الحداثة وتأزم الحياة الدينية في العالم العربي

25
دراسة مسارجتمعفة والثقا ا

description

دراسة لعلاقة الحداثة يتأزم الوضع الديني في العالم العربي من مركز عمران للدراسات السياسية

Transcript of الحداثة وتأزم الحياة الدينية في العالم العربي

دراسة الثقافة واملجتمعمسار

مركز عمران للدراسات االستراتيجية

، ترقى لتكون مؤسسة بحثية مستقلة ذات دور رائد في البناء العلمي وإنسانا

ومجتمعا

واملعرفي لسوريا واملنطقة دولة

لترشيد السياسات ولرسم االستراتيجيات. مرجعا

لصناع القرار في 3102تأسس املركز في تشرين الثاني/نوفمبر ورافدا

أساسا

كمؤسسة بحثية تسعى ألن تكون مرجعا

مة التي تساند سوريا واملنطقة في املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية. ينتج املركز الدراسات املنهجية املنظ

املسيرة العملية ملؤسسات الدولة واملجتمع، وتدعم آليات اتخاذ القرار، وتحقق التكامل املعلوماتي وترسم خارطة

األولويات.

ن من وضتعتمد أبحاث املركز على الفهم الدقيق والعميق للواقع، ينتج عنه تحديد االحتياع جات والتطلعات مما يمك

الخطط التي يحقق تنفيذها تلك االحتياجات.

www.OmranDirasat.orgاملوقع اإللكتروني

[email protected]البريد اإللكتروني

3102تشرين األول /أكتوبر 01تاريخ اإلصدار

3102مركز عمران للدراسات االستراتيجية ©جميع الحقوق محفوظة

املحتويات

0 ....................................................................................................................................................................................... مدخل

2 ...................................................................................................................................................................................... مقدمة

: املجال العام في التجربة اإلسالمية الكالسيكية 2 .............................................................................................................. أوال

: والدة مجتمعات الرقابة داخل الواليات العثمانية 1 .........................................................................................................ثانيا

: دولنة الشرعية اإلسالمية وتهميش سلطة العلماء 9 ......................................................................................................... ثالثا

: زمن "الحروب العادلة" 02 ................................................................................................................................................ رابعا

: سوق ديني جديد وإعادة أقلمة املشروع الشيعي اإليراني 02 ....................................................................................... خامسا

01 ....................................................................................................................................... خاتمة: انفجار املجال العام العربي

30 .................................................................................................................................................................................... املراجع

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

0الصفحة:

دخلم

ة تلك التي تأتي في سياق تيار ما بعد الحداثة، أن الحداثة السياسيترى العديد من الكتابات السياسية املعاصرة، وتحديدا

في بدايات القرن العشرين لم تكن صيرورة نحو الحرية، وإنما صيرورة نحو ها العديد من بلدان العالم العربي التي شهدت

تكوين الحديث ، أن الالعربيةلة الحديثة مراقبة الفرد وتطبيعه. حيث تبين لهذه الدراسات وعبر البحث في جينالوجيا الدو

االجتماعية لم تكن على اإلطالق خارج عالقات السلطة. فاإلكراه هو من صاغ الذوات االجتماعية الحديثة، األمر للذات

الذي كان ينافي خطاب الحداثة الذي بقي يتوهم حرية تكوين الذات لنفسها وإمكانية التحقق الذاتي خارج عالقات

اإلخضاع.

هذه الرؤية للذوات االجتماعية بوصفها إحدى منتجات الدولة الحداثوية، سعينا في هذه الدراسة إلى تقديم وبناء على

في املنطقة باعتبارها أزمة حداثوية بامتياز، السائدةمقاربة بديلة ألزمة العنف باسم الدين تعود في جذورها ال بحيث حاليا

قة دار ما ترتبط بالتغيرات التي شهدها املجال السياس ي للدولة الحديثة في املنطإلى بعض املدونات التاريخية والتراثية، بمق

للمجال العام الجديد، والذي أخذ يتشكل في ظل منذ منتصف القرن التاسع عشر، وطبيعة التبدالت التي حدثت الحقا

الدولة القومية الحديثة.

ملاض ي، وذلك كمحاولة للمقارنة مع األشكال السياسية والدينية األمر الذي دعانا إلى القيام بعملية عبور تاريخي نحو ا

الجديدة التي ترافقت مع االنتقال الذي شهدته املنطقة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وما أنتجته من انتقال من

مع الضبط تإلى املجتمع الخاضع لإلشراف واملراقبة. ونعني بمج االجتماعي العفوي نموذج املجتمع القائم على الضبط

الفترة العثمانية التي سادت قبل مرحلة التنظيمات والتي كانت تقوم على رؤية للمجتمع مبنية على شبكة موسعة من

على األدوات واألجهزة التي تنتج وتنظم األعراف والعادات واملمارسات اإلنتاجية، بينما كان دور السلطة العثمانية مقتصرا

لفكر واملمارسة، عبر تكريس أشكال السلوك العادية والدعوة إلى التحلي بها أو تجنبها.بناء معايير عامة حول حدود ا

تبيانه من خالل تتبعنا لتاريخ الفضاء االجتماعي العثماني في الواليات العربية منذ منتصف القرن التاسع ناوهو ما حاول

ميات اجتماعية وسياسية جديدة، وفي أحداث عشر، بحيث بدت لنا هذه املرحلة بمثابة منعطف أساس ي في صوغ دينا

تبدالت عميقة في عالقة املجال العام بالسلطة السياسية املحلية.

التي شهدها الحقل الديني مع والدة مجتمع الرقابة الجديد، وما تعرضت له هذه البحث في التحوالتبعد ذلك، سعينا إلى

من تأميم لصالح الدولة الوطنية من ناحية، ووالدة ظواهر دينية جديدة )السلفية الجديدة( التي أخذت الفضاءات الحقا

عوملة هذه الظاهرة من خالل تشكل سوق دينية جديدة، باتت تطفو على السطح منذ تسعينيات القرن العشرين، والحقا

ي أوليفيه روا.فرنس تتميز بانفصال الديني عن الثقافي وفهم للدين يقوم على البعد الطهراني على حد تعبير املفكر ال

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

3الصفحة:

ولعل ما دعانا في األساس إلى تبني هذه املقاربة، هي الرغبة في التأكيد على أن الحرب الجديدة ضد ما يسمى بالجماعات

اإلرهابية، ربما ستكون لها نتائج عكسية إن لم تترافق مع مواجهة املشكالت العالقة الخطيرة التي تزعزع حياة املنطقة

مقدمتها أزمة تأميم املجال العام من قبل املؤسسات السياسية لدول ما بعد االستقالل في قود، وفي واستقرارها منذ ع

املنطقة العربية.

في بعض وسائل اإلعالمة، وخاصة العربي وربما لسبب آخر، يتعلق بتجاوز حالة االستسالم لجدول األعمال السائد حاليا

اإلعالمية حول الجهاديين، بحيث بتنا منقادين إلى االعتقاد نفسه بأن الخالص للثورات الرسائل والتقارير بعد أن أعمتنا ب

العربية وللثورة السورية على األخص، بات يتم من باب مواجهة الجماعات الجهادية العابرة للحدود )داعش والنصرة(،

ية ها لعدد من العوامل الداخلتعود في أساسدي العابر للقوميات حكاية هذه الجها املشكلة أعقد من ذلك وأن متناسين أن

والخارجية، وأن أيديولوجية هذا الجهادي باتت تختزن في أحد أبعادها منطق الهيمنة الغربية، من حيث دعوته إلى بناء

نظام عالمي جديد يهمين فيه التضامن اإلسالمي على الحدود العرقية والقومية، بحيث بات ينهل من نفس املنطق املهيمن

الغربي القائم على فلسفة الثقافة الرأسمالية والسوق العالمي الحر ما بعد القومي .

، ما نود قوله من هذه الدراسة. إن ظاهرة العنف الديني التي يعة هذه األيام ذات طبمنطقة املشرق العربي شهدها توأخيرا

تي شهدها الحقل الديني على الصعيد التاريخيمركبة تتعلق بعالقة املجال العام بالسلطة السياسية، وبالتحوالت ال

واليومي.

:ا إلى البحث في جذور العنف املتبادل، عبر التركيز على األبعاد التاليةولذلك فقد سعين

.املجال العام في التجربة اإلسالمية الكالسيكية -

.العثمانيةعات الرقابة داخل الواليات والدة مجتم -

.سلطة العلماء هميشوت شرعية االسالميةدولنة ال -

.زمن "الحروب العادلة" -

.سوق ديني جديد وإعادة أقلمة املشروع الشيعي اإليراني -

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

2الصفحة:

مقدمة

من املفاهيم التي جرى االعتماد عليها في قراءة العالقة بين السلطة واملجتمع في املجاالت يعد مفهوم املجال العام واحدا

السياسية الحديثة. وخاصة بعد أن تمت ترجمة كتاب الفيلسوف األملاني يورغن هابرماس لإلنكليزية "التحول البنائي

خالله هذه املفهوم بوصفه فضاء يتجمع فيه األفراد لتشكيل ما يقترب من ، والذي عرف من0999للمجال العام" عام

الرأي العام حول احتياجات املجتمع من الدولة، وللنقاش حول املسائل العامة بشكل عقالني.

ية بوقد اعتمد هابرماس في تأكيد أطروحته هذه على خصوصية النطاق العام التي ظهرت في خلفية ما قبل الحداثة األورو

والتي شيد عليها املجال العام البرجوازي، في إطار ازدهار املجتمع املدني والتجاري الذي ظهر في القرنين السابع عشر

والثامن عشر في أوروبا، والتي أدت إلى تصور جديد للمجال العام آنذاك بشكل عبر عن وجود مجتمع مدني منفصل عن

لهذا التصور والتقيد الصا في الحوليات الغربية. الدولة. ووفقا

معياريا

رم بهذا التاريخ على تعريف الحيز العام، بوصفه مثاال

إلى فإن هذه الرؤية اعتقدت بأن املجتمعات املدنية واملجاالت العامة خارج أوروبا الغربية، لم تستطع أن تتطور نظرا

عية.ي تحول دون مقاومة املجتمعات لتلك الدول القمخضوعها لنير تقاليد الدولة املستبدة / أو بسبب الثقافة الدينية الت

هامة اإلشكالية في هذا الطرح، أن هابرماس قد فشل من خالل هذا املنحى البحثي الذي اعتمده، في مالحظة أن ثمة جذورا

لل من الدور ق لفكرة املجال العام الحديث تكمن في النظرية السياسية الكالسيكية وكذلك في املمارسات التراثية، كما أنه

الذي لعبه التراث الديني في تكوينه.

عبر التأكيد على أن فكرة وجود املجال الفجوة، من أمثال غريغ كالهون في حين أن منظرين أخرين قاموا بتغطية هذه

الل خالعام، هي في األساس ذات مسارات تطورية طويلة األمد يمكن تتبعها في ثقافات وحضارات أخرى. ولذلك سعوا من

هذا الطرح إلى فكرة ضرورة البحث عن محاوالت داخل صور مختلفة من التراث، لصياغة فكرة مركزية حول الحياة

.(1) العامالعادية، وحول قيمة التواصل بين األفراد العاديين كصور سابقة للفكرة الحديثة للمجال

من هذه املقاربة الجديدة لتاريخ املجال العام، نروم في البداية إلى دراسة تاريخ املجال العام اإلسالمي وذلك لكي وانطالقا

حجم التغيرات التي شهدها هذا املجال مع بداية مرحلة التنظيمات العثمانية، وتشكل الدولة الشمولية في نوضح الحقا

القرن العشرين، وانعكاسات هذا التحول بشكل أساس ي على الحقل الديني.

.3103ترجمة أحمد زايد، املركز القومي للترجمة، املجال العام: الحداثة الليبرالية والكاثوليكية واإلسالم، أرماندو سالفاتوري، (1)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

2الصفحة:

: العام في التجربة اإلسالمية الكالسيكيةاملجال أوال

بشكل عام يبدو لنا في أثناء تتبعنا لتاريخ الفضاء االجتماعي والسياس ي للمدينة اإلسالمية، أن هذا املشهد كان منقسما

بين السلطة السياسية من ناحية، وسلطة العلماء التي كانت بمثابة املعبر األساس ي عن الحس العام االجتماعي بمعناه

العام داخل فضاءات هذه املدينة.

رغم من أن اإلجابات األكاديمية التي عادة ما تعطى، هي أنه لم يكن للعلماء في األساس ال حول وال قوة، وأن الخليفة وبال

كانت بيده سلطة التأثير في الشرع، فإن هذه املقاربة تبقى برأينا سريعة وبعيدة للغاية عن الواقع التاريخي آنذاك.

ة ي عرفتها األمة في القرن األول للهجرة شخصية النبي باعتبارها مرجعية مشتركفقد فرضت التقلبات السياسية الدينية الت

ومتعالية على كل الفئويات.

وقد تمكن العلماء نحو منتصف القرن الثامن امليالدي، بفضل سيطرتهم التدريجية على أدوات املعرفة الدينية ال سيما

ماعي اإلسالمي كفاعلين ذوي سلطة متزايدة في جميع املجاالت، مجال السنة، من أن يفرضوا أنفسهم داخل املجال االجت

فقد كانوا هم القضاة، وأئمة املساجد، والوعاظ، واملحدثين، واملعلمين، والفقهاء، واملتكلمين. ولن يمر وقت طويل كي

عود املتزايد ني والصتغدو هذه الظاهرة مصدر قلق النخب السياسية الذين نظروا بعين الريبة إلى استقاللية القضاء الدي

لدور العلماء، بسبب كثافة شبكاتهم االجتماعية وقربهم من السكان.

ومن أجل وقف هذا النزيف، كان ال بديل من قيام مؤسسة الخالفة بفرض مدونة موحدة لألحكام، فهي السبيل الذي

(2) سيسمح للخليفة بالسيطرة الفعلية على الخطاب الديني وعلى القيمين عليه.

( م إلى بذل كل الوسائل املمكنة الستعادة القوة الثيوقراطية ملؤسسة الخالفة 922-902األمر الذي دعا الخليفة املأمون )

عبر تعزيز مقوالت املعتزلة. بعد أن تمكن القيمون على هذه املدرسة، بناء على مقدمات معينة، من بلورة فكر ديني وفقهي

ية اجتذبت املأمون إلى هذا التيار الفكري، موقفه الخاص من طبيعة النص القرآني اجتماعي جديد. ولعل أهم مسألة عقد

ومنزلته. فاملعتزلة يقولون بخلق القرآن، وبالتالي فهو متعين في الزمان واملكان. وهذا يعني أن القرآن نص يعكس لحظة

، وال يمكن لغير الخليفة بوص تاريخية محددة، وال يمكنه االستجابة لحاجات املؤمنين في واقع مختلف زمانيا

فه ومكانيا

ملذهب املعتزلة، يستطيع الخليفة الذي يجب أن تتوافر بين اإلنسان وهللا. ووفقا

في اجتهاده، أن يقوم وسيطا

ملهما

إماما

فيه شروط أخالقية وعلمية مخصوصة، أن يشرع في جميع املجاالت تلبية للحاجات الروحية والزمانية لرعاياه.

ة العلماء املحنة"، والتي تضمنت دعو “وأمام هذه الحالة التي هدفت إلى امتحان العلماء والتي عرفت في املرويات التاريخية بـ

وإجبارهم على االعتراف بأطروحات املعتزلة، كي تتمكن سلطة الخالفة بصفة نهائية من احتكار املجال التشريعي الديني،

دية إلى النجاة في امليعاد واملعاش.ومن ثمة احتكار جميع السبل املؤ

.20ص، الشبكة العربية لألبحاث والنشر.3102علماء اإلسالم، محمد نبيل ملين، ترجمة: محمد الحاج سالم، الطبعة الثانية (2)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

5الصفحة:

وقد انتهى فشل هذه السياسات االستحواذية التي لم تتمكن من كسب العامة وقسم كبير من النخب الدينية، إلى حدوث

من سنةم، تمثل في تكريس الشريعة بصفة نهائية باعتباره جوهر اإلسالم واملصدر األساس ي وشبه 921تغير بنيوي بدءا

وحضارة متمركزين حول الشريعة، الوحيد لكلحركة دينية أو سياسية أو ثقافية. ومن ذلك الحين، سيصبح اإلسالم دينا

حكاما

ولن يعود بمقدور الخلفاء وورثتهم التدخل في تحديد شؤون العقيدة والشريعة، ولن يكونوا من اآلن فصاعدا

دنيوية لألمة. ولن يحق لغير العلماء تولي تفسير النصوص مشرعين بل مجرد حماة للعقيدة ساهرين على إدارة الشؤون ال

واستنباط األحكام.

بيد أن فترة العالم اإلسالمي الوسيط، ستشهد فيه الخالفة العباسية التي كانت عظيمة ذات يوم، مشكلة عميقة. فالغزاة

ة، األمر الذي أخذ ينذر بإلغاء شوكة البويهيون القادمون كانوا قد غزوا أغلب األراض ي الواسعة لإلمبراطورية العباسي

الخالفة، وبالتالي تزعزع املجال العام االجتماعي اإلسالمي.

0159في هذا الوسط عاش العالم أبو الحسن املاوردي ) ديبلوماسيا

مبعوثا

( وهو فقيه عالمة في عصره، وعمل أيضا

قة على حد سواء. واملشكلة الدستورية الجوهرية التيملصلحة العديد من الخلفاء في مفاوضاتهم مع البويهيين والسالج

إلى الشرع والسنة، كان يفترض في الخليفة أن يمارس واجهت املاوردي كانت دعم مصداقية الخالفة املتفككة. فاستنادا

ة، غير واقعي قالسلطة التنفيذية الفعلية كما فعل النبي وخلفاؤه. غير أن هذا كان في ظل البويهيين، وسيبدو في ظل السالج

بصورة متزايدة. فقد كان هؤالء الحكام مستعدين إلظهار بعض االحترام للخالفة، ولكنهم لم يكونوا ليسمحوا للخليفة

. بالحكم منفردا

وقد وضع الحل الشرعي الذي قدمه لهذه املشكلة في كتاب بعنوان األحكام السلطانية، حيث تناول فيه الحالة التي يكون

فيها الخليفة تحت سيطرة شخص آخر يمارس السلطة التنفيذية. كما قام بتحليل الحالة التي تسمح باستمرار سلطة

من الحيلة القانونية في ظل ضعف سلطة الخالفة، عبر اإلشارة إلى أن الخليفة ال يزال بيده ضمان الخليفة باعتبارها نوعا

اتباع الشريعة، وعلى الحاكم بحكم الواقع االعتراف بسلطة الخليفة بموجب قبول منصبه باعتباره الرجل الذي يعينه

يمارس السلطة الخليفة الخليفة لتقلده. وبقيامه بذلك، فإنه يتولى الحكم وفق الشريعة. وبذلك مضت الحجة تقول، بقي

الدنيوية كما يقتضيه التقليد، سوى أنه كان ينقذها من خالل نائب.

وكان السبب الذي قدمه املاوردي للسماح للحاكم بحكم الواقع بممارسة السلطة املخولة هو الضرورة، ففي غياب سلطة

الخالفة تتعرض املصلحة العامة للضرر.

دي، أن هذه التسوية بدت في ضوء توازن السلطات بين الحاكم والعلماء طموحة وليست بيد أن األهم في مبادرة املاور

انهزامية. ذلك أن املحافظة على سلطة الخليفة لم تكن املقصد األساس ي للماوردي، فالوقائع العسكرية كانت قد سادت

من ذلك، كان املاوردي يبحث عن طريقة للمحافظة على في هذا الشأن. وبدال

مبدأ إلزامية الشريعة للحاكم. أصال

يتم تحقيق خضوع الحاكم للشرع. ومنح هذا اإلجراء النوع وبواسطة حيلة الخليفة الذي يقوم بتعيين الحاكم الفعلي نائبا

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

6الصفحة:

من الشرعية نفسها التي كان يتمتع بها الخلفاء، شريطة أن يمتثل الحاكم للشريعة. الجديد للحاكم بحكم الواقع بعضا

مكن قراءة تسوية املاوردي ليس كتنازل من عالم عن السلطة، ولكن كمناورة ذكية حافظت بنجاح على الشرع وبذلك أ

(3) والعلماء ومكانتهم الدستورية حتى بعد فشل الخالفة في املحافظة على الحكم بطريقة منظمة.

، األمر كبيرا

ادة الذي سيساعد املؤسسة الدينية على زيمع القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ستشهد املنطقة منعطفا

فعاليتها وتأثيرها داخل املجال العام اإلسالمي. فقد ساهم الغزو املغولي والسلجوقي في تعزيز الحركات الصوفية كمؤسسات

مجتمعية بصورة واضحة، بعد أن خلف الفراغ السياس ي واختفاء القادة العظماء حاجة ماسة لدى عموم املسلمين

ء إلى ش يء يمكن االعتماد عليه، يلبي الحاجات الدينية واالجتماعية لديهم. وهنا أخذت الطرق الصوفية تنتشر، باالنتما

وتقيم الزوايا لسد حاجات املجتمع من عبادة وتعليم وعالج، كما لعبت الطرق الصوفية دور الوسيط بين السكان

.(4) واملحتلين الجدد، الذين كانوا يتعاقبون على البالد

وبحلول القرن السادس عشر، كانت الصوفية قد تحولت إلى عمود مهم من أعمدة املجتمع اإلسالمي، إذ قامت الطرق

الصوفية بتنظيم املجتمع املحلي في املدن العثمانية اإلسالمية ورفدته بالتعليم والعالج ومساعدات الفقراء.

هي قدرة هذه الحركات على تقميش عالقات أكثر تكاملية مع أما أشد الجوانب إثارة في موجة تأسيس الحركة الصوفية،

الروابط املهنية الحضرية، عبر إعانتها على وجود مصدر دائم لعالقات الثقة التي باتت تبث من خالل سلطة مشايخ الطرق

طوائف لالصوفية، وقد كانت بعض هذه الروابط تتداخل في عالقاتها التنظيمية مع الروابط والطرق املختلفة : كا

الحرفية، وبعض التنظيمات العسكرية، كما هو الحال في جنود االنكشارية العثمانيين، وكذلك الوحدات املستقلة من

املحاربين، وفتوات الحواري وبعض جماعات الشباب ممن التزموا بمواثيق أخالقية لحماية القيم املشتركة والشرف.

قد أثرت على التشكل االجتماعي السياس ي للقوى في السياقات الحضرية وباملعنى التنظيمي، فإن الحركات الصوفية،

الريفية. وبذلك باتت صناعة الواليات ترتبط بالقوى املدنية املستقلة، التي ترتبط بالتنظيمات املهنية، على غرار ما وجد

(5)بيقلق الشععن ال للتعبير في أوروبا. بذلك باتت الطرق الصوفية كتنظيمات اجتماعية مستقلة وكمصدر دائم.

في وسواء على مستوى األنشطة االقتصادية االجتماعية أو على مستوى عالم التعليم، فقد كان خطاب العلماء منتشرا

كل مكان ومع ذلك فقد احتفظ بدرجة من التنظيم الداخلي بسبب تنوع املدارس والطرق.

ية ريعة بمثابة النموذج املعياري للمجتمع املسلم، فإن الطرق الصوفكما أنه في الوقت الذي بقي فيه الفقه القائم على الش

أكثر فعالية من نظيرتها في أوروبا، تمثل في مؤسسة الوقف التي قد زودتها بالقيادة الروحية، كما قدمت منحى تنظيميا

ل فضاء أو من خالل تشكيعكست على نحو جيد الطريقة التي يندمج بها بسطاء الناس في املمارسات والخطابات املتصلة

.61.ص3102والنشر، . بيروت: الشبكة العربية لألبحاث الدولة اإلسالمية ونهوضها. ترجمة الطاهر بوساحية فيلدمان، سقوطنوح (3)

.53.ص3100 للترجمة،البيدوس، الصوفية واملجتمع اإلسالمي العثماني. من كتاب تكايا الدراويش، تحرير رايموند ليفشيز. ترجمة عبلة عودة. أبو ظبي: كلمة ايرام( 2) .362صالليبرالية والكاثوليكية واإلسالم.أرماندو سالفاتوري، املجال العام: الحداثة (5)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

1الصفحة:

مجال عام له معالم ميتافيزيقية محددة، خاصة في ميدانين من ميادين الحياة "التعليم" و"اإلحسان"، بحيث بات الوقف

أكبر مصدر لتمويل هذه الخدمات العامة.

أن يوجه الحكام إلى التعليم أهمية خاصة من بين الخدمات التي يقدمها ا جل لوقف، وذلك من أولذلك لم يكن مستغربا

تشغيل العلماء والحصول على دعمهم. وكذلك رصد أوقاف لعمليات اإلحسان، في سبيل دعم روابط الوالء مع الطبقات

الدنيا عبر الوساطة التي يقوم بها العلماء في مجال السلطة والثقة. ومن هنا فقد أخذ الوقف يعمل على تعويض هشاشة

من أن تتقلص، في شرعية الحكام الذين يحتلون موض داخل املجتمع، وهو ما يفسر تزايد مركزية الوقف، بدال

متميزا

عا

اإلمبراطورية العثمانية، التي كانت دولة ذات حدود وتتمتع بوجود تنظيم للوظائف العامة وتدريج لها.

وبذلك تحول الوقف اإلسالمي في هذه الظروف إلى مؤسسة معقدة ومتشعبة. وهو ما انعكس كذلك في رؤية الدولة لدورها

في دعم البنية التحتية، عبر نقل هذه املهام للوقفيات التي أخذت على عاتقها مهمة الحفاظ على االستقرار والسلم

(6)االجتماعي داخل اإلمبراطورية.

الشروط الجديدة لدور املؤسسة الدينية ذات الصبغة االجتماعية في املجال العام، استقر التعريف وبحكم هذه

السوسيولوجي للعلماء بوصفهم أولئك الذين يقودون املجتمع والذين يشكلون املجال العام، وهو دور كان في الواقع أكبر

من دورهم كحاملي معرفة دينية.

: واليات العثمانيةة داخل التمعات الرقابوالدة مجثانيا

في كتابه" املراقبة واملعاقبة" سعى الفيلسوف الفرنس ي ميشيل فوكو إلى تعريفنا بعملية التغيير التاريخية الحاسمة في

ميدان األشكال االجتماعية التي شهدها املجال السياس ي الحديث للدولة. حيث أخذت تتحقق صيغة سلطة جديدة

للقوة السياسيةمحددة بجملة التكنولوجي .(7)ات التي ترى املجتمع ملكوتا

وفي حال اعتمدنا على قراءة فوكو آلليات الرقابة التي أخذت تتسم بها عوالم الدول الحديثة، نجد أن فترة التنظيمات التي

إصالح ، والذي سعت من خاللها بعض النخب العثمانية إلى إعادة 0929شهدها جسد اإلمبراطورية العثمانية سنة

الستمراريتها عبر األخذ بتقنيات الغرب وبعض تنظيماته، كانت بمثابة منعطف أساس ي في اإلمبراطورية العثمانية ضمانا

.(8)صوغ مفهوم جديد للمجال السياس ي داخل املجال العام العثماني والعربي

.3100محمد تركي الربيعو، الوقف في العالم اإلسالمي ما بين املاض ي والحاضر. الجزيرة نت، (6) .0991ميشيل فوكو، املراقبة واملعاقبة. ترجمة علي مقلد ومطاع صفدي. بيروت: مركز اإلنماء القومي، (7)السوري زهير غزال، أن بدايات جذور الدولة االستبدادية في سوريا، تعود في األساس إلى تفعيل آليات التنظيمات العثمانية بعد أحداث في هذا السياق يرى املؤرخ (8)

دى إلى حدوث . فقد استغلت السلطات العثمانية هذه األحداث لفرض هذه التقنيات السياسية والقانونية، األمر الذي أ0961الفتنة الطائفية في مدينة دمشق سنة

زارة الثقافة ملكة أبيض، و تحوالت عميقة في عالقة املجال العام الدمشقي بالسلطات العثمانية ...زهير غزال، االقتصاد السياس ي لدمشق في القرن التاسع عشر، ترجمة

(.3119السورية،

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

9الصفحة:

لقانون، وبدأت عملية الفصل فقد أدخلت مسيرة اإلصالحات مفاهيم وممارسات جديدة حول السلطة السياسية وا

التدريجي للدين عن الحكومة عبر إيجاد حيز خاص من القوانين والتشريعات خارج نطاق الدين.

وبحسب املؤرخ التركي البر أورتايلي، فقد شكل نشوء الفئات املتعلمة من البيروقراطيين واملعلمين واالختصاصيين

أخذ يتغذى باملواد املطبوعة واأل فكار السياسية واالجتماعية الخارجة عن اإلطار الذي فرضته الرقابة الحميدية "جمهورا

(9)واالمتثال الديني، عبر تشرب األيديولوجيا واملثل العليا للحرية والدستور .

وبذلك أخذت النخب العثمانية تنظر إلى املجتمع ككيان غير واع بذاته ويحتاج إلى إعادة صوغه من أعلى الدولة، األمر

الذي عكسته ممارسات رقابية تقوم على فكرة أن السكان واملجال العام ال بد من إعادة تشكيل عالقات السلطة بداخله،

.(10)وإلى ضرورة تشكيل العامة ومؤسساتهم االجتماعية ومراقبتها بشكل وثيق

ومن هنا أخذت الدولة العثمانية تنتقل عبر هذه اآلليات السلطوية الجديدة إلى مجتمع الرقابة، متجاوزة بذلك مجتمع

الضبط السابق.

من أربعينيات القرن التاسع عشر، تقتصر في نشاطها على املجال السياس التقليدي، حيث لم تعد الدولة العثمانية، بدءا

متقطع في األداء اليومي لألماكن العامة ملواصلة السيطرة على السكان، بل على العكس بدأت واالكتفاء بالتدخل بشكل

السلطات تتغلغل في املمارسات الدقيقة للسكان املحكومين ولتحقيق هذه الغاية، تنوعت الوسائل السياسية التي

بفرض الضرائب، ومن املنظمات املؤسسية و من التشريع، مرورا

لواقع انتهاء باملمارسات االحتفالية. وفي ااستخدمت، بدءا

يقدم إلينا الربع الثاني من القرن التاسع عشر أدلة وفيرة القتفاء أثر هذه التغيرات في وضع الحكم العثماني، والتغييرات

بإصالحات التنظيمات املعروفة التي بدأت في سنة .0929التي ميزت القطيعة بين "القديم" و"الحديث"، ومهرت رسميا

جيلين من النخب البيروقراطية العثمانية. حيث تميز املوجودون في بدايات الخطوة ال بد من اإلشارة هنا لضرورة التمييز على مدى هذا القرن من اإلصالحات، بين (9)

نيات السياسية، ه األخذ بالتقالتحديثية باالعتماد على قوالب أكثر تقليدية من الجيل الالحق الذي تخطى الرغبة في االقتصار على التقنيات اإلدارية والعسكرية باتجا

منه بأن هذه األدوات ستساهم في حل أزمة األقليات والنزعات القومية التي كانت تعصف آنذاك بجسد اإلمبراطورية. لالطالع على تفاصيل أكثر حول النخب اعتقادا

.3103العثمانية يمكن مراجعة املقالة التالية .... محمد تركي الربيعو، السلطان عبد الحميد الثاني وبردة النبي. جريدة الحياة اللندنية ،لسياسات، العدد بحاث ودراسة انكيز كيرلي، املراقبة وتشكيل الحيز العام في اإلمبراطورية العثمانية. مجلة عمران للعلوم االجتماعية واإلنسانية، املركز العربي لأل ج (10)

.3102، خريف 6

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

9الصفحة:

: سلطة العلماء لنة الشرعية اإلسالمية وتهميشدو ثالثا

ضمن هذا السياق ما عاد ينظر إلى املجال العام والحقل الديني باعتبارهما مجرد مرجعيات سوسيولوجية ظهرت على

في مواجهتها، ذلك أن املمارسات الحكومية الجديدة أخذت تجادل بضرورةإعادة وتعريف هذا الرغم من الدولة وأحيانا

املجاالت، األمر الذي بات يمس من استقاللية املؤسسة الدينية ودور العلماء في املجال الديني والعام.

ففي هذا الترتيب الدستوري الجديد، لم يتم االحتفاظ بفكرة أن العلماء أو حتى محاكمهم كانت هي حامية للشريعة إال في

أي تقليد عمره ألف عام يعتبر العلماء ممثلين للحس االجتماعي داخل الفضاء املديني، املعنى الرمزي، كما لم يكن هناك

بين السلطان باعتباره السلطة التنفيذية وبين العلماء باعتبارهم حماة الشرع. وأن توازن السلطات كان قائما

م، أن اإلصالحات التي 0911ثاني سنة ولذلك كانت النتيجة بعد تعليق الدستور العثماني من قبل السلطان عبد الحميد ال

أزاحت العلماء باعتبارهم كفة موازية، لم تنجح في أن تحل محلهم أي ش يء آخر. وكانت النتيجة سلطة تنفيذية متحررة

من القيود التقليدية التي يضعها العلماء، وبعيدة عن القيود العصرية التي كان يمكن فرضها بواسطة هيئة تشريعية

منتخبة شعبي .(11)ا

وبذلك باتت الشريعة في أواخر الحقبة العثمانية، وفي النظم الدستورية التي كانت سائدة في أغلب العالم السني بعد

الحرب العاملية األولى، عبارة عن مجموعة من القواعد تحددها سلطة الدولة وتطبقها. كما تقلصت واليتها لتشمل فقط

بحيث انتقل العلماء من كونهم حماة شرع شبه مستقلين إلى موظفين لدى الدولة في القضايا املتعلقة بقانون األسرة.

أفضل األحوال. وفي أسوأ األحوال، تحول العلماء إلى مجرد وجوه دينية ال أهمية لها في إصدار األحكام بوجه عام.

الحديثة الدولة ميالد تعني والشريعة العلماء على االعتماد نهاية ومن هنا، كانت زاحة، كما أن إاملسلم العالم في دستوريا

تكون أن على قادرة مؤسساتية قوة وراءهما يتركا لم العلماء طبقة فول أو الشريعة يعد لم ،البيئة هذه مثل وفي بديال

.(12)للرقابة تخضع ال تنفيذية سلطة لنمو حاجز هناك

زيادة في ، بادئ األمر إلىوريااالجتماعي أدى، وبخاصة في سوبرغم أن التنفيذ الفعلي ملا جاءت به اإلصالحات على الوضع

نفوذ العلماء. فاملجالس املحلية وبحكم وظائفها املتعددة إدارية، ومالية، وقانونية، كانت تتمتع بمكانة جيدة وكان يشرف

أقلية محلية متنفذة. وبفضل مشاركتهم في امل جلس الذي كانعليها األعيان والعلماء الذين كانوا يشكلون معا

يتمتع أيضا

بسلطات قضائية، استطاع العلماء لفترة من الزمن تخطي التقييدات القضائية أثناء التطبيق العملي. وهكذا فقد أظهر

الوضع بأنه بالرغم من أن العلماء عبروا عن عدم موافقتهم على ما جاءت به اإلصالحات، فإن تعاونهم مع الحكم العثماني

.000صنوح فيلدمان، سقوط الدولة اإلسالمية ونهوضها. (11) .032صنوح فيلدمان، املصدر السابق. (12)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

01الصفحة:

سن وجه. األمر الذي فسرته بعض القوى بمثابة انحراف شديد عن الوظيفة التقليدية للعلماء كدرع كان يتم على أح

.(13)للجماهير أمام ظلم الدولة

ظر له من قبل بعضهم بمثابة انحراف شديد عن الوظيفة التقليدية للعلماء كدرع للجماهير أمام ظلم الدولة. وهو ما ن

عنا انعكاسات هذا الواقع الجديد للمؤسسة الدينية داخل املجال العام في الحالة ضمن هذا السياق، وفي حال تتب

السورية، نجد أن فترة ما بعد الحرب العاملية األولى. قد شهدت إزاحة العلماء ليس فقط من قطاعي التربية والتعليم

من الوظائف اإلدارية. أما في السياسة فلم يكن لهم بعد اقراء لحرب األولى أي دور يذكر. وفي اإلمكان استوالقانون، بل أيضا

أن عدد 0952إلى 0909ذلك عبر االطالع على اللوائح التي أوردها ويندرز حيث تبين مهن البرملانيين في سورية للفترة ما بين

اء البرملان. كما عدد أعض العلماء في البرملان كان يتراوح ما بين واحد إلى اثنين. أي أن العدد كان يتناقص بوضوح بينما يتزايد

لوحظ أن الصوفية كانت في حالة انحسار، وأنه بدأت تحل محلها جمعيات شبه سياسية غدت برأي رايسنر بمثابة البديل

.(14)بالنسبة للعلماء في إطارها التنظيمي ونشاطاتها االجتماعية والسياسية

في عملية األسلمة في سوريا رغم كل الظروف التلكن مع ذلك ظل العلماء يشكلون بما ال يدع للشك أكثر الفاعي لين تأثيرا

تعرضوا لها، وخاصة أن دور الحركات اإلسالمية التي أخذت تظهر مع الثالثينيات في الدعوة كان غير كاف، حيث كانت في

بالقضايا السياسية واملناظرات الفكرية، لذلك فإن الص أكثر اهتماما

المية التي حوة اإلسالبداية حركة نخبوية نسبيا

.(15)شهدتها سنوات الستينيات ظاهرة قادها العلماء بشكل واضح

كما العلماء كانوا قد عانوا من األنظمة الديكتاتورية كما في حالة النظام البعثي وبالرغم من أن اإلخوان املسلمين مثال

القوى اإلسالمية الحركية إلى تصدر املشهد السلطوي، فإن حالة االحتقان التي شهدها الشارع في تلك الفترة، دفعت

االجتماعي والسياس ي كقوى سياسية بديلة ومحتملة للدولة، بينما بقي العلماء يسعون إلى تشجيع أسلمة املجتمع والدولة

من خالل االعتماد على خيار التفاوض وليس املواجهة، وهو األمر الذي سيؤسس لحالة غاضبة من قبل الشباب اإلسالمي

تى من قبل الحس االجتماعي العام بشكل عام تجاه السلطة الدينية التقليدية، وخاصة أن الذاكرة الجماعية الشعبية وح

بقيت تحتزن صورة لعلماء الدين بوصفهم املعبرين عن الحس االجتماعي العادل داخل املجال العام، األمر الذي نظر له

بوصفه أحد أهم األسباب في تبني مئات الشباب ملقوالت سيد قطب حول الحاكمية كرد فعل على مبدأ إطالقيه الحقا

. (16)دولة ما بعد االستقالل التي أخذت تستمد شرعيتها من ذاتها، عبر السيطرة املادية والرمزية على املجال العام

ناه ييرات عديدة كما بيوبالرغم من عدالة مطالب هذه الحركات، فإنها في حقيقة األمر أهملت أن واقع العلماء قد شهد تغ

، باإلضافة إلى أن أبناء هذه الحركات قد وقعوا من خالل نقدهم لصوت العلماء الخافت، وتبني مقوالت "اإلسالم سابقا

.013. ص3115يوهانس رايسنر، الحركات اإلسالمية في سوريا. ترجمة محمد إبراهيم األتاس ي. بيروت: دار رياض الريس، (13) .015يوهانس رايسنر، مرجع سابق، ص (14) .20.ص3102مراصد، توماس بيريه، مكونات التيار اإلسالمي في سوريا. ترجمة عومرية سلطاني. اإلسكندرية: سلسلة (15)مايكل كوك في كتابه "األمر باملعروف والنهي عن املنكر" أن مفهوم الحاكمية لدى سيد قطب ما هو إال التعبير يذهب أستاذ الدراسات اإلسالمية في جامعة برينستن (16)

نية. املعاصر لفكرة قديمة في اإلسالم تتعلق بمقولة األمر باملعروف والنهي عن املنكر، وأن رؤية قطب نابعة في األساس من أزمة الدولة الوط

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

00الصفحة:

دين ودولة"، من حيث ال يدرون في شراك ما تصوروا مقاومته، بأن استبطنوا فلسفته فباتوا أسرى لسحر الدولة، التي

.(17)عيين بشكل متزايد لسلطانهاتخضع الفاعلين االجتما

ذلك أنه على الرغم من نشأة هذا الفارق بين التصورات الدينية للحركات اإلسالمية وإنتاج املؤسسات الدولتية فإن

ملشروع آخر، وبذلك بقي الصراع بينهما الطرفين جسدا "مشروع التوريث"، أو إعادة تدوير وإنتاج الدين ليصير خادما

ه ضمن معادلة تجسيد انتصار الحداثة على الدين.يدور في منطق

وبذلك فإن اإلسالميين عندما كانوا يدعون إلى الشريعة، فإنهم لم يسعوا من خالل هذا األمر إلى استعادة النظام الشرعي

ر عن بالتقليدي الكامل تحت إشراف سلطة العلماء، ومن هنا جاء رفضهم للدولة القومية من منظور سوسيولوجي ال ليع

رفض لعالقة الحداثة السياسية بالحقل الديني املعاصر، بمقدار ما أخذت تؤشر إلى حالة من التذمر حيال السياسات

الحزبية والعسكرية الضيقة التي أوصلت البالد إلى حالة من االنسداد االقتصادي واالجتماعي. ومن هنا كان ظهور هذه

عام اإلسالمي التقليدي، بمقدار ما بات يشير إلى بروز بديل سياس ي عن السلطة الحركات ال يعبر عن عودة إحياء املجال ال

العربية بعد أن بدأت مالمح فشل مشروعها التنموي بالظهور على املستوى اليومي، بيد أن توالي األحداث دفعت هذه

.(18)الشرائح إلى املشاركة في حالة العنف السياس ي التي ساهمت األنظمة في خلقها

التعثر الذي شهده مسار الحركات اإلسالمية في مرحلة الثمانينيات، سعت النخب السياسية السلطوية إلى محاولة بعد

من أن دعم هذه السلطات التقليدية قد يقمع تصورات أخرى التودد من جديد لرموز الدين التقليدية، وذلك انطالقا

ام عمل على تشجيع األسلمة طاملا أنها ال تقترب من مطالب تغيير النظلإلسالم، ويمنع ظهورها في املجال العام حتى لو كانت ت

السياس ي.

كان النظام السوري يفضل أن يختار شركاءه الدينين ليس بناء على قربهم من األيديولوجية " وفي حالة سوريا مثال

لدرجة والئهم، بل ويفضل أن يكون األمر بناء على نطقي درجة مصداقيتهم. وهو األساس املالتقدمية " البعثية، ولكن وفقا

الذي أقامه حافظ األسد مع الشيخ البوطي في بداية الثمانينيات، رغم إدانة األخير للقومية واالشتراكية اللتين شكلتا

.(19)املكون الرئيس لأليديولوجية البعثية

كما سعى النظام إلى مراقبة الفضاء الديني وحلقات التعليم الدينية، عبر افتتاح مدارس جديدة لحفظ القرآن، وذلك

كمحاولة لسحب البساط من تحت أقدام الحركات اإلسالمية، التي لطاملا اعتمدت على هذه القنوات الدينية في نشر

لعلماء مع هذا الواقع بمرونة أوسع مما أبدته الحركات اإلسالمية، دعواتها السياسية والدينية. وقد تعامل العديد من ا

دون أن يعني ذلك أنهم كانوا أقل إسالمية من النشطاء اإلسالميين باملعنى االجتماعي وليس السياس ي، ذلك أن الظروف

سار ، وإلى انتهاج مالسياسية واألمنية جعلتهم يتعاملون مع السياسات الدينية للنظام السوري من باب األمر الواقع

.20.ص3102حدود، نتصار الدولة على اإلسالم. الرباط: مؤمنون بال الهضيبي، ا إبراهيم (17) .2.ص3102االستراتيجية، قراءة سوسيولوجية. عمران للدراسات –املجال السياس ي في سوريا تحوالت (18) .30توماس بيريه، املرجع السابق ص (19)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

03الصفحة:

مصلحي طاملا أن هذه السياسات كانت تعزز من مسار أسلمة املجال االجتماعي، الذي يجيدون إدارته، كما كان يرى بعض

العلماء أن انتهاج هذا الطريق البديل يساهم في تسديد بعض الضربات للنظام ولكل بشكل غير مباشر.

سياسية بديلة بعد القمع الوحش ي للحراك اإلسالمي في الثمانينيات، أخذت ضمن هذه املعادلة، وفي ظل غياب أي قنوات

العديد من األوساط الشعبية تنظر إلى املمارسات الدينية كوسيلة للمقاومة السلمية، باعتبار أن األخالقيات اإلسالمية في

مضمونها كانت تعارض سلوك السلطات السياسية التي كانت تفتقر إلى أي أساس أخالقي.

في انزالق العديد من النخب اإلسالمية في عدد من البلدان العربية، نحو سلفية جديدة باتت تسعى وهو ما ساهم الحقا

إلى القيام بأسلمة جديدة من خالل توظيفات متعددة الوجوه في أوساط املجتمع املدني، كما في أوساط النخب املدينية،

من أي وقت مض ى، رغم أن طيف الثورة اإلسالمية كان قد توارى، والواضح وبذلك أخذت الرموز الدينية تتغلغل أكثر

آنذاك أن انحسار اإلسالموية السياسية ترافق مع تقدم اإلسالم كظاهرة اجتماعية.

كما أن عملهم أخذ يمتد لكافة امليادين ويشمل كافة املستويات، من خالل انتهاج رؤية سياسية قائمة على العمل

االجتماعي.

أ أن والصوفية، ولذلك أخذنا نرى تقليديةال وساطاأل في تتغلغل خذتأ فكاراأل هذه أن لالهتمام املثيرو صوفية وساطا

الشريعة تطبيق في ،العموم وجه على ،متشددة غير تطبيقا

الفكر وبين بينها العريق العداء برغم تتنقل أخذت ،صارما

.الجديدة السلفية لىإ التقليدي السلفي

كما أن من أهم سمات هذه السلفية الجديدة، أنه ما عاد لدى أبنائها افتتان اإلسالموي بالحداثة، أو بالنماذج الغربية في

السياسة واالقتصاد. والقطيعة التي باتوا يريدونها مباشرة مع النموذج الغربي، أخذت تتمظهر في جسد املؤمن ذاته وفي

تمت إعادة تصميم الزي عبر العودة إلى اللباس التقليدي، بعكس اإلسالميين أنماط معيشته عبر مسرحة الذات، حيث

الذين لم يترددوا في ارتداء أزياء أوروبية ولو بعد أسلمتها. وبذلك أخذت الحالة اإلسالموية تعبر إلى مرحلة جديدة ذات مثال

يبالشع سالماإل أوساط سيما ال ،عليها يةعص ،الحين ذلك حتى ،ظلت أوساط فينزعة سلفية، وهو ما أتاح لها أن تتغلغل

.(20)الصوفية خوياتواأل

روا. ترجمة نصير مروة. أوليفيه اعتمدنا في رؤيتنا هذه لحالة السلفية الجديدة على قراءة الباحث الفرنس ي أوليفيه روا في كتابه تجربة اإلسالم السياس ي لهذه الظاهرة، (20)

أن حالة العبور هذه شهدت نقاشات عديدة خالل األعوام والجدير بالذكر . وخاصة في الفصل الخامس للكتاب واملعنون بـ "السلفية الجديدة"، 0996بيروت: دار الساقي.

رضوان السيد الذي توقع قبل الربيع العربي بأن الحركات اإلسالمية التقليدية )اإلخوان املسلمين( ما تزال لعربي ذه الرؤية أمثال املفكر االقليلة املاضية، بين مشكك به

وم حسام تمام )توفي ر عنها املرحتحظى بقاعدة شعبية كبيرة، وأن أي انتخابات نزيهة ستدفع باإلسالميين إلى سدة الحكم. وبين رؤية منحازة لفكرة السلفية الجديدة كما عب

األطروحة ه تآكل( الذي كان يرى أن اللحظة املقبلة هي لحظة السلفية بامتياز، وأن السلفية هي سيدة الزمن املستقبلي، وهو ما بدا بشكل واضح عبر كتابي3100

(. 3101)االخوان (، وتسلف 3119)اإلخوانية

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

02الصفحة:

: من "الحروب العادلة"ز رابعا

من التحوالت أخذت تشير إلى حدوث تغييرات في هذه األثناء وبعد نهاية الحرب الباردة، كان الصعيد العالمي يشهد عددا

في البنيان املادي للدولة القومية والنظام العالمي. حيث اتسمت هذه املرحلة االنتقالية بتجاوز حالة القانون الدولي

على أشكال التعاقد واملعاهدات، إلى بناء سلطة عاملية سيادية جديدة فوق قومية.التقليدي الذي كان قائما

، تمثلت في االهتمام املتجدد بمفهوم "الحرب العادلة" وبمدى فعالية ونجاح مثل هذه ولعل إحدى هذه األعراض، مثال

باألنظمة اإلمبراطورية القديمة، والذي تعود جذوره املعقدة إلى عضويا

ارتباطا

الحرب. فهذا املفهوم الذي كان مرتبطا

في أعقاب حرب التراث التوراتي راح يعود إلى الظهور ب في النقاشات السياسية الدائرة، خصوصا

مركزيا

وصفه موضوعا

الخليج الثانية.

حيث أخذ يستند، وفي املقام األول، إلى الفكرة التي تقول بأن للواليات املتحدة األميركية حق شن الحرب، حاملا تجد نفسها

ذلك أخذ هذا املفهوم ينطوي على إضفاء الصفة الطبيعية في مواجهة تهديد بعدوان يمكنه أن يعرض مصالحها للخطر. وب

ألي حرب تشنها الواليات املتحدة األميركية، كما على التهليل لها بوصفها أداة أخالقية.

بين عنصرين متمايزين هما: عنصر أو مقاومة، بل باتت تزاوجا

دفاعيا

وبذلك لم تعد الحرب العادلة بأي من املعاني، فعال

، وعنصر فعالية التحرك العسكري في سبيل تحقيق النظام مشروعيةاألداة العسكرية طاملا كانت ذات سند أخالقي أوال

في عملية تحديد أساس مفتاحيا

. وبالفعل كان من شأن تزاوج هذين العنصرين أن يشكل عامال

والسلم املرجوين ثانيا

)إذ جرى اختزاله إلى مجرد هدف اإلمبراطورية وتقاليدها الجديدة. فالعدو اليوم، تمام عاديا

كما الحرب بالذات، بات أمرا

ا

يهدد النظام األخالقي برمته( من جهة ثانية. وربما )بوصفه عدوا

للقمع البوليس ي الروتيني املألوف( من جهة، وصار مطلقا

.(21)شكلت حرب الخليج النموذج املتكامل لهذا املعنى الداللي الجديد

ذا املنطق قد تعرض للرفض القاطع والحاسم على صعيد الفكر السياس ي الحديث من ناحية، ومن جانب ورغم أن ه

كبيرة القانون الدولي من ناحية ثانية، وذلك حيال التركيز املتجدد على مفهوم الحرب العادلة، التي بذلت الحداثة، جهودا

في سبيل استئصاله، وشطبه من التراث القروسطي.

ا البعد اإلمبراطوري الجديد، الذي بات يستند إلى أدوات العوملة الجديدة، أخذ يشهد ممانعة من قبل العديد بيد أن هذ

من القوى وهو ما توقعه بعض املختصين في دراستهم ملآالت العوملة والحرب العادلة، وذلك عبر االعتماد على نفس اآلليات

د العالمي من خالل والدة ظاهرة الجها املشرق العربيز بشكل واضح في حالة واملنطق الفلسفي لهذه املفاهيم. األمر الذي بر

بقيادة أبناء السلفية الجديدة، كرد فعل على حالة االنسداد االجتماعي الوطنية، وحالة التوحش األميركية التي بدت في

.3113العبيكان، مايكل هاردت، أنطونيو نيغري، اإلمبراطورية. ترجمة فاضل جتكر. الرياض: (21)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

02الصفحة:

ة من قتال " العدو القريب" إلى مواجهالجوانب السياسية والعسكرية. األمر الذي عنى عوملة ملفهوم الجهاد، عبر االنتقال

.(22)" العدو البعيد"

وبذلك ما عاد هذا العنف التي أخذت تروج له بعض الحركات الجهادية، ناجم باألساس عن رواسب ثقافية إسالمية،

ها في أن يقلد لبمقدار ما أخذ يدل على أن هذا العنف بات يتموضع في التنافس املحاكي. بين الجماعات والبالد التي ترغب ك

. ولذلك فإن أبناء الحركات الجهادية مثل زعماء املجتمعات الغربية الرأسمالية ما بعد الصناعية، باتوا بعضها بعضا

يدعون إلى نظام عالمي جديد يهيمن فيه التضامن اإلسالمي على الحدود العرقية والقومية. بحيث أخذوا يشاركون في

لحرة ألواخر القرن العشرين والسوق العالمي الحر ما بعد القومي، البارز في الثيولوجياتاألساس املنطقي للرأسمالية ا

السياسية في الليبرالية الجديدة. وبأسلوب مشابه للطريقة التي تكافح بها الليبرالية الجديدة الغربية لتكون مهيمنة من

.(23)حيث هي رؤية للعالم

ص في أنثروبولوجيا العنف رينيه جيرار، في مقابلة له مع جريدة اللوموند بعد وهو ما عبر عنه املفكر الفرنس ي املتخص

عبر القول" ألم يكن مسببو الهجوم بفاعليتهم، وبتعقيد الوسائل املستخدمة، وباملعرفة التي كانوا يمتلكونها عن 00/9

ما؟ هنا نح (24)ن في وسط عدوى املحاكاة؟الواليات املتحدة، وبتدريبهم، ألم يكونوا على األقل أمريكيين نوعا

: ة أقلمة املشروع الشيعي اإليرانيسوق ديني جديد وإعادخامسا

في قصم ظهر الحركات الجهادية العاملية بعد حرب أفغانستان، وبالرغم من أن الواليات املتحدة األميركية نجحت ظاهريا

وفي الوقت الذي ظن به العالم بأن زمن هذه الحركات قد ولى، فإنمفاعيل العوملة بقيت تدفع وتنظم إلى أقص ى مدى عددا

من الظواهر، وال سيما منها إزالة اإلقليمية على صعيد العامل الديني.

وخاصة أن التطور املعاصر للعوملة أخذ يدفع جميع مكونات الظاهرة الدينية إلى أقص ى مدى، حيث لم يعد زوال الصفة

اإلقليمية يرتبط بانتقال األشخاص فقط بقدر ما بات يرتبط بانتقال األفكار واملواد الثقافية، واإلعالم وأنماط االستهالك

بعامة في فضاء غير إقليمي.

دة الثقافية تحتاج لكي تنتقل أن تبدو عاملية، غير مرتبطة بسياق اجتماعي وتاريخي وثقافي معين، فإنها ال بد من أن وألن املا

تنفصل عن جذورها التاريخية كي تكتسب صفة العاملية، وهو ما بدا في حالة العوملة الجديدة لألديان من خالل انفصال

عن مشروع جهادي عابر للحدود بعد حرب الخليج الثانية بس (22)

دقيقة نوات. ملتابعةيرى العديد من املقربين للشيخ أسامة بن الدن بأن هذا الرجل أخذ يبحث فعليا

لشبكة هامر، تنظيم القاعدة في السعودية، املراحل تطور فكر القاعدة يمكن العودة إلى الكتاب الهام للغاية للباحث النرويجي في مؤسسة الدفاع النرويجية توماس هيغ

.3100العربية لألبحاث والنشر، لجهادي السعودي(، ا –لسلفي انظر إلى املقاربة الذكية التي قدمتها أستاذة األنثروبولوجيا في جامعة لندن مضاوي الرشيد في دراستها "املحلي والعالمي في الخطاب ا (23)

لعاملية: الحركات السلفية املعاصرة في عالم متغير. تحرير روول ميير. ترجمة محمد محمود التوبة. بيروت: الشبكة العربية لألبحاث والتي نشرت في كتاب " السلفية ا

.3102والنشر، .مضاوي الرشيد، املرجع السابق (24)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

05الصفحة:

ى البعد الطهراني، بحيث تبدو النصوص املقدسة قادرة على النطق خارج أي الديني عن الثقافي، وعبر فهم للدين يقوم عل

(25)سياق ثقافي.

وبذلك بات انسحاب الديني من الثقافة ظاهرة جوهرية لتطور الديني في الحقبة املعاصرة، األمر الذي حفز على انبعاث

على صعيد املجال العام املعولم.طهورية جديدة جديدا

لتلعب دورا

كما أنه في ظل بروز الفردانية وما عرفه الناس من حركية في أنشطتهم اليومية، كل ذلك جعل الفرد يدخل في نوع من سوق

دولي كبير للرموز الدينية، فيختار منها ما يشاء ويعرض عما يريد. ومن ثم يخلق لنفسه توليفة لرموزه الدينية الخاصة به،

أو عند وأخذ من تلك الرموز القليل الذي يحتاجه لبناء هويته في خطة معينة. وهذا ما بتنا نجده عند املهاجرين مثال

مسافرون عابرون للقارات وفي جعبتهم أدوات أبنائهم. وأنتج كل ذلك لديهم ثقافة دينية ال تربة لها وال تاريخ. إنهم فعال

عن ثقافة األجداد الدينية. قليلة ال تثقل كاهلهم، وهي في نظرهم تكفي لبناء هويتهم. وبذلك انفصلوا نهائيا

مفاده أن الثقافة الدينية نفسها، أصبحت جديدا

دينيا

وبذلك أخذت السوق الدينية الجديدة في ظل العوملة تفرض واقعا

مختزلة في سؤال وجواب، فالفاعل الديني الحديث يذهب إلى األنترنت ويأخذ منها ما يريد، وهو سلوك عام حتى عند غير

تدينين. واملسأـلة متعلقة بالذاكرة، فالناس ال يحفظون الشعر ولكن األنترنت بات يوفر لهم املادة املطلوبة. كل ذلك خلق امل

يتميز بتعدد مصادر املعرفة الحديثة واملعاصرة مقابل تقلص دور الذاكرة الدينية جديدا

.(26)وضعا

ومن هنا أخذت تتحول املسافة بين املؤمن الجديد وغير املؤمن أو املؤمن التقليدي إلى حاجز، فال يعودان يتقاسمان ال

مشتركة، والش يء الذي يختفي هو كامل املسافة الوسيطة بين املؤمنين غير املمارسين للشعائر، تناسق الحركة وال قيما

. واملمارسين باالسم، املؤمنين الدينيين ث قافيا

فاملؤمنون يرون أن فاتري االيمان، أولئك الذين لم يتموا تحولهم الثاني إلى الديانة )الوالدة الجديدة( هم في الواقع جزء

. وبذلك يعيش ، يبدو املؤمن في نظر غير املؤمن س يء املعشر ال بل متزمتا

من العالم الدنيوي، بل العالم الوثني، وعكسيا

هم كأقليات محاطين بثقافة دنيوية، ملحدة، مادية. واملتحول أو املولود من جديد، يرفض أن يصنف املؤمنون فيما بين

إيمانه، كما يفعل علماء األناسة، في فئة نظام رمزي ثقافي بين أنظمة أخرى، وعنده أن األمر يتعلق بمطلق، وهذا ما يسميه

.(27)لتي تصنع الدينيعالم الالهوت البروتستانتي، كارل باث " طفرة اإليمان " ا

في ظل هذه املعطيات الجديدة على صعيد السوق الدينية، كان املسؤولون الغربيون واألميركيون يرتكبون أكبر خطيئة في

ان ، مقدمين بذلك أكبر هدية لخروج طوفمؤسساتهتدمير عند غزو بلد عربي عريق مثل العراق و تاريخ السياسة اإلقليمية

لجهل املقدس: زمن دين بال ا للتوسع في فهم فكرة االنفصال بين الديني والثقافي، نحيل القارئ إلى كتاب الباحث الفرنس ي املتخصص في الحركات األصولية أوليفيه روا. (25)

يعة".. وخاصة في الفصل الرابع واملعنون " الثقافة والدين: القط3103ثقافة. ترجمة صالح األشمر. بيروت: دار الساقي، . 3102حوار مع عالم االجتماع واألنثروبولوجيا املغربي محمد الصغير جنجار، إعداد بسام الجمل، مؤسسة مؤمنون بال حدود (26) أوليفيه روا، الجهل املقدس مصدر سابق. (27)

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

06الصفحة:

، عن حدوده ونقل املعركة إلى داخل ومظلوميتهعه كل تراث الثقافة الشيعية، وأحالمه وطموحاته الثورة الخمينية، وم

الساحات العربية نفسها وتحقيق انتصارات ومكاسب استثنائية.

فبينما انشغل جنود االحتالل األمريكي في تنظيف األرض من أي أثر يمكن أن تكون قد تركته هذه املوجة، كانت موجة

بصحوة الشيعة في املنطقة.جديدة ع اتية تدهم العراق من الجنوب وفي حزام الفقر املحيط ببغداد، إيذانا

بداية ملد شيعي جديد بعد بروز نمط قيادة شيعية أخذ يقنن ويعقلن الدور السياس ي 3112فقد كان احتالل بغداد عام

ر الشيعية في املنطقة بقيادة إيران، بحيث بات يعبللحوزة الشيعية. كما أخذت تعبر عن منحى ميثولوجي في السياسات

عن نفسه عبر عمليات قتل يومية تجاه السنة في العراق وعمليات أمنية تخريبية في دول الجوار وثأرية في األقاليم البعيدة،

هنا وهناك. وتظاهرات ومواكب مليونية وحروبا

شيعي بوجه الخصوص ومع نزول أعداد ال تحص ى من أبناء –حيث اصطبغت هذه املرة البالد بلون عقائدي آخر إسالمي

الشيعة إلى الشوارع بقمصانهم السوداء وأناشيدهم الدينية الحزينة، غمرت البالد موجة جماهيرية طائفية قوامها شبان

يلوحون بأعالمهم ويلطمون على أجسادهم.

بين الحكومات والحركات الشيعية، أن املكاسب املحققة كما أخذت تشير هذه الصحوة الشيعية إلى اتفاق مؤداه في الرأي

في العراق ال بد من صونها وترسيخها، ذلك أن النتيجة املتحصلة من الحرب قد عادت بالنفع على الشيعة في كل املنطقة

على التجمعات الشيعية خارج العراق لدأ تبوليس على شيعة العراق وحدهم. ولذلك بات مثال العراق يمارس تأثيرا

باملطالبة بأن يكون لها صوت أعلى في إدارة الحكم داخل بلدانها، إضافة إلى أن هذه املكتسبات على صعيد القوة والجزم

أخذت تعزز األواصر الثقافية والدينية بين الشيعة، وتلك األواصر سوف تعمل بدورها على استدامة املكتسبات التي

لشيعة قادرون على املطالبة باملزيد وفي وسعهم الحصول عليه، وبذلك كانت حققوها على صعيدي القوة والنفوذ. وأن ا

من الصالت الثقافية والعرى الدينية الظاهرة بجالء على امتداد الهالل املمتد الحصيلة اإلجمالية قوة شيعية أكبر ومزيدا

للعمل مع الواليات املتحدة.من لبنان إلى باكستان. وهذا ما جعلهم من حيث املبدأ أكثر استعدادا

األمر الذي أشعر السنة في املنطقة بحالة من الغضب تجاه األطراف الشيعية، وبنوع من املظلومية تجاه ممارسات طوق

العمامة اإليراني في املنطقة، وهو ما برز بشكل واضح من خالل انتهاج بعض الجماعات القتالية في العراق بعض العمليات

من خالل الصورة السلبية التي بات يحظى بها الدموية تجاه الوسط االجتماعي الشيعي في العراق، كما برز في سوريا مثال

حزب هللا اللبناني وأمينه العام في ذهنية السوريين، باملقارنة مع الشعبية التي حظي بها قبل اندالع حالة العنف الطائفي

لعراقي السابق صدام حسين.في العراق والطريقة الطائفية التي أعدم بها الرئيس ا

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

01الصفحة:

خاتمة: انفجار املجال العام العربي

جاءت أحداث الربيع العربي لتعبر عن رغبة حقيقة ووعي جديد لدى أبناء املنطقة يتسم بحالة من القطيعة مع

وده عالقة جديد تس األيديولوجيات السائدة سواء على املستوى السياس ي أو حتى الديني، ورغبة جدية في بناء مجال عربي

جديدة بين املجال االجتماعي العام والسلطة السياسية.

هذا الربيع، وتجاهل املجتمع الدولي لهذه بيد أن حالة العنف الدموي الذي انتهجته السلطات الحاكمة العربية في وجه

الجرائم التي ارتكبت بحق املدنيين، وامتداد آثاره إلى بعض الدول التي كانت تعيش حالة من االحتقان االجتماعي والطائفي،

يد ددفعت جميعها إلى أن تتفتق الذاكرة السنية ليس في املنطقة فحسب ولكن في الغرب كذلك، لتعيد بناء سرديتها من ج

حيال أحداث املاض ي، ولتتفاعل العوامل السالفة الذكر )سلفية جديدة، ضعف على املستوى الدولي، تدين طهراني

إسالمي في الغرب، ميليشيات شيعية وقتل طائفي في سوريا والعراق، وانقالب دموي في مصر ( لتتولد عنها خليط مركب

)دولة العراق والشام اإلسالمية(، األمر الذي دفع وبحكم هذه العوامل من الحركات الجهادية ذات الطابع العولمي واملحلي

مجتمعة إلى انطالق أكبر موجة من العنف املذهبي والديني في املنطقة .

وفي ظل االنتشار السريع الذي أخذت تحرزه بعض الجماعات القتالية العاملية على الصعيد امليداني، أجبرت الواليات

ة على مراجعة حساباتها حيال حالة العنف السائدة في املنطقة.املتحدة األميركي

غير أن املقلق في هذه املراجعات، أنها ما عادت تبحث عن األسباب الكامنة وراء هذه الظواهر بمقدار ما باتت تعيد نفس

حالة ناتج باألساس عنالسرديات التقليدية حيال بروز هذه الجماعات وربطها بمنظومة فكرية، متجاهلة أن جوهر األزمة

قهر السلطة على صعيد الدولة الوطنية العربية، أو حتى على صعيد املمارسات القهرية الدولية.

وبالرغم من أن إدارة الرئيس األميركي قد استبقت هذه الضربة، بالحديث عن حقوق السنة، وضرورة مساعدتهم في

أخذ يتصاعد من أن هذه الضربات قد تودي إلى إضعاف السنة، وإدخال القوى تحصيل حقوقهم، اال أن هناك قلقا

. الشيعية في املنطقة مللء الفراغ الناتج عن تفكك قوة داعش على األرض كما هو متوقع عسكريا

وربما ما قد يزيد من تعقيد هذا األمر، هي املعلومات التي أخذت تتوارد عن استهداف هذه الحملة لبعض الجماعات

نية في سوريا، األمر الذي يعقد من نتائج هذه الضربة، ويدفع إلى نتائج كارثية ليس أقلها أن تدفع بعض القتالية الوط

الجماعات إلى أن تغير من األسس التي دعتها إلى العمل املسلح، عبر االنتقال من نزعة اجتماعية ثورية ذات طابع وطني

ة في ظل حالة التشكيك املستمر بنواياها، أو باألحرى توجيه بالدرجة األولى، إلى حركة مسلحة ذات طابع عالمي، وخاص

ضربات عسكرية لها.

في املنطقة، والدفع بآالف الشباب إلى تبني هذا املسلك في ظل انسداد باسم الدين وهو ما قد ينذر بارتفاع وتيرة العنف

تكن موجودة من قبل بحكم أن الخطاب لمالتي املظلومية السنية" “ بناء سردية أفق أي حل سياس ي عادل، وفي ظل تعزز

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

09الصفحة:

تشهد هذه السردية باتت أن املقلق أن بيد جامعة،السني التاريخي لطاملا طرح نفسه على أنه رابطة في وا رواجا

ظل سعا

لسنة السوريين والعراقيين.يركي /شيعي في املنطقة على حساب املصالح الجوهرية لأم تقاربعن الحديث

في البلدان العربيةهذا الواقع الجديد ، فإننا نرى بأن حل أزمة العنوبناء على األساس ، ليست ناتجة في ف السائدة حاليا

بمقدار ما ،برغم اشغالها للحرائق ورفضنا الكامل لرؤيتها الحياتية العنيفة ،عن وجود بعض الجماعات القتالية املعوملة

ء على صعيد املجال العام ، أو على صعيد الحقل الديني وغياب الرمزية يعود األمر لعدد من العوامل التاريخية سوا

التاريخية الدينية ووالدة سوق دينية جديدة، وعالقة هذه الحقول بالتحوالت العوملية الجديدة على صعيد البعد

توصيات مجموعة من ال اإلمبراطوري األميركي أو على مستوى أقلمة املشروع اإليراني الشيعي، ومن هنا سنسعى إلى تقديم

على مستوى الفعل السياس ي ، أو على صعيد السياسات الدينية الواجب اتباعها ، والتي قد تساهم في خلق فضاء ديني

سني جديد، قادر على تثبيط أي مساع عنفيه أو راديكالية تجاه املجال العام الشرق أوسطي.

على املستوى السياس ي

بل سيكون إن مواجهة املجموعات الجهادي ،له مفعول معاكس، إن لم ة ذات األصول السنية لن يكون مجديا

لة الرئيسية واملتمثلة في محورين:املسأ تتم معالجة

مواجهة االنهيار الكبير في مكانة األكثرية السنية، في سياق انهيار استراتيجيات الدول العربية باملنطقة. األول:

م السياسية، وتوسيع هامش الحريات.يتعلق بإعادة التأكيد وااللتزام بإصالح الدول العربية والنظ الثاني:

يهم، واحتماالت انتقالها إلر األوضاع في الفضاء العربي على الدول الغربية أن تدرك أن الخوف األساس ي من تدهو

وب وجادية / الطائفية، األمر الذي يعني ناتجة باألساس عن حالة تأميم املجال العام من قبل الدول االستبد

اعتماد أدوات جديدة لحل هذا اإلشكاليات الجوهرية بدل العودة للسياسات القديمة حيال القوى الحيوية في

املنطقة.

أما التوصية الثالثة فتتعلق بالرسائل التي ال بد من التأكيد عليها، أثناء الحوار مع الغربيين حول التسلح في

البالد إلى قاعدة تحول والقلق الذي تبديه بعض األطراف الغربية من مرحلة ما بعد األسد على مستوى سوريا،

أساسية للعمليات الجهادية تجاه الغرب.

ؤكد على أن مسألة الجهاديين األوروبيين هي ناتجة باألساس عن أزمة الواقع السياس ي نوفي هذا السياق

واالجتماعي األوروبي.

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

09الصفحة:

ذلك أن حاالت االغتراب التي يعانيها الشباب املسلم في أوروبا والناتجة عن الهجوم الذي تشنه العلمانية الحازمة

أو الصلبة تجاه ثقافة اآلخر )املسلم(، أدت بحسب بعض الباحثين في اإلسالم األوروبي إلى عدم رغبة األجيال

قيم الدول األوروبية، والسعي إلى البحث عن بديل مثالي الجديدة من املسلمين في التشارك والتفاعل مع ثقافة و

من خالل اعتماد اإلسالم الطهراني كبديل هوياتي في ظل عدم االعتراف بثقافة اآلخر املسلم في الدول الغربية من

بر التضحية عوبناء متخيل ديني راديكالي الواقع يؤمن ملعتنقيه قدرة على القفز فوق قبل. وخاصة أن هذا االنتماء

ببعض املنافع املباشرة )التواجد في أوروبا( والقيام بهجرة دينية حسب وصفهم إلى سوريا وأرض املسلمين

للجهاد، وهو ما يكسبهم مكانة تترجم إلى تفوق أخالقي على األرض مقارنة باملكانة الهامشية التي يعانون منها في

بلدانهم األوروبية.

بأن أزمة الجهاديين األوروبيين هي أزمة داخلية أوروبية باألساس ناتجة ولذلك ال بد من تذكير األوروبيين دوما

عن سوء التعاطي مع حقوق األقليات.

"للتوصل إلى اتفاق (28)الدفع باتجاه محاولة إقناع الدول األوروبية بالحوار مع ما دعوناه " اإلسالمية الوطنية

في الحكم وأدوات احتواء ضد جماعات " اإلسالمية العاملية"، وضرورة التأكيد على أن معظم يجعلها شريكا

التبريرات التي تعتمدها تجاه هذه الجماعات غير دقيقة، وستؤدي إلى تفاقم واقع الجماعات القتالية على

م عاألرض وخاصة أن مراجعة التجربة التاريخية للجماعات القتالية في العالم ، تظهر أن عدم االكتراث بد

الجماعات املحلية قد يؤدي إلى أن تغير هذه الجماعة من األسس الذي دعتها إلى العمل املسلح، عبر االنتقال

.من نزعة اجتماعية ثورية ذات طابع وطني بالدرجة األولى، إلى حركة مسلحة ذات طابع عالمي

لى مستوى السياسات الدينيةع

املنطقة ال عالقة لها بالتراث أو بالعودة إلى التقليد رغم اللغة املعجمية اإلسالمية إن ظواهر األصولية الجديدة التي تجتاح

املعتمدة في خطاب هذه األصوليات، بل إنه إحياء ثائر أو غاضب بشكل أوسع.

ولذلك ال بد من اإلصرار على جلب كل القوى اإلسالمية إلى ساحات النقاش بشأن املجدي والنافع والصالح للدين والدنيا،

وال عالج إال بالحوار. وال يمكن أن يتم هذا األمر بشكل فاعل إال عندما تستقل املؤسسات الدينية عن املؤسسة السياسية.

انتها داخل العالم اإلسالمي، وخاصة أن تاريخ هذه املؤسسة لطاملا تمثل في التاريخ األمر الذي يعيد للمؤسسة الدينية مك

اإلسالمي في التعبير عن حس املجتمع اليومي.

ومما ال شك به، أن مسؤولية الفقيه اليوم تكمن في ضرورة تعزيز السلم في املجتمعات املسلمة، بحيث يتخلى الفقيه عن

فكر دور " الفقيه األهلي" بحسب تعبير امل من أعلى الهرم، إلىالعام إلقامة الدين في الشأن دور السياس ي الطامح للسلطة

ذه القتالية عبر االستناد إلى أصناف تحليلية تستند إلى السلوك السياس ي لهكنا قد قدمنا في دراسة مشتركة سابقة داخل املركز مقاربة بديلة للجماعات اإلسالمية (28)

الجماعات بدل الرؤية التقليدية حيالها، من خالل تقسيمها إلى مجموعتين أساسيتين:

ات املجموعات السلفية املقاتلة في سوريا، مركز عمران للدراسالجماعات القتالية املوجهة إلى الدولة الوطنية، والجماعات القتالية املوجهة إلى الخالفة العاملية".... انظر

.3102االستراتيجية،

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

31الصفحة:

للجماعة واملجتمع، يسعى لرأب الصدع وتسوية النزاعات الداخلية املوريتاني السيد ولد أباه. أي الفقيه الذي يكون سندا

ا مع دينها وعصرها.والبينية، ويقدم لألمة الحلول العملية املبتكرة التي تصالحه

في العالم العربي الحداثة وتأزم الحياة الدينية

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

30الصفحة:

راج امل

: الكتب أوالركز . ترجمة أحمد زايد. القاهرة: املاملجال العام: الحداثة الليبرالية والكاثوليكية واإلسالمأرماندو سالفاتوري، -

.3103القومي للترجمة،

.3103. ترجمة صالح األشمر. بيروت: دار الساقي،بال ثقافةالجهل املقدس: زمن دين أوليفيه روا، -

.0996. ترجمة نصير مروة. بيروت: دار الساقي، تجربة اإلسالم السياس يأوليفيه روا، -

ة . ترجمة محمد التوبة. بيروت: الشبكالسلفية العاملية: الحركات السلفية في عالم متغيرتحرير روول ميير، -

.3102العربية لألبحاث والنشر،

. 3100. ترجمة عبلة عودة. أبو ظبي: كلمة للترجمة،تكايا الدراويشرايموند ليفشيز، -

. ترجمة ملكة أبيض. دمشق: وزارة الثقافة عشر االقتصاد السياس ي لدمشق في القرن التاس زهير غزال، -

.3119السورية،

.3113العبيكان،. ترجمة فاضل جتكر. الرياض: اإلمبراطوريةمايكل هاردت، أنطونيو نيغري، -

. ترجمة محمد الحاج سالم. بيروت: الشبكة العربية لألبحاث والنشر، الطبعةعلماء اإلسالممحمد نبيل ملين، -

. 0991. ترجمة علي مقلد ومطاع صفدي. بيروت: مركز اإلنماء القومي،املراقبة واملعاقبةميشيل فوكو، -

الطاهر بوساحية. بيروت: الشبكة العربية لألبحاث . ترجمةسقوط الدولة اإلسالمية ونهوضهانوح فيلدمان، -

.3102والنشر،

.3115. ترجمة محمد إبراهيم األتاس ي. بيروت: دار رياض الريس، الحركات اإلسالمية في سوريايوهانس رايسنر، -

: مقاالت وأبحاثثانيا

.3102. الرباط: مؤمنون بال حدود،انتصار الدولة على اإلسالمإبراهيم الهضيبي، -

. 3102قراءة سوسيولوجية. عمران للدراسات االستراتيجية، – تحوالت املجال السياس ي في سوريا -

.3102. ترجمة عومرية سلطاني. اإلسكندرية: سلسلة مراصد،مكونات التيار اإلسالمي في سورياتوماس بيريه، -

ة عمران للعلوم االجتماعي . مجلةاملراقبة وتشكيل الحيز العام في اإلمبراطورية العثمانيةجنكيز كيرلي، -

.3102، خريف 6واإلنسانية، املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات، العدد

.3103. جريدة الحياة اللندنية،السلطان عبد الحميد الثاني وبردة النبيمحمد تركي الربيعو، -

.3100نت ، محمد تركي الربيعو، الوقف في العالم اإلسالمي ما بين املاض ي والحاضر. الجزيرة -

_______________________________________________________________________________________________________________________________________ عمران للدراسات االستراتيجيةOmran for Strategic Studies

0الصفحة: