dƒA,YBUV–,DEAB 78{)‘⁄,12 · ب لمعلا ءايحإ ي نعي وهو ،يم سا ركفلا...

21
فتائيتأهيل امي والعلر: التكوين ال مؤسلمةت اقلياساجد لئمة ا م2016 أكتوبر18 ،17 / هـ1438 رم 17 ،16 ..

Transcript of dƒA,YBUV–,DEAB 78{)‘⁄,12 · ب لمعلا ءايحإ ي نعي وهو ،يم سا ركفلا...

  • مؤمتر: التكوين العلمي والتأهيل اإلفتائي

    ألئمة املساجد لألقليات املسلمة

    16، 17 حمرم 1438هـ / 17، 18 أكتوبر 2016 م

    dA ,Y BUV,DEA B 78){̀ ,12 !)!*.

    !5 #5' ( 1 %[79HI ( !<

    #= A!$ A #0!*' (

    !)/\&/' ( !] %!*\!S9HI ( '̂ %_B !"

    !50!$ %/#$

    ..

    !̀!V,[' (

    !)'G A#$ #a %!SG

    9KL' !)B %2' ( !)#$ %B9KL' 1 %2' ( #?!OB

    9HI (!̀!V,[' (

    !)2B % #0#$ !)!*B KL+9HI (

    !] %+ (- A' (G !)2!$D

    YPb' ( !)!*\[' !"#$ %&' ( A!*/2' ( c %/[!*+ ( +HI ( !) #* #0\' ( , #_N

    !ZD!EB9HI ( #f (,!$ A' %#$

    !)!*B KL+9HI ( !)2!$D

    YPb' ( 1 %[79( !"!* #*g

    !$

  • 106

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    بسم اهلل الرمحن الرحيم

    احلمد هلل رب العاملني، والعاقبة للمتقني، والصالة والسالم عىل سيد األنبياء واملرسلني، سيدنا ونبينا حممد وعىل آله وصحبه والتابعني، وبعد:

    ف�إن م�ن القضايا املهمة التي تواج�ه الفقهاَء والدع�اَة وضَع األقلياِت املس�لمة يف البالد املختلفة، ومش�كالهِتم الدينيَة، وكيفيَة تعاملهم مع جمتمعاهت�م، ونرى أن فتاوى الفقهاء ٍد يرى أن الورع يف التحريم، ومتسيٍِّب يرى أنه ينبغي أن نفتح األبواَب تتفاوت بني مشدِّا، بينام نون ألنفس�هم فقًها خاصًّ األمر بني اإلفراط والتفريط؛ يقول اهلل تعاىل: {ع�ىل مصاريعها ليامرَس املس�لمون حياهَتم، ومن ثم يكوِّ

    } ]البقرة: 143[.وانطالًقا من شعوري باملسؤولية جتاه إخواين من األقليات، رأيت أن أشارَك هبذا البحث

    املتواضع، وهو: )التجديد يف األحكام الفقهية بام حيقق مصالح األقليات املسلمة(.والبح�ث جدي�ٌد يف عنوانه، قديٌم يف موضوعه، يقتبس من كالم س�لفنا الصالح يف ضوء الكت�اب والس�نة، ما حيقق مصالح املس�لمني يف كل زم�ان ومكان ب�إذن اهلل تعاىل، وقبل

    الرشوع يف البحث جيب تعريف مصطلحاته الرئيسية:١- التجديد:

    د؛ أي جعل اليشء جديًدا، واجلديُد: ما ال عهَد لك به. مصدر جدَّقال الفروز آبادي -رمحه اهلل-: بصرة يف اجلد، وورد يف القرآن واللغة عىل مخسة أوجه: األول: ...، وبمعن�ى القط�ع، وهو أصل الكلمة، وجددت الث�وب: إذا قطعته عىل وجه اإلصالح، وثوب جديد أصله املقطوع، ثم جعل لكل ما ُأحدث إنشاؤه، وقوبل اجلديد

    باخللق؛ ملا كان املقصود باجلديد القريب العهد بالقطع من الثوب)1(.إن مصطل�ح التجدي�د مصطلٌح أصيٌل يف الفكر اإلس�المي، وهو يعن�ي إحياء العمل بام

    اندرس من العمل بالكتاب والسنة، واألمر بمقتضامها)2(.وقد أخذ علامؤنا –رمحهم اهلل تعاىل– هذا املفهوم من قوله -صىل اهلل عليه وس�لم-: ))إن

    )1( بصائر ذوي التمييز 2/ 370 بترصف، وانظر ]املفردات للراغب 187، لسان اللسان 1/ 170، الروس 231[.)2( تبيني كذب املفرتي البن عساكر 53.

  • 107

    فقه النوازل

    د لا دينَها(()1(. اهلل -عز وجل- يبعث لذه األمة عىل رأس كل مائة سنة من جيدِّقال املناوي -رمحه اهلل-: أي يبني الس�نة من البدعة، ويكثر العلم، وينرص أهله، ويكرس

    أهل البدعة ويذهلم. قالوا: وال يكون إال عامًلا بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة.ق�ال اب�ن كثر -رمحه اهلل-: قد ادعى كل قوم يف إمامه�م أنه املراد هبذا احلديث، والظاهر أنه يعم مجلة من العلامء من كل طائفة، وكل صنف: من مفرس، وحمدث، وفقيه، ونحوي،

    ولغوي، وغرهم)2(.وق�د كث�ر ت�داول ه�ذا املصطلح يف الع�رص احلدي�ث، والذين اس�تعملوه ينقس�مون إىل

    طائفتني:أ- األوىل تعني به التكيف مع اجلديد يف هذا العرص، أو جديد احلضارة الغربية، وما محلته

    من مظاهَر حديثٍة يف احلياة اإلنسانية.وكأن التجدي�د يعن�ي لدهيا املح�اكاة واالقتباس من ذلك »اجلدي�د« الوافد عىل عاملنا مع الغ�زاة واخلراء والتكنولوجي�ا واألجهزة احلديث�ة والبضائع االس�تهالكية، وهم الذين كانوا يتداولون »اجلديد« باعتباره انتهاًجا لفكر الغرب، واحتذاًء لتقاليده، فكانوا يعنون

    .Modernization »بالتجديد »التحديثب- وطائف�ة كان�ت عىل خ�الف األوىل تعني »بالتجديد« ش�أًنا آخر؛ إذ تعن�ي به جتديَد العقيدة اإلسالمية، وجتديَد الصلة برتاث اإلسالم وإحياءه، والعودة إىل األصول بجعلها

    ُتونُِع وُتوِرُق يف وجداننا من جديد بعد أن جفت عروُقها)3(.٢- بين التجديد واالبتداع:

    االبتداع لغًة: إنش�اء صنعة ب�ال احتذاء أو اقتداء، ومنه قيل: ركي�ة بديع؛ أي: بئر جديدة احلفر، وما إذا اس�تعمل يف حق اهلل تعاىل: فهو إجياد اليشء بغر آلة، وال مادة، وال زمان،

    وال مكان، وليس ذلك إال هلل تعاىل.والبدعة: كل عمل عىل غر مثال سبق.

    )1( رواه أبو داود رقم 4291، واحلاكم يف املستدرك رقم 8639، والبيهقي يف معرفة السنن واآلثار رقم 422، والداين يف الفتن رقم 364 وغرهم. قال السيوطي: اتفق احلفاظ عىل أنه صحيح ]حاشية الفتن للداين رقم 364[.

    )2( فيض القدير رقم 1845.)3( جدل العقل والنقل للكتاين 2/ 96 بترصف يسر، وانظر: االجتهاد والتجديد للعبادي 13 وما بعدها

  • 108

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    وأبدع اليشء: خلقه واخرتعه، ومنه ما يس�تعمله الناس بأن العقل اإلنساين يبدع احللول ملا يواجهه من املشكالت.

    وأبدع األمر: أتقن صنعه، وأجاد فيه)1(.واصطالًحا انقسم العلامء إىل فريقني:

    أ- األول: وهم مجهور العلامء، أطلقوا البدعة عىل كل حادث مل يوجد يف الكتاب والسنة، سواء أكان يف العبادات أم العادات، وسواء أوافق أصول الرشع أم خالفها، وسواء أكان

    ممدوًحا أو مذموًما.قال العز بن عبد السالم -رمحه اهلل-: البدعة: فعل ما مل يعهد يف عهد رسول اهلل صىل اهلل

    عليه وسلم)2(.وقد قسمها هؤالء إىل األحكام الرشعية اخلمسة املعروفة.

    ق�ال الع�ز -رمحه اهلل-: والطريق إىل معرفة ذلك أن تع�رض البدعة عىل قواعد الرشيعة؛ ف�إن دخل�ت يف قواعد اإلجياب فهي واجبة، وإن دخل�ت يف قواعد التحريم فهي حمرمة،

    وإن دخلت يف قواعد املكروه فهي مكروهة، وإن دخلت يف قواعد املباح فهي مباحة)3(.

    ب- الثاين: وذهب كثر من العلامء إىل أن البدعة ما أحدث مما ال أصل له يف الرشيعة يدل عليه، أما ما كان له أصل من رشع يدل عليه فليس ببدعة رشًعا، وإن كان بدعة لغة)4(.

    وال�ذي يظهر يل –واهلل أعلم– أن اخلالف بني هؤالء األعالم خالف لفظي؛ ألن اجلميع يتفق�ون ع�ىل أن املس�تجداِت التي ال تتع�ارُض مع أصول الرشع احلني�ف، ومل يقصد هبا مضاهاة الطريقة الرشعية، فإهنا ليست من الضاللة، وأما ما جاء معارًضا ألصل رشعي،

    أو قصد صاحبه به مضاهاة طريقة رشعية، فإنه بدعة ضاللة)5(.

    )1( املفردات للراغب 110، الكليات للكفوي 1/ 389، الروس 137، عمدة احلفاظ للحلبي 1/ 189.)2( قواعد األحكام 2/ 337، املفردات 111.

    )3( قواعد األحكام 2/ 337، الفروق للقرايف 4/ 219.)4( جامع العلوم واحلكم البن رجب 2/ 781، االعتصام للشاطبي 1/ 18، البدعة للسبحاين 2، عوائد األيام للنراقي

    1/ 316، املوسوعة الفقهية 8/ 23.)5( املراجع السابقة.

  • 109

    فقه النوازل

    ٣- تفسير ا8حكام:أ- األحكام مجع حكم، وهو لغة املنع، ومنه قيل للقضاء: حكم؛ ألنه يمنع اخلصمني من

    الشحناء.واحلكم: العلم والفقه)1(.

    واحلك�م عن�د األصوليني: ه�و خطاُب اهلل تع�اىل املتعل�ُق بأفعال املكلف�ني باالقتضاء أو التخير أو الوضع.

    وعند الفقهاء: هو أثر خطاب اهلل تعاىل ...إلخ.اختلف االصطالح يف تعريف احلكم، فجعله األصوليون علاًم عىل نفس خطاب الشارع } ]البق�رة: 43[، {الذي يطلب به من املكلف فعاًل، أو خيره به بني أن يفعل وأن ال يفعل، أو جيعل به ش�يًئا من األش�ياء س�بًبا، أو رشًط�ا أو مانًعا، فنحو: {} ]اإلرساء: } ]البقرة: 282[، {32[، كل ه�ذه أح�كام، أم�ا الفقهاء، ف�إن احلكم عندهم ه�و الصفة التي ه�ي أثر لذلك ْين ...إلخ. ولي�س هلذا اخلالف يف اخلط�اب: كالوجوب للصالة، واإلرش�اد لكتاب�ة الدَّ

    االصطالح أثر علمي)2(.٤- مرجحات التجديد: (لماذا التجديد؟)

    أ- تغري الفتوى بتغري الزمان واملكان واألحوال واألعراف »مواكبة روح العرص«.الزم�ان واملكان ظرفان لوقوع احلدث، ال ينفك أي حدث عنهام)3(، ولكن ليس املقصود هن�ا الزم�ان وامل�كان كظرف�ني، وإنام املقص�ود مظروفامه�ا؛ وهو تغ�ر أس�اليب احلياة، ذلك بقاعدة »العادة حمكمة«. وقد استدل احلافظ العالئي للقاعدة بقوله تعاىل: {والظروف االجتامعية حسب تقدم املجتمع، وتبدل احلضارة)4(، ويعر علامء القواعد عن

    )1( املصباح املنر 1/ 145، جممع البحرين 6/ 46، غريب احلديث للبرجندي 1/ 350.)2( الرهان للجويني 101/1، املستصفى 1/ 55، أصول الفقه للخرضي 23.

    )3( حاشية التفتازاين عىل خمترص املنتهى 2/ 117.)4( مصادر الفقه اإلسالمي للسبحاين 319.

  • 110

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    ....} إىل آخر اآليات ]النور: 58- 60[.فأم�ر اهلل تع�اىل باالس�تئذان يف هذه األوق�ات التي ج�رت العادة فيه�ا باالبتذال ووضع

    الثياب؛ فانبنى احلكم الرشعي عىل ما كانوا يعتادونه)1(.ومما يعضد ما ذكره العالئي –رمحه اهلل– قول ابن عباس-ريض اهلل عنهام-: إن اهلل حليم رحيم باملؤمنني، حيب الس�رت، وكان الناس ليس لبيوهتم س�تور وال حجاب، فربام دخل اخل�ادم أو الول�د أو يتيم�ة الرج�ل، والرجل عىل أهل�ه، فأمرهم اهلل باالس�تئذان يف تلك

    العورات، فجاءهم اهلل بالستور واخلر، فلم َأَر أحًدا يعمل بذلك بعد.وه�ذا يدل عىل أن ابن عباس –ريض اهلل عنه�ام– قد ربط احلكم بعادة الناس وأحواهلم،

    واهلل أعلم)2(.ق�ال الس�يد حممد ب�ن عابدين –رمح�ه اهلل–: اعلم أن املس�ائل الفقهية إما أن تك�ون ثابتًة برصي�ح الن�ص، وإما أن تكون ثابتًة ب�رضب اجتهاد ورأي، وكثر منها م�ا يبنيه املجتهد ع�ىل م�ا كان يف عرف زمانه بحيث لو كان يف زمان العرف احل�ادث لقال بخالف ما قاله أوال، وهل�ذا قال�وا يف رشوط االجتهاد: إنه ال بد في�ه من معرفة عادات الناس، فكثر من األح�كام ختتلف باخت�الف الزمان لتغر عرف أهله، أو حلدوث رضورة، أو فس�اد أهل الزم�ان بحي�ث لو بق�ي احلكم عىل م�ا كان عليه أواًل للزم منه املش�قة وال�رضر بالناس، وخلالف قواعد الرشيعة املبنية عىل التخفيف والتيسر ورفع الرضر والفساد، لبقاء العامل عىل أتم نظام وأحس�ن إحكام، وهلذا ترى مش�ايخ املذهب خالف�وا ما نص عليه املجتهد يف مواضَع كثرٍة بناها عىل ما كان يف زمنه؛ لعلمهم بأنه لو كان يف زمنهم لقال بام قالوا به

    أخًذا من قواعد مذهبه)3(.رشوط العمل بالقاعدة:

    وقد ذكر الفقهاء واألصوليون رشوًطا العتبار العرف والعادة، منها:ا يف مجيع احلوادث أو 1- أن يكون العرف مطرًدا أو غالًبا؛ أي أن يكون عملهم به مستمرًّ

    )1( املجموع املذهب 2/ 401.)2( انظر )القرطبي 12/ 302، أحكام القرآن البن العريب 3/ 1395(.

    )3( رس�ائل ابن عابدين 2/ 125، وانظر )1/ 44 من الرس�ائل، املدخل الفقهي العام، الزرقا 2/ 872، مصادر الفقه للسبحاين 320(.

  • 111

    فقه النوازل

    أغلبها، فالغالب يقوم مقام الكل.2- أن يكون العرف املراد حتكيمه يف الترصفات قائاًم عند إنش�ائها أو قبله، ال طارًئا بعد

    إنشاء الترصف؛ فإنه ال اعتبار به.3( أن ال يعارض العرَف ترصيٌح بخالفه عند إنش�اء العقود؛ ألن إثبات احلكم املتعارف –يف هذه احلال– إنام هو من قبيل الداللة، فإذا رصح بخالفه بطلت هذه الداللة؛ ألنه ال

    عرة لداللة يف مقابلة الترصيح.ا رشعيًّا أو قاعدًة كليًة حمكمًة، بحيث يكون العمل بالعرف 4- أن ال يعارض العرُف نصًّ

    تعطياًل هلام)1(.ق�ال الش�يخ مصطف�ى الزرق�ا -رمح�ه اهلل-: وقد اتفق�ت كلمة فقه�اء املذاه�ب عىل أن ل الزمان وأخالق الناس هي األحكاُم االجتهادية من قياس�ية ل بتبدُّ األح�كام الت�ي تتبدَّومصلحي�ة، أي الت�ي قررها االجتهاد بن�اًء عىل القياس، أو عىل دواع�ي املصلحة، وهي

    املقصودة بالقاعدة اآلنفة الذكر.أم�ا األحكام األساس�ية التي جاءت الرشيعة لتأسيس�ها وتوطيده�ا بنصوصها األصلية اآلم�رة الناهي�ة، كحرم�ة املحرم�ات املطلقة، وكوج�وب ال�رتايض يف العق�ود، والتزام اإلنس�ان بعقده، وضامن الرضر الذي يلحق بغره، ورسيان إقراره عىل نفس�ه دون غره، ووجوب منع األذى وقمع اإلجرام، وس�د الذرائع إىل الفساد، ومحاية احلقوق املكتسبة، ومس�ؤولية كل مكل�ف عن عمله وتقص�ره، وعدم مؤاخذة بريء بذن�ب غره، إىل غر ذل�ك م�ن األحكام واملب�ادئ الرشعي�ة الثابتة التي ج�اءت الرشيعة لتأسيس�ها ومقاومة خالفها، فهذه ال تتبدل بتبدل األزمان، بل هي األصول التي جاءت هبا الرشيعة إلصالح األزمان واألجيال؛ ولكن وس�ائل حتقيقها وأساليب تطبيقها قد تتبدل باختالف األزمنة

    املحدثة)2(.ب- التيسري وعدم احلرج:

    تدل األدلة الرشعية داللًة قطعيًة عىل سامحة هذه الرشيعة الغراء وعدم املشقة عىل العباد يف التكاليف.

    )1( انظر ]نظرية العرف للزرقا من املدخل 2/ 865 وما بعدها[.)2( املدخل الفقهي العام 2/ 941.

  • 112

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    } ]البقرة: 185[ ويقول عز يقول تعاىل: {} ]البقرة: 286[ ويقول سبحانه وتعاىل: من قائل: {} ]احلج: 78[. ويقول صىل اهلل عليه وس�لم: }))أحب األديان إىل اهلل احلنيفية الس�محة(()1(، ويقول عليه أفضل الصالة والتس�ليم: ))إن

    الدين يرس، ولن ُيَشادَّ الدين أحد إال غلبه(()2(.واملقصود بالتيس�ر الس�امحة والس�هولة املحمودة فيام يظن الناس التش�ديد فيه، ومعنى

    كوهنا حممودة أهنا ال تفيض إىل غرر أو فساد.والفط�رُة تنفر من الش�دة واإلعنات، قال تع�اىل: {واحلكم�ة يف س�امحة الرشيع�ة اإلس�المية أن اهلل تعاىل جع�ل هذه الرشيعة دي�ن الفطرِة،

    } ]النساء: 28[.وق�د أراد اهلل تع�اىل أن تكون ه�ذه الرشيعة الغ�راء رشيعةً عامًة دائم�ًة، فاقتىض ذلك أن يكون تنفيُذها بني األمة س�هاًل، وال يكون إال إذا انتفى عنها اإلعنات، فكانت بسامحتها

    أشدَّ مالءمًة للنفوس؛ ألن فيها إراحَة النفوس يف حايل خاصتها وجمتمعها.واملقصود بالتيس�ر والس�امحة الوس�طية واالعتدال ب�ني اإلفراط والتفري�ط، قال تعاىل:

    } ]البقرة: 143[. }واتف�ق احلكامء ع�ىل أن قوام الصف�ات الفاضلة االعتدال والتوس�ط بني ط�ريف اإلفراط

    والتفريط)3(.خص اخلاصة ع�الوة عىل تيس�ر اهلل عز وجل لعباده التكاليف، نرى أن�ه قد رشع هلم الرُّبالضعف�اء من الن�اس، فمن رمحة اهلل تعاىل بعباده أنه خفَّف التكاليَف عىل الش�يخ الكبر

    واملريض، واحلامل، واحلائض، والنفساء، واملسافر، وغرهم)4(.

    )1( رواه أمح�د، والبخاري يف األدب املفرد، والبزار، والطراين، واحلديث حس�ن )املقاصد احلس�نة 109، بلوغ األماين 1/ 89، جممع الزوائد 1/ 60(.

    )2( رواه البخاري يف اإليامن، باب: الدين يرس.)3( مقاصد الرشيعة البن عاشور 60 – 61 بترصف، وانظر: عوائد األيام 1/ 177.

    )4( انظر )قاعدة املش�قة جتلب التيس�ر، املجموع املذهب 1/ 343، األش�باه للس�يوطي 55، األش�باه البن نجيم 84، القواعد الفقهية لأليرواين 1/ 169، القواعد والفوائد 1/ 123(.

  • 113

    فقه النوازل

    ج – جلب املصالح ودرء املفاسد:إن م�ن أع�ىل أهداف هذا الدين القويم حتقيَق الس�عادة الدنيوية بتعم�ر الدنيا، ومن أهم أنه خلقهم لتعمر الدنيا، واختاذها وس�يلة للنجاة يف اآلخرة، قال تعاىل: {رشوط حتقيق السعادة األخروية توضيح السبيل إىل مرضاة اهلل، وقد بني اهلل تعاىل لعباده } ]البقرة: 30[، ومن مقتضيات هذه اخلالفة تعمر األرض، وتطبيق رشع

    } ]البقرة: 29[. اهلل فيها، قال تعاىل: {املفسدين، فيقول: {وتعمر األرض وجلب الس�عادة يكون باإلصالح ودفع املفس�دة، لذا يبني اهلل تعاىل إثم } ]حممد: 22، 23[. إىل آيات كثرة

    تأمر بالصالح، وتذم الفساد وحتذر منه.وكذلك جاءت السنة بمثل ذلك، منها قوله صىل اهلل عليه وسلم: ))اتقوا املالعن الثالث: ال�راز)1( يف امل�وارد، وقارع�ة الطريق، والظ�ل(()2(؛ ملا يف ذلك من إفس�اد مصالِح الناس

    وإدخال الرضر عليهم.َ َمنَ�اَر األرض(()3(. أراد به َم�ْن َغرََّ َأْعاَلَم وق�ال ص�ىل اهلل عليه وس�لم: ))لعن اهلل من غريَّالطري�ق ليتعب الناس بإضالهلم ومنعهم عن اجلادة، كام أفاد بعض العلامء)4(. وأحاديث

    أخرى كثرة تدعو إىل صالح يف األرض، وذم املفسدين.ولق�د علمنا أن الش�ارع ما أراد من الصالح املنوه ب�ه يف اآليات واألحاديث جمرد صالح العقيدة، وصالح العمل كام قد يتوهم البعض؛ بل أراد صالح أحوال الناس وش�ؤوهنم املعاش�ية، ع�الوة عىل ما س�بق، ول�وال إرادة ذلك مل�ا رشع اهلل الرشائع اجلزائي�ة الرادعة للعابثني عن اإلفس�اد، فق�د رشع القصاص عىل إت�الف األرواح، وعىل قطع األطراف، ورشع غ�رم قيمة املتلف�ات، والعقوبة عىل الذي�ن حيرقون القرى، ويغرقون الس�لع، وملا

    أباح تناول الطيبات والزينة.)1( الراز بكرس الباء: كناية عن الغائط، وبفتحها: الفضاء الواسع )فيض القدير 1/ 136(.

    )2( رواه أبو داود، وابن ماجه، واحلاكم، وغرهم، وإسناده حسن )املصدر السابق(.)3( رواه مسلم )فيض القدير 5/ 275(.

    )4( املصدر السابق.

  • 114

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    وم�ن عم�وم هذه األدلة ونحوه�ا حصل لنا اليقني ب�أن الرشيعة متطلب�ة جللب املصالح ودرء املفاسد، واعتر العلامء هذا األمر قاعدًة كليًة من قواعِد الرشع)1(.

    د- توحيد صف املسلمني وتأليف قلوهبم.من أعظم مقاصِد الرشيعة اإلسالمية وحدُة صف املسلمني، واجتامع كلمتهم، لذا جاءت النصوص الرشعية حتثُّ املسلمني عىل مجع كلمتهم، ووحدة صفهم، وعدم اخلروج عىل

    ق�ال تع�اىل: {إمامهم؛ ملا يف ذلك من إضعاِف شوكتهم أمام عدوهم.} ]آل عمران:

    .]107قال اإلمام القشري -رمحه اهلل-: التفرقة أشدُّ العقوبات، وهي قرينة الرشك)2(.

    وق�ال فخ�ر الدي�ن -رمح�ه اهلل-: كانت األنص�ار قبل اإلس�الم أعداء، فل�ام أكرمهم اهلل س�بحانه باإلس�الم، صاروا إخواًن�ا يف اهلل، مرتامح�ني، واعلم أن كل م�ن كان وجهه إىل الدني�ا كان معادًي�ا ألكثر اخلل�ق، ومن كان وجهه إىل خدمة املوىل س�بحانه مل يكن معادًيا ألحد، ألنه يرى الكل أس�ًرا يف قبضة القضاء والقدر، وهلذا قيل: إن العارف إذا أمر أمر

    وق�ال جل ذك�ره: {برفق، ونصح ال بعنف وعرس، وكيف وهو مستبرص باهلل يف القدر)3(.} ]احلجرات: 10[.

    قال اإلمام القشري: إيقاع الصلح بني املتخاصمني من أوكد عزائم الدين.

    وإذا كان ذلك واجًبا فإنه يدل عىل عظم وزر الرايش والنامم، املايش يف إفساد ذات البني.ويق�ال: إنام يتم ذلك بتس�وية القل�ب مع اهلل، فإن اهلل إذا علم ص�دق مهة عبد يف إصالح

    )1( مقاصد الرشيعة البن عاشور 63 – 64 بترصف، املوافقات 2/ 37، األصول العامة للحكيم 381.)2( لطائف اإلرشادات 1/ 267.

    )3( التفسر الكبر 8/ 164.

  • 115

    فقه النوازل

    ذات البني، فإنه يرفع عنهم تلك املعصية)1(.وقال: قال رس�ول اهلل -صىل اهلل عليه وس�لم–: ))إن املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه

    بعًضا(( ثم شبك بني أصابعه)2(.وعن النعامن بن بش�ر -ريض اهلل عنهام- قال: قال رس�ول اهلل -صىل اهلل عليه وس�لم-: ))مثل املؤمنني يف توادهم وتراحهم وتعاطفهم كمثل اجلس�د إذا اش�تكى منه عضو تداعى

    له سائر اجلسد بالسهر واحلمى(()3(.ق�ال اب�ن أيب مجرة -رمحه اهلل-: ما احلكمة بأن ش�به عليه الس�الم اإليامن باجلس�د وأهله باألعض�اء؟ فذلك من أبدع ما يكون يف التس�بيب؛ ألنه مل�ا كان اإليامن أصاًل وله فروع، وهي مجيع التكليفات عىل نحو ما جاءت به الرشيعة املحمدية، فإذا نقص من التكليفات يشء، أو دخل يف بعضها ش�ني، ش�ان ذلك الش�ني األصل الذي هو اإليامن؛ ألنه يقتيض بوضع�ه االنقياد واالمتثال، فكذلك اجلس�د، وهو واحد مثل أصل الش�جرة، وأعضاؤه هم املؤمنون؛ ألهنم قد تفرقوا مثل فروع الش�جرة، فإذا كان ش�ني ما يف أحد الفروع شان األص�ل، وإذا رضب أحد يف غصن من أغصاهنا اهتزت األغصان كلها، وتداعت لتلك الرضب�ة كلها بالتحرك واالضطراب؛ فكذلك اجلس�د إذا رضب ي�د القدر عضًوا منه مما

    يؤمله تداعت له سائر األعضاء، كام أخر الصادق صىل اهلل عليه وسلم)4(.٥- وسائل تحقيق التجديد: (كيف نحقق التجديد؟)

    ق�ال تع�اىل: {أ- االستفادة من اخللف الفقهي بني املذاهب:} ]هود: 118، 119[.

    أخر سبحانه أهنم ال يزالون خمتلفني أبًدا مع أنه خلقهم لالختالف، وهو قول مجاعة من املفرسين)5(.

    )1( لطائف اإلرشادات 3/ 441.)2( رواه البخاري رقم 467، ومسلم رقم 2585.

    )3( رواه البخاري رقم 5665، ومسلم رقم 2586.)4( هبجة النفوس 4/ 158.

    )5( انظر ]القرطبي 5/ 114، اخلازن 3/ 258[

  • 116

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    ومع أن اخلالف سنة ربانية، كتبها اهلل عباده، ولكنه حذر املسلمني من الفرقة واالختالف، { فق�ال ع�ز م�ن قائ�ل: {

    ]األنعام: 159[. واالخت�الف املنه�ي عن�ه هو االختالف يف أص�ول الدين، ال اخل�الف يف فروعه، بل إن اخلالف يف الفروع رمحة باألمة، يدل عىل شمولية اإلسالم، واتساعه لكل رأي ينبني عىل

    نق�ل املفرسون عن احلس�ن -رمحه اهلل- يف قول�ه تعاىل: {أساس علمي صحيح موافق لقواعِد الرشع الرشيف.} ]هود: 118، 119[ أنه ق�ال: أما أهل رمحة اهلل، فإهنم ال خيتلفون اختالًفا

    يرضهم)1(. يعني يف مسائِل االجتهاد الديني، والتي ال نصَّ فيها.ا باألم�ة – كام يزعم بعُض َمن مل ي�ذْق طعَم الفقه– ملا ول�و كان اخل�الف يف الف�روع مرضًّ

    جعل اهلل إليه سبياًل يف كتابه الكريم بإيراد املتشابه، واملشرتك، واملجاز ...إلخ.} ]البقرة: 228[. ومن ذلك قوله تعاىل: {

    والقروء مجع قرء، وهو من األضداد، وأصله يف اللغة حيتمل وجهني: أحدمها: االجتامع، منه قرأت القرآن؛ الجتامع حروفه، فعىل هذا قال: أقرأت املرأة، وهي مق�رئ: إذا حاض�ت؛ وذل�ك الجتامع ال�دم يف الرحم، وجي�يء عىل ه�ذا أن يكون القرء

    الطهر الجتامع الدم يف مجلة البدن.والوج�ه الث�اين: أن أصل القرء الوقت اجلاري يف الفع�ل عىل عادة، وهو يصلح للحيض

    والطهر)2(.وملا أقره رسول اهلل -صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم– يف الصدر األول من هذه األمة عن ابن عمر –ريض اهلل عنهام- قال: قال رس�ول اهلل -صىل اهلل عليه وس�لم- لنا ملا رجع من األح�زاب: ))ال يصلني أحد الع�رص إال يف بني قريظة(( فأدرك بعَضهم العرُص يف الطريق، فقال بعُضهم: ال نصي حتى نأتَيها. وقال بعُضهم: بل نصي، مل ُيَرْد منا ذلك. فذكر للنبي

    -صىل اهلل عليه وسلم- فلم ُيَعنِّْف واحًدا منهم)3(.)1( الطري 12/ 143.

    )2( جممع البيان للطريس 1/ 225 باختصار.)3( رواه البخاري رقم 904، 3893، ومسلم رقم 1770.

  • 117

    فقه النوازل

    ق�ال امل�ازري –رمحه اهلل-: هذا في�ه داللٌة عىل أن اإلثم موضوع يف مس�ائل الفروع، وأن اه اجتهاُده إليه، بخالف مس�ائِل األص�ول)1(. وكأن هؤالء ملا كل جمته�د غُر ملوٍم فيام أدَّتعارض�ت األدل�ة؛ فاألمر بالصالة لوقته�ا يوجب تعجيلها قبل بن�ي قريظة، واألمر بأن ال يص�ىل إال يف بني قريظة يوجب التأخر وإن ف�ات الوقت، فأي الظاهرين يقدم؟ وأي

    العمومني يستعمل؟ هذا موضع اإلشكال، وللنظر فيه جمال)2(.وأم�ا اختالف الصحابة بعد وفاة املصطفى –صىل اهلل عليه وس�لم– ومن بعدهم، فأكثُر

    َمْن أن حيرص يف بحث خمترص كهذا)3(.وعىل هذا جيب أن ننظر إىل هذا اخلالف عىل أنه رمحٌة باألمة وتوسعة عليها، فعن القاسم ب�ن حممد –رمح�ه اهلل– قال: لقد نف�ع اهلل باختالف أصحاب رس�ول اهلل –صىل اهلل عليه

    وسلم– يف العمل، ال يعمل العامل بعمل رجل منهم إال رأى أنه يف سعة. وروى ابن وهب عن القاسم –رمحه اهلل– أنه قال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب حممد –صىل اهلل عليه وسلم– ال خيتلفون؛ ألنه لو كان قواًل واحًدا

    لكان يف ضيق، وإهنم أئمة يقتدى هبم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة.وملا صنف رجل كتاًبا سامه )كتاب االختالف( فقال اإلمام أمحد –رمحه اهلل-: سمه كتاب

    السعة)4(.موقفنا من اخللف:

    قال الس�يوطي -رمحه اهلل-: اعلم أن اختالف املذاهب يف هذه امللة نعمة كبرة، وفضيلة عظيم�ة، ول�ه رِسٌّ لطيف أدرك�ه العامل�ون وعمي عن�ه اجلاهلون؛ حتى س�معت بعض اجلهال يقول: النبي -صىل اهلل عليه وسلم– جاء برشع واحد، فمن أين مذاهب أربعة؟! وم�ن العج�ب أيًض�ا من يأخ�ذ يف تفضيل بعض املذاه�ب عىل بعض تفضي�اًل يؤدِّي إىل تنقي�ص املفضل عليه وس�قوطه، ورب�ام أدَّى إىل اخلصام بني الس�فهاء، وصارت عصبية )1( هذا عىل اإلمجال، أما عىل التفصيل فإن اخلالف قد وقع يف بعض مس�ائل األصوليني بني الصحابة ومن بعدهم، إال

    إذا قصد باألصول قواعد الدين الكلية، انظر ]فتح الباري 3/ 180، إكامل املعلم للقايض عياض 3/ 370[.)2( املعلم بفوائد مسلم 3/ 21.

    )3( انظر ]خمترص اختالف العلامء للجصاص، اخلالف للطويس، املغني البن قدامة[.)4( االعتصام 2/ 676، فتاوى ابن تيمية 4/ 159.

  • 118

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    هون عن ذلك، وقد وقع االختالُف يف الفروع بني الصحابة ومحية اجلاهلية، والعلامء منزَّ–ريض اهلل عنهم– وهم خُر أمٍة، فام خاصم أحد منهم أحًدا وال عادى أحد أحًدا، وال ُّ الذي أرشت إليه قد اس�تنبطته من حديث نس�ب أحد أحًدا إىل خط�أ وال قصور، والرسِّورد أن اخت�الف ه�ذه األمة رمحة م�ن اهلل، وكان اختالف األمم الس�ابقة عذاًبا وهالًكا، ه�ذا أو معن�اه، وال حي�رضين اآلن لفظ احلديث، فع�رف بذلك أن اخت�الف املذاهب يف هذه امللة خصيصة فاضلة هلذه األمة، وتوس�يع يف هذه الرشيعة الس�محة الس�هلة؛ فكان األنبياء قبل النبي -صىل اهلل عليه وسلم- يبعث أحدهم برشع واحد، حتى إنه من ضيق رشيعتهم مل يكن فيها ختير يف كثر من الفروع التي رشع فيها التخير يف رشيعتنا: كتحريم القصاص يف رشيعة اليهود، وحتتُّم الدية يف رشيعة النصارى، ومن ضيقها أيًضا مل جيتمْع فيها الناس�خ واملنس�وخ كام وقع يف رشيعتنا، ولذا أنكر اليهود النس�خ، واستعظموا نسخ القبل�ة، وم�ن ضيقها أيًضا أن كتاهبم مل يكن يق�رأ إال عىل حرف واحد كام ورد بكل ذلك

    األحاديث)1(.أما كيفية االس�تفادة من اخت�الف املذاهب، فيكون بالتخرُّ من آراء املذاهب ما يناس�ب الع�رص، إذا مل يك�ن ذل�ك خمالًف�ا لدليل رصيح، أو قاع�دة كلية، أو ما يس�مى باالجتهاد

    الرتجيحي)2(.ق�ال الق�رايف –رمح�ه اهلل-: جيوز تقلي�د املذاهب واالنتق�ال إليها يف كل م�ا ال ينقض فيه حك�م احلاك�م، وهي أربعة: ما خالف اإلمجاع، أو القواع�د، أو النص، أو القياس اجلي. قال: وانعقد اإلمجاع عىل أن من أس�لم فله أن يقلد من ش�اء من العلامء بغر حجة، وأمجع الصحابة عىل أن من اس�تفتى أبا بكر وعمر -ريض اهلل عنهام– وقلدمها، فله أن يس�تفتي أب�ا هري�رة ومعاذ بن جبل وغرمه�ا ويعمل بقوهلام من غر نكر، فم�ن ادعى رفع هذين

    اإلمجاعني فعليه الدليل)3(.ب- عدم اإلنكار يف قضايا االجتهاد:

    فمن القواعد املس�تقرة عند الفقهاء أنه ال ينكر إال ما أمجع عىل منعه، أما املختلف فيه فال )1( جزيل املواهب للسيوطي، ص ه� من اجلزء 1 من اإلفصاح البن هبرة.

    )2( انظر ]تيسر التحرير 4/ 253، نزهة اخلاطر العاطر للدمشقي 2/ 453، مبادئ الوصول للحي 248[.)3( رشح تنقيح الفصول 432.

  • 119

    فقه النوازل

    ينكر إال يف أربع صور:إحداه�ا: أن يك�ون فاع�ل ذلك معتق�د التحريم، فينك�ر عليه حينئذ؛ وهل�ذا يعزر واطئ

    الرجعية إذا اعتقد التحريم.الثاني�ة: أن يك�ون ذلك املذهب بعيد املأخذ بحيث ينقض، فينكر حينئذ عىل الذاهب إليه

    وعىل من يقلده، وأي إنكار أعظم من نقض احلكم؟!ومن ثم وجب احلدُّ عىل املرهتن إذا وطئ املرهونة ومل ينظروا إىل خالف عطاء.

    الثالثة: أن يرتافع فيه إىل حاكم فيحكم بعقيدته، وهلذا حيد الشافعي احلنفي برشب النبيذ؛ إذ ال جي�وز للحاكم أن حيكم بخالف معتق�ده، وأبعد من ظن أن هذه الصور ناقضة هلذه

    القاعدة وقال: أي إنكار أعظم من احلد ومل يقف عىل مأخذها.الرابعة: أن يكون للمنكر فيه حق: كالزوج يمنع زوجته من رشب النبيذ إذا كانت تعتقد

    إباحته، وكذلك الذمية عىل الصحيح)1(.ق�ال اإلم�ام املرتىض الزيدي –رمحه اهلل-: وال ينك�ر يف املختلف فيه عىل من خالفه، وهو

    مذهبه؛ إذ كل جمتهد مصيب)2(.وقضي�ة التصويب والتخطئة قضية جد مهم�ة يف هذا املوضوع؛ ألهنا تؤجج اخلالف بني الف�رق اإلس�المية، واختي�ار ما ذهب إليه الس�يد املرتىض –رمحه اهلل– خيف�ف من غلواء

    املتشددين كثًرا3)3(.ج�- االجتهاد اجلامعي:

    االجتهاد هو طريق معرفة حكم اهلل يف النوازل التي مل يرد فيها نص، وهو الذي ال حيتمل إال معنى واحًدا)4(؛ لذا ال يلجأ العلامء إىل االجتهاد عند عدم ظهور احلكم إال بعد البحث

    والتحري، وعند تعارض النصوص، أو عند عدم وجود دليل رشعي)5(.واالجته�اد س�نة ماضية، ولك�ن ملا كثر أدعياء االجته�اد يف القرن الراب�ع اهلجري، وباع

    )1( املنثور للزركيش 3/ 364، البحر الزخار للمرتىض 6/ 466، رشح النيل ألطفيش 7/ 414.)2( البحر الزخار 6/ 466.

    )3( 3 – انظ�ر مذاه�ب العلامء يف التصويب والتخطئة يف ]التلوي�ح 2/ 672، أنوار األصول 3/ 632، رشح النيل 7/ 487، إجابة السائل للصنعاين 391[.

    )4( انظر تعريف النص يف أصول اجلصاص 1/ 59، البحر املحيط للزركيش 1/ 462.)5( صفة الفتوى البن محدان 4، الفرقة بني املسلمني للرشيف 85.

  • 120

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    بع�ض الفقه�اء دينه�م بدني�ا امللوك، دع�ا بعض فقه�اء املذاه�ب األربع�ة إىل غلق باب االجتهاد، واالكتفاء باجتهاد األئمة السابقني)1(.

    ولك�ن املذاه�ب املختلفة مل تس�تقبل فكرة غلق ب�اب االجتهاد بقدر واح�د، فإذا كانت الفك�رة قد القت يف املذهبني احلنفي والش�افعي رواًجا، فإهن�ا مل يكن هلا مثل هذا الرواج يف املذه�ب املالكي، وإن كان للفكرة أثر فيه، أما املذهب احلنبي فقد قرر فقهاؤه وجوب

    أال خيلَو عرص من العصور من جمتهد ليستطيع أن يستنبط أحكام ما جِيدُّ من أحداث)2(.والش�يعة الزيدية واإلمامية واخلوارج أوجبوا اجتهاد العلامء عندهم، وكذلك الظاهرية،

    وقد تطرف هؤالء فأوجبوا االجتهاد حتى عىل العامة)3(.وق�د اجته�ت األذهان اآلن إىل إعادة فتح باب االجته�اد، أو باألحرى الدخول يف ميدان االجته�اد، ف�ام كان ألحد أن يغلقه، وما يس�وغ لفقيه كائنًا ما كان�ت منزلته أن حيجر عىل العقول من أن تفكر، ولكن إذا كان إغالق االجتهاد أمًرا غر مستحس�ن، فاالجتهاد من غ�ر أن يكون املجتهد أهاًل لالجتهاد ضارٌّ باإلس�الم كلَّ ال�رضر، ولذلك كان ال بد من أن يك�ون املجته�د قد تأه�ل بمؤهالت االجته�اد، وأن يكون عامًلا باملقاصد اإلس�المية

    العامة)4(.وننقل شكوى بعض علامء الشيعة من الفوىض االجتهادية عند عدم تطبيق الرشوط.

    يقول حممد احلس�ني كاش�ف الغطاء –رمحه اهلل-: ومن هنا نعرف أن االجتهاد باب رمحة ع�ىل العب�اد، وما زال باب االجته�اد مفتوًحا عند اإلمامية من عهد صاحب الرس�الة إىل الي�وم، ولكن هذه القضية بيننا وبني إخواننا املس�لمني م�ن بقية املذاهب قد تورطت بني تفري�ط وإف�راط؛ فاإلمامية فتح�وا باب االجتهاد ع�ىل مرصاعيه حت�ى أدى إىل الفوىض

    املرضة، وصار يدعيه حتى من ال يصح أن يطلق عليه اسم املتفقه، فضاًل عن الفقيه)5(.ومن وسائل ضبط الفتوى وصيانتها عن عبث العابثني إنشاُء الدولة دوَر الفتوى وجلاهنا،

    )1( انظر الفكر السامي للحجوي 2/ 142.)2( انظر ]الفكر السامي 2/ 107، إحكام األحكام لآلمدي 4/ 233، أصول الفقه البن مفلح 4/ 155[.

    )3( انظر ]املراجع السابقة، إرشاد الفحول 2/ 297[.)4( تاريخ املذاهب اإلسالمية أليب زهرة 2/ 81 بترصف، وانظر رشوط االجتهاد يف ]إرشاد الفحول 2/ 297، الفرقة

    للرشيف 87[.)5( حترير املجلة 7/1.

  • 121

    فقه النوازل

    وجعل األمر فيها شورى والفتوى مجاعية، وما يدعو إىل مثل هذا أمور، منها:أ- اتس�ام مشكالت العرص بالتعقيد؛ لكثرة املستجدات، وتداخل العقود، وظهور أنواع جديدة من الرشكات املالية، واملعامالت املعارصة، واالكتشافات العلمية، واالخرتاعات

    احلديثة التي حتتاج إىل بيان حكم اهلل فيها.ب- ع�دم توف�ر رشوط اإلفت�اء يف معظ�م املش�تغلني بالعل�وم الرشعية؛ بس�بب ضعف التعليم الرشعي، وانش�غال طلبة العلم بتوفر أس�باب الرزق. وقد قال الش�افعي –رمحه

    اهلل– قدياًم: لو كلفت رشاء بصلة ملا فهمت مسألة)1(.ج- تع�دد اآلراء الفردية وتضارهبا يف املس�ائل املس�تحدثة؛ مما أوق�ع أكثر الناس يف حرة

    من أمرهم.د- تكلم غر املختصني باإلفتاء، وتصدرهم إلرشاد الناس.

    ه�� - يف الفت�وى اجلامعية تب�ادٌل للرأي، واس�تبصاٌر ب�آراء أهل االختص�اص، وَتَروٍّ يف احلكم.

    واإلفت�اء اجلامعي س�نة قديمة، درج عليها س�لفنا الصالح ريض اهلل عنه�م، قال الزهري –رمح�ه اهلل-: كان جمل�س عمر ب�ن اخلطاب –ريض اهلل عنه– مغتصا م�ن العلامء والقراء كهوال وش�باًنا، وربام استش�ارهم، فكان يقول: ال متنع أحَدكم حداثُة ِسنِّه أن يشر برأيه،

    فإن الرأي ليس يف حداثة السن، وال عىل قدمه، ولكنه أمر يضعه اهلل حيث شاء)2(.ولكن هذا ال يعني منَع األَْكفاء من اإلفتاء الفردي.

    مراجعة بعض مفاهيمنا)3): لق�د ش�اعت بني الن�اس مفاهيُم معين�ٌة عن الدي�ن اعتروها هي الدي�ن، وتطرف بعض

    )1( تذكرة السامع واملتكلم البن مجاعة 71.)2( الشهب الالمعة للاملقي 155.

    )3( املفه�وم لغة اس�م مفع�ول من الفهم: والذي يعني اإلدراك والعمل وحس�ن التصوير. وعند عل�امء املنطق: املفهوم: جمم�وع الصف�ات أو اخلصائص املوضحة ملعنى كي، وعىل أساس�ه يقوم التعريف والتصني�ف، ويقابل املاصدق. ويطلق

    عىل:- جمموع الصفات املشرتكة بني أفراد صنف أو نوع واحد.

    - جمموع الصفات التي يتكون منها.وعند الفالسفة: معرفة اليشء عىل وجهه، ومنها مشكلة الفهم.

    وعند األصوليني ما يقابل املنطوق، وهو ما فهم من اللفظ يف غر حمل النطق. واملنطوق وإن كان مفهوًما من اللفظ، غر

  • 122

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    ه�ؤالء يف تبنيه�ا، ومفاصلة الناس عليها، بل اعترها آخ�رون الفرقان بني أولياء الرمحن وأولي�اء الش�يطان، وكل ذل�ك ناتج إما عن جه�ل أو قصور يف فهم األدل�ة الرشعية، أو

    بسبب التعصب لرأي ومذهب)1(.وقد عانى الكثر من العلامء واملصلحني بس�بب التط�رف الويالت، بل قد أدَّت العصبية

    إىل حروب أهلية ومشكالت ما زال الناس يكتوون بنارها إىل أيامنا هذه)2(.ولذا بات من الرضوري عىل املسلمني مراجعُة كثٍر من املفهومات اخلاطئة التي انترشت يف صفوفه�م، وعم�ت حت�ى العل�امء منه�م، فص�اروا يربون طلبته�م وأتباعه�م عليها.

    وسأرضب مثالني لبعض هذه املفاهيم، ومن ذلك:1- مفهوم الفرقة الناجية:

    ودليل هذه املس�ألة قول النبي –صىل اهلل عليه وس�لم–: ))تفرقت اليهود إحدى وسبعني فرقة أو اثنتني وسبعني فرقة(()3(.

    ويف رواية آخرى: ))كلهم يف النار إال ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رس�ول اهلل؟ قال: ما أنا عليه وأصحايب(()4(.

    قال الس�يد مجال الدين األفغاين –رمحه اهلل-: اعلم أن هذا احلديث قد أفادنا أنه يكون يف األمة فرق متفرقة، وأن الناجي منهم واحدة، وقد بينها النبي –صىل اهلل عليه وسلم– بأهنا التي عىل ما هو عليه وأصحابه، وكون األمة قد حصل فيها افرتاق عىل فرق ش�تى، تبلغ الع�دد املذكور، أو ال تبلغه ثابت قد وق�ع ال حمالة، وكون الناجي منهم واحدة أيًضا حق ال كالم فيه، فإن احلق واحد، هو ما كان النبي –صىل اهلل عليه وس�لم– عليه وأصحابه؛ فإن ما خالف ما كان عليه النبي –صىل اهلل عليه وس�لم– فهو رد، أما تعيني أي فرقة هي أن�ه مل�ا كان مفهوًما من الداللة نطًقا، خص باس�م املنطوق. ]املعجم الوس�يط 2/ 704، معج�م الروس 953، املعجم

    الفلسفي 189، اآلمدي 3/ 93، موسوعة مصطلحات أصول الفقه 1502/2[.)1( انظر التطرف الديني »أسبابه وعالجه« للرشيف.

    )2( انظر ]تاريخ بغداد للخطيب 83/10، طبقات الشافعية للسبكي 272/2، الغلو يف الدين للوحيق 92[.)3( رواه أمح�د 2/ 332، وأب�و داود رق�م 4596، والرتم�ذي رقم 2640، وقال: حديث حس�ن صحيح، وابن ماجه،

    رقم 3991، وغرهم.)4( أخرجها الرتمذي رقم 2641 وقال: هذا حديث مفرس غريب ال نعرفه من مثل هذا إال من هذا الوجه، واحلاكم رقم 454 – 456. وانظر ]حتفة األرشاف للمزي 11/ 16[. وقال الس�يد الوزير: إهنا زيادة فاس�دة غر صحيحة ]العواصم

    والقواصم 1/ 186[.

  • 123

    فقه النوازل

    الفرقة الناجية؛ أي التي تكون عىل ما كان هو –صىل اهلل عليه وسلم– عليه وأصحابه فلم يتبني إىل اآلن؛ فإن كل طائفة ممن يذعن لنبينا –صىل اهلل عليه وس�لم– بالرس�الة تذهب جتع�ل نفس�ها عىل ما كان علي�ه النبي –صىل اهلل عليه وس�لم– وأصحابه. ثم ذهب يعدد

    هذه الفرق وحججها بكالم نفيس)1(.2- مفهوم الوالء والباء:

    لق�د غ�اىل بعض املس�لمني يف مفه�وم الوالية والراءة، حت�ى عدومها من أص�ول الدين العظيمة، ومن لوازم شهادة أن ال إله إال اهلل.

    ق�ال محد بن عتيق: إنه لي�س يف كتاب اهلل تعاىل حكم فيه من األدلة أكثُر وال أبنُي من هذا احلكم بعد وجوب التوحيد وحتريم ضده)2(.

    تع�اىل: {واستدلوا بظواهر بعض اآليات الكريمة الواردة يف الكفار املحاربني لإلسالم، مثل قوله وقول�ه: {} ]آل عمران: 28[.

    ...} اآلية ]املمتحن�ة: 1[. وقول�ه –ع�ز م�ن قائ�ل–: {} ]املائدة: 51[.

    وما ورد من آياٍت وأحاديَث مشاهبٍة مثل قوله –صىل اهلل عليه وسلم– جلرير بن عبد اهلل البجي –ريض اهلل عنه–: ))أن تنصح لكل مسلم، وتبأ من كل كافر(()3(.

    ثم أخذوا ينزلون مثل هذه اآليات واألحاديث عىل املسلمني كام هو دأب اخلوارج الذين أنزل�وا اآلياِت التي وردت يف الكفار عىل املس�لمني، حتى بع�ث إليهم اإلمام عي بن أيب )1( انظر حاش�يته عىل رشح الفاضل الدواين عىل العقائد العضدية، 5. واملطبوعة خطأ باس�م الشيخ حممد عبده. كام أفاد

    الدكتور حممد عامرة ]انظر األعامل الكاملة لإلمام حممد عبده 1/ 213[.)2( سبل النجاة والفكاك 31.

    )3( رواه أمحد 4/ 36، والنسائي 7/ 148، والبيهقي 9/ 3.

  • 124

    مؤتمر: التكوين العلمي والتأهيل ا@فتائي >ئمة المساجد ل8قليات المسلمة ١٦، ١٧ محرم ١٤٣٨هـ

    طال�ب – ك�رم اهلل وجه�ه– ابن عب�اس –ريض اهلل عنهام– فناظرهم، فرج�ع أكثُرهم إىل احلق، بقيت منهم فئة قاتلهم عي –كرم اهلل وجهه- بالنهروان)1(.

    ق�ال تع�اىل: {والعجب أن هذه اآليات الكريامت هلا استثناء بالنسبة للكفار، فكيف بالنسبة للمسلمني؟

    } ]املمتحنة: 8، 9[.ع�ن عب�داهلل بن الزب�ر –ريض اهلل عنهام-: عن أبي�ه، قال: نزلت يف أس�امء بنت أيب بكر، وكانت أم يف اجلاهلية يقال هلا ُقتيلة ابنة عبد الُعزى، فأتتها هبدايا وضباب وأقط وسمن، فذكرت ذلك عائش�ة لرس�ول اهلل صىل اهلل عليه وس�لم، فأنزل اهلل: {فقال�ت: ال أقب�ل لك هدية، وال تدخي عيَّ حتى يأذن رس�ول اهلل صىل اهلل عليه وس�لم،

    .{ ...} إىل قوله {ق�ال اب�ن جرير –رمحه اهلل-: وأوىل األقوال يف ذلك بالصواب قول من قال: ُعنَِي بذلك: وتصلوه�م، وتقس�طوا إليه�م، إن اهلل عز وجل عم بقول�ه: {ال ينهاكم اهلل عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين من مجيع أصناف امللل واألديان أن تروهم } مجي�ع من كان ذلك صفته، فلم خيصص به بعًضا دون بعض، وال معن�ى لقول من قال: ذلك منس�وخ؛ ألن بر املؤمن م�ن كان من أهل احلرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن ال قرابة بينه وبينه وال نسب غر حمرم وال منهي عنه إذا مل يكن يف ذلك داللة له، أو ألهل احلرب عىل عورة ألهل اإلسالم، أو تقوية هلم بكراع أو سالح.

    قد بني صحة ما قلنا يف ذلك اخلر الذي ذكرناه عن ابن الزبر يف قصة أسامء وأمها.} يق�ول: إن اهلل حي�ب املنصفني الذي�ن ينصفون وقول�ه: {الناس، ويعطوهنم احلق والعدل من أنفسهم، فيرون من برهم، وحيسنون إىل من أحسن

    إليهم)2(.

    )1( انظر تاريخ اإلسالم للذهبي 3/ 553، 587/ 605.)2( تفسر الطري 28/ 66 بترصف يسر.

  • 125

    فقه النوازل

    وقال الطريس –رمحه اهلل-: والذي عليه اإلمجاع أن بر الرجل من يش�اء من أهل احلرب قراب�ة كان أو غ�ر قراب�ة لي�س بمحرم، وإن�ام اخلالف يف إعطائه�م مال ال�زكاة والفطرة

    والكفارات)1(.وهناك آياٌت أخرى كثرة وردت يف القرآن الكريم تأمرنا بحسن التعامل مع أهل الكتاب، فإن كان األمر مع هؤالء كام ذكرت، فكيف األمر إذن مع املسلمني، وإن كانوا خمالفني؟!وع�ىل هذا يمكننا القول بأن الغلو يف الوالية والراءة بدعة، جيب التخفيف من غلوائها، والرج�وع فيه�ا إىل اجل�ادة. قال اإلمام أمح�د –ريض اهلل عنه-: والوالي�ة بدعة، والراءة بدعة، وهم الذين يقولون: نتوىل فالًنا، ونترأ من فالن. وهذا القول بدعة فاحذروه)2(.

    وقد يتساءل البعض عن أثر القضايا والوجدانية يف األحكام الفقهية؟!ول�و تأنى، وقلب صفح�ات كتب الفقه لوجد اجل�واب أمامه من بداية كت�اب الطهارة، فالصالة، فالزكاة، فالنكاح، فالس�ر والقضاء ...إلخ، ب�ل األمر َأَمرُّ من ذلك، فقد أدَّت

    هذه القضايا وأمثاهلا إىل إباحة دماء املسلمني املخالفني وأعراضهم وأمواهلم)3(.وع�ىل هذا، فمن الرضوري تطوي�ر فهمنا هلذه املفاهيم ليتوافق مع فقه الكتاب والس�نة، وليؤدي ذلك إىل نرش املحبة بني املس�لمني، فنس�أل اهلل تعاىل الكريم أن يتقبل منا صالح

    العمل، وأن يرزقنا حسن النيات.وصىل اهلل وسلم وبارك ىلع سيدنا حممد وىلع آهل وصحبه أمجعني، واحلمد هلل رب العاملني.

    )1( جممع البيان 6/ 49، وانظر: فتح القدير للشوكاين 5/ 283.)2( طبقات احلنابلة 1/ 35.

    )3( انظ�ر ع�ىل س�بيل املث�ال ]الدلي�ل والره�ان 2/ 67، املوس�وعة الفقهي�ة 7/ 102، 8/ 41، معج�م فق�ه اجلواهر .]149 /6 ،42 /3 ،445 ،215 /3 ،491 /1