس��المي��اس، ألن البعض ربم��ا يفتح بعض األب��واب في تأوي��ل نقدم��ه إلى الن القرآن، مم��ا هي في حقيقته��ا خ��روج عن ظ��اهر الق��رآن، ب��ل ربم��ار ل�ك كانت تحريفا للقرآن. فمثال، تسمع في بعض األحي��ان من يفس�

{: الكاف هي كربالء، والهاء هالك العترة،كهيعصقوله تعالى في }اد ص�بر الحس�ين... ونحن والياء يزيد، والعين عطش الحسين، والص� نتساءل: ما مصدر هذا الكالم؟ ف��إن الق��رآن الك��ريم ليس ألغ��ازا وال�اس، كم�ا ه��و نص اآلي�ات أحاجي، القرآن الكريم هو بيان وتبي�ان للن الكريمة، وه��ل أئم��ة أه��ل ال��بيت اعتم��دوا ه��ذا المنهج الت��أويلي فيئل بعض تفسير القرآن؟ ب��الطبع لم يعتم��دوا ه��ذا المنهج. عن��دما س��

إنما} األئمة: إن بعض أص��حابك يقول��ون في تفس��ير قول��ه تع��الى:ــل ن عمـ اب� واألزالم� رجس م ــ ر� واألنصـ ــ ــر� والميسـ الخمـ

يطان فاجتنب�وه� [، فهل الخمر والميس��ر يقص��د90{ ]المائدة:الش بهما رجال، واجتنبوه يعني اجتنبوا فالنا وأبغضوا فالنا؟.. فم��اذا عل��ق

"، أيما كان الله ليخاطب خلقه بما ال يعلموناإلمام؟ قال: " إن الله أجل من أن يخاطب قومه بما ال يعقلون وما ال يفقهون. إذا،

القرآن الكريم هو المصدر األول للثقافة اإلسالمية.نة،ثانيا: ��اني للثقاف��ة العاش��ورائية اإلس��المية ه��و الس�� المص��در الث

حيح، ولكن حتى ��اريخ الص�� يرة والت وأقصد بالسنة هنا ما يش��مل الس����ق منه��ا، وأن تك��ون ة، ال ب��د من التوث اس بالسن يجدر بنا أن نثقف الن

معتبرة.169

واالعتبار هنا، أيها األحبة، ليس بالضرورة أن يك��ون ب��المعنى الفقهي��ه إذا ك��ان لالعتبار، يعني أن نمتل�ك ح�ديثا ص�حيحا يروي�ه الثق��اة، ألناكلة، ف��أكثر الخطب��اء ال ب��د من أن يتوقف��وا عن األمر على هذه الش��ة ي��راد نقله��ا، ال ب��د من أن تك��ون صعود المنبر، إذ كل رواي��ة أو قص��

واردة في سند صحيح، وهذا ما ال يتيسر غالبا. بل إننا قد نكتفي باالعتبار التاريخي عندما ال تتصل القض��ية بمفه��وم عقيدي أو حكم شرعي، ونقصد باالعتبار التاريخي، أن يكون للحادثة

التي ننقلها إلى الناس مصدر تاريخي معتبر. ولكن عندما نقول بأن السنة هي مصدر للثقاف��ة العاش��ورائية، 

م�ا فإن لذلك شروطا وضوابط، فالخبر والسنة والح��ديث المعت��بر، إن يك��ون حج��ة بش��رط أن ال يع��ارض كت��اب الل��ه، وال يع��ارض العق��ل��ة، ف��الخبر ال��ذي يع��ارض الفط��ري، وال يع��ارض المس��لمات العلمي القرآن الكريم ال يساوي فلسا، حتى لو كان صحيح السند، فضال عما

إذا لم يكن صحيح السند. ولهذا، ال بد من أن نتوثق من األخبار لتكون منس��جمة م��ع المف��اهيم القرآنية، عندما يقدم لنا الخطيب حديثا أو قصة فيها ما يهتك حرم��ة

اإلمام الحسين )ع( وينافي عزته وكرامته، فال يمكن قبول ذلك. إن أي خبر يخدش حرمة م��ؤمن ع��ادي، فض��ال عن أن يخ��دش 

�ه ين��افي الكت�اب حرمة ن�بي أو ولي، يض�رب ب�ه ع�رض الحائ�ط، ألن الكريم الذي أكد كرامة اإلنس��ان وع��زة الرس��ول وكرام��ة الم��ؤمن:

منا بني آدم} وله[، }70{ ]اإلسراء:ولقد كر ة� ولرس� ولله العزؤمنين [.8{ ]المنافقون:وللم�

عن��دما ي��أتيني خ��بر على س��بيل المث��ال ي��ذم بعض األق��وام وبعضعوب وبعض األع��راق، ه��ذا ال ب��د من طرح��ه، يوج��د ل��دينا بعض الش�� الرواي��ات تق��ول: "إن األك��راد حي من الجن كش��ف عنهم الغط��اء"، فمثل هذه األخبار تنافي روح القرآن ومفاهيمه األصيلة ال��تي ج��اءت

}إنلتقول: ال فرق بين مسلم وآخر، بين إنسان وآخر، إال بالتقوى: [.13]الحجرات: أكرمك�م عند الله أتقاك�م{

وهكذا، ال بد ألي خبر من أن ال يتنافى مع معطيات العق�ل الفط��ري،��د من ص��حته. فالخبر الذي تشعر بأنه يتنافى مع فطرتك، عليك التأك

170

طبع��ا هن��ا ال ب��د من أن ننتب��ه إلى أن المعي��ار في رفض الخ��بر ليسة، وإنم��ا المعي��ار ه��و العق��ل مخالفته للذوق أو االستحسانات الخاص��ليمة المودع��ة في اإلنس��ان، وال��تي ك��انت الفط��ري، والفط��رة الس�� إحدى وظائف األنبياء أن يحركوه��ا. ج��اء في نهج البالغ��ة عن اإلم��ام

"ويثيرواعلي)ع( وهو يح��دد وظ��ائف األنبي��اء تج��اه األم��ة، يق��ول: يع��ني أن العق��ل ق��د يعل��وه الغب��ار،(1)(1)فيهم دفائن العقــول"

والصدأ، ويأتي النبي ليثير هذه الدفينة وهذا الكنز الذي اسمه العقلأو الفطرة.

فه��ذا إذا معي��ار، وعن��دما نط��رح س��يال من األح��اديث واألخب��ار على��ق منه�ا، وال نطابقه��ا م��ع مف��اهيم الق��رآن، ف��إن على الناس وال نتوث الناس أن تتصدى لذلك، وأن تحاكم، وأن ال تستس��لم لك��ل م��ا يلقى

عليها. هذه إطاللة سريعة على أهم المصادر المعتبرة للثقافة العاش��ورائية

واإلسالمية.المصادر غير المعتبرة

أنتق���ل إلى الح���ديث عن المص���ادر غ���ير المعت���برة في الثقاف���ة العاش��ورائية، وال��تي يعتم��دها الكث��يرون من الخطب��اء والمتكلمين

الحسينيين، من قراء العزاء وغيرهم.ومن هذه المصادر:

األخبار والروايات غير الموثقة، وال�تي ليس له�ا اعتب��ار فقهي،أوال: وال اعتبار تاريخي، كما هو الحال في كث��ير من أخب��ار كت��اب "أس��رارهادة" للدربن��دي، أو غ�يره من الكتب ال��تي يعتم��دها بعض ق��راء الش����اس دون تثبت، م��ع أن وج��ود الرواي��ة في الع��زاء، وينقلونه��ا إلى الن كتاب معتبر، فضال عن أن يكون غير معتبر، ألفه عالم جليل ال يع��ني أنها معتبرة، كما هو الحال في روايات بحار األنوار، حيث إن العالم��ة المجلس��ي ه��و نفس��ه ال يض��من ص��حة أخب��ار كتاب��ه، ب��ل ق��د يق��ول: "وجدت في كتاب قديم"، فهو نفسه يشهد بأن مصادر كتابه - فض��ال

ليست بأجمعه��ا معت��برة، ومج��رد أن الرواي��ة م��ذكورة عن رواياته - في البحار أو غيره، ال يبرر لك أن تأتي وتثقف الناس بها..

ج (1)(1) البالغة، ص 1نهج ،24.

171

أج��ل، إن بعض األخب��ار ق��د ال يك��ون له��ا إس��ناد ب��المعنى المع��روفة، وعليه��ا فقهيا، لكنها تمتاز بق��وة في مض��مونها، وله��ا كيمي��اء خاص�� حالوة تشهد بص��دورها عن اإلم��ام)ع(، وق��د ورد في بعض الرواي��ات

"إن على كل حــق حقيقــة، وإن علىعن رس��ول الل��ه )ص(: ، فإذا كان للكالم هذه الق��وة في المض��مون،(1)(1)"كل صواب نورا

��اس وك��ان منس��جما م��ع الق��رآن، حينئ��ذ يمكن أن أطرح��ه على الن��ا، وال وأنقله إليهم وأثقفهم به، أما األخبار التي ال تملك اعتب��ارا فقهي اعتبارا تاريخيا، والتي ال تملك هذه القوة في مض��مونها، ال يج��وز أن��اس به��ا. ومن الغ��ريب أن بعض الخطب��اء يس��ندون بعض أثق��ف الن القص��ص واألخب��ار إلى "أرب��اب المقات��ل" دون تثبت، أو يق��ول ل��ك: ح��دث بعض الخطب��اء، فيص��بح المص��در ه��و بعض الخطب��اء، خطيب ينقل عن خطيب؛ إن هذا ليس مص�درا معت��برا لنق��ل الرواي�ة ولبن��اء

الثقافة اإلسالمية. المنامات؛ حيث نالحظ أن بعضهم يك��ثر س��رد المنام��ات علىثانيا:

المنابر، ويستشهد بها ويثقف الناس بها، فهل المنام حجة ش��رعا، أوهل يمكن أن يشكل مصدرا للثقافة اإلسالمية؟

والجواب: إن منام النبي هو وحي، فعندما ي�رى الن�بي إب�راهيم ��ه ي��ذبح ابن��ه، فه��ذا وحي من الل��ه، ولكن من��امي أن��ا أو في منامه أن أنت، هل هو حجة شرعا، وه��ل يش��كل مص��درا للثقاف��ة اإلس��المية؟رعية ال تؤخ��ذ من الجواب: كال، هو ليس حجة شرعا، فاألحك��ام الش�� المنامات. فقد ورد في الحديث عن اإلمام الصادق)ع(، وه��و ص��حيح��ة ال��تي رئيت في المن��ام، السند، وقد سئل عن بعض األم��ور العبادي

ول��ذلك.(2)2)""إن دين الله أعز من أن ي�رى في المنامفقال: ينقل عن الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء: "إن األحالم ليست شواهد

 األحكام، باتفاق علماء اإلسالم". هذا بالنسبة إلى األحكام الشرعية، وهكذا الحال في التثقيف الع��ام، في المفاهيم، في األخالق، ال يمكن اعتماد المنام كحجة أو دليل، وال سيما أن المنام بحاجة إلى من يعبره لنا، بحيث يكون عن��دنا ش��خص مثل يوسف )ع( الذي خصه الله بقدرة على تفسير ال��رؤى واألحالم،

ج (1)(1) الشيعة، ص 27وسائل ،110.ج (2)2) ص 3الكافي، ،482.

172

ولذا عندما رأى العزيز سبع بقرات سمان ي��أكلهن س��بع عج��اف، لم يستطع أحد سواه تعب��ير ه��ذا المن��ام. على أن بعض المنام��ات ليس لها تعبير، وإنما هي مجرد أضغاث أحالم، كم��ا ينص الق��رآن الك��ريم، لهذا ال يمكن لي أن أقف على منابر المسلمين وأط��رح عليهم س��يال من المنامات ال�تي ال يع��رف من رآه��ا، وه��ل له�ا اعتب��ار أم ال، وهي ليست ذات اعتبار، وإن كانت قد تصلح ألن تكون بشائر أو نذرا، كما

جاء في بعض الروايات. فعلينا أن نحاذر جيدا من هذا األمر. ومن المصادر غير المعت��برة بحس��ب اعتق��ادي، أو ال��تي ال ب��دثالثا:

من التأمل فيها، هي محاولة تثقيف األمة بما يعرف بأخب��ار العج��ائب والغ��رائب والكرام��ات. بداي��ة، اس��محوا لي ب��أن أق��ول: إنن��ا ن��ؤمن بمنط��ق المعج��زة والكرام��ة، ف��القرآن الك��ريم ح��دثنا عن مع��اجز األنبي��اء، فال ب��د من أن ن��ؤمن ب��ذلك، وال ن��تردد في��ه، فم��ا نص علي��ه القرآن � مثال ��� نقبل��ه ب��دون ت��ردد، لكن ال��ذي يحص��ل في كث��ير من��اس الحاالت هو التوسع في نقل الكرامات، واإلسهاب في تثقيف الن بها، واالستشهاد بها بهدف إثبات حقانية عقيدتنا أو م��ذهبنا، ول��ذا يتم الح��ديث عن أن فالن��ا حص��ل مع��ه ك��ذا، وفالن��ا ش��في في المك��ان الفالني وم��ا إلى ذل��ك؛ ه��ل ه��ذه الطريق��ة ص��حيحة؟ أن��ا لي ع��دة

األسلوب في التثقيف العام: مالحظات على اعتماد هذا إن التقدير اإللهي أو القانون اإللهي، قضى أن يجري هذا الكون وف��ق-1

منطق السنن وليس وفق منطق المع��اجز والكرام��ات، إن المع��اجز، وك��ذا الكرام��ات هي اس��تثناء، حتى بالنس��بة إلى األنبي��اء، وليس من شرط النبي)ع( أن يقوم بمعجزة، وال قامت حياة األنبياء على أساس المعاجز، وإنما كانوا يعيشون حياة طبيعية، وأحيانا ك��انوا إذا م��ا طلب��اس منهم معج��زة، ال يس��تجيب الل��ه لطلبهم، ب��ل ي��أتي الج��واب: الن

وال{ ســ� بشرا ر بحان ربي هل ك�نت� إال ل س� [.93 ]اإلس��راء:}ق� إذا هذه نقطة مهمة، وهي أن اإلسالم يعلمن��ا أن الحي��اة ال ب��د من أن

تسير وفق منطق السنن، منطق العلة والمعلولية. إن األمة عندما ابتعدت عن األخ��ذ بمنط��ق الس��نن، وأص��بحت تفتشداوي" بالقرآن أو باألحراز، وتطلب عن أدوية ألمراضها من خالل "الت

173

النصر بالدعاء بدل إع��داد الق��وة، عن��دها تخلفت وت��أخرت وأص��بحتعلى هامش األمم.. هذا أوال.

ال بد من التوثق من هذه المع��اجز أو الكرام��ات قب��ل أن تط��رح على-2 الرأي العام، فعندما يأتي شخص ويقول لك: هناك شجرة في المكان الفالني، يرشح منها الدم في العاش��ر من مح��رم ك��ل ع��ام، فال تقب��ل ذلك ببساطة وسذاجة، بل توثق من الخبر. أن��ا أذك��ر أن أح��دهم ج��اءة إلى أحد علمائنا الكبار، أحد الفقهاء، وقدم له كتاب��ا ألف��ه ح��ول قص��جرة ال�تي يرش��ح منه�ا ال�دم في عاش��وراء، وطلب من��ه أن هذه الش� يكتب له مقدم��ة ل��ذلك الكت��اب، فق��ال ل��ه الفقي��ه: أن��ا مس��تعد، لكن

جرة يوم��ا، ف��إذا لم يرش��ح365بشرط أن تجلس أنت تحت هذه الشر منها الدم في كل هذه المدة، باستثناء الي��وم العاش��ر، س��اعتئذ أفك

في أن أكتب لك مقدمة لكتابك، لذا ال بد من التوثق من هذه األم��ور. إن كث���يرا من األم��ور تلقى على عواهنه��ا، وهي ال أس���اس له��ا من

الصحة.ليم إلحق��اق-3 إن منطق األمور العجائبية، ربما ال يكون هو المنطق الس��

الح��ق ودحض الباط��ل، فغيرن��ا يط��رح الكث��ير من ه��ذه األم��ور، وأنتم تس��معون ب��ذلك وتش��اهدونه على شاش��ات التلف��زة، مم��ا يحكى عنيت وشفي منه فالن أو فالن، إلى غير ذل��ك بركة لتمثال رشح منه الز��اس، وربم��ا يتم في ��ة ال��تي تنق��ل ويت��داولها الن من القص��ص العجائبي ض��وئها تط��ويب بعض الكهن��ة، ول��و أنن��ا تجاوزن��ا أص��حاب األدي��ان السماوية، وذهبنا إلى الهندوس، سنرى أمثال ه��ذه القض�ايا ال��تي ق��د

تكون أحيانا مبنية على علم معين أكثر مما تكون كرامة.��ة ال��دين أو الم��ذهب، هي في امتالك��ه وله��ذا، فإنن��ا نعتق��د أن حقاني الحج��ة، واعتم��اده على المنط��ق، وإن ق��وة المنط��ق في رس��الة الحسين، هي التي تثبت حقانية هذه النهض��ة، وليس حص��ول عجيب��ة

 أو كرامة مع فالن أو فالن. إن كالمي هذا ال يشكل دع��وة إلى التش��كيك أو رفض ك��ل م��ا ينق��ل إلينا من الكرامات، بل إني أدعو إلى التعام��ل م��ع ه��ذه األم��ر وف��ق القاعدة المعروفة المنقول��ة عن ابن س��ينا: "ك��ل م��ا ط��رق س��معك فذره في بقعة اإلمكان، حتى يذودك عنه قاطع البرهان". لكنني في

174

الوقت نفسه، أدعو نفسي، وأدعو غ��يري من الخطب��اء، إلى اح��ترام��اس، وأن نثقفهم بالثقاف��ة المثم��رة على أق��ل تق��دير، فال عق��ول الن نطرح األمور التي تثير انقساما وبلبل��ة في وس��ط من يس��تمع إلين��ا،فات الس��لبية، ولنكن على وربم��ا يس��منا اآلخ��رون ب��الكثير من الص��

"إنا معاشــر األنبيــاءاألقل ممن يعمل بوصية رسول الل��ه )ص(: �مرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم .(1)(1)"أ

ومن المص��ادر غ��ير المعت��برة في التثقي��ف العاش��ورائي، اعتم��اد م��ا-4 يعرف بلسان الحال، التي يكثر استخدامها على لسان الخطباء، حيث ينقل��ون الكث��ير من األح��داث والقص��ص والمح��اورات بعن��وان لس��ان الح��ال، أو بص��يغة: ك��أني ب��ه يق��ول. ولي على ه��ذه الوس��يلة بعض

المالحظات:��ه من ال��ذي يع��رف لس��ان ح��ال المعص��ومالمالحظة األولى: أن

ليحكي حاله؟! أنت عندما تريد أن تتكلم بلسان حال إنس��ان، فال ب��د من أن تك��ون ملم��ا بحال��ه ومش��اعره وتطلعات��ه، ه��ذا في اإلنس��ان

أن تتح��دث عن�ه بلس�ان الع�ادي، فم�ا بال�ك بالمعص�وم؟ ف��إذا أردت��دة، في فك��ره الح��ال، ف��إن علي��ك أن تع��رف المعص��وم معرف��ة جيامية، ومن وعقل��ه، وفي تطلعات��ه ومش��روعه، وفي مواص��فاته الس�� الذي يجرؤ على القول: إنه محيط بحال اإلمام الحس��ين )ع(، أو أن��ه ملم بم��ا ك��ان يفك��ر في��ه ويج��ول في خ��اطره ظه��يرة العاش��ر من محرم، حتى يتحدث بلسان حاله؟! إن الكثير مما ينق��ل إلين��ا بلس�ان ح��ال اإلم��ام )ع( إنم��ا يحكي ويعكس لس��ان ح��ال المتكلم أك��ثر من

   لسان حال المعصوم. عراء، ممن نح��ترم، على س��بيل المث��ال: عن��دما يتح��دث بعض الش��

ويتكلم بلسان حال الحسين )ع( قائال:ولنا طارف العلى والتليدسادة نحن واألنام عبيد

  فإننا نتساءل: هل هذا لسان ح��ال األئم��ة من أه��ل ال��بيت)ع(؟! ه��ل يتح��دثون به��ذا المنط��ق، أع��ني منط��ق الس��ادة والعبي��د؟! طبع��ا ال،

ج (1)(1) ص 1الكافي، ،23.

175

ة لسان الحال خطرة ج�دا، ألنن��ا أحيان�ا نعكس واالسترسال في قضيحاال للمعصوم هو أبعد شيء عنه وعن حاله ومقاله ورسالته.

ة لس��ان الح��ال ك��انت م��دخال لتس��ربالمالحظة الثانية: إن قضي الكثير من األكاذيب إلى النهضة الحسينية، مثال، لو أنني سألتكم عن

صاحب هذا البيت الشعري:إال بقتلي يا سيوف خذينيإن كان دين محمد لم يستقم

ألجابني كثيرون أنه لإلمام الحسين، وهذا خطأ شائع، وربما وقع في��ه بعض العلماء والخطباء، فهذا بيت من قصيدة قالها الشاعر العراقي��ه قي��ل الشيخ محسن أب��و الحب، من��ذ مئ��ة ع��ام تقريب��ا، لكن بم��ا أن بلسان الحال بادئ األمر، أصبح بعد ذلك يحكى بلسان المقال. ولعلة بعض األحداث التي ال أصل له�ا هي من ه�ذا القبي�ل، كم�ا في قص� عرس القاسم، أو قضية وجود ليلى في كربالء، وأنه��ا دخلت الخيم��ة ونشرت شعرها، ودعت قائلة: يا راد يوسف... إلخ. إن هذه القض��ية ال وجود لها في أي مص��در من المص��ادر، فالعالم��ة المجلس��ي، رغم��اس القمي، ب�ل يخ عب تتبعه، يقول: لم أجد أي نص عليها، وهكذا الش إن المحدث النوري يقول إن هذه القضية التي تحكي قصة ليلى هي كذب في كذب، فربما طرحت هذه القضايا بلسان الحال، وأص��بحت تتلى على المنابر بكرة وعشية، وبمرور الوقت، غدت حقيقة، ولع��ل الكثير من األمور ال��تي ال مص�در له��ا في النهض��ة الحس��ينية، انتقلت

بهذه الطريقة.ورة ال��تي نا معنيون بتقديم الحسين اإلنس��ان، وبالص�� وختاما أقول: إن

تليق به وبنهضته. انتماؤن��ا إلى الحس��ين يف��رض علين��ا أن نقدم��ه في رس��الته 

��ة ال��ذي ي��ردد في آخ��ر ة، فه��و ليس حس��ين المهان��ة والذل اإلنس��اني لحظات حياته: "يا قوم إني عطشان"!، بل إن الحسين الحقيقي هو

". إن الحسين اإلنس��اني والحقيقي ليسهيهات منا الذلةحسين " هو حسين الحقد، هو حسين الحب لله وللناس، كيف وهو الذي ق��ال

"أمهلونا سواد هذه الليلة لنصــلي لربنــا، فــإن اللــهللقوم: إن الحسين الحقيقي ليس حس��ين.(1)(1)يعلم أني أحب الصالة"

ج (1)(1) كثير، إلبن والنهاية ص 8البداية ،191.

176

الموت والح��زن، ب��ل حس��ين الحي��اة، ورس��الة الحس��ين هي رس��الة الحياة. إن الحسين اإلنساني ليس هو حس��ين الدمع��ة فحس��ب، ب��ل

حسين العاطفة والفكر والسلوك.

177

   

178

179

180