في دروسالخطابة فن

1

الخطابة فن في دروسالكتاب:الثقافية اإلسالمية المعارف جمعيةنشر:

السالم عليه الشهداء سيد معهدإعداد:الحسيني للمنبر

اإلعداداإللكتروني:

_اإلسالمية المعارف شبكةwww.almaaref.org

هـ1433م- 2012 أيار ،الخامسةالطبعة:© محفوظة الطبع حقوق جميع

2

في دروسالخطابة فن

للتبليغ اإلسالمي المركزwww.almenbar.org

3

الرحيم الرحمن الله بسم

4

المقدمة

آله وعلى محمد سيدنا على والسالم والصالة العالمين رب لله والحمد دعا ممن قوال7 أحسن ومن﴿الكريم: كتابه في تعالى الله قال الطاهرين،

ا وعم=ل الله= إ=لى =نن=ي وقال صال=ح7 ين م=ن إ ﴾.المسل=م=

مقدمة من بد ال اليم هذا قعر وتلمس الفن هذا قواعد غمار في الخوض قبل هذا في البحث تقسيم وكيفية الخطب أنواع على خاللها من نتعرف بسيطة وإلقاء صياغة على ويساعده الكريم، القارئ يفيد أن نأمل الذي الكتاب،أكبر. بنجاح والخطب الكلمات

فيما تشترك وهي أنواع ثمانية إلى إرجاعها يمكن أنه إال كثيرة الخطب أنواعأخرى. في وتختلف بأمور بينها

تأخذ سوف والتي للخطابة العامة القواعد فهي فيها تتفق التي األمور أما ألجله وضع ما فهي فيها تختلف التي األمور أما و البحث من األوفى الكأس

البحث. هذا

هي: الثمانية واألنواع

التعزية. مجالس بها ويلحق الدينية، الخطب- 1

5

البرلمانية. الخطب بها ويلحق السياسية، الخطب- 2

الفتوحات. خطب بها ويلحق العسكرية، الخطب- 3

والمفاخرات. المنافرات خطب- 4

وتشمل: واألعياد المناسبات خطب- 5المحافل. أ- خطب

والتهنئة. والمدح التكريم - خطب بوالمصاهرة. النكاح ج- خطبوالعزاء. الرثاء د- خطب

وتشمل: الشرعية الخطب- 6الجمعة. صالة أ- خطب

الفطر. وعيد األضحى عيد األعياد ب- خطب

القضائية. الخطب وتشمل واالتهام المرافعة خطب- 7

المناظرات. خطب وتشمل العلمية الخطب- 8

ومميزاته خصائصه ذكر مع حدة على األنواع هذه من واحد كل وباستعراضالفرق. من بينها ما يعلم وأوقاته موارده وضبط

وهي: ثالثة فصول في عنها البحث يقع واضحة أركان ثالثة وللخطابة هذا

6

األول: الخطيب. الفصل

والنظارة. بالمستمعين يسمى وقد الجمهور، أي الثاني: المخاطب الفصل

الخطيب. يلقيه الذي الكالم أي الثالث: الخطاب، الفصل

لعلم تعرضوا الذين العلماء فطاحل تقسيم على يعتمد التقسيم وهذاسينا. وابن والفارابي رشد ابن أمثال الخطابة هذا يقدم أن الحسيني للمنبر السالم عليه الشهداء سيد معهد يسر وأخيرا لدورة الدراسية المواد سلسلة الخطابة" ضمن فن في "دروس الكتاب تأليف الخطابة" من "فن لكتاب تلخيص وهو الحسيني المنبر خطباء إعداد

التي المباركة جهوده على نشكره والذي البدوي، ابراهيم الشيخ سماحةلنا. قدمها

شعلة إبقاء سبيل في العطاء من للمزيد يوفقنا أن تعالى الله سائلين ونعم المولى نعم إنه الهدى طريق في للسالكين مضيئة الحسينية النهضة

المجيب.

ر صدر=ي ل=ي اشرح رب قال﴿ من عقدة7 أمر=ي* واحلل ل=ي * ويس.1﴾قول=ي لسان=ي* يفقهوا

العالمين رب لله والحمد

السالم عليه الشهداء سيد معهدالحسيني للمنبر

.28طه: سورة-1

7

8

9

10

الفصل األول:الخطيب

تتعرف في هذا الفصل على:منزلة الخطيب عند المخاطب- 1سلوك الخطيب في نظر المخاطب- 2مقدمات إلقاء الخطاب- 3الواجب فعله حال إلقاء الخطاب- 4

11

12

الدرس األول: الجهة العامة للخطيب

وهي التي تبحث عن الحالة العامة للخطيب بمعنى أنها ال تختص بحال الخطاب وإلقاء الكالم بل تتعرض لحاالت الخطيب عموما وماذا يجب

عليه أن يفعل قبل حال الخطابة كي يستطيع التأثير على الجمهوربالشكل المطلوب، ويبحث فيها عن نقطتين رئيستين:

النقطة األولى: منزلة الخطيب عند المخاطب

مما يزيد في تأثير هذا األسلوب أي الخطابة على الجمهور منزلة . فلمعرفة شخصية الخطيب األثر البالغ1الخطيب في نفوس سامعيه

في التأثير على المخاطب. وذلك فيما إذا كان له شخصية محترمة سعى في إيجادها قبل أن يخاطب الناس ويطلب منهم االقتناع بما

يقوله. فلمعرفة منزلته تأثير كبير في سهولة انقياد المستمعين إليهواإلصغاء له وقبول قوله، فإن الناس

.36- جواهر البالغة، ص1

13

تنظر إلى من قال ال إلى ما قيل. وذلك بديهي، إذ أنهم إذا عرفوا أن  الخطيب الذي يتحدث إليهم هو العالم الفالني أو القائد الكذائي أو الوجيه الفالني فإنهم ينصتون أكثر مما ينصتون لرجل عادي وتؤثر

كلماته فيهم بشكل أكبر من تأثير كلمات أخطب الخطباء فيما لو كانمجهوال إال ما ندر من الحاالت مما هو على خالف ذلك.

والمنزلة الجيدة يكتسبها الخطيب في الحياة العامة من كسب علم أومنصب أو نبوغ في ميدان من الميادين الحياتية المحببة إلى الناس.

ثم إن معرفة هذه المنزلة أو فلنقل تعريف المخاطب على هذه المنزلة)وهي أمر مهم و إال ال يتحقق المطلوب(تحصل بإحدى

طريقتين:

الطريقة األولى:

األسلوب الذي كان متبعا قديما. وهو أن يبدأ الخطيب بتعريف نفسه، حسبه ونسبه إن كان له ما يتشرف به منهما. أو يثبت لنفسه فضيلة :2يكون بها أهال ألن يصدق، كما قال تعالى حاكيا عن هود عليه السالم

ين ح أم= ﴾وأنا لكم ناص= ﴿3.

فإن ذلك يستدعي احترام المستمعين وإقبالهم عليه. وكذلك

.30- تلخيص الخطابة، ابن رشد، ص2.68- سورة األعراف، اآلية: 3

14

لو أثبت لنفسه فضيلة ال يمكن ألحد نكرانها. أو نفي سيئة عنها ما نجا  منها إال أصحاب الفخر والفضل كأن يقول: "أيها الناس، اعلموا أني أنا

من ال يعرف الفرار وال النكوص". ونحو ذلك.

ولذلك نجد كثيرا من الخطباء القدامى كانوا يبدأون خطابهم بقول: "أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه

بنفسي. أنا فالن بن فالن، فاعل كذا وكذا، تارك كذا وكذا... وهكذا".

ولنعطك على ذلك أمثلة حية. استمع إلى قول السيدة الزهراء عليها السالم في خطبتها الشهيرة التي ألقتها في مسجد الرسول صلى الله

غليه وآله وسلم في المدينة بحضور الخليفة األول تطالبه بحقها من ميراث أبيها، حيث قالت في مستهل كالمها: "أيها الناس، اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد صلى الله غليه وآله وسلم أقول عودا وبدوا، وال

.4أقول ما أقول غلطا، وال أفعل ما أفعل شططا"

ومن ذلك أيضا قول بعلها علي بن أبي طالب عليه السالم في مستهل خطبة يعظ بها الناس ويبلغهم فيها أحكام الله: "تالله لقد علمت تبليغ

الرساالت وإتمام العدات وتمام الكلمات وعندنا أهل البيت أبواب.5الحكمة وضياء األمر"

فإنه مما ال شك فيه أن المخاطب بعد أن يعلم أن المتحدث إليه

. 124، ص1- االحتجاج، الطبرسي، ج4.176، ص120- نهج البالغة، من كالم له عليه السالم ، رقم 5

15

ال يقول غلطا أو يعلم أن المتكلم معه خبير في تبليغ الرساالت، وعنده  العلم باألحكام، سيتوجه إلى استماع ما يقوله غاية التوجه وبالتالي

يكون مجال إقناعه بما يراد إقناعه به أكبر وأسهل.

الطريقة الثانية:

وهي الطريقة المتبعة حاليا، وهي أن يأتي شخص آخر يسمى بالمعرف أو عريف الحفل فيطلع الحاضرين على مكانة وقدر المتكلم ويبين لهم منزلته وعظم أمره ويعدد له فضائله ويشوقهم إلى ما سيقوله لهم ثم

يمدح الموضوع الذي سيتكلم الخطيب فيه. وبكلمة أخرى يمهد للخطيب أرضية اإللقاء المثمر. ولكن هذا األسلوب يكاد يهجر ألن

المعرف بات يهتم بتبيين منزلة الخطاب أكثر من اهتمامه بتبيين منزلةالخطيب بل ربما ال يشير إلى الخطيب إال بذكر اسمه أو لقبه.

والمعرف ال بد له من إجادة الخطابة أيضا كي يتمكن من تقديم الخطيب إلى الناس بالشكل المطلوب الذي يترك فيهم التأثير ويهيئهم

لالستماع إليه واإلقبال عليه. وال بد للمعرف من أمور:

- أن يكون صوته جهوريا عاليا مسموعا لجميع الحاضرين.1- أن يتكلم بهدوء وكأنه يلقي الشعر على مسامعهم.2 - عليه أن يهتم بمخارج الحروف وإتقان التلفظ بالكلمات بشكل سليم3

وواضح وقوي.

16

- أن يستعمل العبارات الجزلة الفخمة حتى كأنه يقول شعرا إذ أن4 التعريف أشبه شيء بالشعر الحديث فال بد أن يشتمل على تشابيه

وكنايات واستعارات بشكل مناسب. - عليه أن يلبس كالمه ثوبا من البديع بأن يطعمه بشيء من السجع5

العفوي المطلوب أو بقليل من الجناس وما شابه ذلك. يكون قد أخذ دور من يقوم بتقديمه6 - عليه أن ال يطيل الكالم وأال

للجمهور إللقاء الخطاب، فإن هذا يثير اشمئزازهم.

النقطة الثانية: سلوك الخطيب في نظر المخاطب:

إن قناعة المستمع بسلوك الخطيب لها مزيد التأثير في إمكان إقناعه وعدمه فإنه مما ال شك فيه أن الخطيب إذا أراد أن يثبت أمرا ما ويقنع به الناس ال بد أن يكون مقتنعا به أوال وقبل اآلخرين. فإذا كانوا يعلمون أن سلوكه على خالف ما يقوله فسوف لن يكون لكالمه أي تأثير فيهم.

إذ كيف يقنعهم بحسن قول الصدق واالبتعاد عن الكذب مثال في حال أنهم يعلمون أنه من أول الكذابين. أم كيف يقنعهم بضرورة االستبسال

في الحرب وهو المعروف عندهم بأنه جبان. وكيف يطلب منهم أنيزهدوا في الدنيا وهو مقبل عليها؟ فإن هكذا خطيب لن يحصد

17

من كثرة كالمه إال التعب والنصب، هذا إن لم يستهزئوا به بل ربماضربوه ببعض ما تيسر لهم من القمامة.

وأحسن مثال يضرب لتبيين تناسب سلوك الخطيب مع كالمه ومدى تأثيره عليهم خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي في أهل العراق، وما

جاءت به من أثر عجيب أدى إلى إذعان الجميع ألمره وأمر خليفته بعد أن عجزت الدولة األموية عن ضبط أمور العراق وكبت الفتن

والمشاكل التي ما تكاد تخبو حتى تهب من جديد.

ما حاصله:7 ، وفي صبح األعشى6فقد جاء في تاريخ ابن عساكر

"قدم الحجاج أميرا على العراق وقد دخل المسجد معمما بعمامة قد غطى بها أكثر وجهه متقلدا سيفا متنكبا قوسا يؤم المنبر، فقام الناس

نحوه حتى صعد المنبر فمكث ساعة ال يتكلم وهم ال يعرفونه، فقال الناس بعضهم لبعض: "قبح الله بني أمية حيث تستعمل مثل هذا على

العراق".

لكم"؟8حتى قال عمر بن ضامئ الرجمي: "أال أحصبه

فقالوا: "أمهل حتى ننظر".

فلما رأى عيون الناس إليه حسر اللثام عن فيه ونهض فقال:

.53، ص4- تاريخ ابن عساكر، ج6.128، ص1- صبح األعشى، ج7- معنى أحصبه هو أرميه بالحجارة ولكنه هنا كناية عن القول القاسي.8

18

أنا ابن جال وطالع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني

يا أهل الكوفة أما والله أني ألحتمل الشر بحمله، وأحذوه بنعله، وأجزيه بمثله وإني ألرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها وإني

ألنظر إلى الدماء تترقرق بين العمائم واللحى، قد شمرت عن ساقيها.9فشمر

فإن كالمه هذا مع ما كان قد اشتهر عنه من الظلم والقسوة، و أنه من أشد الناس حبا لسفك الدماء، وأنه من أقسى الناس قلبا، حتى قيل أنه لم يأخذ ثدي أمه ليرضعه حينما كان طفال إال بعد أن لطخ بدم شاة، قد

عمل فيها عمله وأخافهم من بطشه وسطوته المعروفين.

بعد10ومما يدل على مدى تأثيره فيهم ما جاء في كتاب قصص العرب إيراد خطبته المتقدمة من أنه قال: "يا غالم، اقرأ عليهم كتاب أمير

المؤمنين".

فقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أميرالمؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين... سالم عليكم...".

فلم يقل أحد منهم شيئا فقال الحجاج: "أكفف يا غالم".

ثم أقبل إلى الناس فقال: "سلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه أما والله ألؤدبنكم غير هذا11شيئا، هذا أدب ابن نهية

.93، ص2- هذا مثل يضرب في الحث على الجد في األمر، مجمع األمثال، ج9.37، ص3- قصص العرب، ج10- ابن نهية اسم صاحب الشرطة الذي كان قبل الحجاج في الكوفة.11

19

األدب أو لتستقيمن، اقرأ يا غالم كتاب أمير المؤمنين". 

فلما بلغ إلى قول سالم عليكم لم يبق أحد في المسجد إال قال: "وعلىأمير المؤمنين السالم".

وهذا يدل بشكل واضح على مدى تأثير كالمه عليهم وما ذلك إال لما ذكرنا من التناسب بين السلوك والقول، ولذلك ترى أن خطبه الوعظية

لم يكن لها ذلك األثر على أحد، بل كانت موضع اشمئزاز وتعجب، استمع إلى ما ورد من مثال لعدم التناسب بين سلوك الحجاج وخطبه

الوعظية.

خطب الحجاج يوما فقال: "أيها الناس، قد أصبحتم في أجل منقوص وعمل محفوظ..." إلى أن قال: "هذه شمس عاد وثمود وقرون كثيرة بين ذلك، هذه الشمس التي طلعت على التبابعة واألكاسرة وخزائنهم السائرة بين أيديهم وقصورهم المشيدة ثم طلعت على قبورهم. أين الملوك األولون؟ أين الجبابرة المتكبرون؟ المحاسب الله، والصراط

منصوب، وجهنم تزفر وتتوقد، وأهل الجنة ينعمون في روضة يحبرون، جعلنا الله وإياكم من

روا بآيات الله لم يخروا عليها صما وعميانا". الذين إذا ذك

فكان الحسن البصري يقول: "أال تعجبون من هذا الفاجر؟ يرقى عتبات المنابر، فيتكلم كالم األنبياء وينزل فيفتك فتك الجبارين. يوافق الله في

12قوله، ويخالفه في عمله"؟

.301- جمهرة خطب العرب، ص12

20

وبما أن الحسن البصري وغيره من أهل العراق وساكنيه ممن حضر خطبته لم يكونوا ليجرؤوا على معارضة الحجاج والرد عليه لم يجيبوه بما يستحقه من الجواب ويسخروا منه. أما لو كان المتكلم غيره لكان لقي جزاءه موفورا كما حصل للضحاك بن قيس حين خطب في أهل

ال يشتمون أئمة الهدى الكوفة أنفسهم فقال: "بلغني أن رجاال منكم ضال ويعيبون أسالفنا الصالحين، أما والذي ليس له ند وال شريك، لئن لم

تنتهوا عما بلغني عنكم ألضعن فيكم سيف زياد، ثم ال تجدوني ضعيف السورة، وال كليل الشفرة. أما أني لصاحبكم الذي أغرت على بالدكم

فكنت أول من غزاها في اإلسالم، وشرب ماء الثعلبية ومن شاطئ الفرات، أعاقب من شئت وأعفو عمن شئت. ولقد ذعرت المخدرات

في خدورهن وإن كانت المرأة ليبكي ابنها فال ترهبه وال تسكته إال بذكر اسمي. فاتقوا الله يا أهل العراق. أنا الضحاك بن قيس أنا قاتل عمرو

بن عميس".

فقام إليه عبد الرحمن بن عبيد األزدي فقال: "صدق األمين وأحسن القول. وما أعرفنا والله بما ذكرت. ولقد لقيناك بغربي تدمر فوجدناك

شجاعا مجربا صبورا.

ثم جلس وهو يقول: " أيفخر علينا بما صنع ببالدنا أول ما قدم؟ وأيمرنه أبغض مواطنه إليه". الله ألذك

ويعني بأبغض مواطنه أنه حينما أغار الضحاك على الحيرة

21

أرسل له علي عليه السالم جنودا كثيرين منهم عبد الرحمن بن عبيد  هذا فهرب الضحاك فأدركوه وقتلوا أصحابه ثم أوغل في الفرار فلم

يلحقوه.

فسكت الضحاك قليال وكأنه أخزى واستحى ثم قال وبكالم ثقيل: "كان ثم نزل.13ذلك اليوم بآخره"

- آخره بثالث فتحتات يعني آخر الشيء ونهايته، يريد كان ذلك اليوم نهاية أمري،13.6، ص1أقرب الموارد، ج

22

خالصة الدرس

23

24

الدرس الثاني: الجهة الخاصـة للخطيب

يقع البحث عما يجب على الخطيب فعله حال اإللقاء أو قبله، والكالمفيها من جهتين أو فلنقل في موضعين:

الموضع األول: مقدمات إلقاء الخطاب وهي ثالث مقدماترئيسية:

األولى: االطالع على أصول فن الخطابة وحفظ قواعده والسعي لتطبيقها أثناء إلقاء الخطاب مهما أمكن، فإن ذلك أمر أساسي لمن

يريد أن يصبح خطيبا ناجحا. و أما أولئك الذين يخطبون في الناس دون أن يسيروا على هدى من أمرهم ودون أن يعرفوا ما يجب فعله وما

يجب تركه فأولئك سيبقون خطباء فاشلين مدى عمرهم. وإن وصلوا فسوف يصلون متأخرين بعد أن يكونوا قد أفنوا كثيرا من عمرهم في

التعلم من التجارب.

الثانية: كثرة المطالعة والتمعن في كل ما يقرأ وحفظ أكبر

25

قدر ممكن من القرآن ونهج البالغة مع االطالع التام على معنى ما  يحفظ، وعلى المناسبة التي نزلت فيها اآلية، وألقيت فيها الخطبة، وعلى ما ورد فيها من محطات بيانية أو مفردات لغوية فصيحة أو

تراكيب بليغة إلى ما هنالك من أمور تساعد من يطلع عليها في طالقة اللسان وحسن التعبير عن المقصود، ويعطيه مخزونا من األلفاظ

والمعاني الجميلة التي ال غنى في هذا المضمار عنها.

وقد أكد ابن األثير على ذلك في كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" حيث قال: "إن في االطالع على أقوال المتقدمين من المنظوم والمنثور فوائد جمة، ألنه يعلم منه أغراض الناس ونتائج

عقولهم، يعرف به مقاصد كل فريق منهم وإلى أين ترامت به صنعته في ذلك. فإن هذه األشياء تشحذ القريحة وتقوي الفطنة... فإنه إذا كان مطلعا على المعاني المسبوق إليها قد ينقدح له من بينها معنى

.14غريب لم يسبق إليه"

ثم إن من يريد أن يكون خطيبا ناجحا فعليه أن يطلع على مقدار جليل من العلوم خصوصا السيرة والتاريخ واألخالق والتفسير وأصول الفقه والسياسة وعلم االجتماع وعلم النفس والمنطق، باإلضافة إلى جمع المعلومات المتفرقة الذي يحصل باإلكثار من مطالعة المجالت التي

تحتوي على مباحث دقيقة

- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر.14

26

وإحصائيات ذات أرقام موثوقة وأخبار العالم اإلسالمي وحتى غير  اإلسالمي، فإن الخطيب يحتاج إلى كثرة االطالع من جهة، وإلى حفظ أهم ما يقرأه من جهة أخرى، وقد نقل الجاحظ في البيان والتبيين عن الخليل بن أحمد الفراهيدي أنه قال: "تكثر من العلوم لتعرف، وتقلل

.15منها لتحفظ"

وكلما ازداد المخزون الثقافي عند المرء ازدادت قدرته على اكتسابثقة الناس الذين يستمعون لكلماته.

الثالثة: المران والممارسة. فإنه ما من علم إال ويحتاج صاحبه للممارسة والتمرين و إال فسوف يأتي عليه يوم يرى نفسه فيه وحيدا نضب ما كان له من ماء علم، وجف ما كان لديه من معين فن. وربما

أعطت الممارسة ما ال يمكن أن تعطيه المطالعة أو الدراسة، إذ قد يتوصل المتمرس إلى قواعد جديدة ونظريات حديثة، ويحصل علىملكات خطابية ال يمكن تحصيلها إال بكثرة التجارب في هذا الحقل.

وال أدل على ذلك مما نشاهده ونلمسه من أن اإلنسان الذي يقف على المنبر ألول مرة يرى فيه ارتباك واضطراب ظاهران، وال يقدر على

أداء ما لديه من معلومات بشكل مطلوب ولو كان عالما متبحرا.

.141- البيان والتبيين، ص15

27

و أما من تمرس على صعود المنابر وإلقاء الخطب وتعود على مقابلة الناس والتحدث إلى الجماهير واإلقبال عليهم بوجهه فنراه يهدر

كالسيل الجارف، بل ال يكاد يتم عبارة جيدة إال ويبدأ بأخرى أجود، وهكذا إلى أن يشغف الجمهور بقوله ويأنس بكالمه ويتمنى المستمعون

لو أن خطبته تلك ليس لها نهاية.

وقد أطلعني أحد المعارف العلماء أنه بينما كان يحضر حفال خطابيا قد دعي إليه كبار الخطباء في إيران جاءه أحد األشخاص سائال إياه عن تفسير إحدى اآليات. فشرحها له بما حضره وما هي إال دقائق حتى

ارتقى ذلك الشخص المنبر وبدأ خطابا حول معنى تلك اآلية وما يرتبط به من أمور، وهو يتدفق كالشالل بأسلوب رزين وحركات محكمة

ونظرات موزعة والناس مشدودون إليه وكأن على رؤوسهم الطير، حتى أنني قد أعجبت به وكدت أشكك في نفسي بأن الذي فسر اآلية

لم يكن إياي. وهذا يشير بوضوح إلى أهمية الممارسة والمران.

أما أمثلة تأثير الممارسة على متعلم الخطابة فكثيرة نكتفي بمثالين:

المثال األول:

ديموستين أحد أخطب اليونانيين القدامى وقد قيل إنه حينما حاول التكلم على المنبر ألول مرة أثار في سامعيه غريزة الضحك وأخذوا

يسخرون منه، إال أنه صمم على أن يكون خطيبا وأخذ

28

يتمرن على الخطابة إلى أن وصل إلى مرتبة من التمكن منها أمكن معها القول أنه خطيب اليونانيين األوحد.

المثال الثاني:

ما يحكى عن فضيلة الشيخ أحمد الوائلي وهو من مشاهير الخطباء المسلمين المعاصرين في ميدان الخطب الدينية بل بعض أنواع

المحاضرات العلمية أيضا فقد نقل أنه قال عن نفسه أنه حينما حاول الخطابة ألول مرة ضحك منه زمالؤه الذين كانوا يشاركونه درس

الخطابة. ولكننا نرى أنه بالممارسة والمثابرة وصل إلى مرتبة يغبطعليها، ومدح من كبار العلماء.

و أما بالنسبة لما قيل من لزوم وجود ما سمي باإلستعداد الفطري للخطابة عند من يريد أن يصبح خطيبا فليس لذلك أساس من الصحة، إذ يمكن ألي إنسان وطد نفسه على أن يصبح خطيبا وعزم على تحمل

المشاق من أجل خطب ودها وسعى لذلك دون يأس أو ملل محاوال جهده تعلم فنونها وتطبيق قواعدها، فإنه سينالها ال محالة ولو لم يكن

عنده ذلك اإلستعداد المزعوم.

الموضع الثاني: ما يجب فعله حال إلقاء الخطاب.

أوال: ال بد من ذكر ثالث توصيات نقدمها للخطيب كي ينتفع بها في هذاالمجال وهي:

األولى: من المستحسن للخطيب أال يكون جائعا فارغ المعدة

29

وال شبعانا متخما. فإن لكل منهما أثرا سلبيا عليه. فالشبع يمنعه من  أن يتمتع بصوت عال ونفس طويل، بل قد تتلبد أفكاره ويأخذه النعاس فيتثاءب وحينئذ يفقد الخطاب رونقه وتأثيره على الناس، كما أن الجوع

يمنعه من التمادي في الكالم، ومن تناسق الصوت، فإن البدن يعطي جهدا حال الخطاب خصوصا إذا كان هناك حاجة للصوت العالي. فلو

كانت المعدة خالية ال يمكن للجسم أن يتحمل جهدا كبيرا كما هو ظاهروواضح.

الثانية: يحسن به أيضا أن يكون مرتديا ما يناسب جو الحفل من البرودة والحرارة و إال أخذته رعشة القر فمنعته عن حرية التكلم أو أصابه الحرور فتصبب عرقا مما يجعل المستمعين يعدون ذلك خجال

منه وارتباكا، وهما عيبان في الخطيب.

الثالثة: يحسن به أيضا قبل حال التكلم أن يدخل إلى بيت الخالء ويقضي حاجته كي ال تصيبه المدافعة حين التكلم فيضطر أن يقصر

خطبته فيخل بالمطلوب أو يضطر إلى أفعال أخرى ال تليق به. ومما اليشك فيه أن ذلك له تأثير قوي على التفكير.

ثانيا: أما ما يجب فعله حال الخطاب يمكن حصره في سبع مسائل:

30

المسألة األولى: يجب أن يكون الخطيب مستحضرا كل النقاط التي يريد أن يتعرض لها فيما لو كان خطابه ارتجاليا وذلك بأن يكون قد

نسق أفكاره التي يريد أن يطرحها ورتبها مسبقا. فال بد أن يقدم ما حقه التقديم ويؤخر ما حقه التأخير ويهيئ لذلك بعض األلفاظ المعينة

يستعين بها حال اإللقاء تكون كمخزون لغوي عنده. وال بد أن يكون مستذكرا الكالم الذي يريد إلقاءه كي ال يأخذه حصر الكالم فيصيبه العي كما حصل مع كثيرين أمثال مصعب بن حيان حين دعي إللقاء

خطبة في مناسبة عقد نكاح ولما وقف للتكلم أخذه العي وارتبك وتشتت أفكاره فنسي ما كان يريد قوله فإذا به يقول: "لقنوا موتاكم

شهادة أن ال إله إال الله".

فغضبت أم العروس أشد الغضب وقالت له: "عجل الله موتك ألهذادعوناك".

.16فضحك الناس جميعا

ولو لم يكن الخطيب مستعدا ومستحضرا أفكاره لواجه أحد أمرين:

. أن يقول ما ال يريد قوله، وقد يكون ثمن ذلك غاليا، بأن يتلفظ1 بألفاظ ال يريدها تضع من شأنه ، أو يتلفظ بما يكون مستمسكا عليه لخصومه فيفسح لهم المجال للحط من قدره وسمعته، أو يتكلم بما

يثير السخرية واالشمئزاز كما حصل ألحد الخلفاء العباسيين حينما صعدالمنبر

.352، ص3- جمهرة خطب العرب، ج16

31

إللقاء خطبة الجمعة وقد كان على نزاع مع زوجته إثر خالفات وقعت  بينهما فخرج وهو يفكر بطالقها، وحينما استوى على المنبر قال: " أما بعد..." فانعقد لسانه ونسي ما كان يريد أن يقوله فما نطق إال بقول:

"زوجتي فالنة طالق". فضحك الناس منه ضحكا شديدا.

. أن يترك المنبر دون أن يتكلم بشيء وسط جو من اشمئزاز2 الجمهور وسخريته. اللهم إال إذا كان حاد الذهن متوقده فإنه قد ينجو

بنفسه بأن يورد كالما أخر غير ما كان يريد قوله أوال.

ومنهم ثابت قطنة17وقد اتفق ذلك لكثيرين من الخطباء المشهود لهم أحد أمراء سجستان حيث صعد المنبر يوم الجمعة فنسي ما كان18

يريد قوله وارتج عليه وظهر ذلك للناس فتدارك قائال: "سيجعل الله بعد عسر يسرا وبعد عي بيانا، وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير

قوال: وأنشد:

19فإال أكن فيكم خطيبا فإنني بسيفي إذا حد الوغى لخطيب

ويقال أنه لما وصل نبأه إلى خالد بن صفوان قال: "والله ما عال ذلكالمنبر أخطب منه في كلماته هذه".

- راجع باب نوادر الخطباء في أواخر هذا الكتاب.17- وفي كتب أخرى "ثابت بن قطبة".18.21، ص4- أما لي السيد المرتضى، علم الهدى، ج19

32

خالصة الدرس

33

34

1الدرس الثالث: ما يجب فعله حال اإللقاء:

المسألة الثانية: اإلهتمام بالمظهر الخارجي

االهتمام بالمظهر الخارجي للخطيب بحيث يظهر أما مهم بما يدعو إلى تقديره واحترامه والوثوق بقوله وبما يتناسب مع ما يريد أن يقوله.

وذلك يحصل بأمرين:

األمر األول: لباسه وهندامه.

من الالزم على الخطيب أن يعرف نفسيات المجتمعين وما يجب على مثله أن يظهر به بينهم. فقد يقتضي المقام أن يظهر الخطيب بأفخر

لباس وأحسن بزة ما يليق به.

وقد يقتضي أن يظهر بمظهر متواضع كزاهد أو ناسك. وذلك يختلف باختالف الدعوة التي يدعو إليها وباختالف طباع الحاضرين. فكثير منالواعظين يتأثر الناس بهم بمجرد النظر إليهم قبل أن يتفوهوا بكلمة.

أال تعتقد أن خطيبا على الهيئة التي يصفها نوف البكالي

35

حيث يقول في مستهل خطبة من خطب أمير المؤمنين عليه السالم قبل أن يرويها: "خطبنا بهذه الخطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

عليه السالم بالكوفة وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي وعليه مدرعة من صوف وحمائل سيفه ليف وفي رجليه

.20نعالن من ليف وكأن جبينه ثفنة بعير"

أال تعتقد أن الخطيب الذي على هذه الهيئة سيؤثر في سامعيه وعظهوحثه لهم على الزهد والتقوى والتقشف.

وكم من خطيب في مجالس ذكرى عاشوراء يدفع الناس بمجردمشاهدة هيئته إلى البكاء وقبل أن ينبس ببنت شفة.

وال بد أيضا للخطيب أن يظهر بما يليق به أما م الجمهور كي ال يثيرتهكمهم واشمئزازهم.

فمثال: لو كانت عمامة الخطيب مائلة أو كانت عباءته مقلوبة أو كان ثوبه ممزقا أو قميصه وسخا وما شابه ذلك، فسوف لن يكون األقدر

على اإلقناع وال األقوى في الحمل على االنقياد واالستماع.

األمر الثاني: سحنة وجه الخطيب.

قال الفارابي: ومنها أي من األمور التي ال بد منها للخطيب "سحنة وجه اإلنسان أو شكله وشكل أعضائه ومنظره أو فعله عندما يتكلم مثل أن

ينذر بورود أمر مخوف قد قرب فيرى وجهه

.260، ص182- نهج البالغة، خطبة رقم 20

36

.21وجه خائف أو هارب" 

وقد قال أبو علي ابن سينا في هذا المضمار: "و أما الحال المحسوسة غير القول كمثل من يخبر ببشارة، وسحنة وجهه سحنة مسرور مبتهج،

أو يخبر بأطالل آفة وسحنة وجهه سحنة مذعور خائف، أو ينطق عن.22تقرير بالعذاب أو الثواب"

فمالمح وجه الخطيب وتقاطيع جبينه ونظرات عينيه وحركات يديه أمور معبرة ومؤثرة في السامعين فيما إذا استطاع أن يحسن التصرف بها

حسبما يريده البيان.

وبعبارة أكثر صراحة يجب على الخطيب أن يكون ممثال في مظهره الخارجي وحركات حاجبيه ويبدو حزينا في موضع الحزن وغليظا فظا

في موضع الشدة.

بل ربما يجب عليه في بعض األحيان أن يبكي أو يتباكى فيما لو دعت الحاجة إلى ذلك. ويبدو مسرورا مستبشرا في موضع السرور. ويبدو

بمظهر الواثق من قوله المؤمن بدعوته في موضع يتطلب ذلك.

.10- الخطابة، الفارابي، ص21.10- الشفاء، قسم الخطابة، ص22

37

خالصة الفقرة:

المسألة الثالثة: ما يجب فعله حال االلقاء مدح القبيح وذمالحسن:

ال بد للخطيب أن يكون قد تدرب على تطويع العبارات واالستفادة من األمور بحسب الحاجة وتسخير كل األدلة لصالحه حتى لو كان ظاهر

الدليل غير موافق لمطلوبه.

وذلك بأن يتمكن من أمرين:

األمر األول: مدح القبيح.

قد تدعو الحاجة إلظهار وجه الحسن في من اشتهر بالقبح.

38

فمثال قد تدعو الحاجة إلى مدح فاسق فينظر الخطيب إلى النواحي األخرى غير الفسق ويختار منها ما يمكن مدحه به. فيقول مثال: " أنه

سمح سهل غير متزمت وال متعنت، منفتح على اآلخرين لطيفالمعاشرة خفيف الروح يخدم الناس... الخ" وما شابه ذلك.

وقد يمدح األبله األحمق بأنه بسيط صافي النفس بريء براءة األطفال ال تشوبه شائبة الغدر والمكر، وال يهتم بأمور الدنيا مهما عظمت

وتعقدت، و أنه ال يزال على فطرته التي فطره الله عليها لم تغيرهاالخطايا والذنوب...

وقد يمدح الهماز النمام الذي يتتبع عورات الناس فال يكاد يرى عيبا إال وينشره في المجتمع، فيخبر به القاصي والداني بأنه صادق وصريح وال

تأخذه في الله لومة الئم، و أنه يقول الحق ولو على نفسه. و أنه ال يمكنه السكوت عن قبيح الفعال، وال يستطيع أن يغض طرفه حينما يرى شرا لما فيه من علو الهمة وكبر النفس، وألنه ليس بشيطان

أخرس... إلى ما هنالك.

األمر الثاني: ذم الحسن.

قد يقتضي األمر إظهار بعض مساوئ أمر معلوم الحسن. فقد يذم اإلنسان المؤمن المحافظ على دينه بأنه جاف متزمت رجعي ال يمكن الكالم معه، وليس عنده للحل الوسط مجال وال يقتنع بشيء وال يقبل

نصيحة أحد... الخ.

39

وقد يذم الشجاع بأنه متهور طائش يرمي بنفسه في كل مخوفة،ويبحث عن الشر ويلقي بيديه إلى التهلكة... الخ.

وقد يذم الكريم بأنه مسرف جاهل بحق المال وقيمته، ويعطي من يستحق ومن ال يستحق، وأن الناس يستفيدون من طيب قلبه ويأخذون أمواله بحجة أنه كريم وهو ال يعرف أنهم يستحمقونه، وبأنه سوف يأتيه يوم يلتفت فيه إلى نفسه ويدرك خطأه وذلك حينما يجد نفسه محتاجا

لما في أيدي الناس حيث لن يجد من يساعده بدرهم.

وقد يذم الحليم الذي يصفح عمن آذاه أو تصابى معه أو تكلم معه بما ال يليق به، يذم بأنه جبان ال يجرأ على دفع االعتداء عن نفسه حتى تطاول

عليه الكبار والصغار.

وأن فيه ذلة، و أنه متعود على استماع السباب والشتائم فلم تعد تؤثر فيه شيئا... إلى ما هنالك من أمثلة لمدح القبح وذم الحسن مما ال

يخفى على القارئ الكريم. فإن التدرب على هذه األمور تطوع االستعماالت والعبارات بين يدي الخطيب وتجعل ذهنه متوقدا

مستحضرا لكل سؤال جوابا مهيئا لكل شخص ما يناسبه من الكالم.

واعلم أن ما قدمناه لك ليس دعوة العتماد أسلوب الكذب في الخطاب أبدا وليس تشجيعا على التعرض لآلخرين بالنقد والتجريح كما

قد يسبق إلى أذهان البعض ممن تخفى عليهم

40

النكات العلمية وإنما هو توضيح لفكرة أدبية وجالء لقاعدة خطابية، لو  أتقنها الخطيب ألخذت بيده إلى إظهار الحق والدفاع عنه وكشف زيغ المبطلين وتفنيد كالم من ال يستعين على مراده إال بالكذب، والنفاق

فيسلط الضوء على نقاط ضعفه ومواضع زالته كي ال يعود إلىاستحماق الناس للتسلط عليهم.

واعلم أيضا أنه ليس فيما ذكرنا شيء من الكذب بل هو صدق ناصع غاية ما في األمر أنه تصوير قبيح للصورة الحسنة أو تصوير حسن للصورة القبيحة وذلك يحصل بالسكوت عن المحاسن وذكر ما هو موجود من المساوئ، وهذا أمر شائع بين الفصحاء ممن يعرفون

مواضع الكلم ولم ينكر من الشرع، ولنعطك على ذلك شاهدا حيا:

ورد في البيان والتبيين أن رسول الله صلى الله غليه وآله وسلم سأل عمرو بن األهتم عن الزبرقان بن بدر وهو حاضر فقال عمرو: " أنه

مانع لحوزته مطاع في أذينة".

فقال الزبرقان: "يا رسول الله، إنه ليعلم مني أكثر مما قال ولكنهحسدني يا رسول الله في شرفي فقصر بي".

ضيق الصدر23فقال عمرو بن األهتم حينئذ: "وهو والله زمر المرؤةلئيم الخال حديث الغنى".

فنظر النبي صلى الله غليه وآله وسلم في عينيه فقال: "يا رسول الله،رضيت فقلت

- زمر المرؤة أي قليلها.23

41

أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمت. وما كذبت في األولى ولقد صدقت في اآلخرة".

.24فقال رسول الله صلى الله غليه وآله وسلم: "إن من البيان لسحرا"

وحتى تطمئن نفسك إلى ما قلناه لك وال يبقى في نفسك منه شيءسنضرب لك مثاال حيا على مدح القبيح وآخر على ذم الحسن.

ورد عن الحجاج أنه حينما مرض وفرح أهل العراق بذلك وأرجفوا بموته وبلغه ذلك تحامل حتى صعد المنبر فقال: "إن طائفة من أهل العراق،

أهل الشقاق والنفاق، نزغ الشيطان بينهم فقالوا: "مات الحجاج". ومات الحجاج فمه؟ وهل يرجو الحجاج الخير إال بعد الموت؟ والله ما

سرني أال أموت وأن لي الدنيا وما فيها. وما رأيت الله رضي بالتخليد إالقال فأنظ=رن=ي إ=لى يوم= يبعثون* قالألهون خلقه إبليس. قال: ﴿

ن المنظر=ين =نك م= .25﴾إ

كما روى ابن سالم الجمحي في طبقات الشعراء أنه اجتمع جرير والفرزدق عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ خليفة، وأتى بأسرى من الروم، وكان في حرسه رجل من بني عبس قد علم أن سليمان

سيأمر أصحابه بضرب أعناقهم.

فأتى الفرزدق فقال: "إن أمير المؤمنين جرى بأن يضرب هؤالءاألسرى". وحثه على أن يكون هو الضارب لهم. وأتاه بسيف

.184 و43- البيان والتبيين، ص24151، ص1. وشرح ابن أبي الحديد، ج142، ص2- مروج الذهب، ج25

42

. فقال الفرزدق: "ممن أنت"؟26كليل كهام" 

قال: "من بني ضبة أخوالك".

وأمره سليمان بضرب عنق بعضهم. فتناول السيف من العبسي ثم شعرة ولم يؤثر به أثرا. فضحك27هزه فضرب به عنقه فما حص

سليمان والناس وقال: "هذه ضربة سيقول فيها هذايعني جريرا وتقولفيها العرب".

: 28فقال الفرزدق )متخلصا من سيئته مصورا لها بصورة حسنة(

فهل ضربة الرومي جاعلة لكم وال نقتل األسرى ولكن نفكهمأبا عن كليب أو أبا مثل دارم إذا أثقل األعناق حمل المغارم

فانظر كيف بدل السيئة بالحسنة وعبر عن عجزه عن قتل الرومي بأنه قد تعود على فك األسرى ولم يتعود على قتلهم. وهذه مفخرة ما بعدها

مفخرة وتعريض بالخليفة وتفاخر عليه.

وقد نسب أبو حيان التوحيدي في كتابه البصائر والذخائر إلى سقراط تعريفا للخطابة ورد فيه هذا القول: "قيل لسقراط الفيلسوف. - وكان

من خطبائهم - ما صناعة الخطيب؟ قال:.أن يعظم األشياء الحقيرة ويصغر شأن األشياء العظيمة".

وهذا تعبير آخر عن مدح القبيح وذم الحسن".

- السيف الكهام هو الضعيف الشي ال يقطع.26- حص يعني قطع وحلق. يقال حص الشعرة أي قطعها.27.93- طبقات الشعراء، ابن سالم الجمحي، ص28

43

خالصة الفقرة:

44

2الدرس الرابع: ما يجب فعله حال اإللقاء:

المسألة الرابعة: الوقوف على مرتفع

ال بد للخطيب أن يقف على مرتفع يطل به على الجمهور كي يروا وجهه ويتأثروا بكلماته وإشاراته. ولقد جرت العادة قديما وحديثا بأن

ينصب للخطيب منبر من خشب، ولو لم يكن هناك منبر وكانت الخطابة في الفالة يعمل له منبر بسيط من الحجارة كما مر في وصف نوف

البكالي لعلي عليه السالم ، أو من رحل الدواب كما حصل لرسول الله صلى الله غليه وآله وسلم ، في خطبة الوداع حين نص على خالفة

علي عليه السالم ، أو أن يقف الخطيب على مرتفع عال، أو يصعد إلى هضبة كما حصل مع الرسول صلى الله غليه وآله وسلم حينما صعد

الصفا وقال: "يا صباحاه".

يرتكفاجتمعت إليه قريش. فأخبرهم بنزول آية: ﴿وأنذ=ر عش=.29﴾األقرب=ين

ويحسن في الخطيب أن يقف معتمدا على إحدى رجليه فإذا

. واآلية من سورة الشعراء ورقمها206، ص4- مجمع البيان، الطبرسي، ج29214.

45

تعبت اعتمد على األخرى. فإن ذلك يعينه على تحمل طول الوقوف إلى إتمام خطبته وإن طالت.

و أما اإلشارات فهي أمر مهم للخطيب وال يمكن االستغناء عنها في إثارة مشاعر مستمعيه. قال الجاحظ: "اإلشارة واللفظ شريكان ونعم

العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه، وما أكثر ما تنوب عن اللفظ.30وتغني عن الخط"

وال بد في اإلشارة من أمور:

األمر األول:

أال تكون مبتذلة متصنعة يشعر المخاطبون أنها مقصودة وأن الخطيب يتعمدها فإن ذلك يذهب بتأثيرها ويفقدها رونقها، فال بد أن تبدو عفوية

قد صدرت منه من غير قصد و أنه لم يتصنع فيها ولم يتكلف.

األمر الثاني:

أال تكون على نسق واحد بحيث يكون تكررها واضحا للناظرين وذلك كما لو ظل يحرك يده بحركة واحدة وعلى نسق واحد طيلة الخطبة إن

ذلك يجعل الخطيب في موضع انتقاد الجمهور وال يعطي النتائج المطلوبة في المساعدة على اإلقناع. فال بد أن تكون الحركات متنوعة بتنوع أسلوب الكالم من األخبار واإلنشاء ومن التعجب واالستفهام وما

شابه ذلك وال بد أن تكون كثيرة كفعل الممثلين و إال لم تكن "نعمالعون".

من الجزء األول، تحقيق السندوبي.69- البيان والتبيين، ص30

46

األمر الثالث:

يجب على الخطيب أن ال يتنقل على المنبر وال يعتمد اإلشارات المضحكة وال الحركات الخفية كي ال يتحول إلى ممثل أو إلى مهرج.

فعليه مثال أن ال يهتز وال يستدبر وال يلتفت بكل بدنه من جهة إلى أخرى، وال يحرك رجله وال يهز برقبته وال يغمز بعينيه وال يخرج لسانه وال يقلد اآلخرين بأفعالهم وأقوالهم فكل هذه األمور تفسد الجو العام

للخطبة.

وهناك بعض الحركات تعد من آفات الخطيب، وهي أن يكثر من السعال أثناء اإللقاء، أو من االلتفات يمنة ويسرة، أو بأن يقصر نفسه عن إتمام الجملة التي بدأها فيستعين بنفس ثان إلتمامها، وأن يفتل

أصابعه، أو أن ينشغل بالعبث بلحيته، أو يكثر من المسح عليها أو على شاربيه، فإن كل ذلك من العيب الذي ال بد للخطيب أن يتخلص منه

فيعود نفسه على النفس الطويل، ويسعى جهده للتخلص من السعالفي الخطابة، ويقلع عن العادات األخرى المشار إليها.

وقد جمع أحدهم هذه الحركات ببيت من الشعر فقال:

وفتل األصابع32ومسحة عثنون  والتفات وسعلة 31مليء ببهر33

- البهر يعني انقطاع النفس واإلعياء.31- العثنون هو اللحية وقيل ما ينبت على الذقن خاصة.32.1- البيان والتبيين، ص33

47

خالصة الفقرة:

48

المسألة الخامسة: مقتضيات اإللقاء

هناك أمور يقتضيها اإللقاء تختلف باختالف أنواع الخطب وتتلخص فيستة أمور:

األمر األول: كيفية الوقوف على المنبر.

ال بد للخطيب الذي يكون في موضع الحماس ويريد أن يدب الشجاعة في قلوب سامعيه أن يقف وقفة متأهب مستعد وكأنه سينزل إلى ساحة الحرب بعد لحظات، وأن تكون أعصابه مشدودة والتفاتاته

سريعة وخاطفة وحركات يديه عصبية ونظراته إلى المستمعين محرقة تخرج من عين تتأجج فيها النار حماسا وقوة. فإن كل ذلك مهم في

الخطب العسكرية وهو أدعى لحملهم على االستبسال ولدب الشجاعةوالجرأة في قلوبهم.

وال بد لمن كان في مقام الوعظ واإلرشاد وأمر الناس بالتقوى وترك المعاصي أن يقف بارتخاء نوعا ما، ويحرك يديه بحركات خفيفة بطيئة في موضع الخشوع، وبحركات الحذر في موضع إثارة الخوف، فيفتح

فاه قليال بما يعبر عن ذلك فيما لو تعرض لذكر أمر مخيف كما لو تكلم عن جهنم أو عذاب القبر أو شدة األلم وما شابه ذلك. وهكذا في سائر

أنواع الخطب يراعي ما يناسبها.

49

األمر الثاني: طريقة النطق بالكلمات.

تارة يقتضي أمر الخطابة أن تخرج الكلمات من الفم مشدودة متراصة وكأن هناك من ينتزعها من الفم بقوة فيصدر للحرف صوت يتناسب

معه شدة وضعفا، وتارة يقتضي أن تخرج هادئة ناعمة تكاد تشبه النجوى. فإن ذلك أبلغ في إيصالها الخشوع إلى قلوب السامعين، وتارة

تقتضي أن تخرج عادية ال شدة فيها وال ضعف، كما في الخطبالعلمية. كل ذلك يرجع إلى معاني الكلمات وما يتناسب معها.

األمر الثالث: نظرات الخطيب.

ال بد من توزيع النظرات على المستمعين كل بحسبه. فالذي يكون مشدودا للكالم متوجها لما يقال، ينظر إليه وكأنه المستمع الوحيد

فيزداد أنسا واستماعا وإقباال، والذي يكون في سهو وغفلة عما يقوله الخطيب يتوجه الخطيب إليه وكأنه يسأل عن أمر عرض له في أثناء

الكالم، ثم ينصت قليال ليتوهم المستمع أنه يسأله عن الجواب وأنه ينتظر منه اإلجابة، وبما أنه غير ملتفت إلى السؤال وال يعرف بماذا

يجيب تدخل الرهبة في قلبه في اطالع الحاضرين على غفلته أو جهله باإلجابة فيضطر حينذاك للتوجه وتركيز ذهنه على فهم ما يقوله

الخطيب كي ال يقع في ذلك مرة أخرى وحينئذ يسهل إقناعه. وال بد للخطيب أن ينظر في عيون السامعين كي ال يشعروا أنه بعيد عنهم

فيما لو

50

ركز نظراته في السقف كما يفعل كثير من المبتدئين في الخطابة خوفا من أعين الناظرين.

وهناك كثير من الخطباء ليس لهم الجرأة على مواجهة المستمع والنظر في عينيه كما حصل للجنرال كرافت حيث كان يخشى من ذلك

فنصحه أحد علماء الخطابة بالنظر في أنوفهم كي يتوهموا أنه يتظر.34إلى أعينهم فال يشعرون بأنه بعيد عنهم

وكذلك عليه أن ال ينظر من خالل النافذة إلى الخارج وال يلهو عنمستمعيه بمراقبة كتاب أو أي شيء آخر.

األمر الرابع: خروج الكالم من القلب.

يجب على الخطيب أن يشعر السامع بأن ما يقوله يخرج من قلبه وأنه من جملة اعتماداته التي ال تقبل الشك والترديد. وذلك بأن يتفادى قدر

اإلمكان التوقف بين الكلمات والتلكؤ في النطق بها، فإن ذلك مما يجعل المستمع مشتت الذهن ومترددا في االقتناع بما يقال أو على

أقل تقدير ال يجد في نفسه ما يشده لالقتناع به.

وقد قيل قديما: "الكالم الذي يخرج من القلب يدخل إلى القلب، والذييخرج من اللسان ال يتجاوز شحمة األذن".

. وكرافت رئيس أميركا عام29- أصول فن الخطابة، علي باشا صالح، ص341869.

51

األمر الخامس: تناسب المعاني وطريقة التلفظ.

على الخطيب أن يحرص على أن تكون طريقة التلفظ بالعبارات مناسبة لمعانيها، فمثال الجملة االستفهامية تحتاج إلى نمط خاص من

التلفظ مغاير لنمط تلفظ الجملة الخبرية والجملةالمنفية تختلف طريقة تلفظها عن الجملة المثبتة، وكذلك سائر أنواع الجمل. وأوضح مما ذكرنا أسلوب تلفظ الجملة التعجبية فإن لها أسلوبا خاصا ال يقوم

مقامه غيره وال يمكن توضيحه للقارئ الكريم بالعبارة إال أن اإلنسان يدرك ذلك بطبعه السليم وسليقته الصحيحة في التلفظ بالكالم العربي،بل إن ذلك ال يختلف من لغة إلى أخرى وهو مشترك بين جميع الناس.

فلو تلفظ الخطيب بالجملة التعجبية أو االستفهامية كما يتلفظ بالجملة الخبرية لدل ذلك على أنه غير ملتفت إلى معناها ولما حصل للمستمع

تلك الفائدة المرجوة منها.

وأكثر ما يقع الخطيب بهذا النوع من الخطأ فيما لو كان يقرأ خطابه عن الورقة، إذ يجد نفسه قد بدأ بجملة على النهج الخبري مثال وال

يلتفت إلى أنها تعجبية إال بعد أن يتمها، خصوصا إذا كان يقرأ الخطبةألول مرة.

وهذا ال يحصل لمن يخطب ارتجاال إال نادرا كذلك يمكن تجنبه إذا حضرخطبته وطالعها مرارا قبل إلقائها.

52

األمر السادس: مراعاة أما كن الوقف والدرج.

حينما تنتهي الجملة ال بد من التوقف هنيهة ليعلم المخاطب انتهاءها وال يتوهم اتصالها بما بعدها. و أما في وسط الجملة فال بد من وصل الكالم مع بعضه البعض حتى ال يصبح مقطعا خاليا عن الفائدة التامة المرجوة

من الكالم. وال يصح الدرج في أما كن الوقف وال الوقف في أما كنالدرج، فال بد من مراعاة كل منهما بحسب المقام.

وال بد أن تكون أما كن الوقف شافية بينة. وال يمكن معرفة ذلك وإدراكه من خالل القراءة بل ال بد من تتبع استعماالت الخطباء

واالستماع إلى خطبهم والتأمل في ال أما كن التي يقفون عليها والأما كن التي يدرجونها.

53

خالصة الفقرة:

54

3الدرس الخامس: ما يجب فعله حال اإللقاء:

المسألة السادسة: التحلي بخصلتين:

ال بد للخطيب أن يتحلى بخصلتين مهمتين في باب الخطابة هما:

األولى: حضور الذهن.

يجب أن يكون الخطيب حاضر الذهن حال اإللقاء. ملتفتا إلى كل ما يقوله، وإلى ما يمكن أن يرد عليه من اعتراضات وكيفية التخلص منها

واإلجابة عنها. فإذا فاجأه أحدهم باعتراض رده برد حسن لين دون إظهار عجز أو جهل أو تأفف. وإذا سأله بعضهم عن أمر يتعلق بخطبته

يكون معدا له الجواب الشافي و إال وجد نفسه في مأزق ال يعرف الخروج منه وينقض بذلك غرضه فال يتمكن من إقناع الجمهور بفكرته

وال تلقينهم عقيدته. ولنعطك على ذلك مثاال:

دار بين السيدة زينب بنت علي عليه السالم وعبيد الله بن زياد

55

حوار بعد خطبة ألقتها بحضوره أظهرت فيها نقصه وعدم تدينه  وأحصت عليه عيوبه وذنوبه، فقال رادا عليها، يقصد إبطال قولها أما م

الحاضرين:"من هي هذه المتنكرة"؟

فقال بعض من حضر: "هي زينب بنت علي".

فقال لها بمكر وخبث محاوال إظهارها مستحقة لما وقع بهم من السبي واإلذالل فيكون بذلك بريئا ولم يفعل ذنبا يستحق عليه التوبيخ: "الحمد

لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم".

فقالت الحوراء عليها السالم: "الحمد لله الذي أكرمنا بالنبوة وطهرنامن الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا".

فلما سمع هذا التعريض به أما م مناصريه سلك طريقا آخر إلفحامها:"هل رأيت ما صنع الله بأخيك الحسين"؟

فقالت له ببيان فصيح: "ما رأيت إال جميال، هؤالء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم

فانظر لمن الفالح يومئذ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة".

.35فأطرق عبيد الله بن زياد ال يحير جوابا وقد أفحم واسود وجهه

، بتصرف.112، ص2- معالي السبطين، الحائري، ج35

56

وليس هناك أوضح داللة على أهمية حضور الذهن حال الخطاب مما جاء في آخر خطبة المتقين لإلمام علي بن أبي طالب عليه السالم ،

حينما صعق همام العابد فاعترض رجل من الحاضرين على اإلمامبقوله: "فما بالك يا أمير المؤمنين"؟

يقصد أنه هو الذي كان السبب بموت همام.

فأجابه عليه السالم: "ويحك، إن لكل أجل وقتا ال يعدوه وسببا ال.36يتجاوزه، فمهال ال تعد لمثلها فإنما نفث الشيطان على لسانك"

الثانية: حسن التخلص.

إن من األمور المهمة للخطيب أن يجيد التخلص من الخطأ لو حصل ووقع فيه، ويحسن االعتذار عن ذلك، فإن كل إنسان معرض للخطأ ال محالة، ولعله من المواقع الصعبة عليه أما م الجمهور الذي كان يقف

فيه ملقنا ومسددا يظهر بظهر المحتاج إلى من يعلمه ويقوم اعوجاجه ويصلح خطأه. فإن كان الخطيب ماهرا يعرف كيف يدير دفة الخالص،

نجا بنفسه إلى شاطئ األمان باعتذار حسن أو بطريق خفي يسلكه للهروب من ورطة الغلط، ويظهر نفسه كأنه تعمد ما صدر منه وأن

رر تلك العلة ذلك لم يكن خطأ وإنما قصده لعلة في نفسه، ثم يبويوضح

.503، خطبة المتقين، ص93- نهج البالغة، رقم 36

57

السبب الذي دعاه إلى ذلك بوجه سليم بسيط ال يدع للمستمعين شكاوال ريبا.

وسنضرب لك مثالين لتوضيح حسن التخلص واالعتذار:

األول:

في فتح بالد خراسان كان قتيبة بن مسلم قائدا لجيوش بني أمية وكان وكيع بن األسود التميمي أحد قادة جنوده، وقد صعد وكيع هذا يوما

لوعظ الناس وإرشادهم فقال في ضمن خطبته: "إن الله خلق السماوات واألرض في ستة أشهر". فانبرى له رجل من الحاضرين

.37قائال: "إنما كان ذلك في ستة أيام"

فقال وكيع بلهجة البصرة الواثق من نفسه وكأنه لم يصدر منه أي.38خطأ: "وأبيك لقد قلتها وإني ألستقلها"

أي أنه يرى أن ستة أشهر قليل على خلق السماوات واألرض فكيف بستة أيام؟ فما ذلك إال ألن الله قوي عزيز فال بد من إطاعته وعدم

التعرض له بالمعصية.

المثال الثاني:

روي أن الشيخ محمد تقي فلسفي صاحب كتاب الطفل بين الوراثة والتربية، وهو من مشاهير الخطباء اإليرانيين المعاصرين، كان يخطب

في مناسبة مرور أربعين يوما على وفاة المرحوم آية

ماوات واألرض وما بينهما في37 ذي خلق الس ه ال الل ﴿- إشارة إلى قوله تعالى: سورة األعراف، اآلية: ام ة أي .54﴾ست

.357، ص3-جمهرة خطب العرب، ج38

58

الله البروجردي الذي كان مرجعا للشيعة آنذاك، فقال في طي خطابه هذه العبارة: "إن آية الله البروجردي دامت بركاته...".

وهذا خطأ منه إذ كان عليه أن يقول قدس سره أو رحمه الله أو "أسكنه الله فسيح جناته" أو ما شابه ذلك من العبارات التي تقال في هكذا مقام فالتفت إلى خطأه وتابع قائال: "نعم دامت بركاته ألنه وإن

ذهب للقاء ربه إال أن بركات أفعاله الخيرة دائمة وال تزال بيننا".

خالصة الفقرة:

59

المسألة السابعة: قدرة السيطرة على المجلس

ال بد أن يتحلى الخطيب بالقدرة على السيطرة على المجلس من جهة إصغاء الحاضرين جميعا. فإن حاول بعضهم التشويش عرف كيف يتوجه

نحوه وهو يتابع كالمه بصوت عال وكأنه يقول له: "ال تتكلم أثناءكالمي".

وإذا أحس بأن هناك من يتكلم مع جالس بجانبه عرف كيف يورد في ضمن كالمه وعلى نحو الجملة االعتراضية ما يعرض فيه بهما مما يجعلهما يقلعان عن ذلك ويؤدب بذلك الباقين فال يحاول أحد خلق

ضوضاء أثناء اإللقاء.

وقد يكون من المناسب أن يصمت قليال بشكل ملحوظ ليسمع الناسالحاضرون صوت الذي يتكلم مع زميله فيخجل ويمسك وال يعود لمثلها.

وكلما كان الخطيب متفاعال مع خطابه وكان خطابه مؤثرا في المستمعين كلما سيطر على الحفل أكثر، و إال فسوف لن يتمكن منكبح جماح الضوضاء التي قد تزداد حتى تتغلب عليه وتلزمه الصمت.

وقد ورد في كتاب الخطابة لمحمد أبو زهرة كالم لديكوب، وهو أحد علماء النفس الفرنسيين وكان نائبا في البرلمان الفرنسي، يصف به

الخطيب النيابي الفاشل الذي ال يعرف كيف يسيطر على المستمعين: "إذا استوى على المنبر أخرج من محفظته أوراقا

60

فنشرها أما مه على الترتيب وشرع يخطب مطمئنا، وهو يفخر في  نفسه بأنه سيبث عقيدته لتسكن روح سامعيه، ألنه وزن أدلته وحررها وأعد شيئا كثيرا من اإلحصاءات والحجج وأيقن أن الحق في جانبه وأن

معارضه ال يثبت أما م الحقيقة التي يأتي بها.

وهكذا يبدأ معتمدا على صواب رأيه واصفا إخوانه باعتقاده أنهم ال يطلبون إال الحق. وبينما هو يخطب إذ تأخذه الدهشة من اضطراب

الحاضرين ويتقزز من الضوضاء الناتجة من ذلك االضطراب ويتساءل؟

- "لماذا ال يسود السكون"؟

- "وما السبب في هذا االضطراب"؟

- "وما السبب القوي الذي يحمل ذلك على ترك مجلسه"؟

فيفرك حاجبيه والحيرة تعلو جبينه ويمسك عن الكالم فيشجعه الرئيس، فيعود بصوت مرتفع فيزيد األعضاء في عدم اإلصغاء، فيجهر

ويهتز فتزداد الجلبة من حوله ويعود ال يسمع نفسه فيمسك عن الكالم مرة أخرى. ثم يخشى أن يدعو سكوته إلى أصوات األقفال فيرجع إلى الخطابة بما فيه من قوة وهناك تعلو الجلبة ويختلط الحابل بالنابل مما

.39ال يقدر على وصفه الواصفون"

ومن كل ما تقدم خالل المسائل السبع، نستخلص أنه يجب

- الخطابة لمحمد أبو زهرة.39

61

على الخطيب أن يكون سائقا ماهرا يعرف مقصده وهدفه جيدا.  فيسير بمن معه من المسافرين الذين يقلهم إلى النقطة التي حددها

لنفسه عالما بمكان تحركه وابتدائه عارفا بموضع وصوله وانتهائه. يسرع بهم طورا ويبطئ أحيانا ويذهب بهم شماال مرة ويمينا مرة أخرى

حتى إذا تعب الركاب من السفر وشعروا بالملل من طول الجلوس عرف كيف يعرج بهم على واحة مريحة يتناولون قسطا من الراحة في

ظاللها فيورد لهم قصة طريفة أو حكاية مضحكة أو مثاال غربيا فيستعيدون نشاطهم وتتجدد عزيمتهم ثم يتابع بهم المسير إلى الهدف

المحدد والنقطة المرجوة وهم في غاية النشاط والسرور والراحة.

خالصة الفقرة:

62

(5، 4، 3، 2خالصة الدروس: )

63

64

الثاني:الخطاب الفصل

على: تتعرف الفصل هذا فيالخطاب. مواد . تهيئة1. اإلرتجال.2الخطاب. . صياغة3الخطاب. . مادة4

65

66

الخطاب مواد السادس: تهيئة الدرس

الخطاب مواد األول: تهيئة األمر

ست من يتكون وجمعها الخطاب مواد لتهيئة تدريجي منهاج وضع يمكن لم من وكل للمبتدئ اتباعه من بد ال كبير بشكل الخطيب تخدم مراحلالفن. هذا في يتمرس

إال خطابه تحضير في يحتاج ال فقد ساعده واشتد فيه تمرس من أما و معلومات من لديه ما إليها ليضيف المصادر لبعض بسيطة مراجعة إلى

متكاملة. كاملة بخطبة ليخرج ذهنه في الجميع وينسق سابقة

هي: المراحل وهذه

األولى: المرحلة

في أو األخالق حقل في يكون كأن إلقاؤه، المنوي الخطاب نوعية تحديد الخطيب كان لو كما القضاء، أو التاريخ أو السياسة أو التفسير حقل قائدا

أو عسكريا مسؤوال أو سياسيا واعظا

67

  أو دينيا كان أو التاريخ علم في محاضرا أو متهم عن محاميا للنيابة وكيالالخطاب. نوعية يحدد أن عليه فإن ذلك، شابه ما أو العامة

الثانية: المرحلة

مثال: خطبته، في سيتناوله الذي الموضوع عنوان تحديد

األخالقي. الموضوع "الغيبة" في

التفسير. علم القدر" في سورة "تفسير

عرض الفكري" في الغزو مقابل في للمسلمين العملي الموقف "تحديداإلسالمية. السياسة تطبيق أو اإلسالمية، المفاهيم

التاريخي. التحليل النهروان" في "معركة

ذلك. شابه والقضاء. وما القانون بالقتل" في متهم عن "الدفاع

الثالثة: المرحلة

من النوع لهذا تتعرض التي الكتب من مظانه من الموضوع طلب تقدير، أقل على علم كل في كتابين يراجع أن وعليه البحوث، أو الخطب

يعطيه ذلك فإن أفضل، كان المصادر وعدد أكثر طالع وكلما أوسع مجاال المطلوب، إثبات في منها واالستفادة ومناقشتها اآلراء استعراض في

موضوع ففي وجزئياتها، األمور لدقائق للتعرض المجال له ويفسح "الغيبة" وكتاب الكاشاني البيضاء" للفيض مثال: "المحجة "الغيبة" يراجع

الثاني... للشهيد

68

و"مجمع مثال: "الكشاف" للزمخشري يراجع التفسير موضوع وفيالبيان" للطبرسي...

الذهب" الطبري" و"مروج مثال: "تاريخ يراجع التاريخي الموضوع وفيوهكذا. للمسعودي

أمرين:" بواسطة الخطيب مراد على تحتوي التي الكتب معرفة "ويمكن

نتيجة تخدمه التي الكتب في ما على تفصيلي اطالع عنده يكون - أن1 إلى تمت التي الكتب على إجمالي عام اطالع أو السابقة، مطالعاته ومصادر أخرى أبواب مه أما لتفتحت راجعها لو بحيث بصلة موضوعه

لموضوعه. ثانية

فيها، البحث يريد التي المادة في العامة المكتبات فهارس - مراجعة2 وهكذا موضوعه تناسب التي الكتب عن التاريخ مادة فهارس في فيبحث

.1وغيرهما" واألخالق التفسير في

للمطالعة يعود أن فعليه إال و أمور هكذا الخطيب على تخفى أال ويجب قرأ. لما أقالم رؤوس ويكتب وإمعان بترو فيقرأ الزمن من لمدة العامة

عنها. ويبحث لها يتطرأ أن يحتمل التي بالمواضيع عالقة له ما ويحفظ

تكتب كيف الموضوع هذا حول - راجع1 .41ص شلبي، ألحمد رسالة أو بحثا

69

الرابعة: المرحلة

يريد الذي الموضوع دعم في الخطيب تنفع التي الشواهد عن البحث للغيبة تتعرض التي اآليات عن كالبحث فيه التحدث واألحاديث مثال

األشعار وبعض المقام تناسب التي والقصص المأثورة واألقوال الشريفةمنه. االستفادة وكيفية تفصيله سيأتي مما ذلك شابه وما واألمثال

البحث من وأشق أصعب باألعوان نسميه ما أو الشواهد عن البحث ولعل وهناك، هنا متفرقة جزئية أمور األعوان ألن وذلك الموضوع، أصل عن

على تحصل وربما التاريخ كتب من لألخالق شاهد على تحصل فربماوهكذا... التفسير كتب من للسياسة شاهد

معلوماته وكثرة الخطيب، اطالع سعة أن وضوح بكل القول ويمكنالمضمار. هذا في جلية تظهر ومحفوظاته

في محفوظاته على يعتمد أن باستطاعته من البارزين الخطباء فمن عند يدع ال ما واألعوان الشواهد من فيها ويذكر الطوال الخطب إلقاء

السامع حادثة ويروي هنا من قصة فيورد وأحقيته كالمه صحة في شكا دقيق. بشكل المحفوظ وبالشعر القرآنية باآليات يدعمه ثم هناك من

الذين األشخاص أسماء أو األبيات صاحب اسم إيراد ينسى أال وعليهحولهم. القصة دارت أو فيهم اآلية نزلت

70

الخامسة: المرحلة

الشكل: هذا على ومنسق مرتب بشكل ورقة على الرئيسية النقاط كتابة

الخطاب. به يفتتح الذي المأثور القول أو الحديث أو - اآلية أ

قلب إلى كمدخل للمقدمة تصلح التي الخاصة األلفاظ - بعض بالموضوع.

التالي: النحو على وذلك الموضوع، - طرح جبه. تحيط التي المعاني وتوضيح البحث محور - تعريف1ومنظم. مرتب بشكل والتفريعات التقسيمات - ذكر2قسم. كل حكم - تبيين3

بأن المتقدمة األقسام من قسم كل على واألمثلة والشواهد - األدلة دجنبه. إلى تكتب

الذي بالشكل توزيعها من بد ال والتي للمقام المناسبة - القصص هـالبحث... نقاط مع يتناسب

وما واألشعار، واألمثال واألحاديث كاآليات الخاصة أو العامة - األعوان و على أو الكتابة حين المناسبة كنها أما في توزيعها هنالك... بشرط إلى

اإللقاء. حين األقل

كما كذلك أعوان أو بها ألفاظ من فيها يوجد أن يمكن وما - الخاتمة زالخاتمة. بحث في سيأتي

71

يكتفي أن يمكنه جيدة بذهنية ويتمتع خطابية سابقة للخطيب كان فإذاالسادسة. المرحلة في يمر أن بد فال إال و التحضير من المقدار بهذا

السادسة: المرحلة

يكتب الخطيب كان لو كما مفصال، الخطاب كتابة مقالة، أو رسالة أو بحثا التي القضايا نوعية حيث من إال والبحث الخطاب بين فرق كثير يوجد وال

البحث دون الغالب في ذائعات مشهورات فإنها الخطابة في تستعمل بها يمتاز التي الرنانة األلفاظ حيث ومن األدبية، المقالة أو العلمي

في يستحسن فإنه التكرار حيث من وهكذا غيره عن الخطابي األسلوبغيرها. في يستحسن وال الخطابة

من فيه وقع ما ويصحح مرات عدة الخطاب يطالع الكتابة إتمام بعد ثم به يفاجأ وال قراءته على ليتعود مرات عدة عال بصوت يقرأه ثم الخطأالمنبر. على

الخطيب كان فإن كتب التي األوراق معه يصطحب أن له بد فال مبتدئاالمنبر. على من ليتلوه عليها الخطاب

ذلك أمكنه إن للمخاطبين األوراق يظهر أال هنا الخطيب وننصح وخصوصا الموضوع كان إذا على كتبه قد كان أو أوراق، عدة استغرق وقد طويال

بأنها ومعرفته الكبيرة األوراق لهذه المخاطب رؤية فإن كبيرة، ورقةإليه تقود بأكملها قليل بعد عليه ستتلى

72

والسأم الضجر  األوراق ستر أمكنه القراءة. فإن بداية في حتى باكرا أو واحدة ورقة على تكتب أن فاألحسن إال و سترها، المنبر خلف الكثيرة سيؤدي األمر هذا مراعاة وعدم الصغير، أو المتوسط الحجم من اثنتين

مر الذي النابي الخطيب إليه وصل الذي المصير نفس إلى بالخطيب.2"ديكوب" عنه كالم

تكتب أن له فاألحسن ماضية وتجربة سابقة خبرة صاحب كان إذا أما و الكالم تقدم التي الخامسة بالمرحلة يكتفي أي فقط، األقالم رؤوس

في ويشرع للجمهور ملحوظ غير بشكل كفه في الورقة يضع ثم عنها، الورقة إلى النظر استرق ما نقطة أو آية مراجعة إلى احتاج خطابه. فإذا

يريده. ما بها استذكر أو فقرأها

من العديد شاهدت الخطباء. وقد من كثير عند متبع األسلوب وهذا إلى ارتجال أنه وميزته األسلوب، هذا من التحرج عليهم يبدو ال الخطباء

الخطاب إلى يرتاح التام. والمخاطب االرتجال على ويعين ما حدالورقة. عن المقروء للخطاب ارتياحه من بكثير أكثر االرتجالي

الفصل. هذا في عنه فلنبحث االرتجال إلى قادنا الكالم أن وبما

الكتاب. هذا من ،60 ص - راجع2

73

74

السابع: اإلرتجال الدرس

الثاني: االرتجال. األمر

الخطب إلقاء في فيشارك االرتجال على نفسه يعود أن للخطيب بد ال مناسبات في يرتجل أن يحاول ثم أصدقائه وبين البسيطة المناسبات فيالمطلوبة. المرتبة إلى يصل أن إلى وهكذا وأهم، أكبر

بعضهم كان وإن الورقة عن االستغناء هنا االرتجال من تعريفه: والمرادمطلقا. تحضير دون اإللقاء بأنه يفسره

االرتجال: على يساعد ما

وسعة محفوظاته كثرة االرتجال على تساعد التي األمور أهم ومن الصعب من أنه القول يمكن بل إطالعه، المرء يصبح أن جدا خطيبا بها. يعتمد محفوظات بدون مرتجال

االرتجال: على ساعدته الخطيب حفظها إذا معينة أشياء وهناك

75

الكريم القرآن من ممكن قدر أوال: أكبر حفظا ما كل مراعاة مع محكماإجماال. اآليات معاني على واالطالع وسكنات حركات من اآلية في

، السالم عليهم األئمة وروايات النبوية األحاديث من ممكن قدر ثانيا: أكبر القصار. بالكلمات يسمى ما أو القصيرة األحاديث وخصوصا

مثل: البالغة نهج خطب ثالثا: بعضالمتقين. - خطبة أ

الجهاد. - خطبة بالشقشقية. - الخطبة جالصالة. على الحث - خطبة د

فيها حنيف. فإن بن عثمان البصرة في عامله إلى السالم عليه - كتابه هـالموضوعات. من كثير في بها االستشهاد يمكن واسعة مادة

مصر. على عامله األشتر مالك إلى السالم عليه - عهده و

واألمثال. واألشعار والحكم المأثورة األقوال من ممكن قدر رابعا: أكبر

لها كان التي والقصيرة الهادفة القصص من تيسر ما خامسا: جمع إال اللهم واألسطورة، الخرافة سبيل على كان ما دون الكتب في أساس

الفائدة. العظيمة القصص بعض

76

وتركيباتهم وعباراتهم البلغاء استعماالت من ممكن قدر سادسا: أكبرللحفظ. القابلة

المبتذلة. الكلمات مكان الجزلة الكلمات استعمال على سابعا: االعتياد

و"ليث" "دمعة"، و"عبرة" مكان "غيمة"، يقال: "ديمة" مكان أن مثل "التراب"، "السيف" و"أديم" مكان و"صارم" مكان "أسد"، مكان

إنها الواضح من ألفاظ من هنالك ما إلى "الورق" وما و"قرطاس" مكانتقريبا. المعنى نفس وتؤدي الناس ألسن على سار مما غيرها من أجمل

الناس بين وممارسته اإللقاء هو االرتجال يحتاجه الذي األساسي والشيء أشياء الخطيب يعلم ذلك عليهم. فإن واإلقبال مواجهتهم على والتعود

الورقة. فقد على تعتمد التي الخطابة من يتعلمها أن يمكنه ال كثيرة في وردت التي األفكار بعض يغير أن األحيان بعض في الخطيب يحتاج ضمن في كان لو كما ذلك يستلزم طارئ عروض نتيجة خطابه ضمن

يحصل ولم الحفل حضوره يتوقع شخص بقدوم ترحيب فقرة الخطاب الخطيب كان فجأة. فإن لمجيئه به الترحيب يلزم فقد بالعكس، أو ذلك

أو الزيادة أو الحذف أو التقصير أو اإلطالة من يريد ما فعل أمكنه مرتجال يمكنه ال لمن فعله يتيسر ال مما ذلك غير أو األمور لبعض التبديل

الورقة. االستغناءعن

77

وهي: أن حقها نبخسها ال أن يجب االرتجال عن مميزة تالوة وللخطابة ذهنه إلى يأتي ثم يقوله أن يريد كان ما عليه يلتبس قد المرتجل الخطيب

في ورقته فإن كتبه، مما يستفيد من بخالف للمقال يصلح مما شيء أي ما وتال أخرجها عليه استوى فإذا المنبر إلى الصعود قبل يتفقدها جيبهفيها.

كان إذا إال الحالة هذه من التخلص للمرتجل يمكن وال الذهن حاد متمرسا ونسيه يقوله أن يريد كان الذي الكالم بدل يأتي فإنه البصيرة متوقدوأجمل. األول من أحسن كان ربما آخر بكالم

أو اإلمالئي اإللقاء ليستعملوا يكونوا لم العرب أن هنا بالذكر الجدير ومن سيدهم وجاهلهم عالمهم كان بل مطلقا، خطبهم في ذلك شابه ما

اشتهروا ولذلك ارتجاال، خطبهم يلقون ومأمورهم أميرهم ومسودهم، الشعوب أقوى بأنهم االرتجال. على طرا

78

الدرس خالصة

79

80

الخطاب الثامن: صياغة الدرس

الخطاب الثالث: صياغة األمر

جهتين: من الخطاب صياغة في البحث يقعاألولى: هيئته. الجهةالثانية: مادته. الجهة

الخطاب هيئة

هي: رئيسية أجزاء ثالثة من للخطاب العامة الهيئة تشكل

- مقدمة.1 - عرض.2 - خاتمة.3

واقتصاص صدر الخطابية الرئيس: "ولألقاويل الشيخ عنها قال وقد.3وخاتمة"

.236ص الخطابة، قسم - الشفاء،3

81

المقدمة:

في له يتعرض أن يريد الذي الموضوع يدي بين الخطيب يقدمه ما وهي بما لالقتناع السامعين ليهيئ كالمه بها يفتتح لطيفة عبارات من خطبتهأمران: فيها العرض. ويشترط ضمن في سيأتي

استماع من ينفرهم أو للمخاطبين، يسيء ما فيها يكون ال األول: أن مساوئ من فيهم ما يعدد أو أخبار من يزعجهم ما يذكر أن مثل الخطبة،

يعرض أو نابية بألفاظ يتلفظ أو إال اللهم سلفا، عندهم مرفوضة أفكارا في يكون أال عليه. والمهم اإلنكار يستطيعون ال من أو رئيسهم كان إذا

الخطاب. مع المخاطبين أذواق التئام يفسد ما المقدمة

وهذا بينهم فيما الحساسيات يثير ما إيراد من الخطيب يتحرز الثاني: أن ما فيها يذكر المقدمة. فال في األخص وعلى الخطاب كل في يشترط عندهم يعد ما أو بينهم، فيما قديمة بعداوة يذكرهم لبعض تغليبا

بعض على السامعين متنافرتين قبيلتين أو طائفتين كانوا إذا خصوصاذلك. ونحو

الخطيب بين حساسية يكون األول أن وسابقه الشرط هذا بين والفرق يتكون الذين الحاضرين نفس بين الحساسية يوجد هذا بينما والجمهورمنهم. الجمهور

82

يأتي فسوف المقدمة في يقال أن يجب ما أما و الثانية الجهة في مفصالالخطاب. مادة أي

العرض:

يقنع أن عليه مما واألدلة الدعاوى من طرحه الخطيب يريد ما وهو نجح وركيزته. فإن وأساسه الخطاب في العمدة به. وهو الجمهور اإلخفاق. إال نصيبه فليس إال و الخطبة من هدفه حقق فيه الخطيبأيضا: أمران فيه ويشترط

عرضها يريد التي األفكار يقسم األول: أن تقسيما سليما ما لجميع شامال األقسام يعرض أن بد طرحها. وال يلزم جزئيات من المقسم عليه يحتوي تصورها السامع على يسهل كي التعقيد من خال وسهل واضح بشكل

الجاف العلمي األسلوب استعمال عن اإلمكان قدر وضبطها. والتحرز ويرد كذا دليله فاألول كذا أو كذا إما يخلو ال الفالني يقول: "الشيء كأن المستحسن من كذا" وإنما عليه ويرد كذا والثاني كذا عليه االستفادة جدا األقسام يعرض بأن األدبي األسلوب من المبتذلة الطريقة متناسيا

للتقسيم الطريقة: هذه على جيدة، أدبية عبارات مستعمال

تسمى عامة أجناس ثالثة إلى األرضية الكائنات المتقدمون قسم ما منها بأن والحيوان. وعرفوها والنبات، وهي: الجماد، الثالثة، بالمواليد

ينمو ما ومنها ويعيش ينمو ما ومنها ينمو

83

ويحس. ويعيش 

ومترابطة مرتبة طرحها يراد التي واألقسام األفكار تكون الثاني: أن وهكذا ثانيها إلى أولها من االنتقال السامع على يسهل كي البعض ببعضها

أنه فائدتان: األولى له األمر المنشودة. وهذا الغاية إلى الوصول إلى على يسهل أنه جميعا. والثانية واستيعابها تصورها السامع على يسهل

وإلقاؤها. حفظها الخطيب

الخاتمة:

بشكل مصوغة العرض في جاء لما إجمالية صورة على الخاتمة وتحتوي فيها ورد ما يبقى بحيث ومختصر محكم أطول السامعين أذهان في عالقا

من النتائج استخالص يكون الخاتمة الخطاب. وفي انتهاء بعد ممكنة مدةالجمهور. إلى كلية كقضية وتقديمه الموضوع

84

الدرس خالصة

85

86

الخطاب مقدمة التاسع: مادة الدرس

هيئة في عنها بحثنا التي الثالثة األجزاء إلى ينقسم الخطاب أن بماالخطاب. مادة في بعينها األقسام هذه تناول من بد فال الخطاب

والحمد كالبسملة الخطبة به نفتتح ما على المقدمة تحتوي أن بد ال على بالسالم االكتفاء أو المسلمين، عند وآله النبي على والصالة ال من المسلمين غير من هناك كان وربما غيرهم يفعل كما الجمهور

القبيل. هذا من شيء أي بدون بها البدء من يتحرج

بالبتراء، ذكرنا بما فيها يبتدأ ال التي الخطبة يسمون المسلمون وكان تولى حينما ألقاها التي أبيه بن زياد خطبة سميت ذلك ألجل ولعله

االسم. بهذا عرفت حتى بالبتراء معاوية قبل من البصرة

لما كعنونة تكون عامة أمور ذكر في الخطيب يدخل والثناء الحمد بعد ثم عنه الكالم يأتي سوف العرض. في مفصال

87

واستعمال اإللقاء في والتمهل الهدوء مراعاة من المقدمة في بد والأمكن. مهما الناعمة الرقيقة الجزلة األلفاظ

يجعلها مما والتشابيه االستعارات بعض على محتوية تكون بأن بأس والالسامع. لدى مقبولة حسنة إال اإللقاء، بحث في قدمنا كما منخفض بصوت المقدمة تلقى ما وغالبا

يبدأ أن فيها الغالب هو ذلك لعل بل األمر يلزم فقد العسكرية الخطب الله يقول: "بسم كأن عال، وبصوت فخمة قاسية بكلمات الخطيب

صريخ الظالمين، نكال الهاربين، مدرك الظالمين، مبير الجبارين، قاصم.4المستضرخين..."

الدينية فالخطب أنواعها، باختالف الخطب افتتاحيات وتختلف إن مثال القرآن من كريمة بآية عادة تفتتح واإلرشاد الوعظ خطب من كانت

من كانت ذلك. وإن شابه وما قدسي حديث أو نبوي بحديث أو الكريم ما بعض تصور شعرية أبيات بعدة عادة تفتتح الحسينية المجالس خطبذلك. شابه وما كربالء في جرى

ومن آخر إلى خطيب من االفتتاحيات تختلف الدينية الخطب غير وفي ال مما جمهور إلى جمهور ومن موضوع إلى موضوع ومن حفل إلى حفلتحديده. يمكن

الحكماء ألحد مأثور قول بذكر افتتاحيته الخطيب يبدأ فقد

.180ص االفتتاح، دعاء الجنان، - مفاتيح4

88

يشرع الشعر. وقد من ببيت أو شعبي مثل بذكر بدأ وربما الفالسفة، أو  الجمهور أفراد كأحد نفسه بتقديم خطبته في الخطيب أن منهم طالبا

يعدوه أو مرموق مركز صاحب باعتباره إليه ينظروا وأال منهم واحدا افتتاحيات في ذلك كثر وربما سياسية، مسؤولية أو اجتماعي منصب

هو إنما به سيعظهم ما أن الخطيب لهم يذكر حيث األخالقية الخطب لراحة يدعو ذلك فإن نفوسهم قبل نفسه يعلم أنه و قبلهم، له تذكرةعليه. وإقبالهم سامعيه نفوس

صحته في يشكون ال مما عندهم مسلم هو ما بذكر الخطيب يبدأ وقد إلى ليصل أفكاره عليه وبنى ذريعة ذلك اتخذ العرض إلى دلف إذا حتى

يجدون ال وحينئذ يتوقعونه، يكونوا لم مما مطلوبه بما اإلذعان من مفرا رسول ألقاها التي الوداع خطبة افتتاحية في ورد ما ذلك أمثلة ومن جاء، بوالية إلزامهم أراد حيث خم غدير في وسلم وآله غليه الله صلى الله بكم أولى فقال: "ألست ذلك يكره من وفيهم بعده طالب أبي بن عليأنفسكم"؟ من

بلى". قالوا: "اللهم

من وعاد وااله من وال مواله. اللهم علي فهذا مواله كنت فقال: "من.5خذله..." من واخذل نصره من وانصر عاداه

﴿وأنذ=رتعالى: قوله نزل حينما بقومه خطبته في ورد ما وكذلك

.11ص ،1ج األميني، العالمة - الغدير،5

89

يرتك أن أخبرتكم إن لهم: "أرأيتكم وقال جمعهم حيث ﴾األقرب=ين عش=تصدقوني"؟ كنتم ما ممسيكم أو مصبحكم العدو

قالوا: "بلى".

.6شديد" عذاب يدي بين لكم نذير قال: "فإني

إذا الخطيب يقول أن المستمعين استدراج في الناجحة االفتتاحيات ومن يخطب كان خطابا والتضحية: االستبسال على حثهم إلى ويهدف عسكريا يركعوا لم من يا األمم، خافتكم حتى األعداء قهرتم من يا األبطال، "أيها

وجههم في وتكالبت األعداء تكاثرت مهما يركعوا ولن قط لظالمالضيم... الخ". أباة يا الشجعان أنتم الضارية، الوحوش

يريده. ما لهم يذكر مقدمة هكذا تقديم بعد ثم

المحسنات من االستهالل. وهي مراعاة المقدمة في يحسن ومما إلى إشارة على المقدمة في الكالم بأنها: "اشتمال عرفوها وقد البديعية

.7له" الكالم سيق ما

مقدمة في ورد ما يديك بين نعرض بالمثال االستهالل براعة لك ولنوضحقال: حيث البهائي للشيخ النحو في الصمدية كتاب

اللهم حمدك المرام، به يختم خبر وخير الكالم، بها يبتدأ كلمة "أحسنسيد على والسالم األنعام. والصالة جزيل على

.206ص ،4ج القرآن،الطبرسي، تفسير في البيان - مجمع6.246ص التفتازاني، العالمة المعاني، مختصر - شرح7

90

الذي السالم عليه علي عمه ابن سيما الكرام البررة وآله محمد األنام،  نصبه اللئام النواصب أعناق جازم األصنام لكسر ورفعه لإلسالم، علما

.8الكالم..." لحفظ النحو علم وواضع

"علما"، "رفعه"، "نصبه"، "كلمة"، "خبر"، "يبتدأ"، كلمة إلى انظر الذي الموضوع مع تناسبها "كسر" والحظ وكلمة "النواصب"، "جازم"،

النحو. علم وهو الكتاب ذلك له وضع

إال علينا وما خطبتنا مستهل في موفقة بمقدمة نأتي كيف لنا ظهر وهكذاوالتطبيق. التمرن

لك نقدم المقدمة بحث ختام وفي مثاال من ذكرنا ما على يحتوي حياالخطب: افتتاحيات تحسن كي بيدك ويأخذ شرائط

البسملة: بعد المنافقين، خطبة مقدمة في السالم عليه علي قال لمنته ونسأله المعصية، من عنه وذاد الطاعة من له وفق ما على "نحمده

أن اعتصاما. ونشهد وبحبله تماما إلى خاض ورسوله عبده محمدا وتألب األدنون، له تلون وقد غصة، كل فيه وتجرع غمرة، كل الله رضوان

بطون محاربته إلى وضربت أعنتها، العرب إليه وخلعت األقصون عليهرواحلها...".

أهل وأحذركم الله بتقوى الله عباد العرض: "أوصيكم ضمن في قال ثم ألوانا، يتلونون المزلون، والزالون المضلون، الضالون فإنهم النفاق

عماد، بكل ويعمدونكم افتنانا، ويفتنون

.4ص الحسيني، الصمدية، - شرح8

91

.9مرصاد..." بكل ويرصدونكم

يريد ما إلى اإلشارة الصالة ضمن وكيف والصالة بالحمد بدأ كيف فالحظ ذكر وكيف العرض، في له التعرض كلمة مثل سيأتي بما توحي ألفاظا

مع يتناسب "تألب" مما "تلون" وكلمة وكلمة الله"، بحبل "االعتصامظاهر. هو كما النفاق

.207ص ،194 رقم خطبة البالغة، - نهج9

92

العرض العاشر: مادة الدرس

اللفظ: جهة

يجب ال مستحسنة أو الزمة إما العرض ألفاظ في تراعى التي األمور قبل ولكن أمور، فعشرة مراعاتها يلزم التي األمور أما مراعاتها،

في اللفظ جهة أهمية حول الشفاء في جاء ما إلى نستمع استعراضهاوهو: الخطاب

يبلغ ال صنعته- ما أحكمت -إذا به، يبلغ قد أنه وهو عظيم، سلطان "للفظ قوة لها تهيئه النفس التخيل. فإذعان من يقارنه أو يتبعه لما بالمعنى،

.10التصديق" من البعيد فيقرب اللفظ

فهي: مراعاتها يجب التي العشرة األمور أما و

اللفظ. األول: وضوح

للمخاطبين واضحة الخطاب منها يتكون التي األلفاظ تكون أن بد ال نظر. وإعمال تأمل كثير إلى حاجة دون من بسرعة فهمها يمكنهم بحيث

متناول من الهدف يقرب وضوحها فإن

.220ص الخطابة، قسم - الشفاء،10

93

ما بصحة االعتقاد على حملهم عليه السهل من يصبح حيث الخطيب يد  عن بعيدة غريبة كلمات استعمل إذا عليهم التأثير يأمل يقوله. وكيف

اللغة. متن كتب إلى بالرجوع إال يفهمونها ال أذهانهم

النحوية. القواعد الثاني: مراعاة

الكلمات أواخر يحرك أن فيجب أسلوب عن ويبتعد صحيحا، تحريكا الكلمات أواخر تسكين ذلك فإن النحوية األخطاء في الوقوع من فرارا

المستويات أدنى إلى خطابه مستوى ينزل حيث كبيرة بسلبية عليه يعود ويصبح الفصاحة. من مسحة أي عليه ليس عاميا

عليك يخفى وال المعنى يغير الكلمات تحريك في الخطأ أن أيضا تغييرا تعالى: قوله أن ترى الحاالت. أال بعض في المعنى أفسد ربما بل أساسيا

=نما باد=ه= م=ن الله يخشى ﴿إ لصار الجاللة لفظ بضم قرأ لو ﴾العلماء ع= الله ﴿أنتعالى: قوله وأن العلماء، من يخاف الذي هو الله أن المعنى "رسوله" بالكسر كلمة قرأت لو ﴾ورسوله المشر=ك=ين من بر=يءرسوله. من بريء الله أن المعنى لصار

نفوس في اشمئزاز من النحوي الخطأ يتركه ما إلى باإلضافة هذا كلعليهم. تأثير من لذلك ما مر وقد قدره واستصغار سامعيه،

94

الصرفية: القواعد الثالث: مراعاة

وعلى ومتعددة، متنوعة اشتقاقات وللكلمة االشتقاق لغة العربية اللغة خطابه ألفاظ تكون كي ألفاظ من يريده ما اشتقاق يجيد أن الخطيب القواعد على اطالع إلى يحتاج وذلك والتصرف، الصياغة صحيحة

"نهى" "ينهى" وليس فمثال: يقال وإتقانها، الصرف علم في الرئيسية الثوب" "يحوكه" وليس "ينهون". ويقال: "حاك "ينهي" و"ينهون" وليس

"يحيكه"... وهكذا.

الصحيح. اللغوي الرابع: التلفظ

تلفظ أحكام من والصرف النحو علمي في لها ما إلى باإلضافة كلمة لكل مما غيرها عن يفرقها وضعها أصل في أي اللغوية الناحية من خاص

من يشابهها "، "من ثم" وليس يقال: "من األلفاظ. فمثال ويقال: ثمالمصدر... وهكذا. اسم أردنا و"الغسل" إن المصدر، أردنا "الغسل" إن

والتأنيث. التذكير الخامس: مراعاة

بعض هناك أن إذ كلها الحاالت في الخطبة كامل في المراعاة هنا والمراد عن للكالم يتعرض فقد الناحية هذه من للخطيب المحرجة الحاالت

بشكل الضمائر إرجاع بلزوم ويبتلى رجال ومجموعة نساء مجموعة بائع دكان نساء عدة دخل مثال: "حينما فيقال بحسبه كل إلى صحيح يلبسن وهن األزهار رجال ثالثة دخل ثم لخدمتهن البائع أسرع فاخرة ثياباالجميع على التحية وألقوا

95

النسوة خجل يجلسوا أن الرجال حاول السالم. وعندما عليهم فأجبن االنصراف...". وأردن

=ذا آمنوا الذ=ين أيها ﴿ياتعالى: قال نات جاءكم إ رات المؤم= مهاج=نوهن ن أعلم الله فامتح= نات عل=متموهن فإ=ن ب=إ=يمان=ه= فال مؤم=

عوهن ار= إ=لى ترج= ل هن ال الكف لون هم وال لهم ح= لهن يح=ا وآتوهم =ذا تنك=حوهن أن عليكم جناح وال أنفقوا م آتيتموهن إكوا وال أجورهن ر= ب=ع=صم= تمس= أنفقتم ما واسألوا الكواف=

عل=يم والله بينكم يحكم الله= حكم ذل=كم أنفقوا ما وليسألوا.11﴾حك=يم

والجمع. والمثنى المفرد السادس: مراعاة

فال المثنى وأما ما، حد إلى الجمع وكذلك يسير فأمر المفرد مراعاة أما صعوبة من مراعاته تخلو مع أو الجمع مع المثنى اجتمع إذا خصوصا

المفرد.

دخلت التثنية: "حينما حالة على لنطبقه المتقدم المثال نفس إلى ولنعد تلبسان وهما األزهار بائع دكان امرأتان لخدمتهما البائع أسرع فاخرة ثيابا

السالم. عليهم فردتا الجميع على التحية وألقوا رجال ثالثة دخل ثماالنصراف". وأرادتا المرأتان خجلت يجلسوا أن الرجال حاول وعندما

اتعالى: قال ة7 عليه= وجد مدين ماء ورد ﴿ولم الناس= من أمم م=ن ووجد يسقون خطبكما ما قال تذودان= امرأتين= دون=ه=

ال قالتا

.9اآلية: الممتحنة، - سورة11

96

عاء يصد=ر حتى نسق=ي ثم لهما * فسقى كب=ير شيخ وأبونا الر.12﴾الظل إ=لى تولى

الدنيئة. األلفاظ عن السابع: الترفع

وفضالت كالعورة ذكره، يستقبح أمر عن يعبر أن الخطيب يحتاج ما كثيرا التصريح بدل الكناية استعمال من حينئذ له بد فال ذلك شابه وما اإلنسان

السامعين. اشمئزاز يثير ال كي

إذا بالقول، االسم يبدل المضمار: "وقد هذا في الرئيس الشيخ قال وقد أن فاألحسن النساء، لفرج الصريح االسم مثل يستبشع، التصريح كان

ويبدل النساء، "الحيض" بدم اسم يبدل كما النساء"، فيقال: "عورة يبدل بالصفة االسم بدل النساء". وربما "بلمس للجماع الصريح االسم

الذي ذلك اسم وبدل الوطئ، للجماع الصريح االسم بدل فيقال المفردة.13واالستعارة" التشبيه إلى وفزع الصفة تركت "العورة". وربما لهن

.23اآلية: القصص، - سورة12.217ص الخطابة، قسم - الشفاء،13

97

الالزم. ولزوم المتعدي الفعل تعدية الثامن: مراعاة

بحسب مفاعليه أو مفعوليه أو مفعوله إلى المتعدي الفعل يعدى أن بد الفعل. كل استعمال

فيقال الالزم الفعل تعدية أريد إذا المناسب بالحرف التعدية من بد ال كما أريد عنه" إذا له". ويقال: "رغبت يقال: "ذهبت إليه" وال مثال: "ذهبت

إقبال أريد فيه" إذا و"رغبت الشيء عن النفس إدبار عن التعبيرالنفس... وهكذا.

الرباطات. التاسع: مراعاة

أخرى مرة بها النطق يقتضي التي واألدوات الحروف هي الرباطات ومراعاتها، إليها االلتفات فيجب بها، آخر كالم الرتباط قال إذا فمثال

تقابلها أخرى بأما يأتي أن يجب كذا" فإنه قلت فقد أنا المتكلم: " أماشيئا". فعلت فما أنت مثال: "وأما فيقول

يراد حالة في إال الكالم في نقصان هو " األولى " أما على الوقوف فإن بحشو الرباطين بين يباعد ال أن الخطيب نادرة. وعلى وهي التعويض فيها التقدم من الرباط حق يراعي وأن االتصال، من بينهما ما ينسي كثير

كذا". كان كذا، كان يقول: "لما أن يجب أنه الشفاء في جاء والتأخير،

كذا". كان ألن كذا ويقول: "كان تقدم أن لما حق فإن

.14سمج الدعوى "ألن" قبل تقديم فإن

.213ص الخطابة، قسم - الشفاء،14

98

الجمل. العاشر: سبك

وكأنها ومتينة محكمة تكون بحيث الجمل، سبك في الدقة مراعاة يجب بعد بالمفعول ويأتي الفعل يقدم بأن وذلك وروية، تصميم عن تصدر

ذلك خالف الحال مقتضى كان إذا إال الفاعل فيقدم الحصر أراد لو مثال بد ال ذلك. والخالصة شابه وما الفاعل على أو الفعل على به المفعول

المضمار. هذا في المعاني علم قواعد تتطلبه ما مراعاة من

على السامع مساعدة في الفعال األثر سبكها وقوة الجمل ولترابط من وأحاسيسه بمشاعره واالرتقاء فكرة إلى فكرة من االنتقال سالمة

بالوصول وذلك بالغرض اإلقناع حالة إلى الوصول حتى حالة إلى حالةبقوله. والتأثر الخطيب مع االنفعال ذروة إلى

99

(10 ،9الدرسين: ) خالصة

100

الفصل الثالث: المخاطب

في هذا الفصل تتعرف على المخاطب:بالنظر إلى الخطاب.- 1بالنظر إلى الخطيب.- 2بالنظر إلى أسلوب اإللقاء.- 3

101

102

الدرس الحادي عشر: الجمهور

الجمهور هو المستمع األساسي الذي يتوجه إليه الخطيب بكالمه في كل أنواع الخطب ليقنعه بما يريد، وينقل إليه أفكاره وتصوراته. فهو المقصود بالوعظ فيريده الخطيب أن يتعظ، وهو المراد بالتحميس فيريده أن يستبسل، وهو المعني في إلقاء الخطب العلمية فيريده

الخطيب أن يتعلم وتزداد معرفته وهكذا.

ويبحث في الجمهور من جهات ثالثة:الجهة األولى: الجمهور بالنظر إلى الخطاب.الجهة الثانية: الجمهور بالنظر إلى الخطيب.

الجهة الثالثة: الجمهور بالنظر إلى أسلوب اإللقاء.

الجهة األولى: الجمهور بالنظر إلى الخطاب.

ينقسم الجمهور بالنسبة لما يقوله الخطيب إلى ثالثة أنواع: - عامي: ونريد منه من ال حظ له من العلم إال ما قل وندر.1

103

2 - مثقف أو متعلم: ونعني به من تعلم إلى مرحلة ال تجعل منه عالماكما هو شأن طالب الجامعات وطلبة الحوزات.

3 - عالم: وهو من استنار بنور الهدى وعكف على الكتب دراسة وفهماحتى صار له رأي صائب واطالع واسع.

الجمهور العامي:

غالبا ما يكون الجمهور العامي غير منطقي، فال يقبل األمور البرهانية المعقدة ولو كانت على حق وصدق وأفادت اليقين. فيرفضها ال ألنها

على حق وإنما لتعقيدها. ولذا يحب هذا الجمهور الكالم السهل،المبسط الذي يتناسب مع مستواه وقدرته على الفهم.

يقول الشيخ المظفر: "فالجمهور ال يخضع للبرهان وال يقنع به كما ال يخضع للطرق الجدلية ألن الجمهور تتحكم به العاطفة أكثر من التعقل

بل ليس له الصبر على التأمل والتفكر ومحاكمة األدلة والبراهين. وإنما هو غالبا سطحي التفكير فاقد للتمييز الدقيق، تؤثر فيه المغريات

وتبهره العبارات البراقة وتقنعه الظواهر الخالبة. ولعدم صبره على التمييز الدقيق نجده إذا عرضت له فكرة ال يمكنه التفكيك بين صحيحها

وفاسدها يقبلها كلها بما فيها من خطأ أو يرفضها كلها بما فيها من.1صواب"

وعلى هذا يحتاج من يريد التأثير على العوام أن يسلك مسلكا

(.411- المنطق، الشيخ المظفر )1

104

غير المسلك البرهاني والجدلي بأن يلجأ إلى أسلوب الخطابة ويستفيد من المشهورات الذائعات واالستشهادات باألقوال المأثورة، والكلمات

العاطفية وقد مر كيفية ذلك في محله.

الجمهور المتعلم

مما ال شك فيه أن المثقف أميل إلى البرهان من العامي. وهو في بعض األحيان يحب األفكار المعقدة واألرقام الدقيقة مما يحتاج إلى

التركيز والتأمل حتى إذا أعمل فيها فكره وركز تأمله إلى فهمها شعر بلذة غريبة ونشوة عارمة وحسب نفسه نابغة عظيما وعالما كبيرا،

وكبر في عينيه الخطيب الذي استطاع أن يأتي بهذه الفكرة على دقتهافيتأثر به ويقبل كالمه في الحال.

والمتعلم مع هذا ال يختلف كثيرا عن العوام، فإن اإلثارات العاطفية واألساليب الخطابية تؤثر فيه تماما كما تؤثر في العامي، إذ أن

المثقفين أيضا ال يتخلون عن عواطفهم في كثير من آرائهم واعتقاداتهم بالرغم من قناعاتهم في بعض األحيان بأنها غير صادقة ويجب االستغناء

عنها واتباع التعقل والتروي.

فمن أراد أن يخطب في المثقفين ال بد له أن يدمج البرهان بالجدل وكليهما مع الخطابة حتى ينسج من الجميع نسيجا جديدا له كل القدرة على التأثير على هذا المخاطب، ويتكفل بحمله على االقتناع والرضوخ

واإلذعان. والخطاب مع المثقفين والمتعلمين يجب أال يكون باألمورالتي يتعلمونها في مدارسهم وحوزاتهم و إال

105

صاروا حينئذ علماء وتحول الخطاب إلى خطبة علمية. نعم يمكن  االستفادة من بعض ما تعلموه كشواهد وأمثلة شريطة أن يتقن

الخطيب الفكرة التي سيعرضها أو األمر الذي يستشهد به بكل دقة. ويمكن أن يكون تأثير الخطيب أكبر في حال عرض فكرة معينة

درسوها واقتنعوا فيها فعارضها وفندها وأثبت بطالنها ثم أظهر لهم فكرة صحيحة أكثر دقة واستواء، فإن هكذا مناورة كفيلة بأن تجعله

عندهم مقبوال إلى أقصى الدرجات.

الجمهور العالم

إذا كان الجمهور مكونا من العلماء، كما يحصل عادة في المؤتمرات الفكرية والعلمية أو المهرجانات األدبية وما شابه ذلك، فإنه ال بد

للخطيب من أن يحكم أدلته ويزن براهينه ويعضد كالمه بما يفيد القطع واليقين وال يستعمل معهم من األساليب ما يستعمله مع العوام

كاألقيسة الظنية والمغالطات وأخذ النتائج من المشهورات، واالعتمادعلى ما يعرف العلماء ضعفه ويدركون زيفه وعدم صدقه.

إال أنه مع كل ذلك ال يستغني الخطيب عن األساليب الخطابية في إيصال المعاني إلى أذهان العلماء بشكل مؤثر وخصوصا جودة األلفاظ

والفصاحة والبالغة واالستشهادات بالمأثور.

وأحسن ما يرتاحون إليه كعلماء، اإليجاز وحسن األداء، وأن يكون كالمالخطيب معهم من موقع مخاطبة العلماء، فإن ذلك

106

يشجعهم على إبداء مزيد اهتمام ويقبلون على االستماع بكل عناية ز االقتناع. وبالتالي يصبحون في حي

وأكثر ما يعجب العلماء في الخطيب أمران: الجدة، وحسن البيان فإن العالم الواعي إذا عرضت عليه فكرة جديدة، أو مطلب علمي حديث،

أو ألفت نظره إلى نكتة دقيقة لم يكن ملتفتا إليها من قبل ارتاح كثيرا وازداد احترامه لمن جاء بها فإنه يعد ذلك من االمتنان عليه. وهكذا إذا

أحسن المتكلم البيان وأظهر مكنونات صدره وبنات أفكاره بكالم واضح وفصيح. فكم من فكرة قديمة أعجبت العلماء حين ألبسها قائلها ثوبا

من البيان جديدا ولونها بلون من الفصاحة والبالغة.

فاأللفاظ الجزلة والتنسيق المحكم واالستغناء عن الزوائد والحشو وترابط الكالم وتزيينه ببعض االقتباسات والمقابلة والطباق كل ذلك

يجعل أنواع الجمهور واقعين تحت تأثير سحر ال يمكن اإلفالت منه وهو ما عناه رسول الله صلى الله غليه وآله وسلم بقوله كما مر: "إن من

البيان لسحرا".

ورد في مقدمة كتاب "النص واالجتهاد" أن السيد المرحوم العالمة عبد الحسين شرف الدين قدس سره حينما سافر إلى مصر للمرة الثانية

متخفيا بكوفية وعقال بدل العمامة خوفا من جور الفرنسيين الذين كانوا يالحقونه باستمرار، قادته األقدار للمشاركة في مهرجان أدبي

حضره كبار األدباء أمثال الشعراء

107

أحمد شوقي والشاعر حافظ إبراهيم ومي زيادة وغيرهم من األدباء.  ووقف على المنبر بزيه الذي لم يدعهم يتعرفون عليه فبدأ كالمه بقول

الشاعر:

إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم فال مشت بي فيطرق العلى قدم

فصفق الجمهور عاليا وظنوا أنه صاحب هذا البيت، ولما هدأوا قال:

"رحم الله الشاعر السيد حيدر الحلي حيث يقول: إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم فال مشت بي في

طرق العلى قدم

فدوت القاعة بالتصفيق مجددا أكثر من األولى، ثم أفاض عليهم من سجال بيانه فرواهم بمعين تبيانه، يزين الفكرة باأللوان، ويعضد الدعوى

بالبرهان، وهو خالل ذلك ينقل خاتمه من أصبع آلخر حتى أتى علىنهاية كالمه وهم به مشغوفون ويتمنون إطالة الكالم واتساع الوقت.

وعند نزوله عن المنبر عبر أحدهم عن مدى إعجابه، والظاهر أنها كانت األديبة اللبنانية مي زيادة، فقالت: "لست أدري هل البيان أطوع إلى

لسانه أم الخاتم إلى بنانه".

ويعود الفضل في ذلك كله إلى قدرة الخطيب على دمج المؤثرات الخطابية بالبراهين واألقيسة دون أن يبخس البالغة حقها في كالمه

فيخرج بالنتيجة المتوخاة. ولقائل أن يقول أنه

108

وإن كان المخاطب جمهورا خاصا إال أنه في هذا العصر الذي انتشرت  فيه آالت التسجيل ال بد أن ينقل كالمه إلى مسمع جمهور آخر غير

الذي خاطبه أوال فيرى في الكالم ما ال يقبله كما لو كان الخطاب أوال مع جمهور عامي ثم سمعه العالم فال بد أن يرى فيه قضايا ذائعة ال

تقوم على البراهين واألدلة فيكون ذلك عيبا فيه وضعفا في خطابته، وفي الجواب على ذلك نقول: إن البالغة هي أن تراعي المخاطب الذي

تتوجه إليه بخطابك دون أن تلحظ من سيأتي بعده ليسمع أو يقرأ خطابك، فإن مراعاة مقتضى الحال حسبما قررها علماء البالغة ال

تشمل إلى حال المستمع المباشر. وال يعيب أحد على البليغ إذا تكلم بحسب مستوى المخاطب، تارة بأسلوب وطورا بأسلوب آخر أو تارة

بسهولة وطورا بتعقيد وقد قال رسول الله صلى الله غليه وآله وسلم:"نحن معاشر األنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم".

وفي هذا المقام يذكر أنه قيل لبشار بن برد: "إنك لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت". قال: "وما ذاك"؟ قيل: بينما تثير النقع وخلع

القلوب بقولك:

هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما إذا ما غضبنا غضبه مضرية إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة ذرى منبر صلى علينا وسلما

109

نراك تقول:

نصب الخل بالزيت ربابة ربة البيت وديك حسن الصوت لها عشر دجاجات

فقال بشار: لكل وجه وموضع، فالقول األول جد. والثاني قلته في ربابة جاريتي، وأنا ال آكل البيض من السوق، وربابة لها عشر دجاجات وديك

فهي تجمع لي البيض. فهذا القول عندها أحسن من: "قفا نبك من.2ذكرى حبيب ومنزل" عندك

.259- البالغة الواضحة، ص2

110

الدرس الثاني عشر: الجمهور بالنظر إلى الخطيب

الجهة الثانية: الجمهور بالنظر إلى الخطيب.

الجمهور بالنسبة للخطيب متعدد اآلراء متنوع األهواء. فال بد للخطيب، كي يؤثر على الجمهور، من أن يدرس بيئتهم وعاداتهم. فمن السامعين

من يحب أن يكون الخطيب فصيحا مفوها ومنهم من يحبه ذا أسلوب مبسط إلى العامية أقرب ومنهم من يحترم الخطيب ويقدره غاية

التقدير فيعطيه كامل اهتمامه وخالص إصغائه، ومنهم من ال يعطيه أدنى اهتمام، فال يتوجه لما يقوله وال يتهيأ لسماع كالمه وكأن الخطاب ليس موجها إليه، وفي مثل هكذا حالة ال بد من مراعاة بعض األساليب

الخطابية الخاصة لجذب اهتمامهم وإلزامهم باإلصغاء والتوجه.

فمن هذه األساليب: أن يبتدرهم الخطيب بفعل غريب وغير مألوف عنهم، كأن يقوم بعمل مخالف لما اعتادوا عليه سابقا. فإذا كان

المتعارف عليه عندهم صعود المنبر إلى أعلى درجة

111

صعد هو إلى بعضه أو بالعكس. أو يخطب فيهم واقفا إن جرت العادة  أن يخطب فيهم من جلوس. وربما لزم األمر أن يأت بكلمات غريبة في مستهل الخطبة إلثارة اهتمامهم كما يذكر بعض المفسرين أن ذلك قد

﴿وقال الذ=ينحصل مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله حينما: .3﴾كفروا ال تسمعوا ل=هذا القرآن= والغوا ف=يه

فربما صفقوا وربما صفروا وربما غلطوا فيه ليغلطوا النبي في تالوته فأنزل الله تعالى في مستهل بعض السور الحروف المقطعة التي

يه=كانت تثير استغرابهم مثل: ﴾الم* ذل=ك الك=تاب ال ريب ف= ﴿ ياو ﴾كهيعص* ذ=كر رحمة= ربك عبده زكر= ﴾عسق و﴿ ﴾حم و﴿ وما﴿

شابه ذلك فإنهم كانوا حينما يلغون ويصفقون كي ال يسمعوا، يبدأ النبي صلى الله غليه وآله وسلم بتالوة هذه الحروف تدريجيا فيجدون أنفسهم في وضع جديد وغريب فال يملكون أنفسهم عن اإلنصات وهم يحسبون

﴿ذل=ك الك=تاب ال ريبأن محمدا قد فقد عقله فيأتيهم كالم الله: يه= .4﴾ف=

ومنها:

أن يثير الخطيب في مستمعيه انفعاال نفسيا أول األمر كالخوف أوالغضب أو الفرح والسرور أو االنزعاج والتذمر أو أن يخبرهم

.26- سورة فصلت، اآلية: 3 بتصرف.7، ص18- الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي، ج4

112

خبرا مشوقا ومثيرا ثم يعدهم بالتفاصيل و أنه سيوضح لهم األمر خاللالخطبة. فينتظرونه بشوق.

أو أن يروي لهم حادثة طريفة تضحكهم فتقبل أنفسهم على االستماعإليه.

وقد يبدأ الخطيب بما يزعج المستمعين وهذا قليل وال يحصل النفع منه إال إذا كان الخطيب أمير القوم وقائدهم مما ال بد للجمهور من

االستماع إليه واالنصياع ألوامره، وذلك كما كان يصنع الحجاج بنيوسف الثقفي حيث كان يبدأ خطبته بقول الشاعر:

5أنا ابن جال وطالع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني

واألسلوب األكثر نفعا في مسألة االنفعاالت النفسية استعمال ما يسمى عند علماء الخطابة باألقاويل الخلقية وهي "األقاويل التي

تحملهم على أن يتخلقوا بأخالق ما وإن لم تكن فيهم، وتتصور أنفسهم بصورة أهل العلم بالشيء، وتفعل أفعال من له تلك األخالق وتلك

.6العلوم وإن لم يكن لهم شيء من ذلك"

"وذلك يحصل بادعاء المتكلم أن قوله إنما يتضح لذوي الفكر الثاقبوالذهن السليم عن وساوس المضلين، مثل ما كان يستعمله

.52، ص4- تاريخ ابن عساكر، ج5.14- الخطابة، الفارابي، ص6

113

.7جالينوس الذي يتكلم بالطب" 

أو أن يقول لهم الخطيب أول كالمه أنه متعجب من نفسه فهذه أول مرة يخطب في قوم وترتاح نفسه هكذا ارتياح، "وال أظن ذلك إال ألن

الذين أقف بين أيديهم خطيبا هم من أهل العلم والوعي واإليمانوالتدين وممن يعرفون قيمة العلم والمعرفة".

ومنها:

إظهار أن األمر الذي يتكلم فيه أمر عظيم ومهم وذلك بأن يقدم في مستهل كالمه مقدمة تحتوي على تعظيم األمر الذي فيه وتفخيمه

.8وتصغير ضده وتهوينه"

و أما الجمهور الذي يحب المدح واإلطراء فال بأس بأن يمدحهم الخطيب بما يتناسب مع غرضه، كأن يثني على علمهم وحبهم للمعرفة

إذا كان يخطب فيهم يحثهم على العلم والتعلم أو يمدح شجاعتهم وأخالصهم إن كان يريد منهم التوجه إلى ساحة الحرب أو يمدح

وطنيتهم وحبهم للوطن وتفانيهم من أجله إن كان يريد أن يحملهم علىموقف سياسي معين وهكذا.

وليس أفسد على الخطيب من ابتداء كالمه بذم الجمهور والحط منقدره وتعنيفه ولو كان ذلك حقا وصدقا فإن استقبالهم

.22 و21- الحكمة العروضية، ابن سينا، 7.35- الخطابة، الفارابي، ص8

114

بالذم يذهب من نفوسهم حب التوجه ورغبة االستماع.

فإن كان لدى الخطيب حاجة في تأنيبهم على أمر بدر منهم يمكنه أن يستعمل في مطاوي كلماته أسلوب التعريض دون التصريح "وذلك بأن

فيتكلم عن جماعة من الناس9ينسب الفعل إلى واحد والمراد غيره" دون تسميتهم ويصفهم بأن فيهم الخصال التي يريد أن يذمها ويظهر قبحها. وأن هؤالء قد يكون بعضهم ضمن الحاضرين، أو ربما ال يوجد

.10أحد منهم، و أنهم قلة، و أنهم ال قيمة لهم وال وزن عند الناس"

والخالصة أن التجاوب النفسي بين الخطيب والجمهور أمر أساسي وال بد منه. فلو حصل من الخطيب ما ينافي ذلك من أذية أو تضجير فإنه

لن يجني من خطبته إال الفشل والخيبة والخسران. ولمهارة وبراعة الخطيب هنا مجال واسع حيث يمكنه قبل الشروع بالخطبة االستعالم

عن حال الجمهور واالطالع على خصائصه وعاداته وما يحب وما ال يحب وأن يرسم خطته للدخول إلى قلوب مستمعيه قبل الوقوف على المنبر

حتى إذا وقف عليه أخذ يطبقها على أكمل وجه.

وال أزال أذكر أن أحد العلماء خطبنا بخطبة في أيام عاشوراء من إحدىالسنوات وكان لها األثر الكبير في نفوسنا وال أزال

.140- مختصر المعاني، الفارابي، طوفا، ص9.421- المنطق، الشيخ المظفر، ص10

115

أذكر أنه حينما اعتلى المنبر كان الجو السائد غير مالئم على اإلطالق،  وشوشات وضحكات، ذهاب وإياب، وهمس ودندنة في كل اتجاه ولكنه

وقف صامتا ال يأتي بأي حركة سوى النظر في وجوهنا صامتا كأنه ينتظر نزول الوحي حتى أخذ منا العجب من هذا الخطيب مأخذه

فأنصت المجلس أيما إنصات وعالمات الفضول على وجوهنا نسائل أنفسنا ماذا دهى هذا الشيخ؟ حتى إذا وجد الجو مالئما بدأ كالمه مفتتحا

بالحمد والثناء ثم قدم مقدمة عن أهمية الذكرى وأهمية الحسين عليه السالم وكم يجب أن نحترمه ونحترم ذكراه ومجلسه وهكذا أكمل

مستمرا بأسلوب سلس وعبارة واضحة حتى أخذ بمجامع قلوبناوأوصلنا إلى الهدف الذي حدده لنا.

وال يظنن خطيب أن بإمكانه أن يصل إلى مبتغاه في إقناع المخاطب مالم يراع هذه الجوانب التي هي على قدر كبير من األهمية.

الجهة الثالثة: الجمهور بالنظر إلى اإللقاء.

ليس لألسلوب الذي يتبناه الخطيب درجة معينة من القبول عند أنواع الجمهور بل لكل جمهور ذوق خاص وحالة مميزة تجعله يقبل أسلوبا

ويرفض آخر. فاألسلوب الحماسي يضحك الشيوخ ويثير تهكمهموسخريتهم، واألسلوب الرصين يضجر الشباب

116

والناشئين. فال بد من معرفة أخالق وأهواء الجمهور وأذواقه وما هو  المقبول لديهم وما هو المرفوض عندهم وما هو المؤثر عليهم دون سواه كي يتمكن الخطيب على ضوء ذلك من تهيئة وإعداد ثم إلقاء

خطابه بالشكل الذي يتناسب معهم كي ال يكون كطاحن الماء أو ناقلالهواء.

117

(12، 11خالصة الدرسين: )

118

الفصل الرابع: نماذج من الخطب

تتعرف في هذا الفصل على:. خطبة المتقين.1. خطبة المنافقين.2. خطبة الجهاد.3. في فضائل أهل البيت عليهم السالم.4. في ذم إبليس.5. عيد الفطر.6. خطبة اإلمام الحسين عليه السالم.7. خطبة السيدة الزهراء عليها السالم.8. خطبة السيدة زينب عليها السالم.9

. من خطب الزواج.10

119

120

الخطبة األولى:

صفات المتـقين

روي أن صاحبا ألمير المؤمنين عليه السالم يقال له همام كان رجالعابدا, فقال: يا أمير المؤمنين, صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم.

فتثاقل عليه السالم عن جوابه, ثم قال: يا همام, اتق الله وأحسن فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه, فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله

غليه وآله وسلم ثم قال:

أما بعد, فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عنه معصية من عصاه وال تنفعه ه ال تضر طاعتهم, آمنا من معصيتهم, ألن

طاعة من أطاعه, فقسم بينهم معايشهم ووضعهم من الدنيا مواضعهم.قون فيها هم أهل الفضائل, منطقهم الصواب, وملبسهم فالمت

121

م الله عليهم,1 االقتصاد  واضع, غضوا أبصارهم عما حر , ومشيهم التلت أنفسهم منهم في البالء افع لهم, نز ووقفوا أسماعهم على العلم الن

خاء لت في الر تي نز ذي كتب الله عليهم لم تستقر2كال , ولوال األجل الواب, وخوفا من أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الث

العقاب.

ة كمن عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم, فهم والجنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون.3قد رآها فهم فيها منعمون, وهم والن

, وحاجاتهم4قلوبهم محزونة, وشرورهم مأمونة, وأجسادهم نحيفةخفيفة, وأنفسهم عفيفة.

اما قصيرة, أعقبتهم راحة طويلة, تجارة مربحة رها لهم5صبروا أي يسهم. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها, وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها. أما رب

نون به لونها ترتيال, يحز يل فصافون أقدامهم تالين ألجزاء القرآن يرت اللوا بآية فيها تشويق ركنوا6أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم . فإذا مر

عت نفوسهم إليها طمعا, وتطل

- ملبسهم الخ, أي أنهم ال يأتون من شهواتهم إال بقدر حاجاتهم في تقويم حياتهم1فكان اإلنفاق كثوب لهم على قدر أبدانهم لكنهم يتوسعون في الخيرات.

- نزلت الخ, أي أنهم إذا كانوا في بالء كانوا باألمل في الله كأنهم كانوا في رخاء2 ال يجزعون وال يهنون, وإذا كانوا في رخاء كانوا من خوف وحذر النقمة كأنهم في

بالء ال يبطرون وال يتجبرون. - أي هم على يقين من الجنة والنار كيقين من رآهما, فكأنهم في نعيم األولى3

وعذاب الثانية رجاء وخوفا.- نحافة أجسادهم من الفكر في صالح دينهم والقيام بما يجب عليهم له.4- يقال أربحت التجارة إذا أفادت ربحا.5 - استئثار الساكن هيجه, وقارئ القرآن يستشير به الفكر الماحي للجهل فهو6

داؤوه.

122

وا بآية فيها تخويف أصغوا  ها نصب أعينهم. وإذا مر وا أن إليها شوقا, وظنم وشهيقها في أصول آذانهم وا أن زفير جهن ,7إليها مسامع قلوبهم, وظن

فهم حانون على أوساطهم, مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم, يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم. وأما

هار فحلماء علماء, أبرار أتقياء. قد براهم الخوف بري القداح , ينظر8الناظر فيحسبهم مرضى, وما بالقوم من مرض, ويقول لقد إليهم الن

, ولقد خالطهم أمر عظيم. 9خولطوا

ال يرضون من أعمالهم القليل, وال يستكثرون الكثير, فهم ألنفسهمهمون, ومن أعمالهم مشفقون ي أحد منهم10مت خاف مما11. إذا زك

ي ي أعلم بي من يقال له, فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري, وربون, بنفسي, اللهم ال تؤاخذني بما يقولون, واجعلني أفضل مما يظن

واغفر لي ما ال يعلمون.

ك ترى له قوة في دين, وحزما في لين, فمن عالمة أحدهم أن

- زفير النار؛ صوت توقدها, وشهيقها الشديد من زفيرها كأنه تردد البكاء أو نهيق7 الحمار, أي أنهم من كمال يقينهم بالنار يتخيلون صوتها تحت جدران آذانهم, فهم

من شدة الخوف قد حنوا ظهورهم وسلطوا االنحناء على أوساطهم, وفكاكالرقاب خالصها.

- القداح: جمع قدح- بالكسر- وهو السهم قبل أن يرش. وبراه: نحته, أي رقق8الخوف أجسامهم كما ترقق السهام بالنحت.

- خولط في عقله أي مازجه خلل فيه, واألمر العظيم الذي خالط عقولهم هو9الخوف الشديد من الله.

- مشفقون: خائفون من التقصير فيها.10- زكى: مدحه أحد.11

123

,12وإيمانا في يقين, وحرصا في علم, وعلما في حلم, وقصدا في غنى  وخشوعا في عبادة, وتجمال في فاقة, وصبرا في شدة, وطلبا في

جا عن طمع . يعمل األعمال الصالحة13حالل, ونشاطا في هدى, وتحركر, ويصبح وهمه الذكر, يبيت حذرا, وهو على وجل, يمسي وهمه الش ويصبح فرحا, حذرا لما حذر من الغفلة, وفرحا بما أصاب من الفضل

حمة. إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما14والرة عينه فيما ال يزول, وزهادته فيما ال يبقى . قر . يمزج الحلم15تحب

بالعلم, والقول بالعمل. تراه قريبا أمله, قليال زلله, خاشعا قلبه, قانعة16نفسه, منزورا أكله, سهال أمره, حريزا دينه تة شهوته, مكظوما , مي

ر منه مأمون. إن كان في الغافلين كتب غيظه. الخير منه مأمول, والش . يعفو17في الذاكرين, وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين

18عمن ظلمه, ويعطي من حرمه, ويصل من قطعه. بعيدا فحشه نا , لي قوله, غائبا منكره, حاضرا معروفه, مقبال خيره, مدبرا

- قصد أي اقتصادا. والتجمل: التظاهر باليسر عند الفاقة أي الفقر.12- التحرج: عد الشيء حرجا أي إثما أي التباعد عن طمع.13 - إن استصعبت: أي إذا لم تطاوعه نفسه فيما يشق عليها من الطاعة عاقبها14

بعدم إعطائها ما ترغبه من الشهوة.- ما ال يزول هو اآلخرة وما ال يبقى هو الدنيا.15- منزورا: قليال. وحريزا: حصينا.16 - أي إن كان بين الساكتين عن ذكر الله فهو ذاكر له بقلبه, وإن كان بين17

الذاكرين بلسانهم لم يكن مقتصرا على تحريك اللسان مع غفلة القلب.- الفحش: القبيح من القول.18

124

الزل وقور  ه. في الز خاء شكور. ال19شر , وفي المكاره صبور, وفي الر . يعترف بالحق قبل أن20يحيف على من يبغض, وال يأثم فيمن يحب

ر, وال ينابز باأللقاب ,21يشهد عليه. ال يضيع ما استحفظ, وال ينسى ما ذك وال يضار بالجار, وال يشمت بالمصائب, وال يدخل في الباطل, وال يخرج

من الحق. إن صمت لم يغمه صمته, وإن ضحك لم يعل صوته, وإنذي ينتقم له. نفسه منه في عناء, ى يكون الله هو ال بغي عليه صبر حت

اس من نفسه. اس منه في راحة, أتعب نفسه آلخرته, وأراح الن والن بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة, ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة, ليس

تباعده بكبر وعظمة, وال دنوه بمكر وخديعة.

. فقال أمير المؤمنين عليه22قال: فصعق همام صعقة كانت نفسه فيهاالسالم:

أما والله لقد كنت أخافها عليه. ثم قال أهكذا تصنع المواعظ البالغة ؟! فقال عليه23بأهلها! فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين

السالم: ويحك! إن لكل أجل وقتا ال يعدوه, وسببا ال يتجاوزه, فمهال, اليطان على لسانك. ما نفث الش تعد لمثلها, فإن

- في الزالزل أي الشدائد المرعدة, والوقور الذي ال يضطرب.19- ال يأثم الخ ال تحمله المحبة على أن يرتكب إثما إلرضاء حبيبه.20- أي ال يدعو باللقب الذي يكره ويشمئز منه.21- صعق: غشى عليه.22 - فما بالك ال تموت مع انطواء سرك على هذه المواعظ البالغة, وهذا سؤال23

الوقح البارد.

125

126

الخطبة الثانية:

صفات المنافقين

هم الضالون فاق, فإن أوصيكم عباد الله بتقوى الله, وأحذركم أهل النون ون المزل ال ون, والز ون افتنانا24المضل ,25, يتلونون ألوانا, ويفتن

ة ,26ويعمدونكم بكل عماد, ويرصدونكم بكل مرصاد, قلوبهم دوية, يمشون الخفاء ون الضراء, وصفهم دواء,27وصفاحهم نقي , ويدب

خاء28وقولهم شفاء, وفعلهم الداء العياء دو البالء,29, حسدة الر , ومؤكجاء, لهم بكل ومقنطو الر

- الزالون من زل أي أخطأ. والمزالون من أزله إذ أوقعه في الخطأ.24 - يفتنون أي يأخذون في فنون من القول ال يذهبون مذهبا واحدا. ويعمدونكم أي25

يقيمونكم بكل عماد. والعماد ما يقام عليه البناء أي إذا ملتم عن أهوائهم أقاموكم عليها بأعمدة من الخديعة حتى توافقوهم. والمرصاد: محل االرتقاب, ويرصدونكم

يقعدون لكم بكل طريق ليحولوكم عن االستقامة. - دوية: أي مريضة من الدوى بالقصر وهو المرض, والصفاح: جمع صفحة,26

والمراد منها صفاح وجوههم, ونقاوتها صفاؤها من عالمات العداوة وقلبوكم ملتهبةبنارها.

- يمشون مشي التستر ويدبون أي يمشون على هيئة دبيب الضراء أي يسيرون27سريان المرض في الجسم أو سريان النقص في األموال واألنفس والثمرات.

- الداء العياء: -بالفتح- الذي أعيى األطباء وال يمكن منه الشفاء.28 - حسدة: جمع حاسد, أي يحسدون على السعة وإذا نزل بالء بأحد أكدوه وزادوه29

وإذا رجى أحد شيئا أوقعوه في القنوط واليأس.

127

, يتقارضون31, وإلى كل قلب شفيع, ولكل شجو دموع30طريق صريعناء , وإن عذلوا كشفوا, وإن33, ويتراقبون الجزاء, إن سألوا ألحفوا32الث

حكموا أسرفوا, قد أعدوا لكل حق باطال, ولكل قائم مائال, ولكل حي قاتال, ولكل باب مفتاحا, ولكل ليل مصباحا, يتوصلون إلى الطمع

هون34باليأس ليقيموا به أسواقهم, وينفقوا به أعالقهم ,35, يقولون فيشب , وأضلعوا المضيق, فهم لمة36ويصفون فيموهون, قد هونوا الطريق

يطان يطان, أال إن حزب37الش يران, أولئك حزب الش , وحمة النيطان هم الخاسرون. الش

- الصريع: المطروح على األرض, أي أنهم كثيرا ما خدعوا أشخاصا حتى30أوقعوهم في الهلكة.

- الشجو: الحزن, أي يبكون تصنعا متى أرادوا.31 - يتقارضون كل واحد منهم يثني على اآلخر ليثني اآلخر عليه, كأن كال منهم32

يسلف اآلخر دينا ليؤديه إليه وكل يعمل لآلخر عمال يرتقب جزاءه عليه.- بالغوا في السؤال وألحوا. وإن عذلوا أي الموا كشفوا أي فضحوا من يلومونه.33 - ينفقون أي يروجون من النفاق- بالفتح-, ضد الكساد. واألعالق: جمع علق,34

الشيء النفيس, والمراد ما يزينونه من خدائعهم.- أي يشبهون الحق بالباطل.35 - يهونون على الناس طرق السير معهم على أهوائهم الفاسدة ثم بعد أن36

ينقادوا لهم يضلعون عليهم المضائق أي يجعلونها معوجة يصعب تجاوزها فيهلكون. - اللمة- بالضم- الجماعة من الثالثة إلى العشرة والمراد هنا مطلق الجماعة,37

واللمة بالتخفيف: اإلبرة تلسع بها العقرب ونحوها, والمراد لهيب النيران.

128

الخطبة الثالثة:

خطبة الجهاد

ة فتحه الله لخاصة أوليائه, وهو أما بعد؛ فإن الجهاد باب من أبواب الجنته الوثيقة قوى, ودرع الله الحصينة, وجن , فمن تركه رغبة عنه38لباس الت

ث بالصغار والقماءة , وشمله البالء, ودي , وضرب39ألبسه الله ثوب الذل 41, وأديل الحق منه بتضييع الجهاد, وسيم الخسف40على قلبه باألسداد

صف. ومنع الن

ي قد دعوتكم إلى قتال هؤالء القوم ليال ونهارا وسرا وإعالنا, أال وإنوقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم, فو الله ما غزي قوم

- جنته- بالضم- وقايته.38 - ديث مبني للمفعول من ديثه أي ذلـله. وقمؤ الرجل ككرم قمأة وقماءة أي ذل39

وصغر. - األسداد: جمع سد يريد الحجب التي تحول دون بصيرته والرشاد, قال الله:"40

وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم ال يبصرون", ويروى باإلسهاب وهو ذهاب العقل أو كثرة الكالم, أي حيل بينه وبين الخير بكثرة الكالم بال

فائدة. - أديل الحق منه أي صارت الدولة للحق بدله. وسيم الخسف أي أولى الخسف41

وكلفه, والخسف الذل والمشقة أيضا, والنصف- بالكسر- العدل, ومنع- مبنيللمجهول- أي حرم العدل بأن يسلط عليه من يغلبه على أمره فيظلمه.

129

وا ت عليكم42قط في عقر دارهم إال ذل ى شن , فتواكلتم وتخاذلتم, حت الغارات, وملكت عليكم األوطان, وهذا أخو غامد )و( قد وردت خيله

ان البكري, وأزال خيلكم عن مسالحها43األنبار ان بن حس , وقد قتل حسجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة44 , ولقد بلغني أن الر

, ما تمتنع45واألخرى المعاهدة, فينتزع حجلها وقلبها وقالئدها ورعاثها , ما نال رجال47, ثم انصرفوا وافرين46منه إال باالسترجاع واالسترحام

منهم كلم, وال أريق لهم دم, فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما, بل كان به عندي جديرا, فيا عجبا, عجبا والله يميتقكم , من اجتماع هؤالء القوم على باطلهم وتفر القلب, ويجلب الهم

, حين صرتم غرضا يرمى, يغار عليكم48عن حقكم, فقبحا لكم وترحاوال تغيرون,

- عقر الدار- بالضم-وسطها وأصلها, تواكلتم: وكل كل منكم األمر إلى صاحبه,42 أي لم يتوله أحد منكم بل أحاله كل على اآلخر, ومنه يوصف الرجل بالوكل أي

العاجز, ألنه يكل أمره إلى غيره. وشنت الغارات: فرقت عليكم من كل جانب كما يشن الماء متفرقا دفعة بعد دفعة, وما كان إرساال غير متفرق يقال فيه سن –

بالمهملة-. - أخو غامد: هو سفيان بن عوف من بني غامد, قبيلة من اليمن من أزد شنوءة,43

بعثه معاوية لشن الغارات على أطراف العراق تهويال على أهله. واألنبار: بلدة علىالشاطىء الشرقي للفرات, ويقابلها على الجانب الغربي هيت.

- جمع مسلحة- بالفتح- وهي الثغر. والمرقب: حيث يخشى طروق األعداء.44 - المعاهدة: الذمية. والحجل- بالكسر-: خلخالها. والقلب بالضم: سوارها.45

والرعاث: جمع رعثة ويحرك بمعنى القرط, ويروى رعثها بضم الراء والعين جمعرعاث جمع رعثة.

- االسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء, واالسترحام: أن تناشده الرحم.46- وافرين: تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم, والكلم- بالفتح-: الجرح.47 - ترحا بالتحريك: أي هما وحزنا أو فقرا, والغرض: ما ينصب ليرمى بالسهام48

ونحوها, فقد صاروا بمنزلة الهدف يرميهم الرامون وهم نصب ال يدفعون, وقوله: ويعصي الله, يشير إلى ما كان يفعله قواد جيش معاوية من السلب والنهب والقتل

في المسلمين والمعاهدين ثم أهل العراق راضون بذلك إذ لو غضبوا لهموابالمدافعة.

130

ير إليهم  وتغزون وال تغزون, ويعصى الله وترضون, فإذا أمرتكم بالسة القيظ ام الحر قلتم هذه حمار ا الحر49في أي خ عن , وإذا50, أمهلنا يسب

ة القر تاء قلتم هذه صبار ير إليهم في الش , أمهلنا ينسلخ51أمرتكم بالس, فإذا كنتم من الحر والقر ا البرد, كل هذا فرارا من الحر والقر عن

. يف أفر ون فأنتم والله من الس تفر

ات الحجال جال وال رجال, حلوم األطفال وعقول رب ,52يا أشباه الرت ندما, وأعقبت ي لم أركم ولم أعرفكم, معرفة والله جر لوددت أن

, قاتلكم الله, لقد مألتم قلبي قيحا, وشحنتم صدري غيظا,53سدما همام أنفاسا عتموني نغب الت , وأفسدتم علي رأيي بالعصيان54وجر

ى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن والخذالن, حت ال علم له بالحرب, لله أبوهم؛ وهل أحد منهم أشد لها مراسا, وأقدم

ي 55فيها مقاما من , لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين, وها أنا ذا قدين ت فت على الس , ولكن ال رأي لمن ال يطاع.56ذر

- حمارة القيظ: شدة الحر.49- التسبيخ بالخاء المعجمة والتخفيف والتسكين.50- صبارة الشتاء: برده, والقر- بالضم-: البرد.51 - حجال جمع حجلة: وهي القبة وموضع يزين بالستور والثياب للعروس. وربات52

الحجال: النساء. - السدم محركة: الهم أو مع أسف أو غيظ. والقيح: ما في القرحة من الصديد.53

وشحنتم صدري: مألتموه. - النغب جمع نغبة: كجرعة وجرع لفظا ومعنى, والتهمام- بالفتح-: الهم وكل54

تفعال فهو بالفتح إال التبيان والتلقاء فإنهما بالكسر, وأنفاسا: أي جرعة بعد جرعة.- مراسا: مصدر مارسه ممارسة ومراسا أي وزاوله وعاناه.55 - ذرفت على الستين: أي زدت عليها, ويروى نيفت بمعناه. وفي الخطبة روايات56

أخرى ال تختلف عن رواية الشريف في المعنى وإن اختلفت عنها في بعض األلفاظ.أنظر الكامل للمبرد.

131

132

الخطبة الرابعة:

فضائل أهل البيت عليهم السالم

بيب به يبصر أمده , ويعرف غوره ونجده, داع دعا وراع57وناظر قلب اللاعي. بعوا الر رعى, فاستجيبوا للداعي وات

نن, وأرز المؤمنون ,58قد خاضوا بحار الفتن, وأخذوا بالبدع دون السعار بون, نحن الش ون المكذ واألصحاب والخزنة واألبواب, 59ونطق الضال

وال تؤتى البيوت إال من أبوابها, فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا.

حمن, إن نطقوا صدقوا, وإن60)منها( فيهم كرائم القرآن , وهم كنوز الر , فليصدق رائد أهله, وليحضر عقله, وليكن من أبناء61صمتوا لم يسبقوا

ه منها قدم وإليها ينقلب, اآلخرة, فإن

- ناظر القلب, استعارة من ناظر العين: وهو النقطة السوداء منها, والمراد57 بصيرة القلب بها يدرك اللبيب أمده أي غايته ومنتهاه, والغور ما انخفض من

األرض. والنجد ما ارتفع منها, أي يدرك باطن أمره وظاهره. - أرز يأرز- بكسر الراء في المضارع- أي انقبض وثبت, وأرزت الحية الذت58

بحجرها ورجعت.- ما يلي البدن من الثياب والمراد بطانة النبي)ص(.59 - الضمير آلل النبي والكرائم: جمع كريمة, والمراد أنزلت في مدحهم آيات60

كريمات. والقرآن كريم كله وهذه كرائم من كرائم. - لم يسبقهم أحد إلى الكالم وهو سكوت أي يهاب سكوتهم فلم يجرؤ أحد على61

الكالم فيما سكتوا عنه.

133

اظر بالقلب العامل بالبصر يكون مبتدأ عمله أن يعلم أعمله عليه أم فالن له, فإن كان له مضى فيه, وإن كان عليه وقف عنه, فإن العامل بغيرائر على غير طريق, فال يزيده بعده عن الطريق الواضح إال علم كالس

ائر على الطريق الواضح, فلينظر بعدا من حاجته, والعامل بالعلم كالس ناظر أسائر هو أم راجع, واعلم أن لكل ظاهر باطنا على مثاله, فما

طاب ظاهره طاب باطنه, وما خبث ظاهره خبث باطنه, وقد قالسول الصادق صلى الله عليه وآله:" إن الله يحب العبد ويبغض62الر

, واعلم أن لكل عمل نباتا, وكل نبات*عمله ويحب العمل ويبغض بدنه" ال غنى به عن الماء, والمياه مختلفة, فما طاب سقيه طاب غرسه

ت ثمرته. وحلت ثمرته, وما خبث سقيه خبث غرسه وأمر

- أن الله يحب الخ أي يحب من المؤمن إيمانه ويبغض ما يأتيه من سيئات62 األعمال وال يفيده ذلك الحب مع هذا البغض إال عذابا يتطهر به من خبث أعماله, ويحب من الكافر عمله إن كان حسنا ويبغض ذاته اللتياثها بدنس الكفر, وال ينتفع بالعمل المحبوب إال نفعا مؤقتا في الدنيا وله في اآلخرة عذاب عظيم, فال يكمل

لإلنسان حظه من السعادة إال إذا كان مؤمنا طيب العمل. *- يوجد بهامش األصل: ) المؤمن إذا صدرت منه صغيرة فالله يحبه ويبغض عمله,

والكافر إذا أحسن فالله يحب عمله وال يحبه(.

134

الخطبة الخامسة:

في ذم إبليس

ذي لبس العز والكبرياء, واختارهما لنفسه دون خلقه, الحمد لله العنة63وجعلهما حمى وحرما على غيره, واصطفاهما لجالله, وجعل الل

بين, ليميز على من نازعه فيهما من عباده, ثم اختبر بذلك مالئكته المقر المتواضعين منهم من المستكبرين, فقال سبحانه وهو العالم

ي خالق بشرا من طين, فإذا إن ﴿بمضمرات القلوب, ومحجوبات الغيوب:هم سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين, فسجد المالئكة كلة, فافتخر على آدم بخلقه, وتعصب ﴾أجمعون إال إبليس اعترضته الحمي

ذي عليه ألصله, فعدو الله إمام المتعصبين, وسلف المستكبرين, الز, عز ة, وادرع لباس الت ة, ونازع الله رداء الجبري وضع أساس العصبي

ره, ووضعه بترفعه, ل, أال ترون كيف صغره الله بتكب ذل وخلع قناع التفجعله في الدنيا مدحورا, وأعد له في اآلخرة سعيرا.

- الحمى: ما حميته عن وصول الغير إليه والتصرف فيه.63

135

ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور, يخطف األبصار ضياؤه, ويبهرت له64العقول رواؤه , وطيب يأخذ األنفاس عرفه, لفعل, ولو فعل لظل

األعناق خاضعة, ولخفت البلوى فيه على المالئكة, ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله, تمييزا باالختبار لهم, ونفيا

لالستكبار عنهم, وإبعادا للخيالء منهم.

- الرواء- بضم ففتح- حسن المنظر. والعرف- بالفتح- الرائحة. 64

136

الخطبة السادسة:

خطبة عيد الفطر

يخطب بها إمام الجماعة بعد صالة العيد, وهي على ما رواها الصدوق في كتاب من ال يحضره الفقيه, عن أمير المؤمنين عليه السالم كما

يلي:

ور, ثم ماوات واألرض, وجعل الظلمات والن ذي خلق الس الحمد لله الخذ من دونه وليا, هم يعدلون, ال نشرك بالله شيئا وال نت ذين كفروا برب الماوات وما في األرض, وله الحمد في ذي له ما في الس والحمد لله ال الدنيا واآلخرة وهو الحكيم الخبير, يعلم ما يلج في األرض وما يخرجحيم الغفور, كذلك ماء وما يعرج فيها وهو الر منها, وما ينزل من الس

ماء أن تقع ذي يمسك الس الله ال إله إال هو إليه المصير, والحمد لله الاس لرءوف رحيم. على األرض إال بإذنه إن الله بالن

ك أنت العلي الكبير, اللهم ارحمنا برحمتك, واعممنا بمغفرتك, إنذي ال مقنوط من رحمته, وال مخلو من والحمد لله ال

137

ذي بكلمته  نعمته, وال مؤيس من روحه, وال مستنكف عن عبادته, الت األرض المهاد, وثبتت الجبال بع, واستقر ماوات الس قامت الس

حاب, ماء الس واقح, وسار في جو الس ياح الل واسي, وجرت الر الرزون, وقامت على حدودها البحار, وهو إله لها وقاهر, يذل له المتعز

رون, ويدين له طوعا وكرها العالمون, نحمده كما ويتضاءل له المتكب حمد نفسه, وكما هو أهله, ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونشهد أن الفوس وما تجن البحار, إله إال الله وحده ال شريك له, يعلم ما تخفي الن

وما توارى منه ظلمة, وال تغيب عنه غائبة, وما تسقط من ورقة منة في ظلمات إال يعلمها, ال إله إال هو, وال رطب وال يابس شجرة, وال حب إال في كتاب مبين, ويعلم ما يعمل العاملون, وأي مجرى يجرون وإلى

أي منقلب ينقلبون, ونستهدي الله بالهدى, ونشهد أن محمدا عبدهه, غ رساالت رب ه قد بل ه ورسوله إلى خلقه, وأمينه على وحيه, وأن ونبيى أتاه اليقين وجاهد في الله الحائدين عنه, العادلين به, وعبد الله حت

صلى الله عليه وآله.

ذي ال تبرح منه نعمة, وال تنفد منه أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي رغب في رحمة, وال يستغني العباد عنه, وال يجزي أنعمه األعمال, ال

ل خلقه ز بالبقاء, وذل قوى, وزهد في الدنيا, وحذر المعاصي, وتعز التبالموت والفناء, والموت غاية المخلوقين,

138

وسبيل العالمين, ومعقود بنواصي الباقين, ال يعجزه إباق الهاربين,  وعند حلوله يأسر أهل الهوى, يهدم كل لذة, ويزيل كل نعمة, ويقطع

كل بهجة, والدنيا دار كتب الله لها الفناء, وألهلها منها الجالء, فأكثرهمم بناءها, وهي حلوة خضرة, وقد عجلت للطالب, ينوي بقاءها, ويعظروة الضعيف, ويجتويها الخائف اظر, ويضن ذو الث والتبست بقلب الن

الوجل, فارتحلوا منها يرحمكم الله, بأحسن ما بحضرتكم, وال تطلبوا منها أكثر من القليل, وال تسألوا منها فوق الكفاف, وارضوا منها

ع المترفون به, واستهينوا بها باليسير, وال تمدن أعينكم منها إلى ما متلهي والفاكهات, نعم والت اكم والت وا بأنفسكم فيها, وإي نوها وأضر وال توط

فإن في ذلك غفلة واغترارا.

رت وأدبرت, واحلولت وآذنت بوداع, أال وإن اآلخرة أال إن الدنيا قد تنك قد رحلت فأقبلت وأشرفت, وآذنت باطالع, أال وإن المضمار اليوم,

ار, أال فال تائب من ة, والغاية الن بقة الجن باق غدا, أال وإن الس والسته, أال عامل لنفسه قبل يوم بؤسه وفقره, جعلنا خطيئته قبل يوم منياكم ممن يخافه ويرجو ثوابه, أال وإن هذا اليوم يوم جعله الله الله وإي

لكم عيدا, وجعلكم له أهال, فاذكروا الله يذكركم, وادعوه يستجب لكم,كم, فليؤدها كل كم, وفريضة واجبة من رب ة نبي ها سن وا فطرتكم فإن وأد

امرئ منكم عنه وعن عياله

139

هم ومملوكهم, عن كل  هم, ذكرهم وأنثاهم, صغيرهم وكبيرهم, وحر كل إنسان منهم صاعا من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير, وأطيعوا

كاة الله فيما فرض الله عليكم وأمركم به من إقام الصالة وإيتاء الزهي عن المنكر وحج البيت وصوم شهر رمضان واألمر بالمعروف والن واإلحسان إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم, وأطيعوا الله فيما نهاكم

عنه, من قذف المحصنة, وإتيان الفاحشة, وشرب الخمر, وبخسحف, عصمنا ور, والفرار من الز المكيال, ونقص الميزان, وشهادة الز

قوى, وجعل اآلخرة خيرا لنا ولكم من األولى, إن أحسن اكم بالت الله وإيقين كتاب الله العزيز الحكيم, أعوذ بالله من الحديث وأبلغ موعظة المت

جيم يطان الر الشمد *لم يم=* قل هو الله أحد* الله الص ح= حمن= الر ﴿ب=سم= الله= الر

ا أحد ﴾يل=د ولم يولد * ولم يكن له كفو7

140

الخطبة السادسة:

خطبة اإلمام الحسين عليه السالم

روي أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق قامخطيبا, فقال:

الحمد لله وما شاء الله, وال حول وال قوة إال بالله, وصلى الله على رسوله وسلم, خط الموت على ولد آدم مخط القالدة على جيد الفتاة,

وما أولهني إلى أسالفي اشتياق يعقوب إلى يوسف, وخير لي مصرع أنا القيه, كأني بأوصالي يتقطعها عسالن الفلوات بين النواويس وكربالء,

فيمألن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا, ال محيص عن يوم خط بالقلم, رضى الله رضانا أهل البيت, نصبر على بالئه ويوفينا أجور الصابرين,

لن تشذ عن رسول الله لحمته, وهي مجموعة له في حظيرة القدس, تقر بهم عينه, وتنجز لهم وعده, من كان فينا باذال مهجته موطنا على

لقاء الله نفسه فليرحل معنا, فإني راحل مصبحا إن شاء الله.

141

142

الخطبة السابعة:

خطبة السيـدة الزهراء عليها السالم

حدثنا محمد بن المتوكل عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن عبد الله البرقي عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد بن

جابر عن زينب بنت علي عليه السالم , قالت: قالت فاطمة عليهاالسالم في خطبتها:

لله فيكم عهد قدمه إليكم, وبقية استخلفها عليكم, كتاب الله بينة بصائره, وآي منكشفة سرائره, وبرهان متجلية ظواهره, مديم للبرية

استماعه, وقائد إلى الرضوان أتباعه, ومؤد إلى النجاة أشياعه, فيه تبيان حجج الله المنيرة, ومحارمه المحرمة, وفضائله المدونة, وجمله الكافية, ورخصه الموهوبة, وشرائعه المكتوبة, وبيناته الجالية, ففرض

اإليمان تطهيرا من الشرك, والصالة تنزيها من الكبر, والزكاة زيادة في الرزق, والصيام تثبيتا لإلخالص, والحج تسلية للدين, والعدل مسكا

للقلوب, والطاعة نظاما للملة, واإلمامة لما من الفرقة, والجهاد عزالإلسالم, والصبر معونة على االستيجاب, واألمر بالمعروف

143

مصلحة للعامة, وبر الوالدين وقاية عن السخط, وصلة األرحام منماة  للعدد, والقصاص حقنا للدماء, والوفاء للنذر تعرضا للمغفرة, وتوفية

المكاييل والموازين تغييرا للبخسة, واجتناب قذف المحصنات حجبا عن اللعنة, واجتناب السرقة إيجابا للعفة, ومجانبة أكل أموال اليتامى إجارة

من الظلم, والعدل في األحكام إيناسا للرعية, وحرم الله عز وجلقوا الله حق تقاته فيما أمركم به, وانتهوا الشرك إخالصا للربوبية, فات

.65عما نهاكم عنه"

.248 ص 1- علل الشرائع, الشيخ الصدوق, ج65

144

الخطبة الثامنة:

خطبة السيـدة زينب عليها السالم

قال الراوي: قامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السالم فيمجلس يزيد لعنة الله عليه فقالت:

ه رب العالمين, وصلى الله على رسوله وآله أجمعين, صدق الحمد للوأىالله سبحانه كذلك يقول بة الذ=ين أساؤوا الس ثم كان عاق= :﴿

أظننت يا يزيد حيث﴾أن كذبوا ب=آيات= الله= وكانوا ب=ها يستهز=ؤون أخذت علينا أقطار األرض, وآفاق السماء, فأصبحنا نساق كما تساق

األسارى, أن بنا على الله هوانا, وبك عليه كرامة, وأن ذلك لعظم خطرك عنده, فشمخت بأنفك, ونظرت في عطفك, جذالن مسرورا, حين رأيت الدنيا لك مستوسقة, واألمور متسقة, وحين صفا لك ملكنا

﴿وال يحسبن الذ=ينوسلطاننا, مهال, مهال, أنسيت قول الله تعالى: =نما نمل=ي لهم ل=يزدادوا م إ ه= نفس= كفروا أنما نمل=ي لهم خير أل

ين ا ولهم عذاب مه= =ثم7 أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك﴾إ وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا, قد هتكت ستورهن, وأبديت

وجوههن, تحدو بهن األعداء من بلد إلى بلد,

145

ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل, ويتصفح وجوههن القريب  والبعيد, والدني والشريف, ليس معهن من رجالهن ولي, وال من

حماتهن حمي, وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد األزكياء, ونبت لحمه بدماء الشهداء, وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر

إلينا بالشنف والشنآن, واإلحن واألضغان, ثم تقول غير متأثم والمستعظم:

ثم قالوا يا يزيد ال تشل ألهلوا واستهلوا فرحا

منتحيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك؟! وكيف ال تقول ذلك وقد نكأت القرحة, واستأصلت الشافة, بإراقتك

دماء ذرية محمد صلى الله غليه وآله وسلم, ونجوم األرض من آل عبد المطلب, وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم, فلتردن وشيكا موردهم,

ولتودن أنك شللت وبكمت, ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت, اللهم خذ بحقنا وانتقم من ظالمنا, وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا,

وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت إال جلدك, وال جززت إال لحمك, ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته, وانتهكت من حرمته في عترته

ولحمته, حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم ﴿والند تحسبن الذ=ين قت=لوا ف=ي سب=يل= الله= أموات7ا بل أحياء ع=

م يرزقون , حسبك بالله حاكما وبمحمد خصيما وبجبرئيل ظهيرا,﴾ربه=وسيعلم من سوى لك, ومكنك من رقاب المسلمين, بئس

146

للظالمين بدال وأيكم شر مكانا وأضعف جندا, ولئن جرت علي الدواهي  مخاطبتك, إني ألستصغر قدرك, وأستعظم تقريعك, وأستكبر توبيخك, لكن العيون عبرى والصدور حرى, أال فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء, فهذه األيدي تنطف من دمائنا,

واألفواه تتحلب من لحومنا, وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل, وتعفوها أمهات الفراعل, ولئن اتخذتنا مغنما, لتجدنا وشيكا

م للعبيد. ك بظال مغرما, حين ال تجد إال ما قدمت, وما رب

فإلى الله المشتكى وعليه المعول, فكد كيدك واسع سعيك, وناصب جهدك, فو الله ال تمحو ذكرنا, وال تميت وحينا, وال تدرك أمدنا, وال

ترحض عنك عارها, وهل رأيك إال فند, وأيامك إال عدد, وجمعك إال بدد,ينيوم يناد المناد: ﴾أال لعنة الله= على الظال=م= , فالحمد لله الذي﴿

ختم ألولنا بالسعادة, وآلخرنا بالشهادة والرحمة, ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب, ويوجب لهم المزيد, ويحسن علينا الخالفة, إنه رحيم ودود,

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

147

148

الخطبة التاسعة:

خطبة الزواج

وكمثال على خطب النكاح نذكر الخطبة المعروفة باسم "خطبة عليبن موسى الرضا عليه السالم " حيث يقول فيها:

الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه, وافتتح بالحمد كتابه, وجعل الحمد أول محل نعمته, وآخر جزاء أهل طاعته, وصلى الله على محمد

خير البرية, وعلى آله أئمة الرحمة, ومعادن الحكمة.

والحمد لله الذي كان في نبئه الصادق, وكتابه الناطق, أن من أحق األسباب بالصلة وأولى األمور بالتقدمة سببا أوجب نسبا وأمرا أعقب

ا فجعلهغنى, فقال جل ثناؤه ن الماء بشر7 وهو الذ=ي خلق م= :﴿ ا ا وكان ربك قد=ير7 هر7 وأنك=حوا, وقال جل ثناؤه66﴾نسب7ا وص= :﴿

=مائ=كم إ=ن يكونوا باد=كم وإ ن ع= ين م= ال=ح= األيامى م=نكم والصع عل=يم م الله م=ن فضل=ه= والله واس= , ولو لم تكن67﴾فقراء يغن=ه=

في المناكحة والمصاهرة آية منزلة وال سنة متبعة لكان ما جعل اللهفيه من بر القريب, وتألف البعيد

.54- سورة الفرقان اآلية 66.32- سورة النور, اآلية 67

149

ما رغب فيه العاقل اللبيب, وسارع إليه الموفق المصيب, فأولى  الناس بالله من اتبع أمره, وأنفذ حكمه, وأمضى قضاءه, ورجا جزاءه,

ونحن نسأل الله تعالى أن يعزم لنا ولكم على أوفق األمور, ثم إن فالن بن فالن من قد عرفتم مروءته وعقله وصالحه ونيته وفضله, وقد أحب

شركتكم, وخطب كريمتكم فالنة, وبذل لها من الصداق كذا, فشفعوا شافعكم, وأنكحوا خاطبكم في يسر غير عسر, أقول قولي هذا

.68وأستغفر الله لي ولكم

.265, ص103- بحار األنوار, المجلسي ج 68

150

الفهرس5مقدمة

9الكتاب محتوياتاألول: الخطيب الفصل

13للخطيب العامـة األول: الجهة الدرس25للخطيب الخاصـة الثاني: الجهة الدرس135اإللقاء: حال فعله يجب الثالث: ما الدرس245اإللقاء: حال فعله يجب الرابع: ما الدرس355اإللقاء: حال فعله يجب الخامس: ما الدرس

الثاني: الخطاب الفصل67الخطاب مواد السادس: تهيئة الدرس75السابع: اإلرتجال الدرس81الخطاب الثامن: صياغة الدرس

151

87الخطاب مقدمة التاسع: مادة الدرس93العرض العاشر:مادة الدرس

الثالث: المخاطب الفصل103عشر: الجمهور الحادي الدرس111الخطيب إلى بالنظر عشر: الجمهور الثاني الدرس

الخطب من الرابع: نماذج الفصل121المتـقين صفات127المنافقين صفات129الجهاد خطبة

133 السالم عليهم البيت أهل فضائل135إبليس ذم في

137الفطر عيد خطبة141 السالم عليه الحسين اإلمام خطبة143 السالم عليها الزهراء السيـدة خطبة145 السالم عليها زينب السيـدة خطبة149الزواج خطبة

152