الرحيق المختوم

صفي الرحمن المبارآفوري

بين يدي الكتاب آلـمـة معالي الدآتور عبد اهللا عمر نصيف

آلـمـة معالي الشيخ محمد بن على الحرآان آلمة المؤلف

بين يدي الكتاب

هللا رب العالمين، والصالة والسالم على عبده ورسوله محمد أفضل الرسل وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه الحمد . ومن اهتدي بهديه إلى يوم الدين

: وبعـــد

فهذا الكتاب هو الذي أسهمت به في مسابقة السيرة النبوية العالمية التي نظمتها رابطة العالم اإلسالمي، وأعلنت عنها . هـ1396أول مؤتمر للسيرة النبوية الذي عقدته دولة باآستان في شهر ربيع األول عام عقب

لهذا الكتاب من القبول ما لم أآن أرجوه وقت الكتابة، فقد نال المرآز األول في المسابقة، وأقبل عليه اهللا وقد قدر . الخاصة والعامة إقباال يغتبط عليه

لم أطلع على إعالن الرابطة عن المسابقة في وقته، ولما أخبرت به بعد حين لم أمل وآان من حديث هذا الكتاب أني وآان آخر موعد لتلقي بحوث . إلى اإلسهام فيها، بل رفضت هذا االقتراح رفضا آليا إال أن القدر ساقني إلى ذلك

نحو تسعة أشهر من وقت اإلعالن، هـ، أي 1397المسابقة واستقبالها عند الرابطة أول شهر محرم من العام القادم وقد ضاعت مني من ذلك عدة أشهر، والمدة الباقية لم تكن تكفي إلعداد مثل هذا الكتاب، ولكن لما عزمت على ذلك

. سبحانه وتعالى، وشمرت عن ساق الجد، حتى تم إنجازه وإرساله في الموعداهللا استعنت

أخري ـ قلة المصادر، وعدم القدرة على مراجعة آل ما هو وآنت أعاني ـ مع ضيق الوقت واالشتغال بأعمالموجود، وآانت الدقة مطلوبة عندي بصفة خاصة مع تجنب الحشو والزوائد، واإلحاطة بالموضوع بقدر اإلمكان،

. وقد مررت بأماآن شعرت فيها بشيء من الفجوة والفراغ، وبحاجة إلى إضافات لم تكن في مستطاعي في ذلك الحين . ما آان باإلمكان هو التسويد السريع لما هو موجود، ثم نسخه أو استنساخه بغير مراجعة أو تنقيحفكل

وقد بقيت في النفس رغبة إلى ملء تلك الفجوة والفراغ وإضافة بعض الزيادات فيما بعد، ولكن مضت األيام أحيانا أثبت في الكتاب أشياء، وربما أقدم أو واألعوام ولم يقدر لي ذلك، حتى تقادم العهد وانفلت الزمام، وآنت

أؤخر، أو أضـيف أو أعدل أشياء، وهي وإن لم تكن عين ما آانت تتحدث به النفس عند التأليف، لكنها مهمة ومفيدة ، وآذلك اطلعت على مصادر قديمـة أغنتـني إلى حــد آبير عـما آـنت أحلت إليه من المراجع اهللا في السيرة إن شاء

. اهللا الحديثة، فأدخلت آل ذلك في هذه الطبعة بتوفيـق

وقد آنت أرجو ظهور بعض الملحوظات العلمية القيمة، أستفيد بها في صلب بعض الموضوعات، لكن الذي وصلني منها ال يمس الجوهر، وإنما يمس بعض األمور الجانبية التي ال تقدم وال تؤخر، يضاف إلى ذلك أن معظمها خطأ

. بل تخبط غريب لم يكن يرجي مثله من عامة الدارسين، فضلا عن أصحاب التخصص واضح،

، وهي اهللا وهذه الطبعة التي تتضمن هذه اإلضافات والتغييرات تكون أفضل وأآثر فائدة من الطبعات السابقة إن شاء قبل ذلك من جهة الرابطة عدة طبعات، آما وقد طبع الكتاب . الطبعة الشرعية الوحيدة مع تلك اإلضافات والتعديالت

طبعه بعض اإلخوان بإذن من المؤلف، ولكن هناك عشرات الطبعات آلها غير شرعية قام بها الناشرون بغير إذن وقد بلغت الجرأة ببعضهم إلى أنه احتفظ بجميع حقوق الكتاب . من المؤلف وال إشعار له، مستغلين سمعة الكتاب

. للحق، وإليصال الحقوق إلى أهلها قبل أن يأتي يوم ال بيع فيه وال خالل اهللالنفسه، فهداهم

. على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وبارك وسلماهللا وصلى

هـ 1415ربيع األول 18

م 1994أغسطس 26

صفي الرحمن المبارآفوري

الجامعة اإلسالمية، المدينة المنورة

عمر نصيف اهللا آلـمـة معالي الدآتور عبد

وحده ال شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اهللا الحمد هللا الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن ال إله إال عليه اهللا وصفيه وخليله، أدي الرسالة وبلغ األمانة ونصح األمة وترآها على المحجة البيضاء ليلها آنهارها، صلى

عن آل من تبع سنته وعمل بها إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورضاك يا اهللاوعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي : أما بعد . أرحم الراحمين

فإن السنة النبوية المطهرة ـ وهي العطاء المتجدد والزاد الباقي إلى يوم الدين، والتي يتسابق المتسابقون، ويتنافس عليه وسلم حتى تقوم الساعة ـ اهللا وآتابة الكتب واألسفار في مواضيعها منذ بعث صلى المتنافسون إلى الحديث عنها

تضع للمسلمين النموذج العملي والبرنامج الواقعي لما ينبغي أن يكون عليه سلوآهم وأفعالهم وأقوالهم وعالقاتهم . بربهم، ثم بأهلهم وعشيرتهم وإخوانهم وأمتهم والناس أجمعين

} يرالقد آان لكم في رسول اهللا أسوة حسنة لمن آان يرجو اهللا واليوم الآخر وذآر اهللا آث { : عز وجل اهللاوقد قال . ] 21 : األحزاب [

. ) آان خلقه القرآن ( : معليه وسلاهللا صلى اهللا عليها ـ عندما سئلت عن خلق رسول اهللا وقالت السيد عائشة ـ رضوان

فال ريب إذن أنه البد لمن أراد النجاة من هذه الدنيا باتباع المنهج الرباني في جميع شئون آخرته ودنياه وأن يتأسي عليه وسلم، ويأخذ بالسيرة النبوية تفكرا وتدبرا على أنها هذا المنهج الرباني القويم عاشه اهللا بالرسول األعظم صلى

عليه وسلم واقعا عمليا في جميع شئون الحياة، ففيها الهدي والرشاد للقادة والمقودين اهللا صلى اهللا ا رسول سيدنفي السياسة : والحكام والمحكومين والمرشدين والموجهين والمجاهدين، وفيها األسوة الحسنة في جميع المجاالت

ية واألخالق الفاضلة والعالقات الدولية، فما أحرى المسلمين والحكم واالقتصاد والمال واالجتماع والعالقات اإلنساناليوم ـ وقد انحدروا في مهاوي الجهالة والتخلف البتعادهم عن هذه المنهج ـ أن يعودوا إلى صوابهم وأن يقدموا

ا طريق السيرة النبوية في مناهجهم الدراسية ومنتدياتهم المختلفة على أنها ليست للمتعة الفكرية وحسب، بل فيهعز وجل سلوآا وأخالقا، حتى اهللا ، وفيها إصالح الناس وفالحهم، فهي األسلوب العلمي لترجمة آتاب اهللا العودة إلى

. سبحانه وتعالي ومحكما لها في جميع شئون الناساهللا يصبح المؤمن محتكما إلى شريعة

مؤلفه فضيلة الشيخ صفي الرحمن المبارآفوري الذي جهد رائع وعمل مشكور ل ] الرحيق المختوم [ وهذا الكتاب هـ، ففاز بالجائزة األولى آما 1396استجاب لدعوة رابطة العالم اإلسالمي في مسابقة السيرة النبوية التي نظمتها عام

ة ـ األمين العام السابق لرابطاهللا هو مذآور في مقدمة الطبعة األولى لفضيلة الشيخ محمد على الحرآان ـ رحمه . برحمته وجزاه عنا خير الجزاءاهللا العالم اإلسالمي تغمده

وقد آان إقبال الناس عظيما وثناؤهم عطرا على هذا الكتاب، وقد نفدت نسخ الطبعة األولى بالكامل، وطلب مني ل خالصا لوجهه التقديم للطبعة الثالثة فاستجبت له بهذه المقدمة الوجيزة، سائلا المولي عز وجل أن يجعل هذا العم

الكريم، وأن ينفع به المسلمين نفعا يؤدي إلى تغيير واقعهم إلى األفضل، وأن يعيد لألمة اإلسالمية مجدها المفقود عن المنكر آنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون { : ومكانتها في قيادة األمم عملا بقوله عز وجل

. ] 110 : آل عمران [ } وتؤمنون باهللا

على المبعوث رحمة للعالمين، رسول الهدى ومرشد اإلنسانية إلى طريق النجاة والفالح، وعلى آله اهللا وصلى . وصحبه وسلم

. والحمد هللا رب العالمين

عبد اهللا عمر نصيف . د ] سابقا [ الم اإلسالمي األمين العالم لرابطة الع

نائب الرئيس لمجلس الشوري المملكة العربية السعودية

آلـمـة معالي الشيخ محمد بن على الحرآان

ـ األمين العام لرابطة العالم اإلسالمي اهللا ـ رحمه

نا محمد خاتم األنبياء على سيداهللا الحمد هللا رب العالمين، خالق السموات واألرض، وجاعل الظلمات والنور، وصلي به البشر من الضاللة، وهدي الناس إلى صراط مستقيم، صراط اهللا والرسل أجمعين، بشر وأنذر، ووعد وأوعد، أنقذ

: وبعــد . تصير األموراهللا الذي له ما في السموات وما في األرض أال إلى اهللا

جة الرفيعة، وهدي المسلمين إلى محبته، وجعل اتباعه من سبحانه وتعالي لرسوله الشفاعة والدراهللا فلما أعطى ، فكان ] 31 : آل عمران [ } قل إن آنتم تحبون اهللا فاتبعوني يحببكم اهللا ويغفر لكم ذنوبكم { : محبته تعالى فقال تعالى

عليه وسلم، وتتلمس األسباب التي توثق الصلة فيما اهللا ه صلى هذا من األسباب التي صيرت القلوب تهفو إلى محبتفمنذ فجر اإلسالم والمسلمون يتسابقون إلى إبراز محاسنه، ونشر سيرته العطرة . عليه وسلماهللا بينها وبينه صلى

سيدة عائشة زوج عليه وسلم هي أقواله وأفعاله وأخالقه الكريمة، فقد قالت الاهللا عليه وسلم، وسيرته صلى اهللا صلى وآلماته التامة، ومن آان آذلك آان اهللا ، والقرآن آتاب ) آان خلقه القرآن ( : عنهااهللا عليه وسلم رضي اهللا النبي صلى

. جميعااهللا أحسن الناس وأآملهم وأحقهم بمحبة خلق

إلسالمي األول للسيرة النبوية الشريفة الذي ولم يزل المسلمون متمسكين بهذه المحبة الغالية التي انبثق عنها المؤتمر اهـ، حيث أعلنت الرابطة في هذا المؤتمر عن جوائز مالية مقدارها مائة وخمسون ألف ريال 1396عقد بباآستان سنة

: سعودي توزع على أحسن خمسة بحوث في السيرة النبوية بالشروط اآلتية

. لتاريخية حسب وقوعهاـ أن يكون البحث متكاملا مع ترتيب الحوادث ا 1 . ـ أن يكون جيدا ولم يسبق نشره من قبل 2 . ـ أن يذآر الباحث جميع المخطوطات والمصادر العلمية التي اعتمد عليها في آتابة البحث 3 . ـ أن يكتب الباحث ترجمة آاملة ومفصلة عن حياته مع ذآر مؤهالته العلمية ومؤلفاته إن وجدت 4 . البحث بخط واضح، ويستحسن نسخه على اآللة الكاتبة ـ أن يكتب 5 . ـ تقبل البحوث باللغة العربية واللغات الحية األخري 6 . هـ1397هـ، وينتهي موعد القبول بغرة محرم 1396ـ يبدأ قبول البحوث من غرة ربيع الثاني 7كة المكرمة في ظرف مختوم، وتضع األمانة عليه ـ تسلم البحوث إلى األمانة العامة لرابطة العالم اإلسالمي بم 8

. رقما تسلسليا خاصا . ـ تقوم بفحص البحوث لجنة عليا من آبار العلماء في هذ الشأن 9

عليه وسلم، واستعدت رابطة العالم اهللا حب رسوله صلى اهللا فكان هذا اإلعالن حافزا لتسابق العلماء الذين وهبهم . ذه البحوث باللغات العربية واإلنجليزية واألردية وأية لغة أخرياإلسالمي الستقبال ه

: وبدأ اإلخوان الكرام في إرسال بحوثهم بهذه اللغات، وقد بلغ عددها واحدا وسبعين ومائة بحث منها

لغة الفرنسية، وبحث بحثا باللغة اإلنجليزية، وبحث واحد فقط بال 21بحثا باللغة األردية، 64بحثا باللغة العربية، 84 . واحد فقط باللغة الهوساوية

وقد آونت الرابطة لجنة من آبار العلماء لدراسة هذه البحوث وترتيبها حسب استحقاق الفائز للجائزة، وقد آان : الفائزون بالجوائز حسب الترتيب اآلتي

السلفية بالهند، ومقدار جائزته خمسون ألف ـ الفائز بالجائزة األولى الشيخ صفي الرحمن المبارآفوري من الجامعة 1 . ريال سعودي

ـ الفائز بالجائزة الثانية الدآتور ماجد على خان من الجامعة الملية اإلسالمية نيودلهي، الهند، ومقدار جائزته 2 . أربعون ألف ريال سعودي

سالمية بباآستان، ومقدار جائزته ثالثون ألف ـ الفائز بالجائزة الثالثة الدآتور نصير أحمد ناصر رئيس الجامعة اإل 3

. ريال سعوديـ الفائز بالجائزة الرابعة األستاذ حامد محمود محمد منصور ليمود من جمهورية مصر العربية، ومقدار جائزته 4

. عشرون ألف ريال سعوديورة، المملكة العربية السعودية، ومقدار ـ الفائز بالجائزة الخامسة األستاذ عبد السالم هاشم حافظ من المدينة المن 5

. جائزته عشرة آالف ريال سعودي

وقد أعلنت الرابطة أسماء الفائزين في المؤتمر اإلسالمي اآلسيوي األول الذي عقد في آراتشي في شهر شعبان سنة . آما أعلن عن ذلك في جميع الصحف . هـ1398

ابطة بمقرها بمكة المكرمة حفلا آبيرا تحت إشراف صاحب السمو الملكي وبهذه المناسبة أقامت األمانة العامة للراألمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز وآيل إمارة منطقة مكة المكرمة، نيابة عن صاحب السمو الملكي األمير

ذلك صباح يوم فواز بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، حيث تفضل سموه بتوزيع الجوائز على أصحابها، ووفي هذا الحفل أعلنت األمانة العامة أنها ستقوم بطبع البحوث الفائزة . هـ1399ربيع األول سنة 12السبت الموافق

ونشرها بعدة لغات، وتنفيذا لذلك ها هي ذي تضع بين يدي القارئ الكريم باآورة طبعات تلك البحوث، وهو بحث لجامعة السلفية بالهند؛ ألنه الفائز بالجائزة األولي، وستوالي طبع بقية صفي الرحمن المبارآفوري، من ا/ الشيخ

سبحانه وتعالي أن يتقبل منا جميعا أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه نعم اهللا البحوث الفائزة حسب ترتيبها، سائلين . المولي ونعم النصير

. على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلماهللا وصلى

بن على الحرآان محمد األمين العام لرابطة العالم اإلسالمي

آلمة المؤلف

اهللا الحمد هللا الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين آله، فجعله شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى م صل وسلم وبارك اهللا . آثيرااهللا واليوم اآلخر وذآر اهللا بإذنه وسراجا منيرا، وجعل فيه أسوة حسنة لمن آان يرجو

. عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفجر لهم ينابيع الرحمة والرضوان تفجيرا

: وبعـد

فإن من دواعي الغبطة والسرور أن رابطة العالم اإلسالمي أعلنت عقب مؤتمر السيرة النبوية الذي عقد في باآستان هـ عن تنظيم مسابقة علمية عالمية؛ لتقديم أحسن بحث في موضوع السيرة 1396ع األول من سنة في شهر ربي

وإني أري أن . النبوية ـ على صاحبها ألف ألف صالة وسالم وتحية ـ وذلك تنشيطا للكاتبين، وتنسيقا لجهودهم الفكريةة النبوية واألسوة المحمدية ـ على صاحبها ما يستحق فإن السير . هذا العمل له قيمة آبيرة ربما ال يحيط بوصفه البيان

من الصالة والسالم ـ إذا الحظناها بعين الدقة واالعتبار هي المنبع الوحيد الذي تتفجر منه ينابيع حياة العالم اإلسالمي . وسعادة المجتمع البشري

آة، ولكن أين أنا حتى ألقي ضوءا على وإن من سعادتي وحسن حظي أن أقدم بحثا أسهم به في تلك المسابقة المباروإنما أنا رجل يري لنفسه آل السعادة والفالح أن يقتبس من نوره، . عليه وسلماهللا حياة سيد األولين واآلخرين صلى

. له ذنوبه بشفاعتهاهللا حتى ال يتهالك في دياجير الظلمات، بل يحيا وهو من أمته، ويموت وهو من أمته، ويغفر

هجي في هذا الكتاب ـ عدا ما جاء في إعالن الرابطة ـ أني قررت سلوك سبيل االعتدال، متجنبا التطويل ومن منالممل واإليجاز المخل، وقد وجدت المصادر تختلف فيما بينها حول آثير مما يتعلق باألحداث اختالفا ال يحتمل

ح لدي بعد التدقيق في الدراسة والنقد، إال أني الجمع والتوفيق، فاخترت سبيل الترجيح، وأثبت في الكتاب ما ترج . طويت ذآر الدالئل والوجوه؛ ألن ذلك يفضي إلى طول غير مطلوب

أما بالنسبة لقبول الروايات وردها فقد استفدت في ذلك مما آتبه األئمة المتقنون، واعتمدت عليهم فيما حكموا به من . للخوض في هذا المجالالصحة والحسن والضعف؛ إذ لم أجد وقتا يكفي

وقد أشرت في بعض المواضع إلى بعض الدالئل ووجوه الترجيح، وذلك حينما خفت االستغراب ممن يقرأ الكتاب، . ولي التوفيقاهللا و . أو رأيت شبه االتفاق فيما بين األولين واآلخرين على خالف ما هو الصواب

. إنك أنت الغفور الودود، ذو العرش المجيدم قدر لي الخير في الدنيا واآلخرة، اهللا

صفي الرحمن المبارآفوري

بنارس ـ الهند

واالقتصاد، الديانة العرب، األرض والشعب، الحكم

موقع العرب وأقوامها

هللا اصلى اهللا إن السيرة النبوية ـ على صاحبها الصالة والسالم ـ هي في الحقيقة عبارة عن الرسالة التي حملها رسول عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولا وفعلا، وتوجيها وسلوآا، وقلب بها موازين الحياة، فبدل مكان السيئة الحسنة،

، حتى عدل خط التاريخ وغير مجرى اهللا وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة ر هذه الصورة الرائعة إال بعد المقارنة بين البيئة التي سبقت هذه الرسالة الحياة في العالم اإلنساني، وال يتم إحضا

. وبين ما آلت إليه بعدها

وهذا يقتضي تقديم فصول موجزة عن أقوام العرب وتطوراتها قبل اإلسالم، وعن تاريخ الحكومات واإلمارات ت والملل والنحل والعادات والتقاليد، واألوضاع والنظم القبلية التي آانت سائدة في ذلك الزمان، مع صور من الديانا

. السياسية واالجتماعية واالقتصادية

: وقد خصصنا لكل من ذلك هذا الباب، وإليكم تلك الفصول

موقع العرب

ظ منذ أقدم وقد أطلق هذا اللف . آلمة العرب تنبيء عن الصحارى والقفار، واألرض المجدبة التي ال ماء فيها وال نبات . العصور على جزيرة العرب، آما أطلق على قوم قطنوا تلك األرض واتخذوها موطنا لهم

وجزيرة العرب يحدها غربا البحر األحمر وشبه جزيرة سيناء، وشرقا الخليج العربى وجزء من بالد العراق د الشام وجزء من بالد العراق، على اختالف في الجنوبية، وجنوبا بحر العرب الذي هو امتداد لبحر الهند، وشمالا بال

. بعض هذه الحدود، وتقدر مساحتها ما بين مليون ميل مربع إلى مليون وثالثمائة ألف ميل مربع

ولجزيرة العرب أهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي والجغرافي؛ فإنها في وضعها الداخلي محاطة بالصحاري هذا الوضع صارت الجزيرة حصنا منيعا لم يستطع األجانب أن يحتلوها ويبسطوا والرمال من آل جانب؛ وألجل

ولذلك نرى سكان الجزيرة أحرارا في جميع الشئون منذ أقدم العصور، مع أنهم آانوا . عليها سيطرتهم ونفوذهم . مجاورين إلمبراطوريتين عظيمتين لم يكونوا يستطيعون دفع هجماتهما لوال هذا السد المنيع

وأما بالنسبة إلى الخارج فإنها تقع بين القارات المعروفة في العالم القديم، وتلتقى به برا وبحرا، فإن ناحيتها الشمالية الغربية باب للدخول في قارة إفريقية، وناحيتها الشمالية الشرقية مفتاح لقارة أوربا، والناحية الشرقية تفتح أبواب

وجنوبها والشرق البعيد، وآذلك تلتقي آل قارة بالجزيرة بحرا، وترسى سفنها العجم؛ ومن ثم آسيا الوسطى . وبواخرها على ميناء الجزيرة رأسا

وألجل هذا الوضع الجغرافي آان شمال الجزيرة وجنوبها موئلا لألمم، ومرآزا لتبادل التجارة، والثقافة، والديانة، . والفنون

أقوام العرب

: رب فقد قسمها المؤرخون إلى ثالثة أقسام؛ بحسب السالالت التي ينحدرون منهاوأما أقوام الع

وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تماما ولم يمكن الحصول على تفاصيل آافية عن تاريخهم، : ـ العرب البائدة 1وبــار، وعبيل، وجاسم، وحضرموت، عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وعمالق، وأميم، وجرهم، وحضور، و : مثل

. وغيرها

. وهم العرب المنحدرة من صلب يشجب بن يعرب بن قحطان، وتسمى بالعرب القحطانية : ـ العرب العاربة 2

. وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السالم، وتسمى بالعرب العدنانية : ـ العرب المستعربة 3

العرب العاربة ـ وهي شعب قحطان ـ فمهدها بالد اليمن، وقد تشعبت قبائلها وبطونها من ولد سبأ بن يشجب بن أما حمير بن سبأ، وآهالن بن سبأ، وأما بقية بنى سبأ ـ وهـم أحـد عشـر أو : فاشتهرت منها قبيلتان . يعرب بن قحطان

. وليست لهم قبائل دون سبأالسبئيون، : أربعة عشـر بطنا ـ فيقال لهم

: أ ـ فأما حمير فأشهر بطونها

. ومنها بهراء وبلى والقين وآلب وعذرة ووبرة : ـ قضاعة 1

. السكاسك، وهي غير سكاسك آندة اآلتية في بنى آهالن : وهـم بنو زيـد بـن وائلة بن حمير، ولقب زيد : ـ السكاسك 2

. ومنها حمير األصغر، وسبأ األصغر، وحضور، وذو أصبح : ـ زيــد الجمهــور 3

: ب ـ وأما آهالن فأشهر بطونها

بنو : آندة، ومن آندة : ومن لخم [ ، ولخم ] عنس والنخع : ومن مذحج [ همدان، وألهان، واألشعر، وطيئ، ومذحج : خثعم وبجيلة، ومن بجيلة : ومن أنمار [ ، وجذام، وعاملة، وخوالن، ومعافر، وأنمار ] معاوية والسكون والسكاسك

. ] األوس، والخزرج، وخزاعة، وأوالد جفنة ملوك الشام المعروفون بآل غسان : ومن األزد [ واألزد، ] أحمس

آانت هجرة معظمهم قبيل سيل العرم حين فشلت : الجزيرة، يقالوهاجرت بنو آهالن عن اليمن، وانتشرت في أنحاء تجارتهم لضغط الرومان وسيطرتهم على طريق التجارة البحرية، وإفسادهم طريق البر بعد احتاللهم بالد مصر

. والشام

انوا قد فقدوا آل بل إنهم هاجروا بعد السيل حين هلك الحرث والنسل بعد أن آانت التجارة قد فشلت، وآ : ويقاللقد آان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال آلوا من رزق ربكم { وسائل العيش، ويؤيده سياق القرآن

العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أآل خمط وأثل واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل ين القرى التي بارآنا فيها قرىوشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما آفروا وهل نجازي إلا الكفور وجعلنا بينهم وب

ارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسف ] 19 : 15 : سورة سبأ [ } ار شكورومزقناهم آل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صب

وال غرو إن آانت هناك ـ عدا ما تقدم ـ منافسة بين بطون آهالن وبطون حمير أدت إلى جالء آهالن، فقد يشير إلى . هذا بقاء حمير مع جالء آهالن

: ويمكن تقسيم المهاجرين من بطون آهالن إلى أربعة أقسام

: ـ األزد 1

جرتهم على رأى سيدهم وآبيرهم عمران بن عمرو مزيقياء، فساروا يتنقلون في بالد اليمن ويرسلون وآانت ه : وهاك تفصيل األماآن التي سكنوا فيها بعد الرحلة نهائيا . الرواد، ثم ساروا بعد ذلك إلى الشمال والشرق

. ماننزل عمران بن عمرو في عمان، واستوطنها هو وبنوه، وهم أزد ع

. واستوطنت بنو نصر بن األزد تهامة، وهم أزد شنوءة

وعطف ثعلبة بن عمرو مزيقياء نحو الحجاز، فأقام بين الثعلبية وذى قار، ولما آبر ولده وقوى رآنه سار نحو . األوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة : المدينة، فأقام بها واستوطنها، ومن أبناء ثعلبة هذا

وتنقل منهم حارثة بن عمرو ـ وهو خزاعة ـ وبنوه في ربوع الحجاز، حتى نزلوا بمر الظهران، ثم افتتحوا الحرم . فقطنوا مكة وأجلوا سكانها الجراهمة

وسار جفنة بن عمرو إلى الشام فأقام بها هو وبنوه، وهو أبو الملوك الغساسنة؛ نسبة إلى ماء في الحجاز يعرف . وا قد نزلوا بها أولا قبل انتقالهم إلى الشامبغسان، آان

وانضمت البطون الصغيرة إلى هذه القبائل في الهجرة إلى الحجاز والشام، مثل آعب بن عمرو، والحارث بن عمرو، . وعوف بن عمرو

: ـ لخم وجذام 2

. المناذرة بالحيرة انتقلوا إلى الشرق والشمال، وآان في اللخميين نصر بن ربيعة أبو الملوك

: ـ بنو طيئ 3

. ساروا بعد مسير األزد نحو الشمال حتى نزلوا بالجبلين أجأ وسلمى، وأقاموا هناك، حتى عرف الجبالن بجبلى طيئ

: ـ آندة 4

ثم نزلوا نجدا، ، والقـوا هنـاك ما القوا بالبحرين، ] حضرموت [ نزلوا بالبحرين، ثم اضطروا إلى مغادرتها فنزلوا بـ . وآونوا هناك دولة آبيرة الشأن، ولكنها سرعان ما فنيت وذهبت آثارها

وهناك قبيلة من حمير مع اختالف في نسبتها إليه ـ وهي قضاعة ـ هجرت اليمن واستوطنت بادية السماوة من . مشارف العراق، واستوطن بعض بطونها مشارف الشام وشمالي الحجاز

: لمستعربة، فأصل جدهم األعلى ـ وهو سيدنا إبراهيم عليه السالم ـ من بالد العراق، من مدينة يقال لهاوأما العرب اعلى الشاطئ الغربي من نهر الفرات، بالقرب من الكوفة، وقد جاءت الحفريات والتنقيبات بتفاصيل واسعة عن ] أر [

. ال الدينية واالجتماعية في تلك البالدهذه المدينة، وعن أسرة إبراهيم عليه السالم، وعن األحو

ومعلوم أن إبراهيم عليه السالم هاجر منها إلى حاران أو حران، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، وآانت له جوالت في أرجائها وأرجاء غيرها من البالد، وفي إحدى هذه الجوالت أتى إبراهيم عليه السالم على جبار من

تعالى اهللا رة، ومعه زوجته سارة، وآانت من أحسن النساء، فأراد ذلك الجبار أن يكيد بها، ولكن سارة دعت الجباب، فأخدمها هاجر اعترافا اهللا آيده في نحره، وعرف الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند اهللا عليه فرد

. اهيم عليه السالم، ووهبتها سارة إلبراهللا بفضلها، أو خوفا من عذاب

تعالى من هاجر ابنه إسماعيل، وصار سببا لغيرة اهللا ورجع إبراهيم عليه السالم إلى قاعدته في فلسطين، ثم رزقه سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر مع ولدهـا الرضيـع ـ إسماعيل ـ فقدم بهما إبراهيم عليه السالم إلى الحجاز،

المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إال مرتفعا من األرض آالرابية، تأتيه السيول اهللا رع عند بيت وأسكنهما بواد غير ذي ز

فتأخذ عن يمينه وشماله، فوضعهما عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، م حتى نفد الزاد والماء، وهناك فوضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ورجع إلى فلسطين، ولم تمض أيا

. والقصة معروفة بطولها . ، فصارت لهما قوتا وبالغا إلى حيناهللا تفجرت بئر زمزم بفضل

إنهم آانوا قبل ذلك في األودية التي : يقال . وجاءت قبيلة يمانية ـ وهي جرهم الثانية ـ فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيلرواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل، وقبل أن يشب، وأنهم آانوا يمرون بهذا بأطراف مكة، وقد صرحت

. الوادى قبل ذلك

وآان إبراهيم عليه السالم يرتحل إلى مكة ليطالع ترآته بها، وال يعلم بالضبط عدد هذه الرحالت، إال أن المصادر : المعتمدة حفظت لنا أربعة منها

فلما { : ى في القرآن الكريم أنه أرى إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل، فقام بامتثال هذا األمرتعالاهللا ـ فقد ذآر 1بلاء المبين وفديناه سنين إن هذا لهو الأسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا آذلك نجزي المح

] 107 : 103 : الصافات [ } بذبح عظيم

وقد ذآر في سفر التكوين أن إسماعيل آان أآبر من إسحاق بثالث عشرة سنة، وسياق القصة يدل على أنها وقعت . قبل ميالد إسحاق؛ ألن البشارة بإسحاق ذآرت بعد سرد القصة بتمامها

صة تتضمن رحلة واحدة ـ على األقل ـ قبل أن يشب إسماعيل، أما الرحالت الثالث األخر فقد رواها وهذه الق : البخاري بطولها عن ابن عباس مرفوعا، وملخصها

ـ أن إسماعيل عليه السالم لما شب وتعلم العربية من جرهم، وأنفسهم وأعجبهم زوجوه امرأة منهم، وماتت أمـه، 2أن يطالع ترآته، فجاء بعد هذا الزواج، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فشكت إليه وبدا إلبراهيم

ضيق العيش فأوصاها أن تقول إلسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه، فطلق امرأته تلك وتزوج . ] قول األآثر وهي ابنة مضاض بن عمرو، آبير جرهم وسيدهم على [ امرأة أخرى

ـ وجاء إبراهيم عليه السالم مرة أخرى بعد أن تزوج إسماعيل هذه الزوجة الثانية، فلم يجده فرجع إلى فلسطين بعد 3 . بخير، فأوصى إلى إسماعيل أن يثبت عتبة بابهاهللا أن سأل زوجته عنه وعن أحوالهما، فأثنت على

بعد ذلك فلقى إسماعيل، وهو يبرى نبال له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام ـ ثم جاء إبراهيم عليه السالم 4إليه فصنع آما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، وآان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن، قلما يصبر فيها األب

وفي هذه المرة بنيا الكعبة، ورفعا قواعدها، الكبير األواه العطوف عن ولده، والوالد البار الصالح الرشيد عن أبيه، . اهللا وأذن إبراهيم في الناس بالحج آما أمره

نابت أو نبايوط،وقيدار، وأدبائيل، ومبشام، : إسماعيل من ابنة مضاض اثنى عشر ولدا ذآرا،وهماهللا وقد رزق . وقيدمان ومشماع، ودوما، وميشا، وحدد، وتيما، ويطور، ونفيس،

وتشعبت من هؤالء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت آلها في مكة مدة من الزمان، وآانت جل معيشتهم إذ ذاك التجارة من بالد اليمن إلى بالد الشام ومصر، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم

. دارفي غياهب الزمان، إال أوالد نابت وقي

وقد ازدهرت حضارة األنباط ـ أبناء نابت ـ في شمال الحجاز، وآونوا دولة قوية عاصمتها البتراء ـ المدينة األثرية القديمة المعروفة في جنوب األردن، وقد دان لهذه الدولة النبطية من بأطرافها، ولم يستطع أحد أن يناوئها حتى جاء

. الرومان وقضوا عليها

طائفة من المحققين من أهل العلم باألنساب إلى أن ملوك آل غسان وآذا األنصار من األوس والخزرج وقد جنحت . إنما آانوا من آل نابت بن إسماعيل، وبقاياهم في تلك الديار

، ] لسالمنسبة اليمن إلى إسماعيل عليه ا [ : ـ في صحيحه، فقد عقد بابا عنوانهاهللا وإليه مال اإلمام البخاري ـ رحمه . واستدل عليه ببعض األحاديث، ورجح الحافظ ابن حجر في شرحه أن قحطان من آل نابت بن إسماعيل عليه السالم

وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة، يتناسلون هناك حتى آان منه عدنان وولده معد، ومنه حفظت العرب عليه وسلم آان اهللا ادى والعشرون في سلسة النسب النبوى، وقد ورد أنه صلى وعدنان هو الجد الح . العدنانية أنسابها

، فال يتجاوزه، وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب ) آذب النسابون ( : إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقولفا ال يمكن الجمع بين فوق عدنان؛ مضعفين للحديث المشار إليه، ولكنهم اختلفوا في هذا الجزء من النسب اختال

ـ إلى ترجيح ما ذآره ابن اهللا أقوالهم، وقد مال المحقق الكبير العالمة القاضى محمد سليمان المنصورفورى ـ رحمه سعد ـ والذي ذآره الطبرى والمسعودى وغيرهما في جملة األقوال ـ وهو أن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السالم

. وسيأتى . أربعين أبا بالتحقيق الدقيق

لم يكن لمعد ولد غيره ـ فكان لنزار أربعة أوالد، تشعبت منهم أربعة قبائل : وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار ـ قيل : إياد وأنمار وربيعة ومضر، وهذان األخيران هما اللذان آثرت بطونهما واتسعت أفخاذهما، فكان من ربيعة : عظيمة

عبد القيس، والنمر، وبنو وائل : القبائل الكثيرة المشهورة مثل : عنزة وجديلة، ومن جديلة : ومن أسدضبيعة وأسد، أما عنزة فمنها آل سعود ملوك . بنو قيس وبنو شيبان وبنو حنيفة وغيرها : الذين منهم بكر وتغلب، ومن بنى بكر

. المملكة العربية السعودية في هذا الزمان

بنو : قيس عيالن بن مضر، وبطون إلياس ابن مضر، فمن قيس عيالن : وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين . عبس، وذبيان، وأشجع،وأعصر : ومن غطفان . سليم، وبنو هوازن، وبنو ثقيف، وبنو صعصعة، وبنو غطفان

ل بن مدرآة، وبنو أسد بن خزيمة، وبطون آنانة بن خزيمة، ومن آنانة تميم بن مرة، وهذي : ومن إلياس بن مضر . قريش، وهم أوالد فهر بن مالك بن النضر بن آنانة

جمح وسهم وعدى ومخزوم وتيم وزهرة، وبطون قصى بن آالب، : وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها . عبد العزى بن قصى، وعبد مناف بن قصىعبد الدار بن قصى،وأسد بن : وهي

منه سيدنا اهللا عبد شمس، ونوفل، والمطلب، وهاشم، وبيت هاشم هو الذي اصطفي : وآان من عبد مناف أربع فصائل . عليه وسلماهللا بن عبد المطلب بن هاشم صلى اهللا محمد بن عبد

إبراهيم إسماعيل، واصطفي من ولد إسماعيل بنى آنانة، اصطفي من ولد اهللا إن ( : عليه وسلماهللا قال صلى . ) واصطفي من بنى آنانة قريشا، واصطفي من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم

خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم اهللا إن ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا قال رسول : وعن العباس بن عبد المطلب قالم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخير الفريقين، ث

خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، اهللا إن ( : وفي لفظ عنه . ) وخيرهم بيتا . ) بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفساثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم

. ولما تكاثر أوالد عدنان تفرقوا في أنحاء شتى من بالد العرب متتبعين مواقع القطر ومنابت العشب

. فهاجرت عبد القيس، وبطون من بكر بن وائل، وبطون من تميم إلى البحرين فأقاموا بها

لى اليمامة فنزلوا بحجر، قصبة اليمامة، وأقامت سائر بكر بن وائل في طول وخرجت بنو حنيفة بن على بن بكر إ . األرض من اليمامة إلى البحرين إلى سيف آاظمة إلى البحر، فأطراف سواد العراق فاألبلة فهيت

. بصرةوسكنت بنو تميم ببادية ال . وأقامت تغلب بالجزيرة الفراتية، ومنها بطون آانت تساآن بكرا

وأقامت بنو سليم بالقرب من المدينة، من وادي القرى إلى خيبر إلى شرقي المدينة إلى حد الجبلين، إلى ما ينتهي إلى . الحرة

. وسكنت بنو أسد شرقي تيماء وغربي الكوفة، بينهم وبين تيماء ديار بحتر من طيئ، وبينهم وبين الكوفة خمس ليال

من تيماء إلى حوران، وبقى بتهامة بطون آنانة، وأقام بمكة وضواحيها بطون قريش، وآانوا وسكنت ذبيان بالقرب . متفرقين ال تجمعهم جامعة حتى نبغ فيهم قصي ابن آالب، فجمعهم، وآون لهم وحدة شرفتهم ورفعت من أقدارهم

الحكـم واإلمـارة فـي العـرب

الملك باليمن الملك بالحيرة الملك بالشام

اإلمارة بالحجاز الحكم في سائر العرب

الة السياسية الح

: عليه وسلم على قسميناهللا آان حكام جزيرة العرب عند ظهور دعوة النبي صلى

. ـ ملوك متوجون ـ إال أنهم في الحقيقة آانوا غير مستقلين1

آانـوا على ـ رؤسـاء القبائـل والعشائر ـ وآـان لهم مـن الحكم واالمتـياز مـا آـان للملـوك المتوجين، ومعظم هـؤالء 2 . تمـام االستقـالل، وربمـا آانت لبعضـهم تبعية لملك متـوج

وملوك الحيرة، وما عدا هؤالء من حكام ] وهم آل غسان [ ملوك اليمن، وملوك مشارف الشام : والملوك المتوجون هم . وفيما يلى موجز عن هؤالء الملوك والرؤساء . الجزيرة لم تكن لهم تيجان

الملك باليمن

بخمس ] أور [ لى ذآرهم في حفريات من أقدم الشعوب التي عرفت باليمن من العرب العاربة قوم سبأ، وقد عثر ع . وعشرين قرنا قبل الميالد، ويبدأ ازدهار حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحد عشر قرنا قبل الميالد

: ويمكن تقسيم أدوارهم حسب التقدير اآلتى

م . ق 620إلى 1300ـ ما بين 1

رت في الجوف؛ أى السهل الواقع بين نجران وحضرموت، ثم عرفت دولتهم في هذه الفترة بالدولة المعينية، ظه . أخذت تنمو وتتسع وتسيطر وتزدهر حتى بلغ نفوذها السياسى إلى العال ومعان من شمالي الحجاز

إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بالد العرب، وآانت التجارة هي صلب معيشتهم، ثم إنهم بنوا سد مأرب : ويقال [ } حتى نسوا الذآر وآانوا قوما بورا { آبير في تاريخ اليمن، والذي وفر لهم معظم خيرات األرض، الذي له شأن

] 18 : الفرقان

التي توجد أنقاضها على بعد ] صرواح [ وآانت عاصمتهم مدينة ] مكرب سبأ [ وآان ملوآهم في هذه الفترة يلقبون بـ آيلو مترا شرقى صنعاء، وتعرف باسم 142، وعلى بعد ] مأرب [ إلى الشمال الغربي من مدينة آيلو مترا 50

. ملكا 26و 22ويقدر عدد هؤالء الملوك ما بين . ] خريبة [

م . ق 115م إلى سنة . ق 620ـ ما بين 2

عاصمة ] مأرب [ ، واتخذوا ] ملوك سبأ [ وعرفوا بـ ] مكرب [ وعرفت دولتهم في هذه الفترة بدولة سبأ، وقد ترآوا لقب . آيلو مترا شرقي صنعاء 192وتوجد أنقاض مأرب على بعد ] صرواح [ لهم بدل

م 300م إلى سنة . ق 115ـ منذ سنة 3

قد عرف ملوآها وعرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية األولى؛ ألن قبيلة حمير غلبت واستقلت بمملكة سبأ، و ] ريدان [ ، و تعرف ] مأرب [ عاصمة لهم بدل مدينة ] ريدان [ ، وهؤالء الملوك اتخذوا مدينة ] ملوك سبأ وذى ريدان [ بـ

وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط واالنحطاط، فقد . ] يريم [ باسم ظفار، وتوجد أنقاضها على جبل مدور بالقرب من حد آبير لبسط األنباط سيطرتهم على شمال الحجاز أولا، ثم لغلبة الرومان على طريق التجارة فشلت تجارتهم إلى

وهذه العناصر . البحرية بعد نفوذ سلطانهم على مصر وسوريا وشمالى الحجاز ثانيا، ولتنافس القبائل فيما بينها ثالثا . هي التي سببت في تفرق آل قحطان وهجرتهم إلى البالد الشاسعة

م إلى أن دخل اإلسالم في اليمن 300ـ منذ سنة 4

ملوك سبأ وذى ريدان وحضرمـوت [ عرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الثانية، وعرف ملوآها بـ، وقد توالت على هذه الدولة االضطرابات والحوادث، وتتابعت االنقالبات والحروب األهلية التي جعلتها ] ويمـنتففي هذا العهد دخل الرومان في عدن، وبمعونتهم احتلت األحباش اليمن . ألجانب حتى قضى على استقاللهاعرضة ل

ثم نالت اليمن . م 378م؛ مستغلين التنافس بين قبيلتى همدان وحمير، واستمر احتاللهم إلى سنة 340ألول مرة سنة السيل العظيم الذي ذآره القرآن بسيل العرم في سنة استقاللها، ولكن بدأت تقع الثلمات في سد مأرب، حتى وقع

. وآانت حادثة آبرى أدت إلى خراب العمران وتشتت الشعوب . م 451م، أو 450

م قاد ذو نواس اليهودى حملة منكرة على المسيحيين من أهل نجران، وحاول صرفهم عن المسيحية 523وفي سنة قتل { : هم في النيران، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج بقـولهقسرا، ولما أبوا خد لهم األخدود وألقا

. ] 4 : البروج [ اآليات } أصحاب الأخدود

وآان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصرانية الناشطة إلى الفتح والتوسع تحت قيادة أباطرة الرومان من بالد األحباش، وهيأوا لهم األسطول البحرى، فنزل سبعون ألف جندى من الحبشة، واحتلوا اليمن العرب، فقد حرضوا

م، وظل أرياط حاآما من قبل ملك الحبشة حتى اغتاله أبرهة بن الصباح األشرم ـ 525مرة ثانية، بقيادة أرياط سنة ك الحبشة وأرضاه، وأبرهة هذا هو م، ونصب نفسه حاآما على اليمن بعد أن استرضى مل549أحد قواد جيشه ـ سنة

بعد عودته إلى صنعاء عقب وقعة اهللا وقد أهلكه . الذي جند الجنود لهدم الكعبة، وعرف هو وجنوده بأصحاب الفيلالفيل، فخلفه على اليمن ابنه يكسوم، ثم االبن الثانى مسروق، وآانا ـ فيما يقال ـ شرا من أبيهما، وأخبث سيرة منه في

. هل اليمن وقهرهم وإذاللهماضطهاد أ

أما أهل اليمن فإنهم بعد وقعة الفيل استنجدوا بالفرس، وقاموا بمقاومة الحبشة حتى أجلوهم عن البالد، ونالوا م بقيادة معديكرب سيف بن ذى يزن الحميرى، واتخذوه ملكا لهم، وآان معديكرب أبقى معه 575االستقالل في سنة

ه ويمشون في رآابه، فاغتالوه ذات يوم، وبموته انقطع الملك عن بيت ذى يزن، وصارت جمعا من الحبشة يخدموناليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها والة من الفرس، وآان أولهم وهرز، ثم المرزبان بن وهرز، ثم ابنه التينجان،

م، وبإسالمه انتهي نفوذ فارس 628 ثم خسرو بن التينجان، ثم باذان، وآان آخر والة الفرس، فإنه اعتنق اإلسالم سنة . على بالد اليمن

الملك بالحيرة

ولم يكن أحد ) م . ق 529ـ 557 ( س تحكم بالد العراق وما جاورها منذ أن جمع شملهم قوروش الكبير آانت الفرم فهزم ملكهم دارا وبددهم وخضد شوآتهم، حتى تجزأت بالدهم، . ق 326يناوئهم، حتى قام اإلسكندر المقدونى سنة

وفي عهد هؤالء . م230مون البالد مجزأة إلى سنة وتوالها ملوك عرفوا بملوك الطوائف، وقد ظل هؤالء الملوك يحكالملوك هاجر القحطانيون، واحتلوا جزءا من ريف العراق، ثم لحقهم من هاجر من العدنانيين فزاحموهم حتى سكنوا

. جزءا من الجزيرة الفراتية

منزله األنبار، أو مما يلى وأول من ملك من هؤالء المهاجرين هو مالك بن فهم التنوخى من آل قحطان، وآانوجذيمة بن مالك بن فهم ـ الملقب باألبرش والوضاح ـ في رواية . األنبار، وخلفه أخوه عمرو بن فهم في رواية

. أخرى

م ـ فإنه جمع شمل 226وعادت القوة مرة ثانية إلى الفرس في عهد أردشير بن بابك ـ مؤسس الدولة الساسانية سنة ستولى على العرب المقيمين على تخوم ملكه، وآان هذا سببا في رحيل قضاعة إلى الشام، ولكن دان له الفرس، وا

. أهل الحيرة واألنبار

وفي عهد أردشير آانت والية جذيمة الوضاح على الحيرة وسائر من ببادية العراق والجزيرة من ربيعة ومضر، عرب مباشرة، ويمنعهم من اإلغارة على تخوم ملكه، إال أن يملك وآأن أردشير رأى أنه يستحيل عليه أن يحكم ال

عليهم رجلا منهم له عصبية تؤيده وتمنعه، ومن جهة أخرى يمكنه االستعانة بهم على ملوك الرومان الذين آان بة يتخوفهم، وليكون عرب العراق أمام عرب الشام الذين اصطنعهم ملوك الرومان، وآان يبقى عند ملك الحيرة آتي

. م 268من جنود الفرس؛ ليستعين بها على الخارجين على سلطانه من عرب البادية، وآان موت جذيمة حوالى سنة

وهو أول ملوك اللخميين، ] م288ـ 268 [ وبعد موت جذيمة ولى الحيرة واألنبار عمرو بن عدى بن نصر اللخمى ور بن أردشير، ثم لم يزل الملوك من اللخميين من بعده وأول من اتخذ الحيرة مقرا له، وآان في عهد آسرى ساب

وفي عهده ظهر مزدك، وقام بالدعوة إلى اإلباحية، ] م531ـ 448 [ يتولون الحيرة حتى ولى الفرس قباذ بن فيروز ـ ] م 554ـ 512 [ فتبعه قباذ آما تبعه آثير من رعيته، ثم أرسل قباذ إلى ملك الحيرة ـ وهو المنذر بن ماء السماء

يدعوه إلى اختيار هذا المذهب الخبيث، فأبي عليه ذلك حمية وأنفة، فعزله قباذ، وولى بدله الحارث بن عمرو بن . حجر الكندى بعد أن أجاب دعوته إلى المذهب المزدآى

ن دان بمذهبه، وآان يكره هذا المذهب جدا، فقتل المزدك وآثيرا مم ] م578ـ 531 [ وخلف قباذ آسرى أنوشروان . وأعاد المنذر إلى والية الحيرة، وطلب الحارث بن عمرو، لكنه أفلت إلى دار آلب، فلم يزل فيهم حتى مات

فإنه غضب عليه ] م 605ـ 583 [ واستمر الملك بعد المنذر بن ماء السماء في عقبه حتى آان النعمان بن المنذر ى، فأرسل آسرى إلى النعمان يطلبه، فخرج النعمان حتى نـزل سـرا آسرى بسبب وشاية دبرها زيد بن عدى العباد

وولى . عـلى هانئ بن مسعود سـيد آل شيبان، وأودعه أهله وماله، ثم توجه إلى آسرى، فحبسه آسرى حتى ماتبي ذلك على الحيرة بدله إياس بن قبيصة الطائى، وأمره أن يرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب منه تسليم ما عنده، فأ

هانئ حمية، وآذن الملك بالحرب، ولم يلبث أن جاءته مرازبة آسرى وآتائبه في موآب إياس، ودارت بين الفريقين وهذا أول يوم انتصرت فيه العرب . معرآة هائلة عند ذى قار، انتصر فيها بنو شيبان وانهزمت الفرس هزيمة نكراء

. ه وسلمعلياهللا على العجم، وهو بعد ميالد الرسول صلى

عليه وسلم بقليل، وأنه صلى اهللا هو بعد ميالد الرسول صلى : واختلف المؤرخون في تحديد زمن هذه المعرآة، فقيل : وقيل . قبل النبوة بقليل ـ وهو األقرب : وقيل . عليه وسلم ولد لثمانية أشهر من والية إياس بن قبيصة على الحيرةاهللا

. وقيل غير ذلك . بعد بدر : وقيل . بعد الهجرة : يلوق . بعد النبوة بقليل

ـ 614 [ عاما 17وولى آسرى على الحيرة بعد إياس حاآما فارسيا اسمه آزادبه بن ماهبيان بن مهرابنداد، وظل يحكم م تزد واليته م، فتولى منهم المنذر بن النعمان الملقب بالمعرور، ولكن ل632ثم عاد الملك إلى آل لخم سنة ] م631

. على ثمانية أشهر حتى قدم عليه خالد بن الوليد بعساآر المسلمين

الملك بالشام

في العهد الذي ماجت فيه العرب بهجرات القبائل سارت بطون من قضاعة إلى مشارف الشام وسكنت بها، وآانوا ن باسم الضجاعمة، فاصطنعهم الرومان؛ ليمنعوا من بنى سليح بن حلوان الذين منهم بنو ضجعم ابن سليح المعروفو

عرب البرية من العبث، وليكونوا عدة ضد الفرس، وولوا منهم ملكا، ثم تعاقب الملك فيهم سنين، ومن أشهر ملوآهم غسان، زياد بن الهبولة، ويقدر زمنهم من أوائل القرن الثانى الميالدى إلى نهايته تقريبا، وانتهت واليتهم بعد قدوم آل

الذين غلبوا الضجاعمة على ما بيدهم وانتصروا عليهم، فولتهم الروم ملوآا على عرب الشام، وآانت قاعدتهم مدينة هـ، 13بصرى، ولم تزل تتوالى الغساسنة على الشام بصفتهم عمالا لملوك الروم حتى آانت وقعة اليرموك سنة

. عنهاهللا عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي وانقاد لإلسالم آخر ملوآهم جبلة بن األيهم في

اإلمارة بالحجاز

اثنان : سنة، ثم ولى واحد، وقيل 137ولي إسماعيل عليه السالم زعامة مكة ووالية البيت طول حياته، وتوفي وله الجرهمى، فانتقلت نابت ثم قيدار، ويقال العكس، ثم ولى أمر مكة بعدهما جدهما مضاض بن عمرو : من أبنائه

زعامة مكة إلى جرهم، وظلت في أيديهم، وآان ألوالد إسماعيل مرآز محترم؛ لما ألبيهم من بناء البيت، ولم يكن . لهم من الحكم شيء

ومضت الدهور واأليام ولم يزل أمر أوالد إسماعيل عليه السالم ضئيلا ال يذآر، حتى ضعف أمر جرهم قبيل ظهور ر، وأخذ نجم عدنان السياسى يتألق في أفق سماء مكة منذ ذلك العصر، بدليل ما جاء بمناسبة غزو بختنصر بختنص

. للعرب في ذات عرق، فإن قائد العرب في الموقعة لم يكن جرهميا، بل آان عدنان نفسه

ب برخيا ـ صاحب يرمياه النبي وذه ] م . ق 587سنة [ وتفرقت بنو عدنان إلى اليمن عند غزوة بختنصر الثانية اإلسرائيلى بمعد ـ إلى حران من الشام، فلما انكشف ضغط بختنصر رجع معد إلى مكة فلم يجد من جرهم إال جوشم

. بن جلهمة، فتزوج بابنته معانة فولدت له نزارا

استحلوا مال الكعبة، األمر الذي آان يغيظ وساء أمر جرهم بمكة بعد ذلك، وضاقت أحوالهم، فظلموا الوافدين إليها، والعدنانيين ويثير حفيظتهم، ولما نزلت خزاعة بمر الظهران، ورأت نفور العدنانيين من الجراهمة استغلت ذلك، فقامت بمعونة من بطون عدنان ـ وهم بنو بكر بن عبد مناف بن آنانة ـ بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة،

. حكمها في أواسط القرن الثانى للميالدواستولت على

فخرج : ولما لجأت جرهم إلى الجالء سدوا بئر زمزم، ودرسوا موضعها، ودفنوا فيها عدة أشياء، قال ابن إسحاقعمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغزالى الكعبة، وبحجر الرآن األسود فدفنهما في بئر زمزم، وانطلق هو

: اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا، وفي ذلك قال عمرو ومن معه من جرهم إلى

أنيـس ولـم يسمـر بمكـــة سامـــر ** آأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

صروف الليالى والجدود العواثر ** بلــى نحــن آــنا أهـلــها فأبـادنـا

يه السالم بعشرين قرنا قبل الميالد، فتكون إقامة جرهم في مكة واحدا وعشرين قرنا تقريبا، ويقدر زمن إسماعيل عل . وحكمهم على مكة زهاء عشرين قرنا

: واستبدت خزاعة بأمر مكة دون بنى بكر، إال أنه آان إلى قبائل مضر ثالث خالل

هم يوم النفر من منى، وآان يلى ذلك بنو الغوث بن مرة من الدفع بالناس من عرفة إلى المزدلفة، واإلجازة ب : األولىبطون إلياس بن مضر، وآانوا يسمون صوفة، ومعنى هذه اإلجازة أن الناس آانوا ال يرمون يوم النفر حتى يرمى ى رجل من صوفة، ثم إذا فرغ الناس من الرمى وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة، فلم يجز أحد حت

. يمروا، ثم يخلون سبيل الناس، فلما انقرضت صوفة ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من تميم

. اإلفاضة من جمع غداة النحر إلى منى، وآان ذلك في بنى عدوان : الثانية

. إنساء األشهر الحرم، وآان ذلك إلى بنى فقيم بن عدى من بنى آنانة : الثالثة

وفي وقت حكمهم انتشر العدنانيون في نجد وأطراف العراق . خزاعة على مكة ثالثمائة سنة ] والية [ واستمرت والبحرين، وبقى بأطراق مكة بطون من قريش وهم حلول وصرم متقطعون، وبيوتات متفرقون في قومهم من بنى

. آنانة، وليس لهم من أمر مكة وال البيت الحرام شيء حتى جاء قصى بن آالب

أن أباه مات وهو في حضن أمه، ونكح أمه رجل من بنى عذرة ـ وهو ربيعة بن حرام ـ : ر من أمر قصىويذآفاحتملها إلى بالده بأطراف الشام، فلما شب قصى رجع إلى مكة، وآان واليها إذ ذاك حليل بن حبشية من خزاعة،

ياها، فلما مات حليل قامت حرب بين خزاعة وقريش، فخطب قصى إلى حليل ابنته حبى، فرغب فيه حليل وزوجه إ . أدت أخيرا إلى تغلب قصى على أمر مكة والبيت

: وهناك ثالث روايات في بيان سبب هذه الحرب

أن قصيا لما انتشر ولده وآثر ماله وعظم شرفه وهلك حليل رأى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة : األولىريشا رءوس آل إسماعيل وصريحهم، فكلم رجالا من قريش وبنى آنانة في إخراج خزاعة وبنى وبنى بكر، وإن ق

. بكر عن مكة فأجابوه

أن حليلا ـ فيما تزعم خزاعة ـ أوصى قصيا بالقيام على الكعبة وبأمر مكة، ولكن أبت خزاعة أن تمضى ذلك : الثانية . لقصى فهاجت الحرب بينهما

الخزاعي وآيال لها، فقام أبو غبشان بسدانة الكعبة . حليلا أعطى ابنته حبى والية البيت، واتخذ أبا غبشانأن : الثالثةنيابة عن حبى، وآان في عقله شيء، فلما مات حليل خدعه قصى، واشترى منه والية البيت بأذواد من اإلبل أو بزق

ى عن البيت، فجمع قصى رجالا من قريش وبنى آنانة من الخمر، ولم ترض خزاعة بهذا البيع، وحاولوا منع قص . إلخراج خزاعة من مكة، فأجابوه

: وأيا ما آان، فلما مات حليل وفعلت صوفة ما آانت تفعل أتاهم قصى بمن معه من قريش وآنانة عند العقبة، فقاللك خزاعة وبنو بكر عن قصى، نحن أولى بهذا منكم، فقاتلوه فغلبهم قصى على ما آان بأيديهم، وانحازت عند ذ

فبادأهم قصى وأجمع لحربهم، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا حتى آثرت القتلى في الفريقين جميعا، ثم تداعوا إلى الصلح فحكموا يعمر بن عوف أحد بنى بكر، فقضى بأن قصيا أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة، وآل دم أصابه قصى

تحت قدميه، وما أصابت خزاعة وبنو بكر ففيه الدية، وأن يخلى بين قصى وبين الكعبة، فسمى منهم موضوع يشدخه . الشداخ : يعمر يومئذ

وآانت فترة تولى خزاعة أمر البيت ثالثمائة سنة، واستولى قصى على أمر مكة والبيت في أواسط القرن الخامس دة التامة واألمر النافذ في مكة، وصار قصى هو الرئيس م،وبذلك صارت لقصى ثم لقريش السيا 440للميالد سنة

. الديني لهذا البيت الذي آانت تفد إليه العرب من جميع أنحاء الجزيرة

ومما فعله قصى بمكة أنه جمع قومه من منازلهم إلى مكة، وقطعها رباعا بين قومه، وأنزل آل قوم من قريش وآل صفوان وعدوان ومرة بن عوف على ما آانوا عليه من المناصب؛ ألنه منازلهم التي أصبحوا عليها، وأقر النسأة . آان يراه دينا في نفسه ال ينبغى تغييره

أنه أسس دار الندوة بالجانب الشمالى من مسجد الكعبة، وجعل بابها إلى المسجد، وآانت مجمع : ومن مآثر قصىلى قريش؛ ألنها ضمنت اجتماع الكلمة وفض المشاآل قريش، وفيها تفصيل مهام أمورها، ولهذه الدار فضل ع

. بالحسنى

: وآان لقصى من مظاهر الرياسة والتشريف

. ففيها آانوا يتشاورون فيما نزل بهم من جسام األمور، وفيها آانوا يزوجون بناتهم : ـ رياسة دار الندوة 1

. غيرهم إال بيده أو بيد أحد أوالده، وفي هذه الدارفكانت ال تعقد راية وال لواء لحرب قوم من : ـ اللواء 2

. وهي إمارة الرآب، فكانت ال تخرج رآب ألهل مكة في تجارة أو غيرها إال تحت إمارته أو إمارة أوالده : ـ القيادة 3

. وهي حجابة الكعبة،ال يفتح بابها إال هو، وهو الذي يلى أمر خدمتها وسدانتها : ـ الحجابـة 4

وهي أنهم آانوا يمألون للحجاج حياضا من الماء، يحلونها بشيء من التمر والزبيب، فيشرب الناس : ـ سقاية الحاج 5 . منها إذا وردوا مكة

وهي طعام آان يصنع للحاج على طريقة الضيافة، وآان قصى فرض على قريش خرجا تخرجه : ـ رفادة الحاج 6 . فيصنع به طعاما للحاج، يأآله من لم يكن له سعة وال زاد في الموسم من أموالها إلى قصى،

: فقال له قصى فيما يقال . آان آل ذلك لقصى، وآان ابنه عبد مناف قد شرف وساد في حياته، وآان عبد الدار بكرهاء والقيادة أللحقنك بالقوم وإن شرفوا عليك، فأوصى له بما آان يليه من مصالح قريش، فأعطاه دار الندوة واللو

والحجابة والسقاية والرفادة، وآان قصى ال يخالف وال يرد عليه شيء صنعه، وآان أمره في حياته وبعد موته آالدين المتبع، فلما هلك أقام بنوه أمره ال نزاع بينهم، ولكن لما هلك عبد مناف نافس أبناؤه بنى عمهم عبد الدار في هذه

اد يكون بينهم قتال، إال أنهم تداعوا إلى الصلح، واقتسموا هذه المناصب، المناصب، وافترقت قريش فرقتين، وآ : وقيل . فصارت السقاية والرفادة والقيادة إلى بنى عبد مناف، وبقيت دار الندوة واللواء والحجابة بيد بنى عبد الدار

ابهم، فصارت السقاية والرفادة لهاشم آانت دار الندوة باالشتراك بين الفريقين، ثم حكم بنو عبد مناف القرعة فيما أصوالقيادة لعبد شمس، فكان هاشم بن عبد مناف هو الذي يلى السقاية والرفادة طول حياته، فلما مات خلفه أخوه المطلب

عليه وسلم، وبعـده أبنـاؤه حتى اهللا صلى اهللا بن عبد مناف، وولى بعده عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جد رسول إن قصيا هـو الذي قسم المناصب على أوالده، ثـم توارثـها أبناؤهـم : ويقـال . سالم والوالية إلى العبـاسجـاء اإل

وآانت لقريش مناصب أخرى سوى ما ذآرنا وزعوها فيما بينهم، وآونوا بها . أعلماهللا حسـب التفصيل المذآور، وت لهم من الدوائر والتشكيالت الحكومية مـا يشبه في عصرنـا شبه دويلة ديمقراطية ـ وآان : دويلة ـ بل بتعبير أصح

: هـذا دوائـر البرلمـان ومجالسها، وهاك لوحة من تلك المناصب

. أي تولية قداح األصنام لالستقسام، وآان ذلك في بني جمح : ـ اإليسار1ألصنام، وآذلك فصل الخصومات أي تنظيم القربات والنذور التي آانت تهدى إلى ا : ـ تحجير األموال 2

. وآان ذلك في بني سهم . والمرافعات . وآانت في بني أسد : ـ الشورى 3 . أي تنظيم الديات والغرامات، وآان ذلك في بني تيم : ـ األشناق 4 . أي حمل اللواء القومى، وآان ذلك في بني أمية : ـ العقاب 5 . ر، وآذلك قيادة الخيل، وآان في بني مخزومأي تنظيم المعسك : ـ القبة 6 . وآانت في بني عدي : ـ السفارة 7

الحكم في سائر العرب

قد تقدم ذآر هجرات القبائل القحطانية والعدنانية، وأنها اقتسمت البالد العربية فيما بينها، فما آان من هذه القبائل ة، وما آان منها في بادية الشام آانت تبعا للغساسنة، إال أن هذه بالقرب من الحيرة آانت تبعا لملك العرب بالحير

. التبعية آانت اسمية ال فعلية، وأما ما آان منها في البوادى في داخل الجزيرة فكانت حرة مطلقة

والحقيقة أن هذه القبائل آانت تختار ألنفسها رؤساء يسودونها، وأن القبيلة آانت حكومة مصغرة، أساس آيانها . السياسى الوحدة العصبية، والمنافع المتبادلة في حماية األرض ودفع العدوان عنها

وآانت درجة رؤساء القبائل في قومهم آدرجة الملوك، فكانت القبيلة تبعا لرأي سيدها في السلم والحرب، ال تتأخر آان بعضهم إذا غضب غضب له عنه بحال، وآان له من الحكم واالستبداد بالرأي ما يكون لدآتاتور قوى؛ حتى

فيم غضب، إال أن المنافسة في السيادة بين أبناء العم آانت تدعوهم إلى المصانعة بالناس : ألوف من السيوف ال تسألهمن بذل الندى وإآرام الضيف والكرم والحلم، وإظهار الشجاعة والدفاع عن الغيرة، حتى يكسبوا المحامد في أعين

. عراء الذين آانوا لسان القبيلة في ذلك الزمان، وحتى تسمو درجتهم عن مستوى المنافسينالناس، والسيما الش

وآان للسادة والرؤساء حقوق خاصة، فكانوا يأخذون من الغنيمة المرباع والصفي والنشيطة والفضول، يقول : الشاعر

الفضول وحكمك والنشيطة و** لك المرباع فينـا والصفايا

ما أصاب : ما آان يصطفيه الرئيس، أي يختاره لنفسه قبل القسمة، والنشيطة : ربع الغنيمة، والصفي : والمرباعما فضل من القسمة مما ال تصح قسمته على عدد الغزاة، : والفضول . الرئيس في الطريق قبل أن يصل إلى بيضة القوم

. آالبعير والفرس ونحوهما

الحالة السياسية

بعد أن ذآرنا حكام العرب يجمل بنا أن نذآر جملة من أحوالهم السياسية حتى يتضح الوضع، فاألقطار الثالثة التي فقد آان الناس بين سادة وعبيد، أو . آانت مجاورة لألجانب آانت حالتها السياسية في تضعضع وانحطاط ال مزيد عليه

إن : يما األجانب ـ آان لهم آل الغنم، والعبيد عليهم آل الغرم، وبعبارة أوضححكام ومحكومين، فالسادة ـ والسالرعايا آانت بمثابة مزرعة تورد المحصوالت إلى الحكومات، والحكومات آانت تستخدمها في ملذاتها وشهواتها،

عليهم من آل جانب، وما في أما الناس فكانوا في عمايتهم يتخبطون، والظلم ينحط . ورغائبها، وجورها، وعدوانهااستطاعتهم التذمر والشكوى، بل آانوا يسامون الخسف والجور والعذاب ألوانا ساآتين، فقد آان الحكم استبداديا،

. والحقوق ضائعة مهدورة

ومرة وأما القبائل المجاورة لهذه األقطار فكانوا مذبذبين تتقاذفهم األهواء واألغراض، مرة يدخلون في أهل العراق، . يدخلون في أهل الشام

وآانت أحوال القبائل داخل الجزيرة مفككة األوصال، تغلب عليها المنازعات القبلية واالختالفات العنصرية والدينية، : حتى قال ناطقهم

غويت، وإن ترشد غزية أرشد ** وما أنا إال من غزية إن غوت

. رجع يرجعون إليه، ويعتمدون عليه وقت الشدائدولم يكن لهم ملك يدعم استقاللهم، أو م

وأما حكومة الحجاز فقد آانت تنظر إليها العرب نظرة تقدير واحترام، ويرونها قادة وسدنة المرآز الدينى، وآانت مة تلك الحكومة في الحقيقة خليطا من الصدارة الدنيوية والحكومية والزعامة الدينية، حكمت بين العرب باسم الزعاالدينية، وحكمت في الحرم وما وااله بصفتها حكومة تشرف على مصالح الوافدين إلى البيت، وتنفذ حكم شريعة

إبراهيم، وآانت لها من الدوائر والتشكيالت ما يشابه دوائر البرلمان ـ آما أسلفنا ـ ولكن هذه الحكومة آانت ضعيفة ال . تقدر على حمل العبء آما وضح يوم غزو األحباش

ديانات العـرب

ذريته في مكة وانتشرت في جزيرة العرب، فكانوا آان معظم العرب يدينون بدين إبرهيم عليه السالم منذ أن نشأت ويوحدونه ويلتزمون بشعائر دينه الحنيف، حتى طال عليهم األمد ونسوا حظا مما ذآروا به، إال أنهم بقى اهللا يعبدون

فيهم التوحيد وعدة شعائر من هذا الدين، حتى جاء عمرو بن لحي رئيس خزاعة، وآان قد نشأ على أمر عظيم من معروف والصدقة والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس ودانوا له، ظنا منهم أنه من أآابر العلماء وأفاضل ال

. األوليـاء

ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون األوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقا؛ ألن الشام محل الرسل والكتب، فقدم معه فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ اهللا ة إلى الشرك ببهبل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مك

. ألنهم والة البيت وأهل الحرم

وآان هبل من العقيق األحمر على صورة إنسان، مكسور اليد اليمنى، أدرآته قريش آذلك، فجعلوا له يدا من ذهب، . وآان أول صنم للمشرآين وأعظمه وأقدسه عندهم

ثنية : أصنامهم مناة، آانت لهذيل وخزاعة، وآانت بالمشلل على ساحل البحر األحمر حذو قديد، والمشللومن أقدم ثم اتخذوا الالت في الطائف، وآانت لثقيف، وآانت في موضع منارة مسجد الطائف . جبل يهبط منها إلى قديد

ت عرق، وآانت لقريش وبني آنانة مع آثير من القبائل اليسرى، ثم اتخذوا العزى بوادى نخلة الشامية فوق ذا . األخرى

. وآانت هذه األصنام الثالثة أآبر أوثان العرب، ثم آثر فيهم الشرك، وآثرت األوثان في آل بقعة

ويذآر أن عمرو بن لحي آان له رئى من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح ـ ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ـ . مدفونة بجدة، فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها

فكانت لهذيل بن مدرآة : فكانت لكلب، بجرش بدومة الجندل من أرض الشام مما يلى العراق، وأما سواع : فأما ودفكانت لبني غطيف من بني مراد، : جاز، من جهة الساحل بقرب مكة، وأما يغوثرهاط من أرض الح : بمكان يقال له

بطن من همدان، وأما : فكانت لهمدان في قرية خيوان من أرض اليمن، وخيوان : بالجرف عند سبأ، وأما يعوق . فكانت لحمير آلل ذى الكالع في أرض حمير : نسر

انوا يعظمونها آتعظيم الكعبة، وآانت لها سدنة وحجاب، وآانت تهدى لها آما وقد اتخذوا لهذه الطواغيت بيوتا آ . يهدى للكعبة، مع اعترافهم بفضل الكعبة عليها

وقد سارت قبائل أخرى على نفس الطريق، فاتخذت لها أصناما آلهة وبنت لها بيوتا مثلها، فكان منها ذو الخلصة هم من أرض اليمن، بتبالة بين مكة واليمن، وآانت فلس لبني طيئ ومن يليها بين جبلى لدوس وخثعم وبجيلة، ببالد

وآان منها ريام، بيت بصنعاء ألهل اليمن وحمير، وآانت منها رضاء، بيت لبني ربيعة بن آعب بن . طيئ سلمى وأجأ . ياد بسندادسعد بن زيد، مناة بن تميم، وآان منها الكعبات لبكر وتغلب ابني وائل، وإل

سعد، وآان لقوم من : ذو الكفين، ولبني بكر ومالك وملكان أبناء آنانة صنم يقال له : وآان لدوس أيضا صنم يقال له . عميانس : شمس، وآان لخوالن صنم يقال له : عذرة صنم يقال له

قبيلة ثم في آل بيت منها صنم، أما المسجد وهكذا انتشرت األصنام ودور األصنام في جزيرة العرب، حتى صار لكل عليه وسلم مكة وجد حول البيت ثالثمائة وستين اهللا صلىاهللا الحرام فكانوا قد مألوه باألصنام، ولما فتح رسول

صنما، فجعل يطعنها بعود في يده حتى تساقطت، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحرقت، وآان في جوف الكعبة ، منها صنم على صورة إبراهيم، وصنم على صورة إسماعيل ـ عليهما الصالة والسالم ـ أيضا أصنام وصور

. وبيدهما األزالم، وقد أزيلت هذه األصنام ومحيت هذه الصور أيضا يوم الفتح

هو آنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا : عنهاهللا وقد تمادى الناس في غيهم هذا حتى يقول أبو رجاء العطاردى رضي . خير منه ألقيناه وأخذنا اآلخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به

إن الشرك وعبادة األصنام آانا أآبر مظهر من مظاهر دين أهل الجاهلية الذين آانوا يزعمون أنهم على : وجملة القول . دين إبراهيم عليه والسالم

اهللا أما فكرة الشرك وعبادة األصنام فقد نشأت فيهم على أساس أنهم لما رأوا المالئكة والرسل والنبيين وعباد إليه، وأآرمهم درجة اهللا الصالحين من األولياء واألتقياء والقائمين بأعمال الخير ـ لما رأوهم أنهم أقرب خلق

أعطاهم شيئا من القدرة اهللا الخوارق والكرامات، ظنوا أن وأعظمهم منزلة عنده، وأنهم قد ظهرت على أيديهم بعض سبحانه وتعالى، وأنهم ألجل تصرفهم هذا وألجل جاههم ومنزلتهم عند اهللا والتصرف في بعض األمور التي تختص ب

اهللا سبحانه وتعالى وبين عامة عباده، فال ينبغى ألحد أن يعرض حاجته علىاهللا يستحقون أن يكونوا وسطاء بين اهللا اهللا ال يرد شفاعتهم ألجل جاههم، آذلك ال ينبغى القيام بعبادة اهللا ، وأن اهللا إال بواسطة هؤالء؛ ألنهم يشفعون له عند

. زلفياهللا إال بواسطة هؤالء؛ ألنهم بفضل مرتبتهم سوف يقربونه إلى

سبحانه اهللا م وسيلة فيما بينهم وبين ولما تمكن منهم هذا الظن ورسخ فيهم هذا االعتقاد اتخذوهم أولياء، وجعلوهوتعالى، وحاولوا التقرب إليهم بكل ما رأوه من أسباب التقرب؛ فنحتوا لمعظمهم صورا وتماثيل، إما حقيقية تطابق

صورهم التي آانوا عليها، وإما خيالية تطابق ما تخيلوا لهم من الصور في أذهانهم ـ وهذه الصور والتماثيل هي التي . صنامتسمى باأل

وربما لم ينحتوا لهم صورا وال تماثيل، بل جعلوا قبورهم وأضرحتهم وبعض مقراتهم ومواضع نزولهم واستراحتهم أماآن مقدسة، وقدموا إليها النذور والقرابين، وأتوا لها بأعمال الخضوع والطاعات، وهذه األضرحة والمقرات

. والمواضع هي التي تسمى باألوثان

م لهذه األصنام واألوثان فكانت لهم فيها تقاليد وأعمال ابتدع أآثرها عمرو بن لحى، وآانوا يظنون أن ما أما عبادته : ، فكان من جملة عبادتهم لألصنام واألوثان أنهم\أحدثه عمرو بن لحى فهو بدعة حسنة، وليس بتغيير لدين إبراهيم

ن بها، ويستغيثونها في الشدائد، ويدعونها لحاجاتهم، معتقدين أنها ويهتفو . . ـ آانوا يعكفون عليها ويلتجئون إليها 1 . ، وتحقق لهم ما يريدوناهللا تشفع عند

. ـ وآانوا يحجون إليها ويطوفون حولها، ويتذللون عندها، ويسجدون لها 2

آما آانوا يذبحون بأسمائها ـ وآانوا يتقربون إليها بأنواع من القرابين، فكانوا يذبحون وينحرون لها على أنصابها، 3 . في أي مكان

وال تأآلوا { : ، وفي قوله ] 3 : المائدة [ } وما ذبح على النصب { : تعالى في قولهاهللا وهذان النوعان من الذبح ذآرهما ] 121 : األنعام [ } مما لم يذآر اسم اهللا عليه

من أنواع التقرب إلى هذه األصنام واألوثان أنهم آانوا يخصون لها شيئا من مآآلهم ومشاربهم حسبما يبدو ـ وآان 4أنهم آانوا يخصون من ذلك جزءا هللا : لهم، وآذلك آانوا يخصون لها نصيبا من حرثهم وأنعامهم، ومن الطرائف

ما آان اهللا آان هللا، ولكن لم يكونوا ينقلون إلى وآانت عندهم عدة أسباب ينقلون ألجلها إلى األصنام ما . أيضاآئنا وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث واألنعام نصيبا فقالوا هـذا لله بزعمهم وهـذا لشرآ { : ألصنامهم بحال، قال تعالى

. ] 136 : األنعام [ } ى اهللا وما آان لله فهو يصل إلى شرآآئهم ساء ما يحكمونفما آان لشرآآئهم فال يصل إل

وقالوا هـذه أنعام وحرث حجر ال يطعمها إال { : ـ وآان من أنواع التقرب إليها النذر في الحرث واألنعام قال تعالى 5 [ } جزيهم بما آانوا يفترونشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام ال يذآرون اسم اهللا عليها افتراء عليه سيمن ن . ] 138 : األنعام

. ـ وآانت منها البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى 6

آانوا يسيبونها : والسائبة . التي يمنع درها للطواغيت، فال يحلبها أحد من الناس : البحيرة : لمسيبقال سعيد بن االناقة البكر تبكر في أول نتاج اإلبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وآانوا : والوصيلة . آللهتهم، فال يحمل عليها شىء

فحل اإلبل يضرب الضراب المعدود : والحامى . بينهما ذآر يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما باألخرى، ليس . فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شىء وسموه الحامى ] العشر من اإلبل [

يرآب ظهرها، البحيرة بنت السائبة، هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهم ذآر، سيبت فلم : وقال ابن إسحاقولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إال ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها، ثم خلى سبيلها مع أمها فلم

: والوصيلة . يرآب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إال ضيف، آما فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السائبةقد وصلت، فكان ما ولد : قالوا . مسة أبطن ليس بينهم ذآر جعلت وصيلةالشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خ

الفحل إذا نتج له : والحامى . بعد ذلك للذآور منهم دون إناثهم إال أن يموت شىء فيشترك في أآله ذآورهم وإناثهمرب فيها، ال ينتفع عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذآر حمى ظهره، فلم يرآب، ولم يجز وبره، وخلى في إبله يض

ما جعل اهللا من بحيرة وال سآئبة وال وصيلة وال حام ولـكن الذين آفروا { : تعالىاهللا منه بغير ذلك، وفي ذلك أنزل وقالوا ما في بطون هـذه األنعام خالصة { : وأنزل ، ]103 : المائدة [ } يفترون على اهللا الكذب وأآثرهم ال يعقلون

. ، وقيل في تفسير هذه األنعام غير ذلك ] 139 : األنعام [ } لذآورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شرآاء

: عليه وسلم قالاهللا وفي الصحيحين أن النبي صلى . نعام آانت لطواغيتهموقد مر عن سعيد بن المسيب أن هذه األ؛ ألنه أول من غير دين إبراهيم، فنصب ) في النار ] أي أمعاءه [ رأيت عمرو بن عامر بن لحى الخزاعى يجر قصبه (

. األوثان وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامى

ما { : وتوصلهم إليه،وتشفع لديه، آما في القرآناهللا ب تفعل آل ذلك بأصنامهم معتقدين أنها تقربهم إلى آانت العرولون هـؤالء ويعبدون من دون اهللا ما ال يضرهم وال ينفعهم ويق { ] 3 : الزمر [ } نعبدهم إلا ليقربونا إلى اهللا زلفى

]81 : يونس [ } شفعاؤنا عند اهللا

: القدح الذي ال ريش له، وآانت األزالم ثالثة أنواع : وآانت العرب تستقسم باألزالم، والزلم

بها فيما يريدون من العمل؛ من ، آانوا يستقسمون ] غفل [ : ، وثالثها ] ال [ : ، وثانيها ] نعم [ : ـ نوع فيه ثالثة أسهم، أحدها 1أخروه عامه ذلك حتى يأتوه مرة أخرى، وإن ] ال [ عملوا به، وإن خرج ] نعم [ فإن خرج . نحو السفر والنكاح وأمثالهما

. أعادوا الضرب حتى يخرج واحد من األولين ] غفل [ طلع

. ـ ونوع فيه المياه والعقول والديات 2

، فكانوا إذا شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به إلى هبل، وبمائة درهم ] ملصق [ أو ] من غيرآم [ أو ] ممنك [ ـ ونوع فيه 3آان حليفا، وإن ] من غيرآم [ آان منهم وسيطا، وإن خرج عليه ] منكم [ وجزور، فأعطوها صاحب القداح، فإن خرج

. ال حلفآان على منزلته فيهم، ال نسب و ] ملصق [ خرج عليه

ويقرب من هذا الميسر والقداح، وهو ضرب من القمار، آانوا يقتسمون به لحم الجزور التي آانوا يتقامرون عليها؛ وذلك أنهم آانوا يشترون الجزور نسيئة فينحرونها ويقسمونها ثمانية وعشرين قسما، أو عشرة أقسام، ثم يضربون

فاز، وأخذ نصيبه من الجزور، ومن خرج له ] الرابح [ ، فمن خرج له قدح ] الغفل [ و ] الرابح [ عليها بالقداح، وفيها . خاب وغرم ثمنها ] الغفل [

هو من يتعاطى األخبار عن الكوائن في المستقبل، : وآانوا يؤمنون بأخبار الكهنة والعرافين والمنجمين، والكاهنتابعا من الجن، ومنهم من يدعى إدراك الغيب بفهم أعطيه، ومنهم ويدعى معرفة األسرار ومن الكهنة من يزعم أن له

من يدعى معرفة األمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من آالم من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا القسم وم أي من ينظر في النج : والمنجم . يسمى عرافا، آمن يدعى معرفة المسروق ومكان السرقة والضالة ونحوهما

. الكواآب، ويحسب سيرها ومواقيتها، ليعلم بها أحوال العالم وحوادثه التي تقع في المستقبل

والتصديق بأخبار المنجمين هو في الحقيقة إيمان بالنجوم، وآان من إيمانهم بالنجوم اإليمان باألنواء، فكانوا . مطرنا بنوء آذا وآذا : يقولون

وهي التشاؤم بالشىء، وأصله أنهم آانوا يأتون الطير أو الظبى فينفرونه، فإن أخذ ] ففتحبكسر [ وآانت فيهم الطيرة ذات اليمين مضوا إلى ما قصدوا وعدوه حسنا، وإن أخذ ذات الشمال انتهوا عن ذلك وتشاءموا، وآانوا يتشاءمون

. آذلك إن عرض الطير أو الحيوان في طريقهم

رنب، والتشاؤم ببعض األيام والشهور والحيوانات والدور والنساء، واالعتقاد ويقرب من هذا تعليقهم آعب األبالعدوى والهامة، فكانوا يعتقدون أن المقتول ال يسكن جأشه ما لم يؤخذ بثأره، وتصير روحه هامة أي بومة تطير في

. صدى صدى أو اسقونى اسقونى، فإذا أخذ بثأره سكن واستراح : الفلوات، وتقول

هل الجاهلية على ذلك وفيهم بقايا مـن ديــن إبراهيم، لم يكونوا قد ترآوه آلـه ـ مثـل تعظيم البيت، والطـواف آان أ : بـه، والحـج، والعمـرة، والـوقوف بعرفة والمزدلفة، وإهداء البدن ـ وإنما آانوا قد ابتدعوا في ذلك بدعا

وأهل الحرم، ووالة البيت وقاطنو مكة، وليس ألحد من العرب مثل حقنا نحن بنو إبراهيم : أن قريشا آانوا يقولون : منهاومنزلتنا ـ وآانوا يسمون أنفسهم الحمس ـ فال ينبغى لنا أن نخرج من الحرم إلى الحل، فكانوا ال يقفون بعرفة، وال

} ضوا من حيث أفاض الناسثم أفي { : تعالىاهللا يفيضون منها، وإنما آانوا يفيضون من المزدلفة وفيهم أنزل . ]199 : البقرة [

ال ينبغى للحمس أن يأقطوا األقط وال يسألوا السمن وهم حرم، وال يدخلوا بيتا من شعر، وال : أنهم قالوا : ومنها . يستظلوا إن استظلوا إال في بيوت األدم ما داموا حرما

. غى ألهل الحل أن يأآلوا من طعام جاءوا به من الحل إلى الحرم، إذا جاءوا حجاجا أو عماراال ينب : أنهم قالوا : ومنها

أنهم أمروا أهل الحل أال يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إال في ثياب الحمس، وآانت الحمس يحتسبون : ومنهامرأة المرأة الثياب، تطوف فيها، فإن لم يجدوا شيئا على الناس، يعطـى الرجـل الرجـل الثياب يطـوف فيها، وتعطى ال

: فكان الرجال يطوفون عراة، وآانت المرأة تضع ثيابها آلها إال درعا مفرجا ثم تطوف فيه، وتقول

وما بدا منه فال أحله ** اليوم يبدو بعضه أو آله

فإن تكرم أحد من الرجل والمرأة فطاف ] 31 : األعراف [ } آل مسجد يا بني آدم خذوا زينتكم عند { : في ذلكاهللا وأنزل . في ثيابه التي جاء بها من الحل ألقاها بعد الطواف وال ينتفع بها هو وال أحد غيره

يدخلون أنهم آانوا ال يأتون بيوتهم من أبوابها في حال اإلحرام، بل آانوا ينقبون في ظهور البيوت نقبا : ومنهاوليس البر بأن تأتوا البيوت { : تعالىاهللا ويخرجون منه، وآانوا يحسبون ذلك الجفاء برا، وقد نهي عنه القرآن، قال . ] 189 : البقرة [ } تفلحون من ظهورها ولـكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا اهللا لعلكم

آانت هذه الديانة ـ ديانة الشرك وعبادة األوثان، واالعتقاد باألوهام والخرافات ـ هي الديانة السائدة في جزيرة . العرب، وقد وجدت اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئية سبلا للدخول في ربوعها

: مثلوهما في جزيرة العرب ولليهود دوران ـ على األقل ـ

هجرتهم في عهد الفتوح البابلية واآلشورية في فلسطين، فقد نشأ عن الضغط على اليهود، وعن تخريب : األولم، وسبى أآثرهم إلى بابل أن قسما منهم هجر البالد . ق 587بالدهم وتدمير هيكلهم على يد الملك بختنصر سنة

. وتوطن في ربوعها الشماليةالفلسطينية إلى الحجاز،

م، فقد نشأ عن ضغط الرومان على 70يبدأ من احتالل الرومان لفلسطين بقيادة تيطس الرومانى سنة : الدور الثانياليهود وعن تخريب الهيكل وتدميره أن قبائل عديدة من اليهود رحلت إلى الحجاز، واستقرت في يثرب وخيبر

رى واآلطام والقالع، وانتشرت الديانة اليهودية بين قسم من العرب عن طريق هؤالء وتيماء، وأنشأت فيها القوحينما . المهاجرين، وأصبح لها شأن يذآر في الحوادث السياسية التي سبقت ظهور اإلسالم، والتي حدثت في صدره

ريظة وقينقاع، وذآر السمهودي أن خيبر والنضير والمصطلق وق : جاء اإلسالم آانت القبائل اليهودية المشهورة هي . يزيد على عشرين : عدد القبائل اليهودية التي نزلت بيثرب بين حين وآخر

ودخلت اليهودية في اليمن من قبل تبان أسعد أبي آرب، فإنه ذهب مقاتلا إلى يثرب واعتنق هناك اليهودية وجاء إلى التوسع واالنتشار فيها، ولما ولى اليمن بعده ابنه يوسف ذو بحبرين من بني قريظة إلى اليمن، فأخذت اليهودية

نواس هجم على النصارى من أهل نجران ودعاهم إلى اعتناق اليهودية، فلما أبوا خد لهم األخدود وأحرقهم بالنار، ن عشرين ألفا إلى إن عدد المقتولين ما بي : ولم يفرق بين الرجل والمرأة واألطفال الصغار والشيوخ الكبار، ويقال

تعالى في القرآن الكريم في سورة البروج؛ إذ اهللا وقد ذآرهم . م 523وقع ذلك في شهر أآتوبر سنة . أربعين ألفا : 4 : البروج [ } ؤمنين شهودقتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالم { : يقول

7 [ .

أما الديانة النصرانية، فقد جاءت إلى بالد العرب عن طريق احتالل الحبشة وبعض البعثات الرومانية، وآان أول م، إال 378ـ 370م، ولكن لم يطل أمد هذا االحتالل، فقد طردوا منها ما بين عامي 340احتالل األحباش لليمن سنة

هم شجعوا على نشر النصرانية وتشجعوا لها، وقد وصل أثناء هذا االحتالل رجل زاهد مستجاب الدعوات وصاحب أنآرامات ـ اسمه فيميون ـ إلى نجران، ودعاهم إلى دين النصرانية فلبوا دعوته واعتنقوا النصرانية؛ لما رأوا من آيات

. صدقه وصدق دينه

م ـ آرد فعل على ما أتاه ذو نواس من تحريق نصارى نجران في 525ى عام ولما احتلت األحباش اليمن مرة أخراألخدود، وتمكن أبرهة األشرم من حكومة اليمن ـ أخذ ينشر الديانة النصرانية بأوفر نشاط وأوسع نطاق، حتى بلغ

نكال اآلخرة اهللا ذه الذي بمكة، فأخاهللا من نشاطه أنه بني آعبة باليمن، وأراد أن يصرف حج العرب إليها ويهدم بيت . واألولى

وقد اعتنق النصرانية العرب الغساسنة وقبائل تغلب وطيئ وغيرهما لمجاورة الرومان، بل قد اعتنقها بعض ملوك . الحيرة أيضا

أما المجوسية، فكان ما آان منها في العرب المجاورين للفرس، فكانت في عراق العرب وفي البحرين ـ األحسا ـ . وما جاورها من منطقة سواحل الخليج العربي، ودان لها رجال من اليمن في زمن االحتالل الفارسيوهجر

أما الصابئية ـ وهي ديانة تمتاز بعبادة الكواآب وباالعتقاد في أنواء المنازل وتأثير النجوم وأنها هي المدبرة للكون ـ نها آانت ديانة قوم إبراهيم الكلدانيين، وقد دان بها آثير من فقد دلت الحفريات والتنقيبات في بالد العراق وغيرها أ

أهل الشام وأهل اليمن في غابر الزمان، وبعد تتابع الديانات الجديدة من اليهودية والنصرانية، تضعضع بنيان لهم في الصابئية وخمد نشاطها، ولكن لم يزل في الناس بقايا من أهل هذه الديانة مختلطين مع المجوس أو مجاورين

وقد وجد شيء من الزندقة في بعض العرب، وآانت وصلت إليهم عن . عراق العرب وعلى شواطئ الخليج العربي . طريق الحيرة، آما وجدت في بعض قريش الحتكاآهم بالفرس عن طريق التجارة

الحالة الدينية

الديانات االنحالل والبوار، فالمشرآون آانت هذه الديانات هي ديانات العرب حين جاء اإلسالم، وقد أصاب هذهالذين آانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم آانوا بعيدين عن أوامر ونواهي شريعة إبراهيم، مهملين ما أتت به من

وآثرت فيهم المعاصي، ونشأ فيهم على توالى الزمان ما ينشأ في الوثنيين من عادات وتقاليد تجرى . مكارم األخالق . افات الدينية، وأثرت في الحياة االجتماعية والسياسية والدينية تأثيرا بالغا جدامجرى الخر

، يتحكمون في الناس ويحاسبونهم حتى اهللا أما اليهودية، فقد انقلبت رياء وتحكما، وصار رؤساؤها أربابا من دون وإن ضاع الدين وانتشر اإللحاد والكفر، على خطرات النفس وهمسات الشفاه، وجعلوا همهم الحظوة بالمال والرياسة

. عليها وأمر آل فرد بتقديسهااهللا والتهاون بالتعاليم التي حض

واإلنسان، ولم يكن لها في نفوس العرب اهللا وأما النصرانية، فقد عادت وثنية عسرة الفهم، وأوجدت خلطا عجيبا بين . عن طراز المعيشة التي ألفوها، ولم يكونوا يستطيعون االبتعاد عنهاالمتدينين بهذا الدين تأثير حقيقي؛ لبعد تعاليمها

فكانت أحوال أهلها آأحوال المشرآين، فقد تشابهت قلوبهم، وتواردت عقائدهم، وتوافقت : وأما سائر أديان العرب . تقاليدهم وعوائدهم

صور من المجتمع العربي الجاهلي

الحالة االجتماعية الحالة االقتصادية

األخالق

البحث عن سياسة الجزيرة وأديانها يجمل بنا أن نلقى شيئا من الضوء على أحوالها االجتماعية واالقتصادية بعد : والخلقية، وفيما يلي بيانها بإيجاز

الحالة االجتماعية

آانت في العرب أوساط متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت عالقة الرجل مع أهله في األشراف على بيرة من الرقى والتقدم، وآان لها من حرية اإلرادة ونفاذ القول القسط األوفر، وآانت محترمة مصونة تسل درجة آ

دونها السيوف، وتراق الدماء، وآان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم آانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسالم، وإن والشجاعة لم يكن يخاطب في معظم أوقاته إال المرأة، وربما

شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، ومع هذا آله فقد آان الرجل يعتبر بال نزاع رئيس األسرة وصاحب الكلمة . فيها، وآان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها، ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم

حال األشراف، آان هناك في األوساط األخرى أنواع من االختالط بين الرجل والمرأة، ال نستطيع أن نعبر بينما هذه . عنهااهللا روى البخاري وغيره عن عائشة رضي . عنه إال بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة

وم؛ يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فنكاح منها نكاح الناس الي : إن النكاح في الجاهلية آان على أربعة أنحاءأرسلي إلى فالن فاستبضعي منه، : آان الرجل يقول المرأته إذا طهرت من طمثها : فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر

ويعتزلها زوجها وال يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها يجتمع : نكاح االستبضاع، ونكاح آخر ] يسمى [ حب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الـولد، فكان هـذا النكاح إذا أ

ليال بعد أن تضع حملها ] ت [ الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة آلهم يصيبها، فإذا حملت، ووضعت ومرقد عرفتم الذي آان من أمرآم، : تقول لهم ] فـ [ وا عندها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمع

ال يستطيع أن يمتنع منه . باسمه، فيلحق به ولدها ] منهم [ تسمى من أحبت ] فـ [ وقد ولدت، فهو ابنك يا فالن، آن ينصبن على يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة ال تمتنع ممن جاءها،وهن البغايا، : الرجل،ونكاح رابع

أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم عليه اهللا محمدا صلى ] اهللا [ القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطته به، ودعى ابنه، ال يمتنع من ذلك، فلما بعث

. الجاهلية آله إال نكاح اإلسالم اليوم ] أهل [ وسلم بالحق هدم نكاح

وآانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، وأسنة الرماح، فكان المتغلب في حروب القبائل . يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن األوالد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم

ل الجاهلية أنهم آانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، حتى حددها وآان من المعروف في أهوآانوا يجمعون بين األختين، وآانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها حتى نهى . القرآن في أربعال ما قد سلف إنه آان فاحشة ومقتا وساء سبيال حرمت عليكم وال تنكحوا ما نكح آباؤآم من النساء إ { عنهما القرآن

كم من م الالتي أرضعنكم وأخواتأمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخاالتكم وبنات األخ وبنات األخت وأمهاتكفإن لم تكونوا دخلتم بهن فال الرضاعة وأمهات نسآئكم وربائبكم الالتي في حجورآم من نسآئكم الالتي دخلتم بهن

} وأن تجمعوا بين األختين إال ما قد سلف إن اهللا آان غفورا رحيما جناح عليكم وحالئل أبنائكم الذين من أصالبكم . وآان الطالق والرجعة بيد الرجال، ولم يكن لهما حد معين حتى حددهما اإلسالم ]23، 22 : سورة النساء [

أن نخص منها وسطا دون وسط، أو صنفا دون صنف إال وآانت فاحشة الزنا سائدة في جميع األوساط، ال نستطيعأفرادا من الرجال والنساء ممن آان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في هذه الرذيلة، وآانت الحرائر أحسن حالا من إلى اإلماء، والطامة الكبرى هي اإلماء، ويبدو أن األغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في االنتساب

، إن فالنا ابني، اهللا يا رسول : قام رجل فقال : هذه الفاحشة، روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قالال دعوة في اإلسالم، ذهب أمر الجاهلية، الولد ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول

ختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة ـ وهو عبد الرحمن ، وقصة ا ) للفراش وللعاهر الحجر . بن زمعة ـ معروفة

: وآانت عالقة الرجل مع أوالده على أنواع شتى، فمنهم من يقول

أآبادنا تمشى على األرض ** نمـــا أوالدنـــا بيننــا إ

قل تعالوا أتل ما حرم ربكم { : ل األوالد خشية الفقر واإلمالقومنهم من آان يئد البنات خشية العار واإلنفاق، ويقتواحش ما نرزقكم وإياهم وال تقربوا الفعليكم أال تشرآوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وال تقتلوا أوالدآم من إمالق نحن

ولكن ال ] 151 : األنعام [ } لكم تعقلونظهر منها وما بطن وال تقتلوا النفس التي حرم اهللا إال بالحق ذلكم وصاآم به لع . ناس احتياجا إلى البنين ليتقوا بهم العدويمكن لنا أن نعد هذا من األخالق المنتشرة السائدة، فقد آانوا أشد ال

أما معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد آانت موطدة قوية، فقد آانوا يحيون للعصبية القبلية ويموتون لها، وآانت روح االجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية، وآان أساس النظام االجتماعي هو العصبية

على المعنى الحقيقي من غير ) انصر أخاك ظالما أو مظلوما ( : جنسية والرحم، وآانوا يسيرون على المثل السائرالالتعديل الذي جاء به اإلسالم؛ من أن نصر الظالم آفه عن ظلمه، إال أن التنافس في الشرف والسؤدد آثيرا ما آان

أب واحد، آما نرى ذلك بين األوس والخزرج، وعبس وذبيان، يفضى إلى الحروب بين القبائل التي آان يجمعها . وبكر وتغلب وغيرها

أما العالقة بين القبائل المختلفة فقد آانت مفككة األوصال تماما، وآانت قواهم متفانية في الحروب، إال أن الرهبة وأحيانا . ما آان يخفف من حدتها وصرامتهاوالوجل من بعض التقاليد والعادات المشترآة بين الدين والخرافة ربوآانت األشهر الحرم رحمة وعونا لهم على . آانت المواالة والحلف والتبعية تفضى إلى اجتماع القبائل المتغايرة

إذا : فقد آانوا يأمنون فيها تمام األمن؛ لشدة التزامهم بحرمتها، يقول أبو رجاء العطاردي . حياتهم وحصول معايشهم . منصل األسنة؛ فال ندع رمحا فيه حديدة وال سهما فيه حديدة إال نزعناه، وألقيناه شهر رجب : دخل شهر رجب قلنا

. وآذلك في بقية األشهر الحرم

وقصارى الكالم أن الحالة االجتماعية آانت في الحضيض من الضعف والعماية، فالجهل ضارب أطنابه، والخرافات ولة وصولة، والناس يعيشون آاألنعام، والمرأة تباع وتشترى وتعامل آالجمادات أحيانا، والعالقة بين األمة لها ج

. واهية مبتوتة، وما آان من الحكومات فجل همتها ملء الخزائن من رعيتها أو جر الحروب على مناوئيها

الحالة االقتصادية

فالتجارة آانت أآبر . الجتماعية، ويتضح ذلك إذا نظرنا في طرق معايش العربأما الحالة االقتصادية، فتبعت الحالة اوسيلة للحصول على حوائج الحياة، والجولة التجارية ال تتيسر إال إذا ساد األمن والسالم، وآان ذلك مفقودا في

الشهيرة من عكاظ وذي جزيرة العرب إال في األشهر الحرم، وهذه هي الشهور التي آانت تعقد فيها أسواق العرب . المجاز ومجنة وغيرها

وأما الصناعات فكانوا أبعد األمم عنها، ومعظم الصناعات التي آانت توجد في العرب من الحياآة والدباغة وغيرها ، آانت في أهل اليمن والحيرة ومشارف الشام، نعم، آان في داخل الجزيرة شيء من الزراعة والحرث واقتناء األنعاموآانت نساء العرب آافة يشتغلن بالغزل، لكن آانت األمتعة عرضة للحروب، وآان الفقر والجوع والعرى عاما في

. المجتمع

األخالق

ال شك أن أهل الجاهلية آانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم ويأباها الوجدان، ولكن آانت فيهم من : ما يروع اإلنسان ويفضى به إلى الدهشة والعجب، فمن تلك األخالقاألخالق الفاضلة المحمودة

وآانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم بين ممتدح به ومثن على غيره، : ـ الكرم 1وحياة أسرته، فتأخذه آان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع وليس عنده من المال إال ناقته التي هي حياته

ومن آثار آرمهم أنهم آانوا يتحملون الديات الهائلة والحماالت المدهشة، . هزة الكرم فيقوم إليها، فيذبحها لضيفه . يكفون بذلك سفك الدماء، وضياع اإلنسان، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات

دحون بشرب الخمور، ال ألنها مفخرة في ذاتها؛ بل ألنها سبيل من سبل الكرم، وآان من نتائج آرمهم أنهم آانوا يتموإذا نظرت إلى . ومما يسهل السرف على النفس، وألجل ذلك آانوا يسمون شجر العنب بالكرم، وخمره ببنت الكرم

: بن شداد العبسي في معلقته دواوين أشعارالجاهلية تجد ذلك بابا من أبواب المديح والفخر، يقول عنترة

رآــد الهواجـر بالمشـوف المعلـم ** ولقد شربت من المدامة بعد ما قرنـت بأزهــر بالشمال مفـدم ** بزجاجة صـفراء ذات أسـرة كلــم مالى وعرضى وافـر لم ي** فــإذا شـربت فإننى مستهلـك وآمــا علمـت شمائلــى وتكرمـى ** وإذا صحوت فما أقصر عن ندى

ومن نتائج آرمهم اشتغالهم بالميسر، فإنهم آانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم؛ ألنهم آانوا يطعمون المساآين ما وإثمهمآ { : نفع الخمر والميسر وإنما يقول ربحوه أو ما آان يفضل عن سهام الرابحين؛ ولذلك ترى القرآن ال ينكر

] 219 : البقرة [ } أآبر من نفعهما

فقد آان العهد عندهم دينا يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أوالدهم، وتخريب ديارهم، وتكفي : ـ الوفاء بالعهد 2 . موأل بن عاديا، وحاجب بن زرارة التميميفي معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني، والس

وآان من نتائج هذا فرط الشجاعة وشدة الغيرة، وسرعة االنفعال، : ـ عزة النفس واإلباء عن قبول الخسف والضيم 3فكانوا ال يسمعون آلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إال قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان،

. آانوا ال يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيلو

فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد واالفتخار، ال يصرفهم عنه صارف، بل آانوا : ـ المضي في العزائم 4 . يخاطرون بأنفسهم في سبيله

لفرط شجاعتهم وسرعة إقدامهم آانوا يتمدحون بها إال أنها آانت فيهم عزيزة الوجود؛ : ـ الحلم، واألناة، والتؤدة 5 . على القتال

وآان من نتائجها الصدق واألمانة، والنفور عن : ـ السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ومكائدها 6 . الخداع والغدر

آانت سببا في نرى أن هذه األخالق الثمينة ـ مع ما آان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة إلى العالم ـ عز وجل إياهم لحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة األمة اإلنسانية، وإصالح المجتمع البشرى؛ ألن هذه اهللا اختيار

األخالق وإن آان بعضها يفضى إلى الشر، ويجلب الحوادث المؤلمة إال أنها آانت في نفسها أخالقا ثمينة، تدر . يء من اإلصالح، وهذا الذي فعله اإلسالمبالمنافع العامة للمجتمع البشرى بعد ش

ولعل أغلى ما عندهم من هذه األخالق وأعظمها نفعا ـ بعد الوفاء بالعهد ـ هو عزة النفس والمضي في العزائم؛ إذ ال لة ولهم أخالق فاض . يمكن قمع الشر والفساد وإقامة نظام العدل والخير إال بهذه القوة القاهرة وبهذا العزم الصميم

. أخرى دون هذه التي ذآرناها، وليس قصدنا استقصاءها

النسب والمولد والنشأة

نسب النبي صلى اهللا عليه وسلم وأسرته األسرة النبوية

المولـــد السيرة اإلجمالية قبل النبوة

وأسرته عليه وسلم اهللا نسب النبي صلى

عليه وسلم اهللا نسب النبي صلى

جزء اتفق عليه آافة أهل السير واألنساب، وهو الجزء : عليه وسلم ينقسم إلى ثالثة أجزاءاهللا نسب نبينا محمد صلى . عليه وسلم وينتهي إلى عدناناهللا الذي يبدأ منه صلى

وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم وجزء آخر آثر فيه االختالف، حتى جاوز حد الجمع واالئتالف، ثم اختلف هؤال المجوزون في . ال يجوز سرده، بينما جوزه آخرون وساقوه : عليه السالم فقد توقف فيه قوم، وقالوا

ن عدنان عدد اآلباء وأسمائهم، فاشتد اختالفهم وآثرت أقوالهم حتى جاوزت ثالثين قولا، إال أن الجميع متفقون على أ . من صريح ولد إسماعيل عليه السالم

أما الجزء الثالث فهو يبدأ من بعد إبراهيم عليه السالم وينتهي إلى آدم عليه السالم، وجل االعتماد فيه على نقل أهل . الكتاب، وعندهم فيه من بعض تفاصـيل األعمـار وغيرهـا ما ال نشك في بطالنه، بينما نتوقف في البقية الباقية

: عليه وسلم بالترتيب اهللا وفيما يلى األجزاء الثالثة من نسبه الزآى صلى

بن عبد المطلب ـ واسمه شيبة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه اهللا محمد بن عبد : الجزء األول الب بن فهر ـ وهو الملقب بقريش وإليه المغيرة ـ بن قصى ـ واسمه زيد ـ بن آالب بن مرة بن آعب بن لؤى بن غ

تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النضر ـ واسمه قيس ـ بن آنانة بن خزيمة بن مدرآة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن مضر . بن نزار بن معد بن عدنان

بن سالمان بن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن ما فوق عدنان، وعدنان هو ابن أدد بن الهميسع : الجزء الثانى عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدالف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن

الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد ابن أيهام احث بن زارح بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن إسماعيل بن إيراهيم عليهما بن مقصر بن ن

. السالم

ما فوق إبراهيم عليه السالم، وهو ابن تارح ـ واسمه آزر ـ بن ناحور بن ساروع ـ أو ساروغ ـ بن : الجزء الثالث هو : ن نوح عليه السالم بن المك بن متوشلخ بن أخنوخ ـ يقال راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ب

. إدريس النبي عليه السالم ـ بن يرد بن مهالئيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ـ عليهما السالم

األسرة النبوية

مناف ـ وإذن فلنذآر شيئا من عليه وسلم باألسرة الهاشمية ـ نسبة إلى جده هاشم بن عبداهللا تعرف أسرته صلى : أحوال هاشم ومن بعده

: ـ هاشم 1

قد أسلفنا أن هاشما هو الذي تولى السقاية والرفادة من بني عبد مناف حين تصالح بنو عبد مناف وبنو عبد الدار على للحجاج بمكة، وآان اسمه اقتسام المناصب فيما بينهما، وآان هاشم موسرا ذا شرف آبير، وهو أول من أطعم الثريد

عمرو فما سمى هاشما إال لهشمه الخبز، وهو أول من سن الرحلتين لقريش، رحلة الشتاء والصيف، وفيه يقول : الشاعر

قوم بمكة مسنتين عجاف ** عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ف سفر الشتاء ورحلة األصيا** سنت إليه الرحلتان آالهما

ومن حديثه أنه خرج إلى الشام تاجرا، فلما قدم المدينة تزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدى بن النجار وأقام عندها، ثم خرج إلى الشام ـ وهي عند أهلها قد حملت بعبد المطلب ـ فمات هاشم بغزة من أرض فلسطين، وولدت امرأته

ت في رأسه، وجعلت تربيه في بيت أبيها في يثرب، ولم م، وسمته شيبة؛ لشيبة آان 497سلمى عبد المطلب سنة وخمس بنات . أسد وأبو صيفي ونضلة وعبد المطلب : يشعر به أحد من أسرتـه بمكـة، وآان لهاشم أربعة بنين وهم

. الشفاء، وخالدة، وضعيفة، ورقية، وجنة : وهن

: ـ عبـد المطلب 2

وآان شريفا مطاعا ذا فضل [ بعد هاشم صارت إلى أخيه المطلب بن عبد مناف قد علمنا مما سبق أن السقاية والرفادةلما صار شيبة ـ عبد المطلب ـ وصيفا أو فوق ذلك ابن سبع سنين أو ] في قومه، آانت قريش تسميه الفياض لسخائه

راحلته فامتنع حتى تأذن فرحل في طلبه، فلما رآه فاضت عيناه، وضمه، وأردفه على . ثماني سنين سمع به المطلبفأذنت له، فقدم به مكة اهللا إنما يمضى إلى ملك أبيه وإلى حرم : له أمه، فسألها المطلب أن ترسله معه، فامتنعت، فقال

ويحكم، إنما هو ابن أخى هاشم، فأقام عنده حتى ترعرع، ثم : هذا عبد المطلب، فقال : مردفه على بعيره، فقال الناسمن أرض اليمن، فولى بعده عبد المطلب، فأقام لقومه ما آان آباؤه يقيمون لقومهم،وشرف ] دمان [ لك بـ إن المطلب ه

. في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم

: ، فقالواولما مات المطلب وثب نوفل على أرآاح بد المطلب فغصبه إياها، فسأل رجالا من قريش النصرة على عمهال ندخل بينك وبين عمك، فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتا يستنجدهم، فسار خاله أبو سعد بن عدى في ثمانين

حتى ألقى نوفلا، ثم أقبل اهللا ال و : المنزل يا خال، فقال : راآبا، حتى نزل باألبطح من مكة، فتلقاه عبد المطلب، فقالورب البيت، لئن لم ترد على : س في الحجر مع مشايخ قريش، فسل أبو سعد سيفه وقالفوقف على نوفل، وهو جال

رددتها عليه، فأشهد عليه مشايخ قريش، ثم نزل على عبد المطلب، : ابن أختى أرآاحه ألمكنن منك هذا السيف، فقالعبد شمس بن عبد مناف على بني فلما جرى ذلك حالف نوفل بني . فأقام عنده ثالثا، ثم اعتمر ورجع إلى المدينة

نحن ولدناه آما ولدتموه، فنحن أحق بنصره ـ وذلك أن : ولما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب قالوا . هاشمأم عبد مناف منهم ـ فدخلوا دار الندوة وحالفوا بني هاشم على بني عبد شمس ونوفل، وهذا الحلف هو الذي صار سببا

. سيأتىلفتح مكة آما

: ومن أهم ما وقع لعبد المطلب من أمور البيت شيئان

حفر بئر زمزم ووقعة الفيل

أنه أمر في المنام بحفر زمزم ووصف له موضعها، فقام يحفر، فوجد فيه األشياء التي دفنها : وخالصة األولضرب األسياف بابا للكعبة، وضرب الجراهمة حين لجأوا إلى الجالء، أي السيوف والدروع والغزالين من الذهب، ف

. في الباب الغزالين صفائح من ذهب، وأقام سقاية زمزم للحجاج

ما أنا بفاعل، هذا أمر خصصت به، فلم : قال . أشرآنا : ولما بدت بئر زمزم نازعت قريش عبد المطلب، وقالوا له نت بأشراف الشام، فلما آانوا في الطريق، ونفد الماء يترآوه حتى خرجوا به للمحاآمة إلى آاهنة بني سعد هذيم، وآا

عبد المطلب مطرا، م ينزل عليهم قطرة، فعرفوا تخصيص عبد المطلب بزمزم ورجعـوا، وحينئذ نذر عبد اهللا سقى . عشرة أبناء، وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبةاهللا المطلب لئن آتاه

الصباح الحبشى، النائب العام عن النجاشى على اليمن، لما رأي العرب يحجون الكعبة أن أبرهة بن : وخالصة الثانىبني آنيسة آبيرة بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني آنانة، فدخلها ليلا فلطخ

ف جندى ـ إلى الكعبة ليهدمها، ولما علم أبرهة بذلك ثار غيظه، وسار بجيش عرمرم ـ عدده ستون أل . قبلتها بالعذرةفيال، وواصل سيره حتى بلغ المغمس، وهناك عبأ 13فيلة أو 9واختار لنفسه فيال من أآبر الفيلة، وآان في الجيش

جيشه وهيأ فيله، وتهيأ لدخول مكة، فلما آان في وادى محسر بين المزدلفة ومنى برك الفيل، ولم يقم ليقدم إلى ا آلما وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق يقوم يهرول، وإذا صرفوه إلى الكعبة برك، فبيناهم الكعبة، وآانو

وآانت الطير أمثال . عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم آعصف مأآولاهللا آذلك إذ أرسل ي رجليه أمثال الحمص، ال تصيب الخطاطيف والبلسان، مع آل طائر ثالثة أحجار؛ حجر في منقاره، وحجران ف

منهم أحدا إال صارت تتقطع أعضاؤه وهلك، وليس آلهم أصابت، وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض، عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى اهللا فتساقطوا بكل طريق وهلكوا على آل منهل، وأما أبرهة فبعث

. عن قلبه ثم هلكصنعاء إال وهو مثل الفرخ، وانصدع صدره

وأما قريش فكانوا قد تفرقوا في الشعاب، وتحرزوا في رءوس الجبال خوفا على أنفسهم من معرة الجيش، فلما نزل . بالجيش ما نزل رجعوا إلى بيوتهم آمنين

يوما ـ عند عليه وسلم بخمسين يوما أو بخمسة وخمسين اهللا وآانت هذه الوقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلى لنبيه وبيته؛ ألنا حين ننظر اهللا م، وآانت تقدمة قدمها 571األآثر ـ وهو يطابق أواخر فبراير أو أوائل مارس سنة

استولوا على هذه القبلة مرتين بينما آان أهلها مسلمين، آما وقع اهللا إلى بيت المقدس نرى أن المشرآين من أعداء م، ولكن لم يتم استيالء نصارى الحبشة على الكعبة وهم المسلمون إذ 70الرومان سنة م، و . ق 587لبختنصر سنة

. ذاك، وأهل الكعبة آانوا مشرآين

فالحبشة آانت لها صلة . وقد وقعت هذه الوقعة في الظروف التي يبلغ نبؤها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاكرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان وحلفائهم؛ ولذلك سرعان ما جاءت قوية بالرومان، والفرس ال يزالون لهم بالم

فهذه الوقعة لفتت . الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة، وهاتان الدولتان آانتا تمثالن العالم المتحضر في ذلك الوقتمن أهله بدعوى النبوة للتقديس، فإذن لو قام أحداهللا ، وأنه هو الذي اصطفاه اهللا أنظار العالم ودلته على شرف بيت

للمشرآين ضد أهل اهللا آان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وآان تفسيرا للحكمة الخفية التي آانت في نصرة . اإليمان بطريق يفوق عالم األسباب

غيداق، ، وحمزة، وأبو لهب، والاهللا الحارث، والزبير، وأبو طالب، وعبد : وآان لعبد المطلب عشرة بنين، وهمعبد : آانوا ثالثة عشر، فزادوا : قثم، وقيل : آانوا أحد عشر، فزادوا ولدا اسمه : وقيل . والمقوم، وضرار، والعباس

إن عبد الكعبة هو المقوم، وحجال هو الغيداق، ولم يكن من أوالده رجل اسمه قثم، وأما البنات : الكعبة وحجلا، وقيل . أم الحكيم ـ وهي البيضاء ـ وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى، وأميمة : فست وهن

: عليه وسلماهللا صلى اهللا والد رسول اهللا ـ عبد 3

أحسن أوالد عبد المطلب اهللا أمـه فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بـن مـرة، وآـان عبد ؛ وذلك أن عبد المطلب لمـا تم أبناؤه عشرة، وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره وأعفهم وأحبهم إليه، وهو الذبيح

م اهللا : فقال . ، وآــان أحـب النـاس إليهاهللا فطـارت القرعــة على عـبد ؟ إنه أقـرع بينهم أيهم ينـحـر : فأطاعوه، فقيل إنه آتب أسماءهم في : ى المائة من اإلبل، وقيلثم أقرع بينه وبين اإلبل فطارت القرعة عل . هو أو مائة من اإلبل

، فأخذه عبد المطلب، وأخذ الشفرة،ثم أقبل به إلى اهللا القداح،وأعطاها قيم هبل، فضرب القداح فخرج القدح على عبد فكيف أصنع : فقال عبد المطلب . الكعبة ليذبحه،فمنعته قريش،والسيما أخواله من بني مخزوم وأخوه أبو طالب

وعلى عشر من اهللا فأشاروا عليه أن يأتى عرافة فيستأمرها، فأتاها، فأمرت أن يضرب القداح على عبد ؟ ذريبنيزيد عشرا من اإلبل حتى يرضى ربه، فإن خرجت على اإلبل نحرها، فرجع وأقرع اهللا اإلبل، فإن خرجت على عبد

، فلم يزل يزيد من اإلبل عشرا عشرا وال تقع القرعة اهللاوبين عشر من اإلبل، فوقعت القرعة على عبد اهللا بين عبد إال عليه إلى أن بلغت اإلبل مائة فوقعت القرعة عليها، فنحرت ثم ترآت، ال يرد عنها إنسان وال سبع، وآانت الدية في قريش وفي العرب عشرا من اإلبل، فجرت بعد هذه الوقعة مائة من اإلبل، وأقرها اإلسالم، وروى عن النبي

. اهللا يعنى إسماعيل، وأباه عبد ] أنا ابن الذبيحين [ : عليه وسلم أنه قالاهللا صلى

آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن آالب، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في اهللا واختار عبد المطلب لولده عبد في مكة، وبعد قليل أرسله اهللا فبني بها عبد قريش نسبا وموضعا، وأبوها سيد بني زهرة نسبا وشرفا، فزوجه بها،

بل خرج تاجرا إلى الشام، فأقبل في عير قريش، فنزل : عبد المطلب إلى المدينة يمتار لهم تمرا، فمات بها، وقيل بالمدينة وهو مريض فتوفي بها، ودفن في دار النابغة الجعدى، وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، وآانت وفاته قبل

ولما . بل توفي بعد مولده بشهرين أو أآثر : عليه وسلم، وبه يقول أآثر المؤرخين، وقيل اهللا صلى اهللا د رسول أن يول : بلغ نعيه إلى مكة رثته آمنة بأروع المراثى، قالت

وجاور لحدا خارجـا في الغـماغـــم ** عفا جانب البطحاء من ابن هاشم

وما ترآت في الناس مثل ابن هاشـم ** ــوة فأجـابـــهـا دعتـه المنــايا دع

تعاوره أصـحـابــه في التزاحــــم ** عشيـة راحـوا يحملــون سريـره

فقـد آـان معطــاء آـثير التراحم ** فإن تـك غـالتـه المنـايا وريبهـــا

حبشية اسمها برآة وآنيتها أم أيمن، وهي حاضنـة خمسة أجمال، وقطعة غنم، وجارية اهللا وجميع ما خلفه عبد . عليه وسلماهللا صلى اهللا رسول

المولد وأربعون عاما قبل النبوة

المولـــد

عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم االثنين التاسع مـن شـهر ربيـع اهللا ولـد سيـد المرسلـين صلى ة الفيـل، وألربعـين سنة خلت من ملك آسرى أنوشروان، ويوافق ذلك عشرين أو اثنين األول، ألول عـام مـن حادثـ

. اهللا م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان ـ المنصورفورى ـ رحمه 571وعشرين من شهر أبريل سنة

ـرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لمــا ولـدتــه خـ : عليه وسلم قالــت اهللا صلى اهللا وروى ابــن سعــد أن أم رســول . وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبـا مـن ذلك . لـه قصـور الشام

وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميالد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان آسرى، وخمدت النار التي وليس . ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى

. له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك األمم مع قوة دواعى التسجيل

. وشكر لهاهللا ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده،فجاء مستبشرا ودخل به الكعبة، ودعا . في العرب ـ وختنه يوم سابعه آما آان العرب يفعلونواختار له اسم محمد ـ وهذا االسم لم يكن معروفا

عليه وسلم بأسبوع ـ ثويبة موالة أبي لهب بلبن ابن لها يقال اهللا وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى . المخزوميمسروح، وآانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد األسد : له

في بني سعد

وآانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع ألوالدهم ابتعادا لهم عن أمراض الحواضر؛ ولتقوى عليه وسلم اهللا صلى اهللا أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول

بن الحارث، وزوجها اهللا من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد المراضع، واسترضع له امرأة . الحارث ابن عبد العزى المكنى بأبي آبشة من نفس القبيلة

بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو جذامة بنت اهللا عبد : عليه وسلم هناك من الرضاعة اهللا وإخوته صلى عليه وسلم، وأبو سفيان بن اهللا صلى اهللا وآانت تحضن رسول ] ب غلب على اسمهاوهي الشيماء؛ لق [ الحارث

عليه وسلم وآان عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعا في بني اهللا صلى اهللا الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول اهللا حمزة رضيع رسول عليه وسلم يوما وهو عند أمه حليمة،فكان اهللا صلى اهللا سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول

. عليه وسلم من جهتين، من جهة ثويبة ومن جهة السعديةاهللا صلى

: عليه وسلم ما قضت منه العجب، ولنترآها تروى ذلك مفصلا اهللا ورأت حليمة من برآته صلى

ي نسوة من بني أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه ف : آانت حليمة تحدث : قال ابن إسحاق فخرجت على أتان لى قمراء، : وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا، قالت : قالت . سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء

ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما اهللا ومعنا شارف لنا، وما يغذيه، ولكن آنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أذمت بالرآب حتى شق يغنيه، وما في شارفنا

اهللا صلى اهللا ذلك عليهم، ضعفا وعجفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إال وقد عرض عليها رسول وما عسى أن ! يتيم : عروف من أبي الصبي، فكنا نقولإنه يتيم، وذلك أنا آنا نرجو الم : عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها

تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إال أخذت رضيعا غيرى، فلما أجمعنا االنطالق قلت ال : قال . ألذهبن إلى ذلك اليتيم فآلخذنهاهللا ، إنى ألآره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعا، واهللا و : لصاحبى

فذهبت إليه وأخذته،وما حملنى على أخذه إال أنى لم أجد : قالت . أن يجعل لنا فيه برآةاهللا عليك أن تفعلى، عسى فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ثديأي بما شاء من لبن، فشرب حتى : غيره، قالت

ناما، وما آنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم تعلمي : يقول صاحبى حين أصبحنا : فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت

ثم خرجنا ورآبت أنا أتانى، وحملته : التق . إنى ألرجو ذلكاهللا و : فقلت : يا حليمة، لقد أخذت نسمة مبارآة، قالتاهللا ويا ابنة أبي ذؤيب، : لقطعت بالرآب ما ال يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لىاهللا عليها معى، فو

إن هللا او : ، إنها لهي هي، فيقلناهللا بلى و : فأقول لهن ؟ أربعى علينا، أليست هذه أتانك التي آنت خرجت عليها ! ويحكأجدب منها، فكانت غنمى تروح اهللا ثم قدمنا منازلنا من بالد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض : لها شأنا، قالت

على حين قدمنا به معنا شباعا لبنـا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، وال يجدها في ضرع، حتى آان ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما : الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم

الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وآان اهللا فلم نزل نتعرف من . تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعا لبناه على أمه ونحن أحرص على مكثه فقدمنا ب : قالت . يشب شبابا ال يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى آان غالما جفرا

لو ترآت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، : فينا، لما آنا نرى من برآته، فكلمنا أمه، وقلت لها . فلم نزل بها حتى ردته معنا : قالت

شق الصدر

ى قول ابن إسحاق، وفي السنة عليه وسلم إلى بني سعد، حتى إذا آان بعده بأشهر علاهللا صلى اهللا وهكذا رجع رسول عليه وسلم اهللا صلى اهللا أن رسول : الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس

هذا : أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقاله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم ألمه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ـ ثم أعاده في حظ الشيطان منك، ثم غسل

إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون ـ أي متغير : مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعنى ظئره ـ فقالوا . وقد آنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره : اللون ـ قال أنس

إلى أمه الحنون

. وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين

ورأت آمنة ـ وفاء لذآرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرا ثم عليه وسلم ـاهللا آيلو متر ومعها ولدها اليتيم ـ محمد صلى

. قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت باألبواء بين مكة والمدينة

إلى جده العطوف

يب بمصاب جديد نكأ وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وآانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصالجروح القديمة، فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أوالده، فكان ال يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على

آان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى : أوالده، قال ابن هشامعليه وسلم يأتى وهو غالم جفر حتى اهللا صلى اهللا يه إجاللا له، فكان رسول يخرج إليه، ال يجلس عليه أحد من بن

إن له لشأنا، اهللا دعوا ابني هذا، فو : يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم . ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع

عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأي قبل وفاته اهللا ات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى ولثمانى سنو . أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه

إلى عمه الشفيق

ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أآمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل . وق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله، وستأتي نبذ من ذلك في مواضعهاف

يستسقى الغمام بوجهه

يا أبا طالب، أقحط الوادي، : قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش : أخرج ابن عساآر عن جلهمة بن عرفطة قالتسق، فخرج أبو طالب ومعه غالم، آأنه شمس دجنة، تجلت عنه سحابة قتماء، حوله أغيلمة، وأجدب العيال، فهلم فاس

فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة،والذ بأضبعه الغالم، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا : ى هذا أشار أبو طالب حين قالوأغدق واغدودق، وانفجر الوادي، وأخصب النادي والبادي، وإل

ثمال اليتامى عصمة لألرامل ** وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

بحيرى الراهب

وشهرين وعشرة أيام ـ ارتحل به أبو طالب تاجرا : عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيلاهللا صلى اهللا ولما بلغ رسول وهي معدودة من الشام، وقصبة لحوران، وآانت في ذلك الوقت قصبة للبالد إلى الشام، حتى وصل إلى بصرى ـ جرجيس، فلما : وآان في هذا البلد راهب عرف ببحيرى، واسمه ـ فيما يقال . العربية التي آانت تحت حكم الرومان

عليه اهللا صلى اهللا يد رسول نزل الرآب خرج إليهم، وآان ال يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بأشياخ ] أبو طالب و [ فقال له . رحمة للعالميناهللا هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه : وسلم، وقال

جدان إال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر وال شجر إال خر ساجدا، وال يس : فقال ؟ ] بذلك [ ما علمك ] و [ : قريش، ثم أآرمهم بالضيافة، ] وإنا نجده في آتبنا [ لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف آتفه مثل التفاحة،

. وسأل أبا طالب أن يرده، وال يقدم به إلى الشام؛ خوفا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة

حرب الفجار

عليه وسلم وقعت في سوق عكاظ حرب بين قريش ـ ومعهم آنانة ـ وبين اهللا رين من عمره صلى وفي السنة العشأن أحد بني آنانة، واسمه البراض، اغتال ثالثة رجال من قيس عيالن، : قيس عيالن، تعرف بحرب الفجار وسببها

ب بن أمية؛ لمكانته فيهم سنا وشرفا، وآان ووصل الخبر إلى عكاظ فثار الطرفان، وآان قائد قريش وآنانة آلها حرثم تداعى بعض . الظفر في أول النهار لقيس على آنانة، حتى إذا آان في وسط النهار آادت الدائرة تدور على قيس

فاصطلحوا على ذلك، . قريش إلى الصلح على أن يحصوا قتلى الفريقين، فمن وجد قتاله أآثر أخذ دية الزائدوسميت بحرب الفجار؛ النتهاك حرمة الشهر الحرام فيها، . وهدموا ما آان بينهم من العداوة والشر ووضعوا الحرب،

. عليه وسلم، وآان ينبل على عمومته؛ أي يجهز لهم النبل للرمياهللا صلى اهللا وقد حضر هذه الحرب رسول

حلف الفضول

بنو هاشم، وبنو : حرام تداعت إليه قبائل من قريشوعلى أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذى القعدة في شهر بن جدعان التيمى؛ لسنه اهللا المطلب،وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن آالب، وتيم بن مرة، فاجتمعوا في دار عبد

على وشرفه، فتعاقدوا وتعاهدوا على أال يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم من سائر الناس إال قاموا معه، وآانوا : بالرسالةاهللا وقال بعد أن أآرمه . عليه وسلماهللا صلى اهللا من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا الحلف رسول

. ) بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به في اإلسالم ألجبتاهللا لقد شهدت في دار عبد (

إن رجلا من زبيد : لية التي آانت العصبية تثيرها، ويقال في سبب هذا الحلفوهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهقدم مكة ببضاعة، واشتراها منه العاص بن وائل السهمى، وحبس عنه حقه، فاستعدى عليه األحالف عبد الدار

عار يصف فيها ظالمته رافعا ومخزوما، وجمحا وسهما وعديا فلم يكترثوا له، فعال جبل أبي قبيس، ونادى بأشحتى اجتمع الذين مضى ذآرهم في حلف ؟ ما لهذا مترك : صوته، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال

. الفضول، فعقدوا الحلف ثم قاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي

حياة الكدح

ل شبابه، إال أن الروايات توالت أنه آان يرعى غنما، رعاها في عليه وسلم عمل معين في أواهللا ولم يكن له صلى بني سعد، وفي مكة ألهلها على قراريط، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب،فقد ورد أنه آان يتجر مع : السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، ال يدارى وال يمارى، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال

. مرحبا بأخي وشريكي

آانت خديجة : عنها قال ابن إسحاقاهللا وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرا إلى الشام في مال خديجة رضي بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وآانت قريش

عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وآرم أخالقه بعثت اهللا صلى اهللا عن رسول قوما تجارا، فلما بلغهاإليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما آانت تعطى غيره من التجار، مع غالم

في مالها ذلك، وخرج معه غالمها ميسرة حتى عليه وسلم منها، وخرج اهللا صلى اهللا ميسرة، فقبله رسول : لها يقال له . قدم الشام

زواجه بخديجة

ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من األمانة والبرآة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غالمها ميسرة بما رأي وجدت ضالتها عليه وسلم من خالل عذبة، وشمائل آريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين،اهللا فيه صلى

المنشودة ـ وآان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضى بذلك، وآلم أعمامه، فذهبوا اهللا نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه صلى

ك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلوآانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وآانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبا . من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة

. ماتتعليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى اهللا صلى اهللا وثروة وعقلا، وهي أول امرأة تزوجها رسول

أولا القاسم ـ وبه آان يكنى ـ ثم زينب، ورقية، وأم : عليه وسلم منها سوى إبراهيم،ولدت لهاهللا وآل أوالده صلى يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه آلهم في صغرهم، أما البنات فكلهن اهللا وآان عبد . اهللا آلثوم، وفاطمة، وعبد

عنها، اهللا عليه وسلم سوى فاطمة رضي اهللا نهن أدرآتهن الوفاة في حياته صلى أدرآن اإلسالم فأسلمن وهاجرن،إال أ . فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به

بناء الكعبة وقضية التحكيم

عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة؛ وذلك ألن الكعبة آانت رضما فوق اهللا ولخمس وثالثين سنة من مولده صلى ا تسعة أذرع من عهد إسماعيل عليه السالم، ولم يكن لها سقف، فسرق نفر من اللصوص آنزها الذي القامة، ارتفاعه

آان في جوفها، وآانت مع ذلك قد تعرضت ـ باعتبارها أثرا قديما ـ للعوادى التي أدهت بنيانها، وصدعت جدرانها، البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم انحدر إلىاهللا وقبل بعثته صلى

االنهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصا على مكانتها، واتفقوا على أال يدخلوا في بنائها إال طيبا، فال يدخلون فيها مهر بغى وال بيع ربا وال مظلمة أحد من الناس، وآانوا يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة

م ال نريد إال الخير، ثم هدم ناحية الرآنين، ولما لم يصبه شيء تبعه الناس في اهللا : مى، فأخذ المعول وقالالمخزوالهدم في اليوم الثاني، ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم، ثم أرادوا األخذ في البناء فجزأوا الكعبة،

: قبيلة حجارة على حدة، وأخذوا يبنونها، وتولى البناء بناء رومي اسمهفجمعت آل . وخصصوا لكل قبيلة جزءا منهاولما بلغ البنيان موضع الحجر األسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليال . باقوم

رة المخزومى عرض أو خمسا، واشتد حتى آاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، إال أن أبا أمية بن المغياهللا أن يكون ذلك رسول اهللا عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه، وشاء

هذا األمين، رضيناه، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء : عليه وسلم، فلما رأوه هتفوااهللا صلى القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء

. حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه، وهذا حل حصيف رضى به القوم

وقصرت بقريش النفقة الطيبة فأخرجوا من الجهة الشمالية نحوا من ستة أذرع، وهي التي تسمى بالحجر والحطيم، . ا بابها من األرض؛ لئال يدخلها إال من أرادوا، ولما بلغ البناء خمسة عشر ذراعا سقفوه على ستة أعمدةورفعو

مترا، وطول ضلعه الذي فيه الحجر األسود 15وصارت الكعبة بعد انتهائها ذات شكل مربع تقريبا، يبلغ ارتفاعه والضلع الذي فيه الباب والمقابل . متر من أرضية المطاف50 . 1أمتار، والحجر موضوع على ارتفاع 10والمقابل له

مترا، وبابها على ارتفاع مترين من األرض، ويحيط بها من الخارج قصبة من البناء أسفلها، متوسط ارتفاعها 12له . مترا وتسمى بالشاذروان، وهي من أصل البيت لكن قريشا ترآتها 30 . 0مترا ومتوسط عرضها 25 . 0

سيرة اإلجمالية قبل النبوةال

عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وآان طرازا رفيعا من الفكر اهللا آان النبي صلى الصائب، والنظر السديد، ونال حظا وافرا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وآان يستعين

لتأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف بصمته الطويل على طول االحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات، فعاف ما سواها من خرافة، ونأي عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من

وال يأآل مما ذبح على أمره وأمرهم، فما وجد حسنا شارك فيه وإال عاد إلى عزلته العتيدة، فكان ال يشرب الخمر، النصب، وال يحضر لألوثان عيدا وال احتفالا، بل آان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن

. شيء أبغض إليه منها، وحتى آان ال يصبر على سماع الحلف بالالت والعزى

طالع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى باتباع وال شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس الستما ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا بعض التقاليد غير المحمودة ـ تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها، قال رسول

ى بيني وبينه، ثم ما هممت به حتى أآرمناهللا هممت بشيء مما آان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، آل ذلك يحول لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها آما : برسالته، قلت ليلة للغالم الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة

عرس فالن : فقالوا ؟ ما هذا : أفعل، فخرجت حتى إذا آنت عند أول دار بمكة سمعت عزفا، فقلت : يسمر الشباب، فقالفعدت إلى صاحبي فسألني، . نمت، فما أيقظني إال حر الشمسعلى أذنـى فاهللا بفالنة، فجلست أسمع، فضرب

. ) ثم ما هممت بسوء . . . فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة

ارة، عليه وسلم وعباس ينقالن الحجاهللا لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى : قالاهللا وروى البخاري عن جابر بن عبد اجعل إزارك على رقبتك يقيقك من الحجارة، فخر إلى األرض وطمحت عيناه : عليه وسلماهللا فقال عباس للنبي صلى . فما رؤيت له عورة بعد ذلك : وفي رواية . فشد عليه إزاره ) إزاري، إزاري ( : إلى السماء ثم أفاق، فقال

مه بخالل عذبة وأخالق فاضلة، وشمائل آريمة، فكان أفضل قومه عليه وسلم يمتاز في قواهللا وآان النبي صلى مروءة، وأحسنهم خلقا، وأعزهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وألينهم عريكة، وأعفهم نفسا وأآرمهم

األحوال الصالحة لما جمع فيه من ] األمين [ : خيرا، وأبرهم عملا، وأوفاهم عهدا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه

عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقرى اهللا والخصال المرضية، وآان آما قالت أم المؤمنين خديجة رضي . الضيف، ويعين على نوائب الحق

حياة النبـوة و الرسـالة والدعـوة

العهـد المكـي -النبــوة والدعــوة في ظالل النبوة والرسالة

من جهاد الدعوة إلي اهللا: المرحلة األولى

العهـد المكـي -النبــوة والدعــوة

بالنبوة والرسالة إلى عهدين يمتاز أحدهما عن اآلخـر اهللا عليه وسلم بعد أن شرفه اهللا صلى اهللا تنقسم حياة رسول : تمـام االمتياز، وهما

. ـ العهد المكي، ثالث عشرة سنة تقريبا 1

. ـ العهد المدني، عشر سنوات آاملة 2

يشتمل آل من العهدين على عدة مراحل، لكل مرحلة منها خصائص تمتاز بها عن غيرها، يظهر ذلك جليا بعد ثم . النظر الدقيق في الظروف التي مرت بها الدعوة خالل العهدين

: ويمكن تقسيم العهد المكي إلى ثالث مراحل

. ـ مرحلة الدعوة السرية، ثالث سنوات 1

. عليه وسلم إلى المدينةاهللا لدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى هجرته صلى ـ مرحلة إعالن ا 2

وقد شملت العهد المدني وامتدت إلى . ـ مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم، من أواخر السنة العاشرة من النبوة 3 . عليه وسلماهللا آخر حياته صلى

. دني فسيجيء تفصيلها في موضعهأما مراحل العهد الم

في ظالل النبوة والرسالة

في غار حراء

عليه وسلم األربعين، وآانت تأمالته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب اهللا لما تقاربت سنه صلى بعدة نحو ميلين من مكة ـ وهو إليه الخالء، فكان يأخذ السويق والماء، ويذهب إلى غار حراء في جبل النور على م

غار لطيف طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثالثة أرباع ذراع من ذراع الحديد ـ فيقيم فيه شهر رمضان، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه

وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح، وال منهج محدد، وال طريق قاصد من عقائد الشرك المهلهلة . يطمئن إليه ويرضاه

له، وليكون انقطاعه عن شواغل األرض وضجة اهللا عليه وسلم لهذه العزلة طرفا من تدبير اهللا وآان اختياره صلى حول الستعداده لما ينتظره من األمر العظيم، فيستعد لحمل الحياة وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة نقطة ت

له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثالث سنوات، اهللا دبر . . . األمانة الكبرى وتغيير وجه األرض، وتعديل خط التاريخيب مكنون، حتى ينطلق في هذه العزلة شهرا من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غ

. اهللا يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن

جبريل ينزل بالوحي

ولها تبعث الرسل ـ بدأت طالئع النبوة تلوح وتلمع، فمن ذلك : ولما تكامل له أربعون سنة ـ وهي رأس الكمال، وقيلكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح، أن حجرا بمكة آان يسلم عليه، ومنها أنه آان يرى الرؤيا الصادقة؛ ف

حتى مضت على ذلك ستة أشهر ـ ومدة النبوة ثالث وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من أن يفيض من رحمته على اهللا عليه وسلم بحراء شاء اهللا النبوة ـ فلما آان رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى

. مه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآنأهل األرض، فأآر

وبعد النظر والتأمل في القرائن والدالئل يمكن لنا أن نحدد ذلك اليوم بأنه آان يوم االثنين إلحدى وعشرين مضت من عليه وسلم إذ ذاك بالضبط أربعين سنة اهللا م، وآان عمره صلى 610أغسطس سنة 10شهر رمضان ليلا، وقد وافق

. سنة شمسية وثالثة أشهر وعشرين يوما 39يوما، وذلك نحو 12قمرية، وستة أشهر، و

عنها تروى لنا قصة هذه الوقعة التي آانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح اهللا ولنستمع إلى عائشة الصديقة رضي . عنهااهللا عائشة رضي دياجير ظلمات الكفر والضالل حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ، قالت

عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان ال يرى رؤيا إال جاءت اهللا صلى اهللا أول ما بديء به رسول مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخالء، وآان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن

أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك ينزع إلى مـا أنـا : اقرأ، قلت : فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال ( : ، قال ) ما أنا بقارئ ( : قال : اقرأ : فقال

ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني : اقرأ، فقلت : حتى بلـغ منـى الجهد، ثم أرسلني فقالفأخذنى فغطنى الثانية : بقـارئ، قـال، ) ] 3 : 1 : العلق [ } اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأآرم { : الثالثة، ثـم أرسلـني فـقـال

، ) زملونى زملونى ( : عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقالاهللا صلى هللا افرجع بها رسول آال، : ، فقالت خديجة ) لقد خشيت على نفسي (فأخبرها الخبر، ) ؟ ما لي ( : فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة

لكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل ااهللا ما يخزيك اهللا وفانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ـ وآان امرأ تنصر في

عمي أن يكتب، وآان شيخا آبيرا قداهللا الجاهلية، وآان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من اإلنجيل بالعبرانية ما شاء اهللا صلى اهللا فأخبره رسول ؟ يابن أخي، ماذا ترى : يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : ـ فقالت له خديجة

على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتنى أآون حيا اهللا هذا الناموس الذي نزله : عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقةنعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به : قال ) ؟ أو مخرجي هم ( : عليه وسلماهللا صلى اهللاإذ يخرجك قومك، فقال رسول

. إال عودى، وإن يدرآنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحى

فترة الوحى

ها آانت أياما، وقد روى ابن سعد عن ابن عباس ما والصحيح أن . أما مدة فترة الوحى فاختلفوا فيها على عدة أقوال . وأما ما اشتهر من أنها دامت ثالث سنوات أو سنتين ونصفا فليس بصحيح . يفيد ذلك

ولم أر من تعرض له منهم، وهو أن . وقد ظهر لى شىء غريب بعد إدارة النظر في الروايات وفي أقوال أهل العلمعليه وسلم آان يجاور بحراء شهرا واحدا، وهو شهر رمضان اهللا صلى اهللا أن رسول هذه األقوال والروايات تفيد

من آل سنة، وذلك من ثالث سنوات قبل النبوة،وأن سنة النبوة آانت هي آخر تلك السنوات الثالث، وأنه آان يتم . ـ ويعود إلى البيت جواره بتمام شهر رمضان، فكان ينزل بعده من حراء صباحا ـ أي ألول يوم من شهر شوال

عليه وسلم بعد الفترة إنما نزل اهللا وقد ورد التنصيص في رواية الصحيحين على أن الوحى الذي نزل عليه صلى . عليه وسلم راجع إلى بيته بعد إتمام جواره بتمام الشهراهللا وهو صلى

الفترة إنما نزل في أول يوم من شهر شوال بعد عليه وسلم بعد اهللا فهذا يفيد أن الوحى الذي نزل عليه صلى : أقولنهاية شهر رمضان الذي تشرف فيه بالنبوة والوحى؛ ألنه آان آخر مجاورة له بحراء، وإذا ثبت أن أول نزول الوحى

وأن الوحى . آان في ليلة االثنين الحادية عشرة من شهر رمضان فإن هذا يعنى أن فترة الوحى آانت لعشرة أيام فقط

ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر . بعدها صبيحة يوم الخميس ألول شوال من السنة األولى من النبوةنزل . أعلماهللا األواخر من رمضان بالمجاورة واالعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، و

يه الحيرة والدهشة، فقد روى البخاري في عليه وسلم في أيام الفترة آئيبا محزونا تعتراهللا صلى اهللا وقد بقى رسول : آتاب التعبير ما نصه

عليه وسلم فيما بلغنا حزنا عدا منه مرارا آى يتردى من رءوس شواهق اهللا وفتر الوحي فترة حزن النبي صلى حقا، فيسكن لذلك اهللا يا محمد، إنك رسول : الجبال، فكلما أوفي بذروة جبل لكى يلقى نفسه منه تبدى له جبريل فقال

جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك، فإذا أوفي بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له . مثل ذلك

جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية

وسلم وجده من الروع، وليحصل عليه اهللا ؛ ليذهب ما آان صلى ] أي انقطاع الوحي أياما [ وآان ذلك : قال ابن حجراهللا صلى : قال . بالوحي مرة ثانيةاهللا له التشوف إلى العود، فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجىء الوحى أآرمه

: عليه وسلم

فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ] فلما استبطنت الوادي [ جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جوارى هبطت (عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أرشيئا، فرفعت رأسى فرأيت شيئا، ونظرت

] فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على آرسي بين السماء واألرض، فجئثت منه رعبا حتى هويت إلى األرض [ فدثرونى وصبوا على ماء باردا، ( : ، قال ) بوا على ماء باردا، دثرونى، وص ] زملوني، زملوني [ : فأتيت خديجة فقلت

وذلك قبل أن تفرض ) ] 5 : 1 : المدثر [ } يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر { : فنزلت . عالصالة، ثم حمى الوحى بعد وتتاب

وتشتمل على نوعين . عليه وسلم وهي متأخرة عن النبوة بمقدار فترة الوحىاهللا وهذه اآليات هي مبدأ رسالته صلى : من التكليف مع بيان ما يترتب عليه

حذر الناس : ناهفإن مع } قم فأنذر { : عليه وسلم بالبالغ والتحذير، وذلك في قوله تعالىاهللا تكليفه صلى : النوع األولالمتعال، واإلشراك به في الذات اهللا إن لم يرجعوا عما هم فيه من الغى والضالل وعبادة غير اهللا من عذاب

. والصفات والحقوق و األفعال

رز سبحانه وتعالى على ذاته، وااللتزام بها في نفسه؛ ليحاهللا عليه وسلم بتطبيق أوامر اهللا تكليفه صلى : النوع الثانيخصه : معناه } وربك فكبر { : فقوله . وذلك في بقية اآلياتاهللا ، ويصير أسوة حسنة لمن آمن باهللا بذلك مرضاة

تطهير الثياب والجسد، إذ ليس : المقصود الظاهر منه } وثيابك فطهر { : وقوله . بالتعظيم، وال تشرك به في ذلك أحداوإذا آان هذا التطهر مطلوبا فإن التطهر من أدران الشرك . ويقف بين يديه أن يكون نجسا مستقذرااهللا لمن يكبر

وعذابه، اهللا ابتعد عن أسباب سخط : معناه } والرجز فاهجر { : وأرجاس األعمال واألخـالق أولـى بالطـلب، وقولــهال تحسن إحسانا تريد أجره من الناس أو تريد له : أي } ولا تمنن تستكثر { : لهوقو . وذلك بالتزام طاعته وترك معصيته

. جزاء أفضل في هذه الدنيا

وحده اهللا أما اآلية األخيرة ففيها تنبيه على ما يلحقه من أذى قومه حين يفارقهم في الدين ويقوم بدعوتهم إلى ، ثم إن مطلع اآليات تضمنت النداء العلوى ـ في صوت الكبير } ولربك فاصبر { : وبتحذيرهم من عذابه وبطشه، فقال

عليه وسلم لهذا األمر الجلل، وانتزاعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح اهللا المتعال ـ بانتداب النبي صلى إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا، أما أنت الذي تحمل هذا : آأنه قيل ، } يا أيها المدثر قم فأنذر { : والمشقة

قم لألمر ! والمتاع المريح ؟ والعيش الهادئ ؟ وما لك والفراش الدافئ ؟ وما لك والراحة ؟ العبء الكبير فما لك والنوموالتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة، العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب، والكد

. وما عاد منذ اليوم إال السهر المتواصل، والجهاد الطويل الشاق، قم فتهيأ لهذا األمر واستعد

عليه وسلم من دفء الفراش في البيت الهادئ والحضن الدافئ، لتدفع به في اهللا إنها آلمة عظيمة رهيبة تنزعه صلى . نواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواءالخضم، بين الزعازع واأل

عليه وسلم، فظل قائما بعدها أآثر من عشرين عاما؛ لم يسترح ولم يسكن، ولم يعـش لنفسه اهللا صلى اهللا وقام رسول وء به، عبء األمانة الكبرى ، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ وال يناهللا قام وظل قائما على دعوة . وال ألهله

في هذه األرض، عبء البشرية آلها، عبء العقيدة آلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى، عاش في المعرآة الدائبة المستمرة أآثر من عشرين عاما؛ ال يلهيه شأن عن شأن في خالل هذا األمد منذ أن سمع النداء العلوى الجليل،

. عنا وعن البشرية آلها خير الجزاءاهللا جزاه . . . هيبوتلقى منه التكليف الر

عليه اهللا صلى اهللا وليست األوراق اآلتية إال صورة مصغرة بسيطة من هذا الجهاد الطويل الشاق الذي قام به رسول . وسلم خالل هذا األمد

أقسام الوحى

قال ابن القيم، . د إلى بيان أقسام الوحى ومراتبهوقبل الدخول في موضوع هذا الجهاد أرى من األحسن أن أستطر : وهو يذآر تلك المراتب

. عليه وسلماهللا الرؤيا الصادقة، وآانت مبدأ وحيه صلى : إحداها

إن روح القدس نفث ( : عليه وسلماهللا ما آان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، آما قال النبي صلى : الثانيةوأجملوا في الطلب، وال يحملنكم استبطاء الرزق على اهللا روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا في

. ) ال ينال إال بطاعتهاهللا ، فإن ما عند اهللا أن تطلبوه بمعصية

له، وفي هذه المرتبة آان عليه وسلم آان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعى عنه ما يقول اهللا إنه صلى : الثالثة . يراه الصحابة أحيانا

أنه آان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وآان أشده عليه، فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه ليتفصد عرقا في : الرابعةخذه على اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى األرض إذا آان راآبها، ولقد جاء الوحى مرة آذلك وف

. فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى آادت ترضها

أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين آما ذآر اهللا إنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحى إليه ما شاء : الخامسة . ذلك في سورة النجماهللا

. ض الصالة وغيرهاإليه، وهو فوق السموات ليلة المعراج من فراهللا ما أوحاه : السادسة

موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا اهللا له منه إليه بال واسطة ملك آما آلم اهللا آالم : السابعة . عليه وسلم هو في حديث اإلسراءاهللا وثبوتها لنبينا صلى . بنص القرآن

انتهي . غير حجاب، وهي مسألة خالف بين السلف والخلفله آفاحا من اهللا وقـد زاد بعضهم مرتبة ثامنة؛ وهي تكليم . مع تلخيص يسير في بيان المرتبة األولى والثامنة

اهللا من جهاد الدعوة إلي : المرحلة األولى

ثالث سنوات من الدعوة السرية

سبحانه وتعالى؛ وحيث هللا اعليه وسلم بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى اهللا صلى اهللا قام رسول إن قومه آانوا جفاة ال دين لهم إال عبادة األصنام واألوثان، وال حجة لهم إال أنهم ألفوا آباءهم على ذلك، وال أخالق

لهم إال األخذ بالعزة واألنفة، وال سبيل لهم في حل المشاآل إال السيف، وآانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في ومحتلين مرآزها الرئيس، ضامنين حفظ آيانها، فقد آان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في جزيرة العرب،

. بدء أمرها سرية؛ لئال يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم

الرعيل األول

عليه وسلم اإلسالم أولا على ألصق الناس به من أهل بيته، اهللا وآان من الطبيعى أن يعرض الرسول صلى ، فدعاهم إلى اإلسالم، ودعا إليه آل من توسم فيه الخير ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الحق وأصدقائه

والخير، ويعرفونه بتحرى الصدق والصالح، فأجابه من هؤالء ـ الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول صلى إلسالمى بالسابقين األولين، وفي مقدمتهم زوجة عليه وسلم وجاللة نفسه وصدق خبره ـ جمع عرفوا في التاريخ ااهللا

عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومواله زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وابن عمه علي اهللا النبي صلى أسلم . عليه وسلم ـ وصديقه الحميم أبو بكر الصديقاهللا بن أبي طالب ـ وآان صبيا يعيش في آفالة الرسول صلى

. ء في أول يوم الدعوةهؤال

ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى اإلسالم، وآان رجلا مألفا محببا سهلا ذا خلق ومعروف،وآان رجال قومه يأتونه ويألفونه؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعوته

بير بن العوام األسدى، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص الزهريان، عثمان بن عفان األموى، والز . فكان هؤالء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل األول وطليعة اإلسالم . التيمياهللا وطلحة بن عبيد

سلمة بن عبد األسد ثم تال هؤالء أمين هذه األمة أبو عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر، وأبوالمخزومى، وامرأته أم سلمة، واألرقم بن أبي األرقم المخزومى، وعثمان بن مظعون الجمحى وأخواه قدامة وعبد

، وعبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد العدوى، وامرأته فاطمة بنت الخطاب العدوية اهللا رت التميمى، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وخالد بن أخت عمر بن الخطاب، وخباب بن األ

سعيد بن العاص األموى، وامرأته أمينة بنت خلف، ثم أخوه عمرو بن سعيد بن العاص، وحاطب بن الحارث مر ابن الجمحي، وامرأته فاطمة بنت المجلل وأخوه الخطاب بن الحارث، وامرأته فكيهة بنت يسار، وأخوه مع

بن النحام العدوي، وهؤالء اهللا الحارث، والمطلب بن أزهر الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف، ونعيم بن عبد . آلهم قرشيون من بطون وأفخاذ شتى من قريش

اهللابن مسعود الهذلي، ومسعود بن ربيعة القاري، وعبد اهللا عبد : ومن السابقين األولين إلى اإلسالم من غير قريشبن جحش األسدي وأخوه أبو أحمد بن جحش، وبالل بن رباح الحبشي، صهيب بن سنان الرومي، وعمار بن ياسر

. العنسي، وأبوه ياسر، وأمه سمية، وعامر بن فهيرة

أم أيمن برآة الحبشية، وأم الفضل لبابة الكبرى بنت : وممن سبق إلى اإلسالم من النساء غير من تقدم ذآرهن . عنهمااهللا ارث الهاللية زوج العباس بن عبد المطلب، وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الح

هؤالء معروفون بالسابقين األولين، ويظهر بعد التتبع واالستقراء أن عدد الموصوفين بالسبق إلى اإلسالم وصل إلى الجهر بالدعوة أو تأخر إسالم بعضهم إلى مائة وثالثين رجلا وامرأة، ولكن ال يعرف بالضبط أنهم آلهم أسلموا قبل

. الجهر بها

الصالة

عليه وسلم قبل اإلسراء يصلى قطعا اهللا آان صلى : ومن أوائل ما نزل من األحكام األمر بالصالة، قال ابن حجرآانت إن الفرض : فقيل ؟ وآذلك أصحابه، ولكن اختلف هل فرض شىء قبل الصلوات الخمس من الصلوات أم ال

وروى الحارث بن أبي أسامة من طريق ابن لهيعة موصولا عن زيد . انتهي . صالة قبل طلوع الشمس وقبل غروبهاعليه وسلم في أول ما أوحى إليه أتاه جبريل، فعلمه الوضوء، فلما فرغ من اهللا صلى اهللا أن رسول : ابن حارثة

واه ابن ماجه بمعناه، وروى نحوه عن البراء بن عازب وابن الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه، وقد ر . وآان ذلك من أول الفريضة : عباس، وفي حديث ابن عباس

عليه وسلم وأصحابه آانوا إذا حضرت الصالة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا اهللا وقد ذآر ابن هشام أن النبي صلى عليه وسلم وعليا يصليان مرة، فكلمهما في ذلك، ولما عرف اهللابصالتهم من قومهم، وقد رأي أبو طالب النبي صلى

. جلية األمر أمرهما بالثبات

تلك هي العبادة التي أمر بها المؤمنون، وال تعرف لهم عبادات وأوامر ونواه أخرى غير ما يتعلق بالصالة، وإنما ويحثهم على مكارم األخالق، ويصف لهم آان الوحى يبين لهم جوانب شتى من التوحيد، ويرغبهم في تزآية النفوس،

الجنة والنار آأنهما رأي عين، ويعظهم بمواعظ بليغة تشرح الصدور وتغذى األرواح، وتحدو بهم إلى جو آخر غير . الذي آان فيه المجتمع البشرى آنذاك

عليه وسلم في اهللا وهكذا مرت ثالثة أعوام، والدعوة لم تزل مقصورة على األفراد، ولم يجهر بها النبي صلى المجامع والنوادى،إال أنها عرفت لدى قريش، وفشا ذآر اإلسالم بمكة، وتحدث به الناس، وقد تنكر له بعضهم أحيانا،

عليه وسلم لدينهم، ولم اهللا صلى اهللا واعتدوا على بعض المؤمنين، إال أنهم لم يهتموا به آثيرا حيث لم يتعرض رسول . يتكلم في آلهتهم

الدعــوة جهــارا: مرحلـة الثانيةال

أول أمـر بإظهار الدعـوة وة المجلس االستشاري لكف الحجاج عن استماع الدع

أساليب شتى لمجابهة الدعوة االضطهادات

أول أمـر بإظهار الدعـوة

لما تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على األخوة والتعاون، وتتحمل عبء تبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها نزل . عليه وسلم بمعالنة الدعوة، ومجابهة الباطل بالحسنىاهللا صلى اهللا حى يكلف رسول الو

، وقد ورد في سياق ذآرت فيه أولا ] 214 : الشعراء [ } وأنذر عشيرتك الأقربين { : وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالىته مع بني إسرائيل، وقصة نجاتهم من فرعون وقومه، وإغراق آل قصة موسى عليه السالم، من بداية نبوته إلى هجر

فرعون معه، وقد اشتملت هذه القصة على جميع المراحل التي مر بها موسى عليه السالم، خالل دعوة فرعون . اهللا وقومه إلى

ن أمامه وأمام أصحابه ؛ ليكواهللا عليه وسلم بجهر الدعوة إلى اهللا وآأن هذا التفصيل جىء به مع أمر الرسول صلى . مثال لما سيلقونه من التكذيب واالضطهاد حينما يجهرون بالدعوة، وليكونوا على بصيرة من أمرهم منذ البداية

ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذآر مآل المكذبين للرسل، من قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، ذآر من أمر فرعون وقومه ـ ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب عاقبة أمرهم وما وقوم لوط، وأصحاب األيكة ـ عدا ما

. إن استمروا عليه، وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم وليس للمكذبيناهللا سيلقونه من مؤاخذة

الدعـوة في األقربين

جاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عليه وسلم عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه اآلية، فاهللا صلى اهللا ودعا رسول : عليه وسلم بادره أبو لهب وقالاهللا صلى اهللا فلما أراد أن يتكلم رسول . عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلا

هؤالء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، يك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما فحسبك بنو أب

. عليه وسلم، ولم يتكلم في ذلك المجلساهللا صلى اهللا رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت رسول

وحده ال شريك اهللا وأشهد أن ال إله إال . وأتوآل عليهالحمد هللا، أحمده وأستعينه، وأومن به، ( : ثم دعاهم ثانية وقالاهللا إليكم خاصة وإلى الناس عامة، واهللا الذي ال إله إال هو، إنى رسول اهللا إن الرائد ال يكذب أهله، و ( : ثم قال . ) له

. ) النار أبدالتموتن آما تنامون، ولتبعثن آما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدا أو

وهؤالء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا . ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقا لحديثك : فقال أبو طالب، ال أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسى ال اهللا فو . أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به

. د المطلبتطاوعنى على فراق دين عب

. لنمنعه ما بقينااهللا و : السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيرآم، فقال أبو طالباهللا هذه و : فقال أبو لهب

على جبل الصفا

عليه وسلم اهللا عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، صعد النبي صلى اهللا وبعد تأآد النبي صلى ) يا صباحاه ( : الصفا، فعال أعالها حجرا، ثم هتفذات يوم على

. وآانت آلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم

يا بني فهر، يا بني عدى، يا بني فالن، يا بني فالن، يا بني عبد ( : ثم جعل ينادى بطون قريش، ويدعوهم قبائل قبائل . ) مناف، يا بني عبد المطلب

فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه . محمد : قالوا ؟ من هذا الذي يهتف : معوا قالوافلما س . أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش

. ) ؟ مصدقى أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أآنتم ( : فلما اجتمعوا قال

. نعم، ما جربنا عليك آذبا، ما جربنا عليك إال صدقا : قالوا

أي يتطلع ( ) إنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، إنما مثلى ومثلكم آمثل رجل رأي العدو فانطلق يربأ أهله ( : قال ) يا صباحاه : ن يسبقوه فجعل ينادىخشى أ ( ) وينظر لهم من مكان مرتفع لئال يدهمهم العدو

: ، فخص وعم فقالاهللا ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب

ضرا وال نفعا، وال أغنى اهللا ، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى ال أملك لكم من اهللا يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من ( . شيئااهللا عنكم من

. ذوا أنفسكم من النار، فإني ال أملك لكم ضرا وال نفعايا بني آعب بن لؤى، أنق

. يا بني مرة بن آعب، أنقذوا أنفسكم من النار

. يا معشر بني قصى، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى ال أملك لكم ضرا وال نفعا

. شيئااهللا وال نفعا، وال أغنى عنكم من ضرا اهللا يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى ال أملك لكم من

. يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار

. يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار

شيئا، اهللا يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإنى ال أملك لكم ضرا وال نفعا، وال أغنى عنكم من . شيئااهللا ، ال أملك لكم من سلونى من مالى ماشئتم

. شيئااهللا يا عباس بن عبد المطلب، ال أغنى عنك من

. شيئااهللا ، ال أغنى عنك من اهللا يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول

ا، وال ، سلينى ما شئت من مالى، أنقذى نفسك من النار، فإنى ال أملك لك ضرا وال نفعاهللا يا فاطمة بنت محمد رسول . شيئااهللا أغنى عنك من

. أي أصلها حسب حقها ) غير أن لكم رحما سأبلها بباللها

عليه اهللا ولما تم هذا اإلنذار انفض الناس وتفرقوا، وال يذآر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي صلى . ] 1 : سورة المسد [ } تبت يدا أبي لهب وتب { : فنزلت ؟ تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا : وسلم بالسوء، وقال

عليه وسلم ألقرب الناس إليه أن التصديق اهللا آانت هذه الصيحـة العالية هي غاية البالغ، فقد أوضح الرسول صلى لعرب ذابت في حرارة هذا اإلنذار بهذه الرسالة هو حياة الصالت بينه وبينهم، وأن عصبة القرابة التي يقوم عليها ا

. اهللا اآلتى من عند

} فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشرآين { : ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالىفي مجامع المشرآين ونواديهم، يتلو عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى اإلسالم اهللا صلى اهللا ، فقام رسول ] 94 : الحجر [

} يا قوم اعبدوا اهللا ما لكم من إلـه غيره { : ، ويقول لهم ما قالته الرسل ألقوامهماهللا عليهم آتاب . األشهادتعالى أمام أعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارا جهارا وعلى رءوس اهللا ،وبدء يعبد ] 59 : األعراف [

وحصل بينهم وبين من لم يسلم من أهل . واحدا بعد واحداهللا وقد نالت دعوته مزيدا من القبول، ودخل الناس في دين . بيتهم تباغض وتباعد وعناد واشمأزت قريش من آل ذلك، وساءهم ما آانوا يبصرون

المجلس االستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة

يام أهم قريشا أمر آخر،وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إال أيام أو أشهر معدودة حتى قرب وخالل هذه األموسم الحج، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه البد من آلمة يقولونها للعرب، في شأن محمد

ى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك عليه وسلم حتى ال يكون لدعوته أثر في نفوس العرب، فاجتمعوا إلاهللا صلى : أجمعوا فيه رأيـا واحدا،وال تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قولكم بعضه بعضا، قالوا : الكلمة، فقال لهم الوليد

ما هو بكاهن، لقد رأينا اهللاال و : قال . آاهن : نقول : قالوا . بل أنتم فقولوا أسمع : قال . فأنت فقل، وأقم لنا رأيا نقول بهما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما : مجنون، قال : فنقول : قالوا . الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وال سجعه

ه وهزجه ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر آله رجز : قال . شاعر : فنقول : قالوا . هو بخنقه وال تخالجه وال وسوستهما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، : قال . ساحر : فنقول : وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا

إن وإن أصله لعذق، و ] وإن عليه لطالوة [ إن لقوله لحالوة، اهللا و : قال ؟ فما نقول : قالوا . فما هو بنفثهم وال عقدهمجاء بقول هو . ساحر : فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إال عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه ألن تقولوا

. سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك

: أرنا رأيك الذي ال غضاضة فيه، فقال لهم : د لما رد عليهم آل ما عرضوا له، قالواوتفيد بعض الروايات أن الولي . أمهلونى حتى أفكر في ذلك، فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذآر آنفا

جعلت له مالا ممدودا وبنين ذرني ومن خلقت وحيدا و { تعالى ست عشرة آية من سورة المدثراهللا وفي الوليد أنزل دا إنه فكر وقدر فقتل آيف قدر ثم شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد آلا إنه آان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعو

} لبشرسأصليه سقرنظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبرفقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول اقتل آيف قدر ثم قدر ثم قتل آيف قدر ثم نظر ثم إنه فكر وقدر فقتل آيف { : وفي خاللها صور آيفية تفكيره، فقال ] 26إلى 11من [

] 25 : 18 : المدثر [ } عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر

فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، ال يمر بهم أحد إال وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، . حذروه إياه وذآروا لهم أمره

، اهللا عليه وسلم فخرج يتبع الناس في منازلهم وفي عكاظ ومجنة وذى المجاز، يدعوهم إلى اهللا صلى اهللا أما رسول . ال تطيعوه فإنه صابئ آذاب : وأبو لهب وراءه يقول

عليه وسلم وانتشر ذآره في بالد العرب اهللا صلى اهللا ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول وأدى . آلها

أساليب شتى لمجابهة الدعوة

وتتلخص هذه األساليب فيما . ولما فرغت قريش من الحج فكرت في أساليب تقضى بها على هذه الدعوة في مهدها : يلي

: قير، واالستهزاء والتكذيب والتضحيكـ السخرية والتح1

عليه وسلم بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، اهللا قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، فرموا النبي صلى ، ويصمونه بالسحر والكذب ] 6 : الحجر [ } وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذآر إنك لمجنون { فكانوا ينادونه بالمجنون

،وآانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ]4 : ص [ } وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر آذاب { ك بأبصارهم لما سمعوا الذآر ويقولون إنه وإن يكاد الذين آفروا ليزلقون { ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة

من اهللا { هؤالء جلساؤه : ،وآان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا ]51 : القلم [ } لمجنونإن { علينا اهللا ،وآانوا آما قص ]53 : األنعام [ } ليس اهللا بأعلم بالشاآرينأ { : ، قال تعالى ] 53 : األنعام [ } عليهم من بيننا

ن وإذا رأوهم لى أهلهم انقلبوا فكهيالذين أجرموا آانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إ . ]33 : 29 : المطففين [ } قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين

صلى اهللا وقد أآثروا من السخرية واالستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك شيئا فشيئا حتى أثر ذلك في نفس رسول وأمره بما اهللا ، ثم ثبته ] 97 : الحجر [ } ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون { : تعالىاهللا عليه وسلم، آما قالاهللا

، وقد ] 99، 98 : حجرال [ } فسبح بحمد ربك وآن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين { : يذهب بهذا الضيق فقالإنا آفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع اهللا إلـها آخر فسوف { : أخبره من قبل أنه يكفيه هؤالء المستهزئين حيث قال

ولقد استهزىء برسل من قبلك { : ، وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبالا عليهم فقال ] 96، 95 : الحجر [ } يعملون . ] 10 : األنعام [ } فحاق بالذين سخروا منهم ما آانوا به يستهزؤون

: ـ إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة2

لتدبر في دعوته والتفكير فيها، فكانوا يقولون عن وقد أآثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث ال يبقى لعامة الناس مجال لمن عند نفسه } بل افتراه { : يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار، ويقولون ] 5 : األنبياء [ } أضغاث أحالم { : القرآن

أي اشترك هو ] 4 : الفرقان [ } ا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرونإن هذا إل { : وقالوا } إنما يعلمه بشر { : ويقولون ] 5 : الفرقان [ } وقالوا أساطير الأولين اآتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا { . وزمالؤه في اختالقه

هل { : قال تعالى ردا عليهم . ا أو شيطانا يتنزل عليه آما ينزل الجن والشياطين على الكهانإن له جن : وأحيانا قالوا، أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر ] 222، 221 : الشعراء [ } أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على آل أفاك أثيم

؟ ، وما جربتم على آذبا، وما وجدتم في فسقا، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطانالمتلطخ بالذنوب

إنه مصاب بنوع من الجنون، فهو يتخيل المعانى، ثم يصوغها في : عليه وسلماهللا وأحيانا قالوا عن النبي صلى والشعراء يتبعهم الغاوون { : ردا عليهم قال تعالى . آلمات بديعة رائعة آما يصوغ الشعراء، فهو شاعر وآالمه شعر

فهذه ثالث خصائص يتصف بها ] 226 : 225 : الشعراء [ } ألم تر أنهم في آل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون، فالذين اتبعوه هداة مهتدون، متقون صالحون في دينهم عليه وسلماهللا الشعراء ليست واحدة منها في النبي صلى

عليه وسلم اهللا وخلقهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وليست عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم، ثم النبي صلى ال يهيم في آل واد آما يهيم الشعراء، بل هو يدعو إلى رب واحد، ودين واحد، وصراط واحد، وهو ال يقول إال ما

. وأين الشعر والشعراء منه ؟ يفعل، وال يفعل إال ما يقول، فأين هو من الشعر والشعراء

. عليه وسلم والقرآن واإلسالماهللا هكذا آان يرد عليهم بجواب مقنع حول آل شبهة آانوا يثيرونها ضد النبي صلى

وسلم، ثم بعث األموات ونشرهم وحشرهم عليه اهللا ومعظم شبهتهم آانت تدور حول التوحيد، ثم رسالة محمد صلى يوم القيامة، وقد رد القرآن على آل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد، بل زاد عليها زيادات أوضح بها هذه القضية من . آل ناحية، وبين عجز آلهتهم عجزا ال مزيد عليه، ولعل هذا آان مثار غضبهم واستنكارهم الذي أدى إلى ما أدى إليه

عليه وسلم وأمانته وغاية اهللا عليه وسلم فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي صلى اهللا بهاتهم في رسالة النبي صلى أما شصالحه وتقواه، آانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من أن يعطى لبشر، فالبشر ال يكون رسولا،

عليه وسلم عن نبوته، ودعا إلى اإليمان به اهللا صلى اهللا فلما أعلن رسول . والرسول ال يكون بشرا حسب عقيدتهمعليه اهللا إن محمدا صلى : ، وقالوا ] 7 : الفرقان [ } مال هذا الرسول يأآل الطعام ويمشي في الأسواق { : تحيروا وقالواقل من أنزل الكتاب الذي { : ، فقال تعالى ردا عليهم ] 19 : األنعام [ } ءما أنزل اهللا على بشر من شي { وسلم بشر،و

ورد عليهم أيضا بأن آل قوم قالوا . ، وآانوا يعرفون ويعترفون بأن موسى بشر } جاء به موسى نورا وهدى للناسقالت لهم رسلهم إن نحن إال بشر مثلكم { ، فـ ] 10 : إبراهيم [ } إال بشر مثلنا إن أنتم { : لرسلهم إنكارا على رسالتهم

فاألنبياء والرسل ال يكونون إال بشرا، وال منافاة بين . ] 11 : إبراهيم [ } ولـكن اهللا يمن على من يشاء من عباده . البشرية والرسالة

وحيث إنهم آانوا يعترفون بأن إبراهيم و إسماعيل وموسى ـ عليهم السالم ـ آانوا رسلا وآانوا بشرا، فإنهم لم يجدوا ليترك آـبار أهـل اهللا لحمل رسالته إال هذا اليتيم المسكين،ما آـان اهللا ألم يجد : مجالا لإلصرار على شبهتهم هذه،فقالوا

} وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم { طائف ويتخذ هذا المسكين رسولامكـة وال، يعنى أن الوحى والرسالة رحمة ] 32 : الزخرف [ } أهم يقسمون رحمة ربك { : ، قال تعالى ردا عليهم ] 31 : الزخرف [

. ] 124 : األنعام [ } اهللا أعلم حيث يجعل رسالته { وهللا امن

إن رسل ملوك الدنيا يمشون في موآب من الخدم والحشم، ويتمتعون باألبهة : وانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى، قالوا ؟ اهللا ة عيش وهو يدعى أنه رسول والجالل، ويوفر لهم آل أسباب الحياة، فما بال محمد يدفع في األسواق للقم

ه نذيرا أو يلقى إليه آنز أو وقالوا مال هذا الرسول يأآل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون مع { ، ورد على شبهتهم هذه بأن ] 8 : 7 : الفرقان [ } المون إن تتبعون إلا رجلا مسحوراتكون له جنة يأآل منها وقال الظ

إلى آل صغير وآبير، وضعيف وقوى، وشريف ووضيع، وحر اهللا محمدا رسول، يعنى أن مهمته هو إبالغ رسالة مواآبين مثل رسل الملوك، لم يكن يصل إليه ضعفاء وعبد، فلو لبث في األبهة والجالل والخدم والحشم والحرس وال

. الناس وصغارهم حتى يستفيدوا به، وهم جمهور البشر، وإذن فاتت مصلحة الرسالة، ولم تعد لها فائدة تذآر

: أما إنكارهم البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إال التعجب واالستغراب واالستبعاد العقلي، فكانوا يقولون } ذلك رجع بعيد { : ،وآانوا يقولون ] 17، 16 : الصافات [ } أئذا متنا وآنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون { ئكم إذا مزقتم آل ممزق إنكم لفي خلق جديد هل ندلكم على رجل ينب { : وآانوا يقولون على سبيل االستغراب ] 3 : ق [

. ] 8، 7 : سبأ [ } أفترى على اهللا آذبا أم به جنة

: وقال قائلهم

حديث خرافة يا أم عمرو ** أموت ثم بعث ثم حشر

نيا، فالـظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ وقد رد عليهم بتبصيرهم ما يجرى في الدحقه من ظالمه، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصالحه، والفاجر المسىء يموت قبل أن يعاقب

والفاجر أسعد من على سوء عمله، فإن لم يكن بعث وال حياة وال جزاء بعد الموت الستوى الفريقان، بل لكان الظالم : قال تعالى . أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الفساداهللا وال يتصور من . المظلوم والصالح، وهذا غير معقول إطالقا

المسلمين آالمجرمين ما لكم أفنجعل { : ، وقال ] 36، 35 : القلم [ } أفنجعل المسلمين آالمجرمين ما لكم آيف تحكمون { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم آالذين آمنوا وعملوا الصالحات { : ، وقال ] 28 : ص [ } آيف تحكمون

. ] 21 : الجاثية [ } سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون

أولم يروا أن { : ، وقال ] 27 : النازعات [ } أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها { : وأما االستبعاد العقلى فقال تعالى ردا عليه } بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على آل شيء قدير اهللا الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن

، وبين ما هو معروف عقلا وعرفا، ] 62 : الواقعة [ } ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذآرون { : ، وقال ] 33 : األحقاف [ أفعيينا بالخلق { : ، وقال ] 104 : األنبياء [ } آما بدأنا أول خلق نعيده { : ،وقال ] 27 : الروم [ } أهون عليه { وهو أن اإلعادة

. ] 15 : ق [ } الأول

كنهم آانوا مشاغبين مستكبرين وهكذا رد على آل ما أثاروا من الشبهات ردا مفحما يقنع آل ذى عقل ولب، ول . يريدون علوا في األرض وفرض رأيهم على الخلق، فبقوا في طغيانهم يعمهون

: ـ الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن، ومعارضته بأساطير األولين 3

م بكل طريق يمكن، آان المشرآون بجنب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة اإلسالعليه وسلم يتهيأ اهللا فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون، إذا رأوا أن النبي صلى

علكم وقال الذين آفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ل { : قال تعالى . للدعوة، أو إذا رأوه يصلى ويتلو القرآنعليه وسلم لم يتمكن من تالوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إال اهللا حتى إن النبي صلى ] 26 : فصلت [ } تغلبون

. في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك أيضا عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التالوة

أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم وآان النضر بن الحارث، : والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقولاهللا عليه وسلم مجلسا للتذآير باهللا صلى اهللا واسفنديار، فكان إذا جلس رسول

بماذا محمد أحسن : اسفنديار، ثم يقوليا معشر قريش أحسن حديثا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واهللا أنا و . حديثا مني

وفي رواية عن ابن عباس أن النضر آان قد اشترى قينة، فكان ال يسمع بأحد يريد اإلسالم إال انطلق به إلى قينته، اس من يشتري لهو ومن الن { : أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله تعالى : فيقول

. ] 6 : لقمان [ } الحديث ليضل عن سبيل اهللا

االضطهادات

أعمل المشرآون األساليب التي ذآرناها شيئا فشيئا إلحباط الدعوة بعد ظهورها في بداية السنة الرابعة من النبوة، ه األساليب ال يتجاوزونها إلى طريق االضطهاد والتعذيب، ومضت على ذلك أسابيع وشهور وهم مقتصرون على هذ

ولكنهم لما رأوا أن هذه األساليب لم تجد نفعا في إحباط الدعوة اإلسالمية استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب ن اختار من المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ آل رئيس يعذب من دان من قبيلته باإلسالم، وانقض آل سيد على م

. عبيده طريق اإليمان

وآان من الطبيعي أن يهرول األذناب واألوباش خلف ساداتهم وآبرائهم، ويتحرآوا حسب مرضاتهم وأهوائهم، . فجروا على المسلمين ـ والسيما الضعفاء منهم ـ ويالت تقشعر منها الجلود، وأخذوهم بنقمات تتفطر لسماعها القلوب

ع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه، وأوعده بإبالغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، آان أبو جهل إذا سم . وإن آان ضعيفا ضربه وأغرى به

. وآان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته

من بيته، وآان من أنعم الناس عيشا، ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسالمه منعته الطعام والشراب، وأخرجته . فتخشف جلده تخشف الحية

. وآان صهيب بن سنان الرومي يعذب حتى يفقد وعيه وال يدرى ما يقول

وآان بالل مولى أمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال أحد أحد، وآان أمية يـشده شـدا ثم يضربه بالعصا، و : ان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقولمكة، ويجرونه حتى آ

وأشد من ذلك آله أنه آان يخرجه إذا حميت . يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، آما آان يكرهه على الجوعمة فتوضع على صدره، ثم الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظي

أحد،أحد، : ال تـزال هكـذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد الالت والعزى، فيقول وهو في ذلكاهللا ال و : يقول

ومر به أبو بكر يوما وهم يصنعون ذلك به فاشتراه بغالم أسود، . لو أعلم آلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها : ويقـول . بخمس من الفضة، وأعتقهبسبع أواق أو : وقيل

عنه مولى لبني مخزوم، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشرآون ـ وعلى رأسهم أبو اهللا وآان عمار بن ياسر رضي عليه وسلم وهم يعذبون اهللا ومر بهم النبي صلى . جهل ـ يخرجونهم إلى األبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها

، فمات ياسر في العذاب، وطعن أبو جهل سمية ـ أم عمار ـ في قبلها ) فإن موعدآم الجنة صبرا آل ياسر، ( : فقالبن عمر اهللا بحربة فماتت، وهي أول شهيدة في اإلسالم، وهي سمية بنت خياط موالة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد

، وبوضع الصخر األحمر على وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة . بن مخزوم، وآانت عجوزا آبيرة ضعيفةال نترآك حتى تسب محمدا، أو تقول في الالت : وقالوا له . صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى آان يفقد وعيه

من آفر باهللا { : اهللا فأنزل . عليه وسلماهللا والعزى خيرا، فوافقهم على ذلك مكرها، وجاء باآيا معتذرا إلى النبي صلى . ] 106 : النحل [ اآلية } ن بعد إيمانه إال من أآره وقلبه مطمئن باإليمان م

فكانوا يخرجونه في نصف النهار في حر . وآان أبو فكيهة ـ واسمة أفلح ـ مولى لبني عبد الدار، وآان من األزدمن الثياب، ويبطحونه في الرمضاء، ثم يضعون على ظهره صخرة حتى شديد، وفي رجليه قيد من حديد، فيجردونه

ال يتحرك، فكان يبقى آذلك حتى ال يعقل، فلم يزل يعذب آذلك حتى هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وآانوا مرة قد . اه وأعتقه هللاربطوا رجله بحبل، ثم جروه وألقوه في الرمضاء وخنقوه حتى ظنوا أنه قد مات، فمر به أبو بكر فاشتر

وآان خباب بن األرت مولى ألم أنمار بنت سباع الخزاعية، وآان حدادا، فلما أسلم عذبته موالته بالنار، آانت تأتى عليه وسلم، فلم يكن يزيده ذلك إال إيمانا اهللا بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه، ليكفر بمحمد صلى

يضا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما وتسليما، وآان المشرآون أ . أطفأها إال ودك ظهره

أصابتك الالت : ، وأصيبت في بصرها حتى عميت، فقيل لهااهللا وآانت زنيرة أمة رومية قد أسلمت فعذبت في بصرها، فقالت اهللا ، وإن شاء آشفه، فأصبحت من الغد وقد رد اهللا من ما أصابتني، وهذا اهللا ال و : والعزى، فقالت

. هذا بعض سحر محمد : قريش

وأسلمت أم عبيس، جارية لبني زهرة، فكان يعذبها المشرآون، وبخاصة موالها األسود بن عبد يغوث، وآان من أشد . عليه وسلم، ومن المستهزئين بهاهللا صلى اهللا أعداء رسول

أسلمت جارية عمر بن مؤمل من بني عدى، فكان عمر بن الخطاب يعذبها ـ وهو يومئذ على الشرك ـ فكان يضربها و . آذلك يفعل بك ربك : ما أدعك إال سآمة، فتقولاهللا و : حتى يفتر، ثم يدعها ويقول

. بد الدارالنهدية وابنتها، وآانتا المـرأة من بني ع : وممـن أسلمـن وعـذبن مـن الجـوارى

. عامر بن فهيرة، آان يعذب حتى يفقد وعيه وال يدرى ما يقول : وممن عذب من العبيد

وقد عاتبه في . عنهم وعنهن أجمعين، فأعتقهم جميعااهللا عنه هؤالء اإلماء والعبيد رضي اهللا واشترى أبوبكر رضي اهللا فأنزل . اهللا إني أريد وجه : قال . فلو أعتقت رجالا جلدا لمنعوك أراك تعتق رقابا ضعافا، : ذلك أبوه أبو قحافة وقال

} فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي آذب وتولى { : قال تعالى . قرآنا مدح فيه أبا بكر، وذم أعداءهوسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزآى وما لأحد عنده { خلف، ومن آان على شاآلته وهو أمية بن ]16 : 14 : الليل [

اهللاوهـو أبـو بـكـر الصديـق رضي ]21 : 17 : الليـل [ } من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى . عنه

فشدهما اهللا فقد أخذه نوفل بن خويلد العدوى، وأخذ معه طلحة بن عبيد . عنه أيضااهللا وأوذى أبو بكر الصديق رضي في حبل واحد، ليمنعهما عن الصالة وعن الدين فلم يجيباه، فلم يروعاه إال وهما مطلقان يصليان؛ ولذلك سميا

. عنهاهللا رضي اهللا أخو طلحة بن عبيد اهللا ن عبيد إنما فعل ذلك عثمان ب : بالقرينين، وقيل

والحاصل أنهم لم يعلموا بأحد دخل في اإلسالم إال وتصدوا له باألذى والنكال، وآان ذلك سهلا ميسورا بالنسبة م لضعفاء المسلمين، وال سيما العبيد واإلماء منهم، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، بل آانت السادة والرؤساء ه

أنفسهم يقومون بالتعذيب ويغرون األوباش، ولكن بالنسبة لمن أسلم من الكبار واألشراف آان ذلك صعبا جدا؛ إذ آانوا في عز ومنعة من قومهم، ولذلك قلما آان يجتريء عليهم إال أشراف قومهم، مع شيء آبير من الحيطة

. والحذر

ايذاء المشرآين المسلمين

موقف المشرآين من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وفد قريش إلى أبي طالب قريش يهددون أبا طالب

قريش بين يدى أبي طالب مرة أخرى هللا صلى اهللا عليه وسلم اعتداءات على رسول ا

دار األرقم الهجرة األولى إلى الحبشة

سجود المشرآين مع المسلمين وعودة المهاجرين الهجرة الثانية إلى الحبشة

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة الشدة في التعذيب ومحاولة القضاء على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

عليه وسلم اهللا صلى اهللا موقف المشرآين من رسول

عليه وسلم آان رجلا شهما وقورا ذا شخصية فذة، اهللا عليه وسلم فإنه صلى اهللا صلى هللا اوأما بالنسبة لرسول تتعاظمه نفوس األعداء واألصدقاء بحيث ال يقابل مثله إال باإلجالل والتشريف، وال يجترئ على اقتراف الدنايا

أبو طالب من رجال مكة والرذائل ضده إال أراذل الناس وسفهاؤهم، ومع ذلك آان في منعة أبي طالب، والمعدودين، آان معظما في أصله، معظما بين الناس، فكان من الصعب أن يجسر أحد على إخفار ذمته واستباحة بيضته، إن هذا الوضع أقلق قريشا وأقامهم وأقعدهم، ودعاهم إلى تفكير سليم يخرجهم من المأزق دون أن يقعوا

أبي طالب، : لك إلى أن يختاروا سبيل المفاوضات مع المسئول األآبرفي محذور ال يحمد عقباه، وقد هداهم ذ . ولكن مع شيء آبير من الحكمة والجدية، ومع نوع من أسلوب التحدي والتهديد الخفي حتى يذعن لما يقولون

وفد قريش إلى أبي طالب

أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، يا : مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، فقالوا : قال ابن إسحاقوعاب ديننا، وسفه أحالمنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن

اهللا عليه من خالفه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولا رقيقا وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول ولكن لم تصبر قريش طويلا حين رأته صلى . ويدعو إليهاهللا يه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين علاهللا صلى

، بل أآثرت ذآره وتذامرت فيه، حتى قررت مراجعة أبي طالب اهللا عليه وسلم ماضيا في عمله ودعوته إلى اهللا . بأسلوب أغلظ وأقسى من السابق

قريش يهددون أبا طالب ، وإنا قد استنهيناك من يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا : وجاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له

ال نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحالمنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، اهللا ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا و . أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين

يا بن أخي، : عليه وسلم وقال له اهللاصلى اهللا عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول

إن قومك قد جاءونى فقالوا لي آذا وآذا، فأبق علي وعلى نفسك، وال تحملنى من األمر ما ال أطيق، فظن رسول لو وضعوا الشمس في اهللا يا عم، و ( : عليه وسلم أن عمه خاذله، وأنه ضعف عن نصرته، فقالاهللا صلى اهللا

، ثم استعبر وبكى، ) أو أهلك فيه ـ ما ترآتهاهللا على أن أترك هذا األمر ـ حتى يظهره يمينى والقمر في يسارى ال أسلمك لشىء أبدا اهللا اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو : وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له

: وأنشد

في التــراب دفيــنا حتى أوسد ** لن يصلوا إليك بجمعـهم اهللا و وابشر وقر بذاك منك عيونا ** فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

. وذلك في أبيات

قريش بين يدى أبي طالب مرة أخرى

اهللا عليه وسلم ماض في عمله عرفت أن أبا طالب قد أبي خذالن رسول اهللا صلى اهللا ولما رأت قريش أن رسول : يرة وقالوا لهعليه وسلم، وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك، فذهبوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغاهللا صلى

يا أبا طالب، إن هذا الفتى أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحالمهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل،

فقال . ما ال يكون أبدااهللا هذا و ؟ ، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونهلبئس ما تسوموننياهللا و : فقاليا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، اهللا و : المطعم بن عدى بن نوفل ابن عبد منافأجمعت خذالني ومظاهرة القوم على، ما أنصفتموني، ولكنك قداهللا و : فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا، فقال

. فاصنع ما بدا لك

عليه وسلم وآفه اهللا صلى اهللا ولما فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع رسول ، قررت أن يختار سبيال قد حاولت تجنبه واالبتعاد منه مخافة مغبته وما يؤول إليه، وهو اهللا عن الدعوة إلى

. عليه وسلماهللا بيل االعتداء على ذات الرسول صلى س

عليه وسلم اهللا صلى اهللا اعتداءات على رسول

واخترقت قريش ما آانت تتعاظمه وتحترمه منذ ظهرت الدعوة على الساحة، فقد صعب على غطرستها لم، مع ما آانت تأتيه من السخرية عليه وساهللا صلى اهللا وآبريائها أن تصبر طويلا، فمدت يد االعتداء إلى رسول

وآان من الطبيعى أن يكون أبو لهب في مقدمتهم وعلى . واالستهزاء والتشوية والتلبيس والتشويش وغير ذلكرأسهم، فإنه آان أحد رؤوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه اآلخرون، وآان عدوا لدودا لإلسالم وأهله،

عليه وسلم منذ اليوم األول، واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه اهللا صلى اهللا وقد وقف موقف العداء من رسول . عليه وسلم في مجلس بني هاشم، وما فعل على الصفااهللا قريش، وقد أسلفنا ما فعل بالنبي صلى

عثة، فلما عليه وسلم رقية وأم آلثوم قبل الباهللا صلى اهللا وآان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول . آانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما

عليه وسلم ـ استبشر أبو لهب وذهب إلى المشرآين يبشرهم اهللا صلى اهللا ـ االبن الثاني لرسول اهللا ولما مات عبد

. بأن محمدا صار أبتر

في موسم الحج واألسواق لتكذيبه، وقد روى عليه وسلم اهللا وقد أسلفنا أن أبا لهب آان يجول خلف النبي صلى

. المحاربى ما يفيد أنه آان ال يقتصر على التكذيب بل آان يضربه بالحجر حتى يدمى عقباهاهللا طارق بن عبد

وآانت امرأة أبي لهب ـ أم جميل أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان ـ ال تقل عن زوجها في عداوة النبي عليه وسلم وعلى بابه ليلا، اهللا سلم، فقد آانت تحمل الشوك، وتضعه في طريق النبي صلى عليه واهللا صلى

وآانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه االفتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربا شعواء على . عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطباهللا النبي صلى

عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند اهللا صلى اهللا ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول ولما سمعت

اهللا من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ ] أي بمقدار ملء الكف [ الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فهر قد بلغنى أنه ؟ يا أبا بكر، أين صاحبك : قالتعليه وسلم، فال ترى إال أبا بكر، فاهللا صلى اهللا ببصرها عن رسول

: ثم قالت . إني لشاعرةاهللا لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما واهللا يهجونى، و

ودينه قلينا * وأمره أبينا * مذمما عصينا

. ) ببصرها عنياهللا ، لقد أخذ ما رأتنى ( : فقال ؟ ، أما تراها رأتكاهللا يا رسول : ثم انصرفت، فقال أبو بكر

أبا بكر، هجانا صاحبك، فقال أبو : أنها لما وقفت على أبي بكر قالت : وروى أبو بكر البزار هذه القصة، وفيها . إنك لمصدق : ال ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر وال يتفوه به، فقالت : بكر

عليه وسلم وجاره، آان بيته ملصقا ببيته، آما آان غيره اهللا صلى اهللا آان أبو لهب يفعل آل ذلك وهو عم رسول . عليه وسلم يؤذونه وهو في بيتهاهللا صلى اهللا من جيران رسول

عليه وسلم في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص اهللا صلى اهللا آان النفر الذين يؤذون رسول : قال ابن إسحاق

معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن األصداء الهذلى ـ وآانوا جيرانه ـ لم يسلم منهم أحد بن أمية، وعقبة بن أبي عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلى، وآان أحدهم اهللا إال الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلى

ر به منهم إذا صلى فكان عليه وسلم حجرا ليستتاهللا صلى اهللا يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول يا ( : عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك األذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقولاهللا صلى اهللا رسول

. ثم يلقيه في الطريق ) ؟ بني عبد مناف، أي جوار هذا

أن النبي : عنهاهللا بن مسعود رضي اهللاوازداد عقبة بن أبي معيط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد أيكم يجىء : عليه وسلم آان يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعضاهللا صلى

فجاء به ] وهو عقبة بن أبي معيط [ بسال جزور بني فالن فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجعلوا : بي وضع على ظهره بين آتفيه، وأنا أنظر، ال أغنى شيئا، لو آانت لي منعة، قالفنظر، حتى إذا سجد الن

عليه اهللا صلى اهللا ورسول ] أي يتمايل بعضهم على بعض مرحا وبطرا [ يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم ] م عليك بقريشاهللا [ : لوسلم ساجد، ال يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قا

م اهللا ( : وآانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى : ثالث مرات، فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، قالعليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي

عليه وسلم صرعى اهللا صلى اهللا فلم نحفظه ـ فوالذي نفسى بيده لقد رأيت الذين عد رسول ـ وعد السابع ) معيط . في القليب، قليب بدر

} ويل لكل همزة لمزة { : وفيه نزل . عليه وسلم همزه ولمزهاهللا صلى اهللا وآان أمية بن خلف إذا رأي رسول

الذي : واللمزة . الذي يشتم الرجل عالنية، ويكسر عينيه، ويغمز به : الهمزة : ابن هشامقال ]1 : سورة الهمزة [ . يعيب الناس سرا، ويؤذيهم

عليه وسلم اهللا وجلس عقبة مرة إلى النبي صلى . أما أخوه أبي بن خلف فكان هو وعقبة بن أبي معيط متصافيين

عليه وسلم ففعل، وأبي اهللا صلى اهللا به، وطلب منه أن يتفل في وجه رسول وسمع منه، فلما بلغ ذلك أبيا أنبه وعات . عليه وسلماهللا صلى اهللا بن خلف نفسه فت عظما رميما ثم نفخه في الريح نحو رسول

عليه وسلم وقد وصفه القرآن بتسع صفات تدل اهللا صلى اهللا وآان األخنس بن شريق الثقفي ممن ينال من رسول

ولا تطع آل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل { : ا آان عليه، وهي في قوله تعالىعلى م . ] 13 : 10 : القلم [ } بعد ذلك زنيم

لم يسمع منه القرآن، ثم يذهب عنه فال يؤمن وال عليه وساهللا صلى اهللا وآان أبو جهل يجىء أحيانا إلى رسول

، ثم يذهب اهللا عليه وسلم بالقول، ويصد عن سبيل اهللا صلى اهللا يطيع، وال يتأدب وال يخشى، ويؤذى رسول } فلا صدق ولا صلى { : مختالا بما فعل، فخورا بما ارتكب من الشر، آأن ما فعل شيئا يذآر، وفيه نزل

عليه وسلم عن الصالة منذ أول يوم رآه يصلى في الحرم، ومرة مر به اهللا ، وآان يمنع النبي صلى ] 31 : القيامة [ عليه وسلم اهللا صلى اهللا يا محمد، ألم أنهك عن هذا، وتوعده، فأغلظ لــه رسـول : وهو يصلى عند المقام فقال

فليدع ناديه سندع { اهللا فأنزل . إني ألآثر هذا الوادى ناديااهللا وأما ؟ يا محمد، بأي شىء تهددنى : وانتـهره، فقالأولى لك { : عليه وسلم أخذ بخناقه وهزه، وهو يقول لهاهللا وفي رواية أن النبي صلى . ] 18، 17 : العلق [ } الزبانية

ال تستطيع أنت وال ربك اهللا و ؟ أتوعدنى يا محمد : اهللا فقال عدو ] 35، 34 : امةالقي [ } فأولى ثم أولى لك فأولى . شيئا، وإني ألعز من مشى بين جبليها

: أخرج مسلم عن أبي هريرة قال . ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا االنتهار، بل ازداد شقاوة فيما بعد

والالت والعزى، لئن رأيته ألطأن على رقبته، : نعم، فقال : فقيل ؟ ه بين أظهرآميعفر محمد وجه : قال أبو جهلعليه وسلم وهو يصلى، زعم ليطأ رقبته، فما فجأهم إال وهو ينكص اهللا صلى اهللا وألعفرن وجهه، فأتى رسول دقا من نار وهولا وأجنحة، فقال إن بينى وبينه لخن : قال ؟ ما لك يا أبا الحكم : على عقبيه، ويتقى بيديه، فقالوا

. ) لو دنا منى الختطفته المالئكة عضوا عضوا ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا رسول

عليه وسلم والمسلمون من الظلم والخسف والجور اهللا صلى اهللا هذه صورة مصغرة جدا لما آان يتلقاه رسول . وسكان حرمهاهللا أنهم أهل على أيدى طغاة المشرآين، الذين آانوا يزعمون

عليه وسلم موقفا حازما ينقذ به اهللا صلى اهللا وآان من مقتضيات هذه الظروف المتأزمة أن يختار رسول

عليه وسلم اهللا صلى اهللا المسلمين عما دهمهم من البالء، ويخفف وطأته بقدر المستطاع، وقد اتخذ رسول : تسيير الدعوة وتحقيق الهدف، وهماخطوتين حكيمتين آان لهما أثرهما في

. ـ اختيار دار األرقم بن أبي األرقم المخزومى مرآزا للدعوة ومقرا للتربية 1 . ـ أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة2

دار األرقم ليه وسلم عاهللا صلى اهللا آانت هذه الدار في أصل الصفا، بعيدة عن أعين الطغاة ومجالسهم، فاختارها رسول

ويزآيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدى المسلمون عبادتهم اهللا ليجتمع فيها بالمسلمين سرا، فيتلو عليهم آيات على رسوله وهم في أمن وسالم، وليدخل من يدخل في اإلسالم وال يعلم به الطغاة اهللا وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل . من أصحاب السطوة والنقمة

عليه وسلم لو اجتمع بالمسلمين علنا لحاول المشرآون بكل ما اهللا صلى اهللا يكن يشك فيه أن رسول ومما لم

عندهم من القسوة والغلظة أن يحولوا بينه وبين ما يريد من تزآية نفوسهم ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، وربما عليه اهللا صلى اهللا إسحاق أن أصحاب رسول فقد ذآر ابن . أفضى ذلك إلى مصادمة الفريقين، بل قد وقع ذلك فعلا

وسلم آانوا يجتمعون في الشعاب، فيصلون فيها سرا، فرآهم نفر من آفار قريش، فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد . بن أبي وقاص رجلا فسال دمه، وآان أول دم هريق في اإلسالم

ن وإبادتهم، فكان من الحكمة السرية ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت ألفضت إلى تدمير المسلمي

عليه وسلم فكان اهللا صلى اهللا واالختفاء، فكان عامة الصحابة يخفون إسالمهم وعبادتهم واجتماعهم، أما رسول يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهرإني المشرآين، ال يصرفه عن ذلك شىء، ولكن آان يجتمع مع المسلمين سرا؛

. اإلسالمنظرا لصالحهم وصالح

لهجرة األولى إلى الحبشة اآانت بداية االعتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة، ثم لم تزل تشتد يوما فيوما

وشهرا فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، ونبا بهم المقام في مكة، وأخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم اهللا عذاب األليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض من هذا ال

} ير حسابللذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض اهللا واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغ { ليست بضيقة . ]10 : الزمر [

عليه وسلم قد علم أن أصحمة النجاشى ملك الحبشة ملك عادل، ال يظلم عنده أحد، اهللا صلى اهللا وآان رسول

فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارا بدينهم من الم، لكن لما بلغت إلى الشاطئ آانوا قد انطلقوا آمنين، . وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار

سجود المشرآين مع المسلمين وعودة المهاجرين عليه وسلم إلى الحرم، وفيه جمع آبير من قريش، فيهم اهللا وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي صلى

من قبل؛ ألنهم اهللا ساداتهم وآبراؤهم، فقام فيهم، وفاجأهم بتالوة سورة النجم، ولم يكن أولئك الكفار سمعوا آالم } لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون { : رين على ما تواصى به بعضهم بعضا،من قولهمآانوا مستم

فلما باغتهم بتالوة هذه السورة، وقرع آذانهم آالم إلهي خالب، وآان أروع آالم سمعوه قط، أخذ ]26 : فصلت [ فما من أحد إال وهو مصغ إليه، ال يخطر بباله شىء سواه، حتى إذا تال في خواتيم مشاعرهم، ونسوا ما آانوا فيه

ثم سجد، لم يتمالك أحد نفسه ] 62 : النجم [ } فاسجدوا لله واعبدوا { : هذه السورة قوارع تطير لها القلوب، ثم قرأناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين، فما وفي الحقيقة آانت روعة الحق قد صدعت الع . حتى خر ساجدا

. تمالكوا أن يخروا هللا ساجدين

لوى زمامهم، فارتكبوا عين ما آانوا يبذلون قصارى جهدهم في اهللا وسقط في أيديهم لما أحسوا أن جالل آالم من المشرآين، وعند محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من آل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد

عليه وسلم وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال اهللا صلى اهللا ذلك آذبوا على رسول ، جاءوا بهذا اإلفك ) تلك الغرانيـق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى ( : عنها ما آانوا يرددونه هم دائما من قولهم

عليه وسلم، وليس يستغـــرب هـذا مـن قـوم آانوا يألفون اهللا النبي صلى المبـين ليعـتذروا عـن سجودهم مع . الكذب، ويطيلون الدس واالفتراء

وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تماما عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشا

مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية األمر رجع أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما آانوا دون . منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إال مستخفيا، أو في جوار رجل من قريش

ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البالء والعذاب من قريش، وسطت بهم عشائرهم، فقد آان صعب على قريش ما

عليه وسلم بدا من أن يشير على أصحابه اهللا صلى اهللا جوار، ولم ير رسول بلغها عن النجاشي من حسن ال . بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى

الهجرة الثانية إلى الحبشة واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن آانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد

لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي اهللا يد أن المسلمين آانوا أسرع، ويسر تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، ب . الحبشة قبل أن يدرآوا

وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثالثة وثمانون رجلا إن آان فيهم عمار، فإنه يشك فيه، وثماني عشرة أوتسع

. عشرة امرأة

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة

عمرو بن : يجد المهاجرون مأمنا ألنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين، وهماعز على المشرآين أن بن أبي ربيعة ـ قبل أن يسلما ـ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن اهللا العاص، وعبد

لئك المسلمون، وبعد أن اتفقت ساق الرجالن تلك الهدايا إلى البطارقة، وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أو : البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم، حضرا إلى النجاشي، وقدما له الهديا ثم آلماه فقاال له

أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه،

د بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فهم ال نعرفه نحن وال أنت، وق . أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه

. صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبالدهم : وقالت البطارقة

فأرسل إلى المسلمين، ودعاهم، . ضية، وسماع أطرافها جميعاولكن رأي النجاشي أنه ال بد من تمحيص الق

ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، : فقال لهم النجاشي . فحضروا، وآانوا قد أجمعوا على الصدق آائنا ما آان ؟ ولم تدخلوا به في دينى وال دين أحد من هذه الملل

أيها الملك آنا قوما أهل جاهلية؛ نعبد األصنام ونأآل : عن المسلمين قال جعفر بن أبي طالب ـ وآان هو المتكلم

الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع األرحام، ونسىء الجوار، ويأآل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث ما آنا نعبد نحن لنوحده ونعبده، ونخلعاهللا إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى اهللا

وآباؤنا من دونه من الحجارة واألوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء األمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأآل مال اليتيم،وقذف المحصنات،وأمرنا أن

ة والزآاة والصيام ـ فعدد عليه أمور اإلسالم ـ فصدقناه، وآمنا به، وحده،ال نشرك به شيئا،وأمرنا بالصالاهللا نعبد وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما اهللا ، فعبدنا اهللا واتبعناه على ما جاءنا به من دين

تعالى، وأن نستحل اهللا ادة أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة األوثان من عبما آنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بالدك،

. واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أال نظلم عندك أيها الملك

فاقرأه على، فقرأ : فقال له النجاشي . نعم : فقال له جعفر ؟ من شيءاهللا هل معك مما جاء به عن : فقال له النجاشيالنجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم اهللا فبكى و } آهيعص { : عليه صدرا من

لقا، فال إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انط : حين سمعوا ما تال عليهم، ثم قال لهم النجاشيال أسلمهم إليكما، وال يكادون ـ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه ـ فخرجا، فلما خرجا قال عمرو بن اهللا و

: بن أبي ربيعةاهللا فقال له عبد . آلتينه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهماهللا و : بن أبي ربيعةاهللا العاص لعبد . الفونا، ولكن أصر عمرو على رأيهال تفعل، فإن لهم أرحاما وإن آانوا قد خ

أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم النجاشي : فلما آان الغد قال للنجاشي

يسألهم عن قولهم في المسيح ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، آائنا ما آان، فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له ورسوله وروحه وآلمته ألقاها إلى مريم اهللا هو عبد : عليه وسلماهللا فيه الذي جاءنا به نبينا صلى نقول : جعفر

. العذراء البتول

: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته، فقالاهللا و : فأخذ النجاشي عودا من األرض ثم قال . اهللا وإن نخرتم و

اآلمنون بلسان الحبشة ـ من سبكم غرم، من سبكم غرم، : اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي ـ والشيوم : للمسلمين ثم قال

. الجبل بلسان الحبشة : من سبكم غرم، ما أحب أن لى دبرا من ذهب وإني آذيت رجلا منكم ـ والدبر

منـي الرشـوة حين رد علي ملكي، فآخذ اهللا ما أخذ اهللا بها، فو ردوا عليهما هداياهما فال حاجة لى : ثم قال لحاشيته . الرشـوة فيــه، وما أطاع الناس في فأطيعـهم فيه

فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار : قالت أم سلمة التي تروى هذه القصة

. مع خير جار

آر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي آانت بعد بدر، وجمع بعضهم بأن هذه رواية ابن إسحاق، وذولكن األسئلة واألجوبة التي ذآروا أنها دارت بين النجاشي وبين جعفر بن أبي طالب في . الوفادة آانت مرتين

ة تدل بفحواها أنها آانت الوفادة الثانية هي نفس األسئلة واألجوبة التي ذآرها ابن إسحاق هنا، ثم إن تلك األسئل . في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي

عليه وسلم اهللا صلى اهللا الشدة في التعذيب ومحاولة القضاء على رسول

ولما أخفق المشرآون في مكيدتهم، وفشلوا في استرداد المهاجرين استشاطوا غضبا، وآادوا يتميزون غيظا، عليه وسلم بالسوء، اهللا صلى اهللا المسلمين، ومدوا أيديهم إلى رسول فاشتدت ضراوتهم وانقضوا على بقية

عليه وسلم؛ ليستأصلوا جذور اهللا صلى اهللا وظهرت منهم تصرفات تدل على أنهم أرادوا القضاء على رسول . الفتنة التي أقضت مضاجعهم، حسب زعمهم

جدا، وآانوا إما ذوى شرف ومنعة، أو محتمين بجوار أما بالنسبة للمسلمين فإن الباقين منهم في مكة آانوا قليلين

أحد، ومع ذلك آانوا يخفون إسالمهم ويبتعدون عن أعين الطغاة بقدر اإلمكان، ولكنهم مع هذه الحيطة والحذر لم . يسلموا آل السالمة من األذى والخسف والجور

سرا وجهرا ال اهللا أمام أعين الطغاة، ويدعو إلى اهللا عليه وسلم، فقد آان يصلى ويعبد اهللا صلى اهللا وأما رسول

سبحانه وتعالى اهللا منذ أمره اهللا يمنعه عن ذلك مانع، وال يصرفه عنه شيء؛ إذ آان ذلك من جملة تبليغ رسالة مشرآين أن يتعرضوا له ، وبذلك آان يمكن لل ] 94 : الحجر [ } فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشرآين { : بقوله

عليه وسلم من الحشمة اهللا إذا أرادوا، ولم يكن في الظاهر ما يحول بينهم وبين ما يريدون إال ما آان له صلى والوقار، وما آان ألبي طالب من الذمة واالحترام، وما آانوا يخافونه من مغبة سوء تصرفاتهم، ومن اجتماع

د له أثره المطلوب في نفوسهم؛ إذ بدءوا يستخفون به منذ شعروا بانهيار بني هاشم عليهم، إال أن آل ذلك لم يع . عليه وسلماهللا آيانهم الوثنى وزعامتهم الدينية أمام دعوته صلى

أن عتيبة بن أبي : ومما روت لنا آتب السنة والسيرة من األحداث التي تشهد القرائن بأنها وقعت في هذه الفترة

ثم دنا { وبالذي ]1 : النجم [ } والنجم إذا هوى { أنا أآفر بـ : عليه وسلم فقالاهللا صلى اهللا لهب أتى يوما رسول عليه وسلم، إال أن البزاق لم يقع اهللا ثم تسلط عليه باألذى، وشق قميصه، وتفل في وجهه صلى ] 8 : النجم [ } فتدلى

، وقد استجيب دعاؤه ) م سلط عليه آلبا من آالبكاهللا ( : عليه وسلم وقالاهللا لى عليه، وحينئذ دعا عليه النبي صعليه وسلم، فقد خرج عتيبة إثر ذلك في نفر من قريش، فلما نزلوا بالزرقاء من الشام طاف بهم األسد اهللا صلى

قتلنى وهو بمكة، وأنا بالشام، ثم آآلى آما دعا محمد على،اهللا يا ويل أخي هو و : تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول . جعلوه بينهم، وناموا من حوله، ولكن جاء األسد وتخطاهم إليه، فضغم رأسه

. ما ذآر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد حتى آادت عيناه تبرزان : ومنها

ابن عمرو بن اهللا ه وسلم ما رواه ابن إسحاق عن عبد علياهللا ومما يدل على أن طغاتهم آانوا يريدون قتله صلى

ما رأينا مثل ما : عليه وسلم، فقالوااهللا صلى اهللا حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر، فذآروا رسول : العاص قالعليه اهللا صلى اهللا صبرنا عليه من أمر هذا الرجل، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، فبينا هم آذلك إذ طلع رسول

وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الرآن، ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه اهللا صلى اهللا

، فأخذت القوم آلمته، ) والذي نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبحأتسمعون يا معشر قريش، أما ( : فوقف ثم قال . بمثلهاانصرف يا : حتى ما منهم رجل إال آأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد، ويقول

. ما آنت جهولااهللا أبا القاسم، فو

ا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به، فلقد رأيت فلما آان الغد اجتمعوا آذلك يذآرون أمره إذ طلع عليهم، فوثبوثم انصرفوا ؟ اهللا أتقتلون رجلا أن يقول ربي : رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر دونه، وهو يبكى ويقول

. انتهي ملخصا . فإن ذلك ألشد ما رأيت قريشا نالوا منه قط : عنه، قال ابن عمرو

أخبرني بأشد شيء صنعه : سألت ابن عمرو بن العاص : ن عروة بن الزبير قالوفي رواية البخاري ععليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة اهللا بينا النبي صلى : عليه وسلم، قالاهللا المشرآون بالنبي صلى

ه، ودفعه عن النبي صلى بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا؛ فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبي . ؟ اهللا أتقتلون رجلا أن يقول ربي : عليه وسلم، وقالاهللا

أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وعليه غدائر أربـع، فـخرج : فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال : وفي حديث أسماءلى أبي بكر، فرجع إلينا ال نمس شيئا من فلهوا عنه وأقبلوا ع ؟ اهللا أتقتلون رجلا أن يقول ربي : وهــو يـقول

. غدائره إال رجع معنــا

دخول آبار الصحابة فى االسالم

عنه اهللا إسالم حمزة رضي

اهللا خالل هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسالم حمزة بن عبد المطلب رضي . النبوة، واألغلب أنه أسلم في شهر ذى الحجة عنه أسلم في أواخر السنة السادسة من

اهللا صلى اهللا عليه وسلم يوما عند الصفا فآذاه ونال منه، ورسول اهللا صلى اهللا أن أبا جهل مر برسول : وسبب إسالمه

نادى عليه وسلم ساآت ال يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فشجه حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلىبن جدعان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة اهللا قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وآانت موالة لعبد

من القنص متوشحا قوسه، فأخبرته الموالة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة ـ وآان أعز فتى في قريش وأشده : ي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه، وقال لهشكيمة ـ فخرج يسعى، لم يقف ألحد؛ معدا ألبثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم ـ ؟ يا مصفر استه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه

. ابن أخيه سبا قبيحا دعوا أبا عمارة، فإني سببت : حى أبي جهل ـ وثار بنو هاشم ـ حي حمزة ـ فقال أبو جهل

صدره فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به اهللا وآان إسالم حمزة أول األمر أنفة رجل، أبي أن يهان مواله، ثم شرح . المسلمون أيما اعتزاز

عنه اهللا إسالم عمر بن الخطاب رضي

قا وإضاءة من األول، أال وهو إسالم عمر بن وخالل هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان أضاء برق آخر أشد بري

عنه وآان النبي صلى اهللا بعد ثالثة أيام من إسالم حمزة رضي . الخطاب، أسلم في ذى الحجـة سـنة سـت مـن النبـوةفقد أخرج الترمذى عن ابن عمر، وصححه، وأخرج الطبراني عن ابن . تعالى إلسالمهاهللا عليه وسلم قد دعا اهللا

بعمر بن الخطاب أو بأبي : م أعز اإلسالم بأحب الرجلين إليكاهللا ( : عليه وسلم قالاهللا وأنس أن النبي صلى مسعود . عنهاهللا عمر رضي اهللا فكان أحبهما إلى ) جهل بن هشام

جيا، ولكن قبل وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسالمه يبدو أن نزول اإلسالم في قلبه آان تدري

. عنه من العواطف والمشاعراهللا أن نسوق خالصتها نرى أن نشير إلى ما آان يتمتع به رضي

عنه معروفا بحدة الطبع وقوة الشكيمة، وطالما لقى المسلمون منه ألوان األذى، والظاهر أنه آانت اهللا آان رضي سنها اآلباء واألجداد وتحمسه لها، ثم إعجابه بصالبة تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة؛ احترامه للتقاليد التي

المسلمين، وباحتمالهم البالء في سبيل العقيدة، ثم الشكوك التي آانت تساوره ـ آأي عاقل ـ في أن ما يدعو إليه . اإلسالم قد يكون أجل وأزآى من غيره، ولهذا ما إن يثور حتى يخور

أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى : عنهاهللا ـ في إسالمه رضي وخالصة الروايات ـ مع الجمع بينها

،فجعل عمر } الحاقة { عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة اهللا الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى إنه { فقرأ : اعر، آما قالت قريش، قالشاهللا هذا و : فقلت ـ أي في نفسي : يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال

ولا بقول آاهن { : قال . آاهن : قلت : قال ] 41، 40 : الحاقة [ } لقول رسول آريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون . فوقع اإلسالم في قلبي : قال . ] 43، 42: الحاقة [ إلى آخر السورة } مينقليلا ما تذآرون تنزيل من رب العال

آان هذا أول وقوع نواة اإلسالم في قلبه، لكن آانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية التقليد، والتعاظم بدين اآلباء

له ضد اإلسالم غير مكترث بالشعور الذي هي غالبـة على مخ الحقيقة التي آان يتهمس بها قلبه، فبقى مجدا في عم . يكمن وراء هذه القشرة

عليه وسلم أنه خرج يوما متوشحا سيفه يريد القضاء على اهللا صلى اهللا وآان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول

من بني مخزوم النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل اهللا عليه وسلم، فلقيه نعيم بن عبد اهللا النبي صلى

؟ آيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدا : قال . أريد أن أقتل محمدا : قال ؟ أين تعمد يا عمر : فقالإن أختك ! أفال أدلك على العجب يا عمر : ما أراك إال قد صبوت، وترآت دينك الذي آنت عليه، قال : فقال له عمر

وترآا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر دامرا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن األرت، معه وختنك قد صبوا، يقرئهما إياها ـ وآان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن ـ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، ] طه [ : صحيفة فيها

لبيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما وآان قد سمع عمر حين دنا من ا . وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفةيا : فقال له ختنه . فلعلكما قد صبوتما : قال . ما عدا حديثا تحدثناه بيننا : فقاال ؟ ما هذه الهينمة التي سمعتها عندآم : قال

فرفعته عن زوجها، فجاءت أخته . فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدا ؟ عمر، أرأيت إن آان الحق في غير دينكيا عمر، إن آان : فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت، وهي غضبى

. اهللا ، وأشهد أن محمدا رسول اهللا الحق في غير دينك، أشهد أن ال إله إال

: طونى هذا الكتاب الذي عندآم فأقرؤه، فقالت أختهأع : فلما يئس عمر، ورأي ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال } بسم اهللا الرحمن الرحيم { : إنك رجس، وال يمسه إال المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ

} ه إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذآريإنني أنا اهللا لا إل { : حتى انتهي إلى قوله ] طه [ ثم قرأ . أسماء طيبة طاهرة : فقال . دلوني على محمد ؟ ما أحسن هذا الكالم وأآرمه : فقال ]14 : طه [

عليه اهللا أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى : فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال

عليه اهللا صلى اهللا ، ورسول ) م أعز اإلسالم بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشاماهللا ( : وسلم لك ليلة الخميس . وسلم في الدار التي في أصل الصفا

فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحا

؟ وعمر : فقال ؟ عمر : قالوا ؟ ما لكم : عليه وسلم، واستجمع القوم، فقال لهم حمزةاهللا صلى اهللا السيف، فأخبر رسول عليه اهللا صلى اهللا افتحوا له الباب، فإن آان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن آان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه، ورسول

بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة وسلم داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذم، هذا عمر اهللا ؟ بك من الخزى والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرةاهللا أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل ( : شديدة فقال

وأسلم، فكبر . اهللا ، وأنك رسول اهللا أشهد أن ال إله إال : ، فقال عمر ) م أعز اإلسالم بعمر بن الخطاباهللا بن الخطاب، . أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد

عنه ذا شكيمة ال يرام، وقد أثار إسالمه ضجة بين المشرآين، وشعورا لهم بالذلة والهوان، وآسا اهللا آان عمر رضي

. المسلمين عزة وشرفا وسرورا

عليه وسلم عداوة، اهللا صلى اهللا كة أشد لرسول لما أسلمت تذآرت أي أهل م : روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قالجئت ألخبرك : قال ؟ أهلا وسهلا، ما جاء بك : أبو جهل، فأتيت حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلى، وقال : قلت : قال

وقبح ما ، اهللا قبحك : فضرب الباب في وجهي، وقال : قال . وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء بهاهللا إني قد آمنت ب . جئت به

آان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال، فيضربونه ويضربهم، فجئت ـ : عنه قالاهللا وذآر ابن الجوزي أن عمر رضي

وذهبت إلى رجل من آبراء قريش ـ : أي حين أسلمت ـ إلى خالى ـ وهو العاصى بن هاشم ـ فأعلمته فدخل البيت، قال . لبيتلعله أبو جهل ـ فأعلمته فدخل ا

أي : لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسالمه، فقال : وفي رواية البن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال

: فخرج إليه وأنا معه، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه، فقال . جميل بن معمر الجمحى : فقالوا ؟ أهل مكة أنشأ للحديثيا قريش، : أن ] بأعلى صوته [ ما رد عليه آلمة حتى قام عامدا إلى المسجد فنادى اهللا فو : ياجميل، إني قد أسلمت، قال

، فثاروا إليه ] وصدقت رسولهاهللا وآمنت ب [ آذب، ولكنى قد أسلمت : فقال عمر ـ وهو خلفه . إن ابن الخطاب قد صبأـ أي أعيا ـ عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم، وطلح

. أن لو آنا ثالثمائة رجل لقد ترآناها لكم أو ترآتموها لنااهللا افعلوا ما بدا لكم، فأحلف ب : يقول

بينما هو ـ أي عمر ـ في : بن عمر قالاهللا روى البخاري عن عبد . وبعد ذلك زحف المشرآون إلى بيته يريدون قتلهئفا إذ جاءه العاص بن وائل السهمى أبو عمرو،وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير ـ وهو من بني سهم، الدار خا

ال سبيل إليك ـ بعد أن : زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت، قال : قال ؟ ما لك : وهم حلفاؤنا في الجاهلية ـ فقال لههذا ابن الخطاب الذي قد : فقالوا ؟ أين تريدون : الوادي، فقالقالها أمنت ـ فخرج العاص، فلقى الناس قد سال بهم

. ، لكأنما آانوا ثوبا آشط عنهاهللا و : وفي لفظ في رواية ابن إسحاق . ال سبيل إليه، فكر الناس : صبأ، قال

ألي : سألت عمر بن الخطاب : هذا بالنسبة إلى المشرآين، أما بالنسبة إلى المسلمين فروى مجاهد عن ابن عباس قالقلت ـ أي حين : وقال في آخره . أسلم حمزة قبلى بثالثة أيام ـ ثم قص عليه قصة إسالمه : قال ؟ شيء سميت الفاروق

بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم ( : قال ؟ ، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينااهللا يا رسول : أسلمتوالذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في ؟ ففيم االختفاء : قلت : ، قال ) ن حييتموإ

فنظرت إلى قريش وإلى حمزة، فأصابتهم آآبة لم يصبهم : اآلخر، له آديد آكديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال . يومئذ ) الفاروق ( عليه وسلماهللا صلى اهللا مثلها، فسماني رسول

. ما آنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر : عنه يقولاهللا وآان ابن مسعود رضي

لما أسلم عمر ظهر اإلسالم، ودعى إليه عالنية، وجلسنا حول : عنه قالاهللا وعن صهيب بن سنان الرومى رضي

. ينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى بهالبيت حلقا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ عل

. ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر : بن مسعود قالاهللا وعن عبد

عليه وسلم اهللا ممثل قريش بين يدي الرسول صلى

عنهما أخذت السحائب اهللا وبعد إسالم هذين البطلين الجليلين ـ حمزة بن عبد المطلب وعمـر بن الخطاب رضي عليه اهللا لمشرآون عن سكرهم في تنكيلهم بالمسلمين، وغيروا تفكيرهم في معاملتهم مع النبي صلى تتقشع، وأفاق ا

وسلم والمؤمنين، واختاروا أسلوب المساومات وتقديم الرغائب والمغريات، ولم يدر هؤالء المساآين أن آل ما تطلع . وا وفشلوا فيما أرادواوالدعوة إليه، فخاباهللا عليه الشمس ال يساوي جناح بعوضة أمام دين

حدثت أن عتبة بن ربيعة، وآان سيدا، قال : حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن آعب القرظى قال : قال ابن إسحاق

يا معشر قريش، أال أقوم إلى : عليه وسلم جالس في المسجد وحدهاهللا صلى اهللا يوما ـ وهو في نادى قريش، ورسول اهللا وذلك حين أسلم حمزة رضي ؟ ليه أمورا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنامحمد فأآلمه وأعرض ع

بلى، يا أبا الوليد، قم إليه، فكلمه، فقام : عليه وسلم يكثرون ويزيدون، فقالوااهللا صلى اهللا عنه ورأوا أصحاب رسول يابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السطة في : عليه وسلم، فقالاهللا صلى اهللا إليه عتبة،حتى جلس إلى رسول

العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحالمهم، وعبت به . آلهتهم ودينهم، وآفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها

. ) قل يا أبا الوليد أسمع ( : عليه وسلماهللا قال رسول صلى ف : قال يابن أخي، إن آنت إنما تريد بما جئت به من هذا األمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أآثرنا مالا، وإن : قال

اك علينا، وإن آان هذا الذي آنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى ال نقطع أمرا دونك، وإن آنت تريد به ملكا ملكنيأتيك رئيا تراه ال تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع

: عليه وسلم يستمع منه قالاهللا صلى اهللا على الرجل حتى يداوى منه ـ أو آما قال له ـ حتى إذا فرغ عتبة ورسول بسم اهللا الرحمن الرحيم حم تنزيل من { : أفعل، فقال : ، قال ) فاسمع منى ( : نعم، قال : قال ) ؟ أبا الوليد أقد فرغت يا (

هم لا يسمعون وقالوا آثرهم فالرحمن الرحيم آتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أفلما سمعها منه عتبة أنصت . فيها، يقرؤها عليهاهللا ثم مضى رسول . ] 5 : 1 : فصلت [ } قلوبنا في أآنة مما تدعونا إليه

وسلم إلى السجدة منها فسجد عليهاهللا صلى اهللا له، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما، يسمع منه، ثم انتهي رسول . ) قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك ( : ثم قال

فلما جلس . لقد جاءآم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب بهاهللا نحلف ب : فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض

ما هو بالشعر وال اهللا ما سمعت مثله قط، واهللا معت قولا وورائي أني س : قال ؟ ما وراءك يا أبا الوليد : إليهم قالوابالسحر، وال بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعونى واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه،

فملكه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد آفيتموه بغيرآم، وإن يظهر على العرب اهللا فوهذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا : يا أبا الوليد بلسانه، قالاهللا سحرك و : ملككم، وعزه عزآم، وآنتم أسعد الناس به، قالوا

. لكم

فإن أعرضوا فقل { : عليه وسلم قوله تعالىاهللا أن عتبة استمع حتى إذا بلغ الرسول صلى : وفي روايات أخرىاهللا صلى اهللا حسبك، حسبك، ووضع يده على فم رسول : قال ] 13 : فصلت [ } م صاعقة مثل صاعقة عاد وثمودأنذرتك

. عليه وسلم، وناشده بالرحم أن يكف، وذلك مخافة أن يقع النذير، ثم قام إلى القوم فقال ما قال

رؤساء قريش يفاوضون رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عزم أبي جهل على قتل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

مساومات وتنازالت حيرة قريش وتفكيرهم الجاد واتصالهم باليهود

أبي طالب وعشيرتهموقف

عليه وسلم اهللا صلى اهللا رؤساء قريش يفاوضون رسول

عليه وسلم عتبة على اقتراحاته؛ ألنه لم يكن صريحا في اهللا وآأن رجاء قريش لم ينقطع بما أجاب به النبي صلى حيث جاء، فتشاور رؤساء عليه وسلم آيات لم يفهمها عتبة، ورجع من اهللا الرفض أو القبول، بل تال عليه النبي صلى

قريش فيما بينهم وفكروا في آل جوانب القضية، ودرسوا آل المواقف بروية وتريث، ثم اجتمعوا يوما عند ظهر عليه وسلم يدعونه، فجاء مسرعا يرجو خيرا، فلما جلس اهللا الكعبة بعد غروب الشمس، وأرسلوا إلى النبي صلى

وآأنهم ظنوا أنه لم يثق بجدية هذا . رضوا عليه نفس المطالب التي عرضها عتبةإليهم قالوا له مثل ما قال عتبة، وع : عليه وسلماهللا صلى اهللا العرض حين عرض عتبة وحده، فإذا عرضوا هم أجمعون يثق ويقبل، ولكن قال لهم رسول

بعثنى إليكم اهللا شرف فيكم، وال الملك عليكم، ولكن ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم وال ال ( ت لكم، فإن تقبلوا منى رسولا، و أنزل على آتابا، وأمرنى أن أآون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رساالت ربي، ونصح

أو آما . ) بينى و بيـنكم اهللا حتى يحكم اهللا الدنيا واآلخرة، وإن تردوا على أصبر ألمر ما جئتكم به فهو حظكم في . قال

فانتقلوا إلى نقطة أخرى، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يسير عنهم الجبال، ويبسط لهم البالد، ويفجر فيها األنهار، . فأجاب بنفس ما سبق من الجواب . ا قصى بن آالب ـ فإن صدقوه يؤمنون بهويحيى لهم الموتى ـ وال سيم

فانتقلوا إلى نقطة ثالثة، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يبعث له ملكا يصدقه، ويراجعونه فيه، وأن يجعل له جنات

. وآنوزا وقصورا من ذهب وفضة، فأجابهم بنفس الجواب

، اهللا ذلك إلى ( : أن يسقط عليهم السماء آسفا، آما يقول ويتوعد، فقال : طلبوا منه العذابفانتقلوا إلى نقطة رابعة، وأما علم ربك أنا سنجلس معك، ونسألك ونطلب منك، حتى يعلمك ما تراجعنا به، وما هو صانع : فقالوا . ) إن شاء فعل . بنا إذا لم نقبل

اهللا صلى اهللا ال نترآك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، فقام رسول اهللا أما و : وأخيرا هددوه أشد التهديد، وقالوا

. عليه وسلم عنهم، وانصرف إلى أهله حزينا أسفا لما فاته ما طمع من قومه

عليه وسلم اهللا صلى اهللا عزم أبي جهل على قتل رسول

يا معشر قريش، إن محمدا قد : عليه وسلم عنهم خاطبهم أبو جهل في آبريائه وقالاهللا صلى اهللا ولما انصرف رسول ألجلسن له بحجر ما أطيق اهللا ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحالمنا، وشتم آلهتنا، وأني أعاهد أبي إال ما ترون من عيب

حمله، فإذا سجد في صالته فضخت به رأسه، فأسلمونى عند ذلك أو امنعونى، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا . ال نسلمك لشيء أبدا، فامض لما تريداهللا و : لهم، قالوا

صلى اهللا عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول اهللا صلى اهللا أصبح أبو جهل، أخذ حجرا آما وصف، ثم جلس لرسول فلما عليه وسلم آما آان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد اهللا

قبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما ممتقعا لونه، عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أاهللا صلى اهللا رسول ؟ ما لك يا أبا الحكم : مرعوبا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا له

ما رأيت مثل اهللاقمت إليه ألفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من اإلبل، ال و : قال . هامته، وال مثل قصرته وال أنيابه لفحل قط، فهم بى أن يأآلنى

) ذلك جبريل عليه السالم لو دنا ألخذه ( : عليه وسلم قالاهللا صلى اهللا فذآر لى أن رسول : قال ابن إسحاق

مساومات وتنازالت

غراء والترغيب، والتهديد والترهيب، وخاب أبو جهل فيما أبداه من ولما فشلت قريش في مفاوضتهم المبنية على اإلالرعونة وقصد الفتك، تيقظت فيهم رغبة الوصول إلى حل حصيف ينقذهم عما هم فيه، ولم يكونوا يجزمون أن النبي

فرأوا أن . ] 14 : الشورى [ } لفي شك منه مريب { تعالى اهللا عليه وسلم على باطل، بل آانوا ـ آما قال اهللا صلى عليه وسلم في أمور الدين، ويلتقوا به في منتصف الطريق، فيترآوا بعض ما هم عليه، ويطالبوا اهللا يساوموه صلى

عليه وسلم بترك بعض ما هو عليه، وظنوا أنهم بهذا الطريق سيصيبون الحق، إن آان ما يدعو إليه اهللا النبي صلى . وسلم حقاعليه اهللا النبي صلى

عليه وسلم ـ وهو يطوف بالكعبة ـ األسود بن المطلب بن اهللا صلى اهللا اعترض رسول : روى ابن إسحاق بسنده، قال

أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمى ـ وآانوا ذوى أسنان في قومهم ـ د، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في األمر، فإن آان الذي تعبد خيرا مما نعبد يا محمد، هلم فلنعبد ما تعب : فقالوا

قل يا أيها { : تعالى فيهماهللا آنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن آان ما نعبد خيرا مما تعبد آنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل . االسورة آله } الكافرون لا أعبد ما تعبدون

قل يا أيها { : اهللا فأنزل . لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك : وأخرج عبد بن حمـيد وغيره عن ابن عباس أن قريشا قالت

تعبد آلهتنا : عليه وسلماهللا صلى اهللا السورة آلها وأخرج ابن جرير وغيره عنه أن قريشا قالوا لرسول } الكافرون ] 64 : الزمر [ } قل أفغير اهللا تأمروني أعبد أيها الجاهلون { : اهللا ونعبد إلهك سنة،فأنزل سنة،

تعالى هذه المفاوضة المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة لم تيأس قريش آل اليأس، بل أبدوا مزيدا من اهللا ولما حسم

ائت بقرآن غير { : عليه وسلم بعض التعديل فيما جاء به من التعليمات، فقالوااهللا لى التنازل بشرط أن يجرى النبي صقل ما يكون لي { : عليه وسلم عليهم فقالاهللا هذا السبيل أيضا بإنزال ما يرد به النبي صلى اهللا ، فقطع } هـذا أو بدله

ونبه ] 15 : يونس [ } فسي إن أتبع إال ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيمأن أبدله من تلقاء نيره وإذا التخذوك وإن آادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غ { : على عظم خطورة هذا العمل بقوله

وضعف الممات ثم ال تجد لك علينا خليال ولوال أن ثبتناك لقد آدت ترآن إليهم شيئا قليال إذا لأذقناك ضعف الحياة . ] 75 : 73 : اإلسراء [ } نصيرا

قريش وتفكيرهم الجاد واتصالهم باليهود حيرة

أظلمت أمام المشرآين السبل بعد فشلهم في هذه المفاوضات والمساومات والتنازالت، واحتاروا فيما يفعلون، حتى لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قداهللا يا معشر قريش، و : النضر بن الحارث، فنصحهم قائلا : قام أحد شياطينهم

آان محمد فيكم غالما حدثا أرضاآم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، و ما اهللا آاهن، ال و : ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتماهللا ساحر، ال و : جاءآم بما جاءآم به، قلتم

ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا اهللا شاعر، ال و : الجهم وسمعنا سجعهم، وقلتمهو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، وال وسوسته، اهللا مجنون، ال و : أصنافه آلها هزجه ورجزه، وقلتم

. نزل بكم أمر عظيم لقداهللا وال تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه و

عليه وسلم في وجه آل التحديات، ورفضه آل المغريات، وصالبته في آل مرحلة اهللا وآأنهم لما رأوا صموده صلى ـ مع ما آان يتمتع به من الصدق والعفاف ومكارم األخالق ـ قويت شبهتهم في آونه رسولا حقا، فقرروا أن يتصلوا

عليه وسلم، فلما نصحهم النضر بن الحارث بما سبق آلفوه مع آخر أو آخرين اهللا صلى باليهود حتى يتأآدوا من أمره

سلوه عن ثالث، فإن أخبر فهو نبى مرسل، وإال فهو متقول؛ سلوه عن : ليذهب إلى يهود المدينة، فأتاهم فقال أحبارهمعن رجل طواف بلغ مشارق األرض فإن لهم حديثا عجبا ، وسلوه ؟ فتية ذهبوا في الدهر األول،ما آان أمرهم

؟ وسلوه عن الروح، ما هي ؟ ومغاربها، ما آان نبؤه

عليه اهللا جئناآم بفصل ما بينكم وبين محمد، وأخبرهم بما قاله اليهود، فسألت قريش رسول صلى : فلما قدم مكة قالتية، وهم أصحاب الكهف، وقصة الرجل وسلم عن األمور الثالثة، فنزلت بعد أيام سورة الكهف، فيها قصة أولئك الفعليه وسلم على اهللا وتبين لقريش أنه صلى . الطواف، وهو ذو القرنين، ونزل الجواب عن الروح في سورة اإلسراء

. حق وصدق، ولكن أبي الظالمون إال آفورا

رسوا آل ذلك جنبا إلى جنب، عليه وسلم، وقد مااهللا صلى اهللا هذه نبذة خفيفة مما واجه به المشرآون دعوة رسول فمن شدة إلى لين، ومن لين إلى شدة، ومن جدال إلى مساومة، ومن . متنقلين من طور إلى طور، ومن دور إلى دور

مساومة إلى جدال، ومن تهديد إلى ترغيب، ومن ترغيب إلى تهديد، آانوا يثورون ثم يخورون، ويجادلون ثم وعدون ثم يرغبون، آأنهم آانوا يتقدمون ويتأخرون، ال يقر لهم قرار، وال يجاملون، وينازلون ثم يتنازلون، وي

يعجبهم الفرار، وآان الغرض من آل ذلك هو إحباط الدعوة اإلسالمية، ولم شعث الكفر، ولكنهم بعد بذل آل الجهود إال شدة، وال ينتج إال عن تناحر واختبار آل الحيل عادوا خائبين، ولم يبق أمامهم إال السيف، والسيف ال يزيد الفرقة

. يستأصل الشأفة، فاحتاروا ماذا يفعلون

موقف أبي طالب وعشيرته

عليه وسلم لهم ليقتلوه، ثم رأي في تحرآاتهم اهللا أما أبو طالب فإنه لما واجه مطالبة قريش بتسليم النبي صلى فعله عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام وعمر بن وتصرفاتهم ما يؤآد أنهم يريدون قتله وإخفار ذمته ـ مثل ما

عليه وسلم، فأجابوه إلى ذلك آلهم ـ اهللا الخطاب ـ جمع بني هاشم وبني المطلب، ودعاهم إلى القيام بحفظ النبي صلى لهب، فإنه إال ما آان من أخيه أبي . مسلمهم وآافرهم ـ حمية للجوار العربي، وتعاقدوا وتعاهدوا عليه عند الكعبة

. فارقهم، وآان مع قريش

المقاطعة العامة

ميثاق الظلم والعدوان

طالب ثالثة أعوام في شعب أبي نقض صحيفة الميثاق

آخر وفد قريش إلي أبي طالب

ميثاق الظلم والعدوان

اهللا صلى اهللا ذ نفدت بهم الحيل، ووجدوا بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ نبى زادت حيرة المشرآين إعليه وسلم والقيام دونه، آائنا ما آان، فاجتمعوا في خيف بني آنانة من وادى المحصب فتحالفوا على بني هاشم وبني

يدخلوا بيوتهم، وال يكلموهم، حتى يسلموا المطلب أال يناآحوهم، وال يبايعوهم، وال يجالسوهم، وال يخالطوهم، والأال يقبلوا من بني هاشم ( عليه وسلم للقـتل، وآتـبوا بذلك صحيـفـة فيها عهود ومواثيق اهللا صلى اهللا إليهم رسول

مر بن آتبها منصور بن عكرمة بن عا : يقال : قال ابن القيم . ) صلحا أبدا، وال تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتلعليه وسلم اهللا صلى اهللا نضر بن الحارث، والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم، فدعا عليه رسول : هاشم، ويقال . فشلت يده

تم هذا الميثاق وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب، مؤمنهم وآافرهم ـ إال أبا لهب ـ

. وقد قيل غير ذلك . ليلة هالل المحرم سنة سبع من البعثة : ، وذلك فيما يقالوحبسوا في شعب أبي طالب

ثالثة أعوام في شعب أبي طالب

واشتد الحصار، وقطعت عنهم الميرة والمادة، فلم يكن المشرآون يترآون طعاما يدخل مكة وال بيعا إال بادروه ألوراق والجلود، وحتى آان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم فاشتروه، حتى بلغهم الجهد، والتجأوا إلى أآل ا

وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وآان ال يصل إليهم شيء إال سرا، وآانوا ال يخرجون من الشعب الشتراء الحوائج م في إال في األشهر الحرم، وآانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، ولكن أهل مكة آانوا يزيدون عليه

. السلعة قيمتها حتى ال يستطيعون شراءها

عنها وقـد تعـرض لـه مرة أبو جهل فتعلق به اهللا وآان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحا إلى عمته خديجة رضي . ليمنعه، فتدخل بينهما أبو البخترى، ومكنه من حمل القمح إلى عمته

اهللا صلى اهللا ليه وسلم، فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم يأمر رسول عاهللا صلى اهللا وآان أبو طالب يخاف على رسول

عليه وسلم أن يضطجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد اغتياله، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني . عليه وسلم، وأمره أن يأتى بعض فرشهماهللا صلى اهللا عمه فاضطجع على فراش رسول

عليه وسلم والمسلمون يخرجون في أيام الموسم، فيلقون الناس، ويدعونهم إلى اإلسالم، اهللا صلى اهللاوآان رسول

. وقد أسلفنا ما آان يأتى به أبو لهب

نقض صحيفة الميثاق مر عامان أو ثالثة أعوام واألمر على ذلك، وفي المحرم سنة عشر من النبوة نقضت الصحيفة وفك الحصار؛ وذلك

. ا آانوا بين راض بهذا الميثاق وآاره له، فسعى في نقض الصحيفة من آان آارها لهاأن قريش

وآان القائم بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤى ـ وآان يصل بني هاشم في الشعب مستخفيا بالليل بالطعام ـ يا زهير، أرضيت أن تأآل : لب ـ وقالفإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومى ـ وآانت أمه عاتكة بنت عبد المط

لو آان معى رجل اهللا أما و ؟ ويحك، فما أصنع وأنا رجل واحد : فقال ؟ الطعام، وتشرب الشراب، وأخوالك بحيث تعلم . ابغنا رجلا ثالثا : قال له زهير . أنا : قال ؟ فمن هو : قال . قد وجدت رجلا : آخر لقمت في نقضها، قال

فذهب إلى المطعم بن عدى، فذآره أرحام بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف، والمه على موافقته لقريش على

: قال . أنا : قال ؟ من هو : قد وجدت ثانيا، قال : إنما أنا رجل واحد، قال ؟ ويحك، ماذا أصنع : هذا الظلم، فقال المطعم . ابغنا رابعا : زهير بن أبي أمية، قال : قال ؟ من هو : قال . قد فعلت : قال . ابغنا ثالثا

: قال . نعم : قال ؟ وهل من أحد يعين على هذا : فذهب إلى أبي البخترى بن هشام، فقال له نحوا مما قال للمطعم، فقال

. امساابغنا خ : قال زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدى، وأنا معك، قال ؟ من هو

وهل على هذا األمر الذي : فذهب إلى زمعة بن األسود بن المطلب بن أسد، فكلمه وذآر له قرابتهم وحقهم، فقال لهنعم، ثم سمى له القوم، فاجتمعوا عند الحجون، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة، وقال : قال ؟ تدعونى إليه من أحد

. ل من يتكلمأنا أبدأآم فأآون أو : زهير

يا أهل مكة، : فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير عليه حلة، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس، فقالال أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة اهللا و ؟ أنأآل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، ال يباع وال يبتاع منهم

. الظالمة

. ال تشقاهللا آذبت، و : هل ـ وآان في ناحية المسجدقال أبو ج

. أآذب، مارضينا آتابتها حيث آتبتاهللا أنت و : فقال زمعة بن األسود

. صدق زمعة، ال نرضى ما آتب فيها، وال نقر به : قال أبو البخترى

. ومما آتب فيها منهااهللا صدقتما، وآذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى : قال المطعم بن عدى

. وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك

. هذا أمر قضى بليل، وتشوور فيه بغير هذا المكان : فقال أبو جهل

عليه وسلم على أمر اهللا آان قد أطلع رسوله صلى اهللا وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، إنما جاءهم ألن عز وجل، فأخبر بذلك اهللا أآلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إال ذآر الصحيفة، وأنه أرسل عليها األرضة، ف

عمه، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال آذا وآذا، فإن آان آاذبا خلينا بينكم وبينه، وإن آان صادقا . قد أنصفت : رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، قالوا

اهللا باسمك ( أبي جهل، قام المطعم إلى الصحيفة ليشقها، فوجد األرضة قد أآلتها إال وبعد أن دار الكالم بين القوم وبين

. فإنها لم تأآلهاهللا ، وما آان فيها من اسم ) م

عليه وسلم ومن معه من الشعب، وقد رأي المشرآون آية عظيمة من اهللا صلى اهللا ثم نقض الصحيفة وخرج رسول ـ أعرضوا عن ] 2 : القمر [ } وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر { عنهم اهللا ر آيات نبوته، ولكنهم ـ آما أخب

. هذه اآلية وازدادوا آفرا إلى آفرهم

آخر وفد قريش إلي أبي طالب

نوا قد ترآوا القطيعة، عليه وسلم من الشعب، وجعل يعمل على شاآلته، وقريش وإن آااهللا صلى اهللا خرج رسول ، وأما أبو طالب فهو لم يزل اهللا لكنهم لم يزالوا عاملين على شاآلتهم من الضغط على المسلمين والصد عن سبيل

يحوط ابن أخيه، لكنه آان قد جاوز الثمانين من سنه، وآانت اآلالم والحوادث الضخمة المتوالية منذ سنوات ـ السيما فت مفاصله وآسرت صلبه، فلم يمض على خروجه من الشعب إال أشهر معدودات، حصار الشعب ـ قد وهنت وضع

وإذا هو يالحقه المرض ويلح به، وحينئذ خاف المشرآون سوء سمعتهم في العرب إن أتوا بعد وفاته بمنكر على ابن رضوا إعطاءه قبل عليه وسلم بين يديه، ويعطوا بعض ما لم ياهللا أخيه، فحاولوا مرة أخرى أن يفاوضوا النبي صلى

. فقاموا بوفادة هي آخر وفادتهم إلى أبي طالب . ذلك

إن حمزة وعمر قد أسلما، : لما اشتكى أبو طالب، وبلغ قريشا ثقله، قالت قريش بعضها لبعض : قال ابن إسحاق وغيرهما نأمن اهللا أخيه، وليعطه منا، و وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش آلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فليأخذ على ابن

ترآوه حتى : فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون إليه شيء فتعيرنا به العرب، يقولون : أن يبتزونا أمرنا، وفي لفظ . إذا مات عمه تناولوه

م، وأمية بن مشوا إلى أبي طالب فكلموه، وهم أشراف قومه؛ عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشا

يا أبا طالب، إنك منا حيث : خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجال من أشرافهم ـ وهم خمسة وعشرون تقريبا ـ فقالواقد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه فخذ له منا، وخذ لنا

يابن أخي، هؤالء أشراف : نا وندعه ودينه، فبعث أبو طالب، فجاءه فقالمنه؛ ليكف عنا ونكف عنه، وليدعـنا ودينقومك، قد اجتمعوا لك ليعطوك، وليأخذوا منك، ثم أخبـره بالذي قالوا له وعرضوا عليه من عدم تعرض آل فريق

كتم بها العرب، ودانت لكم أرأيتم إن أعطيتكم آلمة تكلمتم بها، مل ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا فقال لهم رسول . لآلخرإني أريدهم على آلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب، ( : ، وفي لفظ أنه قال مخاطبا ألبي طالب ) بها العجم

؟ وإالم تدعوهم : قال ) ؟ أي عم، أفال أدعوهم إلى ما هو خير لهم ( : ، وفي لفظ آخر قال ) وتؤدى إليهم بها العجم الجزيةآلمة واحدة ( : ، ولفظ رواية ابن إسحاق ) أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم ( : قال

، فلما قال هذه المقالة توقفوا وتحيروا ولم يعرفوا آيف يرفضون ) تعطونها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم : وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال ؟ ما هي : ثم قال أبو جهل . هذه الغاية والحد هذه الكلمة الواحدة النافعة إلى

أتريد يا محمد أن تجعل اآللهة إلها : فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا . ) ، وتخلعون ما تعبدون من دونهاهللا ال إله إال ( : تقولون . إن أمرك لعجب ؟ واحدا

ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى اهللا إنه و : ثم قال بعضهم لبعض

. بينكم وبينه، ثم تفرقوااهللا يحكم

لهم من قرن ص والقرآن ذي الذآر بل الذين آفروا في عزة وشقاق آم أهلكنا من قب { : وفي هؤالء نزل قوله تعالىل الآلهة إلها واحدا إن هذا فنادوا ولات حين مناص وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر آذاب أجع

وا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبر . ] 7 : 1 : ص [ } هذا إلا اختلاق

عــام الحـــزن

لب وفاة أبي طا

خديجة إلى رحمة اهللا تراآم األحزان

الزواج بسودة رضي اهللا عنها عوامل الصبر والثبات

وفاة أبي طالب

خروج من ألح المرض بأبي طالب، فلم يلبث أن وافته المنية، وآانت وفاته في رجب سنة عشر من النبوة، بعد ال . عنها بثالثة أياماهللا توفي في رمضان قبل وفاة خديجة رضي : وقيل . الشعب بستة أشهر

عليه وسلم وعنده أبو جهل، اهللا أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى : وفي الصحيح عن المسيب

يا أبا طالب، : بن أبي أميةاهللا فقال أبو جهل وعبد ) اهللا عند ، آلمة أحاج لك بها اهللا ال إله إال : أي عم، قل ( : فقالعلى ملة عبد المطلب، فقال النبي : فلم يزاال يكلماه حتى قال آخر شيء آلمهم به ؟ ترغب عن ملة عبد المطلب

والذين آمنوا أن يستغفروا للمشرآين ما آان للنبي { : ، فـنزلت ) ألستغفرن لك ما لم أنه عنـه ( : عليه وسلماهللا صلى إنك لا تهدي من { : ونزلت ] 113 : التوبة [ } ولو آانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم

. ] 56 : القصص [ } أحببت

ة إلى بيان ما آان عليه أبو طالب من الحياطة والمنع، فقد آان الحصن الذي احتمت به الدعوة اإلسالمية وال حاج . من هجمات الكبراء والسفهاء، ولكنه بقى على ملة األشياخ من أجداده، فلم يفلح آل الفالح

غنيت عن عمك، فإنه آان يحوطك ما أ : عليه وسلماهللا ففي الصحيح عن العباس بن عبد المطلب، قال للنبى صلى

) هو في ضحضاح من نار، ولوال أنا لكان في الدرك األسفل من النار ( : قال ؟ ويغضب لك

لعله تنفعه شفاعتى يوم ( : عليه وسلم ـ وذآر عنده عمه ـ فقالاهللا وعن أبي سعيد الخدرى أنه سمع النبي صلى ) بلغ آعبيهالقيامة، فيجعل في ضحضاح من النار ت

اهللا خديجة إلى رحمة

ثة أيام ـ على اختالف القولين ـ توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثالعنها وآانت وفاتها في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، ولها خمس وستون سنة على أشهر اهللا رضي

. عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمرهاهللا صلى اهللا األقوال، ورسول

عليه وسلم، بقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة اهللا صلى اهللا جليلة على رسول الاهللا إن خديجة آانت من نعم قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبالغ رسالته، وتشارآه في مغارم الجهاد المر،وتواسيه بنفسها

آذبني الناس، آمنت بى حين آفر بى الناس، وصدقتنى حين ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا ومالها، يقول رسول ) ولدها وحرم ولد غيرهااهللا وأشرآتنى في مالها حين حرمنى الناس، ورزقنى

، هـذه خديجة قـد اهللا يا رسول : عليه وسلم ، فقالاهللا أتى جبريل النبي صلى : وفي الصحيح عن أبي هريرة قال

ها السالم من ربها، وبشرها ببيت في الجنة أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقـرأ علي . من قصب ال صخب فيه وال نصب

تراآم األحزان

اهللا صلى اهللا وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خالل أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن واأللم في قلب رسول تجرأوا عليه وآاشفوه بالنكال واألذى بعد موت أبي فإنهم . عليه وسلم، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه

طالب، فازداد غما على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجـاء أن يستجيبوا لدعوتـه، أو يؤووه . وينصـروه على قومــه، فلم يـر مـن يؤوى ولم يـر ناصرا، بل آذوه أشد األذى، ونالوا منه ما لم ينله قومـه

عليه وسلم اشتدت على أصحابه حتى التجأ رفيقه أبو بكر اهللا وطأة أهل مكة على النبي صلى وآما اشتدت

عنه إلى الهجرة عن مكة، فخرج حتى بلغ برك الغماد، يريد الحبشة، فأرجعه ابن الدغنة في اهللا الصديق رضي . جواره

عليه وسلم من األذى ما لم تطمع به في اهللا صلى اهللالما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول : قال ابن إسحاق

حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا، ودخل بيته والتراب على رأسه، ال تبكى ( : عليه وسلم يقول لهااهللا صلى اهللا فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول

. ) ما نالت منى قريش شيئا أآرهه حتى مات أبو طالب ( : ويقول بين ذلك : قال . ) مانع أباكاهللا فإن يابنية،

. وألجل توالى مثل هذه اآلالم في هذا العام سمى بعام الحزن، وعرف به في السيرة والتاريخ

عنهااهللا الزواج بسودة رضي

عليه وسلم سودة بنت زمعة، آانت اهللا صلى اهللا من النبوة ـ تزوج رسول 10وفي شوال من هذه السنة ـ سنة ممن أسلم قديما وهاجرت الهجرة الثانية إلى الحبشة، وآان زوجها السكران بن عمرو، وآان قد أسلم وهاجر

عليه وسلم اهللا صلى اهللا معها، فمات بأرض الحبشة، أو بعد الرجوع إلى مكة، فلما حلت خطبها رسول . عنها أخيرااهللا وتزوجها، وآانت أول امرأة تزوجها بعد وفاة خديجة، وآانت قد وهبت نوبتها لعائشة رضي

عوامل الصبر والثبات

ما هي األسباب والعوامل التي بلغت بالمسلمين إلى : وهنا يقف الحليم حيران، ويتساءل عقالء الرجال فيما بينهمآيف صبروا على هذه االضطهادات التي تقشعر لسماعها ؟ لمعجز من الثباتهذه الغاية القصوى، والحد اونظرا إلى هذا الذي يتخالج القلوب نرى أن نشير إلى بعض هذه العوامل واألسباب ؟ الجلود، وترجف لها األفئدة

: إشارة عابرة بسيطة : اهللا ب اإليمــانـ 1

وحده ومعرفته حق المعرفة، فاإليمان الجازم إذا خالطت اهللا ت هو اإليمان بإن السبب الرئيسي في ذلك أولا وبالذابشاشته القلوب يزن الجبال وال يطيش، وإن صاحب هذا اإليمان المحكم وهذا اليقين الجازم يرى متاعب الدنيا

يكسر مهما آثرت وآبرت وتفاقمت واشتدت ـ يراها في جنب إيمانه ـ طحالب عائمة فوق سيل جارف جاء لالسدود المنيعة والقالع الحصينة، فال يبالى بشيء من تلك المتاعب أمام ما يجده من حالوة إيمانه، وطراوة

. ] 17 : الرعد [ } فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في األرض { إذعانه، وبشاشة يقينه

: ذا السبب الوحيد أسباب أخرى تقوى هذا الثبات والمصابرة وهيويتفرع من ه

: قيادة تهوى إليها األفئدةـ 2

عليه وسلم ـ وهو القائد األعلى لألمة اإلسالمية، بل وللبشرية جمعاء ـ يتمتع من جمال اهللا فقد آان النبي صلى ائل الكريمة، بما تتجاذب إليه القلوب وتتفإني دونه الخلق، وآمال النفس، ومكارم األخالق، والشيم النبيلة، والشم

وآان على أعلى قمة من الشرف والنبل . النفوس، وآانت أنصبته من الكمال الذي يحبب لم يرزق بمثلها بشروآان من العفة واألمانة والصدق، ومن جميع سبل الخير على ما لم يتمار ولم يشك فيه أعداؤه . والخير والفضل

. عن محبيه ورفقائه، ال تصدر منه آلمة إال ويستيقنون صدقها فضلا

اجتمع ثالثة نفر من قريش، وآان قد استمع آل واحد منهم إلى القرآن سرا عن صاحبيه، ثم انكشف سرهم، فسأل نا نحن وبنو تنازع ؟ ماذا سمعت : فقال ؟ ما رأيك فيما سمعت من محمد : أحدهم أبا جهل ـ وآان من أولئك الثالثة

عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الرآب، وآنا . ال نؤمن به أبدا، وال نصدقهاهللا و ؟ لنا نبى يأتيه الوحى من السماء، فمتى ندرك هذه : آفرسى رهان قالوا

فإنهم ال يكذبونك ولكن { : اهللا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل يا محمد، إنا ال : وآان أبو جهل يقول

. ] 33 : األنعام [ } الظالمين بآيات اهللا يجحدون

، فأخذتهم ) يا معشر قريش، جئتكم بالذبح ( : عليه وسلم الكفار يوما ثالث مرات فقال في الثالثةاهللا وغمزه صلى . تلك الكلمة حتى إن أشدهم عداوة يرفؤه بأحسن ما يجد عنده

ولما ألقوا عليه سال جزور وهو ساجد، دعا عليهم، فذهب عنهم الضحك، وساورهم الهم والقلق، وأيقنوا أنهم

. هالكون

اهللا قتلنى و : حين رأي األسد قالودعا على عتبة بن أبي لهب فلم يزل على يقين من لقاء ما دعا به عليه حتى إنه . ـ محمد ـ وهو بمكة

، فلما طعن أبيا في عنقه يوم أحد ـ وآان خدشا ) اهللا بل أنا أقتلك إن شاء ( : فقال . وآان أبي بن خلف يتوعده بالقتل

. لقتلني ـ وسيأتي لو بصق علىاهللا أنا أقتلك، فو : إنه قد آان قال لى بمكة : غير آبير ـ آان أبي يقول

إنهم ـ أي ( : عليه وسلم يقولاهللا صلى اهللا لقد سمعت رسول : وقال سعد بن معاذ ـ وهو بمكة ـ ألمية بن خلفففزع فزعا شديدا، وعهد أال يخرج عن مكة، ولما ألجأه أبو جهل للخروج يوم بدر اشترى ) المسلمين ـ قاتلوك

ال : قال ؟ يا أبا صفوان، وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي : فرار، وقالت له امرأتهأجود بعير بمكة ليمكنه من ال . ما أريد أن أجوز معهم إال قريبااهللا و

عليه وسلم،أما أصحابه ورفقاؤه فقد حل منهم محل الروح والنفس، وشغل منهم اهللا هكذا آان حال أعدائه صلى صادق يندفع إليه اندفاع الماء إلى الحدور، وآانت النفوس تنجذب إليه انجذاب مكان القلب والعين، فكان الحب ال

. الحديد إلى المغناطيس

ومغناطيس أفئـدة الرجــال** فصورته هيولى آل جسم

. وآان من أثر هذا الحب والتفاني أنهم آانوا ليرضون أن تندق أعناقهم وال يخدش له ظفر أو يشاك شوآة

بن أبي قحافة يوما بمكة، وضرب ضربا شديدا، دنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين وطيء أبو بكر مخصوفين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر، حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وحملت بنو تيم أبا بكر في

؟ عليه وسلماهللا صلى اهللا ول ما فعل رس : ثوب حتى أدخلوه منزله، وال يشكون في موته، فتكلم آخر النهار فقالانظرى أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه، فلما خلت به : فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا ألمه أم الخير

اذهبى : ال علم لى بصاحبك، فقالاهللا و : فقالت ؟ عليه وسلماهللا صلى اهللا ما فعل رسول : ألحت عليه، وجعل يقولإن أبا بكر يسألك عن محمد بن : جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالتإلى أم

: ، وإن آنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك ذهبت، قالتاهللا ما أعرف أبا بكر وال محمد بن عبد : ، قالتاهللا عبد إن قوما نالوا اهللا و : وأعلنت بالصياح، وقالتنعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا، فدنت أم جميل

؟ عليه وسلماهللا صلى اهللا فما فعل رسول : لك منهم، قالاهللا هذا منك ألهل فسق وآفر، وإني ألرجو أن ينتقم رقم، في دار ابن األ : قالت ؟ أين هو : سالم صالح، فقال : فال شيء علىك منها، قالت : هذه أمك تسمع، قال : قالتعليه وسلم، فأمهلتا حتى إذا هدأت اهللا صلى اهللا فإن هللا على أال أذوق طعاما وال أشرب شرابا أو آتى رسول : قال

. عليه وسلماهللا صلى اهللا الرجل، وسكن الناس خرجتا به، يتكئ عليهما، حتى أدخلتـاه على رسول

الكتاب، وال سيما ما وقع في يوم أحد، وما وقع من خبيب وسننقل نوادر الحب والتفإني في مواضع شتى من هذا . وأمثاله

: ـ الشعور بالمسئولية 3

فكان الصحابة يشعرون شعورا تاما ما على آواهل البشر من المسئولية الفخمة الضخمة، وأن هذه المسئولية ال عن تحملها أشد وخامة وأآبر ضررا عما يمكن عنها الحياد واالنحراف بحال، فالعواقب التي تترتب على الفرار

هم فيه من االضطهاد، وأن الخسارة التي تلحقهم ـ وتلحق البشرية جمعاء ـ بعد هذا الفرار ال يقاس بحال على . المتاعب التي آانوا يواجهونها نتيجة هذا التحمل

: اإليمـان باآلخـرة ـ 4

ئولية ـ فقد آانوا على يقين جازم بأنهم يقومون لرب العالمين، وهو مما آان يقوى هذا الشعور ـ الشعور بالمسويحاسبون على أعمالهم دقها وجلها، صغيرها وآبيرها، فإما إلى النعيم المقيم، وإما إلى عذاب خالد في سواء

ما آتوا يؤتون { الجحيم، فكانوا يقضون حياتهم بين الخوف والرجاء، يرجون رحمة ربهم ويخافون عذابه، وآانوا ، وآانوا يعرفون أن الدنيا بعذابها ونعيمها ال تساوى ] 60 : المؤمنون [ } وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون

جناح بعوضة في جنب اآلخرة، وآانت هذه المعرفة القوية تهون لهم متاعب الدنيا ومشاقها ومرارتها؛ حتى لم . ن لها ويلقون إليها بالايكونوا يكترثو

: القـــرآن ـ 5

وفي هذه الفترات العصيبة الرهيبة الحالكة آانت تنزل السور واآليات تقيم الحجج والبراهين على صدق مبادئ أن يتكون اهللا اإلسالم ـ التي آانت الدعوة تدور حولها ـ بأساليب منيعة خالبة، وترشد المسلمين إلى أسس قدر

عظم وأروع مجتمع بشرى في العالم ـ وهو المجتمع اإلسالمى ـ وتثير مشاعر المسلمين ونوازعهم على عليها أأم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل { الصبر والتجلد، تضرب لذلك األمثال، وتبين لهم ما فيه من الحكم

أال إن مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر اهللا الذين خلوا من قبلكم فتنون ولقد فتنا الذين من الم أحسب الناس أن يترآوا أن يقولوا آمنا وهم لا ي { ] 214 : البقرة [ } نصر اهللا قريب

. ] 3 : 1 : العنكبوت [ } قبلهم فليعلمن اهللا الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين

ة عن آما آانت تلك اآليات ترد على إيرادات الكفار والمعاندين ردا مفحما، وال تبقى لهم حيلة، ثم تحذرهم مر، والشواهد التاريخية التي اهللا عواقب وخيمة ـ إن أصروا على غيهم وعنادهم ـ في جالء ووضوح، مستدلة بأيام

في أوليائه وأعدائه، وتلطفهم مرة، وتؤدى حق التفهيم واإلرشاد والتوجيه حتى ينصرفوا عما اهللا تدل على سنة . هم فيه من الضالل المبين

بالمسلمين في عالم آخر، ويبصرهم من مشاهد الكون وجمال الربوبية، وآمال األلوهية، وآثار وآان القرآن يسير

. الرحمة والرأفة، وتجليات الرضوان ما يحنون إليه حنينا ال يقوم له أي عقبة

وان وجنات لهم فيها نعيم يبشرهم ربهم برحمة منه ورض { وآانت في طى هذه اآليات خطابات للمسلمين، فيها يوم { ، وتصور لهم صورة أعدائهم من الكفرة الطغاة الظالمين يحاآمون ويصادرون، ثم ] 21 : التوبة [ } مقيم

. ] 48 : القمر [ } يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر : بالنجاحالبشارات ـ 6

ومع هذا آله آان المسلمون يعرفون منذ أول يوم القوا فيه الشدة واالضطهاد ـ بل ومن قبله ـ أن الدخول في اإلسالم ليس معناه جر المصائب والحتوف، بل إن الدعوة اإلسالمية تهدف ـ منذ أول يومها ـ إلى القضاء على

ا في الدنيا بسط النفوذ على األرض، والسيطرة على الموقف الجاهلية الجهالء ونظامها الغاشم، وأن من نتائجه، وتخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة اهللا السياسي في العالم لتقود األمة اإلنسانية والجمعية البشرية إلى مرضاة

. اهللا

صمة التي ضيقت وآان القرآن ينزل بهذه البشارات ـ مرة بالصراحة وأخرى بالكناية ـ ففي تلك الفترات القااألرض على المسلمين، وآادت تخنقهم وتقضى على حياتهم آانت تنزل اآليات بما جرى بين األنبياء السابقين وبين أقوامهم الذين قاموا بتكذيبهم والكفر بهم، وآانت تشتمل هذه اآليات على ذآر األحوال التي تطابق تماما

ت بما تمخضت عنه تلك األحوال من إهالك الكفرة والظالمين، أحوال مسلمى مكة وآفارها، ثم تذآر هذه اآليافكانت في هذه القصص إشارات واضحة إلى فشل أهل مكة في . الصالحين األرض والدياراهللا وإيراث عباد

. المستقبل، ونجاح المسلمين مع نجاح الدعوة اإلسالمية

ولقد سبقت آلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم { : قال تعالى وفي هذه الفترات نزلت آيات تصرح ببشارة غلبة المؤمنين،ن أفبعذابنا يستعجلون لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرو

} سيهزم الجمع ويولون الدبر { : ،وقال ] 177 : 171 : الصافات [ } زل بساحتهم فساء صباح المنذرينفإذا ن : لى الحبشةونزلت في الذين هاجروا إ . ]11 : ص [ } جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب { : ، وقال ] 45 : القمر [ } آبر لو آانوا يعلمونوالذين هاجروا في اهللا من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر اآلخرة أ { } ي يوسف وإخوته آيات للسائلينلقد آان ف { : في طيهااهللا وسألوه عن قصة يوسف فأنزل . ] 41 : النحل [ أي فأهل مكة السائلون يالقون ما القى إخوانه من الفشل، ويستسلمون آاستسالمهم، وقال وهو يذآر . ] 7 : يوسف [

دن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين وقال الذين آفروا لرسلهم لنخرجنـكم من أرضنآ أو لتعو { : الرسلوحينما آانت الحرب . ] 14، 13 : إبراهيم [ } ولنسكننـكم األرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد

حبون غلبة الفرس لكونهم مشرآين، والمسلمون يحبون غلبة مشتعلة بين الفرس والرومان، وآان الكفار ياهللا والرسل والوحى والكتب واليوم اآلخر، وآانت الفرس يغلبون ويتقدمون، أنزل اهللا الرومان لكونهم مؤمنين ب

بشارة بغلبة الروم في بضع سنين، ولكنه لم يقتصر على هذه البشارة الواحدة، بل صرح ببشارة أخرى، وهي . ] 5، 4 : الروم [ } ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر اهللا { : للمؤمنين حيث قال اهللانصر

عليه وسلم نفسه يقـوم بمـثل هذه البشارات بين آونـة وأخـرى، فكـان إذا وافي الموسم، اهللا صلى اهللا وآان رسول

جاز لتبليغ الرسالة، لـم يكـن يبشرهم بالجـنة فحسب، بل يقول لهم وقـام بـين الناس في عكاظ، ومجنة، وذى المتفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم آنتم اهللا ال إله إال : يأيها الناس، قولوا ( : بكل صراحة

. ) ملوآا في الجنة

ن ربيعة حين أراد مساومته على رغائب الدنيا، وما فهمه عليه وسلم عتبة باهللا وقد أسلفنا ما أجاب به النبي صلى . ورجاه عتبة من ظهور أمره عليه الصالة والسالم

عليه وسلم آخر وفد جاء إلى أبي طالب، فقد صرح لهم أنه يطلب منهم آلمة اهللا وآذلك ما أجاب به النبي صلى

. واحدة يعطونها تدين لهم بها العرب، ويملكون العجم عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من اهللا أتيت النبي صلى : ل خباب بن األرتوقا

لقد آان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما ( : ، فقعد، وهو محمر وجهه، فقالاهللا أال تدعو : المشرآين شدة، فقلت

هذا األمر حتى يسير الراآب من صنعاء إلى هللا ادون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن ) ولكنكم تستعجلون ( : وفي رواية ) ـ زاد بيان الراوى ـ والذئب على غنمهاهللا حضرموت ما يخاف إال

ولم تكن هذه البشارات مخفية مستورة، بل آانت فاشية مكشوفة، يعلمها الكفرة، آما آان يعلمها المسلمون، حتى

قد جاءآم : عليه وسلم تغامزوا بهم، وقالوااهللا ن المطلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي صلى آان األسود ب . ملوك األرض الذين يرثون آسرى وقيصر، ثم يصفرون ويصفقون

وأمام هذه البشارات بالمستقبل المجيد المستنير في الدنيا، مع ما فيه من الرجاء الصالح الكبير البالغ إلى النهاية في الفوز بالجنة آان الصحابة يرون أن االضطهادات التي تتوالى عليهم من آل جانب، والمصائب التي تحيط

. ) سحابة صيف عن قليل تقشع ( : بهم من آل األرجاء ليست إال

عليه وسلم يغذى أرواحهم برغائب اإليمان، ويزآى نفوسهم بتعليم الحكمة اهللا هذا ولم يزل الرسول صلى لقرآن، ويربيهم تربية دقيقة عميقة، يحدو بنفوسهم إلى منازل سمو الروح، ونقاء القلب، ونظافة الخلق، وا

والتحرر من سلطان الماديات، والمقاومة للشهوات، والنزوع إلى رب األرض والسموات، ويذآى جمرة قلوبهم، فازدادوا رسوخا . جميل، وقهر النفسويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويأخذهم بالصبر على األذى، والصفح ال

في الدين،وعزوفا عن الشهوات، وتفانيا في سبيل المرضاة، وحنينا إلى الجنة، وحرصا على العلم، وفقها في الدين، ومحاسبة للنفس، وقهرا للنزعات وغلبة على العواطف، وتسيطرا على الثائرات والهائجات، وتقيدا

. بالصبر والهدوء والوقار

دعـوة اإلسـالم خـارج مكـة : المرحلة الثالثة

عليه وسلم في الطائف اهللا الرسول صلى

عليه وسلم إلى اهللا خرج النبي صلى ] م 619في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة [ في شوال سنة عشر من النبوة جيئة وذهوبا، ومعه مواله زيد بن حارثة، الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلا، سارها ماشيا على قدميه

. وآان آلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى اإلسالم، فلم تجب إليه واحدة منها

فلما انتهي إلى الطائف عمد ثالثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير إن ] أي يمزقها [ هو يمرط ثياب الكعبة : إلى نصرة اإلسالم، فقال أحدهم، واهللا الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى

ال أآلمك أبدا، إن آنت رسولا ألنت اهللا و : أحدا غيرك، وقال الثالثاهللا أما وجد : وقال اآلخر . أرسلكاهللا آان صلى اهللا فقام عنهم رسول . ن أآلمكما ينبغى أاهللا أعظم خطرا من أن أرد عليك الكالم، ولئن آنت تكذب على

. ] إذ فعلتم ما فعلتم فاآتموا عني [ : عليه وسلم وقال لهماهللا

عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، ال يدع أحدا من أشرافهم إال جاءه وآلمه، اهللا صلى اهللا وأقام رسول أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، وأغروا به سفهاءهم، فلما . اخرج من بالدنا : فقالوا

وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا ] أي صفين [ حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سماطين به وآان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، ولم يزل . عراقيبه، حتى اختضب نعاله بالدماء

السفهاء آذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثالثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا فلما جلس إليه . عليه وسلم إلى حبلة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جداراهللا صلى اهللا عنه، وأتى رسول

لبه آآبة وحزنا مما لقى من الشدة، وأسفا على أنه لم يؤمن واطمأن، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتالء ق : به أحد، قال

م إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوإني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، اهللا (

إن لم يكن بك علي غضب فال أبالي، ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إلى بعيد يتجهمنى ؟ وأنت ربي، إلى من تكلنىولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة من أن

. ) تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، وال حول وال قوة إال بك

خذ قطفا من هذا : عداس، وقاال له : فدعوا غالما لهما نصرانيا يقال له فلما رآه ابنا ربيعة تحرآت له رحمهما،اهللا باسم ( : عليه وسلم مد يده إليه قائلااهللا صلى اهللا فلما وضعه بين يدى رسول . العنب، واذهب به إلى هذا الرجل

. ثم أآل )

؟ من أي البالد أنت ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا ، فقال له رسول إن هذا الكالم ما يقوله أهل هذه البالد : فقال عداسمن قرية الرجل الصالح يونس : عليه وسلماهللا صلى اهللا فقال رسول . أنا نصراني من أهل نينوى : قال ؟ وما دينكذاك أخي، آان نبيا وأنا ( : ليه وسلمعاهللا صلى اهللا قال رسول ؟ وما يدريك ما يونس ابن متى : قال له . ) بن متى

. عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلهااهللا صلى اهللا ، فأآب عداس على رأس رسول ) نبي

يا سيدى، : قال ؟ ويحك ما هذا : فلما جاء عداس قاال له . أما غالمك فقد أفسده عليك : فقال ابنا ربيعة أحدهما لآلخرويحك يا عداس ، ال : ن هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر ال يعلمه إال نبى، قاال لهما في األرض شيء خير م

. يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه

عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط آئيبا محزونا آسير القلب، فلما بلغ اهللا صلى اهللا ورجع رسول . ملك الجبال، يستأمره أن يطبق األخشبين على أهل مكة إليه جبريل ومعهاهللا قرن المنازل بعث

عنها حدثته أنها قالت اهللا وقد روى البخاري تفصيل القصة ـ بسنده ـ عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي آان لقيت من قومك ما لقيت، و ( : قال ؟ هل أتى عليك يوم آان أشد عليك من يوم أحد : عليه وسلماهللا للنبى صلى

أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد آالل، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إال وأنا بقرن الثعالب ـ وهو المسمى بقرن المنازل ـ فرفعت

قد سمع قول قومك لك، وما اهللا إن : جبريل، فناداني، فقالرأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها يا محمد، : فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال . إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهماهللا ردوا عليك، وقد بعث

قبيس والذي أبو : هما جبال مكة : ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم األخشبين ـ أي لفعلت، واألخشباناهللا عز وجل من أصالبهم من يعبد اهللا بل أرجو أن يخرج : عليه وسلماهللا يقابله، وهو قعيقعان ـ قال النبي صلى

. ) عز وجل وحده ال يشرك به شيئا

ق عليه وسلم تتجلى شخصيته الفذة، وما آان عليه من الخلاهللا وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول صلى . العظيم ال يدرك غوره

عليه من فوق سبع اهللا عليه وسلم واطمأن قلبه ألجل هذا النصر الغيبى الذي أمده اهللا صلى اهللا وأفاق رسول

وفي وادى نخلة موضعان يصلحان لإلقامة . سموات، ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى نخلة، وأقام فيه أياماعليه اهللا ة ـ لما بهما من الماء والخصب، ولم نقف على مصدر يعين موضع إقامته صلى ـ السيل الكبير والزيم

. وسلم فيه

في : في موضعين من القرآناهللا إليه نفرا من الجن ذآرهم اهللا عليه وسلم هناك بعث اهللا وخالل إقامته صلى جن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى وإذ صرفنا إليك نفرا من ال { : سورة األحقاف

لى طريق يه يهدي إلى الحق وإقومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا آتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يد . ] 31 : 29 : األحقاف [ } أليممستقيم يا قومنا أجيبوا داعي اهللا وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجرآم من عذاب

ن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الج { : وفي سورة الجن

. ] 15: 1 : الجن [ إلـى تمـام اآليــة الخامـسة عشـر } ولن نشرك بربنا أحدا

اهللا ث ـ يتبين أن النبي صلى ومن سياق هذه اآليات ـ وآذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا الحادعليه اهللا عليه وسلم لم يعلم حضور ذلك النفر من الجن حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه . بهذه اآليات، وأن حضورهم هذا آان ألول مرة، ويقتضى سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مرارا

من آنوز غيبه المكنون بجنوده التي ال يعلمها إال هو، ثم إن اآليات هللا اوحقا آان هذا الحادث نصرا آخر أمده

عليه وسلم، وأن أي قوة من اهللا التي نزلت بصدد هذا الحادث آانت في طيها بشارات بنجاح دعوة النبي صلى س بمعجز في الأرض وليس له ومن لا يجب داعي اهللا فلي { : قوات الكون ال تستطيع أن تحول بينها وبين نجاحها

وأنا ظننا أن لن نعجز اهللا في الأرض ولن نعجزه { ، ]32 : األحقاف [ } من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين . ] 12 : الجن [ } هربا

البشارات، أقشعت سحابة الكآبة والحزن واليأس التي آانت مطبقة عليه منذ أن أمام هذه النصرة، وأمام هذه

خرج من الطائف مطرودا مدحورا، حتى صمم على العود إلى مكة، وعلى القيام باستئناف خطته األولى في . الخالدة بنشاط جديد وبجد وحماساهللا عرض اإلسالم وإبالغ رسالة

جاعل لما ترى اهللا يا زيد، إن ( : يعنى قريشا، فقال ؟ آيف تدخل عليهم وقد أخرجوك : وحينئذ قال له زيد بن حارثة

عليه وسلم حتى إذا دنا من مكة اهللا صلى اهللا وسار رسول . ) ناصر دينه، ومظهر نبيهاهللا فرجا ومخرجا، وإن أنا حليف، والحليف ال يجير ، فبعث : لمكث بحراء، وبعث رجلا من خزاعة إلى األخنس بن شريق ليجيره، فقا

إن بني عامر ال تجير على بني آعب، فبعث إلى المطعم بن عدى، فقال : إلى سهيل بن عمرو، فقال سهيلالبسوا السالح، وآونوا عند أرآان البيت، فإني قد أجرت محمدا، : نعم ، ثم تسلح ودعا بنيه وقومه ، فقال : المطعم

عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة اهللا صلى اهللا أن ادخل، فدخل رسول : عليه وسلماهللا صلى اهللا ثم بعث إلى رسوليا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا : حتى انتهي إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدى على راحلته فنادى

استلمه، وطاف بالبيت، وصلى رآعتين، عليه وسلم إلى الرآن فاهللا صلى اهللا فال يهجه أحد منكم، وانتهي رسول . وانصرف إلى بيته، ومطعم بن عدى وولده محدقون به بالسالح حتى دخل بيته

. قد أجرنا من أجرت : قال . بل مجير : قال . ؟ أمجير أنت أم متابع ـ مسلم : إن أبا جهل سأل مطعما : وقيل

لو آان المطعم بن عدى حيا ( : لمطعم هذا الصنيع، فقال في أسارى بدرعليه وسلم لاهللا صلى اهللا وقد حفظ رسول

. ) ثم آلمنى في هؤالء النتنى لترآتهم له

عرض اإلسالم علي القبائل واألفراد القبائل التي عرض عليها اإلسالم

المؤمنون من غير أهل مكة ست نسمات طيبة من أهل يثرب

استطراد

عرض اإلسالم علي القبائل واألفراد

يه علاهللا صلى اهللا م ـ عاد رسول 619في ذى القعدة سنة عشر من النبوة ـ في أواخر يونيو أو أوائل يوليو سنة وسلم إلى مكة؛ ليستأنف عرض اإلسالم على القبائل واألفراد، والقتراب الموسم آان الناس يأتون إلى مكة

في اهللا رجاال، وعلى آل ضامر يأتين من آل فج عميق ألداء فريضة الحج، وليشهدوا منافع لهم، ويذآروا اسم ة، فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم اإلسالم عليه وسلم هذه الفرصاهللا صلى اهللا أيام معلومات، فانتهز رسول

ويدعوهم إليه ، آما آان يدعوهم منذ السنة الرابعة من النبوة ، وقد بدأ يطلب منهم من هذه السنة ـ العاشرة ـ أن . بهاهللا يؤووه وينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما بعثه

القبائل التي عرض عليها اإلسالم

عليه وسلم، ودعاهم وعرض نفسه اهللا صلى اهللا يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول وآان ممن : قال الزهرىبنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة، وفزارة، وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعبس، وبنو : عليهم

. يستجب منهم أحد نصر، وبنو البكاء، وآندة، وآلب، والحارث بن آعب، وعذرة، والحضارمة، فلم

وهذه القبائل التي سماها الزهرى لم يكن عرض اإلسالم عليها في سنة واحدة وال في موسم واحد، بل إنما آان ما وال يمكن تسمية سنة معينة لعرض اإلسالم على قبيلة . بين السنة الرابعة من النبوة إلى آخر موسم قبل الهجرة

. ة العاشرةمعينة، ولكن األآثر آان في السن

أما آيفية عرض اإلسالم على هذه القبائل، وآيف آانت ردودهم على هذا العرض فقد ذآرها ابن إسحاق، : ونلخصها فيما يلي

وعرض عليهم اهللا ، فدعاهم إلى اهللا بنو عبد : عليه وسلم إلى بطن منهم يقال لهماهللا أتى النبي صلى : ـ بنو آلب 1

. ، فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم ) قد أحسن اسم أبيكماهللا ، إن اهللا يا بني عبد ( : ول لهمنفسه، حتى إنه ليق، وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردا اهللا أتاهم في منازلهم فدعاهم إلى : ـ بنو حنيفة 2

. منهمرجل [ ، وعرض عليهم نفسه، فقال بيحرة بن فراس اهللافدعاهم إلى : ـ وأتى إلى بني عامر بن صعصعة 3

أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم : ، لو إني أخذت هذا الفتى من قريش ألآلت به العرب، ثم قالاهللا و : ] منهمأفتهدف : فقال له ، ) ، يضعه حيث يشاءاهللا األمر إلى ( : قال ؟ على من خالفك أيكون لنا األمر من بعدكاهللا أظهرك

. آان األمر لغيرنا، ال حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليهاهللا نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك

جاءنا فتى من قريش من بني : ولما رجعت بنو عامر تحدثوا إلى شيخ لهم لم يواف الموسم لكبر سنه، وقالوا لهه ونقوم معه، ونخرج به إلى بالدنا، فوضع الشيخ يديه على رأسه عبد المطلب يزعم أنه نبى، يدعونا إلى أن نمنع

والذي نفس فالن بيده ما تقولها إسماعيلى قط، ؟ هل لذناباها من مطلب ؟ يا بني عامر وهل لها من تالف : ثم قال . ؟ وإنها لحق، فأين رأيكم آان عنكم

المؤمنون من غير أهل مكة عليه وسلم اإلسالم على القبائل والوفود، عرض على األفراد واألشخاص، اهللا صلى اهللا وآما عرض رسول

: وحصل من بعضهم على ردود صالحة، وآمن به عدة رجال بعد هذا الموسم بقليل، وهاك نبذة منهم : ـ سويد بن الصامت 1

شعره وشرفه ونسبه، جاء مكة حاجا أو معتمرا، لجلده و ] الكامل [ آان شاعرا لبيبا، من سكان يثرب، يسميه قومه صلى اهللا فقال له رسول . لعل الذي معك مثل الذي معى : عليه وسلم إلى اإلسالم، فقالاهللا صلى اهللا فدعاه رسول

اهللا صلى اهللا رسول فعرضها، فقال له . ) اعرضها علي ( : قال . حكمة لقمان : قال ) ؟ وما الذي معك ( : عليه وسلماهللا ، فتال ) تعالى علي، هو هدى ونوراهللا إن هذا لكالم حسن، والذي معى أفضل من هذا؛ قرآن أنزله ( : عليه وسلم

فلما قدم المدينة . إن هذا لقول حسن : عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى اإلسالم، فأسلم، وقالاهللا صلى اهللا عليه رسول واألغلب أنه أسلم في أوائل السنة الحادية عشرة . وقعة بين األوس والخزرج قبل يوم بعاثلم يلبث أن قتل في

. من النبوة : ـ إياس بن معاذ 2

آان غالما حدثا من سكان يثرب، قدم في وفد من األوس، جاءوا يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من من النبوة؛ إذ آانت نيران العداوة متقدة في يثرب بين 11الخزرج، وذلك قبيل حـرب بعاث في أوائل سنة

عليه وسلم بمقدمهم جاءهم، فجلس اهللا صلى اهللا القبيلتين ـ وآان األوس أقل عددا من الخزرج ـ فلما علم رسول عثنى إلى العباد، أدعوهم ، باهللا أنا رسول ( : قال ؟ وما ذاك : فقالوا ) ؟ هل لكم في خير مما جئتم له ( : إليهم، وقال لهمفقال إياس . ، ثم ذآر لهم اإلسالم، وتال عليهم القرآن ) وال يشرآوا به شيئا، وأنزل علي الكتاباهللا إلى أن يعبدوا

خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع ـ رجل من الوفد ـ حفنة من تراب اهللا أي قوم، هذا و : بن معاذاهللا صلى اهللا دعنا فلعمرى لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس، وقام رسول : ا وجه إياس، وقالالبطحاء فرمى به

. عليه وسلم، وانصرفوا إلى المدينة من غير أن ينجحوا في عقد حلف مع قريش

وبعد رجوعهم إلى يثرب لم يلبث إياس أن هلك، وآان يهلل ويكبر ويحمد ويسبح عند موته، فال يشكون أنه مات . مسلما

: ـ أبو ذر الغفاري 3

عليه وسلم بسويد بن الصامت اهللا وآان من سكان نواحي يثرب، ولعله لما بلغ إلى يثرب خبر مبعث النبي صلى . وإياس بن معاذ، وقع في أذن أبي ذر أيضا، وصار سببا إلسالمه

غفار، فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبى، آنت رجلا من : قال أبو ذر : روى البخاري عن ابن عباس قال

، اهللا و : فقال ؟ ما عندك : انطلق إلى هذا الرجل وآلمه، وائتنى بخبره، فانطلق فلقيه، ثم رجع، فقلت : فقلت ألخيبلت إلى لم تشفنى من الخبر، فأخذت جرابا وعصا، ثم أق : لقد رأيت رجلا يأمر بالخير، وينهي عن الشر، فقلت له

: فقال . فمر بى علي : قال . مكة، فجعلت ال أعرفه، وأآره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأآون في المسجدفانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه ال يسألنى عن شيء وال أسأله وال : فقال . نعم : قلت : قال ؟ آأن الرجل غريب

أما : فمر بى علي فقال : قال . سجد ألسأل عنه، وليس أحد يخبرنى عنه بشيءفلما أصبحت غدوت إلى الم . أخبره : قال ؟ وما أقدمك هذه البلدة ؟ ما أمرك : فقال : فانطلق معي، قال : قال . ال : قلت : قال ؟ نال للرجل يعرف منزله بعد

، اهللا بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبى : له قلت : فإني أفعل، قال : إن آتمت علي أخبرتك، قال : قلت له . فأرسلت أخي يكلمه فرجع ولم يشفنى من الخبر، فأردت أن ألقاه

هذا وجهي إليه، ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط . أما إنك قد رشدت : فقال له

عليه اهللا يت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صلى فمضى ومض . آإني أصلح نعلى، وامض أنتيا أبا ذر، اآتم هذا األمر، وارجع إلى ( : فعرضه، فأسلمت مكإني ، فقال لي . اعرض علي اإلسالم : فقلت له . وسلم

سجد، والذي بعثك بالحق ألصرخن بها بين أظهرهم، فجئت إلى الم : فقلت . ) بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبلقوموا : ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فقالوااهللا يا معشر قريش، إني أشهد أن ال إله إال : وقريش فيه ، فقلت

ويلكم تقتلون رجلا : فقاموا، فضربت ألموت، فأدرآنى العباس فأآب علي، ثم أقبل عليهم فقال . إلى هذا الصابئ . فلما أن أصبحت الغد، رجعت، فقلت مثل ما قلت باألمس . فأقلعوا عنى ومتجرآم وممرآم على غفار، ؟ من غفارقوموا إلى هذا الصابئ، فصنع بي ما صنع باألمس، فأدرآني العباس، فأآب علي وقال مثل مقالته : فقالوا

. باألمس : ـ طفيل بن عمرو الدوسى 4

وس، وآانت لقبيلته إمارة أو شبه إمارة في بعض نواحى اليمن، قدم آان رجلا شريفا، شاعرا لبيبا، رئيس قبيلة ديا : من النبوة، فاستقبله أهلها قبل وصوله إليها، وبذلوا له أجل تحية وأآرم تقدير، وقالوا له 11مكة في عام

، وإنما طفيل، إنك قدمت بالدنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرناقوله آالسحر، يفرق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه ، وبين الرجل وزوجـه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك

. ما قد دخل علينا، فال تكلمه وال تسمعن منه شيئا

ى ما زالوا بي حتى أجمعت أال أسمع منه شيئا، وال أآلمه، حتى حشوت أذنى حين غدوت إلاهللا فو : يقول طفيلفغدوت إلى المسجد فإذا هو قائم يصلى عند الكعبة، : المسجد آرسفا؛ فرقا من أن يبلغنى شيء من قوله، قال

إني اهللا واثكل أمي، و : إال أن يسمعنى بعض قوله، فسمعت آالما حسنا، فقلت في نفسىاهللا فقمت قريبا منه، فأبي فإن آان حسنا ؟ ح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقولرجل لبيب شاعر؛ ما يخفي علي الحسن من القبي

قبلته، وإن آان قبيحا ترآته، فمكثت حتى انصرف إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فعرضت اعرض علي : عليه قصة مقدمى، وتخويف الناس إياي، وسد األذن بالكرسف، ثم سماع بعض آالمه، وقلت له

ما سمعت قولا قط أحسن منه، وال أمرا أعدل منه، فأسلمت اهللا فو . فعرض علي اإلسالم، وتال علي القرآن أمرك،أن يجعل لى اهللا إني مطاع في قومى، وراجع إليهم، وداعيهم إلى اإلسالم، فادع : وشهدت شهادة الحق، وقلت له

. آية، فدعا

أخشى أن . م في غير وجهياهللا : نورا في وجهه مثل المصباح، فقال اهللاوآانت آيته أنه لما دنا من قومه جعل هذه مثلة، فتحول النور إلى سوطه، فدعا أباه وزوجته إلى اإلسالم فأسلما، وأبطأ عليه قومه في اإلسالم، : يقولوا

ي اإلسالم بالء حسنا، لكن لم يزل بهم حتى هاجر بعد الخندق، ومعه سبعون أو ثمانون بيتا من قومه، وقد أبلى ف . وقتل شهيدا يوم اليمامة

: ـ ضماد األزدى 5

إن محمدا مجنون، : آان من أزد شنوءة من اليمن، وآان يرقى من هذا الريح، قدم مكة فسمع سفهاءها يقولون ؟ ني أرقى من هذا الريح، فهل لكيا محمد، إ : يشفيه على يدى، فلقيه، فقالاهللا لو إني أتيت هذا الرجل لعل : فقال

فال مضل له، ومن يضلله فال اهللا إن الحمد هللا نحمده ونستعينه، من يهده ( : عليه وسلماهللا صلى اهللا فقال رسول . ) أما بعد . وحده ال شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسولهاهللا هادى له، وأشهد أن ال إله إال

لقد سمعت قول : عليه وسلم ثالث مرات، فقالاهللا صلى اهللا لماتك هؤالء، فأعادهن عليه رسول أعد علي آ : فقالالكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل آلماتك هؤالء، ولقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك

. على اإلسالم، فبايعه

ست نسمات طيبة من أهل يثرب م ـ وجدت الدعوة اإلسالمية بذورا صالحة، سرعان ما 620من النبوة ـ يوليو سنة 11سنة وفي موسم الحج من

تحولت إلى شجرات باسقات، اتقى المسلمون في ظاللها الوارفة لفحات الظلم والعدوان حتى تغير مجرى . األحداث وتحول خط التاريخ

أنه آان اهللا أهل مكة من التكذيب والصد عن سبيل عليه وسلم إزاء ما آان يلقى من اهللا وآان من حكمته صلى

. يخرج إلى القبائل في ظالم الليل، حتى ال يحول بينه وبينهم أحد من أهل مكة المشرآين

وقد دارت بين أبي . فخرج ليلة ومعه أبو بكر وعلى، فمر على منازل ذهل وشيبان بن ثعلبة ، وآلمهم في اإلسالمأسئلة وردود طريفة، وأجاب بنو شيبان بأرجى األجوبة، غير أنهم توقفوا في قبول بكر وبين رجل من ذهل

. اإلسالم

عليه وسلم بعقبة منى، فسمع أصوات رجال يتكلمون فعمدهم حتى لحقهم، وآانوا ستة اهللا صلى اهللا ثم مر رسول : نفر من شباب يثرب آلهم من الخزرج، وهم

. ] ي النجارمن بن [ ـ أسعد بن زرارة 1 . ] من بني النجار [ ـ عوف بن الحارث بن رفاعة ابن عفراء 2 . ] من بني زريق [ ـ رافع بن مالك بن العجالن 3 . ] من بني سلمة [ ـ قطبة بن عامر بن حديدة 4 . ] من بني حرام بن آعب [ ـ عقبة بن عامر بن نابي 5 . ] من بني عبيد بن غنم [ بن رئاب اهللا عبد ـ جابر بن 6

وآان من سعادة أهل يثرب أنهم آانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة، إذا آان بينهم شيء، أن نبيا من . األنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج، فنتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم

) ؟ من موالى اليهود ( : نفر من الخزرج، قال : قالوا ) ؟ من أنتم ( : عليه وسلم قال لهماهللا صلى اهللا فلما لحقهم رسول بلى، فجلسوا معه، فشرح لهم حقيقة اإلسالم ودعوته، : قالوا ) ؟ أفال تجلسون أآلمكم ( : قال . نعم : أي حلفائهم، قالوا

يا قوم، إنه للنبى الذي توعدآم به اهللا تعلمون و : فقال بعضهم لبعض . عز وجل، وتال عليهم القرآناهللا ودعاهم إلى . يهود، فال تسبقنكم إليه، فأسرعوا إلى إجابة دعوته، وأسلموا

وآانوا من عقالء يثرب، أنهكتهم الحرب األهلية التي مضت قريبا، والتي ال يزال لهيبها مستعرا، فأملوا أن تكون

إنا قد ترآنا قومنا وال قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم : رب، فقالوادعوته سببا لوضع الحاهللا بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم اهللا

. عليك فال رجل أعز منك

سالة اإلسالم، حتى لم تبق دار من دور األنصار إال وفيه ذآر رسول ولما رجع هؤالء إلى المدينة حملوا إليها ر . عليه وسلماهللا صلى اهللا

عليه وسلم بعائشة اهللا صلى اهللا استطراد ـ زواج رسول اهللا عليه وسلم عائشة الصديقة رضي اهللا صلى اهللا من النبوة ـ تزوج رسول 11وفي شوال من هذه السنة ـ سنة

. ست سنين وبني بها بالمدينة في شوال في السنة األولى من الهجرة وهي بنت تسع سنين عنها وهي بنت

اإلســراء والمعــراج

عليه وسلم يمـر بهذه المرحلة، وأخذت الدعوة تشق طريقا بين النجاح واالضطهـاد، اهللا وبينما النبي صلى واختلف في تعيين زمنه على أقوال . راء والمعـراجوبـدأت نجـوم األمل تتلمح في آفاق بعيدة، وقع حادث اإلس

: شتى . فيها بالنبوة، واختاره الطبرىاهللا آان اإلسراء في السنة التي أآرمه : ـ فقيل 1 . آان بعد المبعث بخمس سنين، رجح ذلك النووى والقرطبى : ـ وقيل 2 . من النبوة 10 آان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة : ـ وقيل 3 . من النبوة 12قبل الهجرة بستة عشر شهرا، أي في رمضان سنة : ـ وقيل 4 . من النبوة 13قبل الهجرة بسنة وشهرين، أي في المحرم سنة : ـ وقيل 5 . من النبوة 13قبل الهجرة بسنة، أي في ربيع األول سنة : ـ وقيل 6

عنها توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة، وآانت وفاتها اهللا ول بأن خديجة رضي وردت األقوال الثالثة األأما األقوال الثالثة . وال خالف أن فرض الصلوات الخمس آان ليلة اإلسراء . قبل أن تفرض الصلوات الخمس

. ء متأخر جداالباقية فلم أجد ما أرجح به واحدا منها، غير أن سياق سورة اإلسراء يدل على أن اإلسرا

: وروى أئمة الحديث تفاصيل هذه الوقعة، وفيما يلي نسردها بإيجاز

عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، اهللا صلى اهللا أسرى برسول : قال ابن القيمباألنبياء إماما، وربط البراق راآبا على البراق، صحبة جبريل عليهما الصالة والسالم، فنزل هناك، وصلى

. بحلقة باب المسجد

ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له، فرأي هنالك آدم أبا البشر، ء عن أرواح السعداء عن يمينه، وأرواح األشقيااهللا فسلم عليه، فرحب به ورد عليه السالم، وأقر بنبوته، وأراه

. يساره

ثم عرج به إلى السماء الثانية، فاستفتح له، فرأي فيها يحيى بن زآريا وعيسى ابن مريم، فلقيهما وسلم عليهما، . فردا عليه ورحبا به، وأقرا بنبوته

. ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأي فيها يوسف، فسلم عليه فرد عليه ورحب به، وأقر بنبوته . إلى السماء الرابعة، فرأي فيها إدريس، فسلم عليه، فرد عليه، ورحب به، وأقر بنبوته ثم عرج به

. ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فرأي فيها هارون بن عمران، فسلم عليه، فرد عليه ورحب به، وأقر بنبوته . ليه ورحب به، وأقر بنبوتهثم عرج به إلى السماء السادسة، فلقى فيها موسى بن عمران، فسلم عليه، فرد ع

أبكى؛ ألن غالما بعث من بعدى يدخل الجنة من أمته أآثر مما : فقال ؟ ما يبكيك : فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له . يدخلها من أمتى

. نبوتهثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقى فيها إبراهيم عليه السالم، فسلم عليه، فرد عليه، ورحب به، وأقر ب

ثم رفع إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قالل هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، ثم غشيها فراش من ذهب،

ثم رفع له البيت المعمور، وإذا هو . يستطيع أن يصفها من حسنهااهللا ونور وألوان، فتغيرت، فما أحد من خلق وعرج . ثم أدخل الجنة، فإذا فيها حبائل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك . دونيدخله آل يوم سبعون ألف ملك ثم ال يعو

. به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف األقالم

ثم عرج به إلى الجبار جل جالله، فدنا منه حتى آان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض إن أمتك ال : قال . ] بخمسين صالة[ : قال ؟ بم أمرك ربك : قال لهعليه خمسين صالة، فرجع حتى مر على موسى ف

أن نعم إن : تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ألمتك، فالتفت إلى جبريل، آأنه يستشيره في ذلك، فأشاري بعض الطرق ـ شئت، فعال به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى، وهو في مكانه ـ هذا لفظ البخاري ف

ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فلم يزل يتردد بين : فوضع عنه عشرا، ثم أنزل حتى مر بموسى، فأخبره، فقالقد استحييت من [ : عز وجل، حتى جعلها خمسا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقالاهللا موسى وبين

. انتهي . قد أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى : د، فلما بعد نادى منا ] ربي، ولكني أرضى وأسلم

عليه وسلم ربه تبارك وتعالى، ثم ذآر آالما البن تيمية بهذا الصدد، اهللا ثم ذآر ابن القيم خالفا في رؤيته صلى ن وما نقل عن ابن عباس م . وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصلا، وهو قول لم يقله أحد من الصحابة

. رؤيته مطلقا ورؤيته بالفؤاد فاألول ال ينافي الثاني

فهو غير الدنو الذي في قصة اإلسراء، فإن ] 8 : النجم [ } ثم دنا فتدلى { : وأما قوله تعالى في سورة النجم : ثم قالياق يدل عليه، وأما الدنو والتدلى الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، آما قالت عائشة وابن مسعود، والس

في حديث اإلسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، وال تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيه : عليه وسلم على صورته مرتيناهللا وهذا هو جبريل، رآه محمد صلى . أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى

. انتهى . أعلماهللا درة المنتهى، ومرة في األرض، ومرة عند س

عليه اهللا عليه وسلم شق في هذه المرة أيضا، وقد رأى النبي صلى اهللا وقد جاء في بعض الطرق أن صدره صلى : وسلم في هذه الـرحلة أمورا عديدة

لو أخذت الخمر غوت هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك : عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل

. أمتك

النيل : نهران ظاهران ونهران باطنان، فالظاهران هما : ورأي أربعة أنهار يخرجن من أصل سدرة المنتهىولعل رؤية النيل والفرات آانت إشارة إلى تمكن اإلسالم من . نهران في الجنة : والباطنان . والفرات، عنصرهما . أعلماهللا هذين القطرين، و

. ورأى مالكا خازن النار، وهو ال يضحك، وليس على وجهه بشر وال بشاشة، وآذلك رأي الجنة والنار

ورأى أآلة أموال اليتامى ظلما لهم مشافر آمشافر اإلبل، يقذفون في أفواههم قطعا من نار آاألفهار، فتخرج من

. أدبارهم

ألجلها أن يتحولوا عن أماآنهم، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون ورأى أآلة الربا لهم بطون آبيرة ال يقدرون . على النار فيطأونهم

ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب، إلى جنبه لحم غث منتن، يأآلون من الغث المنتن، ويترآون الطيب

. السمين

. ات بثديهنورأى النساء الالتى يدخلن على الرجال من ليس من أوالدهم، رآهن معلق

ورأى عيرا من أهل مكة في اإلياب والذهاب، وقد دلهم على بعير ند لهم، وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم . نائمون، ثم ترك اإلناء مغطى، وقد صار ذلك دليلا على صدق دعواه في صباح ليلة اإلسراء

عز وجل من آياته اهللا في قومه أخبرهم بما أراه عليه وسلم اهللا صلى اهللا فلما أصبح رسول : قال ابن القيم

له، حتى اهللا الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجاله عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، وال يستطيعون أن يردوا عليه شيئا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه،

دومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وآان األمر آما قال، فلم يزدهم ذلك إال نفورا، وأخبرهم عن وقت ق . وأبي الظالمون إال آفورا

. عنه صديقا؛ لتصديقه هذه الوقعة حين آذبها الناساهللا سمى أبو بكر رضي : يقال

في اهللا وهذه سنة ] 1 : اإلسراء [ } لنريه من آياتنا { : وأوجز وأعظم ما ورد في تعليل هذه الرحلة هو قوله تعالى

، وقال ] 75 : األنعام [ } وآذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات واألرض وليكون من الموقنين { : األنبياء، قالوليكون من { : ، وقد بين مقصود هذه اإلراءة بقوله ] 23 : طه [ } ا الكبرىلنريك من آياتن { : لموسى عليه السالم

فبعد استناد علوم األنبياء إلى رؤية اآليات يحصل لهم من عين اليقين ما ال يقادر قدره، وليس الخبر } الموقنينجميع قوات الدنيا عندهم آجناح بعوضة ال ما ال يتحمل غيرهم، وتصير اهللا آالمعاينة، فيتحملون في سبيل

. يعبأون بها إذا ما تدول عليهم بالمحن والعذاب

والحكم واألسرار التي تكمن وراء جزئيات هذه الرحلة إنما محل بحثها آتب أسرار الشريعة، ولكن هنا حقائق ة النبوية ـ على صاحبها الصالة بسيطة تتفجر من ينابيع هذه الرحلة المبارآة، وتتدفق إلى حدائق أزهار السير

: والسالم والتحية ـ أرى أن أسجل بعضا منها باإليجاز

ذآر قصة اإلسراء في آية واحدة فقط، ثم أخذ في ذآر فضائح اليهود اهللا يرى القارئ في سورة اإلسراء أن يتين ليس بينهما ارتباط، وجرائمهم، ثم نبههم بأن هذا القرآن يهدى للتى هي أقوم، فربما يظن القارئ أن اآل

تعالى يشير بهذا األسلوب إلى أن اإلسراء إنما وقع إلى بيت المقدس؛ ألن اليهود اهللا واألمر ليس آذلك، فإن سيعزلون عن منصب قيادة األمة اإلنسانية؛ لما ارتكبوا من الجرائم التي ال مجال بعدها لبقائهم على هذا

عليه وسلم ويجمع له مرآزى الدعوة اهللا فعال إلى رسوله صلى سينقل هذا المنصباهللا المنصب، وإن اإلبراهيمية آليهما، فقد آن أوان انتقال القيادة الروحية من أمة إلى أمة؛ من أمة مألت تاريخها بالغدر والخيانة

. لتى هي أقومواإلثم والعدوان، إلى أمة تتدفق بالبر والخيرات، وال يزال رسولها يتمتع بوحى القرآن الذي يهدى ل

هذا السؤال يكشف الغطاء عن ؟ ولكن آيف تنتقل هذه القيادة، والرسول يطوف في جبال مكة مطرودا بين الناسحقيقة أخرى، وهي أن عهدا من هذه الدعوة اإلسالمية قد أوشك إلى النهاية والتمام، وسيبدأ عهد آخر جديد

يات تشتمل على إنذار سافر ووعيد شديد بالنسبة إلى يختلف عن األول في مجراه، ولذلك نرى بعض اآلا تدميرا وآم أهلكنا من وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناه { المشرآين

وبجنب هذه اآليات آيات أخرى ] 17، 16 : اإلسراء [ } فى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيراالقرون من بعد نوح وآتبين للمسلمين قواعد الحضارة وبنودها ومبادئها التي يبتنى عليها مجتمعهم اإلسالمى، آأنهم قد أووا إلى أرض

متماسكة تدور عليها رحى المجتمع، ففيه إشارة إلى أن امتلكوا فيها أمورهم من جميع النواحى، وآونوا وحدةهذا . عليه وسلم سيجد ملجأ ومأمنا يستقر فيه أمره، ويصير مرآزا لبث دعوته في أرجاء الدنيااهللا الرسول صلى

. سر من أسرار هذه الرحلة المبارآة، يتصل ببحثنا فآثرنا ذآره

. أعلماهللا راء إنما وقع إما قبيل بيعة العقبة األولى أو بين العقبتين، ووألجل هذه الحكمة وأمثالها نرى أن اإلس

بيعة العقبة األولى سالم في المدينة سفير اإل

النجاح المغتبط بيعة العقبة الثانية

بداية المحادثة وتشريح العباس لخطورة المسئولية بنود البيعة

من خطورة البيعة التأآيد عقد البيعة

اثنا عشر نقيبا شيطان يكتشف المعاهدة

استعداد األنصار لضرب قريش رؤساء يثرب قريش تقدم االحتجاج إلى

تأآد الخبر لدى قريش ومطاردة المبايعين

بيعة العقبة األولى

عليهاهللا صلى اهللا من النبوة، ووعدوا رسول 11قد ذآرنا أن ستة نفر من أهل يثرب أسلموا في موسم الحج سنة . وسلم بإبالغ رسالته في قومهم

م ـ اثنا عشر 621من النبوة، يوليو سنة 12وآان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالي ـ موسم الحج سنة

عليه وسلم في العام السابق ـ والسادس اهللا صلى اهللا رجلا، فيهم خمسة من الستة الذين آانوا قد التقوا برسول : بن رئاب ـ وسبعة سواهم، وهماهللا بن عبد الذي لم يحضر هو جابر

] من الخزرج [ ـ معاذ بن الحارث، ابن عفراء من بني النجار 1 ] من الخزرج [ . ـ ذآوان بن عبد القيس من بني زريق 2 ] من الخزرج [ ـ عبادة بن الصامت من بني غنم 3 ] ن الخزرجم [ ـ يزيد بن ثعلبة من حلفاء بني غنم 4 ] من الخزرج [ ـ العباس بن عبادة بن نضلة من بني سالم 5 . ] من األوس [ ـ أبو الهيثم بن التيهان من بني عبد األشهل 6 . ] من األوس [ ـ عويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف 7

. األخيران من األوس، والبقية آلهم من الخزرج عليه وسلم عند العقبة بمنى فبايعوه بيعة النساء، أي وفق بيعتهن التي نزلت بعد اهللا صلى اهللا لتقى هؤالء برسول ا

. الحديبية

تعالوا بايعوني على أال تشرآوا [ : عليه وسلم قالاهللا صلى اهللا روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول ، وال تقتلوا أوالدآم، وال تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، وال تعصوني شيئا، وال تسرقوا، وال تزنوااهللا ب

، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا، فهو له آفارة، ومن اهللا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على : فبايعته ـ وفي نسخة : قــال . ] ه؛ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عـناهللا ، فأمـره إلى اهللا أصاب من ذلك شيئا فستره

. فبايعناه ـ على ذلك

سفير اإلسالم في المدينة عليه وسلم مع هؤالء المبايعين أول سفير في يثرب؛ اهللا وبعد أن تمت البيعة وانتهى الموسم بعث النبي صلى

سالم بين الذين لم يزالوا على الشرك، ليعلم المسلمين فيها شرائع اإلسالم، ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر اإل

اهللا واختار لهذه السفارة شابا من شباب اإلسالم من السابقين األولين، وهو مصعب بن عمير العبدرى رضي . عنه

النجاح المغتبط نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة، وأخذا يبثان اإلسالم في أهل يثرب بجد وحماس، وآان مصعب

. يعرف بالمقرئ

ومن أروع ما يروى من نجاحه في الدعوة أن أسعد بن زرارة خرج به يوما يريد دار بني عبد األشهل ودار بني بئر مرق، واجتمع إليهما رجال من : ظفر، فدخال في حائط من حوائط بني ظفر، وجلسا على بئر يقال لها

ضير سيدا قومهما من بني عبد األشهل يومئذ على الشرك ـ فلما سمعا بذلك المسلمين ـ وسعد بن معاذ وأسيد بن حاذهب إلى هذين اللذين قد أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإن أسعد : قال سعد ألسيد

. بن زرارة ابن خالتي، ولوال ذلك لكفيتك هذا

: فيه، قال مصعباهللا هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق : ا رآه أسعد قال لمصعبفأخذ أسيد حربته وأقبل إليهما، فلماعتزالنا إن آانت ؟ تسفهان ضعفاءنا ؟ ما جاء بكما إلينا : وجاء أسيد فوقف عليهما متشتما، وقال . إن يجلس أآلمه

وإن آرهته آف عنك ما تكره، أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، : لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعبلعرفنا في وجهه اهللا فو : قال . أنصفت، ثم رآز حربته وجلس، فكلمه مصعب باإلسالم، وتال عليه القرآن : فقال

آيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في ؟ ما أحسن هذا وأجمله : اإلسالم قبل أن يتكلم، في إشراقه وتهلله، ثم قال ؟ هذا الدين

فقام واغتسل، وطهر ثوبه وتشهد وصلى . تغتسل، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى رآعتين : لهقاال

إن ورائى رجلا إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرشده إليكما اآلن ـ سعد بن معاذ ـ : رآعتين، ثم قاللقد جاءآم بغير الوجه اهللا أحلف ب : فقال سعد . يهمثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد في قومه، وهم جلوس في ناد

. الذي ذهب به من عندآم

ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما اهللا آلمت الرجلين، فو : فقال ؟ ما فعلت : فلما وقف أسيد على النادى قال له سعد . نفعل ما أحببت : فقاال

. زرارة ليقتلوه ـ وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ـ ليخفروكوقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن

فقام سعد مغضبا للذى ذآر له، فأخذ حربته، وخرج إليهما، فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن بينى وبينك من القرابة ما يا أبا أمامة، لوال مااهللا و : يسمع منهما، فوقف عليهما متشتما، ثم قال ألسعد بن زرارة

؟ رمت هذا منى، تغشانا في دارنا بما نكره

سيد من ورائه قومه، إن يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد، فقال مصعب اهللا جاءك و : وقـد آان أسعد قال لمصعبقد أنصفت، ثم رآز : الفإن رضيت أمرا قبلته، وإن آرهته عزلنا عنك ما تكره، ق ؟ أو تقعد فتسمع : لسعد بن معاذفي وجهـه اإلسالم قبـل أن يتكلم، اهللا فعرفنـا و : فعـرض عليــه اإلسالم، وقـرأ علـيه القـرآن، قـال . حربته فجلس

تغتسل، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم : قاال ؟ آيـف تصنـعون إذا أسلمتـم : في إشـراقه وتهلله، ثـم قـال . ففعل ذلك . تصلى رآعتين

. لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب بهاهللا نحلف ب : ثم أخذ حربته فأقبل إلى نادى قومه، فلما رأوه قالوا

: سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة، قال : قالوا ؟ يا بني عبد األشهل، آيف تعلمون أمرى فيكم : فلما وقف عليهم قالفما أمسى فيهم رجل وال امرأة إال مسلما . ورسولهاهللا م على حرام حتى تؤمنوا بفإن آالم رجالكم ونسائك

ومسلمة، إال رجل واحد ـ وهو األصيرم ـ تأخر إسالمه إلى يوم أحد، فأسلم ذلك اليوم وقاتل وقتل، ولم يسجد هللا . ] عمل قليلا وأجر آثيرا[ : عليه وسلماهللا سجدة، فقال النبي صلى

وأقام مصعب في بيت أسعد بن زرارة يدعو الناس إلى اإلسالم، حتى لم تبق دار من دور األنصار إال وفيها آان فيهم قيس بن األسلت الشاعر ـ . رجال ونساء مسلمون، إال ما آان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل

. سنة خمس من الهجرةوآانوا يطيعونه ـ فوقف بهم عن اإلسالم حتى آان عام الخندق

اهللا وقبل حلول موسم الحج التالى ـ أي حج السنة الثالثة عشرة ـ عاد مصعب بن عمير إلى مكة يحمل إلى رسول عليه وسلم بشائر الفوز، ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير، وما لها من قوة اهللا صلى . ومنعة

بيعة العقبة الثانية م ـ حضر ألداء مناسك الحج بضع وسبعون 622موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة ـ يونيو سنة في

نفسا من المسلمين من أهل يثرب،جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشرآين، وقد تساءل هؤالء المسلمون فيما عليه وسلم يطوف اهللا صلى اهللا ل حتى متى نترك رسو : بينهم ـ وهم لم يزالوا في يثرب أو آانوا في الطريق

؟ ويطرد في جبال مكة ويخاف

عليه وسلم اتصاالت سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن اهللا فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي صلى ي يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة األولى من منى، وأن يتم االجتماع ف

. سرية تامة في ظالم الليل

. ولنترك أحد قادة األنصار يصف لنا هذا االجتماع التاريخي الذي حول مجرى األيام في صراع الوثنية واإلسالم : عنهاهللا يقول آعب بن مالك األنصاري رضي

ريق، فلما فرغنا من الحج، عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشاهللا صلى اهللا خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول

بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد اهللا عليه وسلم لها، ومعنا عبد اهللا صلى اهللا وآانت الليلة التي واعدنا رسول من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا ـ وآنا نكتم من معنا من قومنا من المشرآين أمرنا ـ فكلمناه وقلنا

. نك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدايا أبا جابر، إ : لهفأسلم وشهد معنا العقبة : عليه وسلم إيانا العقبة، قالاهللا صلى اهللا ثم دعوناه إلى اإلسالم، وأخبرناه بميعاد رسول

. وآان نقيبا

اهللا ي رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول فنمنا تلك الليلة مع قومنا ف : قال آعبعليه وسلم، نتسلل تسلل القطا، مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثالثة وسبعون اهللا صلى

بنت عمرو ـ أم منيع ـ رجلا، وامرأتان من نسائنا؛ نسيبة بنت آعب ـ أم عمارة ـ من بني مازن بن النجار،وأسماء . من بني سلمة

العباس بن عبد المطلب ـ وهو : عليه وسلم حتى جاءنا، ومعه عمهاهللا صلى اهللا فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول

. يومئذ على دين قومه ـ إال أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثق له، وآان أول متكلم

س لخطورة المسئولية بداية المحادثة وتشريح العبا

وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات إلبرام التحالف الدينى والعسكرى، وآان أول المتكلمين هو العباس بن عليه وسلم، تكلم ليشرح لهم ـ بكل صراحة ـ خطورة المسئولية التي ستلقى اهللا صلى اهللا عبد المطلب عم رسول

: لقا . على آواهلهم نتيجة هذا التحالف

يا معشر الخزرج ـ وآان العرب يسمون األنصار خزرجـا، خزرجـها وأوسـها آليهما ـ إن محمدا منا حيث قد وإنه قد أبي إال . علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه،فهو في عز من قومه ومنعة في بلده

فون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما االنحياز إليكم واللحوق بكم، فإن آنتم ترون أنكم وافإنه في عز ومنعة . وإن آنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن اآلن فدعوه . تحملتم من ذلك . من قومه وبلده

. ربك ما أحببت، فخذ لنفسك ولاهللا قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول : فقلنا له : قال آعب

وهذا الجواب يدل على ما آانوا عليه من عزم صميم، وشجاعة مؤمنة، وإخالص آامل في تحمل هذه المسئولية

. العظيمة، وتحمل عواقبها الخطيرة

. عليه وسلم بعد ذلك بيانه، ثم تمت البيعةاهللا صلى اهللا وألقى رسول

بنود البيعة : قال ؟ ، عالم نبايعكاهللا يا رسول : قلنا : قال جابر . عن جابر مفصلاوقد روى ذلك اإلمام أحمد

. على السمع والطاعة في النشاط والكسل[

. وعلى النفقة في العسر واليسر

. وعلى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر

. لومة الئماهللا ، ال تأخذآم في اهللا وعلى أن تقوموا في

. ] أن تنصرونى إذا قدمت إليكم، وتمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءآم، ولكم الجنة وعلى

اهللا فتكلم رسول : قال آعب : وفي رواية آعب ـ التي رواها ابن إسحاق ـ البند األخير فقط من هذه البنود، ففيهأبايعكم على أن تمنعوني مما [ : في اإلسالم، ثم قال ، ورغباهللا عليه وسلم، فتال القرآن، ودعا إلى اهللا صلى

نعم، والذي بعثك بالحق نبيا، لنمنعنك مما : فأخذ البراء ابن معرور بيده ثم قال . ] تمنعون منه نسائكم وأبناءآم . آابرا عن آابرأبناء الحرب وأهل الحلقة، ورثناها اهللا ، فنحن واهللا نمنع أزرنا منه، فبايعنا يا رسول

، اهللا يا رسول : عليه وسلم ـ أبو الهيثم بن التيهان، فقالاهللا صلى اهللا فاعترض القول ـ والبراء يكلم رسول : قالإن ترجع اهللا إن بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا قاطعوها ـ يعنى اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك

؟ عناإلى قومك وتد

بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم منى، أحارب من [ : عليه وسلم، ثم قالاهللا صلى اهللا فتبسم رسول : قال . ] حاربتم، وأسالم من سالمتم

التأآيد من خطورة البيعة دها قام رجالن من الرعيل األول ممن وبعد أن تمت المحادثة حول شروط البيعة، وأجمعوا على الـشروع في عق

من النبوة، قام أحدهما تلو اآلخر؛ ليؤآدا للقوم خطورة المسئولية، حتى ال 12و 11أسلموا في مواسم سنتى . يبايعوه إال على جلية من األمر، وليعرفا مدى استعداد القوم للتضحية، ويتأآدا من ذلك

: قالوا ؟ هل تدورن عالم تبايعون هذا الرجل : ال العباس بن عبادة بن نضلةلما اجتمعوا للبيعة ق : قال ابن إسحاق

فإن آنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، . إنكم تبايعونه على حرب األحمر واألسود من الناس : نعم، قالوإن آنتم ترون أنكم وافون له بما . ةإن فعلتم خزى الدنيا واآلخراهللا وأشرافكم قتال أسلمتموه، فمن اآلن، فهو و

. خير الدنيا واآلخـرةاهللا دعوتموه إليه على نهكة األموال وقتل األشراف فخذوه، فهو و

. ] الجنة[ : قال ؟ إن نحن وفينا بذلكاهللا فإنا نأخذه على مصيبة األموال وقتل األشراف، فما لنا بذلك يا رسول : قالوا . سط يدك، فبسط يده فبايعوهاب : قالوا

رويدا يا أهل يثرب، : فقمنا نبايعه،فأخذ بيده أسعد بن زرارة ـ وهو أصغر السبعين ـ فقال : ] قال [ وفي رواية جابر

، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب آافة، وقتل اهللا إنا لم نضرب إليه أآباد اإلبل إال ونحن نعلم أنه رسول ، وإما أنتم تخافون من اهللا عضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه، وأجرآم على خيارآم، وأن ت

. اهللا أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند

عقد البيعة وبعد إقرار بنود البيعة، وبعد هذا التأآيد والتأآد بدأ عقد البيعة بالمصافحة، قال جابر ـ بعد أن حكى قول أسعد بن

. ال نذر هذه البيعة، وال نستقيلهااهللا فو . يا أسعد، أمط عنا يدك : فقالوا : ـ قال زرارة

وحينئذ عرف أسعد مدى استعداد القوم للتضحية في هذا السبيل وتأآد منه ـ وآان هو الداعية الكبير مع مصعب نجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة فبنو ال : قال ابن إسحاق . بن عمير ـ فكان هو السابق إلى هذه البيعة

فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا البيعة، : وبعد ذلك بدأت البيعة العامة، قال جابر . آان أول من ضرب على يده . يعطينا بذلك الجنة

. وسلم امرأة أجنبية قط عليهاهللا صلى اهللا ما صافح رسول . وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة فكانت قولا

اثنا عشر نقيبا عليه وسلم أن يختاروا اثنى عشر زعيما يكونون نقباء على اهللا صلى اهللا وبعد أن تمت البيعة طلب رسول

أخرجوا إلى منكم اثنى عشر نقيبا ليكونوا : قومهم، يكفلون المسئولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة، فقال للقوم . ومهم بما فيهمعلى ق

: وهاك أسماءهم . فتم اختيارهم في الحال، وآانوا تسعة من الخزرج وثالثة من األوس

نقباء الخزرج

. ـ أسعد بن زرارة بن عدس1 . ـ سعد بن الربيع بن عمرو2 . بن رواحة بن ثعلبةاهللا ـ عبد 3 . ـ رافع بن مالك بن العجالن4 . ن معرور بن صخرـ البراء ب5 . بن عمرو بن حراماهللا ـ عبد 6 . ـ عبادة بن الصامت بن قيس7

. ـ سعد بن عبادة بن دليم 8 . ـ المنذر بن عمرو بن خنيس9

نقباء األوس . ـ أسيد بن حضير بن سماك1 . ـ سعد بن خيثمة بن الحارث2 . ذر بن زبيرـ رفاعة بن عبد المن3

. عليه وسلم ميثاقا آخر بصفتهم رؤساء مسئوليناهللا ولما تم اختيار هؤالء النقباء أخذ عليهم النبي صلى

ـ يعنى ] أنتم على قومكم بما فيهم آفالء، آكفالـة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا آفيل على قومي[ : قال لهم . نعم : المسلمين ـ قالوا

يطان يكتشف المعاهدة شولما تم إبرام المعاهدة، وآان القوم على وشك االرفضاض، اآتشفها أحد الشياطين؛ وحيث إن هذا االآتشاف جاء في اللحظة األخيرة، ولم يكن يمكن إبالغ زعماء قريش هذا الخبر سرا، ليباغتوا المجتمعين وهم في الشعب، قام

يا أهل الجباجب ـ المنازل ـ هل لكم في مذمم : اح بأنفذ صوت سمع قطذلك الشيطان على مرتفع من األرض،وص . قد اجتمعوا على حربكم ؟ والصباة معه

ثم أمرهم أن ينفضوا إلى . ألتفرغن لكاهللا يا عدو اهللا هذا أزب العقبة، أما و[ : عليه وسلماهللا صلى اهللا فقال رسول . ] رحالهم

نصار لضرب قريش استعداد األوالذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن على أهل : وعند سماع صوت هذا الشيطان قال العباس بن عبادة بن نضلة

. منى غدا باسيافنا

. ، فرجعوا وناموا حتى أصبحوا ] لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم[ : عليه وسلماهللا صلى اهللا فقال رسول

االحتجاج إلى رؤساء يثرب قريش تقدملما قـرع هذا الخبر آذان قريش وقعت فيهم ضجة، وساورتهم القالقل واألحزان؛ ألنهم آانوا على معرفة تامة بعواقب مثل هذه البيعة ونتائجها بالنسبة إلى أنفسهم وأموالهم، فما أن أصبحوا حتى توجه وفد آبير من زعماء

: ؛ ليقدم احتجاجه الشديد على هذه المعاهدة، قال الوفدمكة وأآابر مجرميها إلى أهل يثرب

يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، [ . ] ما من حى من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكماهللا وإنه و

آو الخزرج ال يعرفون شيئا عن هذه البيعة؛ ألنها تمت في سرية تامة في ظالم الليل، انبعث هؤالء ولما آان مشرهذا : بن أبي بن سلول، فجعل يقولاهللا ما آان من شيء وما علمناه، حتى أتوا عبد : اهللا المشرآون يحلفون ب

. بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامرونيباطل، وما آان هذا،وما آان قومى ليفتاتوا على بمثل هذا، ولو آنت

. أما المسلمون فنظر بعضهم إلى بعض، ثم الذوا بالصمت، فلم يتحدث أحد منهم بنفي أو إثبات

. ومال زعماء قريش إلى تصديق المشرآين، فرجعوا خائبين

تأآد الخبر لدى قريش ومطاردة المبايعين ن آذب هذا الخبر، لكنهم لم يزالوا يتنطسونه ـ يكثرون البحث عنه عاد زعماء مكة وهم على شبه اليقين م

وذلك بعد ما نفر الحجيج إلى . ويدققون النظر فيه ـ حتى تأآد لديهم أن الخبر صحيح، والبيعة قد تمت فعلاسعد بن عبادة أوطانهم، فسارع فرسانهم بمطاردة اليثربيين، ولكن بعد فوات األوان، إال أنهم تمكنوا من رؤية

والمنذر ابن عمرو فطاردوهما، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فألقوا القبض عليه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، وجعلوا يضربونه ويجرونه ويجرون شعره حتى أدخلوه مكة، فجاء المطعم بن عدى والحارث بن

ر لهما قوافلهما المارة بالمدينة، وتشاورت األنصار حين فقدوه حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم؛ إذ آان سعد يجي . أن يكروا إليه، فإذا هو قد طلع عليهم، فوصل القوم جميعا إلى المدينة

هذه هي بيعة العقبة الثانية ـ التي تعرف ببيعة العقبة الكبرى ـ وقد تمت في جو تعلوه عواطف الحب والوالء،

فمؤمن من أهل يثرب يحنو على . نين، والثقة والشجاعة واالستبسال في هذا السبيلوالتناصر بين أشتات المؤمأخيه المستضعف في مكة، ويتعصب له،ويغضب من ظالمه، وتجيش في حناياه مشاعر الود لهذا األخ الذي أحبه

. اهللا بالغيب في ذات

اهللا يام، بل آان مصدرها هو اإليمان بولم تكن هذه المشاعر والعواطف نتيجة نزعة عابرة تزول على مر األوبرسوله وبكتابه، إيمان ال يزول أمام أي قوة من قوات الظلم والعدوان، إيمان إذا هبت ريحه جاءت بالعجائب في العقيدة والعمل، وبهذا اإليمان استطاع المسلمون أن يسجلوا على أوراق الدهر أعمالا، ويترآوا عليها آثارا

. الغابر والحاضر، وسوف يخلو المستقبل خال عن نظائرها

طالئـع الهجـرة

طالئـع الهجـرة ] برلمان قريش [ في دار الندوة

النقاش البرلماني واإلجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى اهللا عليه وسلم

طالئـع الهجـرة

وبعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ونجح اإلسالم في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والجهالة ـ وهو عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى هذا اهللا لى صاهللا أخطر آسب حصل عليه اإلسالم منذ بداية دعوته ـ أذن رسول

. الوطن

ولم يكن معنى الهجرة إال إهدار المصالح، والتضحية باألموال، والنجاة بالشخص فحسب، مع اإلشعار بأنه مستباح منهوب قد يهلك في أوائل الطريق أو نهايتها، وبأنه يسير نحو مستقبل مبهم، ال يدرى ما يتمخض عنه

. وأحزانمن قالقل

وبدأ المسلمون يهاجرون وهم يعرفون آل ذلك، وأخذ المشرآون يحولون بينهم وبين خروجهم؛ لما آانوا يحسون : به من الخطر، وهاك نماذج من ذلك

ـ آان من أول المهاجرين أبو سلمة ـ هاجر قبل العقبة الكبرى بسنة على ما قاله ابن إسحاق ـ وزوجته وابنه، 1

عالم نترآك تسير بها في ؟ هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه : على الخروج قال له أصهاره فلما أجمعال نترك ابننا معها إذ نزعتموها من صاحبنا، : فأخذوا منه زوجته، وغضب آل أبي سلمة لرجلهم،فقالوا ؟ البالد

. و سلمة وحده إلى المدينةوانطلق أب . وتجاذبوا الغالم بينهم فخلعوا يده، وذهبوا به

عنها و بعد ذهاب زوجها وضياع ابنها تخرج آل غداة باألبطح تبكى حتى تمسى، اهللا وآانت أم سلمة رضي فرقتم بينها وبين زوجها ؟ أال تخرجون هذه المسكينة : ومضى على ذلك نحو سنة، فرق لها أحد ذويها وقال

شئت، فاسترجعت ابنها من عصبته، وخرجت تريد المدينة ـ رحلة تبلغ الحقى بزوجك إن : وولدها، فقالوا لهاحتى إذا آانت . اهللا حوالى خمسمائة آيلو متر تمر بين شواهق الجبال ومهالك األودية ـ وليس معها أحد من خلق نة، فلما نظر إلى بالتنعيم لقيها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وبعد أن عرف حالها شيعها حتى أقدمها إلى المدي

. ، ثم انصرف راجعا إلى مكةاهللا زوجك في هذه القرية فادخليها على برآة : قباء، قال : عليه وسلم، فلما أراد الهجرة قال له آفار قريشاهللا صلى اهللا ـ وهاجر صهيب بن سنان الرومى بعد رسول 2

. ال يكون ذلكاهللا و ؟ ذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسكأتيتنا صعلوآا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الفأني قد جعلت لكم مالى، فبلغ ذلك : نعم، قال : قالوا ؟ أرأيتم إن جعلت لكم مالى أتخلون سبيلى : فقال لهم صهيب

. ] ربح صهيب، ربح صهيب [ : عليه وسلم فقالاهللا صلى اهللا رسول الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل موضعا اسمه التناضب فوق ـ وتواعد عمر بن 3

. سرف يصبحون عنده، ثم يهاجرون إلى المدينة، فاجتمع عمر وعياش، وحبس عنهما هشام

اء بنت مخربة ولما قدما المدينة ونزال بقباء قدم أبو جهل وأخوه الحارث إلى عياش ـ وأم الثالثة واحدة، وهي أسميا : فقال له عمر . إن أمك قد نذرت أال يمس رأسها مشط، وال تستظل بشمس حتى تراك، فرق لها : ـ فقاال له

لو آذى أمك القمل المتشطت، ولو قد اشتد اهللا إن يريدك القوم إال ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فواهللا عياش، إنه وأما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ : عياش إال الخروج معهما ليبر قسم أمه، فقال له عمرعليها حر مكة الستظلت، فأبي

. ناقتى هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها

ري هذا، لقد استغلظت بعياهللا يابن أمي، و : فخرج عليها معهما، حتى إذا آانوا ببعض الطريق قال له أبو جهلبلى، فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا باألرض عدوا عليه فأوثقاه : قال ؟ أفال تعقبني على ناقتك هذه

. يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم، آما فعلنا بسفيهنا هذا : وربطاه، ثم دخال به مكة نهارا موثقا، وقاال

ولكن على رغم ذلك خرج الناس . فعلونه بمن يريد الهجرة إذا علموا ذلكهذه ثالثة نماذج لما آان المشرآون يوبعد شهرين وبضعة أيام من بيعة العقبة الكبرى لم يبق بمكة من المسلمين إال رسول . أرسالا يتبع بعضهم بعضا

رها، وقد أعد رسول عليه وسلم وأبو بكر وعلى ـ أقاما بأمره لهما ـ وإال من احتبسه المشرآون آاهللا صلى اهللا . عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج، وأعد أبو بكر جهازهاهللا صلى اهللا

أني أريت دار هجرتكم، ذات [ : عليه وسلم للمسلميناهللا صلى اهللا قال رسول : روى البخاري عن عائشة قالتلمدينة، ورجع عامة من آان هاجر بأرض الحبشة إلى ـ وهما الحرتان ـ فهاجر من هاجر قبل ا ] نخل بين البتين

على رسلك، فأني أرجو أن يؤذن [ : عليه وسلماهللا صلى اهللا المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول عليه اهللا صلى اهللا، فحبس أبو بكر نفسه على رسول ] نعم [ : قال ؟ وهل ترجو ذلك بأبي أنت : فقال له أبو بكر . ] لي

. وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين آانتا عنده ورق السمر ـ وهو الخبط ـ أربعة أشهر

] برلمان قريش [ في دار الندوة

عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا، وحملوا وساقوا الذرارى اهللا صلى اهللا ولما رأى المشرآون أن أصحاب رسول وس والخزرج أصابتهم الكآبة والحزن، وساورهم القلق والهم بشكل لم يسبق له مثيل، واألطفال واألموال إلى األ

. فقد تجسد أمامهم خطر حقيقى عظيم، أخذ يهدد آيانهم الوثني واالقتصادي

عليه وسلم من غاية قوة التأثير مع آمال القيادة واإلرشاد، وما اهللا فقد آانوا يعلمون ما في شخصية محمد صلى ابه من العزيمة واالستقامة والفداء في سبيله، ثم ما في قبائل األوس والخزرج من القوة والمنعة، وما في في أصح

عقالء هاتين القبيلتين من عواطف السلم والصالح، والتداعي إلى نبذ األحقاد، والسيما بعد أن ذاقوا مرارة . الحروب األهلية طيلة أعوام من الدهر

للمدينة من الموقع االستراتيجي بالنسبة إلى المحجة التجارية التى تمر بساحل البحر األحمر آما آانوا يعرفون ماوقد آان أهل مكة يتاجرون إلى الشام بقدر ربع مليون دينار ذهب سنويا، سوى ما آان ألهل . من اليمن إلى الشام . ن في تلك الطريقومعلوم أن مدار هذه التجارة آان على استقرار األم . الطائف وغيرها

. فال يخفي ما آان لقريش من الخطر البالغ في تمرآز الدعوة اإلسالمية في يثرب، ومجابهة أهلها ضدهم

شعر المشرآون بتفاقم الخطر الذي آان يهدد آيانهم، فصاروا يبحثون عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر الذي

. عليه وسلماهللا حمدصلى مبعثه الوحيد هو حامل لواء دعوة اإلسالم م

م ـ أي بعد 622من شهر سبتمبر سنة 12من النبوة، الموافق 14من شهر صفر سنة 26وفي يوم الخميس في أوائل النهارأخطر اجتماع له في ] دار الندوة [ شهرين ونصف تقريبا من بيعة العقبة الكبرى ـ عقد برلمان مكة

جميع نواب القبائل القرشية؛ ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعا على تاريخه، وتوافد إلى هذا االجتماعوآانت الوجوه البارزة في هذا االجتماع . حامل لواء الدعوة اإلسالمية؛ وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائيا

: الخطير من نواب قبائل قريش . ـ أبو جهل بن هشام، عن قبيلة بني مخزوم 1

. ـ جبير بن مطعم، وطعيمة بن عدى، والحارث بن عامر، عن بني نوفل بن عبد مناف4، 3، 2 . ـ شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، عن بني عبد شمس بن عبد مناف7، 6، 5 . ـ النضر بن الحارث، عن بني عبد الدار 8 . عة بن األسود، وحكيم بن حزام، عن بني أسد بن عبد العزىـ أبو البخترى بن هشام، وزم11، 10، 9

. ـ نبيه ومنبه ابنا الحجاج، عن بني سهم13، 12

. ـ أمية بن خلف، عن بني جمح14

، ولما جاءوا إلى دار الندوة حسب الميعاد، اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بت له، ووقف على البابشيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أال يعدمكم : قال ؟ من الشيخ : فقالوا

. أجل، فادخل، فدخل معهم : قالوا . منه رأيا ونصحا

عليه وسلم اهللا النقاش البرلماني واإلجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى

نخرجه من بين : قال أبو األسود . تماع بدأ عرض االقتراحات والحلول، ودار النقاش طويلاوبعد أن تكامل االج . أظهرنا وننفيه من بالدنا، وال نبالي أين ذهب، وال حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا آما آانت

نطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه، وحالوة ماهللا ال و : قال الشيخ النجدى

لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حى من العرب، ثم يسير بهم إليكم ـ بعد أن يتابعوه ـ حتى يطأآم اهللا و ؟ يأتى به . بهم في بالدآم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيا غير هذا

بابا، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين آانوا احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه : قال أبو البخترى

. قبله ـ زهيرا والنابغة ـ ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم

لئن حبستموه ـ آما تقولون ـ ليخرجن أمره من وراء الباب اهللا ما هذا لكم برأي، واهللا ال و : قال الشيخ النجدىنه إلى أصحابه، فألوشكوا أن يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروآم به حتى يغلبوآم على الذي أغلقتم دو

. أمرآم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره

وبعد أن رفض البرلمان هذين االقتراحين، قدم إليه اقتراح آثم وافق عليه جميع أعضائه، تقدم به آبير مجرمى ؟ وما هو يا أبا الحكم : قالوا . إن لى فيه رأيا ما أراآم وقعتم عليه بعداهللا و : قال أبو جهل . مكة أبو جهل بن هشام

أرى أن نأخذ من آل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطى آل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا : قالنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا، فلم إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، ف

. يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل، فعقلناه لهم

. القول ما قال الرجل، هذا الرأي الذي ال رأي غيره : قال الشيخ النجدى

جماع، ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار ووافق برلمان مكة على هذا االقتراح اآلثم باإل . فورا

هجـرة النبـي صلى اهللا عليه وسلم

بين تدبير قريش وتدبير اهللا سبحانه وتعالى تطويق منزل الرسول صلى اهللا عليه وسلم

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يغادر بيته من الدار إلى الغار

إذ هما في الغار في الطريق إلى المدينة

النزول بقباء الدخول في المدينة

سبحانه وتعالى اهللا بين تدبير قريش وتدبير

ية، وأال يبدو على السطح الظاهر أي حرآة تخالف اليوميات، وتغاير من طبيعة مثل هذا االجتماع السرية للغاالعادات المستمرة، حتى ال يشم أحد رائحة التآمر والخطر، وال يدور في خلد أحد أن هناك غموضا ينبئ عن

قد نزل ف . سبحانه وتعالى، فخيبهم من حيث ال يشعروناهللا الشر، وآان هذا مكرا من قريش، ولكنهم ماآروا بذلك اهللا عليه وسلم بوحى من ربه تبارك وتعالى فأخبره بمؤامرة قريش، وأن اهللا جبريل عليه السالم إلى النبي صلى

ال تبت هذه الليلة على فراشك : قد أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، وبين له خطة الرد على قريش فقال . الذي آنت تبيت عليه

عنه ليبرم اهللا عليه وسلم في الهاجرة ـ حين يستريح الناس في بيوتهم ـ إلى أبي بكر رضي اهللا وذهب النبي صلى

بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل : عنهااهللا معه مراحل الهجرة، قالت عائشة رضي فداء له أبي : ينا فيها، فقال أبو بكرعليه وسلم متقنعا، في ساعة لم يكن يأتاهللا صلى اهللا هذا رسول : ألبي بكر . ما جاء به في هذه الساعة إال أمراهللا وأمى، و

: عليه وسلم ألبي بكراهللا ، فاستأذن،فأذن له فدخل، فقال النبي صلى . عليه وسلماهللا صلى اهللا فجاء رسول : قالت

، ] فأني قد أذن لى في الخروج [ : قال . اهللا أنت يا رسول إنما هم أهلك، بأبي : فقال أبو بكر . ] أخرج من عندك [ . ] نعم [ : عليه وسلماهللا صلى اهللا قال رسول ؟ اهللا الصحبة بأبي أنت يا رسول : فقال أبو بكر

د حتى وقد استمر في أعماله اليومية حسب المعتا . ثم أبرم معه خطة الهجرة، ورجع إلى بيته ينتظر مجىء الليل

. لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، أو ألي أمر آخر اتقاء مما قررته قريش

عليه وسلم اهللا تطويق منزل الرسول صلى

دار [ أما أآابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في اإلعداد سرا لتنفيذ الخطة المرسومة التى أبرمها برلمان مكة : ر رئيسا من هؤالء األآابر، وهمصباحا، واختير لذلك أحد عش ] الندوة

. ـ أبو جهل بن هشام1 . ـ الحكم بن أبي العاص2 . ـ عقبة بن أبي معيط3 . ـ النضر بن الحارث4 . ـ أمية بن خلف5

. ـ زمعة بن األسود6 . ـ طعيمة بن عدى7 . ـ أبو لهب 8 . ـ أبي بن خلف9

. بيه بن الحجاجـ ن10 . ـ أخوه منبه بن الحجاج11

عليه وسلم أن ينام في أوائل الليل بعد صالة العشاء، ويخرج بعد نصف الليل اهللا صلى اهللا وآان من عادة رسول عنه تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجىاهللا إلى المسجد الحرام، يصلي فيه قيام الليل، فأمر عليا رضي . ببرده الحضرمي األخضر، وأخبره أنه ال يصيبه مكروه

عليه وسلم سرا، اهللا فلما آانت عتمة من الليل وساد الهدوء، ونام عامة الناس جاء المذآورون إلى بيته صلى

. واجتمعوا على بابه يرصدونه، وهم يظنونه نائما حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه، ونفذوا ما قرروا فيه انوا على ثقة ويقين جازم من نجاح هذه المؤامرة الدنية، حتى وقف أبو جهل وقفة الزهو والخيالء، وقال وآ

إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره آنتم ملوك العرب : مخاطبا ألصحابه المطوقين في سخرية واستهزاء، وإن لم تفعلوا آان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان آجنان األردن

. بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها

عليه وسلم من البيت، فباتوا اهللا وقد آان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل في وقت خروجه صلى ات واألرض، يفعل ما يشاء، غالب على أمره، بيده ملكوت السمواهللا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر، ولكن

وإذ يمكر بك الذين { : عليه وسلم فيما بعداهللا وهو يجير وال يجـار عليه، فقـد فعـل مـا خاطب به الرسول صلى . ]30 : األنفال [ } آرينآفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر اهللا واهللا خير الما

عليه وسلم يغادر بيته اهللا الرسول صلى

عليه وسلم من اهللا صلى اهللا وقد فشلت قريش في خطتهم فشلا ذريعا مع غاية التيقظ والتنبه؛ إذ خرج رسول هم عنه فال أبصاراهللا البيت، واخترق صفوفهم، وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رءوسهم، وقد أخذ

فلم يبق . ] 9 : يس [ } وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم ال يبصرون { : يرونه، وهو يتلوليلا حتى منهم رجل إال وقد وضع على رأسه ترابا، ومضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر

. لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن

وبقى المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل، فقد جاءهم رجل ممن مر بكم، وذر على اهللا خبتم وخسرتم، قد و : قال . محمدا : قالوا ؟ ما تنتظرون : لم يكن معهم، ورآهم ببابه فقال

. ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهماهللا و : سكم التراب، وانطلق لحاجته، قالوارءو

إن هذا لمحمد نائما، عليه برده، فلم يبرحوا آذلك حتى اهللا و : ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا عليا، فقالواال علم لي : عليه وسلم، فقالاهللا صلى اهللا رسول وقام على عن الفراش، فسقط في أيديهم، وسألوه عن . أصبحوا

. به

من الدار إلى الغار

سبتمبر 12/13من النبوة، الموافق 14من شهر صفر سنة 27عليه وسلم بيته في ليلة اهللا صلى اهللا غادر رسول

ثم غادر منزل . عنهاهللا وأتى إلى دار رفيقه ـ وأمن الناس عليه في صحبته وماله ـ أبي بكر رضي . م622سنة . األخير من باب خلفي؛ ليخرجا من مكة على عجل وقبل أن يطلع الفجر

عليه وسلم يعلم أن قريشا ستجد في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه األنظار ألول اهللا ولما آان النبي صلى

الذي يضاده تماما، وهو الطريق الواقع جنوب وهلة هو طريق المدينة الرئيسى المتجه شمالا، فسلك الطريقمكة، والمتجه نحو اليمن، سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور وهو جبل

بل : عليه وسلم، وقيلاهللا صلى اهللا شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار آثيرة، فحفيت قدما رسول على أطراف قدميه آى يخفي أثره فحفيت قدماه، وأيا ما آان فقد حمله أبو بكر حين بلغ آان يمشى في الطريق

. إلى الجبل، وطفق يشتد به حتى انتهي به إلى غار في قمة الجبل عرف في التاريخ بغار ثور

إذ هما في الغار

آان فيه شيء أصابني دونك، فدخل ال تدخله حتى أدخل قبلك، فإناهللا و : ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكراهللا صلى اهللا فكسحه، ووجد في جانبه ثقبا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول

عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله اهللا صلى اهللا ادخل، فدخل رسول : عليه وسلماهللا عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول اهللا صلى اهللا مخافة أن ينتبه رسول من الجحر، ولم يتحرك

عليه اهللا صلى اهللا لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول : قال ] ؟ ما لك يا أبا بكر [ : عليه وسلم، فقالاهللا صلى . وسلم، فذهب ما يجده

قالت . بن أبي بكر يبيت عندهمااهللا وآان عبد . السبت وليلة األحد وآمنا في الغار ثالث ليال، ليلة الجمعة وليلة

وهو غالم شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة آبائت، فال يسمع أمرا : عائشةمر بن فهيرة مولى أبي يرعى عليهما عا ] آان [ يكتادان به إال وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظالم، و

بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل ـ وهو لبن منحتهما ورضيفهما ـ حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في آل ليلة من تلك الليالى الثالث، وآان عامر بن

. بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليعفي عليهاهللا عبد فهيرة يتبع بغنمه أثر

فأول . عليه وسلم صباح ليلة تنفيذ المؤامرةاهللا صلى اهللا أما قريش فقد جن جنونها حينما تأآد لديها إفالت رسول . ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا عليا، وسحبوه إلى الكعبة، وحبسوه ساعة، علهم يظفرون بخبرهما

ولما لم يحصلوا من علي على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر،

فـرفع أبو جهل يـده ـ وآان فاحشا خبيثا ـ فلطم خـدها لطمـة ؟ أين أبياهللا ال أدرى و : قالت ؟ أين أبوك : فقالوا لها . طـرح منها قرطها

سة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين، فوضعت وقررت قريش في جل

تحت المراقبة المسلحة الشديدة، آما قررت إعطاء مكافأة ] في جميع الجهات [ جميع الطرق النافذة من مكة . ا من آانضخمة قدرها مائة ناقة بدل آل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين، آائن

وحينئذ جدت الفرسان والمشاة وقصاص األثر في الطلب، وانتشروا في الجبال والوديان، والوهاد والهضاب،

. لكن من دون جدوى وبغير عائدة

آنت : غالب على أمره، روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قالاهللا وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، ولكن ، لو أن بعضهم اهللا يا نبي : عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسى فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت اهللامع النبي صلى . ] ثالثهمااهللا ما ظنك يا أبا بكر باثنين [ : ، وفي لفظ ] ثالثهمااهللا اسكت يا أبا بكر، اثنان، [ : قال . طأطأ بصره رآنا

عليه وسلم، فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إال اهللا ى بها نبيه صلاهللا وقد آانت معجزة أآرم . خطوات معدودة

في الطريق إلى المدينة

وحين خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات التفتيش، وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة . وصاحبه للخروج إلى المدينةعليه وسلم اهللا صلى اهللا ثالثة أيام بدون جدوى، تهيأ رسول

بن أريقط الليثى، وآان هاديا خريتا ـ ماهرا بالطريق ـ وآان على دين آفار قريش، اهللا وآانا قد استأجرا عبد

وأمناه على ذلك، وسلما إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثالث ليال براحلتيهما، فلما آانت ليلة االثنين ـ بن أريقط بالراحلتين، وآان قد قال أبو بكر اهللا م ـ جاءهما عبد 622سبتمبر سنة 16/ هـ 1يع األول سنة غرة رب

، خذ إحدى راحلتى هاتين، وقرب إليه اهللا بأبي أنت يا رسول : عليه وسلم عند مشاورته في البيتاهللا للنبى صلى عنها بسفرتهما، اهللا أتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي و . عليه وسلم بالثمناهللا صلى اهللا أفضلهما، فقال رسول

ونسيت أن تجعل لها عصاما، فلما ارتحال ذهبت لتعلق السفرة، فإذا ليس لها عصام، فشقت نطاقها باثنين، فعلقت . ذات النطاقين : السفرة بواحد، وانتطقت باآلخر فسميت

عنه وارتحل معهما عامر بن فهيرة، وأخذ بهم اهللا بكر رضي عليه وسلم وأبو اهللا صلى اهللا ثم ارتحل رسول

. بن أريقط ـ على طريق السواحلاهللا الدليل ـ عبد

وأول ما سلك بهم بعد الخروج من الغار أنه أمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربا نحو الساحل، حتى لى مقربة من شاطئ البحر األحمر، وسلك طريقا لم يكن يسلكه إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس، اتجه شمالا ع

. أحد إال نادرا

لما خرج بهما : عليه وسلم في هذا الطريق، قالاهللا صلى اهللا وقد ذآر ابن إسحاق المواضع التي مر بها رسول ان، ثم سلك بهما الدليل سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل حتى عارض الطريق أسفل من عسف

على أسفل أمج، ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز قديدا، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك جاج، بهما الخرار، ثم سلك بهما ثنية المرة، ثم سلك بهما لقفا، ثم أجاز بهما مدلجة لقف، ثم استبطن بهما مدلجة م

سلك بهما مرجح مجاح، ثم تبطن بهما مرجح من ذى الغضوين، ثم بطن ذى آشر، ثم أخذ بهما على الجداجد، ثم ثم على األجرد، ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعدا مدلجة تعهن، ثم على العبابيد، ثم أجاز بهما الفاجة، ثم هبط

. ة العائر ـ عن يمين رآوبة ـ حتى هبط بهما بطن رئم، ثم قدم بهما على قباءبهما العرج، ثم سلك بهما ثني

وهاك بعض ما وقع في الطريق أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخال : عنه قالاهللا ـ روى البخاري عن أبي بكر الصديق رضي 1

، لها ظل لم تأت عليها الشمس، فنزلنا عنده، وسويت للنبي الطريق، ال يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة، وأنا أنفض لك ما اهللا نم يا رسول : عليه وسلم مكانا بيدى، ينام عليه، وبسطت عليه فروة، وقلتاهللا صلى

حولك، فنام، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها مثل الذي أردنا، فقلت : قال ؟ أفتحلب : قلت . نعم : قال ؟ أفي غنمك لبن : قلت . لرجل من أهل المدينة أو مكة : فقال ؟ لمن أنت يا غالم : لهانفض الضرع من التراب والشعر والقذى، فحلب في قعب آثبة من لبن، ومعى إداوة : فأخذ شاة، فقلت . نعم

عليه وسلم فكرهت أن اهللا ، يرتوى منها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي صلى عليه وسلماهللا حملتها للنبي صلى ، فشرب اهللا اشرب يا رسول : أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت

. فارتحلنا : بلى، قال : قلت ] ؟ ألم يأن للرحيل[ : حتى رضيت، ثم قال اهللا عليه وسلم، وآان شيخا يعرف، ونبى اهللا عنه أنه آان ردفا للنبى صلى اهللا ب أبي بكر رضي ـ وآان من دأ2

هذا : فيقول ؟ من هذا الرجل الذي بين يديك : عليه وسلم شاب ال يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقولاهللا صلى

. نى سبيل الخيرالرجل يهدينى الطريق، فيحسب الحاسب أنه يعنى به الطريق، وإنما يع ـ وفي اليوم الثاني أو الثالث مر بخيمتى أم معبد الخزاعية، وآان موقعهما بالمشلل من ناحية قديد على بعد نحو 3

آيلو مترا من مكة، وآانت أم معبد امرأة برزة جلدة تحتبى بفناء الخيمة، ثم تطعم وتسقى من مر بها، 130 . لو آان عندنا شيء ما أعوزآم، القرى والشاء عازب، وآانت سنة شهباءاهللا و : فقالت ؟ هل عندها شيء : فسأالها

شاة خلفها : قالت ] ؟ ما هذه الشاة يا أم معبد[ : عليه وسلم إلى شاة في آسر الخيمة، فقالاهللا صلى اهللا فنظر رسول

نعم بأبي : قالت ] ؟ أتأذنين لى أن أحلبها[ : فقال . هي أجهد من ذلك : لتقا ] ؟ هل بها من لبن[ : الجهد عن الغنم، فقالودعا، فتفاجت اهللا عليه وسلم بيده ضرعها، وسمى اهللا صلى اهللا فمسح رسول . وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها

فسقاها، فشربت حتى رويت، وسقى عليه ودرت، فدعا بإناء لها يربض الرهط، فحلب فيه حتى علته الرغوة، . أصحابه حتى رووا، ثم شرب، وحلب فيه ثانيا، حتى مأل اإلناء، ثم غادره عندها فارتحلوا

من أين لك : فما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوآن هزلا، فلما رأي اللبن عجب، فقال

إال أنه مر بنا رجل مبارك آان من حديثه آيت وآيت، اهللا ال و : فقالت ؟ والشاة عازب، وال حلوبة في البيت ؟ هذاأراه صاحب قريش الذي تطلبه، صفيه لى يا أم معبد، فوصفته بصفاته اهللا أني و : ومن حاله آذا وآذا، قال

يه وسلم في أواخر علاهللا الكريمة وصفا بديعا آأن السامع ينظر إليه وهو أمامه ـ وسننقله في بيان صفاته صلى هذا صاحب قريش الذي ذآروا من أمره ما ذآروا، لقد هممت أن أصحبه، وألفعلن اهللا و : الكتاب ـ فقال أبو معبد

: وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعونه وال يرون القائل . إن وجدت إلى ذلك سبيلا

ــد رفيقين حال خيمــتى أم معب** رب العرش خير جزائه اهللاجزى وأفلح من أمسى رفيق محمــد ** هـمـا نزال بالبـــر وارتحال به

به من فعال ال يحاذى وســؤدد ** عنكــم اهللافيا لقصى مــا زوى ومقعدهـا للمؤمنـين بمرصـد ** ليهن بني آعـب مكــان فتاتهــم تسألوا الشـاة تشـهـــدفإنكم إن ** سلوا أختكم عن شاتهـا وإنائهـا

عليه وسلم إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه اهللا صلى اهللا ما درينا أين توجه رسول : قالت أسماءفلما سمعنا قوله عرفنا حيث : قالت . األبيات، والناس يتبعونه ويسمعون صوته وال يرونه حتى خرج من أعالها

. ليه وسلم، وأن وجهه إلى المدينةعاهللا صلى اهللا توجه رسول بينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومى بني مدلج، أقبل : قال سراقة . ـ وتبعهما في الطريق سراقة بن مالك4

. يا سراقة، أني رأيت آنفا أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه : رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقالإنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فالنا وفالنا انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في : فعرفت أنهم هم، فقلت له : سراقةقال

المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتى أن تخرج فرسى، وهي من وراء أآمة، فتحبسها على، وأخذت وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسى فرآبتها، رمحى، فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجه األرض،

فرفعتها تقرب بى حتى دنوت منهم، فعثرت بى فرسى فخررت عنها، فقمت، فأهويت يدى إلى آنانتى، فخرج الذي أآره، فرآبت فرسي ـ وعصيت األزالم ـ ؟ فاستخرجت منها األزالم، فاستقسمت بها، أضرهم أم ال

عليه وسلم ـ وهو ال يلتفت، وأبو بكر يكثر االلتفات ـ اهللا صلى اهللا ى إذا سمعت قراءة رسول تقرب بي، حتساخت يدا فرسى في األرض حتى بلغتا الرآبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما

ت باألزالم، فخرج الذي أآره، فناديتهم استوت قائمة إذا ألثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمباألمان، فوقفوا، فرآبت فرسى حتى جئتهم، ووقع في نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر

إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، : عليه وسلم، فقلت لهاهللا صلى اهللا رسول ، فسألته أن يكتب لى آتاب أمن، ] أخف عنا[ : والمتاع فلم يرزأني، ولم يسأألني إال أن قالوعرضت عليهم الزاد

. عليه وسلماهللا صلى اهللا فأمر عامر بن فهيرة، فكتب لى في رقعة من أدم، ثم مضى رسول

غير سراقة بن مالك بن جعشم، على ارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدرآنا منهم أحد : وفي رواية عن أبي بكر قال

. ] 40 : التوبة [ } ال تحزن إن اهللا معنا { : ، فقالاهللا هذا الطلب قد لحقنا يا رسول : فرس له، فقلت

هار وآان أول الن . قد استبرأت لكم الخبر، قد آفيتم ما ها هنا : ورجع سراقة فوجد الناس في الطلب فجعل يقول . جاهدا عليهما، وآخره حارسا لهما

عليه وسلم بريدة بن الحصيب األسلمى ومعه نحو ثمانين بيتا، فأسلم اهللا ـ وفي الطريق لقى النبي صلى 5

عليه وسلم العشاء اآلخرة فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه حتى قدم اهللا صلى اهللا وأسلموا، وصلى رسول . عليه وسلم بعد أحداهللا صلى اهللاعلى رسول

عليه وسلم آان يتفاءل وال يتطير، فرآب بريدة في سبعين راآبا من اهللا بن بريدة أن النبي صلى اهللا وعن عبد

: ألبي بكر : من أسلم، فقال : قال ] ؟ ممن أنت[ : عليه وسلم، فقال لهاهللا أهل بيته من بني سهم، فلقى النبي صلى ] خرج سهمك[ : قال . من بني سهم : قال ] ؟ من بني من[ : نا، ثم قالسلم عليه وسلم بأبي أوس تميم بن حجر أو بأبي تميم أوس بن حجر األسلمى، بقحداوات اهللا صلى اهللا ـ ومر رسول 6

بكر على جمل واحد، فحمله أوس بين الجحفة وهرشى ـ بالعرج ـ وآان قد أبطأ عليه بعض ظهره، فكان هو وأبواسلك بهما حيث تعلم من محارم الطريق وال : على فحل من إبله، وبعث معهما غالما له اسمه مسعود، وقال

عليه وسلم مسعودا إلى سيده، اهللا صلى اهللا تفارقهما، فسلك بهما الطريق حتى أدخلهما المدينة، ثم رد رسول ولما أتى . له في أعناقها قيد الفرس، وهو حلقتان، ومد بينهما مدا، فهي سمتهموأمره أن يأمر أوسا أن يسم إب

عليه وسلم اهللا صلى اهللا المشرآون يوم أحد أرسل أوس غالمه مسعود بن هنيدة من العرج على قدميه إلى رسول عليه وسلم المدينة، وآان يسكن هللا اصلى اهللا ذآره ابن ماآوال عن الطبرى، وقد أسلم بعد قدوم رسول . يخبره بهم

. العرج عليه وسلم الزبير، وهو في رآب من المسلمين، آانوا اهللا صلى اهللا ـ وفي الطريق ـ في بطن رئم ـ لقى رسول 7

. عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بياضااهللا صلى اهللا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول

النزول بقباء سبتمبر سنة 23من النبوة ـ وهي السنة األولى من الهجرة ـ الموافق 14ربيع األول سنة 8ي يوم االثنين وف

. عليه وسلم بقباءاهللا صلى اهللا م نزل رسول 622

عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون آل اهللا صلى اهللا سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول : قال عروة بن الزبيرى الحرة، فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم غداة إل

عليه وسلم وأصحابه اهللا صلى اهللا أوفي رجل من يهود على أطم من آطامهم ألمر ينظر إليه، فبصر برسول يا معاشر العرب، هذا جدآم الذي تنتظرون، : أعلى صوتهمبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودى أن قال ب

. عليه وسلم بظهر الحرةاهللا صلى اهللا وتلقوا رسول . فثار المسلمون إلى السالح

وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف، وآبر المسلمون فرحا بقدومه، وخرجوا للقائه، : قال ابن القيمفإن اهللا هو مولاه { : ية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله، والسكينة تغشاه، والوحى ينزل عليهفتلقوه وحيوه بتح

. ] 4 : التحريم [ } وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير

يه وسلم، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو علاهللا صلى اهللا فتلقوا رسول : قال عروة بن الزبيرعليه وسلم اهللا صلى اهللا فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول . بن عوف، وذلك يوم االثنين من شهر ربيع األول

يجىء ـ أبا : عليه وسلم يحىى ـ وفي نسخةاهللا صلى اهللا صامتا، فطفق من جاء من األنصار ممن لم ير رسول عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس اهللا صلى اهللا ، حتى أصابت الشمس رسول بكر

. عليه وسلم عند ذلكاهللا صلى اهللا رسول

وآانت المدينة آلها قد زحفت لالستقبال، وآان يوما مشهودا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها، وقد رأي اليهود . جاء من التيمان، والقدوس من جبال فاراناهللا إن : وق النبيصدق بشارة حبق

. بل على سعد بن خيثمة، واألول أثبت : عليه وسلم بقباء على آلثوم بن الهدم، وقيلاهللا صلى اهللا ونزل رسول

سلم الودائع التي عليه واهللا صلى اهللا عنه بمكة ثالثا حتى أدى عن رسول اهللا ومكث على بن أبي طالب رضي

. آانت عنده للناس، ثم هاجر ماشيا على قدميه حتى لحقهما بقباء، ونزل على آلثوم بن الهدم

وأسس مسجد قباء . االثنين والثالثاء واألربعاء والخميس : عليه وسلم بقباء أربعة أياماهللا صلى اهللا وأقام رسول اهللا عد النبوة، فلما آان اليوم الخامس ـ يوم الجمعة ـ رآب بأمر وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى ب

له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى بني النجار ـ أخواله ـ فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة وهم حوله، . وأدرآته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادى، وآانوا مائة رجل

الدخول في المدينة عليه وسلم بعد الجمعة حتى دخل المدينة ـ ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة اهللا ثم سار النبي صلى

عليه وسلم، ويعبر عنها بالمدينة مختصرا ـ وآان يوما مشهودا أغر، فقد ارتجت البيوت اهللا الرسول صلى : األنصار بغاية الفرح والسروروالسكك بأصوات الحمد والتسبيح، وتغنت بنات

مـن ثـنيــات الـوداع **طـلـع الـبــدر علـينا مـــا دعــا لـلـه داع ** وجـب الشـكـر علـينا

جـئـت بـاألمـر المطاع** أيـهـا المبـعـوث فـينا

عليه اهللا صلى واألنصار وإن لم يكونوا أصحاب ثروات طائلة إال أن آل واحد منهم آان يتمنى أن ينزل الرسولهلم إلى العدد والعدة والسالح والمنعة، : وسلم عليه، فكان ال يمر بدار من دور األنصار إال أخذوا خطام راحلته

، فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوى اليوم ] خلوا سبيلها فإنها مأمورة[ : فكان يقول لهمارت قليلا، ثم التفتت ورجعت فبرآت في موضعها األول، فنزل عنها، فبرآت، ولم ينزل عنها حتى نهضت وس

لها، فإنه أحب أن ينزل على أخواله، اهللا عليه وسلم ـ وآان من توفيق اهللا وذلك في بني النجار ـ أخواله صلى األنصارى عليه وسلم في النزول عليهم، وبادر أبو أيوب اهللا صلى اهللا يكرمهم بذلك، فجعل الناس يكلمون رسول

، وجـاء أسعد بن زرارة ] المرء مع رحله[ : عليه وسلم يقولاهللا صلى اهللا إلى رحـله، فأدخله بيته،فجعل رسول . فأخـذ بزمام راحلته، فكانت عنــده

أنا يا : فقال أبو أيوب ] ؟ أي بيوت أهلنا أقرب[ : عليه وسلماهللا صلى اهللا وفي رواية أنس عند البخاري، قال نبى

. اهللا قوما على برآة : ، قال ] فانطلق فهيئ لنا مقيلا[ : قال . ، هذه دارى، وهذا بأبياهللا رسول

بن اهللا وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم آلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد قيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وب

. بدر

. ، فكان بطحان يجرى نجلا، أي ماء آجنااهللا وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض : قالت عائشة

يا أبه آيف : عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبالل، فدخلت عليهما فقلتاهللا صلى اهللا لما قدم رسول : وقالت : فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول : قالت ؟ ويا بالل آيف تجدك ؟ تجدك

والموت أدنى من شراك نعله** آل امرئ مصبح في أهله

: وآان بالل إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول

يـل بـواد وحـولى إذخر وجل** أال ليت شعرى هل أبيتن ليلة وهل يبدون لى شامة وطفيل** وهل أردن يومــا ميـاه مجنة

م العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن اهللا [ : عليه وسلم، فأخبرته، فقالاهللا صلى اهللا فجئت رسول : قالت عائشةاهللا [ : عليه وسلماهللا صلى اهللاثم قال رسول . ] ربيعة، وأمية بن خلف، آما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء

. ] م حبب إلينا المدينة آحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة

عليه وسلم، فأرى في المنام أن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة اهللا دعاءه صلى اهللا وقد استجاب وآان ذلك عبارة عن نقل وباء المدينة إلى الجحفة، وبذلك استراح . عة، وهي الجحفةحتى نزلت بالمهي

. المهاجرون عما آانوا يعانونه من شدة مناخ المدينة

وفيما يلى نقدم باإليجاز . عليه وسلم بعد النبوة، وهو العهد المكىاهللا إلى هنا انتهي بيان قسم من حياته صلى . التوفيقاهللا وب . عليه وسلمهللا اعهده المدنى صلى

العهد المدني عهد الدعوة والجهاد والنجاح

مراحل الدعوة والجهاد في العهد المدني سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة

مراحل الدعوة والجهاد في العهد المدني

: يمكن تقسيم العهد المدني إلى ثالث مراحل ـ مرحلة تأسيس المجتمع اإلسالمي، وتمكين الدعوة اإلسالمية، وقد أثيرت في هذه المرحلة القالقل والفتن من 1

وقد انتهت . األعداء من الخارج؛ ليستأصلوا شأفة المسلمين، ويقلعوا الدعوة من جذورهاالداخل، وزحف فيها . هذه المرحلة بتغلب المسلمين وسيطرتهم على الموقف مع عقد صلح الحديبية في ذى القعدة سنة ست من الهجرة

للقضاء على أطراف ـ مرحلة الصلح مع العدو األآبر، والفراغ لدعوة ملوك األرض إلى اإلسالم، و 2

. وقد انتهت هذه المرحلة بفتح مكة المكرمة في رمضان سنة ثمان من الهجرة . المؤامرات اهللا وقد امتدت هذه المرحلة إلى وفاة الرسول صلى . أفواجااهللا ـ مرحلة استقبال الوفود، ودخول الناس في دين 3

. ةعليه وسلم في ربيع األول سنة إحدى عشرة من الهجر

سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة

لم يكن معنى الهجرة التخلص والفرار من الفتنة فحسب، بل آانت الهجرة تعنى مع هذا تعاونا على إقامة مجتمع

جديد في بلد آمن، ولذلك أصبح فرضا على آل مسلم يقدر على الهجرة أن يهاجر ويسهم في بناء هذا الوطن . في تحصينه ورفعة شأنه الجديد، ويبذل جهده

عليه وسلم آان هو اإلمام والقائد والهادى في بناء هذا المجتمع، وآانت إليه أزمة اهللاصلى اهللاوالشك أن رسول . األمور بال نزاع

عليه وسلم في المدينة آانوا على ثالثة أصناف، يختلف أحوال آل واحد منها اهللاصلى اهللاوالذين قابلهم رسول

النسبة إلى اآلخر اختالفا واضحا، وآان يواجه بالنسبة إلى آل صنف منها مسائل عديدة غير المسائل التي آان ب . يواجهها بالنسبة إلى اآلخر

: وهذه األصناف الثالثة هي

. عنهم اهللاـ أصحابه الصفوة الكرام البررة رضي 1 . م قبائل المدينةـ المشرآون الذين لم يؤمنوا بعد، وهم من صمي 2 . ـ اليهــود 3

أ ـ والمسائل التي آان يواجهها بالنسبة إلى أصحابه هو أن ظروف المدينة بالنسبة إليهم آانت تختلف تماما عن الظروف التي مروا بها في مكة، فهم في مكة وإن آانت تجمعهم آلمة جامعة وآانوا يستهدفون هدفا واحدا، إال

رقين في بيوتات شتى، مقهورين أذالء مطرودين، لم يكن لهم من األمر شيء، وإنما آان األمر بيد أنهم آانوا متفأعدائهم في الدين، فلم يكن هؤالء المسلمون يستطيعون أن ينشئوا مجتمعا إسالميا جديدا بمواده التي ال يستغنى

لى تفصيل المبادئ اإلسالمية، وعلى عنها أي مجتمع إنسإني في العالم؛ ولذلك نرى السور المكية تقتصر عالتشريعات التي يمكن العمل بها لكل فرد وحده، وعلى الترغيب في البر والخير ومكارم األخالق والترهيب عن

. الرذائل والدنايا

قد أما في المدينة فكان أمر المسلمين بأيديهم منذ أول يوم، ولم يكن يسيطر عليهم أحد من الناس، وهذا يعنى أنهمآن لهم أن يواجهوا مسائل الحضارة والعمران، والمعيشة واالقتصاد، والسياسة والحكومة، والسلم والحرب، وأن

. تفصل لهم مسائل الحالل والحرام، والعبادة واألخالق، وما إلى ذلك من شئون الحياة

ن المجتمع الجاهلي، ويمتاز عن أي أي آن للمسلمين أن يكونوا مجتمعا إسالميا يختلف في جميع مراحل الحياة عمجتمع يوجد في العالم اإلنساني، ويكون ممثلا للدعوة اإلسالمية التي عانى لها المسلمون ألوانا من النكال

. والعذاب طيلة عشر سنوات

دة، وال يخفي أن تكوين أي مجتمع على هذا النمط ال يمكن أن يستتب في يوم واحد، أو شهر واحد، أو سنة واح اهللابل البد له من زمن طويل يتكامل فيه التشريع والتقنين والتربية والتثقيف والتدريب والتنفيذ شيئا فشيئا، وآان

عليه وسلم قائما بتنفيذه واإلرشاد إليه، وبتربية المسلمين وتزآيتهم اهللاصلى اهللاآفيلا بهذا التشريع، وآان رسول : الجمعة [ } في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزآيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة هو الذي بعث { وفق ذلك

2[ .

ياته وإذا تليت عليهم آ { عنهم مقبلين عليه بقلوبهم،يتحلون بأحكامه،ويستبشرون بها اهللاوآان الصحابة رضي وليس تفصيل هذه المسائل آلها من مباحث موضوعنا، فنقتصر منها على قدر . ]2 : األنفال [ } زادتهم إيمانا

. الحاجة

عليه وسلم بالنسبة للمسلمين، وهو الهدف األسمى والمطلب النبيل اهللاصلى اهللاوآان هذا أعظم ما واجهه رسول المية والرسالة المحمدية، ومعلوم أنه ليس بقضية طارئة تطلب االستعجال، بل هي المقصود من الدعوة اإلس

نعم، آانت هناك قضايا طارئة تطلب الحل العاجل والحكيم، أهمها أن المسلمين . قضية أصيلة تحتاج إلى آجال : آانوا على قسمين

هم الرجل وهو آمن في سربـه، وهم األنصار، قسم آانوا في أرضهم وديارهم وأموالهم، ال يهمهم من ذلك إال ما ي

. وآان بينهم تنافر مستحكم وعداء مزمن منذ أمد بعيد

وقسم آخر فاتهم آل ذلك، ونجوا بأنفسهم إلى المدينة، وهم المهاجرون، فلم يكن لهم ملجأ يأوون إليه، وال عمل يش، وآان عدد هؤالء الالجئين غير قليل، ثم آانوا يكسبون به ما يسد حاجتهم، وال مال يبلغون به قواما من العومعلوم أن المدينة لم تكن على ثروة . ورسوله اهللايزيدون يوما فيوما؛ إذ آان قد أوذن بالهجرة لكل من آمن ب

طائلة فتزعزع ميزانها االقتصادى، وفي هذه الساعة الحرجة قامت القوات المعادية لإلسالم بشبه مقاطعة . قلت ألجلها المستوردات وتفاقمت الظروفاقتصادية،

ب ـ أما القوم الثاني ـ وهم المشرآون من صميم قبائل المدينة ـ فلم تكن لهم سيطرة على المسلمين، وآان منهم

من يتخالجه الشكوك ويتردد في ترك دين اآلباء، ولكن لم يكن يبطن العداوة والكيد ضد اإلسالم والمسلمين، ولم . هم مدة طويلة حتى أسلموا وأخلصوا دينهم هللاتمض علي

عليه وسلم والمسلمين، ولكن لم يكن يستطيع اهللاصلى اهللاوآان فيهم من يبطن شديد اإلحن والعداوة ضد رسول

بن أبي، اهللاأن يناوئهم، بل آان مضطرا إلى إظهار الود والصفاء نظرا إلى الظروف، وعلى رأس هؤالء عبد األوس والخزرج اجتمعوا على سيادته بعد حرب بعاث ـ ولم يكونوا اجتمعوا على سيادة أحد قبله ـ فقد آانت

وآانوا قد نظموا له الخرز، ليتوجوه ويملكوه، وآان على وشك أن يصير ملكا على أهل المدينة إذ بوغت بمجىء ان يرى أنه استلبه الملك، فكان يبطن شديد العداوة عليه وسلم، وانصراف قومه عنه إليه، فك اهللاصلى اهللارسول

ضده، ولما رأي أن الظروف ال تساعده على شرآه، وأنه سوف يحرم بقايا العز والشرف وما يترتب عليهما من صلى اهللامنافع الحياة الدنيا أظهر اإلسالم بعد بدر، ولكن بقى مستبطنا الكفر، فكان ال يجد مجالا يكيد فيه برسول

عليه وسلم وبالمسلمين إال ويأتيه، وآان أصحابه ـ من الرؤساء الذين حرموا المناصب المرجوة في ملكه ـ اهللايساهمونه ويدعمونه في تنفيذ خططه، وربما آانوا يتخذون بعض الشباب وسذجة المسلمين عميلا لتنفيذ خطتهم

. من حيث ال يشعر

نهم آانوا قد انحازوا إلى الحجاز زمن االضطهاد األشورى والروماني آما جـ ـ أما القوم الثالث ـ وهم اليهود ـ فإأسلفنا، وآانوا في الحقيقة عبرانيين، ولكن بعد االنسحاب إلى الحجاز اصطبغوا بالصبغة العربية في الزى واللغة

واج والحضارة، حتى صارت أسماؤهم وأسماء قبائلهم عربية، وحتى قامت بينهم وبين العرب عالقة الزوالصهر، إال أنهم احتفظوا بعصبيتهم الجنسية، ولم يندمجوا في العرب قطعا، بل آانوا يفتخرون بجنسيتهم

اإلسرائيلية ـ اليهودية ـ وآانوا يحتقرون العرب احتقارا بالغا وآانوا يرون أن أموال العرب مباحة لهم، يأآلونها تاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ال يؤده إليك ومن أهل الك { : آيف شاءوا، قال تعالى

ولم يكونوا متحمسين في . ] 75 : آل عمران [ } إال ما دمت عليه قآئما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في األميين سبيلالفأل والسحر والنفث والرقية وأمثالها، وبذلك آانوا يرون أنفسهم : نشر دينهم، وإنما جل بضاعتهم الدينية هي

. أصحاب علم وفضل وقيادة روحانية

وا وآانوا مهرة في فنون الكسب والمعيشة، فكانت في أيديهم تجارة الحبوب والتمر والخمر والثياب، آانيستوردون الثياب والحبوب والخمر، ويصدرون التمر، وآانت لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، فكانوا

يأخذون المنافع من عامة العرب أضعافا مضاعفة، ثم لم يكونوا يقتصرون على ذلك، بل آانوا أآالين للربا، ح الشعراء والسمعة الحسنة بين الناس بعد يعطون القروض الطائلة لشيوخ العرب وساداتهم؛ ليكسبوا بها مدائ

إنفاقها من غير جدوى وال طائلة، وآانوا يرتهنون لها أرض هؤالء الرؤساء وزروعهم وحوائطهم، ثم ال يلبثون . إال أعواما حتى يتملكونها

اورة، ويغرون وآانوا أصحاب دسائس ومؤامرات وعتو وفساد؛ يلقون العداوة والشحناء بين القبائل العربية المج

بعضها على بعض بكيد خفي لم تكن تشعره تلك القبائل، فكانت تتطاحن في حروب، ولم تكد تنطفئ نيرانها حتى فإذا تم لهم ذلك جلسوا على حياد يرون نتائج هذا التحريض . تتحرك أنامل اليهود مرة أخرى لتؤججها من جديدالعرب ـ من التعاسة والبوار، ويزودونهم بقروض ثقيلة ربوية واإلغراء، ويستلذون بما يحل بهؤالء المساآين ـ

هما االحتفاظ على : وبهذا التدبير آانوا يحصلون على فائدتين آبيرتين . حتى ال يحجموا عن الحرب لعسر النفقة . آيانهم اليهودى، وإنفاق سوق الربا؛ ليأآلوه أضعافا مضاعفة، ويكسبوا ثروات طائلة

: ب منهم ثالث قبائل مشهورةوآانت في يثر

. وآانوا حلفاء الخزرج، وآانت ديارهم داخل المدينة : ـ بنو قينقاع 1 . وآانوا حلفاء الخزرج، وآانت ديارهم بضواحى المدينة : ـ بنو النضير2 . وآانوا حلفاء األوس، وآانت ديارهم بضواحى المدينة : ـ بنو قريظة3

بائل هي التي آانت تثير الحروب بين األوس والخزرج منذ أمد بعيد، وقد ساهمت بأنفسها في حرب وهذه الق . بعاث، آل مع حلفائها

وطبعا فإن اليهود لم يكن يرجى منهم أن ينظروا إلى اإلسالم إال بعين البغض والحقد؛ فالرسول لم يكن من أبناء

سية التي آانت مسيطرة على نفسياتهم وعقليتهم، ودعوة اإلسالم لم تكن جنسهم حتى يسكن جأش عصبيتهم الجنإال دعوة صالحة تؤلف بين أشتات القلوب، وتطفئ نار العداوة والبغضاء، وتدعو إلى التزام األمانة في آل بينها، الشئون، وإلى التقيد بأآل الحالل من طيب األموال، ومعنى آل ذلك أن قبائل يثرب العربية ستتآلف فيما

وحينئذ البد من أن تفلت من براثن اليهود، فيفشل نشاطهم التجارى، ويحرمون أموال الربا الذي آانت تدور عليه رحى ثروتهم، بل يحتمل أن تتيقظ تلك القبائل، فتدخل في حسابها األموال الربوية التي أخذتها اليهود، وتقوم

. في تأدية الربا بإرجاع أرضها وحوائطها التي أضاعتها إلى اليهود

آان اليهود يدخلون آل ذلك في حسابهم منذ عرفوا أن دعوة اإلسالم تحاول االستقرار في يثرب؛ ولذلك آانوا عليه وسلم منذ أن دخل يثرب، وإن آانوا لم اهللاصلى اهللايبطنون أشد العداوة ضد اإلسالم، وضد رسول

. يتجاسروا على إظهارها إال بعد حين

حدثت عن صفية : عنها قال ابن إسحاق اهللاذلك جليا بما رواه ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية رضي ويظهرآنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إال : بنت حيي بن أخطب أنها قالت

المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه عليه وسلم اهللاصلى اهللافلما قدم رسول : قالت . أخذإني دونه : فلم يرجعا حتى آانا مع غروب الشمس، قالت : أبي؛ حيى بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن أخطب مغلسين، قالت

ى واحد ما التفت إل اهللافهششت إليهما آما آنت أصنع، فو : قالت . فأتيا آالين آسالنين ساقطين يمشيان الهوينىنعم : قال ؟ أهو هو : وسمعت عمى أبا ياسر، وهو يقول ألبي حيي بن أخطب : قالت . منهما، مع ما بهما من الغم

. ما بقيت اهللاعداوته و : قال ؟ فما في نفسك منه : نعم، قال : قال ؟ أتعرفه وتثبته : ، قالاهللاو

عنه فقد آان حبرا من فطاحل علماء اهللابن سالم رضي اهللاالم عبد ويشهد بذلك أيضا ما رواه البخاري في إسعليه وسلم المدينة في بني النجار جاءه مستعجلا، وألقى إليه أسئلة ال اهللاصلى اهللاليهود، ولما سمع بمقدم رسول

إن اليهود قوم : ل لهعليه وسلم عليها آمن به ساعته ومكانه، ثم قا اهللايعلمها إال نبى، ولما سمع ردوده صلى عليه وسلم فجاءت اليهود، اهللاصلى اهللابهت، إن علموا بإسالمي قبل أن تسألهم بهتونى عندك، فأرسل رسول

: قالوا ] ؟ بن سالم اهللاأي رجل فيكم عبد [ : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال رسول . بن سالم البيت اهللاودخل عبد خيرنا وابن خيرنا، : وفي لفظ آخر . سيدنا وابن سيدنا : لمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا ـ وفي لفظأعلمنا وابن أع

من ذلك اهللاأعاذه : فقالوا ] ؟ اهللاأفرأيتم إن أسلم عبد [ : عليه وسلم اهللاصلى اهللاوأفضلنا وابن أفضلنا ـ فقال رسول شرنا وابن : ، قالوااهللا، وأشهد أن محمدا رسول اهللاأشهد أن ال إله إال : قالف اهللا، فخرج إليهم عبد ] مرتين أو ثالثا [

الذي ال إله إال هو، إنكم لتعلمون أنه رسول اهللا، فواهللايا معشر اليهود، اتقوا : فقال : وفي لفظ . شرنا، ووقعوا فيه . آذبت : فقالوا . ، وأنه جاء بحقاهللا

. عليه وسلم من اليهود في أول يوم دخل فيه المدينة اهللاصلى اهللااها رسول وهذه أول تجربة تلق

. عليه وسلم حين نزل بالمدينة اهللاوهذه هي الظروف والقضايا الداخلية التي واجهها الرسول صلى

مين، جربت أما من ناحية الخارج فكان يحيط بها من يدين بدين قريش، وآانت قريش ألـد عـدو لإلسالم والمسلعليهم طوال عشرة أعوام ـ حينما آان المسلمون تحت أيديها ـ آل أساليب اإلرهاب والتهديد والمضايقة

والتعذيب، والمقاطعة والتجويع، وأذاقتهم التنكيالت والويالت، وشنت عليهم حربا نفسية مضنية مع دعاية واسعة وديارهم وأموالهم، وحالت بينهم وبين أزواجهم منظمة، ولما هاجر المسلمون إلى المدينة صادرت أرضهم

وذرياتهم، بل حبست وعذبت من قدرت عليه، ولم تقتصر على هذا، بل تآمرت على الفتك بصاحب الدعوة صلى فكان من الطبيعى جدا، حينما . عليه وسلم، والقضاء عليه وعلى دعوته، ولم تأل جهدا في تنفيذ هذه المؤامرة اهللا

مون منها إلى أرض تبعد نحو خمسمائة آيلو متر، أن تقوم بدورها السياسى والعسكرى، لما لها من نجا المسلوسدنته، وتغرى اهللالصدارة الدنيوية والزعامة الدينية بين أوساط العرب بصفتها ساآنة الحرم ومجاورة بيت

المدينة محفوفة باألخطار، وفي غيرها من مشرآي الجزيرة ضد أهل المدينة، وفعلا قامت بذلك آله حتى صارتشبه مقاطعة شديدة قلت ألجلها المستوردات، في حين آان عدد الالجئين إليها يزيد يوما بعد يوم، وبذلك آانت

. قائمة بين هؤالء الطغاة من أهل مكة ومن دان دينهم، وبين المسلمين في وطنهم الجديد ] حالة الحرب [

أن يصادروا أموال هؤالء الطغاة آما صودرت أموالهم، وأن يديلوا عليهم من التنكيالت وآان من حق المسلمين بمثل ما أدالوا بها، وأن يقيموا في سبيل حياتهم العراقيل آما أقاموها في سبيل حياة المسلمين، وأن يكيلوا لهؤالء

. مالطغاة صاعا بصاع حتى ال يجدوا سبيلا إلبادة المسلمين واستئصال خضرائه

عليه وسلم بعدما ورد المدينة، وآان عليه اهللاصلى اهللاوهذه هي القضايا والمشاآل الخارجية التي واجهها رسول . أن يعالجها بحكمة بالغة حتى يخرج منها مكللا بالنجاح

ه، فعامل آل قوم بما وتأييد اهللاعليه وسلم بمعالجة آل القضايا أحسن قيام، بتوفيق من اهللاصلى اهللاوقد قام رسول

آانوا يستحقونه من الرأفة والرحمة أو الشدة والنكال،وذلك بجانب قيامه بتزآية النفوس وتعليم الكتاب والحكمة، وال شك أن جانب التزآية والتعليم والرأفة والرحمة آان غالبا على جانب الشدة والعنت ـ حتى عاد األمر إلى

. جد القارئ آل ذلك جليا في الصفحات اآلتيةاإلسالم وأهله في بضع سنوات، وسي

المرحلة األولى

بناء مجتمع جديد بناء المسجد النبوي

المؤاخاة بين المسلمين ميثاق التحالف اإلسالمي أثر المعنويات في المجتمع

بناء مجتمع جديد

ربيع األول سنة 12 [ عليه وسلم بالمدينة في بني النجار آان يوم الجمعة اهللاصلى اهللاأن نزول رسول قد أسلفناهاهنا المنزل إن شاء [ : ، وأنه نزل في أرض أمام دار أبي أيوب، وقال ] م622سبتمبر سنة 27الموافق / هـ 1 عنه اهللا، ثم انتقل إلى بيت أبي أيوب رضي ] اهللا

المسجد النبوي بناء

عليه وسلم بعد ذلك هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي اهللاصلى اهللاوأول خطوة خطاها رسول عليه وسلم، فاشتراه من غالمين يتيمين آانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اهللابرآت فيه ناقته صلى : اللبن والحجارة ويقول

] فاغفر لألنصار والمهاجرة** عيش إال عيش اآلخرة م الالله [

: وآان يقول

] هــذا أبـــر ربنا وأطـهر** هذا الحمال ال حمال خيبر [

: وآان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة في العمل، حتى إن أحدهم ليقول

ـنا العمــل المضلللـذاك مـ** لئن قعــدنا والنبي يعمل

عليه اهللاصلى اهللاوآانت في ذلك المكان قبور للمشرآين، وآان فيه خرب ونخل وشجرة من غرقد، فأمر رسول وسلم بقبور المشرآين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل والشجرة فقطعت، وصفت في قبلة المسجد، وآانت

اه من حجارة، وأقيمت حيطانه من اللبن والطين، وجعل سقفه من جريد القبلة إلى بيت المقدس، وجعلت عضادتالنخل، وعمده الجذوع، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء، وجعلت له ثالثة أبواب، وطوله مما يلى القبلة إلى

. مؤخره مائة ذراع، والجانبان مثل ذلك أو دونه، وآان أساسه قريبا من ثالثة أذرع

عليه وسلم، وبعد اهللاوتا بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه صلى وبني بجانبه بي . تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبي أيوب

ولم يكن المسجد موضعا ألداء الصلوات فحسب، بل آان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم اإلسالم وتوجيهاته،

ه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة ومنتدى تلتقى وتتآلف في . إلدارة جميع الشئون وبث االنطالقات، وبرلمان لعقد المجالس االستشارية والتنفيذية

دار وال مال وآان مع هذا آله دارا يسكن فيها عدد آبير من فقراء المهاجرين الالجئين الذين لم يكن لهم هناك

. وال أهل وال بنون

وفي أوائل الهجرة شرع األذان، تلك النغمة العلوية التي تدوى في اآلفاق، وتهز أرجاء الوجود، تعلن آل يوم

، وتنفي آل آبرياء في الكون وآل دين في الوجود، إال اهللاوأن محمدا رسول اهللاخمس مرات بأن ال إله إال وقد تشرف برؤيته في المنام أحد الصحابة األخيار عبد . اهللاذي جاء به عبده محمد رسول ، والدين الاهللاآبرياء

عليه وسلم وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب اهللاعنه فأقره النبي صلى اهللابن زيد بن عبد ربه رضي اهللا . ب السنة والسيرةعليه وسلم، والقصة بكاملها مروية في آت اهللاعنه فأقره النبي صلى اهللارضي

المؤاخاة بين المسلمين

مرآز التجمع والتآلف، قام بعمل آخر من أروع ما : عليه وسلم بجانب قيامه ببناء المسجد اهللاثم إن النبي صلى عليه اهللاصلى اهللاثم أخي رسول : يأثره التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بين المهاجرين واألنصار، قال ابن القيم

لم بين المهاجرين واألنصار في دار أنس بن مالك، وآانوا تسعين رجلا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من وس اهللاألنصار، أخي بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوى األرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل

. رد التوارث إلى الرحم دون عقد األخوة ] 75 : األنفال [ } بعضوأولوا األرحام بعضهم أولى ب { : عز وجل

والثبت األول، والمهاجرون آانوا مستغنين . . . إنه أخي بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية : وقد قيل . اهـ . ين مع األنصاربأخوة اإلسالم وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة فيما بينهم، بخالف المهاجر

ومعنى هذا اإلخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فال يكون أساس الوالء

. والبراء إال اإلسالم

وقد امتزجت عواطف اإليثار والمواساة والمؤانسة وإسداء الخير في هذه األخوة، ومألت المجتمع الجديد بأروع . األمثال

عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد ابن الربيع، اهللاصلى اهللاأنهم لما قدموا المدينة أخي رسول : روى البخاري

إني أآثر األنصار مالا، فاقسم مالى نصفين، ولى امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، : فقال لعبد الرحمنفدلوه على سوق بني ؟ لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم اهللا بارك : أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال

اهللاقينقاع، فما انقلب إال ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يوما وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى . ة من ذهبنوا : قال ] ؟ آم سقت إليها [ : قال . تزوجت : قال ] ؟ مهيم [ : عليه وسلم

، ] ال [ : قال . اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل : عليه وسلم اهللاقالت األنصار للنبى صلى : وروى عن أبي هريرة قال

. سمعنا وأطعنا : قالوا . فتكفونا المؤنة ونشرآكم في الثمرة : فقالوا

ة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحية واإليثار والود وهذا يدلنا على ما آان عليه األنصار من الحفاوة البالغوالصفاء، وما آان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره، فلم يستغلوه ولم ينالوا منه إال بقدر ما يقيم

. أودهم

ان يواجهها وحقا فقد آانت هذه المؤاخاة حكمة فذة، وسياسة حكيمة، وحلا رشيدا لكثير من المشاآل التي آ . المسلمون، والتي أشرنا إليها

ميثاق التحالف اإلسالمي

عليه وسلم بعقد هذه المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها ما آان بينهم اهللاصلى اهللاوآما قام رسول

. اد وحدة إسالمية شاملةمن حزازات في الجاهلية، وما آانوا عليه من نزعات قبلية جائرة، واستطاع بفضلها إيج : وفيما يلى بنودها ملخصا

عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، اهللاهذا آتاب من محمد النبي صلى

: وجاهد معهم . ـ إنهم أمة واحدة من دون الناس1وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وآل ـ المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، 2

قبيلة من األنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم األولى، وآل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين . المؤمنين

. ـ وإن المؤمنين ال يترآون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل3 . لمؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنينـ وإن ا4 . ـ وإن أيديهم عليه جميعا، ولو آان ولد أحدهم5 . ـ وال يقتل مؤمن مؤمنا في آافر6 . ـ وال ينصر آافرا على مؤمن7 . واحدة يجير عليهم أدناهم اهللاـ وإن ذمة 8 . ـ وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر واألسوة، غير مظلومين وال متناصرين عليهم9

. إال على سواء وعدل بينهم اهللاـ وإن سلم المؤمنين واحدة؛ ال يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل 10 . اهللاـ وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل 11 . إنه ال يجير مشرك مالا لقريش وال نفسا، وال يحول دونه على مؤمنـ و 12 . ـ وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إال أن يرضى ولي المقتول 13 . ـ وإن المؤمنين عليه آافة، وال يحل لهم إال قيام عليه 14وغضبه يوم اهللاأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة ـ وإنه ال يحل لمؤمن أن ينصر محدثا وال يؤويه، و 15

. القيامة، وال يؤخذ منه صرف وال عدل . عليه وسلم اهللاـ عز وجل ـ وإلى محمـد صلى اهللاـ وإنكم مهما اختلفـتم فيه من شيء، فإن مرده إلى 16

أثر المعنويات في المجتمع عليه وسلم قواعد مجتمع جديد، آانت صورته الظاهرة بيانا اهللاصلى هللابهذه الحكمة وبهذا التدبير أرسى رسول

اهللاعليه وسلم، وآان النبي صلى اهللاوآثارا للمعاني التي آان يتمتع بها أولئك األمجاد بفضل صحبة النبي صلى بآداب الود واإلخاء عليه وسلم يتعهدهم بالتعليم والتربية، وتزآية النفوس، والحث على مكارم األخالق، ويؤدبهم

. والمجد والشرف والعبادة والطاعة

. ] تطعم الطعام، وتقرئ السالم على من عرفت ومن لم تعرف [ : قال ؟ أي اإلسالم خير : سأله رجل

عليه وسلم المدينة جئت، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس اهللالما قدم النبي صلى : بن سالم اهللاقال عبد يا أيها الناس، أفشوا السالم، وأطعموا الطعام، وصلوا األرحام، وصلوا بالليل [ : بوجه آذاب، فكان أول ما قال

] والناس نيام، تدخلوا الجنة بسالم ] ال يدخل الجنة من ال يأمن جاره بوائقه [ : وآان يقول

] المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده [ : ويقول ] ال يؤمن أحدآم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه [ : ولويق

. ] المؤمنون آرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى آله، وإن اشتكى رأسه اشتكى آله [ : ويقولال تباغضوا، وال تحاسدون، وال تدابروا، وآونوا : [ويقول] المؤمن للمؤمن آالبنيان يشد بعضه بعضا: [ويقولالمسلم أخو المسلم ال يظلمه وال يسلمه، : [ويقول]. انا، وال يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثالثة أيامإخو اهللاعباد

عنه آربة من آربات يوم القيامة، اهللافي حاجته، ومن فرج عن مسلم آربة فرج اهللاومن آان في حاجة أخيه آان ليس : [ويقول]. األرض يرحمكم من في السماءارحموا من في : [ويقول] يوم القيامة اهللاومن ستر مسلما ستره

وآان يجعل إماطة ]. سباب المؤمن فسوق، وقتاله آفر: [ويقول]. المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جانبه

الصدقة تطفئ الخطايا آما يطفئ الماء : [ويقول. األذى عن الطريق صدقة، ويعدها شعبة من شعب اإليمان من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما على اهللاآسا مسلما ثوبا على عرى آساه أيما مسلم: [ويقول]. النار

اتقوا : [ويقول] من الرحيم المختوم اهللامن ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه اهللاجوع أطعمه على االستعفاف عن المسألة، وبجانب هذا آان يحث حثا شديدا]. الناء ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة

م إال إذا آان اللهويذآر فضائل الصبر والقناعة، فكان يعد المسألة آدوحا أو خدوشا أو خموشا في وجه السائل ، وآان يربطهم بالوحي النازل اهللاآما آان يبين لهم ما في العبادات من الفضائل واألجر والثواب عند . مضطرا

لتكون هذه الدراسة إشعارا بما عليهم من حقوق : ؤثقا، فكان يقرؤه عليهم ويقرؤونهعليه من المساء ربطا موهكذا هذب تفكيرهم، وربع معنوياتهم، وأيقظ . الدعوة وتبعات الرسلة، فضال عن ضرورة الفهم والتدبر

البشر بعد مواهبهم، وزودهم بأعلى القيم واألقدار، حتى وصوال إلى أعلى قمة من الكمال عرفت في تاريخ من آان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي ال تؤمن عليه : عنه اهللابن مسعود رضى اهللايقول عبد . األنبياء

عليه وسلم، آانوا أفضل هذه األمة؛ وأبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها اهللالفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى ينه، فاعرفوا لهم فضلهم، وابتعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم لصحبة نبيه، وإلقامة د اهللاتكلفا، اختارهم

عليه وسلم آان اهللاثم إن هذا الرسول القائد األعظم صلى . من أخالقهم وسيرهم، فإنهم آانوا على الهدى المستقيمالق ومحاسن يتمتع من الصفات المعنوية والظاهرة، ومن الكماالت المواهب، واألمجاد والفضائل، ومكارم األخ

عنهم اهللاألعمال بما جعتله تهوى إليه األفئدة، وتتفانى عليه النفوس، فما يتكلم بكلمة إال ويبادر صحابته رضي عليه اهللابمثل هذا استطاع النبي صلى . إلى امتثالها، وما يصدر من إرشاد أو توجيه إال ويتسابقون إلى العمل به

يدا أروع وأشرف مجتمع عرفة التاريخ، وأن يضع لمشاآل هذا المجتمع حال وسلم أن يبني في المدينة مجتمعا جدوبمثل هذه المعنويات . تنفست له اإلنسانية الصعداء، بعد أن آانت قد تعبت في غياهب الزمان ودياجير الظلمات

ى الشامخة تكاملت عناصر المجتمع الجديد الذي واجه آل تيارات الزمان حتى صرف وجهتها، وحول مجر .التاريخ واأليام

معاهدة مع اليهود

وعليه وسلم قواعد مجتمع جديد وأمة إسالمية حديدة، بإقامة الوحدة العقدية اهللاصلى اهللابعد أن أرسى رسول والسياسية والنظامية بين المسلمين، بدأ بتنظيم عالقاته بغير المسلمين، وآان قصده بذلك توفير األمن والسالم

للبشرية جمعاء، مع تنظيم المنطقة في وفاق واحد، فسن في ذلك قوانين السماح والتجاوز التي لم والسعادة الخير . تعهد في ذلك العالم الملئ بالتعصب واألغراض الفردية والعرقية

وهم وإن آانوا يبطنون العداوة -آما أسلفنا -وأقرب من آان يجاور المدينة من غير المسلمين هم اليهود عليه وسلم معاهدة اهللاصلى اهللاين، لكن لم يكونوا أظهروا أية مقاومة أو خصومة بعد، فعقد معهم رسول للمسلم

قرر لهم فيها النصح والخير، وترك لهم فيها مطلق الحرية في الدين والمال، ولم يتجه إلى سياسة اإلبعاد أو . المصادرة والخصام

: وفيما يلى أهم بنود هذه المعاهدة

د المعاهدة بنوإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وآذلك لغير بنى عوف - 1

. من اليهود . وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم- 2 . وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة - 3 . والبر دون اإلثم وإن بينهم النصح والنصحية، - 4 . وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه - 5 . وإن النصر للمظلوم - 6 . وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين - 7 . وإن يثرب حرام جوفها ألهل هذه الصحيفة- 8عز وجل، وإلى محمد اهللاوإنه ما آان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى - 9

. عليه وسلم اهللاصلى اهللارسول . وإنه ال تجار قريش وال من نصرها -10 . على آل أناس حصتهم من جابنهم الذي قبلهم . . وإن بينهم النصر على من دهم يثرب -11 . وإنه ال يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم -12

ينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة، ورئيسها ـ إن صح هذا التعبير ـ وبإبرام هذه المعاهدة صارت المد . عليه وسلم، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين اهللاصلى اهللارسول

عليه وسلم قبائل أخرى في المستقبل بمثل هذه المعاهدة، اهللاولتوسيع منطقة األمن والسالم عاهد النبي صلى . ما اقتضته الظروف، وسيأتي ذآر شيء عنها حسب

الكفاح الدامي

استفزازات قريش واتصالهم بعبد اهللا بن أبي إعالن عزيمة الصد عن المسجد الحرام

قريش تهدد المهاجرين اإلذان بالقتال

الغزوات والسيرايا قبل بدر : وفيما يلى أحوال هذه السرايا باإليجاز

استفزازات قريش واتصالهم بعبد اهللا بن أبي

ئم التي استحقوا تقدم ما أدلى به آفار مكة من التنكيالت والويالت على المسلمين في مكة، ثم ما أتوا به من الجراألجلها المصادرة والقتال، عند الهجرة، ثم إنهم لم يفيقوا من غيهم وال امتنعوا عن عدوانهم بعدها، بل زادهم

-وآان إذ ذاك مشرآا -بن أبي سلول اهللاغيظا أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمنا ومقرا بالمدنية، فكتبوا إلى عبد فمعلوا أنهم آانوا قد اتفقوا عليه، وآادوا يجعلونه ملكا على أنفسهم لوال أن - بصفته رئيس األنصار قبل الهجرة

آتبوا إليه وإلى أصحابه المشرآين، يقولون لهم في -عليه وسلم إليهم، وآمنوا به اهللاصلى اهللاهاجر رسول : آلمات باتة

رن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسي اهللاإنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم ب

. نساءآم

وقد آان يحقد على -بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشرآين من أهل مكة اهللاوبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد بن أبي هللافلما بلغ ذلك عبد : يقول عبد الرحمن بن آعب - لما يراه أنه استبله ملكه : عليه وسلم اهللالنبي صلى

عليه اهللاعليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صلى اهللاصلى اهللاومن آان معه من عبدة األوثان اجتمعوا لقتال رسول لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما آانت تكيدآم بأآثر ما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، ( : وسلم لقيهم، فقال

. عليه وسلم تفرقوا اهللا، فلما سمعوا ذلك من النبي صلى ) متريدون أن تقالوا أبناءآم وإخوانك

بن أبي بن سلول عن القتال إذ ذلك، لما رأي خورا أو رشدا في أصحابه، ولكن يبدو من تصرفاته اهللامتنع عبد وآان يضم أنه آان متواطئا مع قريش، فكان ال يجد فرصة إال وينتهزها إليقاع الشر بين المسلمين والمشرآين،

عليه وسلم التي آانت تطفئ نار شرهم حينا اهللامعه اليهود، ليعينوه على ذلك، ولكن تلك هي حكمة النبي صلى . بعد حين

إعالن عزيمة الصد عن المسجد الحرام

وة لعلي انظر لي ساعة خل : ثم أن سعد بن معاذ انطلق إلى مكة معتمرا، فنزل على أمية بن خلف بمكة، فقال ألمية : فقال ؟ يا أبا صفوان، من هذا معك : أن أطوف البيت، فخرج به قريبا من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل، فقال

أال أراك تطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما : هذا سعد، فقال له أبو جهللئن منعتني اهللاأما و : ورفع صوته عليه -ت إلى أهلك سالما، فقال له سعد لوال أنك مع أبي صفوان ما رجع اهللاو

. طريقك على أهل المدينة : هذا ألمنعك ما هو أشد عليكم منه

قريش تهدد المهاجرين وآأن قريشا آانت تعتزعلى شر أشد من هذا، وتفكر في القيام بنفهسا للقضاء على المسلمين، وخاصة على النبي

. عليه وسلم اهللالى ص

عليه وسلم من مكائد قريش وإرادتها على اهللاصلى اهللاولم يكن هذا مجرد وهم أو خيال، فقد تأآد لدى رسول روى الشيخان في صحيحيهما عن عائشة . الشر ما آان ألجله ال يبيت إال ساهرا، أو في حرس من الصحابة

ليت رجال صالحا من ( : عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال اهللا صلى اهللاسهر رسول : عنها قالت اهللارضى سعد بن أبي : قال ) ؟ من هذا ( : فبينما نحن آذلك سمعنا خشخشة سالح، فقال : ، قالت ) أصحابي يحرسني الليلةصلى اهللافي نفسي خوف على رسول وقع : فقال ) ؟ ما جاء بك ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاوقاص، فقال له رسول

. عليه وسلم، ثم نام اهللاصلى اهللاعليه وسلم، فجئت أحرسه، فدعا له رسول اهللا

آان رسول : ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي، بل آان ذلك أمرا مستمرا، فقد روى عن عائشة قالت اهللا، فأخرج رسول ] 67 : المائدة [ } واهللا يعصمك من الناس { : عليه وسلم يحرس ليال حتى نزل اهللاصلى اهللا

. ) عز وجل اهللايا أيها الناس، انصرفوا عني فقد عصمني ( : عليه وسلم رأسه من القبة، فقال اهللاصلى

افة، فقد روى أبي بن عليه وسلم، بل آان يحدق بالمسلمين آ اهللاصلى اهللاولم يكن الخطر مقتصرا على رسول عليه وسلم وأصحابه المدينة، وآوتهم األنصار رمتهم العرب عن قوس اهللاصلى اهللالما قدم رسول : آعب، قال

. واحدة، وآانوا ال يبيتون إال بالسالح، وال يصبحون إال فيه

اإلذان بالقتال ة، وتنبئ عن قريش أنهم ال يفيقون عن غيهم وال في هذه الظروف الخطيرة التي آانت تهدد آيان المسلمين بالمدين

أذن للذين { : تعالى اإلذن بالقتال للمسلمين ولم يفرضه عليهم، قال تعالى اهللايمتنعون عن تمردهم بحال، أنزل . ] 39 : الحج [ } يقاتلون بأنهم ظلموا وإن اهللا على نصرهم لقدير

الذين إن { : ، قال تعالىاهللاوأنزل معه آيات بين لهم فيها أن هذا اإلذن إنما هو إلزاحة الباطل وإقامة شعائر

: الحج [ } الأمور له عاقبة مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزآاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ول41 [ .

وآان اإلذن مقتصرا على قتال قريش، ثم تطور فيما بعد مع تغير الظروف حتى وصل إلى مرحلة الوجوب، : وجاوز قريشا إلى غيرهم، وال بأس أن نذآر تلك المراحل بإيجاز قبل أن ندخل في ذآر األحداث

بدأوا بالعدوان، فحق للمسلمين أن يقاتلوهم ويصادروا أموالهم دون اعتبار مشرآي قريش محاربين؛ ألنهم - 1

. غيرهم من بقية مشرآي العربقتال آل من تماأل من مشرآي العرب مع قريش واتحد معهم، وآذلك آل من تفرد باالعتداء على المسلمين - 2

. من غير قريشعليه وسلم، اهللاصلى اهللاهم عقد وميثاق مع رسول قتال من خان أو تحيز للمشرآين من اليهود الذين آان ل - 3

. ونبذ ميثاقهم إليهم على سواء . قتال من بادأ بعداوة المسلمين من أهل الكتاب، آالنصارى، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون - 4ض لنفسه وماله إال الكف عمن دخل في اإلسالم، مشرآا آان أو يهوديا أو نصرانيا أو غير ذلك، فال يتعر - 5

. اهللابحق اإلسالم، وحسابه على

عليه وسلم أن يبسط سيطرته على الطريق الرئيس الذي تسلكه اهللاصلى اهللاولما نزل اإلذن بالقتال رأى رسول : قريش من مكة إلى الشام في تجاراتهم، واختار لذلك خطتين

القبائل التي آانت مجاورة لهذا الطريق، أو آانت تقطن ما بين عقد معاهدات الحلف أو عدم االعتداء مع : األولى

عليه وسلم معاهدة مع جهينة قبل األخذ في النشاط العسكري، اهللاهذا الطريق وما بين المدينة، وقد عقد صلى

وآانت مساآنهم على ثالث مراحل من المدينة، آما عقد معاهدات أخرى أثناء دورياته العسكرية، وسيأتي . اذآره

. إرسال البعوث واحدة تلو األخرى إلى هذا الطريق : الثانية

الغزوات والسيرايا قبل بدر

ولتنفيذ هاتين الخطتين بدأ بالتحرآات العسكرية فعال بعد نزول اإلذن بالقتال وآانت أشبه بالدوريات : االستطالعية، وآان المطلوب منها آما أشرنا

. على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة االستكشاف والتعرف

. عقد المعاهدات مع القبائل التي مساآنها على هذه الطرقإشعار مشرآي يثرب ويهودها وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء وأنهم تخلصوا من ضعفهم

. القديم

عن غيها الذي ال يزال يتوغل في أعماقها، وعلها تشعر بتفاقم الخطر على إنذار قريش عقبى طيشها، حتى تفيقاقتصادها وأسباب معايشها فتجنح إلى السلم، وتمتنع عن إرادة قتال المسلمين في عقر دارهم، وعن الصد عن

في اهللالة ، وعن تعذيب المستضعفين من المؤمنين في مكة، حتى يصير المسلمون أحرارا في إبالغ رسااهللاسبيل . ربوع الجزيرة

: وفيما يلى أحوال هذه السرايا باإليجاز سرية سيف البحر - 1

عليه وسلم على هذه السرية حمزة اهللاصلى اهللام، أمر رسول 623هـ، الموافق مارس سنة 1في رمضان سنة جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن عبد المطلب، وبعثه في ثالثين رجال من المهاجرين يعترضون عيرا لقريش

بن هشام في ثالثمائة رجل، فلبغوا سيف البحر من ناحية العيص، فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى مجدي بن . عمرو الجني ـ وآان حليفا للفريقين جميعا ـ بين هؤالء وهؤالء حتى جحز بينهم فلم يقتتلوا

عليه وسلم، وآان أبيض، وحمله أبو مرثد آناز بن حصين اهللاى صل اهللاوآان لواء حمزة أول لواء عقده رسول . الغنوي

: سرية رابغ- 2

عليه وسلم عبيدة بن اهللاصلى اهللام، بعث لها رسول 632من الهجرة، الموافق أبريل سنة 1في شوال سنة على بطن رابغ، وقد -ين وهو في مائت -الحارث بن المطلب في ستين رجال من المهاجرين، فلقى أبا سفيان

. ترامي الفريقان بالنبل، ولم يقع قتال

وفي هذه السرية انضم رجالن من جيش مكة إلى المسلمين، وهما المقداد بن عمرو البهراني، وعتبه بن غزوان المارني، وآانا مسلمين خرجا مع الكفار ليكون ذلك وسيلة للوصول إلى المسلمين، وآان لواء عبيدة أبيض،

. وحامله مسطح بن أثاثة بن المطلب بن عبد مناف سرية الخرار - 3

عليه وسلم سعد بن أبي وقاص اهللاصلى اهللام، بعث لها رسول 623هـ، الموافق مايو سنة 1في ذي العقدة سنة

في عشرين رجال يعترضون عيرا لقريش، وعهد إليه إال يجاوز الخرار، فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار، . يسيرون بالليل، حتى بلغوا الخرار صبيحة خمس، فوجدوا العير قد مرت باألمسو

. عنه أبيض، وحمله المقداد بن عمرو اهللاآان لواء سعد رضى : غزة األبواء أو ودان- 4

عليه وسلم فيها بنفسه في سبعين اهللاصلى اهللام، خرج رسول 623هـ، الموافق أغسطس سنة 2في صفر سنة ال من المهاجرين خاصة يعترض عيرا لقريش، حتى بلغ ودان، فلم يلق آيدا، واستخلف فيها على المدينة سعد رج

. عنه اهللابن عبادة رضى

وفي هذه الغزوة عقد معاهدة حلف مع عمرو بن مخشى الضمري، وآان سيد بنى ضمرة في زمانه، وهذا نص لبني ضمره، فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وإن لهم النصر على اهللاهذا آتاب من محمد رسول ( : المعاهدة

. ) ن ما بل بحر صوفة وأن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه اهللامن رامهم إال أن يحاربوا دين

عليه وسلم، وآانت غيبته خمس عشرة ليلة، وآان اللواء أبيض اهللاصلى اهللاوهذه أول غزوة غزاها رسول . حمزة بن عبد المطلب وحامله

: غزوة بواط - 5

عليه وسلم في مائتين اهللاصلى اهللام، خرج فيها رسول 623هـ الموافق سبتمبر سنة 2في شهر ربيع األول سنة من أصحابه، يعترض عيرا لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمئة بعير،

. ضوى ولم يلق آيدافبلغ بواطا من ناحية ر اهللاواستخلف في هذه الغزوة على المدينة سعد بن معاذ، واللواء آان أبيض، وحامله سعد بن أبي وقاص رضى

. عنه

غزوة سفوان - 6م، أغار آرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من 623هـ، الموافق سبتمبر سنة 2في شهر ربيع الول سنة عليه وسلم في سبعين رجال اهللاصلى اهللامدينة، ونهب بعض المواشي فخرج رسول المشرآين على مراعي ال

سفوان من ناحية بدر، ولكنه لم يدرك آرزا وأصحابه، فرجع من : من أصحابه لمطارته، حتى بلغ واديا يقال له . دون حرب، وهذه الغزوة تسمى بغزوة بدر األولى

. زيد بن حارثة، وآان اللواء أبيض، وحامله علي بن أبي طالبواستخلف في هذه الغزوة على المدينة : غزوة ذي العشيرة - 7

اهللاهـ، خرج فيها رسول 623هـ، الموافق نوفمبر وديسمبر سنة 2في جمادى األولى، وجمادى اآلخرة سنة دا على الخروج، وخرجوا في مائتين، من المهاجرين، ولم يكره أح : عليه وسلم في خمسين ومائة ويقال اهللاصلى

على ثالثين بعيرا يعتقبونها، يعترضون عيرا لقريش، ذاهبة إلى الشام، وقد جاء الخبر بفصولها من مكة، فيها أموال لقريش فبلغ ذا العشيرة، فوجد العير قد فاتته بأيام، وهذه هي العير التي خرج في طلبها حين رجعت من

. كبرىالشام، فصارت سببا لغزوة بدر ال

عليه وسلم في أواخر جمادى األولى، ورجوعه في أوائل جمادى اآلخرة، على ما قاله اهللاوآان خروجه صلى . ابن إسحاق، ولعل هذه هو سبب اختالف أهل السير في تعيين شهر هذه الغزوة

. حلفائهم من بنى ضمرةعليه وسلم معاهدة عدم اعتداء مع بنى مدلج و اهللاصلى اهللاوفي هذه الغزوة عقد رسول واستخلف على المدينة في هذه الغزوة أبا سلمة بن عبد األسد المخزومي، وآان اللواء أبيض، وحامله حمزة بن

. عنه اهللاعبد الملطب رضي

: سرية نخلة - 8

، وأمره أال عليه وسلم آتب له آتابا اهللاصلى اهللام، بعث رسول 624هـ، الموافق يناير سنة 2في رجب سنة إذا نظرت في آتابي ( : ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه اهللافسار عبد . ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه

سمعا : فقال . ) هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكلة والطائف، فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارهمال يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن آره الموت فليرجع، وأما أنا وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وأنه

فناهض، فنهضوا آلهم، غير أنه لما آان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما . آانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه

زبيبا وأدما وتجارة، وفيها عمرو بن بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل اهللاوسار عبد فتشاور المسلمون . بن المغيرة، والحكم ابن آيسان مولى بني المغيرة اهللالخضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد

نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن ترآناهم الليلة دخلوا : وقالواتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم الحرم، ثم اج

قدموا بالعير واألسيرين إلى المدينة، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أو خمس آان في اإلسالم، وأول قتيل في . اإلسالم، وأول أسيرين في اإلسالم

وتوقف عن التصرف ) ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ( : لم ما فعلوه، وقالعليه وس اهللاصلى اهللاوأنكر رسول . في العير واألسيرين

، وآثر في ذلك القيل والقال، حتى اهللاووجد المشرآون فيما حدث فرصة التهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم يسألونك عن { : بر وأعظم مما ارتكبه المسلموننزل الوحي حاسما هذه األقاويل وأن ما عليه المشروآون أآ

وإخراج أهله منه أآبر عند الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه آبير وصد عن سبيل اهللا وآفر به والمسجد الحرام . ] 217 : البقرة [ } القتل اهللا والفتنة أآبر من

فقد صرح هذا الوحي بأن الضجة التي افتعلها المشرآون إلثارة الريبة في سيرة المقاتلين المسلمين ال مساغ لها، فإن الحرمات المقدسة قد انتهكت آلها في محاربة اإلسالم، واضطهاد أهله، ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد

فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة، فأصبح انتهاآها معرة ؟ رر سلب أموالهم وقتل نبيهمالحرام حين تق . ال جرم أن الدعاية التي أخذ ينشرها المشرآون دعاية تبتني على وقاحة ودعارة ؟ وشناعة

. ى أوليائهأدى دية المقتول إل , عليه وسلم سراح األسيرين، اهللاصلى اهللاوبعد ذلك أطلق رسول

تلكم السرايا والغزوات قبل بدر، لم يجر في احد منها سلب األموال وقتل الرجال إال بعد ما ارتكبه المشرآون في . قيادة آرز بن جابر الفهري، فالبداية إنما هي من المشرآين مع ما آانوا قد أتوه قبل ذلك من األفاعيل

جحش تحقق خوف المشرآين وتجسد أمامهم الخطر الحقيقي، ووقعوا بن اهللاوبعد وقوع ما وقع في سرية عبد فيما آانوا يخشون الوقوع فيه، وعلموا أن المدينة في غاية من التيقظ والتربص، تترقب آل حرآة من حرآاتهم

ا التجارية، وأن المسلمين يستطيعون أن يزحفوا إلى ثالثمائة ميل تقريبا، ثم يقلتوا ويأسروا رجالهم، ويأخذوأموالهم، ويرجعوا سالمين غانمين، وشعر هؤالء المشرآون بأن تجارتهم إلى الشام أمام خطر دائم، لكنهم بدل أن

آما فعلت جهينة وبنو ضمرة ازدادوا حقدا وعيظا، وصمم - يفيقوا عن غيهم، ويأخذوا طريق الصالح والموادعة من إبادة المسلمين في عقر دارهم، وهذا هو : قبلصناديدهم وآبراؤهم على ما آانوا يوعدون ويهددون به من

. الطيش الذي جاء بهم إلى بدر

هـ، وأنزل في 2بن جحش في شهر شعبان سنة اهللاعليهم القتال بعد وقعة سرية عبد اهللاأما المسلمون فقد فرض م وال تعتدوا إن اهللا ال يحب المعتدين واقتلوهم حيث وقاتلوا في سبيل اهللا الذين يقاتلونك { : ذلك آيات بينات

مسجد الحرام حتى يقاتلوآم فيه ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوآم والفتنة أشد من القتل وال تقاتلوهم عند الحتى ال تكون فتنة ويكون إن قاتلوآم فاقتلوهم آذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن اهللا غفور رحيم وقاتلوهمف

. ] 193 : 190 : البقرة [ } الدين لله فإن انتهوا فال عدوان إال على الظالمين

تعالى عليهم آيات من نوع آخر، يعلمهم فيها طريقة القتال، ويحثهم عليه، ويبين لهم بعض اهللاثم لم يلبث أن أنزل نا بعد وإما فداء حتى فإذا لقيتم الذين آفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما م { : أحكامه

ن قتلوا في سبيل اهللا فلن تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء اهللا لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذيدخلهم الجنة عرفها لهم يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا اهللا ينصرآم ويثبت يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم وي

. ] 7 : 4 : محمد [ } أقدامكم

محكمة وذآر فيها فإذا أنزلت سورة { : الذين طفقت أفئدتهم ترجف وتخفق حين سمعوا األمر بالقتال اهللاثم ذم . ] 20 : محمد [ } القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت

هناك قائد يسبر وإيجاب القتال والحض عليه، واألمر باالستعداد له هو عين ما آانت تقتضيه األحوال، ولو آانأغوار الظروف ألمر جنده باالستعداد لجميع الطورائ، فكيف بالرب العليم المتعال، فالظروف آانت تقتضى

بن جحش ضربة قاسية على غيرة المشرآين اهللاعراآا داميا بين الحق والباطل، وآانت وقعة سرية عبد . وحميتهم، آلمتهم وترآتهم يتقلبون على مثل الجمر

آيات األمر بالقتال تدل بفحواها على قرب العراك الدامي، وأن النصر والغلبة فيه للمسلمين نهائيا، انظر آيف والمسلمين بإخراج المشرآين من حيث أخرجوهم، وآيف يعلمهم أحكام الجند المتغلب في األساري اهللايأمر

ولكن ترك آل ذلك . غلبة المسلمين نهائياواإلثخان في األرض حتى تضع الحرب أوزارها، هذه آلها إشارة إلى . اهللامستورا حتى يأتي آل رجل بما فيه من التحمس في سبيل

تعالى بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد اهللاأمر -م 624فبراير / هـ 2في شعبان سنة -وفي هذه األيام الذين آانوا قد خلوا صفوف المسلمين إلثارة البلبلة، انكشفوا الحرام، وأفاد ذلك أن الضعفاء والمنافقين من اليهود

. عن المسلمين ورجعوا إلى ما آانوا عليه، وهكذا تطهرت صفوف المسلمين عن آثير من أهل الغدر والخيانة

ليس من ولعل في تحويل القبلة إشارة لطيفة إلى بداية دور جديد ال ينتهي إلى بعد احتالل المسلمين هذه القبلة، أو . العجب أن تكون قبلة قوم بيد أعدائهم، وإن آانت بأيديهم فعال فالبد من تخليصها يوما ما إن آانوا على الحق

، ولقاء العدو في معرآة اهللاوبهده األوامر واإلشارات زاد نشاط المسلمين، واشتد شوقهم إلى الجهاد في سبيل . اهللافاصلة إلعالء آلمة

رى أول معرآة من معارك اإلسالم الفاصلة غزوة بدر الكب

سبب الغزوة مبلغ قوة الجيش اإلسالمي وتوزيع القيادات

النذير في مكة أهل مكة يتجهزون للغزو

قوام الجيش المكي مشكلة قبائل بني بكر

جيش مكة يتحرك العير تفلت

هم الجيش المكي بالرجوع، ووقوع االنشقاق فيه موقف الجيش اإلسالمي في ضيق وحرج

المجلس االستشاري الجيش اإلسالمي يواصل سيره

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يقوم بعملية االستكشاف الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي

الجيش اإلسالمي يسبق إلى أهم المراآز العسكرية مقر القيادة

تعبئة الجيش وقضاء الليل الجيش المكي في عرصة القتال، ووقوع االنشقاق فيه

سبب الغزوة

ي ذهابها من مكة إلى الشام، عليه وسلم ف اهللاسبق في ذآر غرزة العشيرة أن عيرا لقريش أفلتت من النبي صلى وسعيد بن زيد إلى اهللاعليه وسلم طلحة بن عبيد اهللاصلى اهللافلما قرب رجوعها من الشام إلى مكة بعث رسول

الشمال ليقوما باآتشاف خبرها، فوصال إلى الحوراء ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا إلى المدينة . عليه وسلم الخبر اهللاصلى اهللاوأخبرا رسول

ألف بعير موقرة بأموال ال تقل عن خمسين ألف : وآانت العير تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها . ولم يكن معها من الحرب إال نحو أربعين رجال . دينار ذهبي

هم على مر العصور، لذلك إنها فرصة ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة اقتصادية قاصمة، تتألم لها قلوب . ) ينفلكموها اهللاهذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل ( : عليه وسلم قائال اهللاصلى اهللاأعلن رسول

ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك األمر للرغبة المطلقة، لما أنه لم يكن يتوقع عند هذا االنتداب أنه سيصطدم هذا االصطدام العنيف في بدر؛ ولذلك تخلف آثير من الصحابة في المدينة، وهم - ل العيربد -بجيش مكة

عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا والغزوات اهللاصلى اهللايحسبون أن مضى رسول . الماضية؛ ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغروة

زيع القيادات مبلغ قوة الجيش اإلسالمي وتو

317، أو 314، أو 313عليه وسلم للخروج ومعه ثالثمائة وبضعة عشر رجال ـ اهللاصلى اهللاواستعد رسول ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفاال . من الخرزج 170من األوس و 61من المهاجرين و 86أو 83أو 82رجال ـ

فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن : إال فرس أو فرسانبليغا، وال اتخذوا أهبتهم آاملة، فلم يكن معهم اهللاصلى اهللاألسود الكندي، وآان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجالن والثالثة على بعير واحد، وآان رسول

. عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا واحد

ن أم مكتوم، فلما آان بالروحاء رد أبا لبابة ابن عبد المنذر، واستعمله واستخلف على المدينة وعلى الصالة اب

. على المدينة

. ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري، وآان هذا اللواء أبيض

: وقسم جيشه إلى آتيبتين . العقاب : اوأعطى رايتها علي بن أبي طالب، ويقال له : آتيبة المهاجرين - 1 . ـ وآانت الرايتان سوداوين ـ . وأعطى رايتها سعد بن معاذ : وآتبية األنصار - 2

وآانا هما الفارسين الوحيدين في -وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمروعليه وسلم اهللالقيادة العامة في يده صلى وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت -آما سبق -الجيش

. آقائد أعلى للجيش

عليه وسلم في هذا الجيش غير المتأهب، فخرج من نقب المدينة، ومضى على الطريق اهللاصلى اهللاوسار رسول الرئيسي المؤدي إلى مكة، حتى بلغ بئر الروحاء، فلما ارتحل منها ترك طريق مكة إلى اليسار، وانحرف ذات

رحقان بين النازية وبين مضيق : اليمين على النازية يريد بدرا فسلك في ناحية منه حتى جزع وديا يقال لهالصفراء، ثم مر على المضيق ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، ومن هنالك بعث بسبس بن عمرو الجني

. وعدي بن أبي الزغباء الجهي إلى بدر يتجسسان له أخبار العير

النذير في مكة

آان على غاية من الحيطة والحذر، فقد آان يعلم أن طريق - وهو المسئول عنها -وأما خبر العير فإن أبا سفيان مكة محفوف باألخطار، وآان يتحسس األخبار ويسأل من لقى من الرآبان، ولم يلبث أن نقلت إليه استخباراته

أصحابه ليوقع بالعير، وحينئذ استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو عليه وسلم قد استنفر اهللابأن محمدا صلى عليه وسلم وأصحابه، اهللالغفاري إلى مكة مستصرخا لقريش بالنفير إلى عيرهم؛ ليمنعوه من محمد صلى

وخرج ضمضم سريعا حتى أتى مكة، فخرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره، وقد جدع أنفه وحول رحله، وشقق يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها لها محمد في : و يقولقميصه، وه

. الغوث . . . أصحابه، ال أرى أن تدرآوها، الغوث

أهل مكة يتجهزون للغزو ذلك، ليعلمن غير اهللاآال و ؟ أيظن محمد وأصحابه أن تكون آعير ابن الحضرمي : فتحفز الناس سراعا وقالوا

إما خارج، وإما باعث مكانه رجلا، وأوعبوا في الخروج فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى : فكانوا بين رجلينأبي لهب، فإنه عوض عنه رجلا آان له عليه دين، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد

. من بطون قريش إال بني عدى فلم يخرج منهم أحد

لجيش المكي قوام اوآان قوام هذا الجيش نحو ألف وثالثمائة مقاتل في بداية سيره، وآان معه مائة فرس وستمائة درع، وجمال آثيرة ال يعرف عددها بالضبط، وآان قائده العام أبا جهل ابن هشام، وآان القائمون بتموينه تسعة رجال من

. ا من اإلبلأشراف قريش، فكانوا ينحرون يوما تسعا ويوما عشر

مشكلة قبائل بني بكر ولما أجمع هذا الجيش على المسير ذآرت قريش ما آان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكاد ذلك يثنيهم، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة

أنا لكم جار من أن تأتيكم آنانة من خلفكم بشيء : شم المدلجى ـ سيد بني آنانة ـ فقال لهمسراقة بن مالك بن جع . تكرهونه

جيش مكة يتحرك ، وأقبلوا ـ ] 47 : األنفال [ } بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل اهللا { : اهللاوحينئذ خرجوا من ديارهم، آما قال

وغدوا على حرد { ويحادون رسوله اهللاعليه وسلم ـ بحدهم وحديدهم يحادون اهللاصلى اهللاال رسول آما قعليه وسلم وأصحابه؛ لجرأة هؤالء اهللاصلى اهللا، وعلى حمية وغضب وحنق على رسول ] 25 : القلم [ } قادرين

. على قوافلهم

اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادى عسفان، ثم قديدا، ثم الجحفة، وهناك تحرآوا بسرعة فائقة نحو الشمال فيإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيرآم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها : تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها

. فارجعوا اهللا

العير تفلت طريق الرئيسى، ولكنه لم يزل حذرا متيقظا، وضاعف حرآاته وآان من قصة أبي سفيان أنه آان يسير على ال

ما رأيت : االستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره حتى لقى مجدى بن عمرو، وسأله عن جيش المدينة، فقالر أبو سفيان إلى أحدا أنكره إال إني قد رأيت راآبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فباد

عالئف يثرب، فرجع إلى عيره سريعا، اهللاهذه و : مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته فإذا فيه النوى، فقالوضرب وجهها محولا اتجاهها نحو الساحل غربا، تارآا الطريق الرئيسى الذي يمر ببدر على اليسار، وبهذا نجا

. مدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفةبالقافلة من الوقوع في قبضة جيش ال

هم الجيش المكي بالرجوع، ووقوع االنشقاق فيه اهللاو : ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في آبرياء وغطرسة قائلا

الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع ال نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم بها ثالثا، فننحر . بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فال يـزالون يهابوننا أبدا

ولكن على رغم أبي جهل ـ أشار األخنس بن شريق بالرجوع فعصوه،فرجع هو وبنو زهرة ـ وآان حليفا لهم، يشهد بدرا زهرى واحد، وآانوا حوالى ثالثمائة رجل،واغتبطت بنو زهرة بعد ورئيسا عليهم في هذا النفير ـ فلم

. برأي األخنس بن شريق، فلم يزل فيهم مطاعا معظما . ال تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع : وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم أبو جهل، وقالهرة ـ وهو يقصد بدرا ـ فواصل سيره حتى نزل قريبا من فسار جيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني ز

. بدر، وراء آثيب يقع بالعدوة القصوى على حدود وادى بدر

موقف الجيش اإلسالمي في ضيق وحرج

عليه وسلم ـ وهو ال يزال في الطريق بوادي اهللاصلى اهللاأما استخبارات جيش المدينة فقد نقلت إلى رسول العير والنفير، وتأآد لديه بعد التدبر في تلك األخبار أنه لم يبق مجال الجتناب اللقاء الدامي، وأنه ال ذفران ـ خبر

بد من إقدام يبني على الشجاعة والبسالة، والجراءة، والجسارة، فمما ال شك فيه أنه لو ترك جيش مكة يجوس متدادا لسلطانها السياسي، وإضعافا لكلمة خالل تلك المنطقة يكون ذلك تدعيما لمكانة قريش العسكرية، وا

المسلمين وتوهينا لها،بل ربما تبقى الحرآة اإلسالمية بعد ذلك جسدا ال روح فيه، ويجرؤ على الشر آل من فيه . حقد أو غيظ على اإلسالم في هذه المنطقة

حتى ينقل المعرآة إلى ثم هل هناك ضمان للمسلمين بامتناع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة،

فلو حدث من جيش المدينة نكول ما، لكان له أسوأ األثر على ! آال ؟ أسوارها، ويغزو المسلمين في عقر دارهم . هيبة المسلمين وسمعتهم

المجلس االستشاري

استشاريا أعلى، عليه وسلم مجلسا عسكريا اهللاصلى اهللاونظرا إلى هذا التطور الخطير المفاجيء عقد رسول وحينئذ تزعزع قلوب فريق من . أشار فيه إلى الوضع الراهن، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه وقادته

آما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين { : فيهم اهللالناس،وخافوا اللقاء الدامى،وهم الذين قال ، وأمــا قادة ] 6، 5 : األنفال [ } ارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين آأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرونلك

يا : الجيش فقـام أبو بكر الصديق فقال وأحسن،ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن،ثم قام المقداد بن عمرو فقالفاذهب أنت وربك { : ال نقول لك آما قالت بنو إسرائيل لموسى اهللا،فنحن معك،واهللا، امض لما أراك اهللاسول ر

، ولكن اذهب أنت وربك فقاتال إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو ]24 : المائدة [ } فقاتال إنا هاهنا قاعدون . الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغهسرت بنا إلى برك

. عليه وسلم خيرا ودعا له به اهللاصلى اهللافقال رسول عليه وسلم أن يعرف اهللاصلى اهللاوهؤالء القادة الثالثة آانوا من المهاجرين، وهم أقلية في الجيش، فأحب رسول

ن ثقل المعرآة سيدور على آواهلهم، مع أن نصوص رأي قادة األنصار؛ ألنهم آانوا يمثلون أغلبية الجيش، وأل ) أشيروا على أيها الناس ( : العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فقال بعد سماع آالم هؤالء القادة الثالثة

. وإنما يريد األنصار، وفطن إلى ذلك قائد األنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ ؟ اهللاتريدنا يا رسول ، ولكأنك اهللاو : فقال . ) أجل ( : قالفقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع : قال

لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، اهللاوالطاعة، فامض يا رسول اهللاا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل ما تخلف من

. اهللايريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على برآة لعلك تخشى أن تكون األنصار ترى حقا عليها : عليه وسلم اهللاصلى اهللاوفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول

فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، : تنصرك إال في ديارهم، وإني أقول عن األنصار وأجيب عنهمأالواقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا آان أحب إلينا مما ترآت، وما

لئن اهللامن غمدان لنسيرن معك، وولئن سرت حتى تبلغ البرك اهللاأمرت فيه من أمر فأمرنا تبع ألمرك، فهو . استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك

تعالى قد وعدنى اهللاسيروا وأبشروا، فإن ( : عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال اهللاصلى اهللافسر رسول . ) لكإني اآلن أنظر إلى مصارع القوم اهللاإحدى الطائفتين، و

اإلسالمي يواصل سيره الجيشاألصافر، ثم انحط منها إلى بلد : عليه وسلم من ذفران، فسلك على ثنايا يقال لها اهللاصلى اهللاثم ارتحل رسول

. الدبة، وترك الحنان بيمين ـ وهو آثيب عظيم آالجبل ـ ثم نزل قريبا من بدر : يقال له

م بعملية االستكشاف عليه وسلم يقو اهللالرسول صلى عنه اهللاعليه وسلم بنفسه بعملية االستكشاف مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق رضي اهللاوهناك قام صلى

عليه وسلم عن قريش اهللاصلى اهللاوبينما هما يتجوالن حول معسكر مكة إذا هما بشيخ من العرب، فسأله رسول ال أخبرآما حتى تخبراني ممن : في التكتم ـ ولكن الشيخ قال وعن محمد وأصحابه ـ سأل عن الجيشين زيادة

. ) نعم ( : قال ؟ أو ذاك بذاك : ، قال ) إذا أخبرتنا أخبرناك ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال له رسول ؟ أنتما

ذي أخبرني فهم اليوم بمكان فإنه بلغنى أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم آذا وآذا، فإن آان صدق ال : قال الشيخوبلغنى أن قريشا خرجوا يوم آذا وآذا، فإن آان صدق الذي أخبرني فهم . آذا وآذا ـ للمكان الذي به جيش المدينة

. اليوم بمكان آذا وآذا ـ للمكان الذي به جيش مكة

، ثم انصرف عنه، ) نحن من ماء ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال له رسول ؟ ممن أنتما : ولما فرغ من خبره قال ؟ أمن ماء العراق ؟ ما من ماء : وبقى الشيخ يتفوه

الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي

عليه وسلم استخباراته من جديد ليبحث عن أخبار العدو، وقام لهذه العملية اهللاوفي مساء ذلك اليوم بعث صلى ن؛ على بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد ابن أبي وقاص في نفر من أصحابه، ثالثة من قادة المهاجري

اهللاذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غالمين يستقيان لجيش مكة، فألقوا عليهما القبض، وجاءوا بهما إلى الرسول صلى من الماء، فكره القوم، نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم : عليه وسلم وهو في الصالة، فاستخبرهما القوم، فقاال

ورجوا أن يكونا ألبي سفيان ـ التزال في نفوسهم بقايا أمل في االستيالء على القافلة ـ فضربوهما ضربا موجعا . نحن ألبي سفيان فترآوهما : حتى اضطر الغالمان أن يقوال

إذا صدقاآم ضربتموهما، وإذا آذباآم ( : عليه وسلم مـن الصالة قال لهم آالعاتب اهللاصلى اهللاولما فرغ رسول

. ) ، إنهما لقريشاهللاترآتموهما، صدقا و

هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال : ، قاال ) أخبرإني عن قريش ( : ثم خاطب الغالمين قائلايوما تسعا ويوما : قاال ) ؟ آم ينحرون آل يوم ( : ال ندرى، قال : قاال ) ؟ ما عدتهم ( : قال . آثير : قاال ) ؟ آم القوم ( : لهما

فمن فيهم من ( : ، ثم قال لهما ) القوم فيما بين التسعمائة إلى األلف ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاعشرا، فقال رسول رى بن هشام، وحكيم بن حـزام، ونوفل بن خويلد، عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البخت : قاال ) ؟ أشراف قريش

والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدى، والنضر بن الحارث، وزمعة بن األسود، وأبو جهل بن هشام، وأميــة بن . خلف في رجال سمياهم

. ) فالذ آبدهاهذه مكة قد ألقت إليكم أ ( : عليه وسلم على الناس فقال اهللاصلى اهللافأقبل رسول

نزول المطر

عز وجل في تلك الليلة مطرا واحدا، فكان على المشرآين وابلا شديدا منعهم من التقدم، وآان على اهللاوأنزل المسلمين طال طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به األرض، وصلب به الرمل، وثبت األقدام،

. لوبهمومهد به المنزل، وربط به على ق

الجيش اإلسالمي يسبق إلى أهم المراآز العسكرية عليه وسلم بجيشه ليسبق المشرآين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين االستيالء عليه، اهللاصلى اهللاوتحرك رسول

ت هذا ، أرأياهللايا رسول : فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر آخبير عسكرى وقالبل هو الرأي ( : قال ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ ، ليس لنا أن نتقدمه وال نتأخر عنهاهللالمنزل، أمنزلا أنزلكه

. ) والحرب والمكيدة

، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم ـ قريش ـ فننزله ونغور ـ أي اهللايا رسول : قالخرب ـ ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا، فنمأله ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب وال يشربون، فقال رسول ن

. ) لقد أشرت بالرأي ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللا

عوا عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه شطر الليل، ثم صن اهللاصلى اهللافنهض رسول . الحياض وغوروا ما عداها من القلب

مقر القيادة عليه وسلم أن يبني المسلمون اهللاصلى اهللاوبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول : مقرا لقيادته؛ استعدادا للطوارئ، وتقديرا للهزيمة قبل النصر، حيث قال

وأظهرنا على عدونا اهللاك عريشا تكون فيه، ونعد عندك رآائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا ، أال نبني لاهللايا نبى آان ذلك ما أحببنا، وإن آانت األخرى جلست على رآائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا

بهم، يناصحونك اهللاعنك، يمنعك ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا اهللانبي . ويجاهدون معك

عليه وسلم خيرا ودعا له بخير، وبني المسلمون عريشا على تل مرتفع يقع في اهللاصلى اهللافأثنى عليه رسول . الشمال الشرقى لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعرآة

عليه وسلم حول مقر اهللاصلى اهللان معاذ يحرسون رسول آما تم اختيار فرقة من شباب األنصار بقيادة سعد ب . قيادته

تعبئة الجيش وقضاء الليل هذا مصرع فالن ( : ومشى في موضع المعرآة، وجعل يشير بيده . عليه وسلم جيشه اهللاصلى اهللاثم عبأ رسول

عليه وسلم يصلي إلى جذع اهللاصلى اهللال ثم بات رسو . ) اهللا، وهذا مصرع فالن غدا إن شاء اهللاغدا إن شاء شجرة هنالك، وبات المسلمون ليلهم هادئي األنفاس منيري اآلفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة

من السماء ماء إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم { : قسطهم؛ يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحا . ] 11 : األنفال [} ليطهرآم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به األقدام

اهللاصلى آانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابعة عشرة من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وآان خروجه . من نفس الشهر 12أو 8عليه وسلم في

الجيش المكي في عرصة القتال، ووقوع االنشقاق فيه

أما قريش فقضت ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى، ولما أصبحت أقبلت في آتائبها، ونزلت من الكثيب ، فما شرب أحد منهم ] دعوهم [ : وسلم فقال عليه اهللاصلى اهللاوأقبل نفر منهم إلى حوض رسول . إلى وادي بدر

: يومئذ إال قتل، سوى حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل، وأسلم بعد ذلك، وحسن إسالمه، وآان إذا اجتهد في اليمين قال . ال والذي نجاني من يوم بدر

ينة، فدار عمير بفرسه حول فلما اطمأنت قريش بعثت عمير بن وهب الجمحى للتعرف على مدى قوة جيش المد

ثالثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلونى حتى أنظر أللقوم آمين أو : العسكر، ثم رجع إليهم فقال

؟ مدد

ما وجدت شيئا، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش : فضرب في الوادى حتى أبعد، فلم ير شيئا، فرجع إليهم فقالما أرى اهللاايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة وال ملجأ إال سيوفهم، والباليا تحمل المن

. فروا رأيكم ؟ أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم،فإذا أصابوا منكم أعدادآم فما خير العيش بعد ذلك

العودة بالجيش إلى مكة دونما وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل ـ المصمم على المعرآة ـ تدعو إلىيا أبا الوليد، إنك آبير قريش وسيدها، : قتال، فقد مشى حكيم بن حزام في الناس، وأتى عتبة ابن ربيعة فقال

ترجع بالناس، وتحمل أمر : قال ؟ وما ذاك يا حكيم : قال ؟ والمطاع فيها، فهل لك إلى خير تذآر به إلى آخر الدهرإنما هو . أنت ضامن على بذلك . قد فعلت : لحضرمى ـ المقتول في سرية نخلة ـ فقال عتبةحليفك عمرو بن ا

. وما أصيب من ماله ] ديته [ حليفي، فعلى عقله

فائت ابن الحنظلية ـ أبا جهل، والحنظلية أمه ـ فإني ال أخشى أن يشجر أمر الناس : ثم قال عتبة لحكيم بن حزام . غيره

اهللاما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، و اهللايا معشر قريش، إنكم و : ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبا فقال

لئن أصبتموه اليزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن آان غير ذلك ألفاآم ولم فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن

. تعرضوا منه ما تريدون

يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلنى بكذا وآذا، فقال : وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل ـ وهو يهيئ درعا له ـ قالبيننا وبين محمد، وما اهللاال نرجع حتى يحكم اهللاسحره حين رأي محمدا وأصحابه، آال و اهللانتفخ و : أبو جهل

بعتبة ما قال، ولكنه قد رأي أن محمدا وأصحابه أآلة جزور، وفيهم ابنه ـ وهو أبو حذيفة بن عتبة آان قد أسلم . قديما وهاجر ـ فتخوفكم عليه

وتعجل ؟ مصفر استه من انتفخ سحره، أنا أم هو سيعلم : سحره، قال عتبة اهللانتفخ و : ولما بلغ عتبة قول أبي جهل

أبو جهل، مخافة أن تقوى هذه المعارضة، فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمى ـ أخي عمرو يريد أن يرجع بالناس، وقد ] أي عتبة [ هذا حليفك : بن جحش ـ فقال اهللابن الحضرمى المقتول في سرية عبد

واعمراه، واعمراه، : بعينك، فقم فانشد خفرتك ، ومقتل أخيك، فقام عامر فكشف عن استه، وصرخ رأيت ثأركفحمى القوم، وحقب أمرهم، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه

. جدوى وهكذا تغلب الطيش على الحكمة، وذهبت هذه المعارضة دون . عتبة

الجيشان يتراآن ساعة الصفر وأول وقود المعرآة

المبـــارزة الهجوم العام

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يناشد ربه نزول المالئكة

الهجوم المضاد إبليس ينسحب عن ميدان القتال

الهزيمة الساحقة صمود أبي جهل مصرع أبي جهل

من روائع اإليمان في هذه المعرآة

الجيشان يتراآن

م هذه قريش قد أقبلت بخيالئها الله ( : معليه وسل اهللاصلى اهللاولما طلع المشرآون وتراءى الجمعان قال رسول اهللاصلى اهللاوقد قال رسول ) ] الغداة [ م أحنهم اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهوفخرها تحادك وتكذب رسولك،

حب إن يكن في أحد من القوم خير فعند صا ( : عليه وسلم ـ ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر . ) الجمل األحمر، إن يطيعوه يرشدوا

عليه وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد آان في يديه قدح اهللاصلى اهللاوعدل رسول

: ال سواد، فق ) استو يا سواد ( : يعدل به، وآان سواد بن غزية مستنصلا من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقالما حملك على ( : ، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال ) استقد ( : ، أوجعتنى فأقدنى، فكشف عن بطنه وقالاهللايا رسول فدعا . ، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدكاهللايا رسول : قال ) ؟ هذا يا سواد . وسلم بخير عليه اهللاصلى اهللاله رسول

ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بأال يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه األوامر األخيرة، ثم أدلى إليهم

إذا أآثبوآم ـ يعنى اقتربوا منكم ـ فارموهم، واستبقوا نبلكم، وال تسلوا ( : بتوجيه خـاص في أمـر الحـرب، فقالرجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة،وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب ثم ) السيوف حتى يغشوآم

. العريش

م اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما النعرفه،فأحنه الغداة،الله : أما المشرآون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقالإن تستفتحوا فقد جاءآم الفتح وإن تنتهوا { : اهللاأينا آان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل

] 19 : األنفال [ } مؤمنينفهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو آثرت وأن اهللا مع ال

لمعرآة ساعة الصفر وأول وقود ا

اهللاأعاهد : وآان أول وقود المعرآة األسود بن عبد األسد المخزومى ـ وآان رجلا شرسا سيئ الخلق ـ خرج قائلاعنه فلما اهللافلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي . ألشربن من حوضهم أو ألهدمنه أو ألموتن دونه

وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل

. الحوض

المبـــارزة

نوا من عائلة واحدة، وهم وآان هذا أول قتل أشعل نار المعرآة، فقد خرج بعده ثالثة من خيرة فرسان قريش آاعتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثالثة من

رهط من : قالوا ؟ من أنتم : بن رواحة، فقالوا اهللاشباب األنصار عوف ومعوذ ابنا الحارث ـ وأمهما عفراء ـ وعبد يا محمد، أخرج إلينا أآفاءنا : أآفاء آرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم : اقالو . األنصار

، فلما قاموا ) قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللامن قومنا، فقال رسول أنتم أآفاء آرام، فبارز عبيدة ـ وآان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة، : وهم، فقالوافأخبر ؟ من أنتم : ودنوا منهم، قالوا

فأما حمزة وعلى فلم يمهال قرنيهما أن قتالهما، وأما عبيدة فاختلف بينه . وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليدفقتاله، واحتمال عبيدة وقد وبين قرنه ضربتان، فأثخن آل واحد منهما صاحبه، ثم آر على وحمزة على عتبة

قطعت رجله، فلم يزل ضمنا حتى مات بالصفراء،بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر، حينما آان المسلمون } هذان خصمان اختصموا في ربهم { : أن هذه اآلية نــزلت فيهم اهللاوآان على يقسم ب . في طريقهم إلى المدينة

. ] 19 : الحج [ اآلية

الهجوم العام وآانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة للمشرآين؛ إذ فقدوا ثالثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة

. واحدة،فاستشاطوا غضبا،وآروا على المسلمين آرة رجل واحد

إليه تلقوا هجمات المشرآين المتتالية، وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا . أحد أحد : وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشرآين خسائر فادحة، وهم يقولون

عليه وسلم يناشد ربه اهللالرسول صلى

: ه ما وعده من النصر، ويقولعليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد رب اهللاصلى اهللاأما رسول ، حتى إذا حمى الوطيس، واستدارت رحى الحرب ) م إني أنشدك عهدك ووعدكاللهم أنجز لي ما وعدتني، الله (

م إن شئت لم تعبد اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم ال تعبد، الله ( : بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعرآة قمتها، قال، اهللاحسبك يا رسول : وبالغ في االبتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال . ) م أبدابعد اليو

. ألححت على ربك

: األنفال [ } أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين آفروا الرعب { : إلى مالئكته اهللاوأوحى ـ أي إنهم ردف لكم، أو يردف ] 9 : األنفال [ } أني ممدآم بألف من المآلئكة مردفين { : ،وأوحى إلى رسوله ] 12

. بعضهم بعضا أرسالا، ال يأتون دفعة واحدة

نزول المالئكة

أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه ( : ، ثم رفع رأسه فقالعليه وسلم إغفاءة واحدة اهللاصلى اهللاوأغفي رسول ، اهللاأبشر يا أبا بكر، أتاك نصر ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاقال رسول : وفي رواية ابن إسحاق ] أي الغبار [ ) النقع

. ) هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النقع

سيهزم الجمع ويولون { : عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول اهللاصلى اهللاسول ثم خرج رورمى بها في ) شاهت الوجوه ( : ،ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشا وقال ] 45 : القمر [ } الدبر

وما { : اهللاإال أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل وجوههم، فما من المشرآين من أحد

. ] 17 : األنفال [ } رميت إذ رميت ولـكن اهللا رمى

الهجوم المضاد والذي ( : ئلا، وحرضهم على القتال، قا ) شدوا ( : وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره األخيرة بالهجمة المضادة فقال

، وقال وهو ) الجنة اهللانفس محمد بيده، ال يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، إال أدخله فقال . بخ بخ : قال عمير بن الحمام ] وحينئذ [ ، ) قوموا إلى جنة عرضها السموات واألرض ( : يحضهم على القتال

إال رجاء أن أآون اهللايا رسول اهللاال، و : قال ) ؟ بخ بخ : ما يحملك على قولك ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللارسول لئن أنا حييت حتى آآل : فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأآل منهن، ثم قال . ) فإنك من أهلها ( : من أهلها، قال

. آان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتلتمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما

غمسه يده في ( : قال ؟ ، ما يضحك الرب من عبدهاهللايا رسول : وآذلك سأله عوف بن الحارث ـ ابن عفراء ـ فقال . ، فنزع درعا آانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل ) العدو حاسرا

عليه وسلم األمر بالهجوم المضاد آانت حدة هجمات العدو قد ذهبت وفتر اهللاصلى اهللاوحين أصدر رسول

حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر آبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم ـ وقد . يقطعون األعناقآان نشاطهم الحربي على شبابه ـ قاموا بهجوم آاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف، و

عليه وسلم يثب في الدرع، وقد تقدمهم فلم يكن أحد أقرب من اهللاصلى اهللاوزادهم نشاطا وحدة أن رأوا رسول فقاتل المسلمون أشد القتال } سيهزم الجمع ويولون الدبر { : المشرآين منه، وهو يقول في جزم وصراحة

آان يومئذ يندر رأس الرجل ال يدرى من ضربه، : في رواية ابن سعد عن عكرمة قالف . ونصرتهم المالئكةبينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشرآين : وقال ابن عباس . وتندر يد الرجل ال يدرى من ضربها

لمشرك أمامه، فخر مستلقيا، أقدم حيزوم، فنظر إلى ا : أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقولفنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه آضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء األنصارى فحدث بذلك

. ) صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة ( : عليه وسلم، فقال اهللاصلى اهللارسول

ن ألضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه إني ألتبع رجلا من المشرآي : وقال أبو داود المازنىما أسرني، لقد اهللاإن هذا و : قد قتله غيرى، وجاء رجل من األنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرا،فقال العباس

يا أنا أسرته : أسرني رجل أجلح، من أحسن الناس وجها على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال األنصاري . ) بملك آريم اهللاسكت فقد أيدك ( : ، فقالاهللارسول

مع أحدآما جبريل ومع اآلخر ميكائيل، ( : عليه وسلم يوم بدر، وألبي بكر اهللاصلى اهللاقال لي رسول : وقال علي

. ) وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال

ل إبليس ينسحب عن ميدان القتاولما رأى إبليس ـ وآان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي آما ذآرنا، ولم يكن فارقهم منذ

ذلك الوقت ـ فلما رأي ما يفعل المالئكة بالمشرآين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام ـ وهو ألم تكن ؟ إلى أين يا سراقة : قال له المشرآونيظنه سراقة ـ فوآز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربا، و

، ثم فر ] 48 : األنفال [ } إني أرى ما ال ترون إني أخاف اهللا واهللا شديد العقاب { : فقال ؟ إنك جار لنا، ال تفارقنا : قلت . حتى ألقى نفسه في البحر

الهزيمة الساحقة

ات الفشل واالضطراب في صفوف المشرآين، وجعلت تتهدم أمام حمالت المسلمين العنيفة، وبدأت أمارواقتربت المعرآة من نهايتها، وأخذت جموع المشرآين في الفرار واالنسحاب المبدد، ورآب المسلمون

. ظهورهم يأسرون ويقتلون، حتى تمت عليهم الهزيمة

صمود أبي جهل

جهل، فإنه لما رأى أول أمارات االضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا أما الطاغية األآبر أبوال يهزمنكم خذالن سراقة إياآم، فإنه آان على ميعاد : السيل، فجعل يشجع جيشه ويقول لهم في شراسة ومكابرة

حتى نقرنهم بالحبال، من محمد، وال يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فوالالت والعزى ال نرجع . وال ألفين رجلا منكم قتل منهم رجلا، ولكن خذوهم أخذا حتى نعرفهم بسوء صنيعهم

ولكن سرعان ما تبدت له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إال قليلا حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم

سياجا من السيوف، وغابات من الرماح، ولكن نعم، بقى حوله عصابة من المشرآين ضربت حوله . المسلمينعاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج، وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول

. على فرسه، وآان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدى غالمين أنصاريين

مصرع أبي جهل

عنه إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان قال عبد الرحمن بن عوف رضي اله يابن أخي، : يا عم، أرني أبا جهل، فقلت : حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه

بيده لئن رأيته ال يفارق والذي نفسي : عليه وسلم، قال اهللاصلى اهللاأخبرت أنه يسب رسول : قال ؟ فما تصنع بهوغمزني اآلخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت : قال . سوادي سواده حتى يموت األعجل منا، فتعجبت لذلك

فابتدراه فضرباه حتى : هذا صاحبكما الذي تسأالني عنه، قال ؟ أال تريان : فقلت . إلى أبي جهل يجول في الناس : أنا قتلته، قال : فقـال آـل واحد منهما ) ؟ أيكما قتله ( : عليه وسلم، فـقال اهللاصلى اهللاول قتاله، ثم انصرفا إلى رس

، ) آالآما قتله ( : عليه وسلم إلــى السيفـين فقال اهللاصلى اهللافنـظر رسول . ال : فـقاال ) ؟ هل مسحتما سيفيكما ( بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجالن معاذ بن عمرو بن الجموح عليه وسلم اهللاصلى اهللاوقضى رسول

. ومعوذ ابن عفراء

الشجر : سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة ـ والحرجة : قال معاذ بن عمرو بن الجموح : وقال ابن إسحاقوسيوفهم التي آانت حول أبي جهل لحفظه الملتف، أو شجرة من األشجار ال يوصل إليها، شبه رماح المشرآين

فلما سمعتها جعلته من شاني فصمدت نحوه، فلما : أبو الحكم ال يخلص إليه، قال : بهذه الشجرة ـ وهم يقولونما شبهتها حين طاحت إال بالنواة اهللاأمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه ـ أطارتها ـ بنصف ساقه، فو

وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت : قال . ت مرضخة النوى حين يضرب بهاتطيح من تحبجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني ألسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها

ر ـ معوذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته، قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها، ثم مر بأبي جهل ـ وهو عقي . فترآه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل

فتفرق الناس في طلبه، ) ؟ من ينظر ما صنع أبو جهل ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاولما انتهت المعرآة قال رسول

: نقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقالعنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على ع اهللابن مسعود رضي اهللافوجده عبد فلو : وقال ؟ أو هل فوق رجل قتلتموه ؟ أأعمد من رجل قتلتموه ؟ وبماذا أخزاني : قال ؟ اهللايا عدو اهللاهل أخزاك

رجله هللا ورسوله، ثم قال البن مسعود ـ وآان قد وضع : قال ؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم : غير أآار قتلنى، ثم قال . لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعى الغنم، وآان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة : على عنقه

يا : عليه وسلم، فقال اهللاصلى اهللاوبعد أن دار بينهما هذا الكالم احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول

أآبر، الحمد اهللا ( : فرددها ثالثا، ثم قال ) ؟ الذي ال إله إال هو هللا ( : أبي جهل، فقال اهللا، هذا رأس عدو اهللارسول

هذا ( : ، فانطلقـنا فــأريته إيـاه، فقال ) هللا الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم األحزاب وحده، انطلق أرنيه . ) فرعون هذه األمة

من روائع اإليمان في هذه المعرآة

جين رائعين من عمير بن الحمام وعوف بن الحارث ـ ابن عفراء ـ وقد تجلت في هذه المعرآة لقد أسلفنا نموذمناظر رائعة تبرز فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ، ففي هذه المعرآة التقى اآلباء باألبناء، واإلخوة باإلخوة، خالفت

. نه غيظهبينهما المبادئ ففصلت بينهما السيوف، والتقى المقهور بقاهره فشفي م إني قد عرفت أن رجالا من ( : عليه وسلم قال ألصحابه اهللاـ روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي صلى 1

بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا آرها، ال حاجة لهم بقتالنا، فمن لقى أحدا من بني هاشم فال يقتله، ومن لقى أبا ، فقال أبو ) ى العباس بن عبد المطلب فال يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاالبختري بن هشام فال يقتله، ومن لق

لئن لقيته أللحمنه ـ أو أللجمنه ـ اهللاأنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، و : حذيفة بن عتبةبا حفص، أيضرب وجه عم رسول يا أ ( : عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب اهللاصلى اهللابالسيف، فبلغت رسول

. لقد نافق اهللا، دعني فألضرب عنقه بالسيف، فواهللايا رسول : ، فقال عمر ) عليه وسلم بالسيف اهللاصلى اهللا

. ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، وال أزال منها خائفا إال أن تكفرها عنى الشهادة : فكان أبو حذيفة يقول . اليمامة شهيدا فقتل يوم

عليه وسلم وهو بمكة، وآان اهللاصلى اهللاـ وآان النهي عن قتل أبي البختري؛ ألنه آان أآف القوم عن رسول 2 . ال يؤذيه، وال يبلغ عنه شيء يكرهه، وآان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني المطلب

أن المجذر بن زياد البلوى لقيه في المعرآة ومعه زميل له، ولكن أبا البختري قتل على رغم هذا آله، وذلك ؟ وزميلي : عليه وسلم قد نهانا عن قتلك، فقال اهللاصلى اهللايا أبا البخترى إن رسول : يقاتالن سويا، فقال المجذر

يعا، ثم اقتتال، فاضطر المجذر إذن ألموتن أنا وهو جم اهللاو : ما نحن بتارآي زميلك، فقال اهللاال و : فقال المجذر . إلى قتله

ـ آان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، فلما آان يوم بدر مر به عبد الرحمن، 3هل : وهو واقف مع ابنه على بن أمية، آخذا بيده، ومع عبد الرحمن أدراع قد استلبها، وهو يحملها، فلما رآه قال

ـ يريد أن من أسرني ؟ فأنا خير من هذه األدراع التي معك، ما رأيت آاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن ؟ لك فيقال لي أمية : افتديت منه بإبل آثيرة اللبن ـ فطرح عبد الرحمن األدراع، وأخذهما يمشى بهما، قال عبد الرحمن

ذاك حمزة بن عبد المطلب، : قلت ؟ يشة النعامة في صدرهمن الرجل منكم المعلم بر : بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه . ذاك الذي فعل بنا األفاعيل : قال

رأس : إني ألقودهما إذ رآه بالل معي ـ وآان أمية هو الذي يعذب باللا بمكة ـ فقال بالل اهللافو : قال عبد الرحمن . أتسمع يابن السوداء : قلت . ال نجوت إن نجا : قال . يريأي بالل، أس : قلت . الكفر أمية بن خلف، ال نجوت إن نجا

: قال . ، رأس الكفر أمية بن خلف، ال نجوت إن نجااهللايا أنصار : ثم صرخ بأعلى صوته . ال نجوت إن نجا : قالجل ابنه فوقع، فأخلف رجل السيف، فضرب ر : فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة، وأنا أذب عنه، قال

: قال . ما أغني عنك شيئا اهللانج بنفسك، وال نجاء بك، فو : وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلتباللا، ذهبت أدراعي، وفجعني اهللايرحم : فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول

. بأسيريآاتبت أمية بن خلف آتابا بأن يحفظني في صاغيتي ـ أي : ن عوف قالوروى البخاري عن عبد الرحمن ب

فلما آان يوم بدر خرجت إلى جبل ألحرزه حين نام . . . خاصتي ومالي ـ بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينةفخرج أمية بن خلف، ال نجوت إن نجا أمية، : الناس، فأبصره بالل، فخرج حتى وقف على مجلس األنصار فقال

معه فريق من األنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه ليشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي ألمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى : وآان رجلا ثقيلا، فلما أدرآونا قلت له . د الرحمن يرينا ذلك األثر في ظهر قدمهوآان عب . قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه

عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه، اهللاـ وقتل عمر بن الخطاب رضي 4

اهللايا عباس أسلم، فو : عليه وسلم، وهو في األسر اهللاصلى اهللاولكن حين رجع إلى المدينة قال للعباس عم رسول . عليه وسلم يعجبه إسالمك اهللاصلى اهللاب إلى من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إال لما رأيت رسول أن تسلم أح

أين مالي يا : عنه ابنه عبد الرحمن ـ وهو يومئذ مع المشرآين ـ فقال اهللاـ ونادى أبو بكر الصديق رضي 5 : فقال عبد الرحمن ؟ خبيث

وصارم يقتل ضالل الشيب** م يبق غير شكة ويعبوبل

عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه اهللاصلى اهللاـ ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول 6 عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، اهللاصلى اهللايحرسه متوشحا سيفه، رأي رسول

بأهل اهللا، آانت أول وقعة أوقعها اهللايا رسول اهللاأجل و : قال ؟ لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم اهللاو : فقال له . الشرك، فكان اإلثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلى من استبقاء الرجال

طاه جذلا من عليه وسلم فأع اهللاصلى اهللاـ وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن األسدي، فأتى رسول 7عليه وسلم هزه، فعاد سيفا في يده طويل اهللاصلى اهللا، فلما أخذه من رسول ) قاتل بهذا يا عكاشة ( : حطب، فقال

تعالى للمسلمين، وآان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم اهللالقامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح . ، حتى قتل في حروب الردة وهو عندهيزل عنده يشهد به المشاهد

ـ وبعد انتهاء المعرآة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعرآة ضد 8شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه : المسلمين،مر به وأحد األنصار يشد يده، فقال مصعب لألنصاري

. إنه ـ أي األنصاري ـ أخي دونك : فقال مصعب ؟ أهذه وصاتك بي : عبمنك، فقال أبو عزيز ألخيه مص اهللاصلى اهللاـ ولما أمر بإلقاء جيف المشرآين في القليب، وأخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول 9

علك قد دخلك من شأن أبيك يا أبا حذيفة، ل ( : عليه وسلم في وجه ابنه أبي حذيفة، فإذا هو آئيب قد تغير، فقال، ما شككت في أبي وال مصرعه، ولكنني آنت أعرف من أبي رأيا وحلما اهللا، يا رسول اهللاال و : فقال ) ؟ شيء

وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى اإلسالم، فلما رأيت ما أصابه، وذآرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي . عليه وسلم بخير، وقال له خيرا اهللاصلى اهللاعا له رسول فد . آنت أرجو له أحزنني ذلك

قتلى الفريقين مكة تتلقى نبأ الهزيمة

المدينة تتلقى أنباء النصر الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة

وفود التهنئة قضية األسارى

القرآن يتحدث حول موضوع المعرآة

قتلى الفريقين لمسلمين، وقد استشهد من المسلمين في هذه انتهت المعرآة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشرآين، وبفتح مبين بالنسبة ل . المعرآة أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين وثمانية من األنصار

. وعامتهم القادة والزعماء والصناديد . أما المشرآون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون، وأسر سبعون

بئس العشيرة آنتم لنبيكم؛ ( : وسلم حتى وقف على القتلى فقال عليه اهللاصلى اهللاولما انقضت الحرب أقبل رسول

، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب ) آذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس . من قلب بدر

جلا من صناديد قريش، فقذفوا في عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين ر اهللاصلى اهللاأن نبي : وعن أبي طلحة

وآان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثالث ليال، فلما آان ببدر اليوم الثالث أمر . طوي من أطواء بدر خبيث مخبثحتى قام على شفة الرآى، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء . براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه

فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل ؟ ورسوله اهللايا فالن بن فالن، يا فالن بن فالن، أيسرآم أنكم أطعتم ( هم، آبائ : عليه وسلم اهللاقال النبي صلى ؟ ، ما تكلم من أجساد ال أرواح لهااهللايا رسول : فقال عمر ) ؟ وجدتم ما وعد ربكم حقا

. ) ما أنتم بأسمع منهم، ولكن ال يجيبون ( : وفي رواية ) ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهموالذي نفس محمد بيده (

مكة تتلقى نبأ الهزيمة

فر المشرآون من ساحة بدر في صورة غير منظمة؛ تبعثروا في الوديان والشعاب، واتجهوا صوب مكة مذعورين، . ال يدرون آيف يدخلونها خجلا

قتل عتبة : قال ؟ ما وراءك : الخزاعى، فقالوا اهللاوآان أول من قدم بمصاب قريش الحيسمان بن عبد : اققال ابن إسحفلما أخذ يعد أشراف . بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف، في رجال من الزعماء سماهم

؟ ما فعل صفوان بن أمية : قالوا . إن يعقل هذا، فاسألوه عنى اهللاو : قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر . رأيت أباه وأخاه حين قتال اهللاها هو ذا جالس في الحجر، وقد و : قال

آنت غالما للعباس وآان اإلسالم قد دخلنا أهل البيت، فأسلم : عليه وسلم اهللاصلى اهللاوقال أبو رافع ـ مولى رسول وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وآان العباس يكتم إسالمه، وآان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر العباس،

إني اهللاوأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا، وآنت رجلا ضعيفا أعمل األقداح، أنحتها في حجرة زمزم، فو اهللاآبته نا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أم الفضل جالسة، وقد سر

هذا أبو سفيان بن الحارث بن : حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهرى، فبينما هو جالس إذ قال الناسيابن : فقال . هفجلس إليه،والناس قيام علي : هلم إلى، فعندك لعمرى الخبر، قال : عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهبما هو إال أن لقينا القوم فمنحناهم أآتافنا، يقتلوننا آيف شاءوا، ويأسروننا : قال ؟ أخي، أخبرني آيف آان أمر الناس

ما تليق شيئا، اهللامع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء واألرض، و اهللاآيف شاءوا وايم . ها شيءوال يقوم ل

فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي : قال . المالئكة اهللاتلك و : فرفعت طنب الحجرة بيدى، ثم قلت : قال أبو رافع

ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملنى فضرب بى األرض، ثم برك على يضربني، وآنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل استضعفته أن غاب عنه : بته به ضربة فلعت في رأسه شجة منكرة، وقالتإلى عمود من عمد الحجرة فأخذته، فضر

فقتلته، ] وهي قرحة تتشاءم بها العرب [ بالعدسة اهللاما عاش إال سبع ليال حتى رماه اهللاسيده، فقام موليا ذليلا، فولسبة في ترآه حفروا له، ثم دفعوه بعود فترآه بنوه، وبقى ثالثة أيام ال تقرب جنازته، وال يحاول دفنه، فلما خافوا ا

. في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه

هكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر، وقد أثر ذلك فيهم أثرا سيئا جدا، حتى منعوا النياحة على القتلى؛ . لئال يشمت بهم المسلمون

مطلب أصيب ثالثة من أبنائه يوم بدر، وآان يحب أن يبكي عليهم، وآان ضرير ومن الطرائف أن األسود بن اللعلي أبكي ؟ هل بكت قريش على قتالها ؟ انظر هل أحل النحب : البصر، فسمع ليلا صوت نائحة، فبعث غالمه، وقال

بكى على بعير لها أضلته، فلم إنما هي امرأة ت : على أبي حكيمة ـ ابنه ـ فإن جوفي قد احترق، فرجع الغالم وقال : يتمالك األسود نفسه وقال

ويمنعها من النوم السهود ** أتبكي أن يضل لها بعير على بدر تقاصرت الجدود ** فال تبكي على بكر ولكن

ومخزوم ورهط أبي الوليد ** على بدر سراة بني هصيص وبكى حارثا أسد األسود ** وبكى إن بكيت على عقيل

وما ألبي حكيمة من نديد ** وال تسمى جميعا وبكيهم ولوال يوم بدر لم يسودوا** أال قد ساد بعدهم رجال

المدينة تتلقى أنباء النصر

عليه وسلم بشيرين إلى أهل المدينة؛ ليعجل لهم البشرى، أرسل عبد اهللاصلى اهللاولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول . ل العالية، وأرسل زيد بن حارثة بشيرا إلى أهل السافلةبن رواحة بشيرا إلى أه اهللا

اهللاوآان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة، حتى إنهم أشاعوا خبر مقتل النبي صلى لقد قتل : عليه وسلم ـ قال اهللاصلى اهللاعليه وسلم، ولما رأي أحد المنافقين زيد بن حارثة راآبا القصواء ـ ناقة رسول

محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد ال يدري ما يقول من الرعب، وجاء فال

فلما بلغ الرسوالن أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأآد لديهم فتح المسلميـن، فعمت البهجـة بيرا، وتقدم رءوس المسلمين ـ الذين آانوا بالمدينة ـ إلى طريق بدر، والسـرور، واهتزت أرجاء المدينة تهليلا وتك

. عليه وسلم بهذا الفتح المبين اهللاصلى اهللاليهنئوا رسول

عليه وسلم التي آانت عند اهللاصلى اهللاأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول : قال أسامة بن زيد . عليه وسلم خلفنى عليها مع عثمان اهللاصلى هللاعثمان بن عفان، آان رسول

الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة

عليه وسلم ببدر بعد انتهاء المعرآة ثالثة أيام، وقبل رحيله من مكان المعرآة وقع خالف اهللاصلى اهللاأقام رسول ليه وسلم بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ع اهللاصلى اهللابين الجيش حول الغنائم، ولما اشتد هذا الخالف أمر رسول

. ففعلوا، ثم نزل الوحى بحل هذه المشكلة

العدو، اهللاعليه وسلم، فشهدت معه بدرا، فالتقى الناس فهزم اهللاخرجنا مع النبي صلى : عن عبادة بن الصامت قاله ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول فانطلقت طائفة في آثارهم يطاردون ويقتلون، وأآبت طائفة على المغنم يحرزون

عليه وسلم؛ ال يصيب العدو منه غرة، حتى إذا آان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين اهللاصلى اهللا

لستم أحق بها منا، نحـن : نحن حويناها، وليس ألحد فيها نصيب،وقال الذين خرجوا في طلب العدو : جمعوا الغنائمخفنا أن يصيب العدو منه غرة، : عليه وسلم اهللاصلى اهللالعـدو وهزمناه، وقال الذين أحدقوا برسول نحـينا منـها

ا اهللايسألونك عن األنفال قل األنفال لله والرسول فاتقوا اهللا وأصلحوا ذات بينكم وأطيعو { : اهللافاشتغلنا به، فأنزل . عليه وسلم بين المسلمين اهللاصلى اهللافقسمها رسول . ] 1 : األنفال [ } ورسوله إن آنتم مؤمنين

عليه وسلم ببدر ثالثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه األسارى من المشرآين، اهللاصلى اهللاوبعد أن أقام رسول

بن آعب، فلما خرج من مضيق الصفراء نزل اهللاشرآين، وجعل عليه عبد واحتمل معه النفل الذي أصيب من الم . على آثيب بين المضيق وبين النازية، وقسم هنالك الغنائم على المسلمين على السواء بعد أن أخذ منها الخمس

بدر، وآان من أآابر وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث ـ وآان هو حامل لواء المشرآين يوم

عليه وسلم ـ فضرب عنقه علي بن أبي اهللاصلى اهللامجرمى قريش، ومن أشد الناس آيدا لإلسالم وإيذاء لرسول . طالب

صلى اهللاولمـا وصل إلى عرق الظبية أمر بقتل عقبة بن أبي معيط ـ وقد أسلفنا بعض ما آان عليه من إيذاء رسول

عليه وسلم وهو في الصالة، وهو الذي اهللاصلى اهللاسلم، فهو الذي آان ألقى سال جزور على ظهر رسول عليه و اهللا : قال ؟ من للصبية يا محمد : عنه ـ فلما أمر بقتله قال اهللاخنقه بردائه وآاد يقتله، لوال اعتراض أبي بكر رضي

. علي بن أبي طالب : ويقالفقتله عاصم ابن ثابت األنصارى، . ) النار (

وآان قتل هذين الطاغيتين واجبا نظرا إلى سوابقهما، فلم يكونا من األسارى فحسب، بل آانا من مجرمى الحرب . باالصطالح الحديث

وفود التهنئة

لتهنئة واالستقبال حين عليه وسلم إلى الروحاء لقيه رءوس المسلمين ـ الذين آانوا قد خرجوا ل اهللاولما وصل صلى إن لقينا اهللافو ؟ ما الذي تهنئوننا به : وحينئذ قال لهم سلمة بن سالمة . سمعوا بشارة الفتح من الرسولين ـ يهنئونه بالفتح

. ) خي، أولئك المأليا بن أ ( : عليه وسلم، ثم قال اهللاصلى اهللاإال عجائز صلعا آالبدن المعقلة، فنحرناها، فتبسم رسول

ما آان تخلفي عن بدر اهللايا رسول اهللا، الحمد هللا الذي أظفرك، وأقر عينك، واهللايا رسول : وقال أسيد بن حضير : عليه وسلم اهللاصلى اهللاوأنا أظن أنك تلقى عدوا، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال رسول

. ) صدقت (

عليه وسلم المدينة مظفرا منصورا قد خافه آل عدو له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر آثير اهللاصلى اهللاثم دخل رسول . بن أبي وأصحابه في اإلسالم ظاهرا اهللامن أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد

فكان الصحابة يأآلون التمر، . وقدم األسارى بعد بلوغه المدينة بيوم، فقسمهم على أصحابه، وأوصى بهم خيرا

عليه وسلم اهللاصلى اهللاويقدمون ألسرائهم الخبز، عملا بوصية رسول

قضية األسارى

، هؤالء بنو اهللايا رسول : عليه وسلم المدينة استشار أصحابه في األسارى، فقال أبو بكر اهللاصلى اهللاولما بلغ رسول ، اهللاأرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم العم والعشيرة واإلخوان، وإني

. فيكونوا لنا عضدا

ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى اهللاو : قلت : قال ) ؟ ما ترى يابن الخطاب ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال رسول

أضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة أن تمكننى من فالن ـ قريب لعمر ـ ف . وهؤالء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشرآين اهللامن فالن أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم

: فلما آان من الغد قال عمر : الفداء عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم اهللاصلى اهللافهوى رسول

، أخبرني ماذا يبكيك أنت اهللايا رسول : عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت اهللافغدوت إلى النبي صلى أبكى ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباآيت لبكائكما، فقال رسول ؟ وصاحبك . ـ شجرة قريبة ) ض على أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرةللذى عر

ة ما آان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في األرض تريدون عرض الدنيا واهللا يريد اآلخر { : تعالى اهللاوأنزل

. ] 68، 67 : األنفال [ } حكيم لوال آتاب من اهللا سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم واهللا عزيز

من ففيه اإلذن بأخذ الفدية . ] 4 : محمد [ } فإما منا بعد وإما فداء { : هو قوله تعالى : قيل اهللاوالكتاب الذي سبق من بل اآلية المذآورة : األسارى؛ ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب ألنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في األرض، وقيل

من إحالل الغنائم لهذه األمة، أو من المغفرة اهللاهو ما آان في علم اهللانزلت فيما بعد، وإنما الكتاب الذي سبق من . والرحمة ألهل بدر

األمر آان قد استقر على رأي الصديق فقد أخذ منهم الفداء، وآان الفداء من أربعة آالف درهم إلى ثالثة وحيث إن

آالف درهم إلى ألف درهم، وآان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة ال يكتبون، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة . غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداء

المطلب ابن حنطب، وصيفي : عليه وسلم على عدة من األسارى فأطلقهم بغير فداء، منهم اهللاصلى اهللاومن رسول

. بن أبي رفاعة، وأبو عزة الجمحى، وهو الذي قتله أسيرا في أحد، وسيأتي

بمال بعثت فيه بقالدة لها آانت ومن على ختنه أبي العاص بشرط أن يخلى سبيل زينب، وآانت قد بعثت في فدائه عليه وسلم رق لها رقة شديدة، واستأذن اهللاصلى اهللاعند خديجة، أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول

عليه وسلم على أبي العاص أن يخلى سبيل اهللاصلى اهللاأصحابه في إطالق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول آونا ببطن ( : عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من األنصار، فقال اهللاصلى اهللارسول زينب، فخالها فهاجرت، وبعث

. وقصة هجرتها طويلة ومؤلمة جدا . ، فخرجا حتى رجعا بها ) يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها

انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يدلع ، اهللايا رسول : وآان في األسرى سهيل بن عمرو، وآان خطيبا مصقعا، فقال عمرعليه وسلم رفض هذا الطلب؛ احترازا عن اهللاصلى اهللالسانه، فال يقوم خطيبا عليك في موطن أبدا، بيد أن رسول

. يوم القيامة اهللالمثلة، وعن بطش

في األسرى، فبعثوا به إلى أبي وخرج سعد بن النعمان معتمرا فحبسه أبو سفيان، وآان ابنه عمرو بن أبي سفيان . سفيان فخلى سبيل سعد

القرآن يتحدث حول موضوع المعرآة

وحول موضوع هذه المعرآة نزلت سورة األنفال، وهذه السورة تعليق إلهي ـ إن صح هذا التعبير ـ على هذه . المعرآة، يختلف آثيرا عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح

تعالى لفت أنظار المسلمين ـ أولا ـ إلى بعض التقصيرات األخالقية التي آانت قد بقيت فيهم، وصدر بعضها اهللاإن

. منهم؛ ليسعوا في تحلية نفوسهم بأرفع مراتب الكمال، وفي تزآيتها عن هذه التقصيرات

ذآر لهم ذلك لئال يغتروا بشجاعتهم . ب للمسلمينوعونه ونصره بالغي اهللاثم ثنى بما آان في هذا الفتح من تأييد . ، ويطيعوه ويطيعوا رسوله عليه الصالة والسالماهللاوبسالتهم، فتتسور نفوسهم الغطرسة والكبرياء، بل ليتوآلوا على

الرهيبة، عليه وسلم ألجلها هذه المعرآة الدامية اهللاثم بين لهم األهداف واألغراض النبيلة التي خاض الرسول صلى . ودلهم على الصفات واألخالق التي تتسبب في الفتوح في المعارك

ثم خاطب المشرآين والمنافقين واليهود وأسارى المعرآة، ووعظهم موعظة بليغة، تهديهم إلى االستسالم للحق

. وااللتزام به

. ثم خاطب المسلمين حول موضوع الغنائم، وقنن لهم مبادئ وأسس هذه المسألة

ثم بين وشرع لهم من قوانين الحرب والسلم ما آانت الحاجة تمس إليها بعد دخول الدعوة اإلسالمية في هذه المرحلة، حتى تمتاز حروب المسلمين عن حروب أهل الجاهلية، ويتفوق المسلمون في األخالق والقيم والمثل، ويتأآد للدنيا أن

. قف أهله عمليا على األسس والمبادئ التي يدعو إليهااإلسالم ليس مجرد وجهة نظر، بل هو دين يث

ثم قرر بنودا من قوانين الدولة اإلسالمية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، والذين يسكنون . خارجها

ة األخرى، وآانت وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان، وفرضت زآاة الفطر، وبينت أنصبة الزآا

فريضة زآاة الفطر وتفصيل أنصبة الزآاة األخرى تخفيفا لكثير من األوزار التي آان يعانيها عدد آبير من . المهاجرين الالجئين الذين آانوا فقراء ال يستطيعون ضربا في األرض

2لعيد الذي وقع في شوال سنة ومن أحسن المواقع وأروع الصدقات أن أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو ا

بعد أن توج هامتهم اهللافما أروع هذا العيد السعيد الذي جاء به . هـ، إثر الفتح المبين الذي حصل لهم في غزوة بدربتاج الفتح والعز، وما أروق منظر تلك الصالة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير

، وحنينا إلى رحمته ورضوانه بعد ما أوالهم به من النعم،وأيدهم اهللاحميد، وقد فاضت قلوبهم رغبة إلى والتوحيد والتواذآروا إذ أنتم قليل مستضعفون في األرض تخافون أن يتخطفكم الناس { : به من النصر، وقد ذآرهم بذلك قائلا

. ] 26 : األنفال [ } دآم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرونفآواآم وأي

النشاط العسكري بين بدر وأحد

إن معرآة بدر آانت أول لقاء مسلح بين المسلمين والمشرآين، وآانت معرآة فاصلة أآسبت المسلمين نصرا ذين آانوا أشد استياء لنتائج هذه المعرآة هم أولئك الذين منوا بخسائر فادحة وال . حاسما شهد له العرب قاطبة

مباشرة؛ وهم المشرآون، أو الذين آانوا يرون عزة المسلمين وغلبتهم ضربا قاصما على آيانهم الديني يظا وحنقا فمنذ أن انتصر المسلمون في معرآة بدر آان هذان الفريقان يحترقان غ . واالقتصادي، وهم اليهود

، وآانت في المدينة ] 82 : المائدة [ } لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشرآوا { على المسلمين؛ صحابه، ولم بن أبي وأ اهللابطانة للفريقين دخلوا في اإلسالم حين لم يبق مجال لعزهم إال في اإلسالم، وهم عبد

. تكن هذه الفرقة الثالثة أقل غيظا من األوليينوآانت هناك فرقة رابعة، وهم البدو الضاربون حول المدينة، لم يكن يهمهم مسألة الكفر واإليمان، ولكنهم آانوا

ل أصحاب سلب ونهب، فأخذهم القلق، واضطربوا لهذا االنتصار، وخافوا أن تقوم في المدينة دولة قوية تحو . بينهم وبين اآتساب قوتهم عن طريق السلب والنهب، فجعلوا يحقدون على المسلمين وصاروا لهم أعداء

وتبين بهذا أن االنتصار في بدر آما آان سببا لشوآة المسلمين وعزهم وآرامتهم آذلك آان سببا لحقد جهات . ه إلى غايتهمتعددة، وآان من الطبيعي أن يتبع آل فريق ما يراه آفيال إليصال

فبينما آانت المدينة وما حولها تظاهر باإلسالم، وتأخذ في طريق المؤامرات والدسائس الخفية آانت فرقة من اليهود تعلن بالعداوة، وتكاشف عن الحقد والغيظ، وآانت مكة تهدد بالضرب القاصم، وتعلن بأخذ الثأر والنقمة،

: المسلمين بلسان حالها، تقول وتهتم بالتعبئة العامة جهارا، وترسل إلى

يطول استماعي بعده للنوادب** وال بد من يوم أغر محجل

وفعال فقد قادت غزوة قاصمة إلى أسوار المدينة عرفت في التاريخ بغزوة أحد، والتي آان لها أثر سيئ على . سمعة المسلمين وهيبتهم

عليه وسلم، وما اهللاألخطار، تظهر فيه عبقرية قيادة النبي صلى وقد لعب المسلمون دورا هاما للقضاء على هذه آان عليه من غاية التيقظ حول هذه األخطار، وما آان عليه من حسن التخطيط للقضاء عليها، ونذآر في

: السطور اآلتية صورة مصغرة منها

غزوة بني سليم بالكدر

عليه وسلم بعد بدر أن بني سليم وبني غطفان تحشد قواتها اهللاصلى أول ما نقلت استخبارات المدينة إلى النبي عليه وسلم في مائتي راآب في عقر دراهم، وبلغ إلى منازلهم في موضع اهللالغزو المدينة، فباغتهم النبي صلى

اهللاوقسمها رسول ففر بنو سليم، وترآوا في الوادي خمسمائة بعير استولي عليها جيش المدينة، . الكدر : يقال له . فأعتقه ) يسار ( : عليه وسلم بعد إخراج الخمس فأصاب آل رجل بعيرين، وأصاب غالما يقال له اهللاصلى

. عليه وسلم في ديارهم ثالثة أيام، ثم رجع إلى المدينة اهللاوأقام النبي صلى ام، أوفي المحرم للنصف منه، واستخلف في هـ بعد الرجوع من بدر بسبعة أي 2وآانت هذه الغزوة في شوال سنة

. ابن أم مكتوم : وقيل . هذه الغزوة على المدينة سباع بن عرفطة

عليه وسلم اهللامؤامرة الغتيال النبي صلى

آان من أثر هزيمة المشرآين في وقعة بدر أن استشاطوا غضبا، وجعلت مكة تغلي آالمرجل ضد النبي صلى يه وسلم، حتى تآمر بطالن من أبطالها أن يقضوا على مبدأ هذا الخالف والشقاق ومثار هذا الذل والهوان عل اهللا

. عليه وسلم اهللافي زعمهم، وهو النبي صلى جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر بعد وقعة بدر بيسير ـ وآان عمير من شياطين

عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة ـ وآان ابنه وهب بن عمير في أساري اهللاى قريش ممن آان يؤذي النبي صل

. إن في العيش بعدهم خير اهللاو : بدر، فذآر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوانلوال دين على ليس له عندي قضاء، وعيال أخشي عليهم الضيعة بعدي اهللا، أما واهللاصدقت و : قال له عمير

. إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة، ابني أسير في أيديهم لرآبتعلى دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيإلى، أواسيهم ما بقوا، ال يسعني شيء ويعجز : فاغتنمها صفوان وقال

. عنهم . أفعل : قال . فاآتم عني شأني وشأنك : فقال له عمير

فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم به المدينة، فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته رآه ثم أمر عمير بسيفه اهللاهذا الكلب عدو : به يوم بدر ـ فقال عمر اهللاعمر بن الخطاب ـ وهو في نفر من المسلمين يتحدثون ما أآرمهم

عمير قد جاء اهللا، هذا عدو اهللايا نبي : قالعليه وسلم، ف اهللاثم دخل على النبي صلى . عمير ما جاء إال لشرادخلوا على : ، فأقبل إلى عمير فلببه بحمالة سيفه، وقال لرجال من األنصار ) فأدخله علي ( : متوشحا سيفه، قال

به، فلما عليه وسلم، فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل اهللاصلى اهللارسول ، فدنا ) أرسله يا عمر، ادن يا عمير ( : عليه وسلم ـ وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه ـ قال اهللاصلى اهللارآه رسول

بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسالم اهللاقد أآرمنا ( : عليه وسلم اهللاأنعموا صباحا، فقال النبي صلى : وقال . ) تحية أهل الجنة

. جئت لهذا األسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه : قال ) ؟ ما جاء بك يا عمير ( : ثم قال ؟ من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا اهللاقبحها : قال ) ؟ فما بال السيف في عنقك ( : قال . ما جئت إال لذلك : قال ) ؟ اصدقني، ما الذي جئت له ( : قاللوال دين علي : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذآرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت ( : قال

حائل بينك وبين اهللاوعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، و . ) ذلك

نكذبك بما آنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من اهللا، قد آنا يا رسول اهللاأشهد أنك رسول : قال عمير، فالحمد هللا الذي هداني لإلسالم، اهللاإني ألعلم ما أتاك به إال اهللالوحي، وهذا أمر لم يحضره إال أنا وصفوان، فو

أخاآم في دينه، وأقرئوه فقهوا ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال رسول . وساقني هذا المساق، ثم تشهد شهادة الحق . ) القرآن، وأطلقوا له أسيرهوآان يسأل الرآبان عن عمير، حتى . أبشروا بوقعة تأتيكم اآلن في أيام تنسيكم وقعة بدر : وأما صفوان فكان يقول

. أخبره راآب عن إسالمه فحلف صفوان أال يكلمه أبدا، وال ينفعه بنفع أبدا . ام بها يدعو إلى اإلسالم، فأسلم على يديه ناس آثيرورجع عمير إلى مكة وأق

غـزوة بني قينقـاع

غـزوة بني قينقـاع ن مكيدة اليهودنموذج م

بنو قينقاع ينقضون العهد الحصار ثم التسليم ثم الجالء

غزوة السويق غزوة ذي أمر

ف قتل آعب بن األشر غزوة بحران

سرية زيد بن حارثة

غـزوة بني قينقـاع

عليه وسلم مع اليهود، وقد آان حريصا آل الحرص على تنفيذ ما جاء في هذه اهللاى صل اهللاقدمنا بنود المعاهدة التي عقدها رسول

ولكن اليهود الذين مألوا تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث . المعاهدة، وفعال لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفا واحدا من نصوصهاطريق الدس والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق واالضطراب في العهود، لم يلبثوا أن تمشوا مع طبائعهم القديمة، وأخذوا في

: وهاك مثال من ذلك . صفوف المسلمين

نموذج من مكيدة اليهود

قد عسا ، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد ] يهوديا [ مر شاس بن قيس ـ وآان شيخا : قال ابن إسحاقعليه وسلم من األوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، اهللاصلى اهللاأصحاب رسول الحسد لهم ـ على نفر من

يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم وجماعتهم وصالح ذات بينهم على اإلسالم، بعد الذي آان بينهم من العداوة ذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتي ما لنا معهم إ اهللاقد اجتمع مأل بني قيلة بهذه البالد، ال و : في الجاهلية، فقال

اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذآر يوم بعاث وما آان من قبله، وأنشدهم بعض ما آانوا : شابا من يهود آان معه، فقالتقاولوا فيه من األشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجالن من الحيين على الرآب

إن شئتم رددناها اآلن جذعة ـ يعني االستعداد إلحياء الحرب األهلية التي آانت بينهم : قاوال، ثم قال أحدهما لصاحبهفتالحرة ـ السالح السالح، فخرجوا إليها : قد فعلنا، موعدآم الظاهرة ـ والظاهرة : ـ وغضب الفريقان جميعا، وقالوا

. ] وآادت تنشب الحرب [ يا معشر ( : عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال اهللاصلى اهللالغ ذلك رسول فب

لإلسالم، وأآرمكم به، وقطع به عنكم أمر اهللا، أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهرآم بعد أن هداآم اهللا اهللالمسلمين، ) قلوبكم الجاهلية، واستنقذآم به من الكفر وألف بين

فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وآيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من األوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم . شاس بن قيس اهللاعنهم آيد عدو اهللاعليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ اهللاصلى اهللانصرفوا مع رسول

من إثارة القالقل والفتن في المسلمين، وإقامة العراقيل في سبيل الدعوة هذا نموذج مما آان اليهود يفعلونه ويحاولونهفكانوا يبثون الدعايات الكاذبة، ويؤمنون وجه النهار، ثم يكفرون . اإلسالمية، وقد آانت لهم خطط شتي في هذا السبيل

إن آان لهم به ارتباط آخره؛ ليزرعوا بذور الشك في قلوب الضعفاء، وآانوا يضيقون سبل المعيشة على من آمنمإلى، فإن آان لهم عليه يتقاضونه صباح مساء، وإن آان له عليهم يأآلونـه بالباطل، ويمتنعون عن أدائه وآانوا

. إنما آان علينا قرضك حينما آنت على دين آبائك، فأما إذ صبوت فليس لك علينا من سبيل : يقولون اهللاعليه وسلم، وآان رسول اهللاصلى اهللالمعاهدة التي عقدوها مع رسول آانوا يفعلون آل ذلك قبل بدر على رغم ا

. عليه وسلم وأصحابه يصبرون على آل ذلك؛ حرصا على رشدهم، وعلى بسط األمن والسالم في المنطقة اهللاصلى

بنو قينقاع ينقضون العهد

يدان بدر، وأنهم قد صارت لهم عزة وشوآة وهيبة في قد نصر المؤمنين نصرا مؤزرا في م اهللالكنهم لما رأوا أن

. تميزت قدر غيظهم، وآاشفوا بالشر والعداوة، وجاهروا بالبغي واألذي . قلوب القاصي والدانيوآان أعظمهم حقدا وأآبرهم شرا آعب بن األشرف ـ وسيأتي ذآره ـ آما أن شر طائفة من طوائفهم الثالث هم يهود

ا يسكنون داخل المدينة ـ في حي باسمهم ـ وآانوا صاغة وحدادين وصناع الظروف واألواني، بني قينقاع، آانووألجل هذه الحرف آانت قد توفرت لكل رجل منهم آالت الحرب، وآان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، وآانوا أشجع

. يهود المدينة، وآانوا أول من نكث العهد والميثاق من اليهودللمسلمين في بدر اشتد طغيانهم، وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم، فكانوا يثيرون الشغب، اهللافلما فتح

. ويتعرضون بالسخرية، ويواجهون باألذي آل من ورد سوقهم من المسلمين حتى أخذوا يتعرضون بنسائهمعاهم إلى الرشد والهدي، عليه وسلم، فوعظهم ود اهللاصلى اهللاوعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم، جمعهم رسول

. وحـذرهم مغـبة البغـي والـعدوان، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهمعليه وسلم قريشا يوم اهللاصلى اهللالما أصاب رسول : عنهما قال اهللاروي أبو داود وغيره، عن ابن عباس رضي

يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب ( : فقال . بدر، وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاعيا محمد، ال يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش آانوا أغمارا ال يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا : قالوا . ) قريشا

غلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس قل للذين آفروا ست { : تعالى اهللالعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل هم رأي العين واهللا يؤيد بنصره قد آان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اهللا وأخرى آافرة يرونهم مثلي المهاد

. ] 13، 12آل عمران [ } في ذلك لعبرة لأولي األبصارمن يشاء إن عليه وسلم غيظه، اهللاآان في معني ما أجاب به بنو قينقاع هو اإلعالن السافر عن الحرب، ولكن آظم النبي صلى

. وصبر المسلمون، وأخذوا ينتظرون ما تتمخض عنه الليإلى واأليام

من بني قينقاع ـ جراءة، فقلما لبثوا أن أثاروا في المدينة قلقا واضطرابا، وسعوا إلى حتفهم بظلفهم، وازداد اليهود ـ . وسدوا على أنفسهم أبواب الحياة

أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى : روي ابن هشام عن أبي عونآشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ـ وهي غافلة ـ صائغ، فجعلوا يريدونها على

فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ـ وآان يهوديا ـ فشدت . ينهم وبين بني قينقاعاليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر ب

الحصار ثم التسليم ثم الجالء

عليه وسلم، فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وأعطي لواء اهللاصلى اهللاوحينئذ عيل صبر رسول صرهم أشد إلى بني قينقاع، ولما رأوه تحصنوا في حصونهم، فحا اهللالمسلمين حمزة بن عبد المطلب، وسار بجنود

هـ، ودام الحصار خمس عشرة ليلة إلى هالل ذي القعدة، 2الحصار، وآان ذلك يوم السبت للنصف من شوال سنة في قلوبهم الرعب ـ فهو إذا أرادوا خذالن قوم وهزيمتهم أنزله عليهم وقذفه في قلوبهم ـ فنزلوا على حكم اهللاوقذف . الهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفواعليه وسلم في رقابهم وأمو اهللاصلى اهللارسول

عليه وسلم أن يصدر عنهم العفو، اهللاصلى اهللابن أبي بن سلول بدور نفاقه، فألح على رسول اهللاوحينئذ قام عبد عليه وسلم اهللاصلى اهللايا محمد، أحسن فـي موإلى ـ وآـان بنـو قينـقاع حلفـاء الخزرج ـ فأبطأ عليه رسول : فقال

، ) أرسلني ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافكرر ابن أبي مقالته فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درعه، فقال له رسول ال اهللاال و : ولكن المنافق مضى على إصراره وقال . ) ويحك، أرسلني ( : وغضب حتى رأوا لوجهه ظلال ، ثم قال

وثالثمائة دارع قد منعوني من األحمر واألسود، تحصدهم في غداة أرسلك حتى تحسن في موالى أربعمائة حاسر . امرؤ أخشي الدوائر اهللاإني و ؟ واحدة

عليه وسلم هذا المنافق ـ الذي لم يكن مضي على إظهار إسالمه إال نحو شهر واحد اهللاصلى اهللاوعامل رسول المدينة وال يجاوروه بها، فخرجوا إلى أذرعات الشام، فوهبهم له، وأمرهم أن يخرجوا من . فحسب ـ عامله بالحسنى

. فقل أن لبثوا فيها حتى هلك أآثرهمعليه وسلم منهم أموالهم، فأخذ منها ثالث قسي ودرعين وثالثة أسياف وثالثة رماح، اهللاصلى اهللاوقبض رسول

. وخمس غنائمهم، وآان الذي تولي جمع الغنائم محمد بن مسلمة

السويق غزوة

بينما آان صفوان بن أمية واليهود والمنافقون يقومون بمؤامراتهم وعملياتهم، آان أبو سفيان يفكر في عمل قليل

المغارم ظاهر األثر، يتعجل به؛ ليحفظ مكانة قومه، ويبرز ما لديهم من قوة، وآان قد نذر أال يمس رأسه ماء من ثيب، من المدينة : راآب ليبر يمينه، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال لهجنابة حتى يغزو محمدا، فخرج في مائتي

على بريد أو نحوه، ولكنه لم يجرؤ على مهاجمة المدينة جهارا، فقام بعمل هو أشبه بأعمال القرصنة، فإنه دخل في ح بابه، فأبي وخاف، فانصرف إلى ضواحي المدينة في الليل مستخفيا تحت جنح الظالم، فأتي حيي بن أخطب، فاستفت

سالم بن مشكم سيد بني النضير، وصاحب آنزهم إذ ذاك، فاستأذن عليه فأذن، فقراه وسقاه الخمر، وبطن له من خبر الناس، ثم خرج أبو سفيان في عقب ليلته حتى أتي أصحابه، فبعث مفرزة منهم، فأغارت على ناحية من المدينة يقال

، فقطعوا وأحرقوا هناك أصوارا من النخل، ووجدوا رجال من األنصار وحليفا له في حرث لهما ] العريض [ : لها . فقتلوهما، وفروا راجعين إلى مكة

عليه وسلم الخبر، فسارع لمطاردة أبي سفيان وأصحابه، ولكنهم فروا ببالغ السرعة، اهللاصلى اهللاوبلغ رسول عليه اهللاصلى اهللامن أزوادهم وتمويناتهم، يتخففون به، فتمكنوا من اإلفالت، وبلغ رسول وطرحوا سويقا آثيرا

وحمل المسلمون ما طرحه الكفار من سويقهم، وسموا هذه المناوشة . وسلم إلى قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعاواستعمل على المدينة في هذه الغزوة أبا لبابة هـ بعد بدر بشهرين، 2وقد وقعت في ذي الحجة سنة . بغزوة السويق . بن عبد المنذر

غزوة ذي أمر

. هـ 3عليه وسلم قبل معرآة أحد، قادها في المحرم سنة اهللاصلى اهللاوهي أآبر حملة عسكرية قادها رسول را من بني ثعلبة ومحارب عليه وسلم أن جمعا آبي اهللاصلى اهللاوسببها أن استخبارات المدينة نقلت إلى رسول

عليه وسلم المسلمين، وخرج في أربعمائة اهللاصلى اهللاتجمعوا، يريدون اإلغارة على أطراف المدينة، فندب رسول . وخمسين مقاتال ما بين راآب وراجل، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان

عليه وسلم، فدعاه اهللاصلى اهللاعلبة، فأدخل على رسول جبار من بني ث : وفي أثناء الطريق قبضوا على رجل يقال له . إلى اإلسالم فأسلم، فضمه إلى بالل، وصار دليال لجيش المسلمين إلى أرض العدو

عليه وسلم فقد وصل بجيشه اهللاأما النبي صلى . وتفرق األعداء في رءوس الجبال حين سمعوا بقدوم جيش المدينةهـ ـ أو قريبا من ذلك، ليشعر 3فأقام هناك صفرا آله ـ من سنة ] بذي أمر [ ماء المسمي إلى مكان تجمعهم، وهو ال

. األعراب بقوة المسلمين، ويستولي عليهم الرعب والرهبة، ثم رجح إلى المدينة

قتل آعب بن األشرف عليه وسلم، وتظاهرا اهللاصلى هللاآان آعب بن األشرف من أشد اليهود حنقا على اإلسالم والمسلمين، وإيذاء لرسول

. بالدعـوة إلى حربهآان من قبيلة طيئ ـ من بني نبهان ـ وأمه من بني النضير، وآان غنيا مترفا معروفا بجماله في العرب، شاعرا من

. وآان حصنه في شرق جنوب المدينة خلف ديار بني النضير . شعرائهاهؤالء أشراف العرب، ؟ أحق هذا : المسلمين، وقتل صناديد قريش في بدر قالولما بلغه أول خبر عن انتصار

. إن آان محمد أصاب هؤالء القوم لبطن األرض خير من ظهرها اهللاوملوك الناس، وعليه وسلم والمسلمين، ويمدح عدوهم ويحرضهم اهللاصلى اهللايهجو رسول اهللاولما تأآد لديه الخبر، انبعث عدو

ولم يرض بهذا القدر حتى رآب إلى قريش، فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي، وجعل ينشد األشعار عليهم،عليه اهللايبكي فيها على أصحاب القليب من قتلى المشرآين، يثير بذلك حفائظهم، ويذآي حقدهم على النبي صلى

؟ أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه : شرآونوسلم، ويدعوهم إلى حربه، وعندما آان بمكة سأله أبو سفيان والمألم تر إلى الذين أوتوا { : تعالى اهللاأنتم أهدي منهم سبيال، وأفضل، وفي ذلك أنزل : فقال ؟ وأي الفريقين أهدي سبيال

: النساء [ } للذين آفروا هؤالء أهدى من الذين آمنوا سبيال نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون51 [ .

ثم رجع آعب إلى المدينة على تلك الحال، وأخذ يشبب في أشعاره بنساء الصحابة، ويؤذيهم بسالطة لسانه أشد . اإليذاء

، فانتدب له محمد بن ) ورسوله اهللافإنه آذى ؟ ن لكعب بن األشرف م ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاوحينئذ قال رسول مسلمة، وعباد بن بشر، وأبو نائلة ـ واسمه سلكان بن سالمة، وهو أخو آعب من الرضاعة ـ والحارث بن أوس، وأبو

. عبس بن جبر، وآان قائد هذه المفرزة محمد بن مسلمةفإنه ؟ من لكعب بن األشرف ( : عليه وسلم لما قال اهللاصلى اهللاألشرف أن رسول وتفيد الروايات في قتل آعب بن ا

فائذن لي أن أقول : قال . ) نعم ( : قال ؟ ، أتحب أن أقتله اهللاأنا يا رسول : ، قام محمد بن مسلمة فقال ) ورسوله اهللاقد آذى . ) قل ( : قال . شيئا

. إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنانا : لمة، فقالفأتاه محمد بن مس . لتملنه اهللاو : قال آعب

وقد أردنا أن تسلفنا ؟ فإنا قد اتبعناه، فال نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه : قال محمد بن مسلمة . وسقـا أو وسقين

. نعم، أرهنوني : قال آعب ؟ أي شيء تريد : قال ابن مسلمة

. أرهنوني نساءآم : قال ؟ آيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب : قال . فترهنوني أبناءآم : قالولكنا نرهنك الألمة، يعني . رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا : آيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال : قال . الحالس

. فواعده أن يأتيهويحك يا : وصنع أبو نائلة مثل ما صنع محمد بن مسلمة، فقد جاء آعبا فتناشد معه أطراف األشعار سويعة، ثم قال له

. بن األشرف، إني قد جئت لحاجة أريد ذآرها لك فاآتم عني . أفعل : قال آعب

ء، عادتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل، حتى آان قدوم هذا الرجل علينا بال : قال أبو نائلة . ضاع العيال، وجهدت األنفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا، ودار الحوار على نحو ما دار مع ابن مسلمة

. فتبيعهم وتحسن في ذلكإن معي أصحابا لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم، : وقال أبو نائلة أثناء حديثهوقد نجح ابن مسلمة وأبو نائلة في هذا الحوار إلى ما قصد، فإن آعبا لن ينكر معهما السالح واألصحاب بعد هذا

. الحوار اهللاصلى اهللاهـ ـ اجتمعت هذه المفرزة إلى رسول 3وفي ليلة مقمرة ـ ليلة الرابع عشر من شهر ربيع األول سنة

، ثم رجع إلى بيته، وطفق ) م أعنهمالله، اهللانطلقوا على اسم ( : ، فشيعهم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم قائالعليه وسلم . يصلى ويناجي ربه

وانتهت المفرزة إلى حصن آعب بن األشرف، فهتف به أبو نائلة، فقام لينزل إليهم، فقالت له امرأته ـ وآان حديث . أسمع صوتا آأنه يقطر منه الدم ؟ رج هذه الساعة أين تخ : العهد بهاإنما هو أخي محمد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة أجاب، ثم خرج إليهم وهو : قال آعب

. متطيب ينفح رأسهني استمكنت من رأسه فدونكم إذا ما جاء فإني آخذ بشعره فأشمه، فإذا رأيتمو : وقد آان أبو نائلة قال ألصحـابـه

هل لك يا بن االشرف أن نتماشى إلى شعب : فاضربوه، فلما نزل آعب إليهم تحدث معهم ساعة، ثم قال أبو نائلةما رأيت آالليلة طيبا : إن شئتم، فخرجوا يتماشون، فقال أبو نائلة وهو في الطريق : قال ؟ العجوز فنتحدث بقية ليلتنا

نعم ، : قال ؟ أتأذن لي أن أشم رأسك : عندي أعطر نساء العرب ، قال أبو نائلة : ي آعب بما سمع ، فقالأعطر ، وزه . فأدخل يده في رأسه فشمه وأشم أصحابه

. حتى اطمأن . نعم ، فعاد لمثلها : قال آعب ؟ أعود : ثم مشى ساعـة ثم قال ، فاختلفت عليه اهللادونكم عدو : نعم ، فأدخل يده في رأسه، فلما استمكن منه قال : الق ؟ أعود : ثم مشى ساعة ثم قال

أسيافهم، لكنها لم تغن شيئا، فأخذ محمد بن مسلمة مغوال فوضعه في ثنته، ثم تحامل عليه حتي بلغ عانته، فوقع عدو . بق حصن إال أوقدت عليه النيرانقتيال، وآان قد صاح صيحة شديدة أفزعت من حوله، فلم ي اهللا

ورجعت المفرزة وقد أصيب الحارث بن أوس بذباب بعض سيوف أصحابه فجرح ونزف الدم، فلما بلغت المفرزة حرة العريض رأت أن الحارث ليس معهم، فوقفت ساعة حتي أتاهم يتبع آثارهم، فاحتملوه، حتي إذا بلغوا بقيع الغرقد

أفلحت ( : عليه وسلم تكبيرهم، فعرف أنهم قد قتلوه، فكبر، فلما انتهوا إليه قال اهللاصلى اهللارسول آبروا، وسمععلى قتله، وتفل علي جرح الحارث اهللا، ورموا برأس الطاغية بين يديه، فحمد اهللاووجهك يا رسول : ، قالوا ) الوجوه

. فبرأ، ولم يؤذ بعده اهللاغيتها آعب بن األشرف دب الرعب في قلوبهم العنيدة، وعلموا أن الرسول صلى ولما علمت اليهود بمصرع طا

عليه وسلم لن يتوانى في استخدام القوة حين يري أن النصح ال يجدي نفعا لمن يريد العبث باألمن وإثارة اهروا بإيفاء العهود، االضطرابات وعدم احترام المواثيق، فلم يحرآوا ساآنا لقتل طاغيتهم، بل لزموا الهدوء، وتظ

. واستكانوا، وأسرعت األفاعي إلى جحورها تختبئ فيها

عليه وسلم ـ إلي حين ـ لمواجهة األخطار التي آان يتوقع حدوثها من خارج المدينة، اهللاوهكذا تفرغ الرسول صلى شمون رائحتها بين آونة يوأصبح المسلمون وقد تخفف عنهم آثير من المتاعب الداخلية التي آانوا يتوجسونها، و

. وأخري

غزوة بحران

هـ 3عليه وسلم في شهر ربيع اآلخر سنة اهللاوهي دورية قتال آبيرة، قوامها ثالثمائة مقاتل، قادها الرسول صلى ألولى ـ من بحران ـ وهي معدن بالحجاز من ناحية الفرع ـ فأقام بها شهر ربيع اآلخر ثم جمادى ا : إلى أرض يقال لها

. السنة الثالثة من الهجرة ـ ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق حربا

سرية زيد بن حارثة

. هـ 3وهي آخر وأنجح دورية للقتال قام بها المسلمون قبل أحد، وقعت في جمادي اآلخرة سنة

واقترب موسم رحلتها إلى الشام، أن قريشا بقيت بعد بدر يساورها القلق واالضطراب، وجاء الصيف، : وتفصيلها . فأخذها هم آخر

إن محمدا وصحبه : قال صفوان بن أمية لقريش ـ وهو الذي نخبته قريش في هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشام

خل وأهل الساحل قد وادعهم ود ؟ عوروا علينا متجرنا، فما ندري آيف نصنع بأصحابه، وهم ال يبرحون الساحل وإنما حياتنا بمكة . وإن أقمنا في دارنا هذه أآلنا رءوس أموالنا فلم يكن لها من بقاء ؟ عامتهم معه، فما ندري أين نسلك

. على التجارة إلى الشام في الصيف، وإلى الحبشة في الشتاء

يق على الساحل وخذ طريق تنكب الطر : ودارت المناقشة حول هذا الموضوع، فقال األسود بن عبد المطلب لصفوانالعراق ـ وهي طريق طويلة جدا تخترق نجدا إلى الشام، وتمر في شرقي المدينة على بعد آبير منها، وآانت قريش

تجهل هذه الطريق آل الجهل ـ فأشار األسود بن عبد المطلب على صفوان أن يتخذ فرات بن حيان ـ من بني بكر بن . رائده في هذه الرحلةوائل ـ دليال له، ويكون

وخرجت عير قريش يقودها صفوان بن أمية، آخذة الطريق الجديدة، إال أن أنباء هذه القافلة وخطة سيرها طارت إلى

وذلك أن سليط بن النعمان ـ آان قد أسلم ـ اجتمع في مجلس شرب ـ وذلك قبل تحريم الخمر ـ مع نعيم بن . المدينةكن أسلم إذ ذاك ـ فلما أخذت الخمر من نعيم تحدث بالتفصيل عن قضية العير وخطة مسعود األشجعي ـ ولم ي

. عليه وسلم يروي له القصة اهللاسيرها،فأسرع سليط إلى النبي صلى

عليه وسلم لوقته حملة قوامها مائة راآب في قيادة زيد بن حارثة الكلبي، وأسرع زيد حتى اهللاصلى اهللاوجهز رسول قردة ـ بالفتح فالسكون ـ فاستولي عليها : بغتة ـ على حين غرة ـ وهي تنزل على ماء في أرض نجد يقال له دهم القافلة

. آلها، ولم يكن من صفوان ومن معه من حرس القافلة إال الفرار بدون أي مقاومة

آبيرة من األواني والفضة آانت ورجلين غيره ـ وحملوا غنيمة : وأسر المسلمون دليل القافلة ـ فرات بن حيان، وقيلعليه وسلم هذه الغنيمة على أفراد السرية بعد أخذ اهللاصلى اهللاتحملها القافلة، قدرت قيمتها بمائة ألف، وقسم رسول

. عليه وسلم اهللالخمس، وأسلم فرات بن حيان على يديه صلى

ولم يبق أمامها إال . لها قلق قريش وزادتها هما وحزناوآانت مأساة شديدة ونكبة آبيرة أصابت قريشا بعد بدر، اشتد

طريقان،إما أن تمتنع عن غطرستها وآبريائها، وتأخذ طريق الموادعة والمصالحة مع المسلمين، أو تقوم بحرب شاملة تعيد لها مجدها التليد، وعزها القديم، وتقضي على قوات المسلمين بحيث ال يبقي لهم سيطرة على هذا وال

ك، وقد اختارت مكة الطريق الثانية، فازداد إصرارها على المطالبة بالثأر، والتهيؤ للقاء المسلمين في تعبئة آاملة، ذا . وتصميمها على الغزو في ديارهم، فكان ذلك وما سبق من أحداث التمهيد القوي لمعرآة أحد

غـزوة أحـد

ناقمة استعداد قريش لمعرآة قوام جيش قريش وقيادته

جيش مكة يتحرك المسلمين للطوارئ استعداد

المدينة الجيش المكي إلى أسوار المجلس االستشاري ألخذ خطة الدفاع

تكتيب الجيش اإلسالمي وخروجه إلى ساحة القتال استعراض الجيش

المبيت بين أحد والمدينة اهللا بن أبي وأصحابه تمرد عبد

أحد بقية الجيش اإلسالمي إلى خطة الدفاع

الرسول صلى اهللا عليه وسلم ينفث روح البسالة في الجيش

المكي تعبئـة الجيش ورات سياسية من قبل قريشمنا

جهود نسوة قريش في التحميس أول وقود المعرآة اللواء وإبادة حملته ثقل المعرآة حول النقاط القتال في بقية

مصرع أسد اهللا حمزة بن عبد المطلب السيطرة على الموقف

مقارعة السيوف والدرقةمن أحضان المرأة إلى نصيب فصيلة الرماة في المعرآة

الهزيمة تنزل بالمشرآين الفظيعة غلطة الرماة

اإلسالمي خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش

استعداد قريش لمعرآة ناقمة

غيظا على المسلمين مما أصابها في معرآة بدر من مأساة الهزيمة وقتل الصناديد واألشراف، وآانت تجيش فيها آانت مكة تحترقنزعات االنتقام وأخذ الثأر، حتى إن قريشا آانوا قد منعوا البكاء على قتالهم في بدر، ومنعوا من االستعجال في فداء األساري حتى

. نهمال يتفطن المسلمون مدي مأساتهم وحز

وعلى أثر غزوة بدر اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين تشفي غيظها وتروي غلة حقدها، وأخذت في االستعداد . للخوض في مثل هذه المعرآة

حمسا بن أبي ربيعة أآثر زعماء قريش نشاطا وت اهللاوآان عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وأبو سفيان بن حرب، وعبد

. لخوض المعرآة

ا وأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي آان قد نجا بها أبو سفيان، والتي آانت سببا لمعرآة بدر، وقالوا للذين آانت فيهمنه ثأرا، فأجابوا لذلك، يا معشر قريش، إن محمدا قد وترآم وقتل خيارآم، فأعينونا بهذا المال على حربه ؛ لعلنا أن ندرك : أموالهم

إن الذين آفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل { : تعالي اهللافباعوها، وآانت ألف بعير، والمال خمسين ألف دينار، وفي ذلك أنزل ] 36 : األنفال [ } اهللا فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون

ثم فتحوا باب التطوع لكل من أحب المساهمة في غزو المسلمين من األحابيش وآنانة وأهل تهامة، وأخذوا لذلك أنواعا من طرق

عليه وسلم اهللاصلى اهللالتحريض، حتى إن صفوان بن أمية أغري أبا عزة الشاعر ـ الذي آان قد أسر في بدر، فمن عليه رسول وأطلق سراحه بغير فدية، وأخذ منه العهد بأال يقوم ضده ـ أغراه على أن يقوم بتحريض القبائل ضد المسلمين، وعاهده أنه إن رجع عن الغزوة حيا يغنيه، وإال يكفل بناته، فقام أبو عزة بتحريض القبائل بأشعاره التي آانت تذآي حفائظهم، آما اختاروا شاعرا آخر ـ

. د مناف الجمحي ـ لنفس المهمةمسافع بن عب

اته وآان أبو سفيان أشد تأليبا على المسلمين بعدما رجع من غزوة السويق خائبا لم ينل ما في نفسه، بل أضاع مقدارا آبيرا من تموين . في هذه الغزوة

يرا في سرية زيد بن حارثة من الخسارة الفادحة التي وزاد الطينة بلة ـ أو زاد النار إذآاء، إن صح هذا التعبير ـ ما أصاب قريشا أخ

قصمت فقار اقتصادها، وزودها من الحزن والهم ما ال يقادر قدره، وحينئذ زادت سرعة قريش في استعدادها للخوض في معرآة . تفصل بينهم وبين المسلمين

قوام جيش قريش وقيادته

تها، واجتمع إليها من المشرآين ثالثة آالف مقاتل من قريش ولما استدارت السنة آانت مكة قد استكملت عدوالحلفاء واألحابيش، ورأي قادة قريش أن يستصحبوا معهم النساء حتى يكون ذلك أبلغ في استماتة الرجال دون

. أن تصاب حرماتهم وأعراضهم، وآان عدد هذه النسوة خمس عشرة امرأة

ة آالف بعير، ومن سالح الفرسان مائتا فرس ، جنبوها طول الطريق، وآان سالح النقليات في هذا الجيش ثالثوآانت القيادة العامة إلى أبي سفيان بن حرب، وقيادة الفرسان إلى خالد بن . وآان من سالح الوقاية سبعمائة درع . أما اللواء فكان إلى بني عبد الدار . الوليد يعاونه عكرمة بن أبي جهل

جيش مكة يتحركتحرك الجيش المكي بعد هذا اإلعداد التام نحو المدينة، وآانت التارات القديمة والغيظ الكامن يشعل البغضاء في

االستخبارات النبوية تكشف . القلوب، ويشف عما سوف يقع من قتال مرير

حرآة العدوتحرك هذا الجيش بعث العباس وآان العباس بن عبد المطلب يرقب حرآات قريش واستعداداتها العسكرية، فلما

. عليه وسلم ضمنها جميع تفاصيل الجيش اهللارسالة مستعجلة إلى النبي صلى

وأسرع رسول العباس بإبالغ الرسالة، وجد في السير حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة ـ التي تبلغ مسافتها إلى . عليه وسلم وهو في مسجد قباء اهللاإلى النبي صلى نحو خمسمائة آيلو متر ـ في ثالثة أيام، وسلم الرسالة

عليه وسلم أبي بن آعب، فأمره بالكتمان، وعاد مسرعا إلى المدينة، وتبادل الرأي اهللاقرأ الرسالة على النبي صلى . مع قادة المهاجرين واألنصار

استعداد المسلمين للطوارئ

. ارق رجالها السالح حتى وهم في الصالة، استعدادا للطوارئوظلت المدينة في حالة استنفار عام ال يف

اهللاصلى اهللاوقامت مفرزة من األنصار ـ فيهم سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة ـ بحراسة رسول ها ؛ خوفا من وقامت على مداخل المدينة وأنقابها مفرزات تحرس . عليه وسلم ، فكانوا يبيتون على بابه وعليهم السالح

. أن يؤخذوا على غرة

وقامت دوريات من المسلمين ـ الآتشاف تحرآات العدو ـ تتجول حول الطرق التي يحتمل أن يسلكها المشرآون . لإلغارة على المسلمين

الجيش المكي إلى أسوار المدينةل إلى األبواء اقترحت هند بنت عتبة ـ زوج وتابع جيش مكة سيره على الطريق الغربية الرئيسية المعتادة، ولما وص

عليه وسلم ، بيد أن قادة الجيش رفضوا هذا الطلب،وحذروا من اهللاصلى اهللاأبي سفيان ـ بنبش قبر أم رسول . العواقب الوخيمة التي تلحقهم لو فتحو هذا الباب

ثم انحرف منه إلى ذات اليمين حتى نزل ثم واصل جيش مكة سيره حتى اقترب من المدينة، فسلك وادي العقيق، عينين، في بطن السبخة من قناة على شفير الوادي ـ الذي يقع شمإلى المدينة بجنب : قريبا بجبل أحد، في مكان يقال له

. أحـد، فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة ثالث من الهجرة

عالمجلس االستشاري ألخذ خطة الدفا اهللاونقلت استخبارات المدينة أخبار جيش مكة خبرا بعد خبر حتى الخبر األخير عن معسكره، وحينئذ عقد رسول

عليه وسلم مجلسا استشاريا عسكريا أعلى ، تبادل فيه الرأي الختيار الموقف، وأخبرهم عن رؤيا رآها، اهللاصلى يذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع خيرا، رأيت بقرا اهللاإني قد رأيت و ( : قال

، وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع ) حصينة . بالمدينة

ون بمعسكرهم أقاموا بشر مقام ثم قدم رأيه إلى صحابته أال يخرجوا من المدينة وأن يتحصنوا بها،فإن أقام المشرآ

. وبغير جدوي، وإن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه األزقة، والنساء من فوق البيوت، وآان هذا هو الرأي

بن أبي بن سلول ـ رأس المنافقين ـ وآان قد حضر المجلس بصفته أحد زعماء اهللاووافقه على هذا الرأي عبد أن موافقته لهذا الرأي لم تكن ألجل أن هذا هو الموقف الصحيح من حيث الوجهة العسكرية، بل ويبدو . الخزرج

أن يفتضح هو وأصحابه ـ ألول مرة ـ أمام المسلمين اهللاليتمكن من التباعد عن القتال دون أن يعلم بذلك أحد، وشاء سلمون في أحرج ساعاتهم على تلك وينكشف عنهم الغطاء الذي آان آفرهم ونفاقهم يكمن وراءه، ويتعرف الم

. األفاعي التي آانت تتحرك تحت مالبسهم وأآمامهم

عليه اهللافقد بادر جماعة من فضالء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر ومن غيرهم، فأشاروا على النبي صلى ، فقد ساقه إلينا اهللاليوم وندعو ،آنا نتمني هذااهللايا رسول : وسلم بالخروج، وألحوا عليه في ذلك حتى قال قائلهم

. وقرب المسير، اخرج إلى أعدائنا، ال يرون أنا جبنا عنهم

عليه وسلم ـ الذي آان قد أبلي اهللاصلى اهللاوآان في مقدمة هؤالء المتحمسين حمزة بن عبد المطلب عم رسول والذي أنزل عليك الكتاب ال أطعم طعاما حتى : عليه وسلم اهللاأحسن بالء في معرآة بدر ـ فقد قال للنبي صلى

. أجالدهم بسيفي خارج المدينة

عليه وسلم عن رأيه مراعاة لهؤالء المتحمسين، واستقر الرأي على الخروج من المدينة، اهللاصلى اهللاوتنازل رسول . واللقاء في الميدان السافر

التكتيب الجيش اإلسالمي وخروجه إلى ساحة القتعليه وسلم بالناس يوم الجمعة، فوعظهم وأمرهم بالجد واالجتهاد، وأخبر أن لهم النصر اهللاثم صلى النبي صلى

ثم صلى بالناس العصر، وقد حشدوا وحضر أهل . بما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ففرح الناس بذلكأي [ وألبساه، فتدجج بسالحه وظاهر بين درعين العوإلى ، ثم دخل بيته، ومعه صاحباه أبو بكر وعمر، فعمماه

. وتقلد السيف، ثم خرج على الناس ] لبس درعا فوق درع

عليه اهللاصلى اهللاستكرهتم رسول : وآان الناس ينتظرون خروجه، وقد قال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير،ما آان لنا اهللايا رسول : عوا، فلما خرج قالوا لهوسلم على الخروج فردوا األمر إليه،فندموا جميعا على ما صنما ينبغي ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال رسول . أن نخالفك فاصنع ما شئت، إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل

. ) بينه وبين عدوه اهللالنبي إذا لبس ألمته ـ وهي الدرع ـ أن يضعها حتى يحكم

: عليه وسلم جيشه إلى ثالث آتائب اهللا وقسم النبي صلى . آتيبة المهاجرين، وأعطي لواءها مصعب بن عمير العبدري . 1 . آتيبة األوس من األنصار، وأعطي لواءها أسيد بن حضير . 2 . آتيبة الخزرج من األنصار، وأعطي لواءها الحباب بن المنذر . 3

تل فيهم مائة دارع، ولم يكن فيهم من الفرسان أحد ،واستعمل على المدينة ابن أم وآان الجيش متألفا من ألف مقامكتوم على الصالة بمن بقي في المدينة،وآذن بالرحيل، فتحرك الجيش نحو الشمال، وخرج السعدان أمام النبي

. عليه وسلم يعدوان دارعين اهللاصلى

منفردة عن سواد الجيش، فسأل عنها، فأخبر أنهم اليهود من ولما جاوز ثنية الوداع رأي آتيبة حسنة التسليح ال، فأبى أن يستعين : فقالوا ) ؟ هل أسلموا ( : حلفاء الخزرج يرغبون المساهمة في القتال ضد المشرآين، فسأل

. بأهل الكفر على أهل الشرك

استعراض الجيشستعرض جيشه، فرد من استصغره ولم يره مطيقا للقتال، وآان منهم ا ] الشيخان [ : وعندما وصل إلى مقام يقال له

بن عمر بن الخطاب وأسامة بن زيد، وأسيد بن ظهير، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، اهللاعبد اء بن وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وزيد بن حارثة األنصاري، وسعد بن حبة، ويذآر في هؤالء البر

. عازب، لكن حديثه في البخاري يدل على شهوده القتال ذلك اليوم

وأجاز رافع بن خديج، وسمرة بن جندب على صغر سنهما، وذلك أن رافع بن خديج آان ماهرا في رماية النبل وسلم بذلك أمرهما أن عليه اهللاصلى اهللاأنا أقوي من رافع،أنا أصرعه، فلما أخبر رسول : فأجازه، فقال سمرة

. يتصارعا أمامه فتصارعا، فصرع سمرة رافعا، فأجازه أيضا المبيت بين أحد والمدينة

وفي هذا المكان أدرآهم المساء، فصلى المغرب، ثم صلى العشاء، وبات هنالك، واختار خمسين رجال لحراسة ي، بطل سرية آعب بن األشرف، وتولي ذآوان المعسكر يتجولون حوله، وآان قائدهم محمد بن مسلمة األنصار

. عليه وسلم خاصة اهللابن عبد قيس حراسة النبي صلى

بن أبي وأصحابه اهللاتمرد عبد وقبل طلوع الفجر بقليل أدلج، حتى إذا آان بالشوط صلى الفجر، وآان بمقربة جدا من العدو، فقد آان يراهم

ما ندري عالم : ن أبي المنافق، فانسحب بنحو ثلث العسكر ـ ثالثمائة مقاتل ـ قائالب اهللاويرونه، وهناك تمرد عبد . عليه وسلم ترك رأيه وأطاع غيره اهللاومتظاهرا باالحتجاج بأن الرسول صلى ؟ نقتل أنفسنا

ليه وسلم رأيه، ع اهللاصلى اهللاوال شك أن سبب هذا االنعزال لم يكن هو ما أبداه هذا المنافق من رفض رسول

ولو آان هذا هو السبب ال نعزل عن الجيش منذ بداية . وإال لم يكن لسيره مع الجيش النبوي إلى هذا المكان معنيسيره، بل آان هدفه الرئيسي من هذا التمرد ـ في ذلك الظرف الدقيق ـ أن يحدث البلبلة واالضطراب في جيش

عليه وسلم، وتنهار اهللاحاز عامة الجيش عن النبي صلى المسلمين على مرأي ومسمع من عدوهم،حتى ينمعنويات من يبقي معه، بينما يتشجع العدو، وتعلو همته لرؤية هذا المنظر، فيكون ذلك أسرع إلى القضاء على

. عليه وسلم وأصحابه المخلصين، ويصحو بعد ذلك الجو لعودة الرياسة إلى هذا المنافق وأصحابه اهللالنبي صلى آاد المنافق ينجح في تحقيق بعض ما آان يهدف إليه، فقد همت طائفتان ـ بنو حارثة من األوس، وبنو سلمة من و

توالهما، فثبتتا بعدما سري فيهما االضطراب، وهمتا بالرجوع واالنسحاب، اهللالخزرج ـ أن تفشال، ولكن : آل عمران [ } أن تفشال واهللا وليهما وعلى اهللا فليتوآل المؤمنون إذ همت طآئفتان منكم { : تعالي اهللاوعنهما يقول

122 [ .

ـ تذآير هؤالء المنافقين بواجبهم في هذا الظرف الدقيق، فتبعهم اهللابن حرام ـ والد جابر بن عبد اهللاوحاول عبد لو نعلم أنكم تقاتلون لم : أو ادفعوا، قالوا اهللاتعالوا قاتلوا في سبيل : وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع، ويقول

. عنكم نبيه اهللا، فسيغني اهللاأعداء اهللاأبعدآم : بن حرام قائال اهللانرجع، فرجع عنهم عبد

هم تعالوا قاتلوا في سبيل اهللا أو ادفعوا قالوا لو وليعلم الذين نافقوا وقيل ل { : تعالى اهللاوفي هؤالء المنافقين يقول } نليس في قلوبهم واهللا أعلم بما يكتمونعلم قتاال التبعناآم هم للكفر يومئذ أقرب منهم لإليمان يقولون بأفواههم ما

. ] 167 : آل عمران [

بقية الجيش اإلسالمي إلى أحدعليه وسلم ببقية الجيش ـ وهم سبعمائة مقاتل ـ ليواصل سيره نحو اهللاوبعد هذا التمرد واالنسحاب قام النبي صلى

بنا على القوم من آثب من رجل يخرج ( : العدو، وآان معسكر المشرآين يحول بينه وبين أحد في مناطق آثيرة، فقال . ) ؟ ـ أي من قريب ـ من طريق ال يمر بنا عليهم

، ثم اختار طريقا قصيرا إلى أحد يمر بحرة بني حارثة وبمزارعهم، تارآا جيش اهللاأنا يارسول : فقال أبو خيثمة

. المشرآين إلى الغرب

يظي ـ وآان منافقا ضرير البصر ـ فلما أحس بالجيش قام يحثو التراب ومر الجيش في هذا الطريق بحائط مربع بن ق

اهللافابتدره القوم ليقتلوه، فقال صلى . اهللاال أحل لك أن تدخل حائطي إن آنت رسول : في وجوه المسلمين، ويقول . ) ال تقتلوه، فهذا األعمى أعمى القلب أعمى البصر ( : عليه وسلم

عليه وسلم حتى نزل الشعب من جبل أحد في عدوة الوادي، فعسكر بجيشه مستقبال المدينة، اهللاصلى اهللا ونفذ رسول

. وجاعال ظهره إلى هضاب جبل أحد، وعلى هذا صار جيش العدو فاصال بين المسلمين وبين المدينة

خطة الدفاعوفا للقتال، فاختار منهم فصيلة من الرماة الماهرين، عليه وسلم جيشه، وهيأهم صف اهللاصلى اهللاوهناك عبأ رسول

بن جبير بن النعمان األنصاري األوسي البدري، وأمرهم بالتمرآز اهللاقوامها خمسون مقاتال، وأعطي قيادتها لعبد على جبل يقع على الضفة الشمالية من وادي قناة ـ وعرف فيما بعد بجبل الرماة ـ جنوب شرق معسكر المسلمين،

. لى بعد حوالى مائة وخمسين مترا من مقر الجيش اإلسالميع

: عليه وسلم في آلماته التي ألقاها إلى هؤالء الرماة، فقد قال لقائدهم اهللاصلى اهللاوالهدف من ذلك هو ما أبداه رسول : وقال للرماة ) نؤتين من قبلكانضح الخيل عنا بالنبل، ال يأتونا من خلفنا، إن آانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، ال ( : ، وفي رواية البخاري أنه قال ) احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فال تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فال تشرآونا ( حوا إن رأيتمونا تخطفنا الطير فال تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فال تبر (

. ) حتى أرسل إليكم

عليه وسلم الثلمة الوحيدة التي اهللاصلى اهللابتعين هذه الفصيلة في الجبل مع هذه األوامر العسكرية الشديدة سد رسول آان يمكن لفرسان المشرآين أن يتسللوا من ورائها إلى صفوف المسلمين، ويقوموا بحرآات االلتفاف وعملية

. التطويق

الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، وجعل على الميسرة الزبير بن العوام، يسانده المقداد بن األسود، أما بقية وآان إلى الزبير مهمة الصمود في وجه فرسان خالد بن الوليد،وجعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان

. ون باآلالف المسلمين ورجاالتهم المشهورين بالنجدة والبسالة، والذين يوزن

عليه وسلم لعسكرية، وأنه ال يمكن ألي اهللاولقد آانت خطة حكيمة ودقيقة جدا، تتجلي فيها عبقرية قيادة النبي صلى قائد مهما تقدمت آفاءته أن يضع خطة أدق وأحكم من هذا؛ فقد احتل أفضل موضع من ميدان المعرآة، مع أنه نزل

مينه بارتفاعات الجبل، وحمي ميسرته وظهره ـ حين يحتدم القتال ـ بسد الثلمة فيه بعد العدو، فإنه حمي ظهره ويالوحيدة التي آانت توجد في جانب الجيش اإلسالمي، واختار لمعسكره موضعا مرتفعا يحتمي به ـ إذا نزلت الهزيمة

سرهم، ويلحق مع ذلك بالمسلمين ـ وال يلتجئ إلى الفرار، حتى يتعرض للوقوع في قبضة األعداء المطاردين وأخسائر فادحة بأعدائه إن أرادوا احتالل معسكره وتقدموا إليه،وألجأ أعداءه إلى قبول موضع منخفض يصعب عليهم جدا أن يحصلوا على شيء من فوائد الفتح إن آانت الغلبة لهم، ويصعب عليهم اإلفالت من المسلمين المطاردين إن

. النقص العددي في رجاله باختيار نخبة ممتازة من أصحابه الشجعان البارزين آانت الغلبة للمسلمين، آما أنه عوض

. هـ3وهكذا تمت تعبئة الجيش النبوي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال سنة

عليه وسلم ينفث روح البسالة في الجيش اهللالرسول صلى

قتال حتى يأمرهم، وظاهر بين درعين، وحرض أصحابه عليه وسلم الناس عن األخذ في ال اهللاونهى الرسول صلى على القتال، وحضهم على المصابرة والجالد عند اللقاء، وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه حتى جرد

والزبير ، فقام إليه رجال ليأخذوه ـ منهم على بن أبي طالب، ) ؟ من يأخذ هذا السيف بحقه ( : سيفا باترا ونادي أصحابهأن ( : قال ؟ اهللاوما حقه يا رسول : بن العوام، وعمر بن الخطاب ـ حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، فقال

. ، فأعطاه إياهاهللاأنا آخذه بحقه يا رسول : قال . ) تضرب به وجوه العدو حتى ينحني

ب، وآانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل وآان أبو دجانة رجال شجاعا يختال عند الحرصلى اهللافلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك العصابة، وجعل يتبختر بين الصفين، وحينئذ قال رسول . حتى الموت

. ) إال في مثل هذا الموطن اهللاإنها لمشية يبغضها ( : عليه وسلم اهللا

تعبئـة الجيش المكيأما المشرآون فعبأوا جيشهم حسب نظام الصفوف، فكانت القيادة العامة إلى أبي سفيان صخر بن حرب الذي تمرآز

في قلب الجيش، وجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد ـ وآان إذ ذاك مشرآا ـ وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، . ن أبي ربيعةب اهللاوعلى المشاة صفوان ابن أمية، وعلى رماة النبل عبد

أما اللواء فكان إلى مفرزة من بني عبد الدار، وقد آان ذلك منصبهم منذ أن اقتسمت بنو عبد مناف المناصب التي ورثوها من قصي بن آالب ـ آما أسلفنا في أوائل الكتاب ـ وآان ال يمكن ألحد أن ينازعهم في ذلك؛ تقيدا بالتقاليد

يد أن القائد العام ـ أبا سفيان ـ ذآرهم بما أصاب قريشا يوم بدر حين أسر حامل لوائهم التي ورثوها آابرا عن آابر، بيا بني عبد الدار، قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد : النضر بن الحارث، وقال لهم ـ ليستفز غضبهم ويثير حميتهم

. ا أن تكفونا لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموهرأيتم، وإنما يؤتي الناس من قبل راياتهم، وإذا زالت زالوا، فإم

: ونجح أبو سفيان في هدفه، فقد غضب بنو عبد الدار لقول أبي سفيان أشد الغضب، وهموا به وتواعدوه وقالوا له . أبيدوا عن بكرة أبيهموقد ثبتوا عند احتدام المعرآة حتى . ستعلم غدا إذا التقينا آيف نصنع ؟ نحن نسلم إليك لواءنا

مناورات سياسية من قبل قريشفقد أرسل أبو سفيان إلى األنصار . وقبيل نشوب المعرآة حاولت قريش إيقاع الفرقة والنزاع داخل صفوف المسلمين

اولة أمام اإليمان ولكن أين هذه المح . خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم، ، فال حاجة لنا إلى قتالكم : يقول لهم . الذي ال تقوم له الجبال، فقد رد عليه األنصار ردا عنيفا، وأسمعوه ما يكره

واقتربت ساعة الصفر، وتدانت الفئتان، فقامت قريش بمحاولة أخري لنفس الغرض، فقد خرج إلى األنصار عميل عليه اهللاصلى اهللاي الراهب، فسماه رسول خائن يسمي أبا عامر الفاسق ـ واسمه عبد عمرو ابن صيفي، وآان يسم

عليه وسلم اهللاصلى اهللاوسلم الفاسق، وآان رأس األوس في الجاهلية، فلما جاء اإلسالم شرق به، وجاهر رسول عليه وسلم ويحضهم على قتاله، اهللاصلى اهللابالعداوة، فخرج من المدينة وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول

. إذا رأوه أطاعوه، ومالوا معه ـ فكان أول من خرج إلى المسلمين في األحابيش وعبدان أهل مكة ووعدهم بأن قومهلقد : فقال . بك عينا يا فاسق اهللاال أنعم : فقالوا . يا معشر األوس، أنا أبو عامر : فنادي قومه وتعرف عليهم، وقال

. قتاال شديدا وراضخهم بالحجارة ـ ولما بدأ القتال قاتلهم . أصاب قومي بعدي شر

ويدل عملهم هذا على ما آان يسيطر عليهم . وهكذا فشلت قريش في محاولتها الثانية للتفريق بين صفوف أهل اإليمان . من خوف المسلمين وهيبتهم، مع آثرتهم وتفوقهم في العدد والعدة

جهود نسوة قريش في التحميس

صيبهن من المشارآة في المعرآة، تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، فكن يتجولن في وقامت نسوة قريش بنالصفوف، ويضربن بالدفوف؛ يستنهضن الرجال، ويحرضن على القتال، ويثرن حفائظ األبطال، ويحرآن مشاعر

: أهل الطعان والضراب والنضال، فتارة يخاطبن أهل اللواء فيقلن

** ار ويها بني عبد الــد ** ويـها حماة األدبـــار

** ضـربا بكـل بتـــــار : وتارة يأززن قومهن على القتال وينشدن

** إن تـقبلـوا نعانـــق

** ونفــرش النمـــارق ** أو تـدبـروا نفـــارق ** فــراق غيـر وامـق

أول وقود المعرآةانت الفئتان، وآنت مرحلة القتال، وآان أول وقود المعرآة حامل لواء المشرآين طلحة بن وتقارب الجمعان وتد

خرج وهو راآب على جمل . أبي طلحة العبدري، وآان من أشجع فرسان قريش، يسميه المسلمون آبش الكتيبةبل وثب إليه وثبة الليث يدعو إلى المبارزة، فأحجم عنه الناس لفرط شجاعته، ولكن تقدم إليه الزبير ولم يمهله،

. حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به األرض فألقاه عنه وذبحه بسيفه

: عليه وسلم هذا الصراع الرائع فكبر، وآبر المسلمون وأثنى على الزبير، وقال في حقه اهللاورأي النبي صلى . ) إن لكل نبي حواريا، وحواري الزبير (

للواء وإبادة حملتهثقل المعرآة حول ا

ثم اندلعت نيران المعرآة، واشتد القتال بين الفريقين في آل نقطة من نقاط الميدان، وآان ثقل المعرآة يدور حول لواء المشرآين، فقد تعاقب بنو عبد الدار لحمل اللواء بعد قتل قائدهم طلحة بن أبي طلحة، فحمله أخوه أبو

: لقتال وهو يقولشيبة عثمان بن أبي طلحة، وتقدم ل

أن تخضب الصعدة أو تندقا** إن على أهل اللواء حقــا

. فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه على عاتقه ضربة بترت يده مع آتفه، حتى وصلت إلى سرته، فبانت رئته

. حنجرته، فأدلع لسانه ومات لحينه ثم رفع اللواء أبو سعد بن أبي طلحة، فرماه سعد بن أبي وقاص بسهم أصاب . بل خرج أبو سعد يدعو إلى البراز، فتقدم إليه على بن أبي طالب، فاختلفا ضربتين، فضربه على فقتله : وقيل

ه ثم رفع اللواء مسافع بن طلحة بن أبي طلحة، فرماه عاصم بن ثابت بن أبي األفلح بسهم فقتله، فحمل اللواء بعده أخو

آالب بن طلحة بن أبي طلحة، فانقض عليه الزبير بن العوام وقاتله حتى قتله، ثم حمل اللواء أخوهما الجالس بن بل رماه عاصم بن ثابت بن أبي األفلح : وقيل . طعنة قضت على حياته اهللاطلحة بن أبي طلحة، فطعنه طلحة بن عبيد

. بسهم فقضي عليه

بن عثمان بن عبد الدار، قتلوا جميعا حول لواء المشرآين، ثم اهللاواحد، بيت أبي طلحة عبد هؤالء ستة نفر من بيت حمزة بن عبد المطلب، ثم حمله شريح : حمله من بني عبد الدار أرطاة بن شرحبيل، فقتله على بن أبي طالب، وقيل

ال عن اإلسالم ـ ثم حمله أبو زيد عمرو بن عبد مناف بن قارظ فقتله قزمان ـ وآان منافقا قاتل مع المسلمين حمية، . العبدري، فقتله قزمان أيضا، ثم حمله ولد لشرحبيل بن هاشم العبدري فقتله قزمان أيضا

فتقدم غالم لـهم . فهؤالء عشرة من بني عبد الدار ـ من حمله اللواء ـ أبيدوا عن آخرهم، ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء

اسمه صؤاب ـ فحمل اللواء، وأبدي من صنوف الشجاعة والثبات ما فاق به مواليه من حملة اللواء الذين حبشي ـ م هل الله : قتلوا قبله، فقد قاتل حتى قطعت يداه، فبرك على اللواء بصدره وعنقه؛ لئال يسقط، حتى قتل وهو يقول

. ؟ يعني هل أعذرت ؟ أعزرت

. صؤاب ـ سقط اللواء على األرض، ولم يبق أحد يحمله، فبقي ساقطا وبعد أن قتل هذا الغالم ـ

القتال في بقية النقاطوبينما آان ثقل المعرآة يدور حول لواء المشرآين آان القتال المرير يجري في سائر نقاط المعرآة، وآانت روح

: ق الفيضان تتقطع أمامه السدود، وهم يقولوناإليمان قد سادت صفوف المسلمين، فانطلقوا خالل جنود الشرك انطال . آان ذلك شعارا لهم يوم أحد ] أمت، أمت [

عليه وسلم، مصمما على أداء حقه، فقاتل اهللاصلى اهللاأقبل أبو دجانة معلما بعصابته الحمراء، آخذا بسيف رسول وجدت : قال الزبير بن العوام . د صفوف المشرآين هداحتى أمعن في الناس، وجعل ال يلقي مشرآا إال قتله، وأخذ يه

أنا ابن : عليه وسلم السيف فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة، وقلت ـ أي في نفسي اهللاصلى اهللافي نفسي حين سألت رسول فاتبعته، فأخرج ؟ ألنظرن ما يصنع اهللاصفية عمته، ومن قريش، وقد قمت إليه، فسألته إياه قبله فآتاه إياه وترآني، و

: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، فخرج وهو يقول : عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت األنصار

ونحـن بالسفح لدى النخيل ** أنا الذي عاهـدني خليلي والرسول اهللاأضرب بسيف ** أال أقوم الدهر في الكيول

آان في المشرآين رجل ال يدع لنا جريحا إال ذفف عليه، فجعل آل واحد منهما يدنو من فجعل ال يلقى أحدا إال قتله، وأن يجمع بينهما فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضت اهللاصاحبه، فدعوت

. بسيفه، فضربه أبو دجانة فقتله

رأيت إنسانا : قال أبو دجانة . حتى خلص إلى قائدة نسوة قريش، وهو ال يدري بها ثم أمعن أبو دجانة في هد الصفوف،صلى اهللايخمش الناس خمشا شديدا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة، فأآرمت سيف رسول

. عليه وسلم أن أضرب به امرأة اهللا

رأيت أبا دجانة قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت : ال الزبير بن العوامق . وآانت تلك المرأة هي هند بنت عتبة . ورسوله أعلم اهللا : عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت

وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الليوث المهتاجة، فقد اندفع إلى قلب جيش المشرآين يغامر مغامرة منقطعة النظير، تطاير األوراق أمام الرياح الهوجاء، فباإلضافة إلى مشارآته الفعالة في إبادة حاملي لواء ينكشف عنه األبطال آما ت

المشرآين فعل األفاعيل بأبطالهم اآلخرين، حتى صرع وهو في مقدمة المبرزين، ولكن ال آما تصـرع األبطال وجها . لوجـه في ميدان القتـال، وإنما آمـا يغتال الكرام في حلك الظـالم

حمزة بن عبد المطلب اهللامصرع أسد

آنت غالما لجبير بن مطعم، وآان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما : يقول قاتل حمزة وحشي بن حربفخرجت مع الناس ـ وآنت : قال . إنك إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق : سارت قريش إلى أحد قال لي جبير

بشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئا ـ فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رجال حإني ألتهيأ له أريده، فأستتر منه اهللافو . رأيته في عرض الناس مثل الجمل األورق، يهد الناس هدا ما يقوم له شيء

هلم إلى يابن مقطعة البظور ـ : بن عبد العزي، فلما رآه حمزة قال له بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع . فضربه ضربة آأنما أخطأ رأسه : وآانت أمه ختانة ـ قال

وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت في ثنته ـ أحشائه ـ حتى خرجت من بين رجليه، : قالب، وترآته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم وذهب لينوء نحوي فغل

. يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته ألعتق، فلما قدمت مكة عتقت السيطرة على الموقف

ظل المسلمون وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، اهللاوبرغم هذه الخسارة الفادحة التي لحقت المسلمين بقتل أسد فقد قاتل يومئذ أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعلى بن أبي طالب، والزبير بن العوام، . مسيطرين على الموقف آله

بن جحش، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن الربيع، اهللا، وعبد اهللاومصعب بن عمير، وطلحة بن عبيد . المشرآين، وفت في أعضادهموأنس بن النضر وأمثالهم قتاال فل عزائم

من أحضان المرأة إلى مقارعة السيوف والدرقة

وآان من األبطال المغامرين يومئذ حنظلة الغسيل ـ وهو حنظلة بن أبي عامر، وأبو عامر هذا هو الراهب الذي سمي هواتف الحرب وهو على امرأته بالفاسق، والذي مضي ذآره قريبا ـ آان حنظلة حديث عهد بالعرس، فلما سمع

انخلع من أحضانها، وقام من فوره إلى الجهاد، فلما التقي بجيش المشرآين في ساحة القتال أخذ يشق الصفوف حتى له الشهادة، فقد شد على أبي اهللاخلص إلى قائد المشرآين أبي سفيان صخر بن حرب، وآاد يقضي عليه لوال أن أتاح

. مكن منه رآه شداد بن األسود فضربه حتى قتلهسفيان، فلما استعاله وت نصيب فصيلة الرماة في المعرآة

عليه وسلم على جبل الرماة يد بيضاء في إدارة دفة القتال لصالح اهللاوآانت للفصيلة التي عينها الرسول صلى سق ثالث مرات؛ ليحطموا جناح الجيش اإلسالمي، فقد هجم فرسان مكة بقيادة خالد بن الوليد يسانده أبو عامر الفا

الجيش اإلسالمي األيسر، حتى يتسربوا إلى ظهور المسلمين، فيحدثوا البلبلة واالرتباك في صفوفهم وينزلوا عليهم . هزيمة ساحقة، ولكن هؤالء الرماة رشقوهم بالنبل حتى فشلت هجماتهم الثالث

الهزيمة تنزل بالمشرآين

بون، وظل الجيش اإلسالمي الصغير مسيطرا على الموقف آله حتى خارت عزائم هكذا دارت رحي الحرب الزأبطال المشرآين، وأخذت صفوفهم تتبدد عن اليمين والشمال واألمام والخلف، آأن ثالثة آالف مشرك يواجهون

. ثالثين ألف مسلم ال بضع مئات قالئل، وظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة واليقين

ن بذلت قريش أقصى جهدها لسد هجوم المسلمين أحست بالعجز والخور، وانكسرت همتها ـ حتى لم يجترئ وبعد أأحد منها أن يدنو من لوائها الذي سقط بعد مقتل صؤاب فيحمله ليدور حوله القتال ـ فأخذت في االنسحاب، ولجأت

. ر واالنتقام، وإعادة العز والمجد والوقارإلى الفرار، ونسيت ما آانت تتحدث به في نفوسها من أخذ الثأر والوت

نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى آشفوهم عن المعسكر، اهللاثم أنزل : قال ابن إسحاق . وآانت الهزيمة الشك فيها

هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات لقد رأيتني أنظر إلى خدم ـ سوق ـ اهللاو : بن الزبير عن أبيه أنه قال اهللاروى عبد . إلخ . . . هوارب، ما دون أخذهن قليل وال آثير

فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، : وفي حديث البراء بن عازب عند البخاري في الصحيح

. ينتهبون الغنائموتبع المسلمون المشرآين يضعون فيهم السالح و . يرفعن سوقهن قد بدت خالخيلهن

غلطة الرماة الفظيعةوبينما آان الجيش اإلسالمي الصغير يسجل مرة أخري نصرا ساحقا على أهل مكة لم يكن أقل روعة من النصر الذي اآتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماما، وأدت إلى إلحاق الخسائر

عليه وسلم، وقد ترآت أسوأ أثر على سمعتهم، وعلى اهللاسلمين، وآادت تكون سببا في مقتل النبي صلى الفادحة بالم . الهيبة التي آانوا يتمتعون بها بعد بدر

عليه وسلم إلى هؤالء الرماة، بلزومهم موقفهم اهللاصلى اهللالقد أسلفنا نصوص األوامر الشديدة التي أصدرها رسول

حال من النصر أو الهزيمة، ولكن على رغم هذه األوامر المشددة لما رأي هؤالء الرماة أن من الجبل في آلالغنيمة، الغنيمة، ظهر : المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض

؟ أصحابكم، فما تنتظرون

صلى اهللاأنسيتم ما قال لكم رسول : عليه وسلم، وقال اهللالرسول صلى بن جبير، فقد ذآرهم أوامر اهللاأما قائدهم عبد ؟ عليه وسلم اهللا

ثـم غـادر أربعون . لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة اهللاو : ولكن األغلبية الساحقة لم تلق لهذا التذآير باال، وقالتوهكذا خلت . ا بسواد الجيش ليشارآـوه فـي جمع الغنائمرجال أو أآثر هؤالء الرماة مواقعهم من الجبل، والتحقو

ظهور المسلمين، ولم يبق فيها إال ابن جبير وتسعة أو أقل من أصحابه والتزموا مواقفهم مصممين على البقاء حتى . يؤذن لهم أو يبادوا

خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش اإلسالميالفرصة الذهبية، فكر بسرعة خاطفة إلى جبل الرماة ليدور من خلفه إلى مؤخرة الجيش وانتهز خالد بن الوليد هذه

بن جبير وأصحابه إال البعض الذين لحقوا بالمسلمين، ثم انقض على المسلمين من اهللاإلسالمي، فلم يلبث أن أباد عبد انقلبوا على المسلمين، وأسرعت خلفهم، وصاح فرسانه صيحة عرف بها المشرآون المنهزمون بالتطور الجديد ف

امرأة منهم ـ وهي عمرة بنت علقمة الحارثية ـ فرفعت لواء المشرآين المطروح على التراب، فالتف حوله المشرآون والثوا به، وتنادي بعضهم بعضا، حتى اجتمعوا على المسلمين، وثبتوا للقتال، وأحيط المسلمون من األمام والخلف،

. لرحيووقعوا بين شقي ا

موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق

تبدد المسلمين في الموقف احتدام القتال حول رسول اهللا

أحرج ساعة في حياة الرسول صلى اهللا عليه وسلم بداية تجمع الصحابة حول الرسول صلى اهللا عليه وسلم

تضاعف ضغط المشرآين البطوالت النادرة

إشاعة مقتل النبي صلى اهللا عليه وسلم وأثره على المعرآة عليه وسلم يواصل المعرآة وينقذ الموقفالرسول صلى اهللا مقتل أبي بن خلف

طلحة ينهض بالنبي صلى اهللا عليه وسلم آخر هجوم قام به المشرآون

تشويه الشهداء

مدى استعداد أبطال المسلمين للقتال حتى نهاية المعرآة بعد انتهاء الرسول صلى اهللا عليه وسلم إلى الشعب

شماتة أبي سفيان بعد نهاية المعرآة وحديثه مع عمر جمع الشهداء ودفنهم

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يثني على ربه عز وجل ويدعوه الرجوع إلى المدينة، ونوادر الحب والتفاني الرسول صلى اهللا عليه وسلم في المدينة

قتلى الفريقين حالة الطوارئ في المدينة

غزوة حمراء األسد القرآن يتحدث حول موضوع المعرآة

الحكم والغايات المحمودة في هذه الغزوة

الرسول الباسل إزاء عمل التطويقموقف

عليه وسلم حينئذ في مفرزة صغيرة ـ تسعة نفر من أصحابه ـ في مؤخرة المسلمين ، آان اهللاصلى اهللاوآان رسول

إما أن : يرقب مجالدة المسلمين ومطاردتهم المشرآين؛ إذ بوغت بفرسان خالد مباغتة آاملة، فكان أمامه طريقانبنفسه وبأصحابه التسعة إلى ملجأ مأمون، ويترك جيشه المطوق إلى مصيره المقدور، وإما أن ينجو ـ بالسرعة ـ

. يخاطر بنفسه فيدعو أصحابه ليجمعهم حوله، ويتخذ بهم جبهة قوية يشق بها الطريق لجيشه المطوق إلى هضاب أحد

إلي ( : فقد رفع صوته ينادي أصحابه عليه وسلم وشجاعته المنقطعة النظير، اهللاوهناك تجلت عبقرية الرسول صلى ، وهو يعرف أن المشرآين سوف يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، ولكنه ناداهم ودعاهم مخاطرا ) اهللاعباد

. بنفسه في هذا الظرف الدقيق

. وفعال فقد علم به المشرآون فخلصوا إليه، قبل أن يصل إليه المسلمون

في الموقف تبدد المسلمينأما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم، فلم تكن تهمها إال أنفسها، فقد أخذت طريق الفرار،

وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها، وانطلق ؟ وترآت ساحة القتال، وهي ال تدري ماذا وراءها . بعضهم إلى ما فوق الجبل

فة أخري فاختلطت بالمشرآين، والتبس العسكران فلم يتميزا، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من ورجعت طائ

اهللاأي عباد : لما آان يوم أحد هزم المشرآون هزيمة بينة، فصاح إبليس : روي البخاري عن عائشة قالت . بعض : فبصر حذيفة، فإذا هو بأبيه اليمان، فقالأخراآم ـ أي احترزوا من ورائكم ـ فرجعت أوالهم فاجتلدت هي وأخراهم،

ما زالت اهللافو : قال عروة . لكم اهللايغفر : ما احتجزوا عنه حتى قتلوه، فقال حذيفة اهللافو : قالت . أبي أبي اهللاأي عباد . اهللافي حذيفة بقية خير حتى لحق ب

ضي، وتاه منها الكثيرون؛ال يدرون أين يتوجهون، وهذه الطائفة حدث داخل صفوفها ارتباك شديد، وعمتها الفو

إن محمدا قد قتل، فطارت بقية صوابهم، وانهارت الروح المعنوية أو آادت : وبينما هم آذلك إذ سمعوا صائحا يصيحتنهار في نفوس آثير من أفرادها، فتوقف من توقف منهم عن القتال، وألقي بأسلحته مستكينا، وفكر آخرون في

ومر بهؤالء أنس بن النضر، وقد ألقوا ما . بن أبي ـ رأس المنافقين ـ ليأخذ لهم األمان من أبي سفيان اهللاال بعبد االتصقوموا فموتوا ؟ ما تصنعون بالحياة بعده : عليه وسلم، قال اهللاصلى اهللاقتل رسول : فقالوا ؟ ما تنتظرون : بأيديهم فقال

م إني أعتذر إليك مما صنع هؤالء، يعني المسلمين، الله : عليه وسلم، ثم قال اهللاصلى اهللاعلى ما مات عليه رسول واها : فقال أنس ؟ أين يا أبا عمر : وأبرأ إليك مما صنع هؤالء، يعني المشرآين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال

، فما عرف حتى عرفته أخته ـ بعد نهاية لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضي فقاتل القوم حتى قتل . المعرآة ـببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم

حي ال يموت، قاتلوا على اهللايا معشر األنصار، إن آان محمد قد قتل، فإن : ونادى ثابت بن الدحداح قومه فقال

فنهض إليه نفر من األنصار، فحمل بهم على آتيبة فرسان خالد فما زال يقاتلهم . مظفرآم وناصرآم اهللادينكم، فإن . حتى قتله خالد بالرمح، وقتل أصحابه

فقال ؟ يا فالن، أشعرت أن محمدا قد قتل : ومر رجل من المهاجرين برجل من األنصار، وهو يتشحط في دمه، فقال . قد بلغ، فقاتلوا عن دينكم إن آان محمد قد قتل ف : األنصاري

وبمثل هذا االستبسال والتشجيع عادت إلى جنود المسلمين روحهم المعنوية، ورجع إليهم رشدهم وصوابهم، فعدلوا عن فكرة االستسالم أو االتصال بابن أبي، وأخذوا سالحهم، يهاجمون تيارات المشرآين، وهم يحاولون شق الطريق

عليه وسلم آذب مختلق، فزادهم ذلك قوة على قوتهم، فنجحوا اهللابلغهم أن خبر مقتل النبي صلى إلى مقر القيادة، وقد . في اإلفالت عن التطويق، وفي التجمع حول مرآز منيع، بعد أن باشروا القتال المرير، وجالدوا بضراوة بالغة

صلى اهللافقد آرت هذه الطائفة إلى رسول . ليه وسلمع اهللاصلى اهللاوآانت هناك طائفة ثالثة لم يكن يهمهم إال رسول عليه وسلم، وعمل التطويق فى بدايته، وفى مقدمة هؤالء أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي اهللا

عنهم ـ آانوا فى مقدمة المقاتلين، فلما أحسوا بالخطر على ذاته الشريفة ـ عليه الصالة اهللاطالب وغيرهم ـ رضي . السالم والتحية ـ صاروا فى مقدمة المدافعينو

اهللاحتدام القتال حول رسول وبينما آانت تلك الطوائف تتلقي أواصر التطويق، وتطحن بين شقي رحي المشرآين، آان العراك محتدما حول

عليه اهللاصلى اهللايكن مع رسول عليه وسلم، وقد ذآرنا أن المشرآين لما بدءوا عمل التطويق لم اهللاصلى اهللارسول ، سمع صوته المشرآون وعرفوه، فكروا إليه ) اهللاهلموا إلي، أنا رسول ( : وسلم إال تسعة نفر، فلما نادي المسلمين

وهاجموه، ومالوا إليه بثقلهم قبل أن يرجع إليه أحد من جيش المسلمين، فجري بين المشرآين وبين هؤالء النفر . صحابة عراك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب والتفاني والبسالة والبطولةالتسعة من ال

عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من األنصار ورجلين من اهللاصلى اهللاروى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول

جل من األنصار فقاتل حتى فتقدم ر ) ؟ أو هو رفيقي في الجنة ؟ من يردهم عنا وله الجنة ( : قريش، فلما رهقوه قالفتقدم رجل من األنصار فقاتل حتى ) ؟ من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة ( : قتل ثم رهقوه أيضا فقال

ما أنصفنا ( : عليه وسلم لصاحبيه ـ أي القرشيين اهللاصلى اهللاقتل، فلم يزل آذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول . ) أصحابنا

. وآان آخر هؤالء السبعة هو عمارة بن يزيد بن السكن، قاتل حتى أثبتته الجراحة فسقط

عليه وسلم اهللا أحرج ساعة في حياة الرسول صلى

اهللالم يبق مع النبي صلى : وبعد سقوط ابن السكن بقي الرسول في القرشيين فقط، ففي الصحيحين عن أبي عثمان قالوسعد ـ بن أبي وقاص ـ وآانت أحرج ساعة اهللاي بعض تلك األيام التي يقاتل فيهن غير طلحة ابن عبيد عليه وسلم ف

عليه وسلم، وفرصة ذهبية بالنسبة إلى المشرآين، ولم يتوان المشرآون في اهللاصلى اهللابالنسبة إلى حياة رسول وسلم، وطمعوا في القضاء عليه، رماه عتبة بن أبي عليه اهللانتهاز تلك الفرصة، فقد رآزوا حملتهم على النبي صلى

بن شهاب اهللاوقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وآلمت شفته السفلي، وتقدم إليه عبد بن قمئة، فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا اهللالزهري فشجه في جبهته، وجاء فارس عنيد هو عبد

عليه وسلم ضربة أخري اهللاجلها أآثر من شهر إال أنه لم يتمكن من هتك الدرعين، ثم ضرب على وجنته صلى أل اهللاصلى اهللافقال رسول . خذها وأنا ابن قمئة : عنيفة آاألولي حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وقال

. ) هللاأقمأك ( : عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهة

آيف يفلح قوم ( : عليه وسلم آسرت رباعيته، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول اهللاوفي الصحيح أنه صلى

ليس لك من األمر شيء أو يتوب { : عز وجل اهللا، فأنزل ) اهللاشجوا وجه نبيهم، وآسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى . ] 128 : آل عمران [ } عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون

م اغفر الله ( : ، ثم مكث ساعة ثم قال ) على قوم دموا وجه رسوله اهللاشتد غضب ( : وفي رواية الطبراني أنه قال يومئذ

، وفي الشفاء للقاضي ) رب اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون ( : ، وفي صحيح مسلم أنه قال ) لقومي فإنهم ال يعلمون . ) م اهد قومي فإنهم ال يعلمونالله ( : عياض أنه قال

عليه وسلم إال أن القرشيين سعد بن أبي اهللاصلى اهللاوال شك أن المشرآين آانوا يهدفون القضاء على حياة رسول

ة، وقاتال ببسالة منقطعة النظير، حتى لم يترآا ـ وهما اثنان فحسب ـ قاما ببطولة نادر اهللاوقاص وطلحة بن عبيد سبيال إلى نجاح المشرآين في هدفهم، وآانا من أمهر رماة العرب فتناضال حتى أجهضا مفرزة المشرآين عن

. عليه وسلم اهللاصلى اهللارسول

ويدل على . ) ارم فداك أبي وأمي ( : م آنانته وقالعليه وسل اهللاصلى اهللافأما سعد بن أبي وقاص، فقد نثل له رسول . عليه وسلم لم يجمع أبويه ألحد غير سعد اهللامدى آفاءته أن النبي صلى

عليه وسلم ومعه اهللاصلى اهللافقد روي النسائي عن جابر قصة تجمع المشرآين حول رسول اهللاوأما طلحة بن عبيد

أنا، ثم : فقال طلحة ) ؟ من للقوم ( : عليه وسلم فقال اهللاصلى اهللافأدرك المشرآون رسول : نفر من األنصار، قال جابر . ذآر جابر تقدم األنصار، وقتلهم واحدا بعد واحد، بنحو ما ذآرنا من رواية مسلم، فلما قتل األنصار آلهم تقدم طلحة

عليه اهللاحس، فقال النبي صلى : يده فقطعت أصابعه، فقال ثم قاتل طلحة قتال األحد عشر حتى ضربت : قال جابرووقع عند الحاآم في اإلآليل . المشرآين اهللاثم رد : ، قال ) ، لرفعتك المالئكة والناس ينظروناهللابسم : لو قلت ( : وسلم

. لتي تليها أنه جرح يوم أحد تسعا وثالثين أو خمسا وثالثين، وشلت إصبعه، أي السبابة وا

. عليه وسلم يوم أحد اهللارأيت يد طلحة شالء، وقى بها النبي صلى : وروي البخاري عن قيس بن أبي حازم قال

من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على ( : عليه وسلم قال فيه يومئذ اهللاوروي الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى . ) اهللايد وجه األرض فلينظر إلى طلحة بن عب

. ذلك اليوم آله لطلحة : آان أبوبكر إذا ذآر يوم أحد قال : وروي أبو داود الطيالسي عن عائشة قالت

: عنه أيضا اهللاوقال فيه أبو بكر الصديق رضي

لك الجنان وبوئت المها العينا ** قد وجبت اهللا يا طلحة بن عبيد

اهللارأيت رسول : نصره بالغيب، ففي الصحيحين عن سعد، قال اهللاقيق والساعة الحرجة أنزل وفي ذلك الظرف الد . عليه وسلم يوم أحد، ومعه رجالن يقاتالن عنه، عليهما ثياب بيض آأشد القتال، ما رأيتهما قبل وال بعد اهللاصلى

. يعني جبريل وميكائيل : وفي رواية

عليه وسلم اهللا رسول صلىبداية تجمع الصحابة حول ال

عليه وسلم ـ الذين اهللاوقعت هذه آلها بسرعة هائلة في لحظات خاطفة، وإال فالمصطفون األخيار من صحابته صلى عليه وسلم اهللاآانوا في مقدمة صفوف المسلمين عند القتال ـ لم يكادوا يرون تغير الموقف، أو يسمعوا صوته صلى

عليه وسلم ما لقي من اهللاصلى اهللايصل إليه شيء يكرهونه، إال أنهم وصلوا وقد لقي رسول حتى أسرعوا إليه ؛ لئال الجراحات ـ وستة من األنصار قد قتلوا والسابع قد أثبتته الجراحات، وسعد وطلحة يكافحان أشد الكفاح ـ فلما وصلوا

وآان أول من رجع . العدو، ورد هجماته أقاموا حوله سياجا من أجسادهم وسالحهم، وبالغوا في وقايته من ضربات . عنه اهللاإليه هو ثانيه في الغار أبو بكر الصديق رضي

لما آان يوم أحد انصرف الناس آلهم عن النبي : قال أبو بكر الصديق : روي ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت

وسلم، فرأيت بين يديه رجال يقاتل عنه ويحميه، عليه اهللاعليه وسلم، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى اهللاصلى يكون رجل من قومي : حيث فاتني ما فاتني، فقلت [ آن طلحة، فداك أبي وأمي، آن طلحة، فداك أبي وأمي، : قلت

اهللافلم أنشب أن أدرآني أبو عبيدة بن الجراح، وإذا هو يشتد آأنه طير حتى لحقني، فدفعنا إلى النبي صلى ] أحب إلي، وقد رمي النبي ) دونكم أخـاآم فقـد أوجب ( : عليه وسلم اهللاعليه وسلم، فإذا طلحة بين يديه صريعا، فقال النبي صلى

اهللاعليه وسلم في وجنته حتى غابت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، فذهبت ألنزعهما عن النبي صلى اهللاصلى فأخذ بفيه فجعل ينضـضه آراهية أن يؤذي رسول : يا أبا بكر، إال ترآتني، قال اهللانشدتك ب : عليه وسلم فقال أبو عبيدة

ثم ذهبت آلخذ اآلخر، فقال أبو : عليه وسلم، ثم استل السهم بفيه، فندرت ثنية أبي عبيدة، قال أبو بكر اهللاصلى اهللاذه فجعل ينضضه حتى استله، فندرت ثنية أبي عبيدة األخري، ثم فأخ : يا أبا بكر، إال ترآتني، قال اهللانشدتك ب : عبيدة

فأقبلنا على طلحة نعالجه، وقد أصابته بضع : ، قال ) دونكم أخاآم، فقد أوجب ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاقال رسول أو أقل أو أآثر، بين فأتيناه في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وستون : وفي تهذيب تاريخ دمشق . عشرة ضربة

. طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه، فأصلحنا من شأنه

عليه وسلم عصابة من أبطال المسلمين منهم أبو دجانة، اهللاوخالل هذه اللحظات الحرجة اجتمع حول النبي صلى الخدري، وأم عمارة ومصعب بن عمير، وعلى بن أبي طالب ، وسهل بن حنيف، ومالك بن سنان والد أبي سعيد

. نسيبة بنت آعب المازنية، وقتادة ابن النعمان، وعمر بن الخطاب، وحاطب بن أبي بلتعة، وأبو طلحة

تضاعف ضغط المشرآينآما آان عدد المشرآين يتضاعف آل آن، وبالطبع فقد اشتدت حمالتهم وزاد ضغطهم على المسلمين، حتى سقط

وسلم في حفرة من الحفر التي آان أبو عامر الفاسق يكيد بها، فجحشت رآبته، وأخذه على عليه اهللاصلى اهللارسول شهدت : سمعت رجال من المهاجرين يقول : حتى استوي قائما، وقال نافع بن جبير اهللابيده، واحتضنه طلحة بن عبيد

وسلم وسطها، آل ذلك يصرف عنه، ولقد عليه اهللاصلى اهللاأحدا فنظرت إلى النبل يأتي من آل ناحية، ورسول عليه وسلم اهللاصلى اهللادلوني على محمد، فال نجوت إن نجا، ورسول : بن شهاب الزهري يقول يومئذ اهللارأيت عبد

إنه منا ممنوع، خرجنا اهللاما رأيته، أحلف ب اهللاو : إلى جنبه، ما معه أحد، ثم جاوزه، فعاتبه في ذلك صفوان، فقال . فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك أربعة،

البطوالت النادرةآان أبو طلحة يسور نفسه بين يدي . وقام المسلمون ببطوالت نادرة وتضحيات رائعة، لم يعرف لها التاريخ نظيرا

يوم أحد انهزم الناس عن النبي لما آان : قال أنس . عليه وسلم، ويرفع صدره ليقيه سهام العدو اهللاصلى اهللارسول عليه وسلم، وأبو طلحة بين يديه مجوب عليه بحجفة له، وآان رجال راميا شديد النزع، آسر يومئذ قوسين اهللاصلى

عليه وسلم اهللاويشرف النبي صلى : ، قال ) انثرها ألبي طلحة ( : أو ثالثا، وآان الرجل يمر معه بجعبة من النبل فيقول . بأبي أنت وأمي ال تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك : ر إلى القوم، فيقول أبو طلحةينظ

عليه وسلم بترس واحد، وآان أبو طلحة حسن الرمي، اهللاآان أبو طلحة يتترس مع النبي صلى : وعنه أيضا قال . لى موقع نبلهعليه وسلم، فينظر إ اهللافكان إذا رمي تشرف النبي صلى

. والنبل يقع عليه وهو ال يتحرك . عليه وسلم، فترس عليه بظهره اهللاصلى اهللاوقام أبو دجانة أمام رسول

وتبع حاطب بن أبي بلتعة عتبة بن أبي وقاص ـ الذي آسر الرباعية الشريفة ـ فضربه بالسيف حتى طرح رأسه، ثم

أبي وقاص شديد الحرص على قتل أخيه ـ عتبة هذا ـ إال أنه لم يظفر به، بل ظفر به أخذ فرسه وسيفه، وآان سعد بن . حاطب

عليه وسلم على الموت، ثم قام بدور فعال في ذود اهللاصلى اهللاوآان سهل بن حنيف أحد الرماة األبطال، بايع رسول

. المشرآين

رمي عن قوسه حتى اهللاأن رسول : بنفسه، فعن قتادة بن النعمانعليه وسلم يباشر الرماية اهللاصلى اهللاوآان رسول اهللاندقت سيتها ، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عينه حتى وقعت على وجنته، فردها رسول

. عليه وسلم بيده، فكانت أحسن عينيه وأحدهما اهللاصلى

ى أصيب فوه يومئذ فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أآثر، أصابه بعضها في رجله وقاتل عبد الرحمن بن عوف حت . فعرج

: ، فقال ) مجه ( : عليه وسلم حتى أنقاه، فقال اهللاوامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته صلى

من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى ( : عليه وسلم اهللاال أمجه، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي صلى اهللاو . ، فقتل شهيدا ) هذا

وقاتلت أم عمارة فاعترضت البن قمئة في أناس من المسلمين، فضربها ابن قمئة على عاتقها ضربة ترآت جرحا أم عمارة تقاتل حتى أجوف، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها، لكن آانت عليه درعان فنجا، وبقيت

. أصابها اثنا عشر جرحا

عليه وسلم هجوم ابن قمئة وأصحابه، وآان اللواء اهللاوقاتل مصعب بن عمير بضراوة بالغة، يدافع عن النبي صلى بيده، فضربوه على يده اليمني حتى قطعت، فأخذ اللواء بيده اليسري، وصمد في وجوه الكفار حتى قطعت يده

ـ لشبهه به ـ اهللارك عليه بصدره وعنقه حتى قتل، وآان الذي قتله هو ابن قمئة، وهو يظنه رسول اليسري، ثم ب . إن محمدا قد قتل : فانصرف ابن قمئة إلى المشرآين، وصاح

عليه وسلم وأثره على المعرآة اهللا إشاعة مقتل النبي صلىوهذا . عليه وسلم في المشرآين والمسلمين اهللانبي صلى ولم يمض على هذا الصياح دقائق، حتى شاع خبر مقتل ال

عليه اهللاصلى اهللاهو الظرف الدقيق الذي خارت فيه عزائم آثير من الصحابة المطوقين، الذين لم يكونوا مع رسول وسلم، وانهارت معنوياتهم، حتى وقع داخل صفوفهم ارتباك شديد، وعمتها الفوضي واالضطراب، إال أن هذه

حة خففت بعض التخفيف من مضاعفة هجمات المشرآين ؛ لظنهم أنهم نجحوا في غاية مرامهم، فاشتغل الكثير الصي . منهم بتمثيل قتلي المسلمين

عليه وسلم يواصل المعرآة وينقذ الموقف اهللالرسول صلى امت بقية الصحابة الموجودين اللواء على بن أبي طالب، فقاتل قتاال شديدا، وق اهللاولما قتل مصعب أعطي رسول

. هناك ببطوالتهم النادرة، يقاتلون ويدافعون

عليه وسلم أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق، فأقبل إليهم فعرفه آعب بن مالك اهللاصلى اهللاوحينئذ استطاع رسول عليه وسلم، فأشار اهللاصلى اهللايا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول : ـ وآان أول من عرفه ـ فنادي بأعلى صوته

إليه أن اصمت ـ وذلك لئال يعرف موضعه المشرآون ـ إال أن هذا الصوت بلغ إلى آذان المسلمين، فالذ إليه . المسلمون حتى تجمع حوله حوالى ثالثين رجال من الصحابة

ب الجبل، وهو يشق الطريق بين عليه وسلم في االنسحاب المنظم إلى شع اهللاصلى اهللاوبعد هذا التجمع أخذ رسول . المشرآين المهاجمين، واشتد المشرآون في هجومهم ؛ لعرقلة االنسحاب إال أنهم فشلوا أمام بسالة ليوث اإلسالم

ال نجوت : عليه وسلم وهو يقول اهللاصلى اهللابن المغيرة ـ أحد فرسان المشرآين ـ إلى رسول اهللاتقدم عثمان بن عبد عليه وسلم لمواجهته، إال أن الفرس عثرت في بعض الحفر، فنازله الحارث بن اهللاصلى اهللاوقام رسول . إن نجا

. عليه وسلم اهللاصلى اهللالصمة، فضرب على رجله فأقعده، ثم ذفف عليه وأخذ سالحه، والتحق برسول

ن الصمة، فضرب بالسيف على عاتقه فجرحه بن جابر ـ فارس آخر من فرسان مكة ـ على الحارث ب اهللاوعطف عبد بن جابر فضربه اهللاحتى حمله المسلمون ولكن انقض أبو دجانة ـ البطل المغامر ذو العصابة الحمراء ـ على عبد

. بالسيف ضربة أطارت رأسه

آنت فيمن : قال أبو طلحة . ، آما تحدث عنه القرآناهللاوأثناء هذا القتال المرير آان المسلمون يأخذهم النعاس أمنة من

. تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا، يسقط وآخذه ويسقط وآخذه

وبمثل هذه البسالة بلغت هذه الكتيبة ـ في انسحاب منظم ـ إلى شعب الجبل، وشق لبقية الجيش طريقا إلى هذا المقام . عليه وسلم اهللاصلى اهللاخالد أمام عبقرية رسول المأمون، فتالحق به في الجبل، وفشلت عبقرية

مقتل أبي بن خلفال ؟ أين محمد : عليه وسلم في الشعب أدرآه أبي بن خلف وهو يقول اهللاصلى اهللافلما أسند رسول : قال ابن إسحاق، فلما ) دعوه ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال رسول ؟ ، أيعطف عليه رجل منا اهللايا رسول : فقال القوم . نجوت إن نجا

عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا اهللاصلى اهللادنا منه تناول رسول عنه عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله وأبصر ترقوته من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة، فط

فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير آبير، فاحتقن . فيها طعنة تدأدأ ـ تدحرج ـ منها عن فرسه مرارا ) أنا أقتلك ( : إنه قد آان قال لي بمكة : إن بك من بأس، قال اهللافؤادك، و اهللاذهب و : محمد، قالوا له اهللاقتلني و : الدم، قال

وفي رواية أبي األسود عن عروة، وآذا . بسرف وهم قافلون به إلى مكة اهللافمات عدو . على لقتلنيلو بصق اهللا، فووالذي نفسي بيده، لو آان الذي بي بأهل ذي : أنه آان يخور خوار الثور، ويقول : في رواية سعيد بن المسيب عن أبيه

. المجاز لماتوا جميعا

عليه وسلم اهللا طلحة ينهض بالنبي صلىعليه وسلم إلى الجبل عرضت له صخرة من الجبل، فنهض إليها ليعلوها فلم اهللاصلى اهللاوفي أثناء انسحاب رسول

، فنهض به اهللافجلس تحته طلحة بن عبيد . يستطع ؛ ألنه آان قد بدن وظاهر بين الدرعين، وقد أصابه جرح شديد . الجنة : ، أي ) طلحة أوجب ( : حتى استوي عليها، وقال

آخر هجوم قام به المشرآونعليه وسلم من مقر قيادته في الشعب قام المشرآون بآخر هجوم حاولوا به النيل من اهللاصلى اهللاولما تمكن رسول

ل ـ يقودهم أبو عليه وسلم في الشعب إذ علت عالية من قريش الجب اهللاصلى اهللابينا رسول : قال ابن إسحاق . المسلمين، فقاتل عمر بن ) م إنه ال ينبغي لهم أن يعلوناالله ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاسفيان وخالد بن الوليد ـ فقال رسول

. الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل

: ـ يقول ) اجنبهم ( : عليه وسلم لسعد اهللاصلى اهللاأن المشرآين صعدوا على الجبل، فقال رسول : وفي مغازي األمويثم أخذت : فقال ذلك ثالثا، فأخذ سعد سهما من آنانته، فرمي به رجال فقتله، قال ؟ آيف أجنبهم وحدي : ارددهم ـ فقال

هذا سهم : ، فقلتسهمي أعرفه، فرميت به آخر، فقتلته، ثم أخذته أعرفه فرميت به آخر فقتلته، فهبطوا من مكانهم . فكان عند سعد حتى مات، ثم آان عند بنيه . مبارك، فجعلته في آنانتي

تشويه الشهداءعليه وسلم، ولما لم يكونوا يعرفون من مصيره شيئا ـ بل اهللاوآان هذا آخر هجوم قام به المشرآون ضد النبي صلى

م، وأخذوا يتهيأون للرجوع إلى مكة، واشتغل من اشتغل منهم ـ وآذا آانوا على شبه اليقين من قتله ـ رجعوا إلى مقرهوبقرت هند . اشتغلت نساؤهم ـ بقتلي المسلمين، يمثلون بهم، ويقطعون اآلذان واألنوف والفروج، ويبقرون البطون

. خالخيل ـ وقالئد بنت عتبة آبد حمزة فالآتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، واتخذت من اآلذان واألنوف خدما ـ

مدى استعداد أبطال المسلمين للقتال حتى نهاية المعرآةوفي هذه الساعة األخيرة وقعت وقعتان تدالن على مدي استعداد أبطال المسلمين للقتال، ومدي استماتتهم في سبيل

: اهللا

لمشرآين بقتلي المسلمين قمت فتجاوزت، آنت فيمن خرج من المسلمين، فلما رأيت تمثيل ا : قال آعب بن مالك . 1وإذا رجل من . استوسقوا آما استوسقت جزر الغنم : فإذا رجل من المشرآين جمع الألمة يجوز المسلمين وهو يقول

المسلمين ينتظره وعليه ألمته، فمضيت حتى آنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري، فإذا الكافر ، فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر ضربة فبلغت ورآه وتفرق فرقتين، ثم أفضلهما عدة وهيئة

. أنا أبو دجانة ؟ آيف تري يا آعب : آشف المسلم عن وجهه، وقال يم، لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سل : جاءت نسوة من المؤمنين إلى ساحة القتال بعد نهاية المعرآة، قال أنس . 2

وإنهما لمشمرتان ـ أري خدم سوقهما ـ تنقزان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتمآلنها، ثم . تزفر لنا القرب يوم أحد ] أم سليط من نساء األنصار [ آانت : وقال عمر . تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم

أم أيمن، لما رأت فلول المسلمين يريدون دخول المدينة، أخذت تحثو التراب في وجوههم وآانت في هؤالء النسوة

ثم سارعت إلى ساحة القتال، فأخذت تسقي الجرحي، فرماها حبان ـ . هاك المغزل، وهلم سيفك : وتقول لبعضهمعليه اهللاصلى اهللاعلى رسول في الضحك، فشق ذلك اهللابالكسر ـ بن العرقة بسهم، فوقعت وتكشفت، فأغرق عدو ، فرمي به سعد، فوقع السهم في نحر حبان، فوقع ) ارم به ( : وسلم، فدفع إلى سعد بن بي وقاص سهما ال نصل له، وقال

اهللاستقاد لها سعد، أجاب ( : عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال اهللاصلى اهللامستلقيا حتى تكشف، فضحك رسول . ) دعوته

عليه وسلم إلى الشعب اهللا بعد انتهاء الرسول صلىعليه وسلم في مقره من الشعب خرج على أبي طالب حتى مأل درقته ماء من اهللاصلى اهللاولما استقر رسول

عليه وسلم هللاصلى اهللاسم ماء بأحد ـ فجاء به إلى رسول : وقيل . هو صخرة منقورة تسع آثيرا : المهراس ـ قيلاشتد ( : ليشرب منه، فوجد له ريحا فعافه، فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه وهو يقول

. ) على من دمى وجه نبيه اهللاغضب

عليه وسلم، ومن آان يسكب الماء، وبما اهللاصلى اهللاإني ألعرف من آان يغسل جرح رسول اهللاو : وقال سهلآانت فاطمة ابنته تغسله، وعلى بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء ال يزيد الدم إال ؟ وي دو

. آثرة أخذت قطعة من حصير، فأحرقتها، فألصقتها فاستمسك الدم

وصلى الظهر قاعدا . عليه وسلم ودعا له بخير اهللاوجاء محمد بن مسلمة بماء عذب سائغ ، فشرب منه النبى صلى . من أثر الجراح ، وصلى المسلمون خلفه قعودا

شماتة أبي سفيان بعد نهاية المعرآة وحديثه مع عمرأفيكم : فقال . فلم يجيبوه ؟ ولما تكامل تهيؤ المشرآين لالنـصراف أشـرف أبو سفـيان على الجبل، فـنادي أفيكم محمد

عليه وسلم منعهم من اهللافلم يجيبوه ـ وآان النبي صلى ؟ أفيكم عمر بن الخطاب : فقال . هفلم يجبيبو ؟ ابن أبي قحافةأما هؤالء فقد آفيتموهم، فلم : فقال . اإلجابة ـ ولم يسأل إال عن هؤالء الثالثة لعلمه وعلم قومه أن قيام اإلسالم بهم

قد آان فيكم مثلة لم آمر : فقال . ما يسوءك اهللاأحياء، وقد أبقي ، إن الذين ذآرتهم اهللايا عدو : يملك عمر نفسه أن قال . بها ولم تسؤني

. أعل هبل : ثم قال . ) أعلى وأجل اهللا : قولوا ( : قال ؟ فما نقول : فقالوا ) ؟ أال تجيبونه ( : عليه وسلم اهللافقال النبي صلى

. ى لكملنا العزى وال عز : ثم قال . ) موالنا، وال مولي لكم اهللا : قولوا ( : قال ؟ ما نقول : قالوا ) ؟ أال تجيبونه ( : عليه وسلم اهللافقال النبي صلى . أنعمت فعال ، يوم بيوم بدر، والحرب سجال : ثم قال أبو سفيان . الآم في النارالسواء، قتالنا في الجنة، وقت : فأجابه عمر، وقالفجاءه، فقال له أبو ) ؟ ائته فانظر ما شأنه ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللاهلم إلى يا عمر، فقال رسول : ثم قال أبو سفيان

ابن أنت أصدق عندي من : قال . وإنه ليستمع آالمك اآلن . م الالله : قال عمر ؟ يا عمر، أقتلنا محمدا اهللاأنشدك : سفيان . قمئة وأبر

مواعدة التالقي في بدر

عليه اهللاصلى اهللافقال رسول . إن موعدآم بدر العام القابل : ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادي : قال ابن إسحاق . ) نعم، هو بيننا وبينك موعد : قل ( : وسلم لرجل من أصحابه

التثبت من موقف المشرآين

وما ؟ اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ( : عليه وسلم على بن أبي طالب، فقال اهللاصلى اهللابعث رسول ثم فإن آانوا قد جنبوا الخيل، وامتطوا اإلبل، فإنهم يريدون مكة، وإن آانوا قد رآبوا الخيل وساقوا اإلبل فإنهم ؟ يريدون

فخرجت في آثارهم : قال على . ) ده، لئن أرادوها ألسيرن إليهم فيها، ثم ألناجزنهموالذي نفسي بي . يريدون المدينة . أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا اإلبل، ووجهوا إلى مكة

تفقد القتلى والجرحىعليه وسلم يوم اهللاصلى اهللابعثني رسول : قال زيد بن ثابت . وفرغ الناس لتفقد القتلي والجرحي بعد منصرف قريش

: عليه وسلم اهللاصلى اهللايقول لك رسول : إن رأيته فأقرئه مني السالم، وقل له ( : فقال لي . أحد أطلب سعد بن الربيعفجعلت أطوف بين القتلي، فأتيته وهو بآخر رمق، فيه سبعون ضربة ؛ ما بين طعنة برمح، : قال ) ؟ آيف تجدك : فقال ؟ أخبرني آيف تجدك : يقرأ عليك السالم، ويقول لك اهللايا سعد، إن رسول : يف، ورمية بسهم، فقلتوضربة بس

ال عذر لكم : ، أجد ريح الجنة، وقل لقومي األنصاراهللاعليه وسلم السالم، قل له، يا رسول اهللاصلى اهللاوعلى رسول . وسلم وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته عليه اهللاصلى اهللاإن خلص إلى رسول اهللاعند

ووجدوا في الجرحي األصيرم ـ عمرو بن ثابت ـ وبه رمق يسير، وآانوا من قبل يعرضون عليه اإلسالم فيأباه،

على قومك، ما الذي جاء بك، أحدب : لقد ترآناه وإنه لمنكر لهذا األمر، ثم سألوه ؟ إن هذا األصيرم ما جاء به : فقالواعليه وسلم اهللاصلى اهللاورسوله، ثم قاتلت مع رسول اهللابل رغبة في اإلسالم، آمنت ب : فقال ؟ أم رغبة في اإلسالم

قال أبو . ) هو من أهل الجنة ( : عليه وسلم، فقال اهللاصلى اهللاحتى أصابني ما ترون، ومات من وقته، فذآروه لرسول . صالة قط ولم يصل هللا : هريرة

ووجدوا في الجرحي قزمان ـ وآان قد قاتل قتال األبطال ؛ قتل وحده سبعة أو ثمانية من المشرآين ـ وجدوه قد أثبتته

إن قاتلت إال عن أحساب قومي، ولوال ذلك ما اهللاو : الجراحة، فاحتملوه إلى دار بني ظفر، وبشره المسلمون فقالـ ) إنه من أهل النار ( : عليه وسلم يقول ـ إذا ذآر له اهللاصلى اهللاوآان رسول . جراح نحر نفسهقاتلت، فلما اشتد به ال

، وإن قاتلوا تحت لواء اإلسالم، بل اهللاوهذا هو مصير المقاتلين في سبيل الوطنية أو في أي سبيل سوي إعالء آلمة . وفي جيش الرسول والصحابة

لقد علمتم أن نصر اهللايا معشر يهود، و : القتلي رجل من يهود بني ثعلبة، قال لقومهوعلى عكس من هذا آان في

يصنع . إن أصبت فمإلى لمحمد : فأخذ سيفه وعدته، وقال . ال سبت لكم : قال . إن اليوم يوم السبت : قالوا . محمد عليكم حق . ) مخيريق خير يهود ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللافقال رسول . فيه ما شاء، ثم غدا فقاتل حتى قتل

جمع الشهداء ودفنهمإال اهللاأنا شهيد على هؤالء، إنه ما من جريح يجرح في ( : عليه وسلم على الشهداء فقال اهللاصلى اهللاوأشرف رسول

. ) كيبعثه يوم القيامة، يدمي جرحه، اللون لون الدم، والريح ريح المس اهللاو

وآان أناس من الصحابة قد نقلوا قتالهم إلى المدينة فأمر أن يردوهم، فيدفنوهم في مضاجعهم وأال يغسلوا، وأن وآان يدفن االثنين والثالثة في القبر الواحد، ويجمع بين الرجلين في . يدفنوا آما هم بثيابهم بعد نزع الحديد والجلود

أنا شهيد على هؤالء يوم ( : فإذا أشاروا إلى الرجل قدمه في اللحد، وقال ) ؟ ثر أخذا للقرآنأيهم أآ ( : ثوب واحد، ويقول . بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما آان بينهما من المحبة اهللاودفن عبد . ) القيامة

عليه وسلم اهللاصلى اهللامنه الماء، فأخبر رسول وفقدوا نعش حنظلة، فتفقدوه فوجدوه في ناحية فوق األرض يقطر : ومن هنا سمي حنظلة . فسألوا امرأته، فأخبرتهم الخبر ) ؟ سلوا أهله ما شأنه ( : أصحابه أن المالئكة تغسله، ثم قال

. غسيل المالئكة

يد أن تنظر أخاها حمزة، فأمر ولما رأى ما بحمزة ـ عمه وأخيه من الرضاعة ـ اشتد حزنه، وجاءت عمته صفية تروقد بلغني أن قد مثل بأخي، ؟ ولم : عليه وسلم ابنها الزبير أن يصرفها، ال تري ما بأخيها، فقالت اهللاصلى اهللارسول

، فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه ـ دعت اهللا، فما أرضانا بما آان من ذلك، ألحتسبن وألصبرن إن شاء اهللاوذلك في بن جحش ـ وآان ابن أخته، اهللاعليه وسلم بدفنه مع عبد اهللاصلى اهللاثم أمر رسول . سترجعت واستغفرت لهله ـ وا

. وأخاه من الرضاعة

وضعه . عليه وسلم باآيا قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب اهللاصلى اهللاما رأينا رسول : قال ابن مسعود . الشهيق : ته وانتحب حتى نشع من البكاء ـ والنشعفي القبلة، ثم وقف على جناز

إن حمزة لم يوجد له آفن إال بردة ملحاء، إذا جعلت على : قال خباب . وآان منظر الشهداء مريعا جدا يفتت األآباد

. اإلذخر رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مدت على رأسه، وجعل على قدميه

قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، آفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجاله، وإن : وقال عبد الرحمن بن عوفغطوا بها رأسه، ( : عليه وسلم اهللافقال لنا النبي صلى : غطي رجاله بدا رأسه ، وروي مثل ذلك عن خباب، وفيه

. ) واجعلوا على رجليه اإلذخر

عليه وسلم يثني على ربه عز وجل ويدعوه اهللاول صلى الرساستووا حتى أثني على ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللالما آان يوم أحد وانكفأ المشرآون، قال رسول : روي اإلمام أحمد : ، فصاروا خلفه صفوفا، فقال ) ربي عز وجل

وال باسط لما قبضت، وال هادي لمن أضللت، وال مضل لمن هديت، م ال قابض لما بسطت،اللهم لك الحمد آله، الله (

م ابسط علينا من برآاتك الله . وال معطي لما منعت، وال مانع لما أعطيت، وال مقرب لما باعدت، وال مبعد لما قربت . ) ورحمتك وفضلك ورزقك

م الله . م إني أسألك العون يوم العيلة، واألمن يوم الخوفهالل . م إني أسألك النعيم المقيم، الذي ال يحول وال يزولالله (

م حبب إلينا اإليمان وزينه في قلوبنا، وآره إلينا الكفر والفسوق الله . إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا . غير خزايا وال مفتونينم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، الله . والعصيان، واجعلنا من الراشدين

م قاتل الكفرة الذين الله . م قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابكالله . ) أوتوا الكتاب، إله الحق

الرجوع إلى المدينة، ونوادر الحب والتفانيوالتضرع إليه، انصرف راجعا إلى المدينة، وقد ظهرت له اهللامن دفن الشهداء والثناء على اهللاولما فرغ رسول

. نوادر الحب والتفاني من المؤمنات الصادقات، آما ظهرت من المؤمنين في أثناء المعرآة

بن جحش فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها اهللالقيته في الطريق حمنة بنت جحش، فنعي إليها أخوها عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولوت، فقال رسول حمزة بن عبد

. ) إن زوج المرأة منها لبمكان ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللا

اهللاصلى اهللافما فعل رسول : ومر بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها بأحد، فلما نعوا لها قالت

أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير إليها حتى إذا رأته : آما تحبين، قالت اهللاخيرا يا أم فالن، هو بحمد : قالوا ؟ عليه وسلم . آل مصيبة بعدك جلل ـ تريد صغيرة : قالت

، ووقف لها، ) مرحبا بها ( : ، أمي، فقالاهللايا رسول : وجاءت إليه أم سعد بن معاذ تعدو، وسعد آخذ بلجام فرسه، فقال

أما إذ رأيتك سالما فقد اشتويت المصيبة ـ أي استقللتها ـ ثم دعا ألهل : فقالت . فلما دنت عزاها بابنها عمرو بن معاذيا أم سعد، أبشري وبشري أهلهم أن قتالهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفعوا في أهلهم ( : من قتل بأحد، وقال

: ، ادع لمن خلفوا منهم، فقالاهللايا رسول : ثم قالت ؟ ، ومن يبكي عليهم بعد هذااهللارضينا يا رسول : قالت . ) عاجمي . ) م أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفواالله (

عليه وسلم في المدينة اهللالرسول صلى . هـ ـ إلى المدينة3عليه وسلم مساء ذلك اليوم ـ يوم السبت السابع من شهر شوال سنة اهللاصلى اهللاوانتهي رسول

، وناولها على ) لقد صدقني اليوم اهللاغسلي عن هذا دمه يا بنية، فو ( : فلما انتهي إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقالعليه اهللاصلى اهللالقد صدقني اليوم، فقال رسول اهللاه دمه، فووهذا أيضا فاغسلي عن : بن أبي طالب سيفه، فقال

. ) لئن آنت صدقت القتال، لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة ( : وسلم

قتلى الفريقينم خمسة اتفقت جل الروايات على أن قتلي المسلمين آانوا سبعين، وآانت األغلبية الساحقة من األنصار؛ فقد قتل منه

وأما شهداء . وستون رجال، واحد وأربعون من الخزرج، وأربعة وعشرون من األوس، وقتل رجل من اليهود . المهاجرين فكانوا أربعة فقط

وأما قتلي المشرآين فقد ذآر ابن إسحاق أنهم اثنان وعشرون قتيال، ولكن اإلحصاء الدقيق ـ بعد تعميق النظر في

التي ذآرها أهل المغازي والسير، والتي تتضمن ذآر قتلي المشرآين في مختلف مراحل جميع تفاصيل المعرآة . أعلم اهللالقتال ـ يفيد أن عدد قتلي المشرآين سبعة وثالثون، ال اثنان وعشرون، و

حالة الطوارئ في المدينةلرجوع من معرآة أحد ـ وهم في حالة هـ بعد ا 3بات المسلمون في المدينة ـ ليلة األحد الثامن من شهر شوال سنة

الطوارئ، باتوا ـ وقد أنهكهم التعب، ونال منهم أي منال ـ يحرسون أنقاب المدينة ومداخلها، ويحرسون قائدهم . عليه وسلم خاصة ؛ إذ آانت تتالحقهم الشبهات من آل جانب اهللاصلى اهللاألعلى رسول

غزوة حمراء األسدعليه وسلم وهو يفكر في الموقف، فقد آان يخاف أن المشرآين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا اهللاوبات الرسول صلى

شيئا من النصر والغلبة التي آسبوها في ساحة القتال، فال بد من أن يندموا على ذلك، ويرجعوا من الطريق لغزو . المدينة مرة ثانية، فصمم على أن يقوم بعملية مطاردة الجيش المكي

عليه وسلم نادي في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو ـ وذلك اهللاإن النبي صلى : قال أهل المغازي ما حاصله

ال يخرج معنا إال من شهد ( : هـ ـ وقال 3صباح الغد من معرآة أحد، أي يوم األحد الثامن من شهر شوال سنة ، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد، ) ال ( : قال ؟ معك أرآب : بن أبي اهللا، فقال له عبد ) القتال

، إني أحب أال تشهد مشهدا إال اهللايا رسول : ، وقالاهللاواستأذنه جابر بن عبد . سمعا وطاعة : والخوف المزيد، وقالوا . آنت معك، وإنما خلفني أبي على بناته فائذن لي أسير معك، فأذن له

عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء األسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة، اهللاصلى اهللاوسار رسول . فعسكروا هناك

بل آان على شرآه، ولكنه : عليه وسلم فأسلم ـ ويقال اهللاصلى اهللاوهناك أقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول

لقد اهللايا محمد، أما و : عليه وسلم لما آان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف ـ فقال اهللاصلى اهللاآان ناصحا لرسول عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان اهللاصلى اهللافأمره رسول . عافاك اهللاعز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن

. فيخذله

وسلم من تفكير المشرآين في العودة إلى المدينة إال حقا، فإنهم لما نزلوا عليه اهللاصلى اهللاولم يكن ما خافه رسول لم تصنعوا شيئا، أصبتم : بالروحاء على بعد ستة وثالثين ميال من المدينة تالوموا فيما بينهم، قال بعضهم لبعض

. تهمشوآتهم وحدهم، ثم ترآتموهم، وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصل شأف

ويبدو أن هذا الرأي جاء سطحيا ممن لم يكن يقدر قوة الفريقين ومعنوياتهم تقديرا صحيحا ؛ ولذلك خالفهم زعيم يا قوم، التفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج ـ أي من المسلمين : قائال ] صفوان بن أمية [ مسئول

إال أن هذا الرأي رفض أمام . لكم، فإني ال آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكمفي غزوة أحد ـ فارجعوا والدولة ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره . رأي األغلبية الساحقة، وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة

فقال معبد ـ وقد شن ؟ ءك يا معبدما ورا : لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسالمه، فقالمحمد قد خرج في أصحابه، يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم : عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة

تحرقا، قد اجتمع معه من آان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله . قط

؟ ويحك، ما تقول : قال أبو سفيان . ما أري أن ترتحل حتى تري نواصي الخيل ـ أو ـ حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه األآمة اهللاو : قال

. لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم اهللاو : فقال أبو سفيان . فال تفعل، فإني ناصح : قال

الرعب، فلم ير العافية إال في مواصلة االنسحاب والرجوع إلى وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع ومكة، بيد أن أبا سفيان قام بحرب أعصاب دعائية ضد الجيش اإلسالمي، لعله ينجح في آف هذا الجيش عن مواصلة

مبلغون عني هل أنتم : فقد مر به رآب من عبد القيس يريد المدينة، فقال . المطاردة، وطبعا فهو ينجح في تجنب لقائه ؟ محمدا رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة

. نعم : قالوا . فأبلغوا محمدا أنا قد أجمعنا الكرة ؛ لنستأصله ونستأصل أصحابه : قال

: له أبو سفيان، وقالوا عليه وسلم وأصحابه، وهم بحمراء األسد، فأخبرهم بالذي قال اهللاصلى اهللافمر الرآب برسول إيمانا وقالوا حسبنا اهللا ونعم الوآيل { ـ أي زاد المسلمين قولهم ذلك ـ } إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم {

. ] 174، 173 : آل عمران [ } اتبعوا رضوان اهللا واهللا ذو فضل عظيمفانقلبوا بنعمة من اهللا وفضل لم يمسسهم سوء و

11، 10، 9عليه وسلم بحمراء األسد ـ بعد مقدمه يوم األحد ـ اإلثنين والثالثاء واألربعاء ـ اهللاصلى اهللاأقام رسول عليه وسلم قبل الرجوع إلى المدينة أبا عزة الجمحي اهللاصلى اهللاهـ ـ ثم رجع إلى المدينة، وأخذ رسول 3شوال سنة

ـ وهو الذي آان قد من عليه من أساري بدر ؛ لفقره وآثرة بناته، على أال يظاهر عليه أحدا، ولكنه نكث وغدر أخذه عليه وسلم والمسلمين، آما أسلفنا، وخرج لمقاتلتهم في أحد ـ فلما اهللافحرض الناس بشعره على النبي صلى

يا محمد، أقلني، وامنن على، ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا أال أعود لمثل ما : عليه وسلم قال اهللاصلى اهللارسول خدعت محمدا مرتين، ال يلدغ المؤمن من : ال تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول ( : عليه وسلم اهللافعلت، فقال صلى

. بن ثابت فضرب عنقه ، ثم أمر الزبير أو عاصم ) جحر مرتين

آما حكم باإلعدام في جاسوس من جواسيس مكة، وهو معاوية بن المغيرة بن أبي العاص جد عبد الملك بن مروان عنه فاستأمن اهللاألمه ؛ وذلك أنه لما رجع المشرآون يوم أحد جاء معاوية هذا إلى ابن عمه عثمان بن عفان رضي

فلما خلت المدينة من الجيش . ه وسلم، فأمنه على أنه إن وجد بعد ثالث قتلهعلي اهللاصلى اهللاله عثمان رسول

اهللاإلسالمي أقام فيها أآثر من ثالث يتجسس لحساب قريش، فلما رجع الجيش خرج معاوية هاربا، فأمر رسول . عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر، فتعقباه حتى قتاله اهللاصلى

أن غزوة حمراء األسد ليست بغزوة مستقلة، وإنما هي جزء من غزوة أحد، وتتمة لها وصفحة من ومما ال شك فيه

. صفحاتها

تلك هي غزوة أحد بجميع مراحلها وتفاصيلها، وطالما بحث الباحثون حول مصير هذه الغزوة، هل آانت هزيمة أم من القتال آان للمشرآين، وأنهم آانوا مسيطرين على والذي ال يشك فيه أن التفوق العسكري في الصفحة الثانية ؟ ال

ساحة القتال، وأن خسارة األرواح والنفوس آانت في جانب المسلمين أآثر وأفدح، وأن طائفة من المؤمنين انهزمت . قطعا، وأن دفة القتال جرت لصالح الجيش المكي، لكن هناك أمور تمنعنا أن نعبر عن آل ذلك بالنصر والفتح

ا ال شك فيه أن الجيش المكي لم يستطع احتالل معسكر المسلمين، وأن المقدار الكبير من الجيش المدني لم يلتجئ فمم

إلى الفرار ـ مع االرتباك الشديد والفوضي العامة ـ بل قاوم بالبسالة حتى تجمع حول مقر قيادته، وأن آفته لم تسقط ش المدينة لم يقع في أسر الكفار، وأن الكفار لم يحصلوا على شيء إلى حد أن يطارده الجيش المكي، وأن أحدا من جي

من غنائم المسلمين، وأن الكفار لم يقوموا إلى الصفحة الثالثة من القتال مع أن جيش المسلمين لم يزل في معسكره، زمان ـ بل سارعوا إلى وأنهم لم يقيموا بساحة القتال يوما أو يومين أو ثالثة أيام ـ آما هو دأب الفاتحين في ذلك ال

االنسحاب وترك ساحة القتال قبل أن يترآها المسلمون، ولم يجترئوا على الدخول في المدينة لنهب الذراري . واألموال، مع أنها على بعد عدة خطوات فحسب، وآانت مفتوحة وخالية تماما

جحوا فيها بإلحاق الخسائر الفادحة آل ذلك يؤآد لنا أن ما حصل لقريش لم يكن أآثر من أنهم وجدوا فرصة ن

بالمسلمين، مع الفشل فيما آانوا يهدفون إليه من إبادة الجيش اإلسالمي بعد عمل التطويق ـ وآثيرا ما يلقي الفاتحون . بمثل هذه الخسائر التي نالها المسلمون ـ أما أن ذلك آان نصرا وفتحا فكال وحاشا

االنسحاب واالنصراف أنه آان يخاف على جيشه المعرة والهزيمة لو جرت صفحة بل يؤآد لنا تعجيل أبي سفيان في

. ثالثة من القتال، ويزداد ذلك تأآدا حين ننظر إلى موقف أبي سفيان من غزوة حمراء األسد

ل منها وإذن فهذه الغزوة إنما آانت حربا غير منفصلة، أخذ آل فريق بقسطه ونصيبه من النجاح والخسارة، ثم حاد آ . عن القتال من غير أن يفر عن ساحة القتال ويترك مقره الحتالل العدو، وهذا هو معني الحرب غير المنفصلة

ون من اهللا ما وال تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون آما تألمون وترج { : وإلى هذا يشير قوله تعإلى

، فقد شبه أحد العسكرين باآلخر في التألم وإيقاع األلم، مما يفيد أن الموقفين آانا متماثلين، ] 104 : النساء [ } ال يرجون . وأن الفريقين رجعا وآل غير غالب

القرآن يتحدث حول موضوع المعرآة

المهمة من هذه المعرآة مرحلة مرحلة، وصرح باألسباب التي أدت ونزل القرآن يلقي ضوءا على جميع المراحل إلى هذه الخسارة الفادحة، وأبدي النواحي الضعيفة التي لم تزل موجودة في طوائف أهل اإليمان بالنسبة إلى واجبهم

األمة، والتي في مثل هذه المواقف الحاسمة، وبالنسبة إلى األهداف النبيلة السامية التي أنشئت للحصول عليها هذه . تمتاز عن غيرها بكونها خير أمة أخرجت للناس

آما تحدث القرآن عن موقف المنافقين، ففضحهم وأبدي ما آان في باطنهم من العداوة هللا ولرسوله، مع إزالة الشبهات

م اليهود ـ والوساوس التي آانت تختلج في قلوب ضعفاء المسلمين، والتي آان يثيرها هؤالء المنافقون وإخوانه . أصحاب الدس والمؤامرة ـ وقد أشار إلى الحكم والغايات المحمودة التي تمخضت عنها هذه المعرآة

وإذ { : نزلت حول موضوع المعرآة ستون آية من سورة آل عمران تبتدئ بذآر أول مرحلة من مراحل المعرآة

، وتترك في نهايتها تعليقا جامعا على نتائج هذه ] 121 : آل عمران [ } اعد للقتالغدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مق ما آان اهللا ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما آان اهللا { : المعرآة وحكمتها، قال تعإلى

آل [ } ا وتتقوا فلكم أجر عظيميطلعكم على الغيب ولكن اهللا يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا باهللا ورسله وإن تؤمنول . ] 179 : عمران

الحكم والغايات المحمودة في هذه الغزوةوآان في قصة أحد وما أصيب : قال العلماء : وقال ابن حجر . الم على هذا الموضوع بسطا تاما قد بسط ابن القيم الك

به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة، منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم . عليه وسلم أال يبرحوا منه اهللاى ارتكاب النهي؛ لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول صل

ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي وتكون لها العاقبة، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس

منهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين لتمييز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق المنافقين آان مخفيا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة، وأظهر األمرين

أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم، فاستعدوا . لهم وتحرزوا منهم

لمواطن هضـما للنفس، وآسرا لشـماختها، فلما ابتلي المؤمنـون صـبروا، ومنها أن في تأخير النصر في بعض ا

. وجـزع المنافقون

هيأ لعباده المؤمنين منازل فى دار آرامته ال تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب االبتالء والمحن ليصلوا اهللاومنها أن . إليها

. ا إليهمومنها أن الشهادة من أعلى مراتب األولياء فساقه

ومنها أنه أراد إهالك أعدائه، فقيض لهم األسباب التى يستوجبون بها ذلك من آفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى

. أوليائه ، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق بذلك الكافرين

السرايا والبعوث بين أحد واألحزاب

سرية أبي سلمة

بعث عبد اهللا بن أنيس بعث الرجيع

مأساة بئر معونة غزوة بني النضير

غزوة نجد غزوة بدر الثانية

غزوة دومة الجندل

قد ذهبت ريحهم، وزالت هيبتهم عن النفوس، وزادت المتاعب آان لمأساة أحد أثر سيئ على سمعة المؤمنين، ف

الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت األخطار بالمدينة من آل جانب، وآاشف اليهود والمنافقون واألعراب بالعداء السافر، وهمت آل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين، بل طمعت في أن تقضي عليهم

. وتستأصل شأفتهم ثم قامت قبائل عضل وقارة في . لم يمض على هذه المعرآة شهران حتى تهيأت بنو أسد لإلغارة على المدينةف

هـ بمكيدة تسببت في قتل عشرة من الصحابة، وفي نفس الشهر نفسه قام عامر بن الطفيل 4شهر صفر سنة هذه الوقعة بوقعة بئر معونة، ولم تزل العامري بتحريض بعض القبائل حتى قتلوا سبعين من الصحابة، وتعرف هـ بمكيدة تهدف إلى قتل النبي صلى 4بنو نضير خالل هذه المدة تجاهر بالعداوة حتى قامت في ربيع األول سنة

. هـ 4عليه وسلم، وتجرأت بنو غطفان حتى همت بالغزو على المدينة في جمادي األولي سنة اهللا

قد ذهبت في معرآة أحد ترآت المسلمين ـ إلى حين ـ يهددون باألخطار، ولكن تلك فريح المسلمين التي آانتعليه وسلم التي صرفت وجوه التيارات، وأعادت للمسلمين هيبتهم المفقودة، وأآسبتهم اهللاهي حكمة محمد صلى إلى حمراء األسد، فقد وأول ما أقدم عليه بهذا الصدد هي حرآة المطاردة التي قام بها . العلو والمجد من جديد

حفظ بها قدرا من سمعة جيشه، واستعاد بها من مكانته شيئا مذآورا، ثم قام بمناورات أعادت للمسلمين هيبتهم، . بل زادت فيها، وفي الصفحات اآلتية شيء مما جري بين الطرفين

سرية أبي سلمة

ن خزيمة، فقد نقلت استخبارات المدينة أن طلحة وسلمة أول من قام ضد المسلمين بعد نكسة أحد هم بنو أسد بعليه اهللاصلى اهللابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول

. وسلم

عليه وسلم إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتال من المهاجرين واألنصار، اهللاصلى اهللافسارع رسول وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم، . مر عليهم أبا سلمة، وعقد له لواءوأ

. فتشتتوا في األمر، وأصاب المسلمون إبال وشاء لهم فاستاقوها، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حربا

وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح آان قد أصابه في . هـ 4 آان مبعث هذه السرية حين استهل هالل المحرم سنة

. أحد، فلم يلبث حتى مات

بن أنيس اهللابعث عبد هـ ـ نقلت االستخبارات أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد 4وفي اليوم الخامس من نفس الشهر ـ المحرم سنة

. ابن أنيس ليقضي عليه اهللايه وسلم عبد عل اهللالجموع لحرب المسلمين، فأرسل إليه النبي صلى

بن أنيس غائبا عن المدينة ثماني عشرة ليلة، ثم قدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم، وقد قتل اهللاوظل عبد هذه آية بيني وبينك يوم ( : عليه وسلم فأعطاه عصا وقال اهللاخالدا وجاء برأسه، فوضعه بين يدي النبي صلى

. ، فلما حضرته الوفاة أوصي أن تجعل معه في أآفانه ) القيامة

بعث الرجيععليه وسلم قوم من عضل اهللاصلى اهللاوفي شهر صفر من نفس السنة ـ أي الرابعة من الهجرة ـ قدم على رسول

فبعث معهم ستة نفر ـ وقارة، وذآروا أن فيهم إسالما، وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن،في قول ابن إسحاق، وفي رواية البخاري أنهم آانوا عشرة ـ وأمر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ـ في قول ابن

إسحاق، وعند البخاري أنه عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب ـ فذهبوا معهم، فلما آانوا بالرجيع ـ بنو لحيان، فتبعوهم : حجاز بين رابغ وجدة ـ استصرخوا عليهم حيا من هذيل يقال لهموهو ماء لهذيل بناحية ال

لكم العهد : بقريب من مائة رام، واقتصوا آثارهم حتى لحقوهم، فأحاطوا بهم ـ وآانوا قد لجأوا إلى فدفد ـ وقالوا فأبي من النزول وقاتلهم في أصحابه، فقتل منهم سبعة فأما عاصم . والميثاق إن نزلتم إلينا أال نقتل منكم رجال

بالنبل، وبقي خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخري، فنزلوا إليهم ولكنهم غدروا لى أن هذا أول الغدر، وأبي أن يصحبهم، فجرروه وعالجوه ع : بهم وربطوهم بأوتار قسيهم، فقال الرجل الثالث

يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة، وآانا قتال من رءوسهم يوم بدر، فأما خبيب : فمكث عندهم مسجونا، ثم أجمعوا على قتله، فخرجوا به من الحرم إلى التنعيم، فلما أجمعوا على صلبه قال

إن ما بي جزع لزدت، ثم : لوال أن تقولوا اهللاو : لدعوني حتى أرآع رآعتين، فترآوه فصالهما، فلما سلم قاأيسرك أن محمدا عندنا : فقال له أبو سفيان : م أحصهم عددا، واقتلهم بددا ، وال تبق منهم أحدا، ثم قالالله : قال

انه الذي هو فيه تصيبه ، ما يسرني أني في أهلي وأن محمدا في مكاهللاال و : فقال ؟ نضرب عنقه، وأنك في أهلكثم صلبوه ووآلوا به من يحرس جثته، فجاء عمرو بن أمية الضمري، فاحتمله بخدعة ليال، فذهب . شوآة تؤذيه

. به فدفنه، وآان الذي تولي قتل خبيب هو عقبة بن الحارث، وآان خبيب قد قتل أباه حارثا يوم بدر

عند القتل، وأنه رئي وهو أسير يأآل قطفا من العنب، وما بمكة وفي الصحيح أن خبيبا أول من سن الرآعتين . ثمرة

. وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه

وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ـ وآان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر ـ فبعث

اهللاوآان عاصم أعطي . ن الدبر ـ الزنابير ـ فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيءعليه مثل الظلة م اهللاالعبد المؤمن بعد وفاته آما اهللايحفظ : وآان عمر لما بلغه خبره يقول . عهدا أال يمسه مشرك وال يمس مشرآا

. يحفظه في حياته

مأساة بئر معونةعت فيه مأساة الرجيع وقعت مأساة أخري أشد وأفظع من األولي، وهي التي تعرف وفي الشهر نفسه الذي وق

. بوقعة بئر معونة

عليه وسلم المدينة، اهللاصلى اهللاأن أبا براء عامر بن مالك المدعو بمالعب األسنة قدم على رسول : وملخصها ، لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك اهللاول يا رس : فدعاه إلى اإلسالم فلم يسلم ولم يبعد، فقال

أنا جار لهم، فبعث معه أربعين رجال ـ : ، فقال أبو براء ) إني أخاف عليهم أهل نجد ( : لرجوت أن يجيبوهم، فقالم المنذر بن في قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم آانوا سبعين، والذي في الصحيح هو الصحيح ـ وأمر عليه

عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمعنق ليموت ، وآانوا من خيار المسلمين وفضالئهم وساداتهم وقرائهم، فساروا يحتطبون بالنهار، يشترون به الطعام ألهل الصفة، ويتدارسون القرآن ويصلون بالليل، حتى نزلوا بئر معونة ـ

اهللام ـ فنزلوا هناك، ثم بعثوا حرام بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول وهي أرض بين بني عامر وحرة بني سليعامر بن الطفيل، فلم ينظر فيه، وأمر رجال فطعنه بالحربة من خلفه، فلما اهللاعليه وسلم إلى عدو اهللاصلى

. أآبر، فزت ورب الكعبة اهللا : أنفذها فيه ورأى الدم، قال حرام

لفوره بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه ألجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم، فأجابته اهللاعدو ثم استنفر عليه وسلم، فقاتلوا حتى قتلوا عن اهللاصلى اهللاعصية ورعل وذآوان، فجاءوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول

. قتلي، فعاش حتى قتل يوم الخندقآخرهم إال آعب بن زيد بن النجار، فإنه ارتث من بين ال

وآان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر، فقاتل المشرآين حتى قتل مع أصحابه، وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من

. عن رقبة آانت على أمهمضر جز عامر ناصيته، وأعتقه

عليه وسلم حامال معه أنباء المصاب الفادح، مصرع سبعين اهللاورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي صلى من أفاضل المسلمين، تذآر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد ؛ إال أن هؤالء ذهبوا في قتال واضح ؛ وأولئك ذهبوا في

. غدرة شائنة

أمية في الطريق بالقرقرة من صدر قناة، نزل في ظل شجرة، وجاء رجالن من بني آالب ولما آان عمرو بنصلى اهللافنزال معه، فلما ناما فتك بهما عمرو، وهو يري أنه قد أصاب ثأر أصحابه، وإذا معهما عهد من رسول

لقد قتلت قتيلين ( : عل، فقال عليه وسلم بما ف اهللاصلى اهللاعليه وسلم لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول اهللا، وانشغل بجمع ديتهما من المسلمين ومن حلفائهم اليهود ، وهذا الذي صار سببا لغزوة بني النضير، ) ألدينهما

. آما سيذآر

تألما عليه وسلم ألجل هذه المأساة، وألجل مأساة الرجيع اللتين وقعتا خالل أيام معدودة ، اهللاوقد تألم النبي صلى . شديدا، وتغلب عليه الحزن والقلق ، حتى دعا على هؤالء األقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه

عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثالثين صباحا، اهللادعا النبي صلى : ففي الصحيح عن أنس قال تعالى اهللا، فأنزل ) ورسوله اهللاعصية عصت ( : ولحيان وعصية، ويقوليدعو في صالة الفجر على رعل وذآوان

اهللافترك رسول ) بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ( : على نبيه قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد . عليه وسلم قنوته اهللاصلى

غزوة بني النضيراليهود آانوا يتحرقون على اإلسالم والمسلمين إال أنهم لم يكونوا أصحاب حرب وضرب، بل آانوا قد أسلفنا أن

أصحاب دس ومؤامرة، فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعا من الحيل ؛ إليقاع اإليذاء بالمسلمين ، وأنهم بعد وقعة بني قينقاع وقتل آعب دون أن يقوموا للقتال مع ما آان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق

. بن األشرف خافوا على أنفسهم فاستكانوا والتزموا الهدوء والسكوت

ولكنهم بعد وقعة أحد تجرأوا، فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشرآين من أهل مكة

. سرا، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين

عليه وسلم حتى ازدادوا جرأة وجسارة بعد وقعة الرجيع وبئر معونة، حتى قاموا بمؤامرة اهللاى وصبر النبي صل . عليه وسلم اهللاتهدف القضاء على النبي صلى

عليه وسلم خرج إليهم في نفر من أصحابه، وآلمهم أن يعينوه في دية الكالبيين اللذين اهللاأنه صلى : وبيان ذلك

نفعل يا أبا القاسم، اجلس : ن أمية الضمري ـ وآان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ـ فقالوا قتلهما عمرو بفجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر . ها هنا حتى نقضي حاجتك

. وعمر وعلى وطائفة من أصحابه

عليه وسلم، اهللالشيطان الشقاء الذي آتب عليهم، فتآمروا بقتله صلى وخال اليهود بعضهم إلى بعض، وسول لهمفقال . أنا : فقال أشقاهم عمرو بن جحاش . . . ؟ أيكم يأخذ هذه الرحي، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها : وقالوا

ولكنهم عزموا على . ض للعهد الذي بيننا وبينهليخبرن بما هممتم به، وإنه لنق اهللاال تفعلوا، فو : لهم سالم بن مشكم . تنفيذ خطتهم

عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعا وتوجه اهللاونزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله صلى

. نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همت به يهود : إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا

اخرجوا من ( : عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم اهللاصلى اهللاول وما لبث رسولم يجد يهود مناصا من . ) المدينة وال تساآنوني بها، وقد أجلتكم عشرا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه

بن أبي ـ بعث إليهم أن اثبتوا وتمنعوا، اهللاعبد الخروج، فأقاموا أياما يتجهزون للرحيل، بيد أن رئيس المنافقين ـلئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا { وال تخرجوا من ديارآم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم

. وتنصرآم قريظة وحلفاؤآم من غطفان ] 11 : الحشر [ } نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم

وهناك عادت لليهود ثقتهم، واستقر رأيهم على المناوأة، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين، . إنا ال نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك : عليه وسلم يقول اهللاصلى اهللافبعث إلى رسول

رجا بالنسبة للمسلمين، فإن اشتباآهم بخصومهم في هذه الفترة المحرجة من تاريخهم وال شك أن الموقف آان ح

لم يكن مأمون العواقب، وقد رأوا آلب العرب عليهم وفتكهم الشنيع ببعوثهم، ثم إن يهود بني النضير آانوا على المكاره، إال أن الحال التي درجة من القوة تجعل استسالمهم بعيد االحتمال، وتجعل فرض القتال معهم محفوفا ب

جدت بعد مأساة بئر معونة وما قبلها زادت حساسية المسلمين بجرائم االغتيال والغدر التي أخذوا يتعرضون لها جماعات وأفرادا، وضاعفت نقمتهم على مقترفيها، ومن ثم قرروا أن يقاتلوا بني النضير ـ بعد همهم باغتيال

. هما تكن النتائجعليه وسلم ـ م اهللالرسول صلى

عليه وسلم جواب حيي بن أخطب آبر وآبر أصحابه، ثم نهض لمناجزة القوم، اهللاصلى اهللافلما بلغ رسول فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم، وعلى بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهي إليهم فرض عليهم

. الحصار

هم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وآانت نخيلهم وبساتينهم عونا لهم في والتجأ بنو النضير إلى حصون : ذلك، فأمر بقطعها وتحريقها، وفي ذلك يقول حسان

حـريـق بالبويرة مسـتطيـر** وهان على سراة بني لؤي

قطعتم من لينة أو ترآتموها قائمة على أصولها ما { : تعالى اهللاوفي ذلك أنزل ] اسم لنخل بني النضير : البويرة [ . ] 5 : الحشر [ } فبإذن اهللا

بن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فلم يحاول أحد أن يسوق لهم خيرا، أو يدفع اهللاواعتزلتهم قريظة، وخانهم عبد

آمثل الشيطان إذ قال للإنسان اآفر فلما آفر قال إني { : جعل مثلهمعنهم شرا، ولهذا شبه سبحانه وتعإلى قصتهم، و ] 16 : الحشر [ } بريء منك

في قلوبهم الرعب، فاندحروا اهللاخمس عشرة ليلة ـ حتى قذف : ولم يطل الحصار ـ فقد دام ست ليال فقط، وقيل

فأنزلهم . نحن نخرج عن المدينة : عليه وسلم اهللاصلى اهللاوإللقاء السالح، فأرسلوا إلى رسول وتهيأوا لالستسالم . على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت اإلبل إال السالح

د وجذوع فنزلوا على ذلك، وخربوا بيوتهم بأيديهم، ليحملوا األبواب والشبابيك، بل حتى حمل بعضهم األوتا

السقف، ثم حملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فترحل أآثرهم وأآابرهم آحيي بن أخطب وسالم يامين بن عمرو وأبو سعد بن : بن أبي الحقيق إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، وأسلم منهم رجالن فقط

. وهب، فأحرزا أموالهما

عليه وسلم سالح بني النضير، واستولي على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من اهللاصلى اهللاوقبض رسول . السالح خمسين درعا وخمسين بيضة، وثالثمائة وأربعين سيفا

عليه وسلم ؛ يضعها حيث يشاء، ولم اهللاصلى اهللاوآانت أموال بني النضير وأرضهم وديارهم خالصة لرسول

أفاءها عليه، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل وال رآاب، فقسمها بين المهاجرين األولين اهللايخمسها ألن وآان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ثم . خاصة، إال أنه أعطي أبا دجانة وسهل بن حنيف األنصاريين لفقرهما

. اهللايجعل ما بقي في السالح والكراع عدة في سبيل

في هذه الغزوة سورة اهللام، وأنزل 625من الهجرة، أغسطس 4بني النضير في ربيع األول سنة آانت غزوةالحشر بأآملها، فوصف طرد اليهود، وفضح مسلك المنافقين، وبين أحكام الفيء، وأثني على المهاجرين

فساد في األرض، واألنصار، وبين جواز القطع والحرق في أرض العدو للمصالح الحربية، وأن ذلك ليس من ال . وأوصي المؤمنين بالتزام التقوي واالستعداد لآلخرة، ثم ختمها بالثناء على نفسه وبيان أسمائه وصفاته

. سورة النضير : قل : وآان ابن عباس يقول عن سورة الحشر

وعبد الرزاق وغيرهما وقد روي أبو داود . هذه خالصة ما رواه ابن إسحاق وعامة أهل السير حول هذه الغزوة

إنكم أهل : سببا آخر حول هذه الغزوة، وهو أنه لما آانت وقعة بدر فكتبت آفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن آذا وآذا، وال يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء ـ وهو

اخرج : عليه وسلم اهللاود أجمعت بنو النضير على الغدر، فأرسلوا إلى النبي صلى الخالخيل ـ فلما بلغ آتابهم اليهإلينا في ثالثين رجال من أصحابك، ولنخرج في ثالثين حبرا، حتى نلتقي في مكان آذا، نصف بيننا وبينكم،

الثين من أصحابه، وخرج عليه وسلم في ث اهللافيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا آلنا، فخرج النبي صلى آيف تخلصون إليه : إليه ثالثون حبرا من يهود، حتى إذا برزوا في براز من األرض قال بعض اليهود لبعض

؟ آيف تفهم ونفهم ونحن ستون رجال : ومعه ثالثون رجال من أصحابه، آلهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه يك ثالثة من علمائنا، فليسمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنا آلنا وصدقناك، اخرج في ثالثة من أصحابك ويخرج إل

على الخناجر، وأرادوا الفتك ] أي اليهود [ عليه وسلم في ثالثة نفر من أصحابه واشتملوا اهللافخرج النبي صلى جل مسلم من عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى بني أخيها، وهو ر اهللاصلى اهللابرسول

عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعا اهللاصلى اهللاألنصار، فأخبرته خبر ما أرادت بنو النضير من الغدر برسول عليه وسلم إليهم، فرجع النبي اهللاعليه وسلم، فساره بخبرهم قبل أن يصل النبي صلى اهللاحتى أدرك النبي صلى

عليه وسلم بالكتائب فحاصرهم، وقال لهم اهللاصلى اهللايهم رسول عليه وسلم، فلما آان من الغد غدا عل اهللاصلى ، فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك هو والمسلمون، ثم ) إنكم التأمنون عندي إال بعهد تعاهدوني عليه ( :

وه، فانصرف غدا الغد على بني قريظة بالخيل والكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهد

عنهم، وغدا إلى بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجالء، وعلى أن لهم ما أقلت اإلبل إال الحلقة ـ السالح ـ فجاءت بنو النضير واحتملوا ما أقلت إبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، فكانوا يخربون : والحلقة

. قهم من خشبها، وآان جالؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام بيوتهم فيهدمونها، فيحملون ما واف

غزوة نجد وبهذا النصر الذي أحرزه المسلمون ـ في غزوة بني النضير ـ دون قتال وتضحية توطد سلطانهم في المدينة،

الذين آذوا عليه وسلم أن يتفرغ لقمع األعراب اهللاوتخاذل المنافقون عن الجهر بكيدهم، وأمكن للرسول صلى المسلمين بعد أحد، وتواثبوا على بعوث الدعاة يقتلون رجالها في نذالة وآفران، وبلغت بهم الجرأة إلى أن أرادوا

. القيام بجر غزوة على المدينة

عليه وسلم بتأديب أولئك الغادرين، نقلت إليه استخبارات المدينة بتحشد جموع البدو اهللافقبل أن يقوم النبي صلى عليه وسلم إلى الخروج، يجوس فيافي اهللاواألعراب من بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، فسارع النبي صلى

نجد، ويلقي بذور الخوف في أفئدة أولئك البدو القساة؛ حتى ال يعاودوا مناآرهم التي ارتكبها إخوانهم مع . المسلمين

و ال يسمعون بمقدم المسلمين إال حذروا وتمنعوا في رءوس وأضحي األعراب الذين مردوا على النهب والسط

. الجبال، وهكذا أرهب المسلمون هذه القبائل المغيرة، وخلطوا بمشاعرهم الرعب، ثم رجعوا إلى المدينة آمنين

وقد ذآر أهل المغازي والسير بهذا الصدد غزوة معينة غزاها المسلمون في أرض نجد في شهر ربيع الثاني أو أما وقوع الغزوة خالل هذه المدة فهو أمر . هـ، ويسمون هذه الغزوة بغزوة ذات الرقاع 4ادي األولي سنة جم

تقتضيه ظروف المدينة، فإن موسم غزوة بدر التي آان قد تواعد بها أبو سفيان حين انصرافه من أحد، آان قد وغطرستهم، والخروج لمثـل هذا اللقاء الرهيب لم وإخالء المدينة، مع ترك البدو واألعراب على تمردهم . اقترب

يكن من مصالح سياسة الحروب قطعا ، بل آان ال بد من خضد شوآتهم وآف شرهم، قبل الخروج لمثل هذه . الحرب الكبيرة، التى آانوا يتوقعون وقوعها فى رحاب بدر

هـ هى 4بيع اآلخر أو جمادى األولى سنة عليه وسلم فى ر اهللاوأما أن تلك الغزوة التى قادها الرسول صلى

عنهما، اهللاغزوة ذات الرقاع فال يصح، فإن غزوة ذات الرقاع شهدها أبو هريرة وأبو موسى األشعرى رضي اهللاعنه، وافى النبى صلى اهللاوآان إسالم أبى هريرة قبل غزوة خيبر بأيام، وآذلك أبو موسى األشعرى رضي

اهللافغزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، ويدل على تأخرها عن السنة الرابعة أن النبى صلى وإذن . عليه وسلم بخيبرعليه وسلم صلى فيها صالة الخوف، وآانت أول شرعية صالة الخوف فى غزوة عسفان، وال خالف أن غزوة

. عسفان آانت بعد الخندق، وآانت غزوة الخندق فى أواخر السنة الخامسة

يةغزوة بدر الثانولما خضد المسلمون شوآة األعراب، وآفكفوا شرهم، أخذوا يتجهزون لمالقاة عدوهم األآبر، فقد استدار العام

عليه وسلم وصحبه أن يخرجوا ؛ اهللاوحضر الموعد المضروب مع قريش ـ في غزوة أحد ـ وحق لمحمد صلى يستقر األمر ألهدي الفريقين وأجدرهما ليواجهوا أبا سفيان وقومه، وأن يديروا رحى الحرب آرة أخرى حتى

. بالبقاء

عليه وسلم لموعده في ألف وخمسمائة، وآانت اهللاصلى اهللام خرج رسول 626هـ يناير سنة 4ففي شعبان سنة بن رواحة، وانتهي إلى اهللالخيل عشرة أفراس، وحمل لواءه على بن أبي طالب، واستخلف على المدينة عبد

. ينتظر المشرآينبدر، فأقام بها

وأما أبو سفيان فخرج في ألفين من مشرآي مكة، ومعهم خمسون فرسا، حتى انتهي إلى مر الظهران على بعد

. مرحلة من مكة فنزل بمجنة ـ ماء في تلك الناحية

استولت على مشاعره خرج أبو سفيان من مكة متثاقال يفكر في عقبي القتال مع المسلمين، وقد أخذه الرعب، ويا معشر قريش، إنه ال يصلحكم إال : الهيبة، فلما نزل بمر الظهران خار عزمه، فاحتال للرجوع، وقال ألصحابه

. عام خصب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا

الجيش أيضا، فقد رجع الناس ولم يبدوا أي معارضة لهذا ويبدو أن الخوف والهيبة آانت مستولية على مشاعر . الرأي، وال أي إصرار وإلحاح على مواصلة السير للقاء المسلمين

وأما المسلمون فأقاموا ببدر ثمانية أيام ينتظرون العدو، وباعوا ما معهم من التجارة فربحوا بدرهم درهمين، ثم

. فاجأة إلى أيديهم، وتوطدت هيبتهم في النفوس، وسادوا على الموقفرجعوا إلى المدينة وقد انتقل زمام الم

. وتعرف هذه الغزوة ببدر الموعد، وبدر الثانية، وبدر اآلخرة، وبدر الصغرى

غزوة دومة الجندل

للتوجه إلى عليه وسلم من بدر، وقد ساد المنطقة األمن والسالم، واطمأنت دولته، فتفرغ اهللاصلى اهللاعاد رسول . أقصي حدود العرب حتى تصير السيطرة للمسلمين على الموقف، ويعترف بذلك الموالون والمعادون

مكث بعد بدر الصغري في المدينة ستة أشهر، ثم جاءت إليه األخبار بأن القبائل حول دومة الجندل ـ قريبا من

دت جمعا آبيرا تريد أن تهاجم المدينة، فاستعمل الشام ـ تقطع الطريق هناك، وتنهب ما يمر بها وأنها قد حشعليه وسلم على المدينة سباع ابن عرفطة الغفاري، وخرج في ألف من المسلمين لخمس ليال اهللاصلى اهللارسول

. مذآور : هـ، وأخذ رجال من بني عذرة دليال للطريق يقال له5بقين من ربيع األول سنة

ويكمن النهار حتى يفاجئ أعداءهم وهم غارون، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، فهجم على ما خرج يسير الليل . شيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب

اهللاصلى اهللاوأما أهل دومة الجندل ففروا في آل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحدا، وأقام رسول

السرايا وفرق الجيوش، فلم يصب منهم أحدا، ثم رجع إلى المدينة، ووادع في تلك الغزوة عليه وسلم أياما، وبثموضع معروف بمشارف الشام بينها وبين دمشق خمس ليال، وبعدها من المدينة : ودومة بالضم . عيينة بن حصن . خمس عشرة ليلة

عليه وسلم في بسط اهللالحازمة نجح النبي صلى بهذه اإلجراءات السريعة الحاسمة، وبهذه الخطط الحكيمة

األمن، وتنفيذ السالم في المنطقة، والسيطرة على الموقف، وتحويل مجري األيام لصالح المسلمين، وتخفيف المتاعب الداخلية والخارجية التي آانت قد توالت عليهم وأحاطت بهم من آل جانب، فقد سكت المنافقون

يلة من اليهود، وبقيت األخري تظاهر بإيفاء حق الجوار، وبإيفاء العهود والمواثيق، واستكانوا، وتم إجالء قبواستكانت البدو واألعراب، وحادت قريش عن مهاجمة المسلمين، ووجد المسلمون فرصة لنشر اإلسالم وتبليغ

. رساالت رب العالمين

غزوة األحزاب

الحروب والبعوث التي استغرقت أآثر من سنة آاملة، إال أن عاد األمن والسالم، وهدأت الجزيرة العربية بعد

اليهود ـ الذين آانوا قد ذاقوا ألوانا من الذلة والهوان نتيجة غدرهم وخيانتهم ومؤامراتهم ودسائسهم ـ لم يفيقوا من ظلوا ينتظرون ما فهم بعد نفيهم إلى خيبر . غيهم، ولم يستكينوا، ولم يتعظوا بما أصابهم من نتيجة الغدر والتآمر

يحل بالمسلمين من خالل المناوشات التي آانت قائمة بين المسلمين والوثنيين، ولما تحول مجري األيام لصالح . المسلمين، وتمخضت الليإلى واأليام عن بسط نفوذهم، وتوطد سلطانهم ـ تحرق هؤالء اليهود أي تحرق

يعدون العدة، لتصويب ضربة إلى المسلمين تكون قاتلة ال وشرعوا في التآمر من جديد على المسلمين، وأخذوا

ولما لم يكونوا يجدون في أنفسهم جرأة على قتال المسلمين مباشرة، خططوا لهذا الغرض خطة . حياة بعدها . رهيبة

خرج عشرون رجال من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يحرضونهم على غزو الرسول

عليه وسلم، ويوالونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، وآانت قريش قد اهللاصلى . أخلفت موعدها في الخروج إلى بدر، فرأت في ذلك إنقاذا لسمعتها والبر بكلمتها

في قبائل العرب ثم خرج هذا الوفد إلى غطفان، فدعاهم إلى ما دعا إليه قريشا فاستجابوا لذلك، ثم طاف الوفد

يدعوهم إلى ذلك فاستجاب له من استجاب، وهكذا نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر على النبي . عليه وسلم والمسلمين اهللاصلى

وعلى إثر ذلك خرجت من الجنوب قريش وآنانة وحلفاؤهم من أهل تهامة ـ وقائدهم أبو سفيان ـ في أربعة آالف،

بنو فزارة، يقودهم عيينة بن حصن، وبنو : نو سليم بمر الظهران، وخرجت من الشرق قبائل غطفانووافاهم ب . مرة، يقودهم الحارث بن عوف، وبنو أشجع، يقودهم مسعر بن رحيلة، آما خرجت بنو أسد وغيرها

. تعاقدت عليهواتجهت هذه األحزاب وتحرآت نحو المدينة على ميعاد آانت قد

وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش عرمرم يبلغ عدده عشرة آالف مقاتل، جيش ربما يزيد عدده على جميع من

. في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ

آيان ولو بلغت هذه األحزاب والمحزبة والجنود المجندة إلى أسوار المدينة بغتة لكانت أعظم خطرا علىالمسلمين مما يقاس، وربما تبلغ إلى استئصال الشأفة وإبادة الخضراء، ولكن قيادة المدينة آانت قيادة متيقظة، لم

تزل واضعة أناملها على العروق النابضة، تتجسس الظروف، وتقدر ما يتمخض عن مجراها، فلم تكد تتحرك . قيادتها فيها بهذا الزحف الخطير هذه الجيوش عن مواضعها حتى نقلت استخبارات المدينة إلى

عليه وسلم إلى عقد مجلس استشاري أعلي، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن اهللاصلى اهللاوسارع رسول

آيان المدينة، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشوري اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان . عنه اهللالفارسي ضي

وآانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها . ، إنا آنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينااهللايا رسول : مانقال سل

. العرب قبل ذلك

عليه وسلم إلى تنفيذ هذه الحظة، فوآل إلى آل عشرة رجال أن يحفروا من الخندق اهللاصلى اهللاوأسرع رسول عليه وسلم يحثهم ويساهمهم اهللاصلى اهللايحفرون الخندق، ورسول أربعين ذراعا، وقام المسلمون بجد ونشاط

في الخندق، وهم يحفرون، ونحن ننقل اهللاآنا مع رسول : ففي البخاري عن سهل بن سعد، قال . في عملهم هذاغفر للمهاجرين م ال عيش إال عيش اآلخرة، فاالله ( : عليه وسلم اهللاصلى اهللالتراب على أآتادنا، فقال رسول

. ) واألنصار

عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرين واألنصار يحفرون في غداة باردة، اهللاصلى اهللاخرج رسول : وعن أنس : فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأي ما بهم من النصب والجوع قال

اجرة فاغفـر لألنصـار والمهـ** م إن العيش عيش اآلخرة الله

: فقالوا مجيبين له

على الجهـاد ما بقيـنا أبدا ** نحـن الذيـن بايعـوا محمـدا

عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى واري عني الغبار جلدة اهللارأيته صلى : وفيه عن البراء بن عازب قال : راب ويقولبطنه، وآان آثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من الت

وال تصـدقنـا وال صلينــا ** م لوال أنت ما اهتدينا الله وثبت األقـدام إن القينــا ** فأنزلن سكينـة علينـا

وإن أرادوا فتـنـة أبينـــا ** إن األلى رغبوا علينـا

: ثم يمد بها صوته بآخرها، وفي رواية : قال

دوا فـتنـة أبينـا وإن أرا** إن األلى قـد بغـوا علينـا

آان أهل الخندق : آان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع ما يفتت األآباد، قال أنس

يؤتون بملء آفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق . ولها ريح

عليه وسلم الجوع، فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع اهللاصلى اهللاا إلى رسول شكون : وقال أبو طلحة

. عليه وسلم عن حجرين اهللاصلى اهللارسول

عليه اهللافي النبي صلى اهللاوبهذه المناسبة وقعت أثناء حفر الخندق آيات من أعالم النبوة، رأي جابر بن عبد عليه وسلم اهللاصلى اهللات امرأته صاعا من شعير، ثم التمس من رسول وسلم خمصا شديدا فذبح بهيمة، وطحن

عليه وسلم بجميع أهل الخندق، وهم ألف، فأآلوا من ذلك اهللاسرا أن يأتي في نفر من أصحابه، فقام النبي صلى . الطعام وشبعوا، وبقيت برمة اللحم تغط به آما هي، وبقي العجين يخبز آما هو

اهللاصلى اهللالنعمان بن بشير بحفنة من تمر إلى الخندق ليتغدي به أبوه وخاله، فمرت برسول وجاءت أخت

عليه وسلم، فطلب منها التمر، وبدده فوق ثوب، ثم دعا أهل الخندق، فجعلوا يأآلون منه وجعل التمر يزيد، حتى . صدر أهل الخندق عنه، وإنه يسقط من أطراف الثواب

إنا يوم خندق نحفر، فعرضت آدية شديدة، فجاءوا النبي صلى : ما رواه البخاري عن جابرقالوأعظم من هذين

، ثم قام وبطنه معصوب بحجر ـ ولبثنا ثالثة ) أنا نازل ( : فقال . هذه آدية عرضت في الخندق : عليه وسلم فقالوا اهللال، فضرب فعاد آثيبا أهيل أو أهيم ، أي صار رمال ال عليه وسلم المعو اهللاال نذوق ذواقا ـ فأخذ النبي صلى

. يتماسك

لما آان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة ال تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك : وقال البراء

أآبر، اهللا ( : ، ثم ضرب ضربة، وقال ) اهللابسم ( : عليه وسلم، فجاءة وأخذ المعول فقال اهللاصلى اهللالرسول أآبر، اهللا ( : ، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال ) إني ألنظر قصورها الحمر الساعة اهللاأعطيت مفاتيح الشام، و

، فقطع بقية ) اهللابسم ( : ، ثم ضرب الثالثة، فقال ) إني ألبصر قصر المدائن األبيض اآلن اهللاأعطيت فارس، و . ) إني ألبصر أبواب صنعاء من مكاني اهللاأآبر، أعطيت مفاتيح اليمن، و اهللا ( : الحجر، فقال

. عنه اهللاوروي ابن إسحاق مثل ذلك عن سلمان الفارسي رضي

ولما آانت المدينة تحيط بها الحرات والجبال وبساتين من النخيل من آل جانب سوي الشمال، وآان النبي صلى

ل هذا الجيش الكبير، ومهاجمته المدينة ال يمكن إال من جهة الشمال، اتخذ الخندق عليه وسلم يعلم أن زحف مث اهللا . في هذا الجانب

وواصل المسلمون عملهم في حفره، فكانوا يحفرونه طول النهار، ويرجعون إلى أهليهم في المساء، حتى تكامل

. سوار المدينةالخندق حسب الخطة المنشودة، قبل أن يصل الجيش الوثني العرمرم إلى أ

وأقبلت قريش في أربعة آالف، حتى نزلت بمجتمع األسيال من رومة بين الجرف وزغابة، وأقبلت غطفان ومن . تبعهم من أهل نجد في ستة آالف حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد

} ا وعدنا اهللا ورسوله وصدق اهللا ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليماولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا م { . ] 22 : األحزاب [

وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم { وأما المنافقون وضعفاء النفوس فقد تزعزعت قلوبهم لرؤية هذا الجيش

. ] 12 : األحزاب [ } مرض ما وعدنا اهللا ورسوله إلا غرورا

عليه وسلم في ثالثة آالف من المسلمين، فجعلوا ظهورهم إلى جبل سلع فتحصنوا به، اهللاصلى اهللاوخرج رسول على المدينة ابن أم مكتوم، وأمر بالنساء ، واستحلف ] حم ال ينصرون [ : وآان شعارهم . والخندق بينهم وبين الكفار

. والذراري فجعلوا في آطام المدينة

ولما أراد المشرآون مهاجمة المسلمين واقتحام المدينة، وجدوا خندقا عريضا يحول بينهم وبينها، فالتجأوا إلى آانت هذه الخطة ـ آما فرض الحصار على المسلمين، بينما لم يكونوا مستعدين له حين خرجوا من ديارهم، إذ

. قالوا ـ مكيدة ما عرفتها العرب، فلم يكونوا أدخلوها في حسابهم رأسا

وأخذ المشرآون يدورون حول الخندق غضابا، يتحسسون نقطة ضعيفة ؛ لينحدروا منها، وأخذ المسلمون منه، وال يستطيعوا أن يتطلعون إلى جوالت المشرآين، يرشقونهم بالنبل، حتى ال يجترئوا على االقتراب

. يقتحموه، أو يهيلوا عليه التراب، ليبنوا به طريقا يمكنهم من العبور

وآره فوارس من قريش أن يقفوا حول الخندق من غير جدوي في ترقب نتائج الحصار، فإن ذلك لم يكن من الخطاب وغيرهم، شيمهم، فخرجت منها جماعة فيها عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن

فتيمموا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج على بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، ودعا عمرو إلى المبارزة، فانتدب

ألجلها ـ وآان من شجعان المشرآين وأبطالهم ـ فاقتحم عن فرسه فعقره له على بن أبي طالب، وقال آلمة حمي عنه، وانهزم الباقون حتى اقتحموا اهللاوضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتجاوال وتصاوال حتى قتله علي رضي

. الخندق هاربين، وقد بلغ بهم الرعب إلى أن ترك عكرمة رمحه وهو منهزم عن عمرو

ن في بعض األيام محاولة بليغة القتحام الخندق، أو لبناء الطرق فيها، ولكن المسلمين آافحوا وقد حاول المشرآو . مكافحة مجيدة، ورشقوهم بالنبل، وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشرآون في محاولتهم

سلم والمسلمين، عليه و اهللاصلى اهللاوألجل االشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فات بعض الصلوات عن رسول

: فقال . أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق، فجعل يسب آفار قريش : عنه اهللاففي الصحيحين عن جابر رضي عليه اهللاعليه وسلم، ما آدت أن أصلي حتى آادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى اهللاصلى اهللايا رسول

عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصالة، وتوضأنا لها، فصلى اهللامع النبي صلى ، فنزلنا ) ما صليتها اهللاوأنا و ( : وسلم . العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلي بعدها المغرب

عليه وسلم لفوات هذه الصالة حتى دعا على المشرآين، ففي البخاري عن على اهللاصلى اهللاوقد استاء رسول عليهم بيوتهم وقبورهم نارا، آما شغلونا عن الصالة اهللامأل ( : الخندق عليه وسلم أنه قال يوم اهللاعن النبي صلى

. ) الوسطي حتى غابت الشمس

قال . وفي مسند أحمد والشافعي أنهم حبسوه عن صالة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصالهن جميعااما فكان هذا في بعض األيام، وهذا في وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أي : النووي . انتهي . بعضها

ومن هنا يؤخذ أن محاولة العبور من المشرآين، والمكافحة المتواصلة من المسلمين، دامت أياما، إال أن الخندق

. ضلةلما آان حائال بين الجيشين لم يجر بينهما قتال مباشر أو حرب دامية، بل اقتصروا على المراماة والمنا

ستة من المسلمين، وعشرة من المشرآين، بينما : وفي هذه المراماة قتل رجال من الجيشين، يعدون على األصابع . آان قتل واحد أو اثنين منهم بالسيف

حبان : عنه بسهم فقطع منه األآحل، رماه رجل من قريش يقال له اهللاوفي هذه المراماة رمي سعد بن معاذ رضي

م إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلى أن أجاهدهم فيك من قوم آذبوا رسولك وأخرجوه، الله : ن العرقة، فدعا سعدبم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن آان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم الله

وال تمتني حتى تقر عيني من : ل في آخر دعائهوقا . فيك، وإن آنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها . بني قريظة

وبينما آان المسلمون يواجهون هذه الشدائد على جبهة المعرآة آانت أفاعي الدس والتآمر تتقلب في جحورها،

انطلق آبير مجرمي بني النضير حيي بن أخطب إلى ديار بني قريظة فأتي : تريد إيصال السم داخل أجسادهمعليه وسلم اهللاصلى اهللابن أسد القرظي ـ سيد بني قريظة وصاحب عقدهم وعهدهم، وآان قد عاقد رسول آعب

على أن ينصره إذا أصابته حرب، آما تقدم ـ فضرب عليه حيي الباب فأغلقه آعب دونه، فما زال يكلمه حتى فتح ئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم إني قد جئتك يا آعب بعز الدهر وببحر طام، ج : له بابه، فقال حيي

بمجمع األسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني . وعاقدوني على أال يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه

ويحك يا حيي . راق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، ليس فيه شيءبذل الدهر وبجهام قد ه اهللاجئتني و : فقال له آعب

. فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إال صدقا ووفاء

لئن رجعت : وميثاقا اهللافلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمح له على أن أعطاه عهدا من ا أن أدخل معك في حصنك، حتى يصيبني ما أصابك، فنقض آعب بن أسد قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمد

. عهده، وبرئ مما آان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشرآين في المحاربة ضد المسلمين

آانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن : قال ابن إسحاق . وفعال قامت يهود بني قريظة بعمليات الحرب

فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف : ، وآان حسان فيه مع النساء والصبيان، قالت صفيةحسان بن ثابتعليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد اهللاصلى اهللابالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول

أن ينصرفوا عنهم إن أتانا عليه وسلم والمسلمون في غور عدوهم، ال يستطيعون اهللاصلى اهللايدفع عنا، ورسول ما آمنه أن يدل على عورتنا من اهللايا حسان، إن هذا اليهودي آما تري يطيف بالحصن، وإني و : فقلت : آت، قالت

. عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله اهللاصلى اهللاوراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول فاحتجزت ثم أخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته : ب هذا، قالتلقد عرفت ما أنا بصاح اهللاو : قال

يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سبله إال أنه : بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن وقلت . ما لي بسلبه من حاجة : رجل، قال

عليه وسلم أثر عميق في حفظ ذراري المسلمين ونسائهم، اهللاوقد آان لهذا الفعل المجيد من عمة الرسول صلى

ويبدو أن اليهود ظنوا أن هذه اآلطام والحصون في منعة من الجيش اإلسالمي ـ مع أنها آانت خالية عنهم تماما ـ على فلم يجترئوا مرة ثانية للقيام بمثل هذا العمل، إال أنهم أخذوا يمدون الغزاة الوثنيين بالمؤن، آدليل عملي

. انضمامهم إليهم ضد المسلمين، حتى أخذ المسلمون من مؤنهم عشرين جمال

عليه وسلم وإلى المسلمين فبادر إلى تحقيقه، حتى يستجلي موقف قريظة، اهللاصلى اهللاوانتهي الخبر إلى رسول اهللابن عبادة، وعبد فيواجهه بما يجب من الوجهة العسكرية، وبعث لتحقيق الخبر السعدين؛ سعد بن معاذ وسعد

فإن آان حقا ؟ انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤالء القوم أم ال ( : بن رواحة وخوات بن جبير، وقالفلما دنوا منهم . ) فالحنوا لي لحنا أعرفه، وال تفتوا في أعضاد الناس، وإن آانوا على الوفاء فاجهروا به للناس

. عليه وسلم اهللاصلى اهللابث ما يكون، فقد جاهروهم بالسب والعداوة، ونالوا من رسول وجدوهم على أخ

اهللاصلى اهللافانصرفوا عنهم، فلما أقبلوا على رسول . ال عهد بيننا وبين محمد، وال عقد ؟ اهللامن رسول : وقالوا . ر آغدر عضل وقارة بأصحاب الرجيععضل وقارة ؛ أي إنهم على غد : عليه وسلم لحنوا له، وقالوا

. وعلى رغم محاولتهم إخفاء الحقيقة تفطن الناس لجلية األمر، فتجسد أمامهم خطر رهيب

وقد آان أحرج موقف يقفه المسلمون، فلم يكن يحول بينهم وبين قريظة شيء يمنعهم من ضربهم من الخلف،

يعون االنصراف عنه، وآانت ذراريهم ونساؤهم بمقربة من بينما آان أمامهم جيش عرمرم لم يكونوا يستطوإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر { : تعالي اهللاهؤالء الغادرين في غير منعة وحفظ، وصاروا آما قال

] 11، 10 : األحزاب [ } وا زلزالا شديداوتظنون باهللا الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزل

آان محمد يعدنا أن نأآل آنوز آسري وقيصر، وأحدنا اليوم ال يأمن : ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قالإن بيوتنا عورة من العدو، فائذن : وحتى قال بعض آخر في مأل من رجال قومه . على نفسه أن يذهب إلى الغائط

: تعالي اهللاوحتى همت بنو سلمة بالفشل، وفي هؤالء أنزل . نا أن نخرج، فنرجع إلى دارنا فإنها خارج المدينةليا أهل يثرب لت طائفة منهموإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اهللا ورسوله إلا غرورا وإذ قا {

} عورة إن يريدون إلا فرارالا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي ب . ] 13، 12 : األحزاب [

ع بثوبه حين أتاه غدر قريظة، فاضطجع ومكث طويال حتى اشتد على عليه وسلم فتقن اهللاصلى اهللاأما رسول

، ثم أخذ يخطط ) ونصره اهللاأآبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح اهللا ( : الناس البالء، ثم نهض مبشرا يقولوالنساء على لمجابهة الظرف الراهن، وآجزء من هذه الخطة آان يبعث الحرس إلى المدينة؛ لئال يؤتي الذراري

غرة، ولكن آان البد من إقدام حاسم، يفضي إلى تخاذل األحزاب، وتحقيـقا لهــذا الهـدف أراد أن يصالـح عيينة بن حصن والحارث بن عوف رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة، حتى ينصرفا بقومهما، ويخلو المسلمون

ا مدي قوتها وبأسها مرارا، وجرت المراودة على ذلك، إللحاق الهزيمة الساحقة العاجلة بقريش التي اختبروأمرك بهذا فسمعا وطاعة، وإن آان شيء تصنعه لنا اهللا، إن آان اهللايا رسول : فاستشار السعدين في ذلك، فقاال

ها وعبادة األوثان، وهم ال يطمعون أن يأآلوا من اهللافال حاجة لنا فيه، لقد آنا نحن وهؤالء القوم على الشرك بال نعطيهم إال اهللاو ؟ باإلسالم وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا اهللاثمرة إال قري أو بيعا، فحين أآرمنا

. ) إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ( : السيف، فصوب رأيهما وقال

من عنده خذل به العدو وهزم جموعهم، وفل حدهم، فكان مما هيأ من عز وجل ـ وله الحمد ـ صنع أمرا اهللاثم إن اهللاصلى اهللاعنه جاء رسول اهللانعيم بن مسعود بن عامر األشجعي رضي : ذلك أن رجال من غطفان يقال له

اهللارسول ، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسالمي، فمرني ما شئت، فقالاهللايا رسول : عليه وسلم فقال، فذهب من فوره إلى بني ) إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة ( : عليه وسلم اهللاصلى

: قد عرفتم ودي إياآم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا : قريظة ـ وآان عشيرا لهم في الجاهلية ـ فدخل عليهم وقالسوا مثلكم، البلد بلدآم، فيه أموالكم وأبناؤآم ونساؤآم، ال تقدرون أن تتحولوا منه إلى فإن قريشا لي : قال . صدقت

غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم ؟ فما العمل يا نعيم : كم، قالوابغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإال لحقوا ببالدهم وترآوآم ومحمدا فانتقم من

. لقد أشرت بالرأي : قالوا . ال تقاتلوا معهم حتى يعطوآم رهائن : قال

إن يهود قد ندموا : نعم، قال : قالوا ؟ تعلمون ودي لكم ونصحي لكم : ثم مضي نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهموإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم على ما آان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه،

. يوالونه عليكم، فإن سألوآم رهائن فال تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك

أنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكراع والخف ، : هـ ـ بعثوا إلى يهود5فلما آانت ليلة السبت من شوال ـ سنة ا حتى نناجز محمدا، فأرسل إليهم اليهود أن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين فانهضوا بن

: أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا ال نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن، فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش وغطفان : دا، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدا، فقالت قريظةال نرسل إليكم أح اهللانعيم، فبعثوا إلى يهود إنا و اهللاصدقكم و . فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم . نعيم اهللاصدقكم و

عليه وسلم اهللاصلى اهللا، ودعا رسول ) م استر عوراتنا وآمن روعاتناالله ( : تعإلى اهللاوآان المسلمون يدعون

. ) م اهزمهم وزلزلهماللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم األحزاب، الله ( : على األحزاب، فقال

اهللادعاء رسوله والمسلمين، فبعد أن دبت الفرقة في صفوف المشرآين وسري بينهم التخاذل أرسل اهللاوقد سمع ال طنبا إال قلعته، وال يقر لهم قرار، عليهم جندا من الريح فجعلت تقوض خيامهم، وال تدع لهم قدرا إال آفأتها، و . وأرسل جندا من المالئكة يزلزلونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف

عليه وسلم في تلك الليلة الباردة القارسة حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على اهللاصلى اهللاوأرسل رسول

عليه وسلم، فأخبره برحيل القوم، فأصبح رسول اهللاصلى اهللارسول هذه الحالة، وقد تهيأوا للرحيل، فرجع إلى قتالهم، فصدق وعده، وأعز جنده، اهللاعدوه بغيظهم لم ينالوا خيرا وآفاه اهللاعليه وسلم وقد رد اهللاصلى اهللا

. ونصر عبده، وهزم األحزاب وحده، فرجع إلى المدينة

اهللاشوال على أصح القولين، وأقام المشرآون محاصرين رسول وآانت غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة فيويبدو بعد الجمع بين المصادر أن بداية فرض الحصار آانت . عليه وسلم والمسلمين شهرا أو نحو شهر اهللاصلى

م عليه وسلم من الخندق آان يو اهللاصلى اهللافي شوال ونهايته في ذي القعدة، وعند ابن سعد أن انصراف رسول . األربعاء لسبع بقين من ذي القعدة

إن معرآة األحزاب لم تكن معرآة خسائر، بل آانت معرآة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير، إال أنها آانت من

أحسم المعارك في تاريخ اإلسالم، تمخضت عن تخاذل المشرآين، وأفادت أن أية قوة من قوات العرب ال التي تنمو في المدينة ؛ ألن العرب لم تكن تستطيع أن تأتي بجمع أقوي مما أتت تستطيع استئصال القوة الصغيرة

اآلن نغزوهم، وال يغزونا، ( : األحزاب اهللاعليه وسلم حين أجلي اهللاصلى اهللابه في األحزاب، ولذلك قال رسول . ) نحن نسير إليهم

غزوة بني قريظة

غزوة بني قريظة

مقتل سالم بن أبي الحقيق بن مسلمة سرية محمد

غزوة بني لحيان متابعة البعوث والسرايا

غزوة بني قريظة

أو قد : عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال \وفي اليوم الذي رجع فيه رسول اهللا إلى المدينة، جاءه جبريل فإن المالئكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت اآلن إال من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني ؟ وضعت السالح

. قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موآبه من المالئكة

من آان سامعا مطيعا فال يصلين العصر إال ببني قريظة، : الناسوأمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مؤذنا فأذن في واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطي الراية على بن أبي طالب، وقدمه إلى بني قريظة، فسار على حتى إذا

. دنا من حصونهم سمع منها مقالة قبيحة لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

ى اهللا عليه وسلم في موآبه من المهاجرين واألنصار، حتى نزل على بئر من آبار قريظة يقال وخرج رسول اهللا صلوبادر المسلمون إلى امتثال أمره، ونهضوا من فورهم، وتحرآوا نحو قريظة، وأدرآتهم العصر في . بئر أنا : لها

رجاال منهم صلوا العصر بعد العشاء اآلخرة، ال نصليها إال في بني قريظة آما أمرنا، حتى إن : الطريق فقال بعضهم . لم يرد منا ذلك، وإنما أراد سرعة الخروج، فصلوها في الطريق، فلم يعنف واحدة من الطائفتين : وقال بعضهم

هكذا تحرك الجيش اإلسالمي نحو بني قريظة أرساال حتى تالحقوا بالنبي صلى اهللا عليه وسلم، وهم ثالثة آالف، . الثون فرسا، فنازلوا حصون بني قريظة، وفرضوا عليهم الحصاروالخيل ث

إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد صلى : ولما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم آعب بن أسد ثالث خصالتبين لكم أنه لنبي واهللا، لقد : اهللا عليه وسلم في دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم ـ وقد قال لهم

مرسل، وأنه الذي تجدونه في آتابكم ـ وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم، ويخرجوا إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم بالسيوف مصلتين، يناجزونه حتى يظفروا بهم، أو يقتلوا عن آخرهم، وإما أن يهجموا على رسول اهللا صلى اهللا

بسوهم يوم السبت ؛ ألنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه، فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه عليه وسلم وأصحابه، ويكما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة : الخصال الثالث، وحينئذ قال سيدهم آعب بن أسد ـ في انزعاج وغضب

. من الدهر حازما

زلوا على حكم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ولكنهم أرادوا ولم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثالث إال أن ينأن يتصلوا ببعض حلفائهم من المسلمين، لعلهم يتعرفون ماذا سيحل بهم إذا نزلوا على حكمه، فبعثوا إلى رسول اهللا

نطقتهم، فلما رأوه قام صلى اهللا عليه وسلم أن أرسل إلينا أبا لبابة نستشيره، وآان حليفا لهم، وآانت أمواله وولده في ميا أبا لبابة، أتري أن ننزل على حكم : إليه الرجال، وجهش النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا

إنه الذبح، ثم علم من فوره أنه خان اهللا ورسوله فمضي على وجهه، : نعم ؛ وأشار بيده إلى حلقه، يقول : قال ؟ محمدرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حتى أتي المسجد النبوي بالمدينة، فربط نفسه بسارية المسجد، وحلف ولم يرجع إلى

فلما بلغ رسول اهللا صلى اهللا . أال يحله إال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بيده، وأنه ال يدخل أرض بني قريظة أبدالو جاءني الستغفرت له، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه أما إنه ( : عليه وسلم خبره ـ وآان قد استبطأه ـ قال

. ) من مكانه حتى يتوب اهللا عليه

وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة قررت قريظة النزول على حكم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ولقد آان باستطاعة والمياه واآلبار ومناعة الحصون؛ وألن المسلمين آانوا اليهود أن يتحملوا الحصار الطويل ؛ لتوفر المواد الغذائية

يقاسون البرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء، مع شدة التعب الذي اعتراهم ؛ لمواصلة األعمال الحربية من

قبل بداية معرآة األحزاب، إال أن حرب قريظة آانت حرب أعصاب، فقد قذف اهللا في قلوبهم الرعب، وأخذت يا آتيبة : تهم تنهار، وبلغ هذا االنهيار إلى نهايته أن تقدم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، وصاح عليمعنويا

. اإليمان، واهللا ألذوقن ما ذاق حمزة أو ألفتحن حصنهم

اعتقال وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وأمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بالرجال، فوضعت القيود في أيديهم تحت إشراف محمد بن مسلمة األنصاري، وجعلت النساء والذراري بمعزل عن

يا رسول اهللا، قد فعلت في بني قينقاع ما : الرجال في ناحية، وقامت األوس إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فقالوا ) ؟ أال ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ( : موالينا، فأحسن فيهم، فقالقد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤالء

. قد رضينا : قالوا . ) فذاك إلى سعد بن معاذ ( : قال . بلي : قالوا

. فأرسل إلى سعد بن معاذ، وآان في المدينة لم يخرج معهم للجرح الذي آان قد أصاب أآحله في معرآة األحزابيا سعد، أجمل في مواليك، : حمارا، وجاء إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فجعلوا يقولون، وهم آنفيهفأرآب

لقد آن : فأحسن فيهم، فإن رسول اهللا قد حكمك لتحسن فيهم، وهو ساآت ال يرجع إليهم شيئا، فلما أآثروا عليه قال . ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعي إليهم القوملسعد أال تأخذه في اهللا لومة الئم، فلما سمعوا

يا سعد، إن : ، فلما أنزلوه قالوا ) قوموا إلى سيدآم ( : ولما انتهى سعد إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم قال للصحابةوعلى من : نعم، قال : قالوا ؟ وعلى المسلمين : قال . نعم : قالوا ؟ وحكمي نافذ عليهم : قال . هؤالء قد نزلوا على حكمك

: قال . ) نعم، وعلي ( : قال . وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إجالال له وتعظيما ؟ هاهناد حكمت لق ( : فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتسبي الذرية، وتقسم األموال، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. ) فيهم بحكم اهللا من فوق سبع سموات

وآان حكم سعد في غاية العدل واإلنصاف، فإن بني قريظة، باإلضافة إلى ما ارتكبوا من الغدر الشنيع، آانوا قد جمعوا إلبادة المسلمين ألفا وخمسمائة سيف، وألفين من الرماح، وثالثمائة درع، وخمسمائة ترس، وحجفة ، حصل

. ا المسلمون بعد فتح ديارهمعليه

وأمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فحبست بنو قريظة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار، وحفرت لهم . خنادق في سوق المدينة، ثم أمر بهم، فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرساال أرساال، وتضرب في تلك الخنادق أعناقهم

أما ترون ؟ أفي آل موطن ال تعقلون : فقال ؟ ما تراه يصنع بنا : الحبس لرئيسهم آعب بن أسد فقال من آان بعد في . هو واهللا القتل ـ وآانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة، فضربت أعناقهم ؟ والذاهب منكم ال يرجع ؟ الداعي ال ينزع

قد نقضوا الميثاق المؤآد، وعاونوا األحزاب على إبادة وهكذا تم استئصال أفاعي الغدر والخيانة، الذين آانواالمسلمين في أحرج ساعة آانوا يمرون بها في حياتهم، وآانوا قد صاروا بعملهم هذا من أآابر مجرمي الحروب

. الذين يستحقون المحاآمة واإلعدام

أخطب والد صفية أم المؤمنين وقتل مع هؤالء شيطان بني النضير، وأحد أآابر مجرمي معرآة األحزاب حيي بن رضي اهللا عنها آان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ؛ وفاء لكعب بن أسد بما آان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة األحزاب، فلما أتي به ـ وعليه حلة قد شقها من آل

أما واهللا ما لمت : سلبها ـ مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قال لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمناحية بقدر أنملة لئال يأيها الناس، ال بأس بأمر اهللا، آتاب وقدر وملحمة آتبها اهللا : ثم قال . نفسي في معاداتك، ولكن من يغالب اهللا يغلب . على بني إسرائيل، ثم جلس، فضربت عنقه

. قتل من نسائهم امرأة واحدة آانت قد طرحت الرحى على خالد بن سويد فقتلته، فقتلت ألجل ذلكو

وآان قد أمر رسول اهللا بقتل من أنبت، وترك من لم ينبت، فكان ممن لم ينبت عطية القرظي، فترك حيا فأسلم، وله . صحبة

وماله ـ وآانت للزبير يد عند ثابت ـ فوهبهم له رسول اهللا صلى اهللا واستوهب ثابت بن قيس، الزبير بن باطا وأهله . قد وهبك رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى ، ووهب لي مالك وأهلك فهم لك : عليه وسلم، فقال له ثابت بن قيسعنقه، وألحقه باألحبة من سألتك بيدي عندك يا ثابت إال ألحقتني باألحبة، فضرب : فقال الزبير بعد أن علم بمقتل قومه

. اليهود، واستحيا ثابت من ولد الزبير بن باطا عبد الرحمن بن الزبير، فأسلم وله صحبة

. واستوهبت أم المنذر سلمي بنت قيس النجارية رفاعة بن سموأل القرظي، فوهبه لها فاستحيته، فأسلم وله صحبة

. دماءهم وأموالهم وذراريهم وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول، فحقنوا

وخرج تلك الليلة عمرو بن سعدي ـ وآان رجال لم يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ـ . فرآه محمد بن مسلمة قائد الحرس النبوي، فخلي سبيله حين عرفه، فلم يعلم أين ذهب

ي قريظة بعد أن أخرج منها الخمس، فأسهم للفارس ثالثة أسهم؛ وقسم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أموال بنسهمان للفرس وسهم للفارس، وأسهم للراجل سهما واحدا، وبعث من السبايا إلى نجد تحت إشراف سعد بن زيد

. األنصاري فابتاع بها خيال وسالحا

ت عمرو بن خنافة، فكانت عنده حتى توفي واصطفى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لنفسه من نسائهم ريحانة بنهـ، 6إنه صلى اهللا عليه وسلم أعتقها، وتزوجها سنة : وقــال الكلبي . عنها وهي في ملكه، هذا ما قاله ابن إسحاق

. وماتت مرجعـه مـن حجة الـوداع، فدفنها بالبقيـع

هللا عنه ـ التي قدمنا ذآرها في غزوة األحزاب ـ ولما تم أمر قريظة أجيبت دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ رضي اوآان النبي صلى اهللا عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما تم أمر قريظة انتقضت

: قالوافانفجرت من لبته فلم يرعهم ـ وفي المسجد خيمة من بني غفار ـ إال والدم يسيل إليهم، ف : قالت عائشة . جراحته . يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم، فإذا سعد يغذو جرحه دما، فمات منها

. ) اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ( : وفي الصحيحين عن جابر أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قالما أخف جنازته، فقال رسول اهللا : المنافقون لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال : وصحح الترمذي من حديث أنس قال

. ) إن المالئكة آانت تحمله ( : صلى اهللا عليه وسلم

. قتل في حصار بني قريظة رجل واحد من المسلمين، وهو خالد بن سويد الذي طرحت عليه الرحى امرأة من قريظة . ومات في الحصار أبو سنان بن محصن أخو عكاشة

وأما أبو لبابة، فأقام مرتبطا بالجذع ست ليال، تأتيه امرأته في وقت آل صالة فتحله للصالة، ثم يعود فيرتبط بالجذع، يا : ثم نزلت توبته على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم سحرا وهو في بيت أم سلمة، فقامت على باب حجرتها، وقالت

فثار الناس ليطلقوه، فأبي أن يطلقه أحد إال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فلما مر أبا لبابة، أبشر فقد تاب اهللا عليك، . النبي صلى اهللا عليه وسلم خارجا إلى صالة الصبح أطلقه

. هـ، ودام الحصار خمسا وعشريـن ليلة 5وقعت هــذه الغــزوة فـي ذي القعدة سنـة

ريظة آيات من سورة األحزاب، ذآر فيها أهم جزئيات الوقعة، وبين حال وأنزل اهللا تعإلى في غزوة األحزاب وبني ق . المؤمنين والمنافقين، ثم تخذيل األحزاب، ونتائج الغدر من أهل الكتاب

النشاط العسكري بعد هذه الغزوة

مقتل سالم بن أبي الحقيق

آان سالم بن أبي الحقيق ـ وآنيته أبو رافع ـ من أآابر مجرمي اليهود الذين حزبوا األحزاب ضد المسلمين، وأعانهم وآان يؤذي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فلما فرغ المسلمون من أمر قريظة استأذنت بالمؤن واألموال الكثيرة ،

وآان قتل آعب بن األشرف على أيدي رجال من األوس، فرغبت . الخزرج رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في قتله . الخزرج في إحراز فضيلة مثل فضيلتهم، فلذلك أسرعوا إلى هذا االستئذان

سول اهللا في قتله ونهي عن قتل النساء والصبيان، فخرجت مفرزة قوامها خمسة رجال، آلهم من بني سلمة وأذن ر . من الخزرج، قائدهم عبد اهللا بن عتيك

خرجت هذه المفرزة، واتجهت نحو خيبر ؛ إذ آان هناك حصن أبي رافع، فلما دنوا منه، وقد غربت الشمس، وراح اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب، لعلى أن أدخل، فأقبل : بن عتيك ألصحابهالناس بسرحهم، قال عبد اهللا

يا عبد اهللا، إن آنت تريد أن : حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه آأنه يقضي حاجته، وقد دخل الناس، فهتف به البواب . تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب

فقمت إلى األقاليد : قال . فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق األغاليق على ود : قال عبد اهللا بن عتيكفأخذتها، ففتحت الباب، وآان أبو رافع يسمر عنده، وآان في عإللى له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه،

نذروا بي لم يخلصوا إلى حتى أقتله، فانتهيت إليه، إن القوم لو : قلت . فجعلت آلما فتحت بابا أغلقت على من داخلفأهويت نحو الصوت ؟ من هذا : أبا رافع، قال : قلت . فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، ال أدري أين هو من البيت

، فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليهفأضربه ضربة : قال . ألمك الويل، إن رجال في البيت ضربني قبل بالسيف : فقال ؟ ما هذا الصوت يا أبا رافع : فقلت

ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح األبواب بابا . أثخنته ولم أقتلهضعت رجلي، وأنا أري أني قد انتهيت إلى األرض، فوقعت في ليلة مقمرة، بابا، حتى انتهيت إلى درجة له، فو

فلما ؟ ال أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته : فقلت . فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على البابالنجاء، فقد : أصحابي فقلت أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى : صاح الديك قام الناعي على السور، فقال

، فبسطت رجلي فمسحها فكأنما ) ابسط رجلك ( : فانتهيت إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم، فحدثته فقال . قتل اهللا أبا رافع . لم أشتكها

ل عليه هذه رواية البخاري، وعند ابن إسحاق أن جميع النفر دخلوا على أبي رافع واشترآوا في قتله، وأن الذي تحامأنهم لما قتلوه ليال، وانكسرت ساق عبد اهللا بن عتيك حملوه، وأتوا : بالسيف حتى قتله هو عبد اهللا بن أنيس، وفيه

منهرا من عيونهم فدخلوا فيه، وأوقد اليهود النيران واشتدوا في آل وجه، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم، وأنهم . عتيك حتى قدموا على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمحين رجعوا احتملوا عبد اهللا بن

. هـ 5آان مبعث هذه السرية في ذي القعدة أو ذي الحجة سنة

ولما فرغ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من األحزاب وقريظة أخذ يوجه حمالت تأديبية إلى القبائل واألعراب، . لقوة القاهرةالذين لم يكونوا يستكينون لألمن والسالم إال با

سرية محمد بن مسلمة

. وآانت أول سرية بعد الفراغ من األحزاب وقريظة، وآان عدد قوات هذه السرية ثالثين راآبا

تحرآت هذه السرية إلى القرطاء بناحية ضرية بالبكرات من أرض نجد، وبين ضرية والمدينة سبع ليال، تحرآت فلما أغارت عليهم هربوا، فاستاق المسلمون نعما . هـ إلى بطن بني بكر بن آالب 6نة لعشر ليال خلون من المحرم س

وشاء، وقدموا المدينة لليلة بقيت من المحرم ومعهم ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، آان قد خرج متنكرا

فلما جاءوا به ربطوه بسارية من سواري الغتيال النبي صلى اهللا عليه وسلم بأمر مسيلمة الكذاب ، فأخذه المسلمون، عندي خير يا محمد، إن تقتل تقتل : فقال ) ؟ ما ذا عندك يا ثمامة ( : المسجد، فخرج إليه النبي صلى اهللا عليه وسلم فقال

قال له ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاآر، وإن آنت تريد المال فسل تعط منه ماشئت، فترآه، ثم مر به مرة أخري ؛ ف، ) أطلقوا ثمامة ( : مثل ذلك، فرد عليه آما رد عليه أوال ، ثم مر مرة ثالثة فقال ـ بعد ما دار بينهما الكالم السابق

واهللا، ما آان على وجه األرض وجه : فأطلقوه، فذهب إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم جاءه فأسلم، وقالحب الوجوه إلى، واهللا ما آان على وجه األرض دين أبغض إلى من دينك، أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أ

فقد أصبح دينك أحب األديان إلى، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشره رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وأمره حمد صلى اهللا عليه وسلم، ال واهللا، ولكني أسلمت مع م : صبأت يا ثمامة، قال : أن يعتمر، فلما قدم على قريش قالوا

وآانت يمامة ريف مكة، . وال واهللا ال يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمفانصرف إلى بالده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، وآتبوا إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يسألونه

. مـة يخلي إليـه حمل الطعـام، ففعـل رسـول اهللا صلى اهللا عليه وسلمبأرحامهم أن يكتب إلى ثما

غزوة بني لحيان

بنو لحيان هم الذين آانوا قد غدروا بعشرة من أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بالرجيع، وتسببوا في تارات الشديدة قائمة بين المسلمين وقريش وال . إعدامهم، ولكن لما آانت ديارهم متوغلة في الحجاز إلى حدود مكة

واألعراب، لم يكن يري رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن يتوغل في البالد بمقربة من العدو األآبر، فلما تخاذلت األحزاب، واستوهنت عزائمهم، واستكانوا للظروف الراهنة إلى حد ما، رأي أن الوقت قد آن ألن يأخذ من بني لحيان

هـ في مائتين من أصحابه، 6به المقتولين بالرجيع، فخرج إليهم في ربيع األول أو جمادي األولي سنة ثأر أصحاواستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأظهر أنه يريد الشام، ثم أسرع السير حتى انتهي إلى بطن غران ـ واد بين

م، وسمعت به بنو لحيان فهربوا في رءوس الجبال، أمج وعسفان ـ حيث آان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهفلم يقدر منهم على أحد، فأقام يومين بأرضهم، وبعث السرايا، فلم يقدروا عليهم، فسار إلى عسفان، فبعث عشرة

. وآانت غيبته عنها أربع عشرة ليلة . فوارس إلى آراع الغميم لتسمع به قريش، ثم رجع إلى المدينة

ث والسرايامتابعة البعو

: ثم تابع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في إرسال البعوث والسرايا، وهاك صورة مصغرة منها

خرج عكاشة في أربعين رجال إلى الغمر، . هـ6في ربيع األول أو اآلخر سنة ـ سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر 1 . مائتي بعير ساقوها إلى المدينةماء لبني أسد، ففر القوم، وأصاب المسلمون

خرج ابن مسلمة في عشرة رجال إلى . هـ 6في ربيع األول أو اآلخر سنة ـ سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة 2 . ذي القصة في ديار بني ثعلبة، فكمن القوم لهم ـ وهم مائة ـ فلما ناموا قتلوهم إال ابن مسلمة فإنه أفلت منهم جريحا

هـ، وقد بعثه النبي صلى اهللا عليه وسلم على 6في ربيع اآلخر سنة ـ سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة 3إثر مقتل أصحاب محمد بن مسلمة، فخرج ومعه أربعون رجال إلى مصارعهم، فساروا ليلتهم مشاة، ووافوا بني

. ، وأصابوا رجال واحدا فأسلم، وغنموا نعما وشاءثعلبة مع الصبح فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هربا في الجبال

هـ ـ والجموم ماء لبني سليم في مر الظهران ـ خرج إليهم 6في ربيع اآلخر سنة ـ سرية زيد بن حارثة إلى الجموم 4عما وشاء وأسري، فلما حليمة، فدلتهم على محلة من بني سليم أصابوا فيها ن : زيد فأصاب امرأة من مزينة يقال لها

. قفل زيد بما أصاب وهب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم للمزينية نفسها وزوجها

هـ في سبعين ومائة راآب، وفيها أخذت أموال عير لقريش آان 6في جمادي األولي سنة ـ سرية زيد إلى العيص 5ت أبو العاص، فأتي زينب فاستجار بها، وسألها أن تطلب وأفل . قائدها أبو العاص ختن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم رد أموال العير عليه ففعلت، وأشار رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على الناس

برد األموال من غير أن يكرههم، فردوا الكثير والقليل والكبير والصغير حتى رجع أبو العاص إلى مكة، وأدي ودائع إلى أهلها، ثم أسلم وهاجر، فرد عليه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم زينب بالنكاح األول بعد ثالث سنين ال

ونيف، آما ثبت في الحديث الصحيح ردهــا بالنـكاح األول ؛ ألن آيــة تحريم المسلمات على الكفار لم تكن نزلت إذ جديد، أو رد عليه بعد ست سنين فال يصح معني، آما أنـــه ذاك، وأما ما ورد من الحديث من أنه رد عليه بنكاح

إن أبا العاص أسلم في أواخر سنة : والعجب ممن يتمسكون بهذا الحديث الضعيف فإنهم يقولون . ليـس بصحـيح سندام شيئا في تعليقنا إن زينب ماتت في أوائل سنة ثمان، وقد بسطنا الكال : ثم يناقضون أنفسهم، فيقولون . ثمان قبيل الفتحهـ من قبل أبي بصير وأصحابه، ولكن 7وجنح موسي بن عقبة إلى أن هذا الحادث وقع في سنة . على بلوغ المرام

. ذلك ال يطابق الحديث الصحيح وال الضعيف

إلى بني خرج زيد في خمسة عشر رجال . هـ 6في جمادي اآلخر سنة ـ سرية زيد أيضا إلى الطرف أو الطرق 6ثعلبة فهربت األعراب، وخافوا أن يكون رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم سار إليهم، فأصاب من نعمهم عشرين

. بعيرا، وغاب أربع ليال

خرج زيد في اثني عشر رجال إلى وادي القري؛ . هـ 6في رجب سنة ـ سرية زيد أيضا إلى وادي القري 7ن آانت هناك، فهجم عليهم سكان وادي القري ؛ فقتلوا تسعة، وأفلتت ثالثة فيهم زيد بن الستكشاف حرآات العدو إ

. حارثة

: هـ، ولكن السياق يدل على أنها آانت قبل الحديبية ـ قال جابر 8ـ تذآر هذه السرية في رجب سنة ـ سرية الخبط 8بو عبيدة بن الجراح، نرصد عيرا لقريش، فأصابنا جوع بعثنا النبي صلى اهللا عليه وسلم في ثالثمائة راآب، أميرنا أ

شديد حتى أآلنا الخبط، فسمي جيش الخبط، فنحر رجل ثالث جزائر، ثم نحر ثالث جزائر، ثم نحر ثالث جزائر، ثم ابت منه أجسامنا، العنبر، فأآلنا منه نصف شهر، وادهنا منه حتى ث : إن أبا عبيدة نهاه، فألقي إلينا البحر دابة يقال لها

وصلحت، وأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضالعه، فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل، فحمل عليه، ومر هو ( : تحته، وتزودنا من لحمة وشائق، فلما قدمنا المدينة، أتينا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فذآرنا له ذلك، فقال

. فأرسلنا إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم منه ) ؟ لحمة شيء تطعمونا رزق أخرجه اهللا لكم، فهل معكم من

إن سياق هذه السرية يدل على أنها آانت قبل الحديبية؛ ألن المسلمين لم يكونوا يتعرضون لعير قريش بعد : وإنما قلنا . صلح الحديبية

هـ 6أو 5غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع في شعبان سنة

غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع دور المنافقين قبل غزوة بني المصطلق دور المنافقين في غزوة بني المصطلق

غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع

وقـائـع فيـها وقعـت أنها إال العسكريـة، الوجهة حيث من األطراف عريضة الذيل، طويلة تكن لم وإن الغزوة وهذه التي التعزيرية والتشريعات المنافقين، افتضاح عن وتمخضت اإلسالمي، المجتمـع فـي ضطـرابواال البلبلـة أحدثـت تلك نذآر ثم أوال، الغزوة ونسرد . النفوس وطهارة والكرامة النبل من خاصة صورة اإلسالمي المجتمع أعطت . الوقائع

. إسحاق ابن قول على تس وسنة المغازي، أهل عامة عند خمس سنة شعبان في الغزوة هذه آانت

عليه قدر ومن قومه في سار ضرار أبي بن الحارث المصطلق بني رئيس أن وسلم عليه اهللا صلى بلغه أنه وسببها فأتاهم، الخبر، لتحقيق األسلمي الحصيب بن بريدة فبعث وسلم، عليه اهللا صلى اهللا رسول حرب يريدون العرب من

. الخبر فأخبره وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول إلى ورجع لمه،وآ ضرار أبي بن الحارث ولقي

خلتا لليلتين خروجه وآان الخروج، في وأسرع الصحابة، ندب الخبر صحة وسلم عليه اهللا صلى لديه تأآد أن وبعد : وقيل ،حارثة بن زيد المدينة على واستعمل قبلها، غزاة في يخرجوا لم المنافقين من جماعة معه وخرج شعبان، من اإلسالمي، الجيش بخبر ليأتيه ؛ عينا وجه قد ضرار أبي بن الحارث وآان الليثي، اهللا عبد بن نميلة : وقيل ذر، أبا

. وقتلوه القبض عليه المسلمون فألقي

وتفرق يداشد خوفا خافوا عينه، وقتله وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول مسير معه ومن ضرار أبي بن الحارث بلغ ولما اسم مصغرا، فالفتح بالضم ـ المريسيع إلى وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول وانتهي العرب، من معهم آان من عنهم وراية أصحابه، وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول وصف . للقتال فتهيأوا ـ الساحل إلى قديد ناحية في مياههم من لماء

اهللا صلى اهللا رسول أمر ثم ساعة، بالنبل فتراموا عبادة، بن سعد مع األنصار وراية ديق،الص بكر أبي مع المهاجرين اهللا صلى اهللا رسول وسبى قتل، من وقتل المشرآون، وانهزم النصرة فكانت واحد، رجل حملة فحملوا وسلم عليه أنه منه ظنا األنصار من رجل قتله ،واحد رجل إال المسلمين من يقتل ولم والشاء، والنعم والذراري النساء وسلم عليه . العدو من

فسبي الماء على عليهم أغار وإنما قتال، بينهم يكن لم فإنه وهم، هو : القيم ابن قال والسير، المغازي أهل قال آذا وذآر غارون، وهم المصطلق بني على وسلم عليه اهللا صلى رسول أغار الصحيح في آما وأموالهم، ذراريهم

. انتهي . يثالحد

رسول عنها فـأدي فكاتبها، قيس، ابن ثابت سهم في وقعت القوم، سيد الحارث بنت جويرية : السبي جملة من وآان قـد المصطلق بنـي مـن بيـت أهـل مـائـة التزويـج هـذا بسبـب المسلـمون فأعـتق وتزوجهـا، وسلم عليه اهللا صلى اهللا

. وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول ـارأصه : وقـالـوا أسلمـوا،

أن نري وأصحابه، أبي بن اهللا عبد النفاق رأس هو آان مبعثها أن فألجل الغزوة، هذه في حدثت التي الوقائع وأما . اإلسالمي المجتمع في أفعالهم من شيئا أوال نورد

المصطلق بني غزوة قبل المنافقين دور

حنقا وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول على والسيما والمسلمين، اإلسالم على يحنق آان أبي بن اهللا عبد أن مرارا قدمنا اإلسالم، فيهم دخل إذ ليتوجوه الخرز له ينظمون وآانوا سيادته، على اتفقوا قد آانوا والخزرج األوس ألن ؛ شديدا

. ملكه استلبه الذي هو وسلم ليهع اهللا صلى اهللا رسول أن يري فكان أبي، ابن عن فصرفهم

اهللا صلى اهللا رسول رآب . به تظاهر أن وبعد باإلسالم، يتظاهر أن قبل الهجرة بداية منذ وتحرقه هذا حنقه ظهر وقد واتغبر ال : وقال أنفه، أبي ابن فخمر أبي بن اهللا عبد فيه بمجلس فمر عبادة، بن سعد ليعود حمار على مرة وسلم عليه . مجالسنا في تؤذنا وال بيتك، في اجلس : قال القرآن، المجلس على وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول تال ولما . علينا

في إال يفكر يكن ولم وللمؤمنين، ولرسوله هللا عدوا إال يزل لم بدر بعد به تظاهر ولما باإلسالم، يتظاهر أن قبل وهذا ذآرنا، آما قينقاع بني أمر في تدخل وقد أعداءه، يوإلى وآان . اإلسالم آلمة وتوهين اإلسالمي المجتمع تشتيت بما صفوفهم في والفوضي االرتباك وإثارة المسلمين، بين والتفريق والغدر الشر من أحد غزوة في جاء وآذلك . مضي

رسول يجلس حين جمعة آل قومي باإلسالم، التظاهر بعد آان أنه بالمؤمنين وخداعه المنافق هذا مكر شدة من وآان به، وأعزآم اهللا أآرمكم أظهرآم، بين وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول هذا : فيقول للخطبة، وسلم عليه اهللا صلى اهللا

من وآان . ويخطب وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول فيقوم يجلس، ثم وأطيعوا، لــه واسمعـوا وعزروه، فانصروه آان ما ليقول قام ـ الشنيع والغدر الشر من ارتكبه ما مع ـ أحد بعد التي الجمعة يوم في قام أنه المنافق هذا وقاحة ما صنعت وقد بأهل لذلك لست اهللا، عدو أي اجلس : له وقالوا نواحيه، من بثيابه المسلمون فأخذ قبل، من يقوله

األنصار من رجل فلقيه أمره، أشدد قمت أن بجرا قلت لكأنما واهللا : يقول وهو الناس، رقاب يتخطي فخرج صنعت، . لي يستغفر أن أبتغي ما واهللا : قال وسلم، عليه اهللا صلى اهللا رسول لك يستغفر ارجع ويلك، : فقال . . . المسجد بباب

فيكم نطيع ولا معكم جنلنخر أخرجتم لئن { : لهم قال حتى المسلمين ضد معهم يؤامر النضير ببني اتصاالت له وآانت . ] 11 : الحشر [ } لننصرنكم قوتلتم وإن أبدا أحدا

المؤمنين قلوب في والدهشة الرعب وإلقاء واالضطراب القلق إثارة من األحزاب غزوة في وأصحابه هو فعل وآذلك إلا ورسوله الله وعدنا ما مرض قلوبهم في والذين المنافقون يقول إذو { : األحزاب سورة في تعالى اهللا قصه ما

عن ألونيس الأعراب في بادون أنهم لو يودوا الأحزاب يأت وإن يذهبوا لم الأحزاب يحسبون { : قوله إلى } غرورا . ] 20: 12 : األحزاب [ } قليلا إلا قاتلوا ما فيكم آانوا ولو أنبائكم

هو ليس اإلسالم غلبة سبب أن جيدا يعرفون آانوا والمشرآين والمنافقين اليهود من اإلسالم أعداء جميع أن بيد المجتمع بها يتمتع التي والمثل واألخالق القيم هي السبب وإنما والعدد، والجيوش السالح وآثرة المادي التفوق

عليه اهللا صلى اهللا رسول هو إنما الفيض هذا منبع أن يعرفون وآانوا الدين، هذا إلى بصلة يمت من وآل اإلسالمي أن سنين، خمس طيلة الحروب دفة إدارة بعد عرفوا آما القيم، لهذه ـ اإلعجاز حد إلى ـ األعلى المثل هو الذي وسلم

الدين ضد واسعة دعائية حربا يشنوا أن فقرروا السالح، استخدام طريق عن يمكن ال وأهله الدين هذا على القضاء الكاذبة الدعاية لهذه هدف أول وسلم عليه اهللا صلى الرسول شخصية يجعلوا وأن والتقاليد، األخالق ناحية من

لهم يمكن آان المدينة، سكان ولكونهم المسلمين، صفوف في الخامس رالطابو هم المنافقون آان ولما . الخاطئة . أبي ابن رأسهم وعلى المنافقون، هؤالء الدعاية فريضة تحمل . حين آل مشاعرهم واستفزاز بالمسلمين االتصال

أن بعد جحش، بنت زينب المؤمنين بأم وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول تزوج حينما جلية هذه خطتهم ظهرت وقد حرمة يعتقدون فكانوا الصلبي، االبن مثل المتبني يعتبرون آانوا أنهم العرب تقاليد من آان فقد حارثة، بن زيد طلقها حسب ـ ثلمتين المنافقون وجد بزينب وسلم عليه اهللا صلى النبي تزوج فلما تبناه، الذي الرجل على المتبني حليلة

. وسلم عليه اهللا صلى يالنب ضد المشاغب إلثارة ـ زعمهم

هذا له صح فكيف نسوة، أربع من بأآثر الزواج في أذن يكن لم والقرآن خامسة، زوجة آانت هذه زوجته أن : األولى ؟ الزواج

ةالدعاي من وأآثروا . العرب تقاليد حسب الكبائر، أآبر من بها فالزواج ـ متبناه ـ ابنه زوجة آانت زينب أن : الثانية بقلبه، وعلقت حبا، وشغفته بحسنها فتأثر بغتة، رآها محمدا إن : قالوا وأساطير، قصصا واختلقوا السبيل، هذا في

والحديث التفسير آتب في آثاره بقيت نشرا المختلقة الدعاية هذه نشروا وقد لمحمد، سبيلها فخلي زيد ابنه بذلك وعلم لما شفاء فيها البينات باآليات القرآن نزل حتى الضعفاء صفوف في قويا أثرا الدعاية تلك أثرت وقد الزمان، هذا إلى تطع ولا الله اتق النبي أيها يا { : بقوله األحزاب سورة استفتح اهللا أن الدعاية هذه نشر سعة عن وينبئ الصدور، في

. ] 1 : األحزاب [ } حكيما عليما آان الله إن والمنافقين الكافرين

عليه اهللا صلى النبي وآان المصطلق، بني غزوة قبل المنافقون اقترفه لما مصغرة وصور عابرة، إشارات وهذه إذ ؛ بالصبر يتحملونه أو شرهم، عن يحترزون المسلمين عامة وآان والتلطف، واللين بالصبر ذلك آل يكابد وسلم ثم مرتين أو مرة عام آل في يفتنون أنهم يرون أوال { : تعالى قوله حسب أخري بعد مرة بافتضاحهم وهمعرف قد آانوا . ] 126 : التوبة [ } يذآرون هم وال يتوبون ال

المصطلق بني غزوة في المنافقين دور

خباال إال زادوآم ما فيكم خرجوا لو { : تعالى قوله مثلوا المنافقون فيها وخرج المصطلق يبن غزوة آانت ولما في الشديد االرتباك فأثاروا بالشر، للتنفس متنفسين وجدوا فقد ] 47 : التوبة [ } الفتنة يبغونكم خاللكم وألوضعوا : عنها التفصيل بعض وهاك وسلم، عليه اهللا صلى النبي ضد الشنيعة الدعايةو المسلمين، صفوف

] األذل منها األعز ليخرجن المدينة إلى رجعنا لئن [ : المنافقين قول ـ 1

بن عمر ومع الناس، واردة ووردت المريسيع، على مقيما الغزوة من الفراغ بعد وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول آان يا : الجهني فصرخ فاقتتال، الماء على الجهني وبر بن وسنان هو فازدحم الغفاري، جهجاه : له يقال أجير خطابال

وأنا الجاهلية أبدعوي ( : وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول فقال المهاجرين، معشر يا : جهجاه وصرخ األنصار، معشر بن زيد فيهم قومه، من رهط وعنده ـ فغضب سلول بن أبي بن اهللا عبد ذلك وبلغ ، ) منتنة فإنها دعوها ؟ أظهرآم بين آلبك سمن : األول قال آما إال وهم نحن ما واهللا بالدنا، في وآاثرونا نافرونا قد فعلوها، قد أو : وقال ـ حدث غالم أرقم

فعلتم ما هذا : لهم فقال حضره من على أقبل ثم األذل، امنه األعز ليخرجن المدينة إلى رجعنا لئن واهللا أما يأآلك، . دارآم غير إلى لتحولوا بأيديكم ما عنهم أمسكتم لو واهللا أما أموالكم، وقاسمتموهم بالدآم، أحللتموهم بأنفسكم،

بشر بن عباد رم : عمر فقال عمر، وعنده وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول عمه فأخبر بالخبر، عمه أرقم بن زيد فأخبر يكن لم ساعة في وذلك ، ) بالرحيل أذن ولكن ال ؟ أصحابه يقتل محمدا أن الناس تحدث إذا عمر يا فكيف ( : فقال . فليقتله ما بلغك ما وأ ( : له فقال ؟ منكرة ساعة في رحت لقد : وقال فحياه، حضير بن أسيد فلقيه الناس، فارتحل فيها، يرتحل

: قال ، ) األذل منها األعز ليخرجن المدينة إلى رجع إن أنه زعم ( : قال ؟ قال وما : فقال أبي، ابن يريد ) ؟ صاحبكم لقا لقد فواهللا به، ارفق اهللا، رسول يا : قال ثم العزيز، وأنت الذليل واهللا هو شئت، إن منها تخرجه اهللا، رسول يا فأنت . ملكا استلبته أنك يري فإنه ليتوجوه، الخرز له ينظمونل قومه وإن بك، اهللا جاءنا

بالناس، نزل ثم الشمس، آذتهم حتى ذلك يومهم وصدر أصبح، حتى وليلتهم أمسي، حتى ذلك يومهم بالناس مشي ثم . الحديث عن الناس ليشغل ذلك فعل . نياما فوقعوا األرض مـس وجدوا أن يلبثوا فلم

قال، ما قلت ما باهللا وحلف وسلم، عليه اهللا صلى اهللا رسول إلى جاء الخبر بلغ أرقم بن زيد أن علم لماف أبي ابن أما قال ما يحفظ ولم حديثه، في أوهم قد الغالم يكون أن عسي اهللا رسول يا : األنصار من حضر من فقال به، تكلمت وال

إلى } المنافقون جاءك ذاإ { : اهللا فأنزل بيتي، في فجلست قط، همثل يصبني لم هم فأصابني : زيد قال فصدقه، . الرجل } الأذل منها الأعز يخرجنل { إلى } ينفضوا حتى الله رسول عند من على تنفقوا لا يقولون الذين هم { : قوله

. ) صدقك قد اهللا إن ( : قال ثم . علي فقرأها وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول إلى فأرسل ، ] 8 ـ 1 : المنافقون [

له ووقف أبيه، من فتبرأ األخيار، الصحابة من صالحا رجال ـ أبي بن اهللا عبد بن اهللا عبد وهو ـ المنافق هذا ابن وآان اهللا صلى اهللا رسول لك يأذن حتى هاهنا من تجوز ال واهللا : هل قال أبي ابن جاء فلما سيفه، واستل المدينة، باب على اهللا عبد قال قد وآان سبيله، فخلي له أذن وسلم عليه اهللا صلى النبي جاء فلما الذليل، وأنت العزيز فإنه وسلم، عليه . رأسه إليك أحمل واهللا فأنا بذلك، فمرني قتله أردت إن اهللا، رسول يا : أبي بن اهللا عبد ابن

اإلفك حديث ـ 2

اهللا صلى اهللا رسول بها خرج قد آانت عنها اهللا رضي عائشة أن : وملخصها اإلفك، قصة آانت الغزوة هذه وفي بعض في نزلوا الغزوة من رجعوا فلما نسائه، مع عادته تلك وآانت أصابتها، بقرعة الغزوة هذه في معه وسلم عليه

فيه فقدته الذي الموضع في تلتمسه فرجعت إياه، أعارتها آانت ألختها عقدا ففقدت لحاجتها، عائشة فخرجت المنازل، اهللا رضي ألنها خفته؛ ينكرون وال الهودج، فحملوا فيه فظنوها هودجها يرحلون آانوا الذين النفر فجاء وقتها، في ينكروا لم الهودج حمل على تساعدوا لما النفر فإن وأيضا يثقلها، آان الذي اللحم يغشها لم السن فتية آانت عنها فإذا العقد، أصابت وقد منازلهم، إلى عائشة فرجعت الحال، عليهما يخف لم اثنين أو واحدا حمله الذي آان ولو خفته، ريدب أمره، على غالب واهللا طلبها، في فيرجعون سيفقدونها أنهم وظنت المنزل، في فقعدت مجيب، وال داع به ليس إليه وإنا هللا إنا : المعطل بن صفوان بقول إال تستيقظ فلم فنامت، عيناها، فغلبتها يشاء، آما عرشه فوق من األمر

النوم، آثير آان ألنه ؛ الجيش أخريات في عرس قد صفوان وآان ؟ وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول زوجة راجعون، آلمة آلمها وما فرآبتها، إليها، فقربها راحلته، وأناخ فاسترجع لحجاب،ا نزول قبل يراها وآان عرفها، رآها فلما

رأي فلما الظهيرة، نحر في الجيش نزل وقد بها، قدم حتى يقودها، بها سار ثم استرجاعه، إال منه تسمع ولم واحدة، والحسد النفاق آرب من تنفسف متنفسا، أبي ابن اهللا عدو الخبيث ووجد به، يليق وما بشاآلته، منهم آل تكلم الناس ذلك به يتقربون أصحابه وآان ويفرقه، ويجمعه ويذيعه، ويشيعه، ويستوشيه، اإلفك، يستحكي فجعل ضلوعه، بين الذي استشار ثم اليتكلم، ساآت وسلم عليه اهللا صلى اهللا ورسول الحديث، في اإلفك أهل أفاض المدينة قدموا فلما إليه،

تلويحا غيرها، ويأخذ يفارقها، أن عنه اهللا رضي علي عليه فأشار فراقها، في ـ طويال الوحي استلبث لما ـ أصحابه اهللا عبد من يستعذر المنبر على فقام . األعداء آالم إلى يلتفت وأال بإمساآها، وغيره أسامة عليه وأشار التصريحا،

أبي ابن قبيلة وهي الخزرج، سيد ـ عبادة بن سعد فأخذت قتله في رغبته األوس سيد حضير بن أسيد فأظهر أبي، ابن . وسكت سكتوا حتى وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول فخفضهم الحيان، له تثاور آالم بينهما فجري القبلية، الحمية ـ

اهللا رسول من تعرف ال آانت أنها سوي شيئا، اإلفك حديث عن التعلم وهي شهرا، مرضت رجعت فلما عائشة أما فعثرت ليال، البراز إلى مسطح أم مع خرجت نقهت فلما تشتكي، حين تعرفه آانت الذي اللطف وسلم هعلي اهللا صلى واستأذنت عائشة فرجعت الخبر، فأخبرتها منها، عائشة ذلك فاستنكرت ابنها، على فدعت مرطها، في مسطح أم

فجعلت األمر، جلية عرفت حتى اإلذن بعد أتتهما ثم الخبر، وتستيقن أبويها لتأتي ؛ وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول اهللا رسول وجاء آبدها، فالق البكاء أن ظنت حتى دمع، لها يرقأ وال بنوم، تكتحل تكن لم ويوما، ليلتين فبكت تبكي، فسيبرئك يئةبر آنت فإن وآذا، آذا عنك بلغني قد فإنه عائشة، يا بعد أما ( : وقال فتشهد ذلك، في وسلم عليه اهللا صلى . ) عليه اهللا تاب اهللا إلى تاب ثم بذنبه، اعترف إذا العبد فإن إليه، وتوبي اهللا فاستغفري بذنب ألممت آنت وإن اهللا،

هذا سمعتم لقد علمت لقد واهللا : فقالت . يقوالن ما يدريا فلم يجيبا، أن أبويها من لكل وقالت دمعها، قلص وحينئذ بذلك، تصدقونني ال ـ بريئة أني يعلم واهللا ـ بريئة إني : لكم قلت فلئن به، وصدقتم أنفسكم، يف استقر حتى الحديث : قال يوسف، أبي قول إال مثال ولكم لي أجد ما واهللا لتصدقني، ـ بريئة منه أني يعلم واهللا ـ بأمر لكم اعترفت ولئن

. ] 18 : يوسف [ } تصفون ما على المستعان والله جميل فصبر {

أول فكانت . يضحك وهو وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول عن فسري ساعته، الوحي ونزل واضطجعت، تحولت ثم وثقة تها،ساح ببراءة إدالال ـ عائشة فقالت . . إليه قومي : أمها لها فقالت ، ) برأك فقد اهللا أما عائشة، يا ( : بها تكلم آلمة . اهللا إال أحمد وال إليه، أقوم ال واهللا ـ وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول بمحبة

العشر . ] 20: 11 : النور [ } . . . منكم عصبة بالإفك جاؤوا الذين نإ { : تعالي قوله هو اإلفك بشأن اهللا أنزله والذي . اآليات

عبد الخبيث يحد ولم ثمانين، ثمانين جلدوا جحش، بنت وحمنة ثابت، بن وحسان أثاثة، بن مسطح اإلفك أهل من وجلد العظيم بالعذاب اهللا وعده وقد ألهلها، تخفيف الحدود ألن إما ؛ آبره تولي والذي اإلفك، أهل رأس أنه مع أبي بن اهللا . لهقت ألجلها ترك التي للمصلحة وإما اآلخرة، في

المنافقين رأس وافتضح المدينة، جو عن واالضطراب والقلق واالرتياب الشك سحابة أقشعت شهر وبعد وهكذا الذين هم قومه آان الحدث أحدث إذا ذلك بعد وجعل : إسحاق ابن قال ذلك، بعد رأسه يرفع أن يستطع لم افتضاحا قلت يوم لوقتلته واهللا أما ؟ عمر يا ترى آيف ( : لعمر وسلم عليه اهللا صلى اهللا رسول فقال . ويعنفونه ويأخذونه يعاتبونه

عليه اهللا صلى اهللا رسول ألمر علمت، واهللا قد : عمر قال . ) هلقتلت بقتله اليوم أمرتها ولو آنف، له ألرعدت اقتله، : لي . أمري من برآة أعظم وسلم

البعوث والسرايا بعد غزوة المريسيع

أقعده رسول اهللا صلى اهللا . هـ 6، في شعبان سنة ـ سرية عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني آلب بدومة الجندل 1، ) إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم ( : عليه وسلم بين يديه وعممه بيده، وأوصاه بأحسن األمور في الحرب، وقال له

لى اإلسالم، فأسلم القوم وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت األصبغ، فمكث عبد الرحمن بن عوف ثالثة أيام يدعوهم إ . وهي أم أبي سلمة، وآان أبوها رأسهم وملكهم

وذلك أنه بلغ رسول اهللا صلى اهللا . هـ 6، في شعبان سنة ـ سرية على بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك 2فبعث إليهم عليا في مائتي رجل، وآان يسير الليل ويكمن النهار، . دعليه وسلم أن بها جمعا يريدون أن يمدوا اليهو

ودل العين على . فأصاب عينا لهم، فأقر أنهم بعثوه إلى خيبر يعرضون عليهم نصرتهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبرعن، وآان رئيسهم موضع تجمع بني سعد، فأغار عليهم علي، فأخذ خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظ

. وبر بن عليم

آان بطن من فزارة يريد . هـ6، في رمضان سنة ـ سرية أبي بكر الصديق أو زيد بن حارثة إلى وادي القري 3 : قال سلمة بن األآوع . اغتيال النبي صلى اهللا عليه وسلم، فبعث رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أبا بكر الصديق

معه حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من قتل، ورأيت طائفة وفيهم وخرجتالذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدرآتهم، ورميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا، وفيهم

ا من أحسن العرب، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني أبو بكر امرأة هي أم قرفة، عليها قشع من أديم، معها ابنتهابنتها، فلم أآشف لها ثوبا، وقد سأله رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بنت أم قرفة، فبعث بها إلى مكة، وفدي بها

. أسري من المسلمين هناك

جهزت ثالثين فارسا من أهل بيتها لذلك، فالقت وآانت أم قرفة شيطانة تحاول اغتيال النبي صلى اهللا عليه وسلم، و . جزاءها، وقتل الثالثون

هـ، وذلك أن رهطا من عكل وعرينة أظهروا 6، في شوال سنة ـ سرية آرز بن جابر الفهري إلى العرنيين 4د في المراعي، وأمرهم أن اإلسالم، وأقاموا بالمدينة فاستوخموها، فبعثهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في ذو

يشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، واستاقوا اإلبل، وآفروا بعد اللهم أعم عليهم الطريق، ( : إسالمهم، فبعث في طلبهم آرزا الفهري في عشرين من الصحابة، ودعا على العرنيين

، فعمي اهللا عليهم السبيل فأدرآوا، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، جزاء ) ن مسكواجعلها عليهم أضيق م . وقصاصا بما فعلوا، ثم ترآوا في ناحية الحرة حتى ماتوا ، وحديثهم في الصحيح عن أنس

أنه ذهب إلى . هـ 6نة ويذآر أهل السير بعد ذلك سرية عمرو بن أمية الضمري مع سلمة بن أبي سلمة، في شوال سمكة الغتيال أبي سفيان ؛ ألن أبا سفيان آان أرسل أعرابيا الغتيال النبي صلى اهللا عليه وسلم، بيد أن المبعوثين لم

إن عمرا أخذ جثة : ويذآرون أن عمرا قتل في الطريق ثالثة رجال، ويقولون . ينجحا في االغتيال، الهذا، وال ذاكهذا السفر، والمعروف أن خبيبا استشهد بعد الرجيع بأيام أو أشهر، ووقعة الرجيع آانت في صفر الشهيد خبيب في

هـ، فال أدري هل اختلط السفران على أهل السير، أو آان األمران في سفر واحد في السنة الرابعة، وقد أنكر 4سنة . واهللا أعلم . العالمة المنصورفوري أن تكون هذه السرية سرية حرب أو مناوشة

هذه هي السرايا والغزوات بعد األحزاب، وبني قريظة، لم يجر في واحدة منها قتال مرير، وإنما وقعت فيما وقعت مصادمة خفيفة، فليست هذه البعوث إال دوريات استطالعية، أو تحرآات تأديبية ؛ إلرهاب األعراب واألعداء الذين

ل في الظروف أن مجري األيام آان قد أخذ في التطور بعد غزوة األحزاب، وأن ويظهر بعد التأم . لم يستكينوا بعدأعداء اإلسالم آانت معنوياتهم في انهيار متواصل، ولم يكن بقي لهم أمل في نجاح آسر الدعوة اإلسالمية وخضد

اإلسالم، والتسجيل على شوآتها، إال أن هذا التطور ظهر جليا بصلح الحديبية، فلم تكن الهدنة إال االعتراف بقوة . بقائها في ربوع الجزيرة العربية

هـ 6عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة

سبب عمرة الحديبية استنفار المسلمين

يتحرآون إلى مكة المسلمون البيت محاولة قريش صد المسلمين عن

الدامي تبديل الطريق ومحاولة اجتناب اللقاء عليه وسلم وقريش بديل يتوسط بين رسول اهللا صلى اهللا

رسل قريش هو الذي آف أيديهم عنكم

عفان سفيرا إلى قريش عثمان بن

الرضوان إشاعة مقتل عثمان وبيعة إبرام الصلح وبنوده

رد أبي جندل والحلق للحل عن العمرة النحر

المهاجرات اإلباء عن رد ماذا يتمخض عن بنود المعاهدة

وسلم لمين ومناقشة عمر النبي صلى اهللا عليهحزن المس انحلت أزمة المستضعفين إسالم أبطال من قريش

عمرة الحديبية سبب

ولما تطورت الظروف في الجزيزة العربية إلى حد آبير لصالح المسلمين، أخذت طالئع الفتح األعظم ونجاح الدعوة اإلسالمية تبدو شيئا فشيئا، وبدأت التمهيدات إلقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي آان قد

. امصد عنه المشرآون منذ ستة أعو

أري رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلو مكة

. عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر

استنفار المسلمين

واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه، فأبطأ آثير من األعراب، أما هو فغسل ثيابه، ورآب ناقته هـ، 6وخرج منها يوم اإلثنين غرة ذي القعدة سنة . القصواء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أو نميلة الليثي

: ألف وخمسمائة، ولم يخرج معه بسالح، إال سالح المسافر : مة، في ألف وأربعمائة، ويقالومعه زوجته أم سل . السيوف في القرب

المسلمون يتحرآون إلى مكة

وتحرك في اتجاه مكة، فلما آان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة؛ ليأمن الناس من حربه، وبعث بين إني ترآت آعب بن لؤي قد : ينا له من خزاعة يخبره عن قريش، حتى إذا آان قريبا من عسفان أتاه عينه، فقاليديه ع

جمعوا لك األحابيش ، وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، واستشار النبي صلى اهللا عليه وسلم فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن ؟ أعانوهم فنصيبهم أترون نميل إلى ذراري هؤالء الذين ( : أصحابه، وقال

اهللا ورسوله أعلم، إنما : فقال أبو بكر ) ؟ نجوا يكن عنق قطعها اهللا، أم تريدون أن نؤم هذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه : صلى اهللا عليه وسلم جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي

. ، فراحوا ) فروحوا (

محاولة قريش صد المسلمين عن البيت

وآانت قريش لما سمعت بخروج النبي صلى اهللا عليه وسلم عقدت مجلسا استشاريا قررت فيه صد المسلمين عن ل إليه رجل من بني آعب أن البيت آيفما يمكن، فبعد أن أعرض رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عن األحابيش، نق

قريشا نازلة بذي طوي، وأن مائتي فارس في قيادة خالد بن الوليد مرابطة بكراع الغميم في الطريق الرئيسي الذي ورأي خالد المسلمين في . وقد حاول خالد صد المسلمين، فقام بفرسانه إزاءهم يتراءي الجيشان . يوصل إلى مكة

لقد آانوا على غرة، لو آنا حملنا عليهم ألصبنا منهم، ثم قرر أن يميل على : ويسجدون، فقالصالة الظهر يرآعون . المسلمين ـ وهم في صالة العصر ـ ميلة واحدة، ولكن اهللا أنزل حكم صالة الخوف، ففاتت الفرصة خالدا

تبديل الطريق ومحاولة اجتناب اللقاء الدامي

ليه وسلم طريقا وعرا بين شعاب، وسلك بهم ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق وأخذ رسول اهللا صلى اهللا عتخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة، وترك الطريق الرئيسي الذي يفضي إلى الحرم مارا بالتنعيم،

. قه انطلق يرآض نذيرا لقريشترآه إلى اليسار، فلما رأي خالد قترة الجيش اإلسالمي قد خالفوا عن طري

: حل حل، فألحت ، فقالوا : وسار رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حتى إذا آان بثنية المرار برآت راحلته، فقال الناس، ) ما خألت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ( : خألت القصواء، فقال النبي صلى اهللا عليه وسلم

، ثم زجرها فوثبت به، فعدل ) والذي نفسي بيده ال يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اهللا إال أعطيتهم إياها ( : ثم قالفشكوا إلى رسول . حتى نزل بأقصي الحديبية، على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث أن نزحوه

فانتزع سهما من آنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فواهللا ما زال يجيش لهم بالري اهللا صلى اهللا عليه وسلم العطش، . حتى صدروا

بديل يتوسط بين رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وقريش

ولما اطمأن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وآانت خزاعة عيبة إني ترآت آعب ابن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، : صح لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من أهل تهامة، فقالن

إنا لم نجئ لقتال أحد، ( : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . معهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيتقد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا

شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإال فقد جموا ، وإن هم أبوا إال القتال فوالذي نفسي بيده ألقاتلنهم على . ) أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن اهللا أمره

إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قوال، فإن : سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتي قريشا، فقال : قال بديل . شئتم عرضته عليكم

سمعته يقول آذا وآذا، : قال . هات ما سمعته : وقال ذوو الرأي منهم . ال حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء : فقال سفهاؤهمهذا رجل غادر، فلما جاء وتكلم قال له : ز بن حفص، فلما رآه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قالفبعثت قريش مكر

. مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم

رسل قريش

اهللا عليه وسلم ائته، فلما أشرف على النبي صلى : فقالوا . دعوني آته : ثم قال رجل من آنانة ـ اسمه الحليس بن علقمة، فبعثوها له، ) هذا فالن، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها ( : وأصحابه قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

سبحان اهللا ما ينبغي لهؤالء أن يصدوا عن البيت، فرجع إلى أصحابه، : قال . واستقبله القوم يلبون، فلما رأي ذلك . ت وأشعرت، وما أري أن يصدوا، وجري بينه وبين قريش آالم أحفظهرأيت البدن قد قلد : فقال

إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته، فأتاه، فجعل يكلمه، فقال له : فقال عروة بن مسعود الثقفيلو استأصلت قومك، هل أي محمد أرأيت : فقال له عروة عند ذلك . النبي صلى اهللا عليه وسلم نحوا من قوله لبديل

سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن األخري فواهللا إني ال أري وجوها، وإني أري أوباشا من الناس

أما : أبو بكر، قال : قالوا ؟ من ذا : قال ؟ امصص بظر الالت، أنحن نفر عنه : خليقا أن يفروا ويدعوك، قال له أبو بكروجعل يكلم النبي صلى اهللا عليه وسلم، وآلما آلمه أخذ . ده لوال يد آانت عندي لم أجزك بها ألجبتكوالذي نفسي بي

بلحيته، والمغيرة بن شعبة عند رأس النبي صلى اهللا عليه وسلم، ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوي عروة إلى أخر يدك عن لحية رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، : قاللحية النبي صلى اهللا عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، و

وآان المغيرة ؟ أي عذر، أو لست أسعي في غدرتك : المغيرة بن شعبة، فقال : قالوا ؟ من ذا : فرفع عروة رأسه، وقالأما اإلسالم فأقبل، ( : ه وسلمصحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبـي صلى اهللا علي

. ) وآان المغيرة ابن أخي عروة ( ) وأما المال فلست منـه فـي شيء

أي قوم، : ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وتعظيمهم له، فرجع إلى أصحابه، فقالهللا ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب واهللا لقد وفدت على الملوك، على قيصر وآسري والنجاشي، وا

محمد محمدا، واهللا إن تنخم نخامة إال وقعت في آف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وقد وإذا توضأ آادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له،

. عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها

هو الذي آف أيديهم عنكم

ولما رأي شباب قريش الطائشون، الطامحون إلى الحرب، رغبة زعمائهم في الصلح فكروا في خطة تحول بينهم وفعال قد وبين الصلح، فقرروا أن يخرجوا ليال، ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثا تشعل نار الحرب،

قاموا بتنفيذ هذا القرار، فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليال فهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر . المسلمين، غير أن محمد بن مسلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعا

وهو الذي آف { : ك أنزل اهللاورغبة فـــي الصلــح أطلـق سراحهم النبي صلى اهللا عليه وسلم وعفا عنـهم، وفي ذل ] 24 : الفتح [ } أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفرآم عليهم

عثمان بن عفان سفيرا إلى قريش

لدي قريش موقفه وهدفه من هذا السفر، فدعا عمر وحينئذ أراد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن يبعث سفيرا يؤآديا رسول اهللا، ليس لي أحد بمكة من بني عدي بن آعب يغضب لي إن : بن الخطاب ليرسله إليهم، فاعتذر قائال

أخبرهم أنا : أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت، فدعاه، وأرسله إلى قريش، وقالت لقتال، وإنما جئنا عمارا، وادعهم إلى اإلسالم، وأمره أن يأتي رجاال بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيبشرهم لم نأ

. بالفتح، ويخبرهم أن اهللا عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى ال يستخفي فيها أحد باإليمان

بعثني رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بكذا وآذا، : فقال ؟ أين تريد : فانطلق عثمان حتى مر على قريش ببلدح، فقالواقد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك، وقام إليه أبان ابن سعيد بن العاص، فرحب به ثم أسرج فرسه، فحمل عثمان : قالوا

على الفرس، وأجاره وأردفه حتى جاء مكة، وبلغ الرسالة إلى زعماء قريش، فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف . ، فرفض هذا العرض، وأبي أن يطوف حتى يطوف رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمبالبيت

إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان

واحتبسته قريش عندها ـ ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن، ويبرموا أمرهم، ثم يردوا عثمان فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه بجواب ما جاء به من الرسالة ـ وطال االحتباس،

، ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على أال يفروا، ) ال نبرح حتى نناجز القوم ( : وسلم لما بلغته اإلشاعة

وع على الموت ثالث مرات، في وبايعته جماعة على الموت، وأول من بايعه أبو سنان األسدي، وبايعه سلمة بن األآولما تمت . ) هذه عن عثمان ( : أول الناس ووسطهم وآخرهم، وأخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بيد نفسه وقال . جد بن قيس : البيعة جاء عثمان فبايعه، ولم يتخلف عن هذه البيعة إال رجل من المنافقين يقال له

عليه وسلم هذه البيعة تحت شجرة، وآان عمر آخذا بيده، ومعقل بن يسار آخذا بغصن أخذ رسول اهللا صلى اهللالقد رضي الله عن { : الشجرة يرفعه عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل اهللا فيها

] 18 : الفتح [ اآلية } المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة

إبرام الصلح وبنوده

وعرفت قريش ضيق الموقف، فأسرعت إلى بعث سهيل بن عمرو لعقد الصلح، وأآدت له أال يكون في الصلح إال أن قد سهل ( : قال \يرجع عنا عامه هذا، ال تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه

: ، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فجاء سهيل فتكلم طويال، ثم اتفقا على قواعد الصلح، وهي هذه ) لكم أمرآم

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يرجع من عامه، فال يدخل مكة، وإذا آان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها . 1 . لسيوف في القرب، وال يتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرضثالثا، معهم سالح الراآب، ا

. وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض . 2

من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر . 3أي الفريقين جزءا من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدوانا القبيلة التي تنضم إلى

. على ذلك الفريق

من أتي محمدا من قريش من غير إذن وليه ـ أي هاربا منهم ـ رده عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد ـ أي . 4 . هاربا منه ـ لم يرد عليه

؟ أما الرحمن فواهللا ال ندري ما هو : فقال سهيل ) بسم اهللا الرحمن الرحيم ( : الكتاب، فأملي عليهثم دعا عليا ليكتب فقال ) هذا ما صالح عليه محمد رسول اهللا ( : ثم أملي . فأمر النبي صلى اهللا عليه وسلم بذلك . باسمك اللهم : ولكن اآتب

إني رسول ( : محمد بن عبد اهللا فقال : ناك عن البيت، وال قاتلناك، ولكن اآتبلو نعلم أنك رسول اهللا ما صدد : سهيل . محمد بن عبد اهللا، ويمحو لفظ رسول اهللا، فأبي على أن يمحو هذا اللفظ : ، وأمر عليا أن يكتب ) اهللا وإن آذبتموني

دخلت خزاعة في عهد رسول اهللا صلى اهللا فمحاه صلى اهللا عليه وسلم بيده، ثم تمت آتابة الصحيفة، ولما تم الصلحعليه وسلم ـ وآانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب، آما قدمنا في أوائل الكتاب، فكان دخولهم في هذا العهد

. تأآيدا لذلك الحلف القديم ـ ودخلت بنو بكر في عهد قريش

رد أبي جندل

سهيل يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمي بنفسه بين ظهور وبينما الكتاب يكتب إذ جاء أبو جندل بنإنا لم نقض الكتاب ( : هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده فقال النبي صلى اهللا عليه وسلم : المسلمين، فقال سهيل

. ) بعد

: قال . ما أنا بمجيزه لك : قال . ) فأجزه لي ( : عليه وسلمفقال النبي صلى اهللا . فواهللا إذا ال أقاضيك على شيء أبدا : فقالوقد ضرب سهيل أبا جندل في وجهه، وأخذ بتالبيبه وجره ؛ ليرده إلى المشرآين، . ما أنا بفاعل : ، قال ) بلى فافعل (

فقال رسول اهللا ؟ ديني يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشرآين يفتنوني في : وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوتهيا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن اهللا جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، ( : صلى اهللا عليه وسلم

. ) إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهد اهللا فال نغدر بهم

اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشرآون، : أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول فوثب عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه معرجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضن الرجل : وإنما دم أحدهم دم آلب، ويدني قائم السيف منه، يقول عمر

. بأبيه، ونفذت القضية

النحر والحلق للحل عن العمرة

، فواهللا ما قام منهم أحد حتى قال ) قوموا فانحروا ( : ى اهللا عليه وسلم من قضية الكتاب قالولما فرغ رسول اهللا صليا رسول اهللا، أتحب : ثالث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذآر لها ما لقي من الناس، فقالت

القك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل اخرج، ثم ال تكلم أحدا آلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو ح ؟ ذلكذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأي الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى آاد بعضهم

ال آان يقتل بعضا غما، وآانوا نحروا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ونحر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم جمألبي جهل، آان في أنفه برة من فضة، ليغيظ به المشرآين، ودعا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم للمحلقين ثالثا

وفي هذا السفر أنزل اهللا فدية األذي لمن حلق رأسه، بالصيام، أو الصدقة، أو النسك، في . بالمغفرة وللمقصرين مرة . شأن آعب بن عجرة

ن رد المهاجراتاإلباء ع

ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية، فرفض طلبهم هذا ؛ بدليل أن ) وعلى أنه ال يأتيك منا رجل، وإن آان على دينك إال رددته علينا ( : الكلمة التي آتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي

يا أيها الذين آمنوا إذا جاءآم المؤمنات مهاجرات { : وأنزل اهللا في ذلك . العقد رأسا، فلم تدخل النساء في : فكان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يمتحنهن بقوله تعالى ] 10 : الممتحنة [ } بعصم الكوافر { ، حتى بلغ } فامتحنوهن

: ، فمن أقرت بهذه الشروط قال لها ] 12 : الممتحنة [ إلخ } . . . ا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشرآن بالله شيئاإذ { . ، ثم لم يكن يردهن ) قد بايعتك (

آانتا له في الشرك، تزوج بإحداهما فطلق عمر يومئذ امرأتين . وطلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم . معاوية، وباألخري صفوان بن أمية

ماذا يتمخض عن بنود المعاهدة

هذا هو صلح الحديبية، ومن سبر أغوار بنوده مع خلفياته ال يشك أنه فتح عظيم للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف تنتظر أن تشهد يوما ما نهايتهم، وآانت تحاول بأقصي بالمسلمين أي اعتراف، بل آانت تهـدف استئصـال شأفتهم، و

قوتها الحيلولة بين الدعوة اإلسالمية وبين الناس، بصفتها ممثلة الزعامة الدينية والصدارة الدنيوية في جزيرة دل العرب، ومجرد الجنوح إلى الصلح اعتراف بقوة المسلمين، وأن قريشا ال تقدر على مقاومتهم، ثم البند الثالث ي

بفحواه على أن قريشا نسيت صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية، وأنها التهمها اآلن إال نفسها، أما سائر الناس وبقية . جزيرة العرب فلو دخلت في اإلسالم بأجمعها، فاليهم ذلك قريشا، وال تتدخل في ذلك بأي نوع من أنواع التدخل

إن الحروب الدامية التي جرت بين ؟ وفتحا مبينا بالنسبة إلى المسلمين ؟ شأليس هذا فشال ذريعا بالنسبة إلى قريالمسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها ـ بالنسبة إلى المسلمين ـ مصادرة األموال وإبادة األرواح، وإفناء الناس، أو

ن من هذه الحروب هو الحــرية الكاملة إآراه العدو على اعتناق اإلسالم، وإنما آان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلموال يحول بينهم وبين ما يريدون أي . ] 29 : الكهف [ }فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر { للناس فـي العــقيدة والــدين

وب مع الفتح قوة من القوات، وقدحصل هذا الهدف بجميع أجزائه ولوازمه، وبطريق ربما ال يحصل بمثله في الحرالمبين، وقد آسب المسلمون ألجل هذه الحرية نجاحا آبيرا في الدعوة، فبينما آان عدد المسلمين ال يزيد على ثالثة

. آالف قبل الهدنة صار عدد الجيش اإلسالمي في سنتين عند فتح مكة عشرة آالف

كونوا بادئين بالحروب، وإنما بدأتها قريش، يقول اهللا أما البند الثاني فهو جزء ثان لهذا الفتح المبين، فالمسلمون لم ي، أما المسلمون فلم يكن المقصود من دورياتهم العسكرية إال أن تفيق ] 13 : التوبة [ } وهم بدؤوآم أول مرة { : تعالى

عمل على شاآلته، فالعقد قريش عن غطرستها وصدها عن سبيل اهللا، وتعمل معهم بالمساواة، آل من الفريقين ي . بوضع الحرب عشر سنين حد لهذه الغطرسة والصد، ودليل على فشل من بدأ بالحرب وعلى ضعفه وانهياره

أما البند األول فهو حد لصد قريش عن المسجد الحرام، فهو أيضا فشل لقريش، وليس فيه ما يشفي قريشا سوي أنها . نجحت في الصد لذلك العام الواحد فقط

أعطت قريش هذه الخالل الثالث للمسلمين، وحصلت بإزائها خلة واحدة فقط، وهي ما في البند الرابــع، ولـكن تلك الخلة تافهة جدا، ليس فيها شيء يضر بالمسلمين، فمعلوم أن المسلم ما دام مسلما ال يفر عن اهللا ورسوله، وعن مدينة

م ظاهرا أو باطنا، فإذا ارتد فال حاجة إليه للمسلمين، وانفصاله من المجتمع اإلسالم، وال يفر إال إذا ارتد عن اإلسالإنه من ذهب منا إليهم فأبعده ( : اإلسالمي خير من بقائه فيه، وهذا الذي أشار إليه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بقوله

نة سبيل لكن أرض اهللا واسعة، ألم تكن الحبشة وأما من أسلم من أهل مكة فهو وإن لم يبق للجوئه إلى المدي . ) اهللاومن جاءنا ( : وهذا الذي أشار إليه النبي بقوله ؟ واسعة للمسلمين حينما لم يكن يعرف أهل المدينة عن اإلسالم شيئا

. ) منهم سيجعل اهللا له فرجا ومخرجا

في الحقيقة ينبئ عن شدة انزعاج قريش وهلعهم واألخذ بمثل هذا االحتفاظ، وإن آان مظهر االعتزاز لقريش، لكنه وخورهم، وعن شدة خوفهم على آيانهم الوثني، وآأنهم آانوا قد أحسوا أن آيانهم اليوم على شفا جرف هار ال بد له

وما سمح به النبي صلى اهللا عليه وسلم من أنه ال يسترد من فر إلى قريش من . من األخذ بمثل هذا االحتفاظلمين، فليس هذا إال دليال على أنه يعتمد على تثبيت آيانه وقوته آمال االعتماد، وال يخاف عليه من مثل هذا المس

. الشرط

حزن المسلمين ومناقشة عمر النبي صلى اهللا عليه وسلم

. هذه هي حقيقة بنود هذ الصلح، لكن هناك ظاهرتان عمت ألجلهما المسلمين آآبة وحزن شديد

؟ أنه آان قد أخبرهم أنا سنأتي البيت فنطوف به، فما له يرجع ولم يطف به : األولي

أنه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وعلى الحق، واهللا وعد إظهار دينه، فما له قبل ضغط قريش، وأعطي : الثانية ؟ الدنية في الصلح

ظنون، وصارت مشاعر المسلمين ألجلهما جريحة، آانت هاتان الظاهرتان مثار الريب والشكوك والوساوس والولعل أعظمهم حزنا آان عمر بن الخطاب، فقد جاء . بحيث غلب الهم والحزن على التفكير في عواقب بنود الصلح

قتالنا في أليس : قـال . ) بلى ( : قـال ؟ يا رسول اهللا، ألسنا على حق وهم على باطل : إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم وقاليا ابن ( : قال ؟ ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم اهللا بيننا وبينهم : قال . ) بلي ( : قال ؟ الجنة وقتالهم في النار

أوليس آنت تحدثنا أنا سنأتي البيت : قال . ) الخطاب، إني رسول اهللا ولست أعصيه، وهو ناصري ولن يضيعني أبدا . ) فإنك آتيه ومطوف به ( : قال . ال : قال ) ؟ بلي، فأخبرتك أنا نأتيه العام ( : قال ؟ به فنطوف

ثم انطلق عمر متغيظا فأتي أبا بكر، فقال له آما قال لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ورد عليه أبو بكر، آما رد . استمسك بغرزه حتى تموت، فواهللا إنه لعلى الحقف : عليه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم سواء، وزاد

يا رسول : فقال . ، فأرسل رسول اهللا إلى عمر فأقرأه إياه ] 1 : سورة الفتح [ إلخ } . . . إنا فتحنا لك فتحا مبينا { : ثم نزلت . فطابت نفسه ورجع . ) نعم ( : قال ؟ اهللا، أو فتح هو

فعملت لذلك أعماال، مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من : ثم ندم عمر على ما فرط منه ندما شديدا، قال عمر . الذي صنعت يومئذ، مخافة آالمي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيرا

انحلت أزمة المستضعفين

أن بها، انفلت رجل من المسلمين، ممن آان يعذب في ولما رجع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى المدينة، واطم : مكة، وهو أبو بصير، رجل من ثقيف حليف لقريش، فأرسلوا في طلبه رجلين، وقالوا للنبي صلى اهللا عليه وسلم

ا يأآلون من فدفعه النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلو . العهد الذي جعلت لناأجل، واهللا إنه : واهللا إني ألري سيفك هذا يا فالن جيدا، فاستله اآلخر فقال : تمر لهم، فقال أبو بصير ألحد الرجلين

. أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد : فقال أبو بصير . لجيد، لقد جربت به ثم جربت

لقد رأى هذا ( : دخل المسجد يعدو، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حين رآهوفر اآلخر حتى أتي المدينة، فيا نبي اهللا، : قتل صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير وقال : ، فلما انتهي إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم قال ) ذعرا

ويل أمه، مسعر ( : هم، قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمقد واهللا أوفي اهللا ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني اهللا من، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتي سيف البحر، وينفلت منهم أبو جندل بن ) حرب لو آان له أحد

. هم عصابةسهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل ال يخرج من قريش رجل قد أسلم إال لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منفأرسلت قريش إلى . فو اهللا ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إال اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم

النبي صلى اهللا عليه وسلم تناشده اهللا والرحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى اهللا عليه وسلم إليهم، . فقدموا عليه المدينة

أبطال من قريشإسالم

من الهجرة بعد هذا الصلح أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، ولما حضروا عند 7وفي سنة . ) إن مكـة قد ألقت إلينا أفالذ آبدها ( : النبـي صلى اهللا عليه وسلم قـال

طور جديد : المرحلة الثانية

مكاتبة الملوك واألمراء الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة

اب إلى المقوقس ملك مصرالكت الكتاب إلى آسرى ملك فارس الكتاب إلى قيصر ملك الروم الكتاب إلى المنذر بن ساوي

الكتاب إلى هوذة بن على صاحب اليمامة الكتاب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق

الكتاب إلى ملك عمان

ة وأعندها وألدها في إن صلح الحديبية آان بداية طور جديد في حياة اإلسالم والمسلمين، فقد آانت قريش أقوي قوعداء اإلسالم، وبانسحابها عن ميدان الحرب إلى رحاب األمن والسالم انكسر أقوي جناح من أجنحة األحزاب الثالثة ـ قريش وغطفان واليهود ـ ولما آانت قريش ممثلة للوثنية، وزعيمتهم في ربوع جزيرة العرب انخفضت حدة مشاعر

دائية إلى حد آبير، ولذلك ال نري لغطفان استفزازا آبيرا بعد هذه الهدنة، وجل ما جاء الوثنيين، وانهارت نزعاتها الع . منهم إنما جاء من قبل إغراء اليهود

أما اليهود فكانوا قد جعلوا خيبر بعد جالئهم عن يثرب وآرا للدس والتآمر، وآانت شياطينهم تبيض هناك وتفرخ، لضاربة حول المدينة، وتبيت للقضاء على النبي صلى اهللا عليه وسلم وتؤجج نار الفتنة، وتغري األعراب ا

والمسلمين، أو إللحاق الخسائر الفادحة بهم، ولذلك آان أول إقدام حاسم من النبي صلى اهللا عليه وسلم بعد هذا الصلح . هو شن الحرب الفاصلة على هذا الوآر

لمين فرصة آبيرة لنشر الدعوة اإلسالمية وإبالغها، وقد ثم إن هذه المرحلة التي بدأت بعد الصلح أعطت المستضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال، وبرز نشاطهم في هذا الوجه على نشاطهم العسكري ؛ ولذلك نري أن نقسم

: هذه المرحلة إلى قسمين

. ـ النشاط في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك واألمراء 1

. ـ النشاط العسكري 2

وقبل أن نتابع النشاط العسكري في هذه المرحلة، نتناول موضوع مكاتبة الملوك واألمراء ؛ إذ الدعوة اإلسالمية هي المقدمة طبعا، بل ذلك هو الهدف الذي عاني له المسلمون ما عانوه من المصائب واآلالم، والحروب والفتن، والقالقل

. واالضطرابات

مكاتبة الملوك واألمراء

في أواخر السنة السادسة حين رجع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من الحديبية آتب إلى الملوك يدعوهم إلى . اإلسالم

إنهم ال يقرءون آتابا إال وعليه خاتم، فاتخذ النبي صلى اهللا عليه وسلم : ولما أراد أن يكتب إلى هؤالء الملوك قيل لهمحمد سطر، ورسول : اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وآان هذا النقش ثالثة أسطرمحمد رسول : خاتما من فضة، نقشه

. سطر، واهللا سطر، هــكذا

واختار من أصحابه رسال لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك، وقد جزم العالمة المنصورفوري أن النبي صلى وفيما يلي نصوص . رة قبل الخروج إلى خيبر بأياماهللا عليه وسلم أرسل هؤالء الرسل غرة المحرم سنة سبع من الهج

. هذه الكتب، وبعض ما تمخضت عنه

: ـ الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة 1

وهذا النجاشي اسمه أصحمة بن األبجر، آتب إليه النبي صلى اهللا عليه وسلم مع عمرو بن أمية الضمري في آخر وقد ذآر الطبري نص الكتاب، ولكن النظر الدقيق في ذلك النص، يفيد . ن الهجرةسنة ست أو في المحرم سنة سبع م

أنه ليس بنص الكتاب الذي آتبه صلى اهللا عليه وسلم بعد الحديبية، بل لعله نص آتاب بعثه مع جعفر حين خرج هو وقد ( : جرين بهذا اللفظوأصحابه مهاجرين إلى الحبشة في العهد المكي، فقد ورد في آخر الكتاب ذآر هؤالء المها

. ) بعثت إليكم ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر

: وروي البيهقي عن ابن إسحاق نص آتاب آتبه النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى النجاشي، وهو هذا

ى النجاشي، األصحم عظيم الحبشة، سالم على من اتبع هذا آتاب من محمد رسول اهللا إل . بسم اهللا الرحمن الرحيم ( الهدي، وآمن باهللا ورسوله، وشهد أن ال إله إالاهللا وحده ال شريك له، لم يتخذ صاحبه وال ولدا، وأن محمدا عبده

آلمة سواء بيننا وبينكم أال يا أهل الكتاب تعالوا إلى { ورسوله، وأدعوك بدعاية اإلسالم، فإني أنا رسوله فأسلم تسلم، فإن } وا فقولوا اشهدوا بأنا مسلموننعبد إال الله وال نشرك به شيئا وال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تول

. ) مكأبيت فعليك إثم النصارى من قو

وقد أورد المحقق الكبير الدآتور حميد اهللا ـ باريس ـ نص آتاب قد عثر عليه في الماضي القريب ـ بمثل ما أورده ابن القيم مع االختالف في آلمة فقط ـ وبذل الدآتور في تحقيق ذلك النص جهدا بليغا، واستعان في ذلك آثيرا باآتشافات

: الكتاب وهو هكذاالعصر الحديث، وأورد صورته في

: من محمد رسول اهللا إلى النجاشي عظيم الحبشة، سالم على من اتبع الهدى، أما بعد . بسم اهللا الرحمن الرحيم (

فإني أحمد إليك اهللا الذي ال إله إال هو الملك القدوس السالم المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسي بن مريم روح اهللا البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسي من روحه ونفخه، آما خلق آدم بيده، وإني أدعو إلى وآلمته ألقاها إلى مريم

اهللا وحده ال شريك له، والمواالة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول اهللا صلى اهللا عليه . ) والسالم على من اتبع الهدى وسلم، وإني أدعوك وجنودك إلى اهللا عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبل نصيحتى،

وأآد الدآتور المحترم أن هذا هو نص الكتاب الذي آتبه النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى النجاشي بعد الحديبية، أما صحة هذا النص فال شك فيها بعد النظر في الدالئل، وأما أن هذا الكتاب هو الذي آتب بعد الحديبية فال دليل عليه،

البيهقي عن ابن إسحاق أشبه بالكتب التي آتبها النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى ملوك وأمراء النصاري والذي أوردإلخ، آما آان دأبه في تلك الكتب، وقد ورد } . . . يا أهل الكتاب تعالوا إلى آلمة { : بعد الحديبية، فإن فيه اآلية الكريمة

يحا، وأما النص الذي أورده الدآتور حميد اهللا، فاألغلب عندي أنه نص الكتاب الذي آتبه النبي فيه اسم األصحمة صر . صلى اهللا عليه وسلم بعد موت أصحمة إلى خليفته، ولعل هذا هو السبب في ترك االسم

والعجب من . وهذا الترتيب ليس عندي عليه دليل قطعي سوي الشهادات الداخلية التي تؤديها نصوص هذه الكتبالدآتور حميد اهللا أنه جزم بأن النص الذي أورده البيهقي عن ابن عباس هو نص الكتاب الذي آتبه النبي صلى اهللا

. عليه وسلم بعد موت أصحمة إلى خليفته مع أن اسم أصحمة وارد في هذا النص صريحا، والعلم عند اهللا

اهللا عليه وسلم إلى النجاشي أخذه النجاشي، ووضعه على عينه، ولما بلغ عمرو بن أمية الضمري آتاب النبي صلى ونزل عن سريره على األرض، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب، وآتب إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم بذلك،

: وهاك نصه

اهللا ورحمة اهللا إلى محمد رسول اهللا من النجاشي أصحمة، سالم عليك يا نبي اهللا من . بسم اهللا الرحمن الرحيم [ : وبرآاته، اهللا الذي ال إله إال هو، أما بعد

فقد بلغني آتابك يا رسول اهللا فيما ذآرت من أمر عيسي، فورب السماء واألرض إن عيسي ال يزيد على ما ذآرت اهللا صادقا تفروقا، إنه آما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابك، فأشهد أنك رسول

. ) مصدقا، وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه هللا رب العالمين

وآان النبي صلى اهللا عليه وسلم قد طلب من النجاشي أن يرسل جعفرا ومن معه من مهاجري الحبشة، فأرسلهم في . وهو بخيبر سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فقدم بهم على النبي صلى اهللا عليه وسلم

وتوفي النجاشي هذا في رجب سنة تسع من الهجرة بعد تبوك، ونعاه النبي صلى اهللا عليه وسلم يوم وفاته، وصلي عليه صالة الغائب، ولما مات وتخلف على عرشه ملك آخر آتب إليه النبي صلى اهللا عليه وسلم آتابا آخر، وال يدري

. ؟ هل أسلم أم ال

: المقوقس ملك مصر ـ الكتاب إلى 2

: وآتــب النبــي صلى اهللا عليه وسلم إلى جريج بـن متي الملقب بالمقوقس ملك مصر واإلسكندرية

بسم اهللا الرحمن الرحيم من محمد عبد اهللا ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سالم على من اتبع الهدى، أما بعد، ( يا أهل { أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اهللا أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبــط، فإني أدعوك بدعاية اإلسالم،

با من دون الله وال يتخذ بعضنا بعضا أربا الكتاب تعالوا إلى آلمة سواء بيننا وبينكم أال نعبد إال الله وال نشرك به شيئا ) } فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون

إنه آان قبلك رجل يزعم أنه : فلما دخل حاطب على المقوقس قال له . واختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بلتعة . م انتقم منه، فاعتبر بغيرك، وال يعتبر غيرك بكالرب األعلى، فأخذه اهللا نكال اآلخرة واألولى، فانتقم به ث

. إن لنا دينا لن ندعه إال لما هو خير منه : فقال المقوقس

ندعوك إلى دين اإلسالم الكافي به اهللا فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، : فقال حاطبري، ولعمري ما بشارة موسي بعيسي إال آبشارة عيسي بمحمد، وما دعاؤنا وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصا

إياك إلى القرآن إال آدعائك أهل التوراة إلى اإلنجيل، فكل نبي أدرك قوما فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت . ممن أدرآه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به

وال ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده . إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته ال يأمر بمزهود فيه : فقال المقوقس . بالساحر الضال، وال الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء واإلخبار بالنجوي، وسأنظر

ه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا آاتبا له وأخذ آتاب النبي صلى اهللا عليه وسلم، فجعله في حق من عاج، وختم علي : يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

: لمحمد بن عبد اهللا من المقوقس عظيم القبط، سالم عليك، أما بعد . بسم اهللا الرحمن الرحيم (

بقي، وآنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد فقد قرأت آتابك، وفهمت ما ذآرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا . ) أآرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لترآبها، والسالم عليك

ولم يزد على هذا ولم يسلم، والجاريتان مارية، وسيرين، والبغلة دلدل، بقيت إلى زمن معاوية ، واتخذ النبي صلى اهللا . وأما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت األنصاري . عليه وسلم مارية سرية له، وهي التي ولدت له إبراهيم

: ـ الكتاب إلى آسرى ملك فارس 3

: وآتب النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى آسرى ملك فارس

الم على من اتبع الهدي، وآمن باهللا من محمد رسول اهللا إلى آسرى عظيم فـارس، سـ . بسم اهللا الرحمن الرحيم ( ورسوله، وشهد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية اهللا، فإني أنا رسول

. ) اهللا إلى الناس آافة، لينذر من آان حيا ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك

تار لحمل هذا الكتاب عبد اهللا بن حذافة السهمي، فدفعه السهمي إلى عظيم البحرين، وال ندري هل بعث به عظيم واخالبحرين رجال من رجاالته، أم بعث عبد اهللا السهمي، وأيا ما آان فلما قرئ الكتاب على آسرى مزقه، وقال في

، ) مزق اهللا ملكه ( : لك رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قالعبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذ : غطرسةابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك : وقد آان آما قال، فقد آتب آسرى إلى باذان عامله على اليمن

. آاتبا بكتاب فارسقهرمانه بانويه، وآان حاسبا : فاختار باذان رجلين ممن عنده، أحدهما . جلدين فليأتياني بهخرخسرو من الفرس ، وبعثهما بكتاب إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يأمر أن ينصرف معهما إلى : وثانيهما

آسرى قد آتب ] ملك الملوك [ إن شاهنشاه : آسري، فلما قدما المدينة، وقابال النبي صلى اهللا عليه وسلم، قال أحدهمابأن يبعث إليك من يأتيه بك، وبعثني إليك لتنطلق معي، وقال قوال توعده فيه، فأمرهما النبي إلى الملك باذان يأمره

. صلى اهللا عليه وسلم أن يالقياه غدا

وفي ذلك الوقت آانت قد قامت ثورة آبيرة ضد آسرى من داخل بيته بعد أن القت جنوده هزيمة منكرة أمام جنود ى أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه، وآان ذلك في ليلة الثالثاء لعشر مضين من قيصر، فقد قام شيرويه بن آسرى عل

. جمادي األولي سنة سبع ، وعلم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الخبر من الوحي، فلما غدوا عليه أخبرهما بذلكنعم أخبراه ذلك عني، ( : قال . الملكإنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر، أفنكتب هذا عنك، ونخبره ؟ هل تدري ما تقول : فقاال

إن أسلمت أعطيتك : وينتهي إلى منتهي الخف والحافر، وقوال له ! إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ آسرى : وقوال له، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر، وبعد قليل جاء ) ما تحت يدك، وملكتك على قومك من األبناء

انظر الرجل الذي آان آتب فيه أبي إليك، فال تهجه حتى يأتيك : ب بقتل شيرويه ألبيه، وقال له شيرويه في آتابهآتا . أمري

. وآان ذلك سببا في إسالم باذان ومن معه من أهل فارس باليمن

: ـ الكتاب إلى قيصر ملك الروم 4

به النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى ملك الروم هرقل، وهو روى البخاري ـ ضمن حديث طويل ـ نص الكتاب الذي آت : هذا

من محمد عبد اهللا ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سالم على من اتبع الهدي، أسلم تسلم، . بسم اهللا الرحمن الرحيم ( عالوا إلى آلمة سواء بيننا وبينكم يا أهل الكتاب ت { أسلم يؤتك اهللا أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم األريسيين

) } ن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمونأال نعبد إال الله وال نشرك به شيئا وال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإ . ] 64 : آل عمران [

واختار لحمل هذا الكتاب دحية بن خليفة الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصري، ليدفعه إلى قيصر، وقد روي البخاري عن ابن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في رآب من قريش، آانوا تجارا بالشام،

ه وسلم ماد فيها أبا سفيان وآفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في في المدة التي آان رسول اهللا صلى اهللا عليقال أبو ؟ أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي : مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال

إني سائل : هم عند ظهره، ثم قال لترجمانهأدنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلو : أنا أقربهم نسبا، فقال : فقلت : سفيان . هذا عن هذا الرجل، فإن آذبني فكذبوه، فو اهللا لوال الحياء من أن يأثروا على آذبا لكذبت عليه

فهل قال هذا القول منكم أحد قط : هو فينا ذو نسب، قال : فقلت ؟ آيف نسبه فيكم : أول ما سألني عنه أن قال : ثم قالبل : قلت ؟ فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم : قال . ال : قلت ؟ فهل آان من آبائه من ملك : قال . ال : قلت ؟ قبله

: قلت : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه : قال . بل يزيدون : قلت ؟ أيزيدون أم ينقصون : قال . ضعفاؤهمال، ونحن منه في مدة ال ندري ما : قلت ؟ فهل يغدر : قال . ال : قلت ؟ نه بالكذب قبل أن يقول ما قالفهل تتهمو : قال . ال

فكيف آان : قال . نعم : قلت ؟ فهل قاتلتموه : ولم تمكنني آلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة ـ قال : هو فاعل فيها ـ قالاعبدوا اهللا وحده، وال ( : يقول : قلت ؟ ماذا يأمرآم : قال . ننا وبينه سجال، ينال منا وننال منهالحرب بي : قلت ؟ قتالكم إياه

. ، ويأمرنا بالصالة والصدق والعفاف والصلة ) تشرآوا به شيئا، واترآوا ما يقول آباؤآم

: وسألتك . الرسل تبعث في نسب من قومهاسألتك عن نسبه، فذآرت أنه فيكم ذو نسب، وآذلك : قل له : فقال للترجمانرجل يأتسي بقول قيل : لو آان أحد قال هذا القول قبله لقلت : قلت . فذآرت أن ال ؟ هل قال أحد منكم هذا القول قبله

. طلب ملك أبيهرجل ي : فلو آان من آبائه من ملك قلت : فقلت . فذآرت أن ال ؟ هل آان من آبائه من ملك : وسألتك . قبلهفذآرت أن ال، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ؟ هل آنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال : وسألتك

. فذآرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل ؟ أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم : وسألتك . ويكذب على اهللاأيرتد أحد سخطه لدينه : وسألتك . فذآرت أنهم يزيدون، وآذلك أمر اإليمان حتى يتم ؟ ونأيزيدون أم ينقص : وسألتك

فذآرت أن ال، ؟ هل يغدر : وسألتك . فذآرت أن ال، وآذلك اإليمان حين تخالط بشاشته القلوب ؟ بعد أن يدخل فيهن تعبدوا اهللا، وال تشرآوا به شيئا وينهاآم عن عبادة فذآرت أنه يأمرآم أ ؟ بماذا يأمر : وسألتك . وآذلك الرسل ال تغدر

األوثان، ويأمرآم بالصالة والصدق والعفاف، فإن آان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد آنت أعلم أنه . خارج، ولم أآن أظنه أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو آنت عنده لغسلت عن قدميه

ثم دعا بكتاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فقرأ، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت األصوات عنده وآثر اللغط، لقد أمر أمر ابن أبي آبشة، إنه ليخافه ملك بني األصفر ، فما : فقلت ألصحابي حين أخرجنا : وأمر بنا فأخرجنا، قال

. عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل اهللا على اإلسالم زلت موقنا بأمر رسول اهللا صلى اهللا

هذا ما رآه أبو سفيان من أثر هذا الكتاب على قيصر، وقد آان من أثره عليه أنه أجاز دحية بن خليفة الكلبي، حامل عوها آتاب الرسول صلى اهللا عليه وسلم بمال وآسوة، ولما آان دحية بحسمي في الطريق لقيه ناس من جذام، فقط

عليه، فلم يترآوا معه شيئا، فجاء رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قبل أن يدخل بيته، فأخبره، فبعث رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمي، وهي وراء وادي القري، في خمسمائة رجل، فشن زيد الغارة على جذام،

هم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آالف، والسبي مائة من فقتل فيهم قتال ذريعا، واستاق نعمهم ونساء . النساء والصبيان

وآان بين النبي صلى اهللا عليه وسلم وبين قبيلة جذام موادعة، فأسرع زيد بن رفاعة الجذامي أحد زعماء هذه القبيلة رجال من قومه، ونصروا دحية حين قطع عليه بتقديم االحتجاج إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم، وآان قد أسلم هو و

. الطريق فقبل النبي صلى اهللا عليه وسلم احتجاجه، وأمر برد الغنائم والسبي

وعامة أهل المغازي يذآرون هذه السرية قبل الحديبية، وهو خطأ واضح، فإن بعث الكتـاب إلى قيـصر آـان بعد . ديبية بال شكهذا بعد الح : الحديبية ؛ ولذا قال ابن القيم

: ـ الكتاب إلى المنذر بن ساوي 5

وآتب النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي حاآم البحرين آتابا يدعوه فيه إلى اإلسالم، وبعث إليه العالء : بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب المنذر إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

اهللا، فإني قرأت آتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب اإلسالم وأعجبه، ودخل فيه، ومنهم من أما بعد، يا رسول [ . ] آرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلى في ذلك أمرك

: فكتب إليه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

عليك، فإني أحمد إليك اهللا الذي ال إله إال من محمد رسول اهللا إلى المنذر بن ساوي، سالم . بسم اهللا الرحمن الرحيم ( هو، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد، فإني أذآرك اهللا عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفعتك

، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلم نعزلك عن في قومك . ) ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية . عملك

: ـ الكتاب إلى هوذة بن على صاحب اليمامة 6

: مةوآتب النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى هوذة بن على صاحب اليما

من محمد رسول اهللا إلى هوذة بن علي، سالم على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر . بسم اهللا الرحمن الرحيم ( . ) إلى منتهي الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك

كتاب مختوما أنزله وحياه، وقرأ واختار لحمل هذا الكتاب سليط بن عمرو العامري، فلما قدم سليط على هوذة بهذا الما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، والعرب [ : عليه الكتاب، فرد عليه ردا دون رد، وآتب إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم

. ، وأجاز سليطا بجائزة، وآساه أثوابا من نسج هجر ) تهاب مكاني، فاجعل لي بعض األمر أتبعك

لو سألني قطعة ( : صلى اهللا عليه وسلم فأخبره، وقرأ النبي صلى اهللا عليه وسلم آتابه فقال فقدم بذلك آله على النبيفلما انصرف رسول اهللا من الفتح جاءه جبريل عليه السالم بأن هوذة . ) من األرض ما فعلت، باد، وباد ما في يديه

يا رسول اهللا، : ، فقال قائل ) ج بها آذاب يتنبي، يقتل بعديأما إن اليمامة سيخر ( : مات، فقال النبي صلى اهللا عليه وسلم . ؟ ، فكان آذلك ) أنت وأصحابك ( : فقال ؟ من يقتله

: ـ الكتاب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق 7

: آتب إليه النبي صلى اهللا عليه وسلم

إلى الحارث بن أبي شمر، سالم على من اتبع الهدى، وآمن باهللا من محمد رسول اهللا . بسم اهللا الرحمن الرحيم ( . ) وصدق، وإني أدعوك إلى أن تؤمن باهللا وحده ال شريك له، يبقي لك ملكك

من ينزع ملكي [ : واختار لحمل هذا الكتاب شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة، ولما أبلغه الكتاب رمي به وقالواستأذن قيصر في حرب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فثناه عن عزمه، فأجاز . ، ولم يسلم ] هأنا سائر إلي ؟ مني

. الحارث شجاع بن وهب بالكسوة والنفقة، ورده بالحسني

: ـ الكتاب إلى ملك عمان 8

: ي، ونصهوآتب النبي صلى اهللا عليه وسلم آـتابا إلى ملـك عمان جيفر وأخيه عبد ابني الجلند

: من محمد رسول اهللا إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، سالم على من اتبع الهدي، أما بعد . بسم اهللا الرحمن الرحيم (

فإني أدعوآما بدعاية اإلسالم، أسلما تسلما، فإني رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى الناس آافة، ألنذر من آان حيا فإن ملككما زائل، ] أن تقرا باإلسالم [ ن، فإنكما إن أقررتما باإلسالم وليتكما، وإن أبيتما ويحق القول على الكافري

. ) وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما

فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها : واختار لحمل هذا الكتاب عمرو بن العاص رضي اهللا عنه قال عمروإني رسول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إليك وإلى : وآان أحلم الرجلين، وأسهلهما خلقا ـ فقلتعمدت إلى عبد ـ

أدعو : قلت ؟ وما تدعو إليه : أخي المقدم على بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ آتابك، ثم قال : أخيك، فقاليا عمرو، إنك ابن سيد : قال . شهد أن محمدا عبده ورسولهإلى اهللا وحده ال شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وت

مات ولم يؤمن بمحمد صلى اهللا عليه وسلم، ووددت أنه آان أسلم : قلت . فإن لنا فيه قدوة ؟ قومك فكيف صنع أبوكفسألني أين آان . اقريب : قلت ؟ فمتى تبعته : قال . وصدق به، وقد آنت أنا على مثل رأيه حتى هداني اهللا لإلسالم

: قال . أقروه واتبعوه : فقلت ؟ وآيف صنع قومه بملكه : قال . عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم : قلت ؟ إسالمك . انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب : قال . نعم : قلت ؟ واألساقفة والرهبان تبعوه

فبأي شيء علمت : بلي، قال : قلت . ما أرى هرقل علم بإسالم النجاشي : ما آذبت، وما نستحله في ديننا، ثم قال : قلتال واهللا لو سألني : آان النجاشي يخرج له خرجا، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى اهللا عليه وسلم، قال : قلت ؟ ذلك

أتدع عبدك ال يخرج لك خرجا، ويدين بدين غيرك : وله، فقال له اليناق أخوهدرهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل ق . واهللا لوال الضن بملكي لصنعت آما صنع ؟ رجل رغب في دين، فاختاره لنفسه، ما أصنع به : قال هرقل ؟ دينا محدثا

. واهللا صدقتك : قلت ؟ انظر ما تقول يا عمرو : قال

يأمر بطاعة اهللا عز وجل وينهي عن معصيته، ويأمر بالبر : قلت ؟ رني ما الذي يأمر به وينهي عنهفأخب : قال عبدما : قال . وصلة الرحم، وينهي عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وعن الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب

ؤمن بمحمد صلى اهللا عليه وسلم ونصدق به، ولكن أحسن هذا الذي يدعو إليه، لو آان أخي يتابعني عليه لرآبنا حتى نإنه إن أسلم ملكه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على قومه، فأخذ : قلت . أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا

هللا صلى اهللا فأخبرته بما فرض رسول ا ؟ وما الصدقة . إن هذا لخلق حسن : قال . الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهميا عمرو، وتؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعي : قال . عليه وسلم في الصدقات في األموال، حتى انتهيت إلى اإلبل

. واهللا ما أري قومي في بعد دارهم وآثرة عددهم يطيعون لهذا : نعم، فقال : فقلت ؟ الشجر وترد المياه

لى أخيه فيخبره آل خبري، ثم إنه دعاني يوما فدخلت عليه، فأخذ أعوانه بضبعي فمكثت ببابه أياما، وهو يصل إ : قالتكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب : دعوه، فأرسلت فذهبت ألجلس، فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال : فقال

ه، إال أني رأيت أخاه أرق منه، مختوما، ففض خاتمه، وقرأ حتى انتهي إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءت ؟ ومن معه : قال . تبعوه، إما راغب في الدين، وإما مقهور بالسيف : فقلت ؟ أال تخبرني عن قريش آيف صنعت : قالالناس قد رغبوا في اإلسالم واختاروه على غيره، وعرفوا بعقولهم مع هدي اهللا إياهم أنهم آانوا في ضالل، فما : قلتحدا بقي غيرك في هذه الحرجة، وأنت إن لم تسلم اليوم وتبعته توطئك الخيل وتبيد خضراءك، فأسلم تسلم، أعلم أ

. دعني يومي هذا، وارجع إلى غدا : ويستعملك على قومك، وال تدخل عليك الخيل والرجال، قال

، حتى إذا آان الغد أتيت إليه، فأبي أن يأذن يا عمرو، إني ألرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه : فرجعت إلى أخيه فقالإني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا : فانصرفت إلى أخيه، فأخبرته أني لم أصل إليه، فأوصلني إليه، فقال . لي

. أضعف العرب إن ملكت رجال ما في يدي، وهو التبلغ خيله هاهنا، وإن بلغت خيله لقيت قتاال ليس آقتال من القيما نحن فيما ظهر عليه، وآل من أرسل إليه قد أجابه، : أنا خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي خال به أخوه فقال : قلت

فأصبح فأرسل إلى، فأجاب إلى اإلسالم هو وأخوه جميعا، وصدقا النبي صلى اهللا عليه وسلم، وخليا بيني وبين . ى من خالفنيالصدقة، وبين الحكم فيما بينهم، وآانا لي عونا عل

. وسياق هذه القصة تدل على أن إرسال الكتاب إليهما تأخر آثيرا عن آتب بقية الملوك، واألغلب أنه آان بعد الفتح

وبهذه الكتب آان النبي صلى اهللا عليه وسلم قد أبلغ دعوته إلى أآثر ملوك األرض، فمنهم من آمن به ومنهم من آـفر، فرين، وعرف لديهم باسمه ودينهولكن شغل فكره هؤالء الكا

النشاط العسكري بعد صلح الحديبية

غزوة الغابة أو غزوة ذي قرد ) هـ 7في المحرم سنة (يبر ووادي القري غزوة خ

سرية أبان بن سعيد ة بقية السرايا والغزوات في السنة السابع

غزوة الغابة أو غزوة ذي قرد

. هذه الغزوة حرآــة مطـاردة ضد فصيلة من بني فزارة قامت بعمل القرصنة في لقاح رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

ذآر البخاري في ترجمة باب أنها . وهي أول غزوة غزاها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعد الحديبية، وقبل خيبروذآر الجمهور من أهل المغازي أنها . آانت قبل خيبر بثالث، وروي ذلك مسلم مسندا من حديث سلمة ابن األآوع

. آانت قبل الحديبية، وما في الصحيح أصح مما ذآره أهل المغازي

بظهره مع بعث رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : وخالصة الروايات عن سلمة بن األآوع بطل هذه الغزوة أنه قالغالمه رباح، وأنا معه بفرس أبي طلحة، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على الظهر، فاستاقه أجمع،

يا رباح، خذ هذا الفرس فأبلغه أبا طلحة، وأخبر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ثم قمت على : وقتل راعيه، فقلت : يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول : ثالثاأآمة، واستتقبلت المدينة، فناديت

واليـوم يـوم الرضع ** أنا ابن األآـوع ] خذها [

فو اهللا ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلى فارس جلست في أصل الشجر، ثم رميته فتعفرت به، حتى إذا دخلوا ته، فجعلت أرديهم بالحجارة، فما زلت آذلك أتبعهم حتى ما خلق اهللا تعالى من بعير من ظهر في تضايق الجبل علو

رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إال خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أآثر من آراما من الحجارة، يعرفها رسول اهللا صلى ثالثين بردة، وثالثين رمحا يستخفون، وال يطرحون شيئا إال جعلت عليه

حتى أتوا متضايقا من ثنية، فجلسوا يتغدون، وجلست على رأس قرن، فصعد إلى منهم . اهللا عليه وسلم وأصحابه أنا سلمة بن األآوع، ال أطلب رجال منكم إال أدرآته، وال يطلبني فيدرآني، ؟ هل تعرفونني : أربعة في الجبل، قلت

فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يتخللون الشجر، فإذا أولهم أخرم، . فرجعواوعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن األسود، فالتقي عبد الرحمن وأخرم، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه

عبد الرحمن فطعنه فقتله، وولي القوم مدبرين، فتبعتهم أعدو عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه، ولحق أبو قتادة بذو قرد، ليشربوا منه، وهم عطاش، فأجليتهم : على رجلي، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له

إن القوم يا رسول اهللا، : عنه، فما ذاقوا قطرة منه، ولحقني رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم والخيل عشاء، فقلتملكت . يا بن األآوع ( : عطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما عندهم من السرح، وأخذت بأعناق القوم، فقال

. ) إنهم ليقرون اآلن في غطفان ( : ، ثم قال ) فأسجح

وأعطاني سهمين، سهم . ) نا سلمةخير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالت ( : وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . الراجل وسهم الفارس، وأردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة

. استعمل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على المدينة في هذه الغزوة ابن أم مكتوم، وعقد اللواء للمقداد بن عمرو

)ـ ه 7في المحرم سنة (غزوة خيبر ووادي القري

آانت خيبر مدينة آبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ثمانين ميال من المدينة في جهة الشمال، وهي اآلن قرية في . مناخها بعض الوخامة

سبب الغزوة

ولما اطمأن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من أقوي أجنحة األحزاب الثالثة، وهو قريش، وأمن منه تماما بعد صلح ية أراد أن يحاسب الجناحين الباقيين ـ اليهود وقبائل نجد ـ حتى يتم األمن والسالم، ويسود الهدوء في المنطقة، الحديب

. ويفرغ المسلمون من الصراع الدامي المتواصل إلى تبليغ رسالة اهللا والدعوة إليه

تحرشات وإثارة الحروب، آانت ولما آانت خيبر هي وآرة الدس والتآمر ومرآز االستفزازات العسكرية، ومعدن ال . هي الجديرة بالتفات المسلمين أوال

أما آون خيبر بهذه الصفة، فال ننسي أن أهل خيبر هم الذين حزبوا األحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على وبغطفان وأعراب الغدر والخيانة، ثم أخذوا في االتصاالت بالمنافقين ـ الطابور الخامس في المجتمع اإلسالمي ـ

البادية ـ الجناح الثالث من األحزاب ـ وآانوا هم أنفسهم يتهيأون للقتال، فألقوا المسلمين بإجراءاتهم هذه في محن متوصلة، حتى وضعوا خطة الغتيال النبي صلى اهللا عليه وسلم، وإزاء ذلك اضطر المسلمون إلى بعوث متواصلة،

ل سالم بن أبي الحقيق، وأسير بن زارم، ولكن الواجب على المسلمين إزاء وإلى الفتك برأس هؤالء المتآمرين، مثهؤالء اليهود آان أآبر من ذلك، وإنما أبطأوا في القيام بهذا الواجب ؛ ألن قوة أآبر وأقوي وألد وأعند منهم ـ وهي

لمجرمين، واقترب لهم يوم قريش ـ آانت مجابهة للمسلمين، فلما انتهت هذه المجابهة صفا الجو لمحاسبة هؤالء ا . الحساب

الخروج إلى خيبر

أقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، ثم : قال ابن إسحاق . خرج في بقية المحرم إلى خيبر

} دآم الله مغانم آثيرة تأخذونها فعجل لكم هذهوع { : إن خيبر آانت وعدا وعدها اهللا تعالى بقوله : قال المفسرون . يعني صلح الحديبية، وبالمغانم الكثيرة خيبر ] 20 : الفتح [

عدد الجيش اإلسالمي

ر اهللا تعالى نبيه ولما آان المنافقون وضعفاء اإليمان تخلفوا عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في غزوة الحديبية أمآلام سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا { : صلى اهللا عليه وسلم فيهم قائال

. ] 15 : الفتح [ } فسيقولون بل تحسدوننا بل آانوا لا يفقهون إلا قليلاالله قل لن تتبعونا آذلكم قال الله من قبل

فلما أراد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الخروج إلى خيبر أعلن أال يخرج معه إال راغب في الجهاد، فلم يخرج إال . أصحاب الشجرة وهم ألف وأربعمائة

نميلة بن عبد اهللا الليثي، واألول أصح عند : ى المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقال ابن إسحاقواستعمل عل . المحققين

وبعد خروجه صلى اهللا عليه وسلم قدم أبو هريرة المدينة مسلما، فوافي سباع بن عرفطة في صالة الصبح، فلما فرغ ى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وآلم المسلمين فأشرآوه وأصحابه في من صالته أتي سباعا فزوده، حتى قدم عل

. سهمانهم

اتصال المنافقين باليهود

إن محمدا قصد قصدآم، : وقد قام المنافقون يعملون لليهود، فقد أرسل رأس المنافقين عبد اهللا بن أبي إلى يهود خيبرإن عددآم وعدتكم آثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، عزل، ال سالح وتوجه إليكم، فخذوا حذرآم، وال تخافوا منه ف

معهم إال قليل، فلما علم ذلك أهل خيبر، أرسلوا آنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس إلى غطفان يستمدونهم ؛ ألنهم . المسلمين آانوا حلفاء يهود خيبر، ومظاهرين لهم على المسلمين، وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا

الطريق إلى خيبر

بالتحريك ـ ثم على الصهباء، : وسلك رسول صلى اهللا عليه وسلم في اتجاهه نحو خيبر جـبل عــصر ـ بالكسر، وقيلالرجيع، وآان بينه وبين غطفان مسيرة يوم وليلة، فتهيأت غطفان وتوجهوا إلى خيبر، : ثم نزل على واد يقال له

ما آانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حسا ولغطا، فظنوا أن المسلمين أغاروا على أهاليهم إلمداد اليهود، فل . وأموالهم فرجعوا، وخلوا بين رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وبين خيبر

ـ ليداله على حسيل : ثم دعا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الدليلين اللذين آانا يسلكان بالجيش ـ وآان اسم أحدهماالطريق األحسن، حتى يدخل خيبر من جهة الشمال ـ أي جهة الشام ـ فيحول بين اليهود وبين طريق فرارهم إلى

. الشام، آما يحول بينهم وبين غطفان

سول يا ر : أنا أدلك يا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فأقبل حتى انتهي إلى مفرق الطرق المتعددة وقال : قال أحدهمااسم واحد منها حزن، : قال . اهللا، هذه طرق يمكن الوصول من آل منها إلى المقصد، فأمر أن يسمها له واحدا واحدا

اسم اآلخر حاطب، فامتنع : اسم اآلخر شاش، فامتنع منه أيضا، وقال : فأبي النبي صلى اهللا عليه وسلم من سلوآه، قال . مرحب، فاختار النبي صلى اهللا عليه وسلم سلوآه : قال ؟ ما اسمه : قال عمر . ال واحدفما بقي إ : منه أيضا، قال حسيل

بعض ما وقع في الطريق

: خرجنا مع النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليال، فقال رجل من القوم لعامر : ـ عن سلمة بن األآوع قال 1 : ـ وآان عامر رجال شاعرا ـ فنزل يحدو بالقوم، يقول ؟ يا عامر، أال تسمعنا من هنيهاتك

وال تصدقنا وال صليـنـا ** للهم لوال أنت ما اهتديـنا ا

وثبت األقدام إن القينـا ** فاغـفر فداء لك ما اقتفينا

إنا إذا صــيح بنا أبينــا ** وألـقين سكـينة عــلينا

** وا عــلينا وبالصياح عول

قال رجل من : ) يرحمه اهللا ( : عــامر بــن األآوع، قال : قــالوا ) من هذا السائق ( : فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . وجبت يا نبي اهللا، لوال أمتعتنا به : القوم

إال استشهد ، وقد وقع ذلك في حرب وآانوا يعرفون أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ال يستغفر إلنسان يخصه . خيبر

ـ وبالصهباء من أدني خيبر صلي النبي صلى اهللا عليه وسلم العصر، ثم دعا باألزواد، فلم يؤت إال بالسويق، فأمر 2به فثري، فأآل وأآل الناس، ثم قام إلى المغرب، فمضمض، ومضمض الناس، ثم صلي ولم يتوضأ ، ثم صلي

. العشاء

اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ( : ، فوقــف الجيش، فــقال ) قفوا ( : ولما دنا من خيبر وأشرف عليها قال ـ 3ورب األرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية،

. ) القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها، أقدموا، بسم اهللا وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه

الجيش اإلسالمي إلى أسوار خيبر

وبات المسلمون الليلة األخيرة التي بدأ في صباحها القتال قريبا من خيبر، وال تشعر بهم اليهود، وآان النبي صلى اهللا أصبح صلي الفجر بغلس، ورآب المسلمون، فخرج أهل عليه وسلم إذا أتي قوما بليل لم يقربهم حتى يصبح، فلما

محمد، واهللا محمد والخميس ، : خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، وال يشعرون، بل خرجوا ألرضهم، فلما رأوا الجيش قالوا

خيبر، إنا اهللا أآبر، خربت خيبر، اهللا أآبر، خربت ( : ثم رجعوا هاربين إلى مدينتهم، فقال النبي صلى اهللا عليه وسلم . ) إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين

حصون خيبر

: وآانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيها خمسة حصون

. ـ حصن الصعب بن معاذ 2 . ـ حصن ناعم 1

. ـ حصن أبي 4 . ـ حصن قلعة الزبير 3

. ـ حصن النزار 5

وأما الحصنان اآلخران فيقعان في منطقة تسمي ) النطاة ( : آانت تقع في منطقة يقال لهاوالحصون الثالثة األولي منها . بالشق

: أما الشطر الثاني، ويعرف بالكتيبة، ففيه ثالثة حصون فقط

. ] وآان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير [ ـ حصن القموص 1

. ـ حصن الوطيح 2

. اللمـ حصن الس 3

. وفي خيبر حصون وقالع غير هذه الثمانية، إال أنها آانت صغيرة، ال تبلغ إلى درجة هذه القالع في مناعتها وقوتها

والقتال المرير إنما دار في الشطر األول منها، أما الشطر الثاني فحصونها الثالثة مع آثرة المحاربين فيها سلمت . دونما قتال

ميمعسكر الجيش اإلسال

يا رسول اهللا، أرأيت : وتقدم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حتى اختار لمعسكره منزال، فأتاه حباب بن المنذر، فقاليا رسول اهللا، إن هذا المنزل قريب جدا : فقال ) بل هو الرأي ( : قال ؟ هذا المنزل أنزلكه اهللا، أم هو الرأي في الحرب

ميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن ال ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، من حصن نطاة، وجوسهامنا ال تصل إليهم، وال نأمن من بياتهم، وأيضا هذا بين النخالت، ومكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان

. ، ثم تحول إلى مكان آخر ) ا أشرتالرأي م ( : خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكرا، قال صلى اهللا عليه وسلم

التهيؤ للقتال وبشارة الفتح

ألعطين الراية ( : بل بعد عدة محاوالت ومحاربات ـ قال النبي صلى اهللا عليه وسلم : ولما آانت ليلة الدخول ـ وقيلأصبح الناس غدوا على رسول اهللا صلى فلما ) ] يفتح اهللا على يديه [ غدا رجال يحب اهللا ورسوله ويحبه اهللا ورسوله،

: يا رسول اهللا، هو يشتكي عينيه، قال : فقالوا ) ؟ أين علي بن أبي طالب ( : اهللا عليه وسلم، آلهم يرجو أن يعطاها، فقالوجع، ، فأتي به فبصق رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرئ، آأن لم يكن به ) فأرسلوا إليه (

انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم ( : يا رسول اهللا، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال : فأعطاه الراية، فقالإلى اإلسالم، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اهللا فيه، فواهللا، ألن يهدي اهللا بك رجال واحدا خير لك من أن يكون لك

. ) حمر النعم

آة وفتح حصن ناعمبدء المعر

. أما اليهود فإنهم لما رأوا الجيش وفروا إلى مدينتهم تحصنوا في حصونهم، وآان من الطبيعي أن يستعدوا للقتال

. وأول حصن هاجمه المسلمون من حصونهم الثمانية هو حصن ناعم

رحب البطل اليهودي الذي آان وآان خط الدفاع األول لليهود لمكانه االستراتيجي، وآان هذا الحصن هو حصن م . يعد باأللف

خرج علي بن أبي طالب رضي اهللا عنه بالمسلمين إلى هذا الحصن، ودعا اليهود إلى اإلسالم، فرفضوا هذه الدعوة، فلما : وبرزوا إلى المسلمين ومعهم ملكهم مرحب، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة، قال سلمة بن األآوع

: نا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقولأتي

شاآي السالح بطل مجرب ** قد علمت خيبر أني مرحب

** إذا الحروب أقبلت تلهب

: فبرز له عمي عامر فقال

شاآي السالح بطل مغامر ** قد علمت خيبر أني عامر

وذهب عامر يسفل له، وآان سيفه قصيرا، فتناول به ساق فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر،إن له ( : اليهودي ليضربه، فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين رآبته فمات منه، وقال فيه النبي صلى اهللا عليه وسلم

. ) ألجرين ـ وجمع بين إصبعيه ـ إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشي بها مثله

: با دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخري وجعل يرتجز بقولهويبدو أن مرح

: فقال علي : قال سلمة ابن األآوع . إلخ، فبرز له على بن أبي طالب . . . قد علمت خيبر أني مرحب

آليث غابات آريه المنظره ** أنا الذي سمتني أمي حيدره

** ره أوفيهم بالصاع آيل السند

. فضرب رأس مرحب فقتله، ثم آان الفتح على يديه

أنا علي بن أبي : فقال ؟ من أنت : ولما دنا علي رضي اهللا عنه من حصونهم اطلع يهودي من رأس الحصن، وقال . علوتم وما أنزل على موسى : طالب، فقال اليهودي

: يا رسول اهللا، يقتل ابني، قال : برز إليه الزبير، فقالت صفية أمهف ؟ من يبارز : ثم خرج ياسر أخو مرحب، وهو يقول . ، فقتله الزبير ) بل ابنك يقتله (

ودار القتال المرير حول حصن ناعم، قتل فيه عدة سراة من اليهود، انهارت ألجله مقاومة اليهود، وعجزوا عن صد أياما القي المسلمون فيها مقاومة شديدة، إال أن اليهود يئسوا هجوم المسلمين، ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام

. من مقاومة المسلمين، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصعب، واقتحم المسلمون حصن ناعم

فتح حصن الصعب بن معاذ

وم عليه تحت قيادة وآان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم، قام المسلمون بالهجالحباب بن المنذر األنصاري، ففرضوا عليه الحصار ثالثة أيام، وفي اليوم الثالث، دعا رسول اهللا صلى اهللا عليه

. وسلم لفتح هذا الحصن دعوة خاصة

من شيء، لقد جهدنا، وما بأيدينا : روي ابن إسحاق أن بني سهم من أسلم أتوا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فقالوااللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها ( : فقال

فغدا الناس ففتح اهللا عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن آان . ) عنهم غناء، وأآثرها طعاما وودآا . أآثر طعاما وودآا منه

ندب النبي صلى اهللا عليه وسلم المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن آان بنو أسلم هم المقاديم في المهاجمة، ولماودار البراز والقتال أمام الحصن، ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس، ووجد فيه المسلمون بعض

. المنجنيقات والدبابات

لتي ورد ذآرها في رواية ابن إسحاق، آان رجال من الجيش قد ذبحوا الحمير، ونصبوا وألجل هذه المجاعة الشديدة ا . القدور على النيران، فلما علم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بذلك نهي عن لحوم الحمر اإلنسية

فتح قلعة الزبير

زبير، وهو حصن منيع في رأس قلة ، وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من آل حصون النطاة إلى قلعة الال تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الحصار، وأقام

يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، إن لهم شرابا وعيونا : محاصرا ثالثة أيام، فجاء رجل من اليهود، وقال، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم تحت األرضفقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من . أصحروا لك

. اليهود، وافتتحه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

فتح قلعة أبي

عد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطالن من وباليهود واحد بعد اآلخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وآان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل

وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام . عصابة الحمراءالمشهور أبو دجانة سماك بن خرشة األنصاري صاحب الالقلعة، واقتحم معه الجيش اإلسالمي، وجري قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى

. حصن النزار آخر حصن في الشطر األول

فتح حصن النزار

ان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين ال يستطيعون اقتحام هذه آان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وآالقلعة، وإن بذلوا قصاري جهدهم في هذا السبيل، ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما آانوا قد

. أخلوا منها القالع األربعة السابقة

طون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغأما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، ولالشتباك مع قوات . مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيال لالقتحام فيه

. المسلمين، ولكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة

وات المسلمين، أمر النبي صلى اهللا عليه وسلم بنصب آالت المنجنيق، ويبدو وعندما استعصى حصن النزار على قأن المسلمين قذفوا به القذائف، فأوقعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن

من الحصون انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك ألنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن آما تسللوا . األخري، بل فروا من هذا الحصن تارآين للمسلمين نساءهم وذراريهم

وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر األول من خيبر، وهي ناحية النطاة والشق، وآانت في هذه الناحية وهربوا إلى الشطر الثاني حصون صغيرة أخري إال أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون،

. من بلدة خيبر

فتح الشطر الثاني من خيبر

: ولما أتم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فتح ناحية النطاة والشق، تحول إلى أهل الكتيبة التي بها حصن القموصان انهزم من النطاة والشق، حصن بني أبي الحقيق من بني النضير، وحصن الوطيح والساللم، وجاءهم آل فل آ

. وتحصن هؤالء أشد التحصن

فسياق ابن إسحاق صريح في ؟ واختلف أهل المغازي هل جري هناك قتال في أي حصن من حصونها الثالثة أم الجريان القتال لفتح حصن القموص، بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجري هناك

. لالستسالم مفاوضة

أما الواقدي، فيصرح تمام التصريح أن قالع هذا الشطر الثالث إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن تكون المفاوضة . قد جرت الستالم حصن القموص بعد إدارة القتال، وأما الحصنان اآلخران فقد سلما إلى المسلمين دونما قتال

هللا عليه وسلم إلى هذه الناحية ـ الكتيبة ـ فرض على أهلها أشد الحصار، ودام ومهما آان، فلما أتي رسول اهللا صلى االحصار أربعة عشر يوما، واليهود ال يخرجون من حصونهم، حتى هم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن ينصب

. عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الصلح

اوضةالمف

، فنزل، وصالح على حقن دماء ) نعم ( : قال ؟ أنزل فأآلمك : وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلممن في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول اهللا

لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء ـ أي الذهب والفضة ـ والكراع صلى اهللا عليه وسلم وبين ما آان وبرئت منكم ذمة اهللا وذمة رسوله إن ( : والحلقة إال ثوبا على ظهر إنسان ، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. لمسلمين، وبذلك تم فتح خيبر، فصالحوه على ذلك ، وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى ا ) آتمتموني شيئا

قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد

وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق ماال آثيرا، غيبا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، آان احتمله . معه إلى خيبر حين أجليت النضير

بكنانة الربيع، وآان عنده آنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد وأتي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : قال ابن إسحاقإني رأيت آنانة يطيف بهذه الخربة آل غداة، فقال رسول اهللا : أن يكون يعرف مكانه، فأتي رجل من اليهود فقال

حفرت، فأخرج منها بعض نعم، فأمر بالخربة، ف : قال ) ؟ أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك ( : صلى اهللا عليه وسلم لكنانةعذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح : فدفعه إلى الزبير، وقال . آنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبي أن يؤديه

بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه . قتل تحت جدار حصن ناعم، ألقي عليه الرحي، وهو يستظل بالجدار فمات ـ بمحمود بن مسلمة ـ وآان محمود

وذآر ابن القيم أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أمر بقتل ابني أبي الحقيق، وآان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال . هو ابن عم آنانة

آانت تحت آنانة بن أبي الحقيق، وآانت عروسا وسبي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، و . حديثة عهد بالدخول

قسمة الغنائم

يا محمد، دعنا نكون في هذه األرض، : وأراد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن يجلي اليهود من خيبر، فقالواوسلم وال ألصحابه غلمان يقومون نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول اهللا صلى اهللا عليه

عليها، وآانوا ال يفرغون حتى يقوموا عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من آل زرع، ومن آل ثمر، ما بدا . لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن يقرهم، وآان عبد اهللا بن رواحة يخرصه عليهم

سهم مائة سهم، فكانت ثالثة آالف وستمائة سهم، فكان لرسول وقسم أرض خيبر على ستة وثالثين سهما، جمع آل اهللا صلى اهللا عليه وسلم والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم سهم

، وإنما آسهم أحد المسلمين، وعزل النصف اآلخر، وهو ألف وثمانمائة سهم، لنوائبه وما يتنزل به من أمور المسلمينقسمت على ألف وثمانمائة سهم ألنها آانت طعمة من اهللا ألهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وآانوا ألفا

وأربعمائة، وآان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثالثة أسهم، . وللراجل سهم واحد

ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن عائشة : واه البخاري عن ابن عمر قالويدل على آثرة مغانم خيبر ما راآلن نشبع من التمر ، ولما رجع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى المدينة رد : لما فتحت خيبر قلنا : قالت

. بر مال ونخيلالمهاجرون إلى األنصار منائحهم التي آانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخي

قدوم جعفر بن أبي طالب واألشعريين

. وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم األشعريون أبو موسى وأصحابه

بلغنا مخرج رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه ـ أنا وأخوان لي ـ : قال أبو موسيي بضع وخمسين رجال من قومي، رآبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفرا وأصحابه عنده، ف

إن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعثنا وأمرنا باإلقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا رسول اهللا : فقالفأسهم لنا، وما قسم ألحد غاب عن فتح خيبر شيئا إال لمن شهد معه، إال صلى اهللا عليه وسلم حين فتح خيبر،

. ألصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم

بفتح خيبر ؟ واهللا ما أدري بأيهما أفرح ( : ولما قدم جعفر على النبي صلى اهللا عليه وسلم تلقاه وقبل ما بين عينيه وقال . ) أم بقدوم جعفر

وآان قدوم هؤالء على أثر بعث الرسول صلى اهللا عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري يطلب توجيههم إليه، فأرسلهم النجاشي على مرآبين، وآانوا ستة عشر رجال، معهم من بقي من نسائهم وأوالدهم، وبقيتهم جاءوا إلى

. المدينة قبل ذلك

الزواج بصفية

جعلت في السبايا حين قتل زوجها آنانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة ذآرنا أن صفية اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى : يا نبي اهللا، أعطني جارية من السبي، فقال : الكلبي، فقال

صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، ال تصلح إال يا نبي اهللا، أعطيت دحية : النبي صلى اهللا عليه وسلم فقال، ) خذ جارية من السبي غيرها ( : فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى اهللا عليه وسلم قال . ) ادعوه بها ( : لك، قال

تى إذا آان وعرض عليها النبي صلى اهللا عليه وسلم اإلسالم فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حبسد الصهباء راجعا إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروسا بها، وأولم عليها

. بحيس من التمر والسمن والسويق، وأقام عليها ثالثة أيام في الطريق يبني بها

هللا، رأيت قبل قدومك علينا آأن القمر زال من مكانه، وسقط يا رسول ا : قالت ) ؟ ما هذا ( : ورأى بوجهها خضرة، فقالتمنين هذا الملك الذي : فقال . في حجري، وال واهللا ما أذآر من شأنك شيئا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي

. بالمدينة

أمر الشاة المسمومة

نب بنت الحارث، امرأة سالم بن مشكم، شاة ولما اطمأن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بخيبر بعد فتحها أهدت له زيالذراع، فأآثرت فيها من السم، ثم : فقيل لها ؟ مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

منها سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم تناول الذراع، فالكما حملك على ( : ، ثم دعا بها فاعترفت، فقال ) إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ( : مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال

. إن آان ملكا استرحت منه، وإن آان نبيا فسيخبر، فتجاوز عنها : قلت : قالت ) ؟ ذلك

. أآلة فأساغها، فمات منها وآان معه بشر بن البراء بن معرور، أخذ منها

. واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أوال، فلما مات بشر قتلها قصاصا

قتلى الفريقين في معارك خيبر

من وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجال، أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد . أسلم، وواحد من أهل خيبر والباقون من األنصار

. رجال 81إن شهداء المسلمين في هذه المعارك : ويقال

اسما، واحد منها في الطبري فقط، 32إني وجدت بعد التفحص : رجال، ثم قال 91وذآر العالمة المنصورفوري المسمومة، وواحد اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر، والصحيح وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات ألجل أآل الشاة

. أنه قتل في بدر

. أما قتلي اليهود فعددهم ثالثة وتسعون قتيال

فـدك

ولما بلغ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى خيبر، بعث محيصة بن مسعود إلى يهود فدك، ليدعوهم إلى اإلسالم، ما فتح اهللا خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يصالحونه على فأبطأوا عليه، فل

النصف من فدك بمثل ما عامل عليه أهل خيبر، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم خالصة؛ . ألنه لم يوجف عليه المسلمون بخيل وال رآاب

وادي القري

ولما فرغ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القري، وآان بها جماعة من اليهود، . وانضاف إليهم جماعة من العرب

: فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل مدعم ـ عبد لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ـ فقال الناسآال، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، ( : جنة، فقال النبي صلى اهللا عليه وسلمهنيئا له ال

، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم بشراك أو ) لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا . ) شراك من نار أو شراآان من نار ( : شراآين، فقال النبي صلى اهللا عليه وسلم

ثم عبأ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن فبرز إليه المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى اإلسالم فأبوا، وبرز رجل منهم،

الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي اهللا عنه فقتله، حتى قتل . منهم أحد عشر رجال، آلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى اإلسالم

إلى اهللا ورسوله، فقاتلهم حتى وآانت الصالة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى اإلسالم وأمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمه اهللا أموالهم، وأصابوا

. أثاثا ومتاعا آثيرا

ترك األرض وقسم على أصحابه ما أصاب بها، و . وأقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بوادي القري أربعة أيام . والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها ـ آما عامل أهل خيبرـ

تيمـــاء

ولما بلغ يهود تيماء خبر استسالم أهل خيبر ثم فدك ووادي القري، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من وآتب لهم بذلك آتابا . يه وسلم، وأقاموا بأموالهمتلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول اهللا صلى اهللا عل

هذا آتاب محمد رسول اهللا لبني عاديا، أن لهم الذمة، وعليهم الجزية، وال عداء وال جالء، الليل مد، : وهاك نصه . والنهار شد، وآتب خالد بن سعيد

العودة إلى المدينة

إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم ثم أخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في العودة أربعوا على أنفسكم، إنكم ال ( : فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ) اهللا أآبر، اهللا أآبر، ال إله إال اهللا ( : بالتكبير

. ) تدعون أصم وال غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا

اآأل لنا ( : بي صلى اهللا عليه وسلم ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لباللوفي مرجعه ذلك سار الن، فغلبت بالال عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك ) الليل

إن هذه القصة في : م صلي الفجر بالناس، وقيلرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ث . غير هذا السفر

وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يبدو أن رجوع النبي صلى اهللا عليه وسلم آان في أواخر صفر أو في ربيع . هـ 7األول سنة

سرية أبان بن سعيد

أن إخالء المدينة تماما بعد انقضاء األشهر الحرم آان النبي صلى اهللا عليه وسلم يعرف أآثر من آل قائد عسكريليس من الحزم قطعا، بينما األعراب ضاربة حولها، تطلب غرة المسلمين للقيام بالنهب والسلب وأعمال القرصنة ؛ ولذلك أرسل سرية إلى نجد إلرهاب األعراب تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما آان هو إلى خيبر، وقد رجع أبان بن

. د بعد قضاء ما آان واجبا عليه، فوافي النبي صلى اهللا عليه وسلم بخيبر، وقد افتتحهاسعي

لم أعرف حال هذه : قال ابن حجر . هـ، وقد ورد ذآرها في البخاري7واألغلب أن هذه السرية آانت في صفر سنة . السرية

بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة

غزوة ذات الرقاع

ولما فرغ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من آسر جناحين قويين من أجنحة األحزاب الثالثة تفرغ تماما لاللتفات إلى الجناح الثالث، أي إلى األعراب القساة الضاربين في فيافي نجد، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين

. آونة وأخري

تجمعهم بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقالع، آانت الصعوبة في فرض ولما آان هؤالء البدو الالسيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تماما تزداد بكثير عما آانت بالنسبة إلى أهل مكة وخيبر ؛ ولذلك لم تكن تجدي

. يفيهم إال حمالت التأديب واإلرهاب، وقام المسلمون بمثل هذه الحمالت مرة بعد أخر

ولفرض الشوآة ـ أو الجتماع البدو الذين آانوا يتحشدون لإلغارة على أطراف المدينة ـ قام رسول اهللا صلى اهللا عليه . وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع

وعامة أهل المغازي يذآرون هذه الغزوة في السنة الرابعة، ولكن حضور أبي موسي األشعري وأبي هريرة رضي . هـ 7هللا عنهما في هذه الغزوة يدل على وقوعها بعد خيبر، واألغلب أنها وقعت في شهر ربيع األول سنة ا

أن النبي صلى اهللا عليه وسلم سمع باجتماع بني أنمار أو بني ثعلبة : وملخص ما ذآره أهل السير حول هذه الغزوةئة أو سبعمائة من أصحابه، واستعمل على المدينة أبا ذر وبني محارب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم في أربعما

نخل، على بعد يومين : أو عثمان بن عفان رضي اهللا عنهما، وسار فتوغل في بالدهم حتى وصل إلى موضع يقال لهالة من المدينة، ولقي جمعا من غطفان، فتقاربوا وأخاف بعضهم بعضا ولم يكن بينهم قتال، إال أنه صلي بهم يومئذ ص

وأقيمت الصالة فصلي بطائفة رآعتين، ثم تأخروا، وصلي بالطائفة األخري رآعتين، : وفي رواية البخاري . الخوف . وآان للنبي صلى اهللا عليه وسلم أربع، وللقوم رآعتان

ستة خرجنا مع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ونحن : وفي البخاري عن أبي موسي األشعري رضي اهللا عنهم قالنفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت ذات

. الرقاع، لما آنا نعصب الخرق على أرجلنا

آنا مع النبي صلى اهللا عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة ترآناها للنبي صلى اهللا : وفيه عن جابرعليه وسلم، فنزل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فتفرق الناس في العضاة، يستظلون بالشجر، ونزل رسول اهللا صلى

فاخترط سيف رسول اهللا : فنمنا نومة، فجاء رجل من المشرآين : قال جابر . اهللا عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفهفإذا رسول اهللا صلى اهللا : قال جابر . ) اهللا ( : قال ؟ فمن يمنعك مني : ، قال ) ال ( : الق ؟ أتخافني : صلى اهللا عليه وسلم، فقال

إن هذا اخترط سيفي وأنا ( : فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . عليه وسلم يدعونا، فجئنا، فإذا عنده أعرابي جالس، ثم لم يعاتبه رسول اهللا ) اهللا، فها هو ذا جالس : قلت ؟ من يمنعك مني : فقال لي . نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا

من ( : فسقط السيف من يده، فأخذه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فقال : وفي رواية أبي عوانة . صلى اهللا عليه وسلمأعاهدك على أال : قال األعرابي ) ؟ وأني رسول اهللاتشهد أن ال إله إال اهللا ( : آـن خـير آخـذ، قال : قال ) ؟ يمنعك مني

. جئتكم من عند خير الناس : فخلي سبيله، فجاء إلى قومه، فقال : أقاتلك، وال أآون مع قوم يقاتلونك، قال

ووقع : رقال ابن حج . اسم الرجل غورث ابن الحارث : قال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر : وفي رواية البخاري . أن اسم األعرابي دعثور، وأنه أسلم، لكن ظاهر آالمه أنهما قصتان في غزوتين : عند الواقدي في سبب هذه القصة

. واهللا أعلم

وفي مرجعهم من هذه الغزوة سبوا امرأة من المشرآين، فنذر زوجها أال يرجع حتى يهريق دما في أصحاب محمد ليال، وقد أرصد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم رجلين ربيئة للمسلمين من العدو، وهما صلى اهللا عليه وسلم، فجاء

عباد بن بشر وعمار بن ياسر، فضرب عبادا، وهو قائم يصلي، بسهم فنزعه، ولم يبطل صالته، حتى رشقه بثالثة إني آنت في سورة فكرهت : ني، فقالهال نبهت ! سبحان اهللا : أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلم، فأيقظ صاحبه، فقال

. أن أقطعها

آان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب األعراب القساة، وإذا نظرنا إلى تفاصيل السرايا بعدالغزوة نري أن هذه القبائل من غطفان لم تجترئ أن ترفع رأسها بعد هذه الغزوة، بل استكانت شيئا فشيئا حتى استسلمت، بل

مت، حتى نري عدة قبائل من هذه األعراب تقوم مع المسلمين في فتح مكة، وتغزو حنينا، وتأخذ من غنائمها، وأسلويبعث إليها المصدقون فتعطي صدقاتها بعد الرجوع من غزوة الفتح، فبهذا تم آسر األجنحة الثالثة التي آانت ممثلة

لمسلمون بعد ذلك أن يسدوا بسهولة آل خلل وثلمة حدثت في في األحزاب، وساد المنطقة األمن والسالم، واستطاع ا

بعض المناطق من بعض القبائل، بل بعد هذه الغزوة بدأت التمهيدات لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ؛ ألن الظروف . في داخل البالد آانت قد تطورت لصالح اإلسالم والمسلمين

. هـ 7صلى اهللا عليه وسلم إلى شوال سنة وبعد الرجوع من هذه الغزوة أقام رسول اهللا

: وهاك بعض تفصيلها . وبعث في خالل ذلك عدة سرايا

آان بنو الملوح قد قتلوا . هـ 7ـ سرية غالب بن عبد اهللا الليثي إلى بني الملوح بقديد، في صفر أو ربيع األول سنة 1الثأر، فشنوا الغارة في الليل فقتلوا من قتلوا، وساقوا النعم، أصحاب بشير بن سويد، فبعثت هذه السرية ألخذ

ونجح . وطاردهم جيش آبير من العدو، حتى إذا قرب من المسلمين نزل مطر، فجاء سيل عظيم حال بين الفريقين . المسلمون في بقية االنسحاب

. ة الملوكهـ، وقد مضي ذآرها في مكاتب 7ـ سرية حسمي، في جمادي الثانية سنة 2

آانوا يسيرون الليل ويستخفون في . هـ، ومعه ثالثون رجال 7ـ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة، في شعبان سنة 3 . النهار، وأتي الخبر إلى هوازن فهربوا، وجاء عمر إلى محالهم فلم يلق أحدا، فانصرف راجعا إلى المدينة

خرج إليهم . هـ في ثالثين رجال7بني مرة بناحية فدك، في شعبان سنة ـ سرية بشير بن سعد األنصاري إلى 4واستاق الشاء والنعم، ثم رجع فأدرآه الطلب عند الليل، فرموهم بالنبل حتى فني نبل بشير وأصحابه، فقتلوا جميعا إال

. بشير، فإنه ارتث إلى فدك، فأقام عند يهود حتى برأت جراحه، فرجع إلى المدينة

هـ إلى بني عوال وبني عبد ابن ثعلبة بالميفعة، وقيل إلى 7ـ سرية غالب بن عبد اهللا الليثي، في رمضان سنة 5الحرقات من جهينة، في مائة وثالثين رجال، فهجموا عليهم جميعا، وقتلوا من أشرف لهم، واستاقوا نعما وشاء، وفي

ال إله إال اهللا، فلما قدموا وأخبر النبي صلى اهللا عليه : هيك بن مرداس بعد أن قالهذه السرية قتل أسامة بن زيد نفهال شققت عن قلبه فتعلم ( : إنما قالها متعوذا قال : فقال ) ؟ ال إله إال اهللا : أقتلته بعد ما قال ( : وسلم، آبر عليه وقال . ) ؟ أصادق هو أم آاذب

وذلك أن أسير أو بشير بن زارم آان . هـ في ثالثين راآبا 7اهللا بن رواحة إلى خيبر، في شوال سنة ـ سرية عبد 6يجمع غطفان لغزو المسلمين، فأخرجوا أسيرا في ثالثين من أصحابه، وأطمعوه أن الرسول صلى اهللا عليه وسلم

ذآر . ن سوء ظن أفضي إلى قتل أسير وأصحابه الثالثينيستعمله على خيبر، فلما آانوا بقرقرة نيار وقع بين الفريقي . الواقدي هذه السرية في شوال سنة ست قبل خيبر بأشهر

7، في شوال سنة ] لفزارة وعذرة : بالفتح، أرض لغطفان، وقيل [ ـ سرية بشير بن سعد األنصاري إلى يمن وجبار 7بير تجمعوا لإلغارة على أطراف المدينة، فساروا الليل وآمنوا النهار، فلما هـ في ثالثمائة من المسلمين، للقاء جمع آ

بلغهم مسير بشير هربوا، وأصاب بشير نعما آثيرة، وأسر رجلين، فقدم بهما المدينة إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه . وسلم فأسلما

أن : السنة السابعة قبل عمرة القضاء، وملخصها ـ سرية أبي حدرد األسلمي إلى الغابة، ذآرها ابن القيم في سرايا 8فبعث رسول اهللا . رجال من جشم بن معاوية أقبل في عدد آبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيسا على محاربة المسلمين

صلى اهللا عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين ليأتوا منه بخبر وعلم، فوصلوا إلى القوم مع غروب الشمس، فكمن أبو حدرد في ناحية، وصاحباه في ناحية أخري، وأبطأ على القوم راعيهم حتى ذهبت فحمة العشاء، فقام رئيس القوم وحده، فلما مر بأبي حدرد رماه بسهم في فؤاده فسقط ولم يتكلم، فاحتز أبو حدرد رأسه، وشد في ناحية العسكر،

. تاق المسلمون الثالثة الكثير من اإلبل والغنموآبر، وآبر صاحباه وشدا، فما آان من القوم إال الفرار، واس

عمرة القضاء

تواترت األخبار أنه صلى اهللا عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وأال : قال الحاآمت عدتهم ألفين سوي يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إال من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكان

. ا هـ . النساء والصبيان

واستخلف على المدينة عويف بن األضبط الديلي، أو أبا رهم الغفاري، وساق ستين بدنة، وجعل عليها ناجية بن ة، خشية جندب األسلمي، وأحرم للعمرة من ذي الحليفة، ولبي، ولبي المسلمون معه، وخرج مستعدا بالسالح والمقاتل

الحجف والمجان والنبل والرماح، وخلف عليها أوس بن : أن يقع من قريش غدر، فلما بلغ يأجج وضع األداة آلها . السيوف في القرب : خولي األنصاري في مائتي رجل، ودخل بسالح الراآب

القصواء، والمسلمون متوشحون السيوف، وآان رسول اللهصلى اهللا عليه وسلم عند الدخول راآبا على ناقته . محدقون برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يلبون

إنه يقدم : وخـرج المشرآـون إلى جبل قعيقعان ـ الجبل الذي في شمال الكعبة ـ ليروا المسلمين، وقد قالوا فيما بينهمأصحابه أن يرملوا األشواط الثالثة، وأن يمشوا ما عليكم وفد وهنتهم حمي يثرب، فأمر النبي صلى اهللا عليه وسلم

ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا األشواط آلها إال اإلبقاء عليهم، وإنما أمرهم بذلك ليري المشرآين قوته . بين الرآنين . آما أمرهم باالضطباع، أي أن يكشفوا المناآب اليمني، ويضعوا طرفي الرداء على اليسري

هللا صلى اهللا عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلعه على الحجون ـ وقد صف المشرآون ينظرون إليه ـ ودخل رسول افلم يزل يلبي حتى استلم الرآن بمحجنه، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد اهللا بن رواحة بين يدي رسول اهللا صلى

: اهللا عليه وسلم يرتجز متوشحا بالسيف

فقال ؟ يا ابن رواحة، بين يدي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وفي حرم اهللا تقول الشعر : عمروفي حديث أنس فقال . ) خل عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل ( : له النبي صلى اهللا عليه وسلم

هؤالء الذين زعمتم أن : قالوا ورمل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم والمسلمون ثالثة أشواط، فلما رآهم المشرآون . الحمي قد وهنتهم، هؤالء أجلد من آذا وآذا

هذا ( : ولما فرغ من الطواف سعي بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي، وقد وقف الهدي عند المروة، قالبعث ناسا إلى يأجج، ، فنحر عند المروة، وحلق هناك، وآذلك فعل المسلمون، ثم ) المنحر، وآل فجاج مكة منحر

. ليقيموا على السالح، ويأتي اآلخرون فيقضون نسكهم ففعلوا

اخرج عنا : قل لصاحبك : وأقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بمكة ثالثا، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا عليا فقالوا . فأقام بها فقد مضي األجل، فخرج النبي صلى اهللا عليه وسلم، ونزل بسرف

ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادى، يا عم يا عم، فتناولها علي، واختصم فيها على وجعفر وزيد، . فقضي النبي صلى اهللا عليه وسلم لجعفر ؛ ألن خالتها آانت تحته

وآان رسول اهللا صلى اهللا عليه وفي هذه العمرة تزوج النبي صلى اهللا عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية، وسلم قبل الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس، وآانت أختها أم

. الفضل تحته، فزوجها إياه، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمشي، فبني بها بسرف

القضاء ؛ إما ألنها آانت قضاء عن عمرة الحديبية، أو ألنها وقعت حسب المقاضاة ـ أي وسميت هذه العمرة بعمرة القضاء، : المصالحة ـ التي وقعت في الحديبية، والوجه الثاني رجحه المحققون، وهذه العمرة تسمي بأربعة أسماء

. والقضية، والقصاص، والصلح

: ه وسلم بعد الرجـوع مـن هذه العمرة عدة سرايا، وهي آما يليوقــد أرسل رسول اهللا صلى اهللا علي

بعثه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى بني . هـ في خمسين رجال 7، في ذي الحجة سنة ـ سرية ابن أبي العوجاء 1جرح فيه أبو العوجاء، وأسر . داال حاجة لنا إلى ما دعوتنا، ثم قاتلوا قتاال شدي : سليم ؛ ليدعوهم إلى اإلسالم، فقالوا

. رجالن من العدو

بعث في مائتي رجل، . هـ 8، في صفر سنة ـ سرية غالب بن عبد اهللا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك 2 . فأصابوا من العدو نعما، وقتلوا منهم قتلي

قد حشدت جموعا آبيرة لإلغارة على المسلمين، آانت بنو قضاعة . هـ 8في ربيع األول سنة ـ سرية ذات أطلح 3فبعث إليهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم آعب بن عمير األنصاري في خمسة عشر رجال، فلقوا العدو، فدعوهم

. إلى اإلسالم، فلم يستجيبوا لهـم، وأرشقوهم بالنبل حتى استشهد آلهم إال رجل واحد، فقد ارتث من بين القتلي

آانت بنو هوازن قد أمدت األعداء مرة بعد أخري . هـ 8، في ربيع األول سنة سرية ذات عرق إلى بني هوازنـ 4 . فأرسل إليها شجاع بن وهب األسدي في خمسة وعشرين رجال، فاستاقوا نعما من العدو، ولم يلقوا آيدا

معرآة مؤتة

ب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وهي وهذه المعرآة أآبر لقاء مثخن، وأعظم حر . م 926هـ، وفق أغسطس أو سبتمبر سنة 8مقدمة وتمهيد لفتوح بلدان النصاري، وقعت في جمادي األولي سنة

. هي قرية بأدني بلقاء الشام، بينها وبين بيت المقدس مرحلتان ) بالضم فالسكون ( ومؤتة

لمعرآةسبب ا

. وسبب هذه المعرآة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعث الحارث بن عمير األزدي بكتابه إلى عظيم بصريفعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني ـ وآان عامال على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطا، ثم

. قدمه، فضرب عنقه

لرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعالن حالة الحرب، فاشتد ذلك على رسول اهللا وآان قتل السفراء واصلى اهللا عليه وسلم حين نقلت إليه األخبار، فجهز إليهم جيشا قوامه ثالثة آالف مقاتل ، وهو أآبر جيش إسالمي لم

. يجتمع قبل ذلك إال في غزوة األحزاب

لى اهللا عليه وسلم إليهمأمراء الجيش ووصية رسول اهللا ص

إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد ( : أمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال . ، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة ) اهللا بن رواحة

ك إلى اإلسالم، فإن أجابوا وإال استعانوا باهللا عليهم، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هنااغزوا بسم اهللا، في سبيل اهللا، من آفر باهللا، ال تغدروا، وال تغلوا، وال تقتلوا وليدا وال امرأة، ( : وقاتلوهم، وقال لهم

. ) وال آبيرا فانيا، وال منعزال بصومعة، وال تقطعوا نخال وال شجرة، وال تهدموا بناء

توديع الجيش اإلسالمي وبكاء عبد اهللا بن رواحة

ولما تهيأ الجيش اإلسالمي للخروج حضر الناس، وودعوا أمراء رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وسلموا عليهم، دنيا، وال صبابة أما واهللا ما بي حب ال : فقال ؟ ما يبكيك : وحينئذ بكي أحد أمراء الجيش ـ عبد اهللا بن رواحة ـ فقالوا

وإن منكم إلا واردها آان { : بكم، ولكني سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يقرأ آية من آتاب اهللا يذآر فيها الناركم اهللا صحب : فقال المسلمون ؟ ، فلست أدري آيف لي بالصدور بعد الورود ] 71 : مريم [ } على ربك حتما مقضيا

: بالسالمة، ودفع عنكم، وردآم إلينا صالحين غانمين، فقال عبد اهللا بن رواحة

وضربة ذات فرع تقذف الزبدا ** لكنني أسأل الرحمن مغفــرة

بحربة تنفذ األحشـاء والكبدا ** أو طعنة بيدي حران مجـهزة

أرشده اهللا من غاز وقد رشدا ** حتى يقال إذا مروا على جدثي

. خرج القوم، وخرج رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم ثم

تحرك الجيش اإلسالمي، ومباغتته حالة رهيبة

وتحرك الجيش اإلسالمي في اتجاه الشمال حتى نزل معان، من أرض الشام، مما يلي الحجاز الشمإلى، وحينئذ نقلت رات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام إليهم االستخبا

. وبلقين وبهراء وبلي مائة ألف

المجلس االستشاري بمعانوهل لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم ـ الذي بوغتوا به في هذه األرض البعيدة ـ

يهجم جيش صغير، قوامه ثالثة آالف مقاتل فحسب، على جيش آبير عرمرم مثل البحر الخضم، قوامه مائتا ألف نكتب إلى رسول : حار المسلمون، وأقاموا في معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وينظرون ويتشاورون، ثم قالوا ؟ مقاتل

. إما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي لهاهللا صلى اهللا عليه وسلم، فنخبره بعدد عدونا، ف

: يا قوم، واهللا إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون : ولكن عبد اهللا بن رواحة عارض هذا الرأي، وشجع الناس، قائالاهللا به، فانطلقوا، فإنما هي الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد وال قوة وال آثرة، ما نقاتلهم إال بهذا الدين الذي أآرمنا

. وأخيرا استقر الرأي على ما دعا إليه عبد اهللا بن رواحة . إحدي الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة

الجيش اإلسالمي يتحرك نحو العدومن وحينئذ بعد أن قضي الجيش اإلسالمي ليلتين في معان، تحرآوا إلى أرض العدو، حتى لقيتهم جموع هرقل بقرية

ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فعسكروا هناك، وتعبأوا للقتال، فجعلوا على ] شارف [ : قرى البلقاء يقال لها . ميمنتهم قطبة بن قتادة العذري، وعلى الميسرة عبادة بن مالك األنصاري

بداية القتال، وتناوب القوادمعرآة . ن، وبدأ القتال المرير، ثالثة آالف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتلوهناك في مؤتة التقي الفريقا

. عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة، ولكن إذا هبت ريح اإليمان جاءت بالعجائب

يوجد لها أخذ الراية زيد بن حارثة ـ حب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ـ وجعل يقاتل بضراوة بالغة، وبسالة ال . نظير إال في أمثاله من أبطال اإلسالم، فلم يزل يقاتل ويقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعا

وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتاال منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه اية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الر

إن روميا ضربه ضربة قطعته نصفين، وأثابه اهللا بجناحيه جناحين في الجنة، : يقال . فلم يزل رافعا إياها حتى قتل . يطير بهما حيث يشاء ؛ ولذلك سمي بجعفر الطيار، وبجعفر ذي الجناحين

أنه وقف على جعفر يؤمئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة : أن ابن عمر أخبره روى البخاري عن نافع؛ . وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره

آنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلي، ووجدنا : وفي رواية أخري قال ابن عمر . ] فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده [ : وفي رواية العمري عن نافع زيادة . نة ورميةما في جسده بضعا وتسعين من طع

ولما قتل جعفر بعد أن قاتل بمثل هذه الضراوة والبسالة، أخذ الراية عبد اهللا بن رواحة، وتقدم بها، وهو على فرسه، : فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، حتى حاد حيدة ثم قال

شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده : نزل، فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال ثم . فانتهس منه نهسة، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل

الراية إلى سيف من سيوف اهللا

يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل : أقرم ـ فأخذ الراية وقال وحينئذ تقدم رجل من بني عجالن ـ اسمه ثابت بنما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتاال مريرا، فقد روي : قال . أنت : منكم، قالوا

. ا بقي في يدي إال صفيحة يمانيةلقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فم : البخاري عن خالد بن الوليد قال . لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية : وفي لفظ آخر

: وقد قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يوم مؤتة ـ مخبرا بالوحي، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتالجعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ (

. ) من سيوف اهللا، حتى فتح اهللا عليهم

نهاية المعرآةومع الشجاعة البالغة والبسالة والضراوة المريرتين، آان مستغربا جدا أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أما

ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته ونبوغه في تخليص . مطم من جيوش الرومتيارات ذلك البحر الغط . المسلمين مما ورطوا أنفسهم فيه

ويظهر بعد النظر في جميع الروايات أن خالد بن الوليد . واختلفت الروايات آثيرا فيما آل إليه أمر هذه المعرآة أخيراوآان يشعر بمسيس الحاجة إلى مكيدة . طول النهار، في أول يوم من القتال نجح في الصمود أمام جيش الرومان

حربية تلقي الرعب في قلوب الرومان حتى ينجح في االنحياز بالمسلمين من غير أن يقوم الرومان بحرآات . ان بالمطاردةفقد آـان يعرف جيدا أن اإلفالت من براثنهم صعب جدا لو انكشف المسلمون، وقام الروم . المطاردة

فلما أصبح اليوم الثاني غير أوضاع الجيش، وعبأه من جديد، فجعل مقدمته ساقه، وميمنته ميسرة، وعلى العكس، جاءهم مدد، فرعبوا، وصار خالد ـ بعد أن تراءي الجيشان، وتناوشا ساعة ـ : فلما رآهم األعداء أنكروا حالهم، وقالوا

، مع حفظ نظام جيشه، ولم يتبعهم الرومان ظنا منهم أن المسلمين يخدعونهم، ويحاولون يتأخر بالمسلمين قليال قليال . القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء

وهكذا انحاز العدو إلى بالده، ولم يفكر في القيام بمطاردة المسلمين ونجح المسلمون في االنحياز سالمين، حتى عادوا . إلى المدينة

قتلى الفريقين

واستشهد يومئذ من المسلمين اثنا عشر رجال، أما الرومان، فلم يعرف عدد قتالهم، غير أن تفصيل المعرآة يدل على . آثرتهم

أثر المعرآة

وهذه المعرآة وإن لم يحصل المسلمون بها على الثأر، الذي عانوا مرارتها ألجله، لكنها آانت آبيرة األثر لسمعة قت العرب آلها في الدهشة والحيرة، فقد آانت الرومان أآبر وأعظم قوة على وجه األرض، وآانت المسلمين، إنها أل

العرب تظن أن معني جالدها هو القضاء على النفس وطلب الحتف بالظلف، فكان لقاء هذا الجيش الصغير ـ ثالثة م الرجوع عن الغزو من غير أن تلحق به آالف مقاتل ـ مع ذلك الجيش الضخم العرمرم الكبير ـ مائتا ألف مقاتل ـ ث

آان آل ذلك من عجائب الدهر، وآان يؤآد أن المسلمين من طراز آخر غير ما ألفته العرب وعرفته، . خسارة تذآرولذلك نري القبائل اللدودة التي آانت ال تزال . وأنهم مؤيدون ومنصورون من عند اهللا، وأن صاحبهم رسول اهللا حقا

. لمسلمين جنحت بعد هذه المعرآة إلى اإلسالم، فأسلمت بنو سليم وأشجع وغطفان وذبيان وفزارة وغيرهاتثور على ا

وآانت هذه المعرآة بداية اللقاء الدامي مع الرومان، فكانت توطئة وتمهيدا لفتوح البلدان الرومانية، واحتالل . المسلمين األراضي البعيدة النائية

ذات السالسل سرية

ولما علم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بموقف القبائل العربية ـ التي تقطن مشارف الشام ـ في معرآة مؤتة من اجتماعهم إلى الرومان ضد المسلمين، شعر بمسيس الحاجة إلى القيام بحكمة بالغة توقع الفرقة بينها وبين الرومان،

. بين المسلمين، حتى ال تتحشد مثل هذه الجموع الكبيرة مرة أخريوتكون سببا لالئتالف بينها و

هـ 8فبعثه إليهم في جمادي اآلخرة سنة . واختار لتنفيذ هذه الخطة عمرو بن العاص ؛ ألن أم أبيه آانت امرأة من بليقد تجمعوا، يريدون أن يدنوا بل نقلت االستخبارات أن جمعا من قضاعة : على إثر معرآة مؤتة ؛ ليستألفهم، ويقال

. من أطراف المدينة، فبعثه إليه، ويمكن أن يكون السببان اجتمعا معا

وعقد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لعمرو بن العاص لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثالثمائة من فسار الليل . ين بمن مر به من بلي وعذرة وبلقينسراة المهاجرين واألنصار، ومعهم ثالثون فرسا، وأمره أن يستع

وآمن النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعا آثيرا، فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه ة المهاجرين واألنصار ـ فيهم وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين، وعقد له لواء، وبعث له سرا

فلما لحق به أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال . أبو بكر وعمر ـ وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعا وال يختلفا . إنما قدمت على مددا، وأنا األمير، فأطاعه أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس : عمرو

وخها حتى أتي أقصي بالدهم، ولقي في آخر ذلك جمعا، فحمل عليهم المسلمون وسار حتى وطئ بالد قضاعة، فد . فهربوا في البالد وتفرقوا

وبعث عوف بن مالك األشجعي بريدا إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فأخبره بقفولهم وسالمتهم، وما آان في . غزاتهم

وذآر ابن . بقعة وراء وادي القري، بينها وبين المدينة عشرة أيام ] تانلغ : بضم السين األولي وفتحها [ وذات السالسل . السلسل، فسمي ذات السالسل : إسحاق أن المسلمين نزلوا على ماء بأرض جذام يقال له

سرية أبي قتادة إلى خضرة

خضرة ـ وهي أرض محارب هـ ؛ وذلك ألن بني غطفان آانوا يتحشدون في 8آانت هذه السرية في شعبان سنة بنجد ـ فبعث إليهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجال، فقتل منهم، وسبي وغنم، وآانت

. غيبته خمس عشرة ليلة

غزوة فتح مكة

ن، واستنقذ به بلــده وبيته الذي هو الفتح األعظم الذي أعز اهللا به دينه ورسوله وجنده وحزبه األمـي : قال ابن القيمجعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشرآين، وهو الفتح الذي استبشر بـه أهـل السمـاء، وضـربت أطناب عزه

. هـ . على مناآب الجوزاء، ودخل الناس به فــي ديــن اهللا أفواجـا، وأشرق به وجه األرض ضياء وابتهاجا ا

سبب الغزوة

قدمنا في وقعة الحديبية أن بندا من بنود هذه المعاهدة يفيد أن من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى اهللا عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأن القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين تعتبر

. تلك القبائل يعتبر عدوانا على ذلك الفريقجزءا من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من

وحسب هذا البند دخلت خزاعة في عهد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وصارت آل من القبيلتين في أمن من األخري، وقد آانت بين القبيلتين عداوة وتوترات في الجاهلية، فلما جاء اإلسالم، ووقعت

الهدنة، وأمن آل فريق من اآلخر ـ اغتنمها بنو بكر، وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فخرج نوفل بن هذه : هـ، فأغاروا على خزاعة ليال، وهم على ماء يقال له 8معاوية الديلي في جماعة من بني بكر في شهر شعبان سنة

ا واقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسالح، وقاتل معهم رجال من قريش فأصابوا منهم رجاال، وتناوشو ] الوتير [ يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم، إلهك : مستغلين ظلمة الليل، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر

لتسرقون في الحرم، أفال تصيبون فلعمري إنكم . ال إله اليوم يا بني بكر، أصيبوا ثأرآم : إلهك، فقال آلمة عظيمة ؟ ثأرآم فيه

. رافع : ولما دخلت خزاعة مكة لجأوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي، وإلى دار مولي لهم يقال له

وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي، فخرج حتى قدم على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم المدينة، فوقف عليه، وهو : لمسجد بين ظهراني الناس فقالجالس في ا

إن هذه ( : ، ثم عرضت له سحابة من السماء، فقال ) نصرت يا عمرو بن سالم ( : فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) السحابة لتستهل بنصر بني آعب

صلى اهللا عليه وسلم المدينة، ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، حتى قدموا على رسول اهللا . فأخبروه بمن أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم رجعوا إلى مكة

أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح

وال شك أن ما فعلت قريش وحلفاؤها آان غدرا محضا ونقضا صريحا للميثاق، لم يكن له أي مبرر، ولذلك سرعان يش بغدرها، وخافت وشعرت بعواقبه الوخيمة، فعقدت مجلسا استشاريا، وقررت أن تبعث قائدها أبا ما أحست قر

. سفيان ممثال لها ليقوم بتجديد الصلح

آأنكم بأبي سفيان قد جاءآم ( : قال . وقد أخبر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أصحابه بما ستفعله قريش إزاء غدرتهم . ) ويزيد في المدةليشد العقد،

من : وخرج أبو سفيان ـ حسب ما قررته قريش ـ فلقي بديل بن ورقاء بعسفان ـ وهو راجع من المدينة إلى مكة ـ فقالسرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا : ـ وظن أنه أتي النبي صلى اهللا عليه وسلم ـ فقال ؟ أين أقبلت يا بديل

. ال : قال ؟ أو ما جئت محمدا : قال . الوادي

لئن آان جاء المدينة لقد علف بها النوي، فأتي مبرك راحلته، فأخذ من بعرها، : فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان . أحلف باهللا لقد جاء بديل محمدا : ففته، فرأي فيها النوي، فقال

يبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم طوته وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حببل هو فراش رسول اهللا صلى اهللا عليه : قالت ؟ يا بنية، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني : عنه، فقال

. واهللا لقد أصابك بعدي شر : فقال . وسلم، وأنت رجل مشرك نجس

صلى اهللا عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم ثم خرج حتى أتي رسول اهللاأأنا أشفع لكم إلى رسول اهللا : ثم أتي عمر بن الخطاب فكلمه، فقال . ما أنا بفاعل : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فقال

تكم به، ثم جاء فدخل على على بن أبي طالب، وعنده فاطمة، فواهللا لو لم أجد إال الذر لجاهد ؟ صلى اهللا عليه وسلميا علي، إنك أمس القوم بي رحما، وإني قد جئت في حاجة، فال أرجعن آما : وحسن، غالم يدب بين يديهما، فقالر ما ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على أم : جئت خائبا، اشفع لي إلى محمد، فقال

هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى : فالتفت إلى فاطمة، فقال . نستطيع أن نكلمه فيه . واهللا ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : قالت ؟ آخر الدهر

يا أبا الحسن، إني : أبي سفيان، فقال لعلى بن أبي طالب في هلع وانزعاج ويأس وقنوط وحيئذ أظلمت الدنيا أمام عينيولكنك سيد بني آنانة، فقم فأجر بين . واهللا ما أعلم لك شيئا يغني عنك : أري األمور قد اشتدت علي، فانصحني، قال

فقام . ال واهللا ما أظنه، ولكني لم أجد لك غير ذلك : قال ؟ أو تري ذلك مغنيا عني شيئا : قال . الناس، ثم الحق بأرضك . أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم رآب بعيره، وانطلق : أبو سفيان في المسجد، فقال

فلم جئت محمدا فكلمته، فواهللا ما رد على شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة : قال ؟ ما وراءك : ولما قدم على قريش، قالواأجد فيه خيرا، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته أدني العدو، ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم، قد أشار على بشيء

: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا : قال ؟ وبم أمرك : قالوا ؟ صنعته، فواهللا ما أدري هل يغني عني شيئا أم ال . ال واهللا ما وجدت غير ذلك : قال . ويلك، إن زاد الرجل على أن لعب بك : قالوا . ال : قال ؟ فهل أجاز ذلك محمد

التهيؤ للغزوة ومحاولة اإلخفاء

يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أمر عائشة ـ قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثالثة واهللا ما : فقال . واهللا ما أدري : قالت ؟ يابنية، ما هذا الجهاز : ، فدخل عليها أبو بكر، فقالأيام ـ أن تجهزه، وال يعلم أحد

واهللا ال علم لي، وفي صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم : قالت ؟ هذا زمان غزو بني األصفر، فأين يريد رسول اهللافعلم الناس بنقض الميثاق، وبعد عمرو جاء . األبيات . . . حمدايا رب إني ناشد م : الخزاعي في أربعين راآبا، وارتجز

بديل، ثم أبو سفيان، وتأآد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بالجهاز، وأعلمهم أنه سائر إلى . ) اللهم خذ العيون واألخبار عن قريش حتى نبغتها في بالدها ( : مكة، وقال

دة في اإلخفاء والتعمية بعث رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم سرية قوامها ثمانية رجال، تحت قيادة أبي قتادة بن وزياهـ 8ربعي، إلى بطن إضم، فيما بين ذي خشب وذي المروة، على ثالثة برد من المدينة، في أول شهر رمضان سنة

تلك الناحية، ولتذهب بذلك األخبار، وواصلت هذه السرية سيرها، ؛ ليظن الظان أنه صلى اهللا عليه وسلم يتوجه إلى . حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم خرج إلى مكة، فسارت إليه حتى لحقته

عطاه امرأة، وآتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش آتابا يخبرهم بمسير رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إليهم، ثم أوجعل لها جعال على أن تبلغه قريشا، فجعلته في قرون رأسها، ثم خرجت به، وأتي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

انطلقوا حتى تأتوا ( : الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليا والمقداد والزبير بن العوام وأبا مرثد الغنوي فقال، فانطلقوا تعادي بهم خيلهم حتى وجدوا المرأة بذلك المكان، ) بها ظعينة معها آتاب إلى قريش روضة خاخ، فإن

أحلف باهللا، ما : فقال لها علي . ما معي آتاب، ففتشوا رحلها فلم يجدوا شيئا : فقالت ؟ معك آتاب : فاستنـزلوها، وقالواأعرض، : فلما رأت الجد منه قالت . لتخرجن الكتاب أو لنجردنكآذب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وال آذبنا، واهللا

فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليهم، فأتوا به رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فإذا ا رسول اهللا صلى اهللا يخبرهم بمسير رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فدع ) من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش ( : فيه

واهللا إني لمؤمن باهللا ورسوله، وما . ال تعجل على يا رسول اهللا : فقال ) ؟ ما هذا يا حطب ( : عليه وسلم حاطبا، فقالارتددت وال بدلت، ولكني آنت امرأ ملصقـا في قريش ؛ لست من أنفسهم، ولي فيهم أهل وعشيرة وولد، وليس لي

. ابة يحمونهم، وآان من معك له قرابات يحمونهم، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتيفيهم قردعني يا رسول اهللا أضرب عنقه، فإنه قد خان اهللا ورسوله، وقد نافق، فقال رسول اهللا صلى : فقال عمر بن الخطاب

اعملوا ما شئتم فقد غفرت : يا عمر لعل اهللا قد اطلع على أهل بدر فقال إنه قد شهد بدرا، وما يدريك ( : اهللا عليه وسلم . اهللا ورسوله أعلم : ، فذرفت عينا عمر، وقال ) لكم

. وهكذا أخذ اهللا العيون، فلم يبلغ إلى قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وتهيئهم للزحف والقتال

الجيش اإلسالمي يتحرك نحو مكة

هـ، غادر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم المدينة متجها إلى مكــة، في 8لعشر خلون من شهر رمضان المبارك و . عشرة أالف من الصحابة رضي اهللا عنهم، واستخـلف على المدينة أبا رهم الغفاري

بأهله وعياله مسلما مهاجرا، ثم ولما آان بالجحفة ـ أو فوق ذلك ـ لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وآان قد خرجلما آان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم باألبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان ابن الحارث وابن عمته عبد اهللا بن أبي أمية،

ال يكن ابن عمك وابن عمتك أشقي : فأعرض عنهما، لما آان يلقاه منهما من شدة األذي والهجو، فقالت له أم سلمةائت رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة : وقال على ألبي سفيان بن الحارث . كالناس ب

، فإنه ال يرضي أن يكون أحد أحسن ] 91 : يوسف [ } قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن آنا لخاطئين { : يوسف ليوسفقال ال تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو { : ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . منه قوال

: ، فأنشده أبو سفيان أبياتا منها ] 92 : يوسف [ } أرحم الراحمين

. ) ؟ أنت طردتني آل مطرد ( : لفضرب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم صدره وقا

الجيش اإلسالمي ينزل بمر الظهران

وواصل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، حتى بلغ الكديد ـ وهو ماء بين عسفان الظهران ـ وادي فاطمة ـ نزله عشاء، فأمر الجيش، ثم واصل سيره حتى نزل بمر . وقديد ـ فأفطر، وأفطر الناس معه

فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آالف نار، وجعل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على الحرس عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه

أبو سفيان بين يدي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم البيضاء، وخرج يلتمس، ورآب العباس ـ بعد نزول المسلمين بمر الظهران ـ بغلة . لعله يجد بعض الحطابة أو أحدا يخبر قريشا ليخرجوا يستأمنون رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قبل أن يدخلها

قد خرج وآان اهللا قد عمي األخبار عن قريش، فهم على وجل وترقب، وآان أبو سفيان يخرج يتجسس األخبار، فكان . هو وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون األخبار

واهللا إني ألسير عليها ـ أي على بغلة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ـ إذ سمعت آالم أبي سفيان وبديل : قال العباسهذه واهللا : يقول بديل : الق . ما رأيت آالليلة نيرانا قط وال عسكرا : بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول . خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها : خزاعة، حمشتها الحرب، فيقول أبو سفيان

فداك أبي ؟ مالك : قال . نعم : قلت ؟ أبا الفضل : فعرف صوتي، فقال ؟ أبا حنظلة : فعرفت صوته، فقلت : قال العباس . هذا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في الناس، واصباح قريش واهللا : قلت . وأمي

واهللا لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فارآب في عجز هذه البغلة، حتى آتي بك : ، قلت ؟ فما الحيلة فداك أبي وأمي : قال . رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأستأمنه لك، فرآب خلفي، ورجع صاحباه

فإذا رأوا بغلة رسول اهللا صلى اهللا عليه ؟ من هذا : ت به، فكلما مررت به على نار من نيران المسلمين، قالوافجئ : قالمن : حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال . عم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على بغلته : وسلم وأنا عليها قالوا

الحمد هللا الذي أمكن منك بغير عقد وال ؟ أبو سفيان، عدو اهللا : ز الدابة قالوقام إلى، فلما رأي أبا سفيان على عج ؟ هذاعهد، ثم خرج يشتد نحو رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ورآضت البغلة فسبقت، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على

: ن فدعني أضرب عنقه، قاليا رسول اهللا، هذا أبو سفيا : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ودخل عليه عمر، فقالواهللا ال يناجيه : يا رسول اهللا، إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت : قلت

مهال يا عمر، فواهللا لو آان من رجال بني عدي بن آعب ما قلت مثل : الليلة أحد دوني، فلما أآثر عمر في شأنه قلتمهال يا عباس، فواهللا إلسالمك آان أحب إلى من إسالم الخطاب، لو أسلم، وما بي إال أني قد عرفت أن : هذا، قال

. إسالمك آان أحب إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من إسالم الخطاب

ذهبت، فلما أصبحت ، ف ) اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به ( : فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن ال إله إال ( : غدوت به إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فلما رآه قال

لقد ظننت أن لو آان مع اهللا إله غيره لقد أغني عني شيئا ؟ بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأآرمك وأوصلك : قال ) ؟ اهللا . بعد

: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأآرمك وأوصلك : ، قال ) ؟ ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول اهللا ( : قالويحك أسلم، واشهد أن ال إله إال اهللا، وأن محمدا رسول : فقال له العباس . أما هذه فإن في النفس حتى اآلن منها شيء

. وشهد شهادة الحقاهللا، قبل أن تضرب عنقك، فأسلم

نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو ( : قال . يا رسول اهللا، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا : قال العباس . ) آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن

الجيش اإلسالمي يغادر مر الظهران إلى مكة

هـ ـ غادر رسول اهللا صلى اهللا عليه 8لصباح ـ صباح يوم الثالثاء للسابع عشر من شهر رمضان سنة وفي هذا اوسلم مر الظهران إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود اهللا

: فيقول ـ مثال ـ سليم، فيقول ؟ يا عباس، من هذه : الفيراها، ففعل، فمرت القبائل على راياتها، آلما مرت به قبيلة قحتى نفذت القبائل، ؟ ما لي ولمزينة : مزينة، فيقول : فيقول ؟ يا عباس، من هؤالء : ثم تمر به القبيلة فيقول ؟ مإلى ولسليم

حتى مر به رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ؟ مالي ولبني فالن : ما تمر به قبيلة إال سأل العباس عنها، فإذا أخبره قاليا عباس، من ! سبحان اهللا : في آتيبته الخضراء، فيها المهاجرون واألنصار، ال يري منهم إال الحدق من الحديد، قال

ثم . وال طاقةما ألحد بهؤالء قبل : هذا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في المهاجرين واألنصار، قال : قال ؟ هؤالء . فنعم إذن : يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال : قال العباس . واهللا يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما : قال

اليـوم اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، : وآانت راية األنصار مع سعد بن عبادة، فلما مر بأبي سفيان قال له : قال ؟ يا رسول اهللا، ألم تسمع ما قال سعد : فلما حـاذي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أبا سفيان قال . أذل اهللا قـريشا

يا رسول اهللا، ما نأمن أن يكون له في قريش : فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف . قال آذا وآذا : فقال ) ؟ وما قال ( ثم أرسل ) بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز اهللا فيه قريشا ( : سول اهللا صلى اهللا عليه وسلمصولة، فقال ر

. بل دفعه إلى الزبير : وقيل . إلى سعد فنزع منه اللواء، ودفعه إلى ابنه قيس، ورأي أن اللواء لم يخرج عن سعد

قريش تباغت زحف الجيش اإلسالمي

فأسرع أبو سفيان حتى . النجاء إلى قومك : ر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بأبي سفيان ومضي قال له العباسولما مفمن دخل دار أبي سفيان . يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءآم فيما ال قبل لكم به : دخل مكة، وصرخ بأعلى صوته

اقتلوا الحميت الدسم األخمش الساقين، قبح من : شاربه فقالتفقامت إليه زوجته هند بنت عتبة فأخذت ب . فهو آمن . طليعة قوم

. ويلكم، التغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءآم بما ال قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن : قال أبو سفيانفتفرق الناس . ه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمنومن أغلق علي : قال ؟ قاتلك اهللا، وما تغني عنا دارك : قالوا

نقدم هؤالء، فإن آان لقريش شيء آنا معهم، وإن أصيبوا : إلى دورهم وإلى المسجد، ووبشوا أوباشا لهم، وقالوارو فتجمع سفهاء قريش وأخفاؤها مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عم . أعطينا الذي سئلنا

وآان فيهم رجل من بني بكر ـ حماس بن قيس ـ آان يعد قبل ذلك سالحا، فقالت له . بالخندمة ليقاتلوا المسلمينإني واهللا ألرجو أن : قال . واهللا ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء : قالت . لمحمد وأصحابه : قال ؟ لماذا تعد ما أري : امرأته

: أخدمك بعضهم، ثم قال

هــذا ســالح آامــل وأله ** إن يقبلوا اليوم فمالي عله

** وذو غرارين سريع السلة

. فكان هذا الرجل فيمن اجتمعوا في الخندمة

الجيش اإلسالمي بذي طوى

حين رأي ما أما رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فمضي حتى انتهي إلى ذي طوي ـ وآان يضع رأسه تواضعا هللا أآرمه اهللا به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل ـ وهناك وزع جيشه، وآان خالد بن الوليد على

ها، المجنبة اليمني ـ وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب ـ فأمره أن يدخل مكة من أسفل . ) إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا، حتى توافوني على الصفا ( : وقال

وآان الزبير بن العوام على المجنبة اليسري، وآان معه راية رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فأمره أن يدخل مكة . من أعالها ـ من آداء ـ وأن يغرز رايته بالحجون، وال يبرح حتى يأتيه

أبو عبيدة على الرجالة والحسر ـ وهم الذيم السالح معهم ـ فأمره أن يأخذ بطن الوادي حتى ينصب لمكة بين وآان . يدي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

الجيش اإلسالمي يدخل مكة

. وتحرآت آل آتيبة من الجيش اإلسالمي على الطريق التي آلفت الدخول منها

وقتل من أصحابه من المسلمين آرز بن جابر الفهري . يلقهم أحد من المشرآين إال أناموه فأما خالد وأصحابه فلمآانا قد شذا عن الجيش، فسلكا طريقا غير طريقه فقتال جميعا، وأما سفهاء قريش فلقيهم . وخنيس بن خالد بن ربيعة

من المشرآين اثني عشر رجال، فانهزم المشرآون، خالد وأصحابه بالخندمة فناوشوهم شيئا من قتال، فأصابوا . أغلقي على بابي : وانهزم حماس بن قيس ـ الذي آان يعد السالح لقتال المسلمين ـ حتى دخل بيته، فقال المرأته

: فقال ؟ وأين ما آنت تقول : فقالت

. صفاوأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على ال

وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح، وضرب له هناك قبة، . فلم يبرح حتى جاءه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يدخل المسجد الحرام ويطهره من األصنام

ليه وسلم، والمهاجرون واألنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد، فأقبل ثم نهض رسول اهللا صلى اهللا عإلى الحجر األسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت ثالثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها

قل جاء الحق وما يبدئ الباطل { ، ] 81 : اإلسراء [ } اجاء الحق وزهق الباطل إن الباطل آان زهوق { : بالقوس، ويقول . واألصنام تتساقط على وجوهها ] 49 : سبأ [ } وما يعيد

وآان طوافه على راحلته، ولم يكن محرما يومئذ، فاقتصر على الطواف، فلما أآمله دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه ر بها ففتحت فدخلها، فرأي فيها الصور، ورأي فيها صورة إبراهيم، وإسماعيل ـ عليهما السالم ـ مفتاح الكعبة، فأم

ورأي في الكعبة حمامة من عيدان، فكسرها بيده، . ) قاتلهم اهللا، واهللا ما استقسما بها قط ( : يستقسمان باألزالم، فقال . وأمر بالصور فمحيت

ي في الكعبة ثم يخطب أمام قريشالرسول صلى اهللا عليه وسلم يصل

ثم أغلق عليه الباب، وعلى أسامة وبالل، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب حتى إذا آان بينه وبينه ثالثة أذرع وقف، وجعل عمودين عن يساره، وعمودا عن يمينه، وثالثة أعمدة وراءه ـ وآان البيت يومئذ على ستة أعمدة ـ ثم صلي

في البيت، وآبر في نواحيه، ووحد اهللا، ثم فتح الباب، وقريش قد مألت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا ثم دار . هناك : فأخذ بعضادتي الباب وهم تحته، فقال ؟ يصنع

ال إله إال اهللا وحده ال شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم األحزاب وحده، أال آل مأثرة أو مال أو دم فهو ( هاتين، إال سدانة البيت وسقاية الحاج، أالوقتيل الخطأ شبه العمد ـ السوط والعصا ـ ففيه الدية مغلظة، مائة تحت قدمي

. من اإلبل أربعون منها في بطونها أوالد

: يا معشر قريش إن اهللا قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها باآلباء، الناس من آدم، وآدم من تراب ثم تال هذه اآليةيا أيها الناس إنا خلقناآم من ذآر وأنثى وجعلناآم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أآرمكم عند اهللا أتقاآم إن اهللا عليم {

. } خبير

ال تثريب عليكم اليوم

أقول لكم آما فإني ( : خيرا، أخ آريم وابن أخ آريم، قال : قالوا ) ؟ يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ( : ثم قال . ) اذهبوا فأنتم الطلقاء } ال تثريب عليكم { : قال يوسف إلخوته

مفتاح البيت إلى أهله

: ثم جلس رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي رضي اهللا عنه ومفتاح الكعبة في يده فقالعليك ـ وفي رواية أن الذي قال ذلك هو العباس ـ فقال رسول اهللا صلى اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى اهللا

، وفي ) هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء ( : فدعي له، فقال له . ) ؟ أين عثمان بن طلحة ( : اهللا عليه وسلمة تالدة، ال ينزعها منكم إال ظالم، يا خذوها خالد ( : رواية ابن سعد في الطبقات أنه قال له حين دفع المفتاح إليه

. ) عثمان إن اهللا استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف

بالل يؤذن على الكعبة

وحانت الصالة، فأمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بالال أن يصعد فيؤذن على الكعبة، وأبو سفيان بن حرب، لقد أآرم اهللا أسيدا أال يكون سمع هذا، : الحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتابوعتاب بن أسيد، وأما واهللا ال أقول شيئا، لو : فقال أبو سفيان . أما واهللا لو أعلم أنه حق التبعته : فقال الحارث . فيسمع منه ما يغيظه

ثم ) لقد علمت الذي قلتم ( : اهللا عليه وسلم فقال لهم فخرج عليهم النبي صلى . تكلمت ألخبرت عني هذه الحصباء . ذآر ذلك لهم

. نشهد أنك رسول اهللا، واهللا ما اطلع على هذا أحد آان معنا فنقول أخبرك : فقال الحارث وعتاب

صالة الفتح أو صالة الشكر

فاغتسل وصلى ثماني رآعات في بيتها ودخل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يومئذ دار أم هانئ بنت أبي طالب، ـ وآان ضحى ـ فظنها من ظنها صالة الضحى، وإنما هذه صالة الفتح، وأجارت أم هانئ حموين لها، فقال

، وقد آان أخوها علي بن أبي طالب أراد أن ) قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ( : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . بيتها، وسألت النبي صلى اهللا عليه وسلم فقال لها ذلك يقتلهما، فأغلقت عليهما باب

إهدار دم رجال من أآابر المجرمين

وأهدر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يومئذ دماء تسعة نفر من أآابر المجرمين، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت رمة بن أبي جهل، والحارث بن أستار الكعبة، وهم عبد العزى بن خطل، وعبداهللا بن سعد بن أبي سرح، وعك

نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة، وهبار بن األسود، وقينتان آانتا البن األخطل، آانت تغنيان بهجو النبي صلى . اهللا عليه وسلم، وسارة موالة لبعض بني عبد المطلب، وهي التي وجد معها آتاب حاطب

عليه وسلم، وشفع فيه، فحقن دمه، وقبل إسالمه بعد أن فأما ابن أبي سرح فجاء به عثمان إلى النبي صلى اهللا . أمسك عنه رجاء أن يقوم إليه بعض الصحابة فيقتله، وآان قد أسلم قبل ذلك وهاجر، ثم ارتد ورجع إلى مكة

وأما عكرمة بن أبي جهل، ففر إلى اليمن، فاستأمنت له امرأته، فأمنه النبي صلى اهللا عليه وسلم فتبعته، فرجع . ها وأسلم وحسن إسالمهمع

. فقتله ) اقتله ( : وأما ابن خطل فكان متعلقا بأستار الكعبة، فجاء رجل إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم وأخبره، فقال

وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبداهللا، وآان مقيس قد أسلم قبل ذلك، ثم عدا على رجل من األنصار فقتله، . ق بالمشرآينثم ارتد ولح

. وأما الحارث فكان شديد األذى لرسول اهللا بمكة، فقتله علي

وأما هبار بن األسود فهو الذي آان قد عرض لزينب بنت رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حين هاجرت، فنخس . بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها، ففر هبار يوم مكة ثم أسلم وحسن إسالمه

. ينتان فقتلت إحداهما، واستؤمن لألخرى فأسلمت، آما استؤمن لسارة وأسلمتوأما الق

وذآر الحاآم أيضا ممن . وذآر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طالطل الخزاعي، قتله على : قال ابن حجربنت عتبة أهدر دمه آعب بن زهير، وقصته مشهورة، وقد جاء بعد ذلك وأسلم ومدح، ووحشي بن حرب، وهند

امرأه أبي سفيان، وقد أسلمت، وأرنب مواله ابن خطل أيضا قتلت، وأم سعد قتلت، فيما ذآر ابن إسحاق، فكملت العدة ثامنية رجال وست نسوة، ويحتمل أن تكون أرنب وأم سعد القينتان، أختلف في اسمهما أو باعتبار الكنية

. واللقب

إسالم صفوان بن أمية، وفضالة بن عمير

لم يكن صفوان ممن أهدر دمه، لكنه بصفته زعيما آبيرا من زعماء قريش خاف على نفسه وفر، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأمنه، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة، فلحقة عمير

اجعلني بالخيار : صلى اهللا عليه وسلم وهو يريد أن يرآب البحر من جدة إلى اليمن فرده، فقال لرسول اهللاثم أسلم صفوان، وقد آانت امرأته أسلمت قبله، فأقرهما على النكاح ) أنت بالخيار أربعة أشهر ( قال . شهرين . األول

وآان فضالة رجال جريئا جاء إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وهو في الطواف؛ ليقتله، فأخبر الرسول . عليه وسلم بما في نفسه فأسلمصلى اهللا

: خطبة الرسول صلى اهللا عليه وسلم الثاني من الفتح

ولما آان الغد من يوم الفتح قام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في الناس خطيبا، فحمد اهللا، وأثنى عليه، ومجده موات واألرض، فهي حرام بحرمة اهللا إلى يوم أيها الناس، إن اهللا حرم مكة يوم خلق الس ( : بما هو أهله، ثم قال

القيامة، فال يحل المرئ يؤمن باهللا واليوم اآلخر أن يسفك فيها دما، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال إن اهللا أذن لرسولة ولم يأذن لكم، وإنما حلت لي ساعة من نهار، وقد : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فقولوا

. ) ها اليوم آحرمتها باألمس، فليبلغ الشاهد الغائبعادت حرمت

يا : ، فقال العباس ) ال يعضد شوآه، وال ينفر صيده وال تلتقط ساقطته إال من عرفها، وال يختلى خاله ( : وفي رواية . ) إال اإلذخر ( : رسول اهللا، إال اإلذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال

ومئذ رجال من بنى ليث بقتيل لهم في الجاهلية، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بهذا وآانت خزاعة قتلت ييا معشر خزاعة، ارفعو أيديكم عن القتل، فلقد آثر القتل إن نفع، ولقد قتلتم قتياال ألدينه، فمن قتل بعد ( : الصدد

. ) قلهمقامي هذا فأهله بخير النظرين، إن شاءوا فدم قاتله، وإن شاءوا فع

اآتب لي يا رسول اهللا، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه : شاه فقال : فقام رجل من أهل اليمن يقال له : وفي رواية . ) اآتبو ألبي شاه ( : وسلم

تخوف األنصار من بقاء الرسول صلى اهللا عليه وسلم في مكة

أترون : قال األنصار فيما بينهم - وهي بلده ووطنه ومولده -ولما تم فتح مكة على الرسول صلى اهللا عليه وسلم فلما -وهو يدعو على الصفا رافعا يديه -رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إذ فتح اهللا عليه أرضه وبلده أن يقيم بها

، فقال رسول اهللا صلى اهللا ال شيء يا رسول اهللا، فلم يزل بهم حتى أخبروه : قالوا ) ؟ ماذا قلتم ( : فرغ من دعائة قال . ) معاذ اهللا، المحيا محياآم، والممات مماتكم ( : عليه وسلم

أخذ البيعة

وحين فتح اهللا مكة على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم والمسلمين، تبين ألهل مكة الحق، وعلموا أن ال سبيل إلى جلس رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، النجاح إال اإلسالم، فأذعنوا له، واجتمعوا للبيعة، ف

. وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا

روى أن النبي صلى اهللا عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على : وفي المداركسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة، الصفا، وعمر قاعد أ

خوفا من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن يعرفها؛ لما صنعت بحمزة، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم شيئا فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه ، فبايع عمر النساء على أال يشرآن باهللا ) أبايعكن على أال تشرآن باهللا شيئا (

وما : فقال أبو سفيان ؟ إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات : فقالت هند ) وال تسرقن ( : وسلمنعم، فاعف : قالت ) ؟ وإنك لهند ( : أصبت فهو لك حالل، فضحك رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وعرفها، فقال

. ف يا نبي اهللا، عفا اهللا عنكعما سل

؟ أو تزني الحرة : فقالت . ) وال يزنين ( : فقال

ربيناهم صغارا، وقتلناهم آبارا، فأنتم وهم أعلم ـ وآان ابنها حنظلة بن أبي : فقالت . ) وال يقتلن أوالدهن ( : فقال . هللا صلى اهللا عليه وسلمسفيان قد قتل يوم بدرـ فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول ا

. واهللا إن البهتان ألمر قبيح وما تأمرنا إال بالرشد ومكارم األخالق : فقالت ) وال يأتين ببهتان ( : قال

. واهللا ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك : فقالت ) وال يعصينك في معروف ( : فقال

. آنا منك في غرور : ولولما رجعت جعلت تكسر صنمها وتق

يا رسول اهللا ما آان على ظهر األرض من أهل خباء أحب إلي أن : جاءت هند بنت عتبة فقالت : وفي الصحيح : قال . يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر األرض أهل خباء أحب إلي أن يغزوا من أهل خبائك

يا رسول ال،له إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن أطعم من الذي له : تقال ) وأيضا، والذي نفسي بيده ( . ) ال أره إال بالمعروف ( : قال ؟ عيالنا

إقامته صلى اهللا عليه وسلم بمكة وعمله فيها

دى والتقى، وأقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يجدد معالم اإلسالم، ويرشد الناس إلى الهوخالل هذه اآليام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى اإلسالم، ولكسر األوثان

من آان يؤمن باهللا واليوم اآلخر فال يدع في بيته صنما : التي آانت حول مكة، فكسرت آلها، ونادى مناديه بمكة . إال آسره

السرايا والبعوث

طمأن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من ـ ولما ا1وآان . هـ ـ ليهدمها وآانت بنخلة، وآانت لقريش وجميع بني آنانة وهي أعظم أصنامهم 8شهر رمضان ـ سنة

ولما رجع إليها سأله رسول اهللا . فهدمهاسدنتها بني شيبان، فخرج إليها خالد في ثالثين فارسا حتى انتهى إليها، فرجع خالد متغيظا قد ) فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها ( : ال قال : قال ) ؟ هل رأيت شيئا ( صلى اهللا عليه وسلم

جرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في ( : نتين، ثم رجع إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأخبره، فقالباث

. ) بالدآم أبدا

آيلوا 150ـ ثم بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى سواع ليهدمه وهو صنم لهذيل برهاط، على قرابة 2أمرني رسول اهللا صلى اهللا عليه : قال ؟ ما تريد : ال له السادنمترا شمال شرقي مكة، فلما انتهى إليه عمرو ق

ويحك فهل يسمع أو ؟ حتى اآلن أنت على الباطل : قال تمنع قال ؟ لم : ال تقدر على ذلك قال : وسلم أن أهدمه قال : قال ؟ آيف رأيت : سادنثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئا، ثم قال لل ؟ يبصر

. أسلمت هللا

ـ وفي الشهر نفسه بعث سعد بن زيد بن األشهلي في عشرين فارسا إلى مناة وآانت بالمشلل عند قديد لألوس 3أنت وذاك، فأقبل : هدم مناة، قال : قال ؟ ما تريد : والخزرج وغسان وغيرهم، فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها

مناة : سعد، وخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتضرب صدرها، فقال لها السادنإليها . فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم فهدمه وآسره، ولم يجدوا في خزانته شيئا . دونك بعض عصاتك

هـ ـ 8ه وسلم في شوال من نفس السنة ـ ـ ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى بعثه رسول اهللا صلى اهللا علي4إلى بني جذيمة داعيا إلى اإلسالم ال مقاتال فخرج في ثالثمائة وخمسين رجال من المهاجرين واألنصار وبني

فجعل خالد . صبأنا، صبأنا : أسلمنا، فجعلوا يقولون : سليم، فانتهى إليهم فدعاهم إلى اإلسالم فلم يحسنوا أن يقولواأسرهم ودفع إلى آل رجل ممن آان معه أسيرا، فأمر يوما أن يقتل آل رجل أسيره فأبى ابن عمر يقتلهم وي

اللهم ( : وأصحابه حتى قدموا على النبي صلى اهللا عليه وسلم، فذآروا له، فرفع صلى اهللا عليه وسلم يديه وقال . مرتين ) إني أبرأ إليك مما صنع خالدا

ين قتلوا أسراهم دون المهاجرين واألنصار وبعث رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عليا وآانت بنو سليم هم الذفودى لهم قتالهم وما ذهب منهم وآان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف آالم وشر في ذلك فبلغ النبي صلى اهللا

فقته في سبيل اهللا ما أدرآت غدوة مهال يا خالد، دع عنك أصحابي، فواهللا لو آان أحد ذهبا، ثم أن ( : عليه وسلم فقال . ) رجل من أصحابي وال روحته

تلك هي غزوة فتح مكة، وهي المعرآة الفاصلة والفتح األعظم الذي قضى على آيان الوثنية قضاء باتا، ولم العراك يترك لبقائها مجاال وال مبررا في ربوع الجزيرة العربية، فقد آانت عامة القبائل تنتظر ماذا يتمخض عنه

واالصطدام الذي آان دائرا بين المسلمين والوثنيين وآانت تلك القبائل تعرف جيدا أن الحرم ال يسيطر عليه إال من آان على الحق وآان قد تأآد لديهم هذا االعتقاد الجازم أي تأآد قبل نصف القرن حين قصد أصحاب الفيل

. هذا البيت فأهلكوا وجعلوا آعصف مأآول

ح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به وآلم بعضهم بعضا، وناظره في وآان صلاإلسالم، وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه والدعوة إليه والمناظرة عليه، ودخل بسببه آثير

لفة على ثالث آالف إذا هو يزخر في في اإلسالم، حتى إن عدد الجيش اإلسالمي الذي لم يزد في الغزوات السا . هذه الغزوة في عشرة آالف

وهذه الغزوة الفاصلة فتحت أعين الناس وأزالت عنها آخر الستور التي آانت تحول بينها وبين اإلسالم وبهذا الفتح سيطر المسلمون على الموقف السياسي والديني آليهما معا في طول جزيرة العرب وعرضها، فقد انتقلت

. إليهم الصدارة الدينية والزعامة الدنيوية

فالطور الذي آان قد بدأ بعد صلح الحديبية لصالح المسلمين قد تم وآمل بهذا الفتح المبين، وبدأ بعد ذلك طور ولم يبق ألقوام العرب إال أن يفدوا . آخر آان لصالح المسلمين تماما، وآان لهم فيه السيطرة على الموقف تماما

رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فيعتنقوا اإلسالم ويحملوا دعوته إلى العالم، وقد تم استعدادهم لذلك في سنتين إلى . آتيتين

المرحلة الثالثة

تمثل النتائج التي أثمرتها دعوته اإلسالمية بعد . وهي آخر مرحلة من مراحل حياة الرسول صلى اهللا عليه وسلمب وقالقل وفتن واضطرابات ومعارك وحروب دامية واجهتها طيلة بضعة وعشرين جهاد طويل وعناء ومتاع

. عاما

وآان فتح مكة هو أعظم فتح حصل عليه المسلمون في هذه األعوام، تغير ألجله مجرى األيام، وتحول به جو ظر العرب حماة الدين العرب، فقد آان الفتح حدا فاصال بين السابقة عليه وبين ما بعده، فإن قريشا آانت في ن

. وأنصاره، والعرب في ذلك تبع لهم، فخضوع قريش يعتبر القضاء األخير على الدين الوثني في جزيرة العرب

: ويمكن أن نقسم هذه المرحلة إلى صفحتين

. صفحة المجاهدة والقتال ـ1

. صفحة تسابق الشعوب والقبائل إلى اعتناق اإلسالم ـ2

ن متالصقتان تناوبتا في هذه المرحلة، ووقعت آل واحدة منهما خالل األخرى إال أنا اخترنا في وهاتان الصفحتاالترتيب الوضعي أن نأتي على ذآر آل من الصفحتين متميزة عن األخرى، ونظرا إلى صفحة القتال ألصق بما

. مضى، وأآثر مناسبة من األخرى قدمناها في الترتيب

ام ـ مالك بن عوف ـ المسير إلى حرب المسلمين، ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، ولما أجمع القائد العفسار حتى نزل بأوطاس ـ وهو واد في دار هوازن بالقرب من حنين، لكن وادي أوطاس غير وادي حنين،

. وحنين واد إلى جنب ذي المجاز، بينه وبين مكة بضعة عشر ميال من جهة عرفات

مجرب الحروب يغلط رأي القائد

ولما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وفيهم دريد بن الصمة ـ وهو شيخ آبير، ليس فيه إال رأيه ومعرفته بالحرب رس ، وال سهل نعم مجال الخيل، ال حزن ض : بأوطاس، قال : قالوا ؟ بأي واد أنتم : وآان شجاعا مجربا ـ قال دريد

ساق مالك بن عوف مع : قالوا ؟ دهس، مإلى أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصبي، وثغاء الشاءأردت أن أجعل خلف آل رجل : الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم، فدعا مالكا وسأله عما حمله على ذلك، فقال

إنها إن آانت لك لم ينفعك إال رجل ؟ راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيء : أهله وماله ليقاتل عنهم، فقاليا مالك، : بسيفه ورمحه، وإن آانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم سأل عن بعض البطون والرؤساء، ثم قال

لياء قومهم، ثم الق الصباة إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، ارفعهم إلى ممتنع بالدهم وع . على متون الخيل، فإن آانت لك لحق بك من وراءك، وإن آانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك

والله ال أفعل، إنك قد آبرت وآبر عقلك، والله لتطيعني هوازن : ولكن مالكا ـ القائد العام ـ رفض هذا الطلب قائالفقال . أطعناك : لى هذا السيف حتى يخرج من ظهري، وآره أن يكون لدريد فيها ذآر أو رأي، فقالواأو ألتكئن ع

: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني : دريد

أخب فيها وأضع ** يا ليتنـي فيها جـذع

آأنها شـاة صدع ** أقود وطفاء الزمــع

سالح استكشاف العدو

: إلى مالك عيون آان قد بعثهم لالستكشاف عن المسلمين، جاءت هذه العيون وقد تفرقت أوصالهم، قالوجاءت . رأينا رجاال بيضا على خيل بلق، واهللا ما تماسكنا أن أصابنا ما تري : قالوا ؟ ويلكم، ما شأنكم

سالح استكشاف رسول الله صلى اهللا عليه وسلم

ول الله صلى اهللا عليه وسلم بمسير العدو، فبعث أبا حدرد األسلمي، وأمره أن يدخل في ونقلت األخبار إلى رس . الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم، ففعل

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يغادر مكة إلى حنين

ى اهللا عليه وسلم مكةـ وآان ذلك اليوم هـ ـ غادر رسول الله صل 8وفي يوم السبت ـ السادس من شهر شوال سنة التاسع عشر من يوم دخوله في مكة ـ خرج في اثني عشر ألفا من المسلمين ؛ عشرة آالف ممن آانوا خرجوا معه

وأآثرهم حديثو عهد باإلسالم واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها، . لفتح مكة، وألفان من أهل مكة . اب بن أسيدواستعمل على مكة عت

إني طلعت جبل آذا وآذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم : ولما آان عشية جاء فارس، فقال، ) تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله ( : وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم وقال

. الليلة أنس بن أبي مرثد الغنويوتطوع للحراسة تلك

ذات أنواط، آانت العرب تعلق عليها أسلحتهم، : وفي طريقهم إلى حنين رأوا سدرة عظيمة خضراء يقال لهااجعل لنا ذات أنواط، آما : ويذبحون عندها ويعكفون، فقال بعض أهل الجيش لرسول الله صلى اهللا عليه وسلم

: اجعل لنا إلها آما لهم آلهة، قال : الله أآبر، قلتم والذي نفس محمد بيده آما قال قوم موسي ( : فقال . لهم ذات أنواط . ) إنكم قوم تجهلون، إنها السنن، لترآبن سنن من آان قبلكم

الله صلى اهللا عليه لن نغلب اليوم، وآان قد شق ذلك على رسول : وقد آان بعضهم قال نظرا إلى آثرة الجيش : وسلم

الجيش اإلسالمي يباغت بالرماة والمهاجمينانتهي الجيش اإلسالمي إلى حنين، الليلة التي بين الثالثاء واألربعاء لعشر خلون من شوال، وآان مالك بن عوف

شعاب واألخباء والمضايق، قد سبقهم، فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي، وفرق آمناءه في الطرق والمداخل وال . وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أول ما طلعوا، ثم يشدوا شدة رجل واحد

وبالسحر عبأ رسول الله صلى اهللا عليه وسلم جيشه، وعقد األلوية والرايات، وفرقها على الناس، وفي عماية ، وهم ال يدرون بوجود آمناء العدو في مضايق هذا الصبح استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه

الوادي، فبينا هم ينحطون إذا تمطر عليهم النبال، وإذا آتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانشمر المسلمون راجعين، ال يلوي أحد على أحد، وآانت هزيمة منكرة، حتى قال أبو سفيان بن حرب، وهو حديث عهد

. أال بطل السحر اليوم : نتهي هزيمتهم دون البحر ـ األحمر ـ وصرخ جبلة أو آلدة بن الحنبلال ت : باإلسالم

هلموا إلى أيها الناس، أنا رسول اهللا، أنا محمد ( : وانحاز رسول الله صلى اهللا عليه وسلم جهة اليمين وهو يقولتسعة على قول ابن إسحاق، واثنا . عدد قليل من المهاجرين واألنصار ولم يبق معه في موقفه إال ) بن عبد الله

آنت مع : عشر على قول النووي، والصحيح ما رواه أحمد والحاآم في المستدرك من حديث ابن مسعود، قالا النبي صلى اهللا عليه وسلم يوم حنين، فولي عنه الناس وثبت معه ثمانون رجالمن المهاجرين واألنصار، فكن

لقد رأيتنا يوم حنين وإن : على أقدامنا ولم نولهم الدبر، وروي الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال . الناس لمولين، وما مع رسول الله صلى اهللا عليه وسلممائة رجل

: الكفار وهو يقولوحينئذ ظهرت شجاعة النبي صلى اهللا عليه وسلم التي ال نظير لها، فقد طفق يرآض بغلته قبل

) أنا ابن عبد المطلب** أنــا النبي ال آذب (

بيد أن أبا سفيان بن الحارث آان آخذا بلجام بغلته، والعباس برآابه، يكفانها أال تسرع، ثم نزل رسول الله صلى . ) اللهم أنزل نصرك ( : اهللا عليه وسلم فاستنصر ربه قائال

حتدام المعرآةرجوع المسلمين وافقلت : وأمر رسول الله صلى اهللا عليه وسلم عمه العباس ـ وآان جهير الصوت ـ أن ينادي الصحابة، قال العباس

فواهللا لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أوالدها، : قال ؟ أين أصحاب السمرة : بأعلى صوتيويذهب الرجل ليثني بعيره فال يقدر عليه، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه . بيكيا لبيك، يا ل : فقالوا

. وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس واقتتلوا

قصرت الدعوة في بني الحارث بن يا معشر األنصار، يا معشر األنصار، ثم : وصرفت الدعوة إلى األنصارالخزرج، وتالحقت آتائب المسلمين واحدة تلو األخري آما آانوا ترآوا الموقعة، وتجالد الفريقان مجالدة شديدة،

ثم أخذ . ) اآلن حمي الوطيس ( : ونظر رسول الله صلى اهللا عليه وسلم إلى ساحة القتال، وقد استحر واحتدم، فقال، فما ) شاهت الوجوه ( : ه صلى اهللا عليه وسلم قبضة من تراب األرض، فرمي بها في وجوه القوم وقالرسول الل

. خلق الله إنسانا إال مألعينيه ترابا من تلك القبضة، فلم يزل حدهم آليال وأمرهم مدبرا

انكسار حدة العدو وهزيمته الساحقةبعد رمي القبضة ـ حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وقتل من ثقيف وحدهم نحو وما هي إال ساعات قالئل ـ

. السبعين، وحاز المسلمون ما آان مع العدو من مال وسالح وظعن

عنكم شيئا ويوم حنين إذ أعجبتكم آثرتكم فلم تغن { : وهذا هو التطور الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في قولهعلى المؤمنين وأنزل جنودا وضاقت عليكم األرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله و

] 26، 25 : التوبة [ } لم تروها وعذب الذين آفروا وذلك جزاء الكافرين

حرآة المطاردةولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى اهللا

زم عليه وسلم إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامراألشعري، فتناوش الفريقان القتال قليال ، ثم انه . جيش المشرآين، وفي هذه المناوشة قتل القائد أبو عامر األشعري

وطاردت طائفة أخري من فرسان المسلمين فلول المشرآين الذين سلكوا نخلة، فأدرآت دريد بن الصمة فقتله . ربيعة بن رفيع

لله صلى اهللا عليه وسلم بنفسه بعد أن وأما معظم فلول المشرآين الذين لجأوا إلى الطائف، فتوجه إليهم رسول ا . جمع الغنائم

الغنائمالسبي ستة آالف رأس، واإلبل أربعة وعشرون ألفا ، والغنم أآثر من أربعين ألف شاة، وأربعة : وآانت الغنائم

يها مسعود بن آالف أوقية فضة، أمر رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بجمعها، ثم حبسها بالجعرانة، وجعل عل . عمرو الغفاري، ولم يقسمها حتى فرغ من غزوة الطائف

وآانت في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية ؛ أخت رسول الله صلى اهللا عليه وسلم من الرضاعة، فلما جيء أجلسها بها إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عرفت له نفسها، فعرفها بعالمة فأآرمها، وبسط لها رداءه، و

. عليه، ثم من عليها، وردها إلى قومها

غزوة الطائفوهذه الغزوة في الحقيقة امتداد لغزوة حنين، وذلك أن معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع القائد العام ـ

ه من حنين وجمع مالك بن عوف النصري ـ وتحصنوا بها، فسار إليهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعد فراغ . هـ 8الغنائم بالجعرانة، في الشهر نفسه ـ شوال سنة

وقدم خالد بن الوليد على مقدمته طليعة في ألف رجل، ثم سلك رسول اللهصلى اهللا عليه وسلم إلى الطائف، فمر ن عوف فأمر بهدمه، في طريقه على نخلة اليمانية، ثم على قرن المنازل، ثم على لية، وآان هناك حصن لمالك ب

ثم واصل سيره حتى انتهي إلى الطائف فنزل قريبا من حصنه، وعسكر هناك، وفرض الحصار على أهل . الحصن

أن مدة حصارهم آانت أربعين يوما، وعند أهل السير : ودام الحصار مدة غير قليلة، ففي رواية أنس عند مسلم . خمسة عشر : ثمانية عشر، وقيل : بضعة عشر، وقيل : عشرين يوما، وقيل : خالف في ذلك، فقيل

ووقعت في هذه المدة مراماة، ومقاذفات، فالمسلمون أول ما فرضوا الحصار رماهم أهل الحصن رميا شديدا، آأنه رجل جراد، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجال، واضطروا إلى االرتفاع

. م إلى مسجد الطائف اليوم، فعسكروا هناكعن معسكره

ونصب النبي صلى اهللا عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف، وقذف به القذائف، حتى وقعت شدخة في جدار . الحصن، فدخل نفر من المسلمين تحت دبابة

رجوا من تحتها، فرموهم فخ . ودخلوا بها إلى الجدار ليحرقوه، فأرسل عليهم العدو سكك الحديد محماة بالنار . بالنبل وقتلوا منهم رجاال

وأمر رسول الله صلى اهللا عليه وسلم ـ آجزء من سياسة الحرب إللجاء العدو إلى االستسالم ـ أمر بقطع األعناب . وتحريقها، فقطعها المسلمون قطعا ذريعا، فسألته ثقيف أن يدعها لله والرحم، فترآها لله والرحم

أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر، فخرج إليهم ثالثة وعشرون : ى مناديه صلى اهللا عليه وسلمونادرجال ، فيهم أبو بكرة ـ تسور حصن الطائف، وتدلي منه ببكرة مستديرة يستقى عليها، فكناه رسول الله صلى اهللا

ليه وسلم، ودفع آل رجل منهم إلى رجل من المسلمين ـ فأعتقهم رسول الله صلى اهللا ع ] أبا بكرة [ عليه وسلم . يمونه، فشق ذلك على أهل الحصن مشقة شديدة

ولما طال الحصار واستعصي الحصن، وأصيب المسلمون بما أصيب من رشق النبال وبسكك الحديد المحماة ـ هللا عليه وسلم نوفل بن معاوية وآان أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة ـ استشار رسول الله صلى ا

هم ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته وإن ترآته لم يضرك، وحينئذ عزم رسول الله صلى اهللا : الديلي فقالعليه وسلم على رفع الحصار والرحيل، فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس، إنا قافلون غدا إن شاء الله، فثقل

، فغدوا فأصابهم ) اغدوا على القتال ( : فقال رسول الله صلى اهللا عليه وسلم ؟ ب وال نفتحهنذه : عليهم وقالوافسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول الله صلى اهللا عليه ) إنا قافلون غدا إن شاء الله ( : جراح، فقال . وسلم يضحك

. ) آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون ( : قولوا : ولما ارتحلوا واستقلوا قال

. ) اللهم اهد ثقيفا، وائت بهم ( : يا رسول الله، ادع على ثقيف، فقال : وقيل

قسمة الغنائم بالجعرانة

ولما عاد رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بعد رفع الحصار عن الطائف مكث بالجعرانة بضع عشرة ليلة ال يقسم نائم، ويتأني بها، يبتغي أن يقدم عليه وفد هوازن تائبين فيحرزوا ما فقدوا، ولكنه لم يجئه أحد، فبدأ بقسمة الغ

المال، ليسكت المتطلعين من رؤساء القبائل وأشراف مكة، فكان المؤلفة قلوبهم أول من أعطي وحظي باألنصبة . الجزلة

؟ ابني معاوية : فأعطاه مثلها، فقال ؟ ابني يزيد : إلبل، فقالأعطي أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من اوأعطي صفوان بن أمية . فأعطاه مثلها، وأعطي حكيم بن حزام مائة من اإلبل، ثم سأله مائة أخري، فأعطاه إياها

ن اإلبل، وآذلك مائة من اإلبل، ثم مائة ثم مائة ـ آذا في الشفاء ـ وأعطي الحارث بن الحارث بن آلدة مائة مأعطي رجاال من رؤساء قريش وغيرها مائة مائة من اإلبل وأعطي آخرين خمسين خمسين وأربعين أربعين،

حتى شاع في الناس أن محمدا يعطي عطاء، ما يخاف الفقر، فازدحمت عليه األعراب يطلبون المال حتى علي ردائي، فو الذي نفسي بيده لو آان عندي أيها الناس، ردوا ( : اضطروه إلى شجرة، فانتزعت رداءه فقال

. ) عدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيال وال جبانا وال آذابا

أيها الناس، والله مالى من ( : ثم قام إلى جنب بعيره فأخذ من سنامه وبرة، فجعلها بين إصبعه، ثم رفعها، فقال . ) إال الخمس، والخمس مردود عليكمفيئكم وال هذه الوبرة

وبعد إعطاء المؤلفة قلوبهم أمر رسول الله صلى اهللا عليه وسلم زيد بن ثابت بإحضار الغنائم والناس، ثم فرضها على الناس، فكانت سهامهم لكل رجل إما أربعا من اإلبل، وإما أربعين شاة، فإن آان فارسا أخذ اثني عشر بعيرا

. مائة شاةأو عشرين و

األنصار تجد على رسول الله صلى اهللا عليه وسلم . آانت هذه القسمة مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تفهم أول األمر، فأطلقت ألسنة شتي باالعتراض

تلك لما أعطي رسول الله صلى اهللا عليه وسلم ما أعطي من : روى ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري قالالعطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في األنصار منها شيء، وجد هذا الحي من األنصار في أنفسهم

لقي والله رسول الله صلى اهللا عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن : حتى آثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهمنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي يا رسول الله، إن هذا الحي من األ : عبادة فقال

أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من األنصار منها لي قومك في هذه فاجمع ( : قال . يا رسول الله، ما أنا إال من قومي : قال ) ؟ فأين أنت من ذلك يا سعد ( : قال . شيء

وجاء . فخرج سعد فجمع األنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين فترآهم فدخلوا . ) الحظيرةلقد اجتمع لك هذا الحي من األنصار، فأتاهم رسول الله صلى اهللا : آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال

يا معشر األنصار، ما قاله بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها على في ( : قالعليه وسلم فحمد الله، وأثني عليه، ثم بلـي، الله ورسولـه : قالـوا ) ؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ وعالة فأغناآم الله ؟ ألم آتكم ضالال فهداآم الله ؟ أنفسكم

. أمن وأفضل

أما ( : قال . لله ورسوله المن والفضل ؟ بماذا نجيبك يا رسول الله : قالوا ) ؟ شر األنصارأال تجيبوني يا مع ( : ثم قالأتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذوال فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائال : والله لو شئتم لقلتم، فصدقتم ولصدقتم

. ) فآسيناك

أال ؟ ر األنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووآلتكم إلى إسالمكمأوجدتم يا معش ( ترضون يا معشر األنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله صلى اهللا عليه وسلم إلى

من األنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلكت األنصار فوالذي نفس محمد بيده، لوال الهجرة لكنت امرأ ؟ رحالكم . ) شعبا لسلكت شعب األنصار، اللهم ارحم األنصار، وأبناء األنصار، وأبناء أبناء األنصار

رضينا برسول الله صلى اهللا عليه وسلم قسما وحظا، ثم انصرف رسول : فبكي القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا . لى اهللا عليه وسلم، وتفرقواالله ص

قدوم وفد هوازن

وبعد توزيع الغنائم أقبل وفد هوازن مسلما، وهم أربعة عشر رجال ورأسهم زهير ابن صرد، وفيهم أبو برقان عم األمهات يا رسول الله، إن فيمن أصبتم : رسول الله صلى اهللا عليه وسلم من الرضاعة، فأسلموا وبايعوا ثم قالوا

: واألخوات، والعمات والخاالت، وهن مخازي األقوام

فإنـك المرء نرجـوه وننتظر ** فامنن علينا رسول الله في آـرم

إذ فوك تملؤه من محضها الدرر ** امنن على نسوة قد آنت ترضعها

آم ونساؤآم أحب إليكم أم إن معي من ترون، وإن أحب الحديث إلى أصدقه، فأبناؤ ( : فقال . وذلك في أبياتإنا : إذا صليت الغداة ـ أي صالة الظهر ـ فقوموا فقولوا ( : فقال . ما آنا نعدل باألحساب شيئا : قالوا ) ؟ أموالكم

نستشفع برسول الله صلى اهللا عليه وسلم إلى المؤمنين، ونستشفع بالمؤمنين إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أما ما آان لي ( : فقال رسول الله صلى اهللا عليه وسلم . ، فلما صلي الغداة قاموا فقالوا ذلك ) ينا سبيناأن يرد إل

ما آان لنا فهو لرسول الله صلى : ، فقال المهاجرون واألنصار ) ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأسأل لكم الناسوقال . أما أنا وبنو فزارة فال : وقال عيينة بن حصن . أنا وبنو تميم فال أما : فقال األقرع بن حابس . اهللا عليه وسلم

فقال . ما آان لنا فهو لرسول الله صلى اهللا عليه وسلم : فقالت بنو سليم . أما أنا وبنو سليم فال : العباس بن مرداس . وهنتموني : العباس بن مرداس

إن هؤالء القوم قد جاءوا مسلمين، وقد آنت استأنيت سبيهم، وقد خيرتهم ( : اهللا عليه وسلمفقال رسول الله صلى فلم يعدلوا باألبناء والنساء شيئا، فمن آان عنده منهن شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل ذلك، ومن أحب أن

قد طيبنا : ، فقال الناس ) له علينايستمسك بحقه فليرد عليهم، وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الإنا ال نعرف من رضي منكم ممن لم يرض، فارجعوا حتى يرفع إلينا ( : فقال . لرسول الله صلى اهللا عليه وسلم

، فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، لم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن، فإنه أبي أن يرد ) عرفاؤآم أمرآم . ي يديه منهم، ثم ردها بعد ذلك، وآسا رسول الله صلى اهللا عليه وسلم السبي قبطية قبطيةعجوزا صارت ف

العمرة واالنصراف إلى المدينة

ولما فرغ رسول الله صلى اهللا عليه وسلم من قسمة الغنائم في الجعرانة أهل معتمرا منها، فأدي العمرة، عد أن ولي على مكة عتاب بن أسيد، وآان رجوعه إلى المدينة ودخوله وانصرف بعد ذلك راجعا إلى المدينة ب . هـ 8فيها لست ليال بقيت من ذي القعدة سنة

البعوث والسرايا بعد الرجوع من غزوة الفتح

وبعد الرجوع من هذا السفر الطويل الناجح أقام رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بالمدينة يستقبل الوفود، ويبعث لعمال، ويبث الدعاة، ويكبت من بقي فيه االستكبار عن الدخول في دين الله، واالستسالم لألمر الواقع الذي ا

. وهاك صورة مصغرة من ذلك . شاهدته العرب

المصدقون

امنة، فما هو قد عرفنا مما تقدم أن رجوع رسول الله صلى اهللا عليه وسلم إلى المدينة آان في أواخر أيام السنة الثهـ، وبعث رسول الله صلى اهللا عليه وسلم المصدقين إلى القبائل، وهذه 9إال أن استهل هالل المحرم من سنة

: هي قائمتهم

. ـ عيينة بن حصن إلى بني تميم 1

. ـ يزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار 2

. ومزينةـ عباد بن بشير األشهلي إلى سليم 3

. ـ رافع بن مكيث إلى جهينة 4

. ـ عمرو بن العاص إلى بني فزارة 5

. ـ الضحاك بن سفيان إلى بني آالب 6

. ـ بشير بن سفيان إلى بني آعب 7

. ـ ابن اللتبية األزدي إلى بني ذبيان 8

. يه األسود العنسي وهو بهاـ المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ـ وخرج عل 9

. ـ زياد بن لبيد إلى حضرموت 10

. ـ عدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد 11

. ـ مالك بن نويرة إلى بني حنظلة 12

. ـ الزبرقان بن بدر إلى بني سعد ـ إلى قسم منهم13

. ـ قيس بن عاصم إلى بني سعد ـ إلى قسم آخر منهم 14

. ـ العالء بن الحضرمي إلى البحرين 15

. ـ علي بن أبي طالب إلى نجران ـ لجمع الصدقة والجزية آليهما 16

هـ، بل تأخر بعث عدة منهم إلى اعتناق اإلسالم من تلك القبائل 9وليس هؤالء العمال آلهم بعثوا في المحرم سنة هـ، وهذا يدل على مدي نجاح 9الهتمام البالغ في المحرم سنة نعم آانت بداية بعث العمال بهذا ا . التي بعثوا إليها

. الدعوة اإلسالمية بعد صلح الحديبية، وأما بعد فتح مكة فقد دخل الناس في دين الله أفواجا

السرايا

طق وآما بعث المصدقون إلى القبائل، مست الحاجة إلى بعث عدة من السرايا مع سيادة األمن على عامة منا : الجزيرة، وهاك لوحة تلك السرايا

هـ ـ إلى بني تميم، في خمسين فارسا، لم يكن فيهم 9ـ في المحرم سنة ـ سرية عيينة بن حصن الفزاري1 . أن بني تميم آانوا قد أغروا القبائل، ومنعوهم عن أداء الجزية : مهاجري وال أنصاري، وسببها

يكمن النهار، حتى هجم عليهم في الصحراء فولي القوم مدبرين، وأخذ منهم وخرج عيينة بن حصن يسير الليل، و . أحد عشر رجال وإحدي وعشرين امرأة وثالثين صبيا، وساقهم إلى المدينة، فأنزلوا في دار رملة بنت الحارث

د، اخرج إلينا، فخرج، يا محم : وقدم فيهم عشرة من رؤسائهم، فجاءوا إلى باب النبي صلى اهللا عليه وسلم فنادوافتعلقوا به، وجعلوا يكلمونه، فوقف معهم، ثم مضي حتى صلي الظهر، ثم جلس في صحن المسجد، فأظهروا

رغبتهم في المفاخرة والمباهاة، وقدموا خطيبهم عطارد بن حاجب فتكلم، فأمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم جابهم، ثم قدموا شاعرهم الزبرقان بن بدر، فأنشد مفاخرا، فأجابه ثابت بن قيس بن شماس ـ خطيب اإلسالم ـ فأ . شاعر اإلسالم حسان بن ثابت على البديهة

خطيبه أخطب من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، : ولما فرغ الخطيبان والشاعران قال األقرع بن حابسلموا، فأجازهم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، وأصواتهم أعلى من أصواتنا، وأقوالهم أعلى من أقوالنا، ثم أس

. فأحسن جوائزهم، ورد عليهم نساءهم وأبناءهم

خرج قطبة في . هـ 9، بالقرب من تربة في صفر سنة ـ سرية قطبة بن عامر إلى حي من خثعم بناحية تبالة2قتاال شديدا حتى آثر الجرحى في الفريقين عشرين رجال على عشرة أبعرة يعتقبونها، فشن الغارة، فاقتتلوا

. جميعا، وقتل قطبة مع من قتل، وساق المسلمون النعم والنساء والشاء إلى المدينة

بعثت هذه السرية إلى بني آالب ؛ . هـ9في ربيع األول سنة ـ سرية الضحاك بن سفيان الكالبي إلى بني آالب3 . اتلوا، فهزمهم المسلمون، وقتلوا منهم رجاللدعوتهم إلى اإلسالم، فأبوا وق

بعثهم إلى رجال . هـ في ثالثمائة9في شهر ربيع اآلخر سنة ـ سرية علقمة بن مجزر المدلجي إلى سواحل جدة4حر من الحبشة، آانوا قد اجتمعوا بالقرب من سواحل جدة للقيام بأعمال القرصنة ضد أهل مكة، فخاض علقمة الب

. حتى انتهي إلى جزيرة، فلما سمعوا بمسير المسلمين إليهم هربوا

بعثه رسول . هـ 9الفلس ـ ليهدمه ـ في شهر ربيع األول سنة : يقال له ـ سرية على بن أبي طالب إلى صنم لطيئ5ء ولواء أبيض، الله صلى اهللا عليه وسلم في خمسين ومائة، على مائة بعير وخمسين فرسا، ومعه راية سودا

فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموه ومألوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام، ووجد المسلمون في خزانة الفلس ثالثة أسياف وثالثة أدرع، وفي

. ولم يقسموا آل حاتم . هللا عليه وسلمالطريق قسموا الغنائم، وعزلوا الصفي لرسول الله صلى ا

يا رسول الله، : ولما جـاءوا إلى المدينة استعطفت أخـت عـدي بـن حاتم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، قائلـة ) ؟ من وافدك ( : قال . غاب الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز آبيرة، ما بي من خدمة، فمن على، من الله عليك

ثم مضي، فلما آان الغد قالت مثل ذلك، وقال لها مثل ما ) ؟ الذي فر من الله ورسوله ( : قال . عدي بن حاتم، : قالت

سليه : فلما آان بعد الغد قالت مثل ذلك، فمن عليها، وآان إلى جنبه رجل ـ تري أنه على ـ فقال لها . قال أمس . الحمالن فسألته فأمر لها به

لقد فعل : ورجعت أخت عدي بن حاتم إلى أخيها عدي بالشام، فلما لقيته قالت عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمفأتي به إلى داره، فلما جلس بين . فعلة ما آان أبوك يفعلها، ائته راغبا أو راهبا، فجاءه عدي بغيرأمان وال آتاب

: قال ) ؟ فهل تعلم من إله سوى الله ؟ ال إله إال الله ( : أيفرك أن تقول ؟ يفركما : يديه حمد الله وأثني عليه، ثم قالفإن اليهود ( : قال . ال : قال ) ؟ الله أآبر، فهل تعلم شيئا أآبر من اهللا : إنما تفر أن يقال ( : ثم تكلم ساعة ثم قال . ال

فإني حنيف مسلم، فانبسط وجهه فرحا، وأمر به فنزل عند رجل : قال . ) ونمغضوب عليهم، وإن النصاري ضال . من األنصار، وجعل يأتي النبي صلى اهللا عليه وسلم طرفي النهار

إيه يا عدي ( : أن النبي صلى اهللا عليه وسلم لما أجلسه بين يديه في داره قال له : وفي رواية ابن إسحاق عن عدي : قال . بلي : قلت : قال . ) ؟ أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ( : بلي، قال : قلت : قال ) ؟ لم تكن رآوسيابن حاتم، أ

. وعرفت أنه نبي مرسل، يعرف ما يجهل : قال . قلت أجل والله : قال . ) فإن ذلك لم يحل لك في دينك (

أنا ( : قال . إني من أهل دين : فقلت . ) يا عدي، أسلم تسلم ( : بي صلى اهللا عليه وسلم قالأن الن : وفي رواية ألحمد : فقلت ) ؟ نعم، ألست من الرآوسية، وأنت تأآل مرباع قومك ( : قال ؟ أنت أعلم بديني مني : فقلت . ) أعلم بدينك منك

. فلم يعد أن قالها فتواضعت لها : قال . ) فإن هذا ال يحل لك في دينك ( : بلي، قال

بينا أنا عند النبي صلى اهللا عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر : وروي البخاري عن عدي قاليرة فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الح ؟ يا عدي، هل رأيت الحيرة ( : فشكا إليه قطع السبيل، فقال

حتى تطوف بالكعبة، ال تخاف أحدا إال الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن آنوز آسري، ولئن طالت بك حياة : الحديث وفي آخره ) . . . لترين الرجل يخرج ملء آفه من ذهب أو فضة، ويطلب من يقبله فال يجد أحدا يقبله منه

وآنت فيمن افتتح آنوز . تطوف بالكعبة ال تخاف إال اللهفرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى : قال عدي . ) يخرج ملء آفه ( : آسري بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى اهللا عليه وسلم

هـ 9غـــزوة تبـــوك في رجب سنة

بعدها مجال للريبة والظن في رسالة محمد إن غزوة فتح مكة آانت غزوة فاصلة بين الحق والباطل، لم يبق صلى اهللا عليه وسلم عند العرب، ولذلك انقلب المجري تماما، ودخل الناس في دين الله أفواجا ـ آما سيظهر ذلك

مما نقدمه في فصل الوفود، ومن العدد الذي حضر في حجة الوداع ـ وانتهت المتاعب الداخلية، واستراح . ع اهللا، وبث دعوة اإلسالمالمسلمون لتعليم شرائ

سبب الغزوة

إال أنه آانت هناك قوة تعرضت للمسلمين من غير مبرر، وهي قوة الرومان ـ أآبر قوة عسكرية ظهرت على وجه األرض في ذلك الزمان ـ وقد عرفنا فيما تقدم أن بداية هذا التعرض آانت بقتل سفير رسول الله صلى اهللا

ث بن عمير األزدي ـ على يدي شرحبيل بن عمرو الغساني، حينما آان السفير يحمل رسالة عليه وسلم ـ الحارالنبي صلى اهللا عليه وسلم إلى عظيم بصري، وأن النبي صلى اهللا عليه وسلم أرسل بعد ذلك سرية زيد بن حارثة

أولئك الظالمين المتغطرسين، إال التي اصطدمت بالرومان اصطداما عنيفا في مؤتة، ولم تنجح في أخذ الثأر من . أنها ترآت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم

ولم يكن قيصر ليصرف نظره عما آان لمعرآة مؤتة من األثر الكبير لصالح المسلمين، وعما آان يطمح إليه بعد آان خطرا يتقدم ويخطو إلى ذلك آثير من قبائل العرب من استقاللهم عن قيصر، ومواطأتهم للمسلمين، إن هذا

حدوده خطوة بعد خطوة، ويهدد الثغور الشامية التي تجاور العرب، فكان يري أن القضاء يجب على قوة المسلمين قبل أن تتجسد في صورة خطر عظيم ال يمكن القضاء عليها، وقبل أن تثير القالقل والثورات في

. المناطق العربية المجاورة للرومان

إلى هذه المصالح، لم يقض قيصر بعد معرآة مؤتة سنة آاملة حتى أخذ يهيئ الجيش مـن الرومـان ونظرا . والعرب التابعة لهم من آل غسان وغيرهم، وبدأ يجهز لمعرآة دامية فاصلة

األخبار العامة عن استعداد الرومان وغسان

ام بغزوة حاسمة ضد المسلمين، حتى آان الخوف وآانت األنباء تترامي إلى المدينة بإعداد الرومان ؛ للقيويظهر ذلك جليا مما وقع لعمر بن . يتسورهم آل حين، ال يسمعون صوتا غير معتاد إال ويظنونه زحف الرومان

هـ ـ وآان هجرهن واعتزل 9الخطاب، فقد آان النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى من نسائه شهرا في هذه السنة ـ ه ، ولم يفطن الصحابة إلى حقيقة األمر في بدايته، فظنوا أن النبي صلى اهللا عليه وسلم طلقهن، عنهن في مشربة ل

وآان لي صاحب من األنصار : يقول عمر بن الخطاب ـ وهو يروي هذه القصة . فسري فيهم الهم والحزن والقلقعوالى المدينة، يتناوبان إلى النبي صلى إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب آنت آتية أنا بالخبر ـ وآانا يسكنان في

اهللا عليه وسلم ـ ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذآر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتألت صدورنا منه، فإذا بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله : فقال ؟ جاء الغساني : افتح، افتح، فقلت : صاحبي األنصاري يدق الباب، فقال

. الحديث . . . لى اهللا عليه وسلم أزواجهص

وآنا تحدثنا أن آل غسان تنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء، : وفي لفظ آخر ـ أنه قال ـأجاءت ؟ ما هو : فقلت . حدث أمر عظيم : ففزعت، فخرجت إليه، وقال ؟ أنائم هو : فضرب بابي ضربا شديدا وقال

. الحديث . . . ال بل أعظم منه وأطول، طلق رسول الله صلى اهللا عليه وسلم نساءه : قال ؟ غسان

وهذا يدل على خطورة الموقف، الذي آان يواجهه المسلمون بالنسبة إلى الرومان، ويزيد ذلك تأآدا ما فعله برغم ما رآه هؤالء المنافقون من نجاح رسول الله صلى المنافقون حينما نقلت إلى المدينة أخبار إعداد الرومان، ف

اهللا عليه وسلم في آل الميادين، وأنه ال يوجل من سلطان على ظهر األرض، بل يذيب آل ما يعترض في طريقه

من عوائق ـ برغم هذا آله ـ طفق هؤالء المنافقون يأملون في تحقق ما آانوا يخفونه في صدورهم، وما آانوا ونظرا إلى قرب تحقق آمالهم أنشأوا وآرة للدس والتآمر، في صورة مسجد، . ن الشر باإلسالم وأهلهيتربصونه م

وهو مسجد الضرار، أسسوه آفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله، وعرضوا على عوا المؤمنين فال يفطنوا ما يؤتي به في رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أن يصلي فيه، وإنما مرامهم بذلك أن يخد

هذا المسجد من الدس والمؤامرة ضدهم، وال يلتفتوا إلى من يرده ويصدر عنه، فيصير وآرة مأمونة لهؤالء المنافقين ولرفقائهم في الخارج، ولكن رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أخر الصالة فيه ـ إلى قفوله من الغزوة ـ

لوا في مرامهم وفضحهم الله، حتى قام الرسول صلى اهللا عليه وسلم بهدم المسجد بعد القفول لشغله بالجهاز، ففش . من الغزو، بدل أن يصلي فيه

األخبار الخاصة عن استعداد الرومان وغسان

ت من آانت هذه هي األحوال واألخبار التي يواجهها ويتلقاها المسلمون، إذ بلغهم من األنباط الذين قدموا بالزيالشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشا عرمرما قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطي قيادته لعظيم من عظماء

الروم، وأنه أجلب معهم قبائل لخم وجذام وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء، وبذلك . تمثل أمام المسلمين خطر آبير

قفزيادة خطورة المو

والذي آان يزيد خطورة الموقف أن الزمان آان فصل القيظ الشديد، وآان الناس في عسرة وجدب من البالء وقلة من الظهر، وآانت الثمار قد طابت، فكانوا يحبون المقام في ثمارهم وظاللهم، ويكرهون الشخوص على

. الطريق وعرة صعبةالحال من الزمان الذي هم فيه، ومع هذا آله آانت المسافة بعيدة، و

الرسول صلى اهللا عليه وسلم يقرر القيام بإقدام حاسم

ولكن الرسول صلى اهللا عليه وسلم آان ينظر إلى الظروف والتطورات بنظر أدق وأحكم من هذا آله، إنه آان المناطق يري أنه لو تواني وتكاسل عن غزو الرومان في هذه الظروف الحاسمة، وترك الرومان لتجوس خالل

التي آانت تحت سيطرة اإلسالم ونفوذه، وتزحف إلى المدينة آان له أسوأ أثر على الدعوة اإلسالمية وعلى سمعة المسلمين العسكرية، فالجاهلية التي تلفظ نفسها األخير بعد ما لقيت من الضربة القاصمة في حنين ستحيا مرة

ن، ويتصلون بملك الرومان بواسطة أبي عامر الفاسق أخري، والمنافقون الذين يتربصون الدوائر بالمسلميسيبعجون بطون المسلمين بخناجرهم من الخلف، في حين تهجم الرومان بحملة ضارية ضد المسلمين من األمام،

وهكذا يخفق آثير من الجهود التي بذلها هو أصحابه في نشر اإلسالم، وتذهب المكاسب التي حصلوا عليها بعد . تذهب هذه المكاسب بغير جدوي . . . يات عسكرية متتابعة متواصلةحروب دامية ودور

آان رسول الله صلى اهللا عليه وسلم يعرف آل ذلك جيدا، ولذلك قرر القيام ـ مع ما آان فيه من العسرة والشدة ـ . سالمبغزوة فاصلة يخوضها المسلمون ضد الرومان في حدودهم، وال يمهلونهم حتى يزحفوا إلى دار اإل

اإلعالن بالتهيؤ لقتال الرومان

ولما قرر الرسول صلى اهللا عليه وسلم الموقف أعلن في الصحابة أن يتجهزوا للقتال، وبعث إلى القبائل من وآان قل ما يريد غزوة يغزوها إال وري بغيرها، ولكنه نظرا إلى خطورة . العرب وإلى أهل مكة يستنفرهم

العسرة أعلن أنه يريد لقاء الرومان، وجلي للناس أمرهم ؛ ليتأهبوا أهبة آاملة، وحضهم على الموقف وإلى شدة الجهاد، ونزلت قطعة من سورة براءة تثيرهم على الجالد، وتحثهم على القتال، ورغبهم رسول الله صلى اهللا

. عليه وسلم في بذل الصدقات، وإنفاق آرائم األموال في سبيل الله

يتسابقون إلى التجهز للغزو المسلمون

ولم يكن من المسلمين أن سمعوا صوت رسول الله صلى اهللا عليه وسلم يدعو إلى قتال الروم إال وتسابقوا إلى امتثاله، فقاموا يتجهزون للقتال بسرعة بالغة، وأخذت القبائل والبطون تهبط إلى المدينة من آل صوب وناحية،

ن يتخلف عن هذه الغزوة ـ إال الذين في قلوبهم مرض وإال ثالثة نفر ـ حتى آان ولم يرض أحد من المسلمين أ : يجيء أهل الحاجة والفاقة يستحملون رسول الله صلى اهللا عليه وسلم ؛ ليخرجوا إلى قتال الروم، فإذا قال لهم

. ] 92 : التوبة [ } الدمع حزنا أال يجدوا ما ينفقون ال أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من {

آما تسابق المسلمون في إنفاق األموال وبذل الصدقات، آان عثمان بن عفان قد جهز عيرا للشام، مائتا بعير ، ثم جاء بألف دينار فنثرها بأقتابها وأحالسها، ومائتا أوقية، فتصدق بها، ثم تصدق بمائة بعير بأحالسها وأقتابهاما ضر عثمان ما عمل بعد ( : في حجره صلى اهللا عليه وسلم، فكان رسول الله صلى اهللا عليه وسلم يقلبها ويقول

. ، ثم تصدق وتصدق حتى بلغ مقدار صدقته تسعمائة بعير ومائة فرس سوى النقود ) اليوم

ة، وجاء أبو بكر بماله آله ولم يترك ألهله إال الله ورسوله ـ وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية فضوجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بمال آثير، وجاء . وآانت أربعة آالف درهم ـ وهو أول من جاء بصدقته

تابع وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقا من التمر، وت . طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة، آلهم جاءوا بمالوبعثت النساء ما . الناس بصدقاتهم قليلها وآثيرها، حتى آان منهم من أنفق مدا أو مدين لم يكن يستطيع غيرها

. قدرن عليه من مسك ومعاضد وخالخل وقرط وخواتم

لمؤمنين في الصدقات والذين ال الذين يلمزون المطوعين من ا { ولم يمسك أحد يده، ولم يبخل بماله إال المنافقون . ] 79 : التوبة [ } يجدون إال جهدهم فيسخرون منهم

الجيش اإلسالمي إلى تبوك

: وهكذا تجهز الجيش، فاستعمل رسول الله صلى اهللا عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة األنصاري، وقيلبن عرفطة، وخلف على أهله على بن أبي طالب، وأمره باإلقامة فيهم، وغمص عليه المنافقون، فخرج سباع

أال ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من ( : فلحق برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فرده إلى المدينة وقال . ) موسي، إال أنه ال نبي بعدي

عليه وسلم يوم الخميس نحو الشمال يريد تبوك، ولكن الجيش آان آبيرا ـ ثالثون وتحرك رسول الله صلى اهللاألف مقاتل، لم يخرج المسلمون في مثل هذا الجمع الكبير قبله قط ـ فلم يستطع المسلمون مع ما بذلوه من األموال

آب، فكان ثمانية عشر رجال أن يجهزوه تجهيزا آامال، بل آانت في الجيش قلة شديدة بالنسبة إلى الزاد والمرايعتقبون بعيرا واحدا، وربما أآلوا أوراق األشجار حتى تورمت شفاههم، واضطروا إلى ذبح البعير ـ مع قلتها ـ

. ليشربوا ما في آرشه من الماء، ولذلك سمي هذا الجيش جيش العسرة

لذين جابوا الصخر بالواد، أي وادي القرى ـ ومر الجيش اإلسالمي في طريقه إلى تبوك بالحجر ـ ديار ثمود اال تشربوا من مائها وال تتوضأوا منه ( : فاستقي الناس من بئرها، فلما راحوا قال رسول الله صلى اهللا عليه وسلمانت ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي آ ) للصالة، وما آان من عجين عجنتموه فاعلفوه اإلبل، وال تأآلوا منه شيئا

. تردها ناقة صالح رسول اهللا

ال تدخلوا مساآن الذين ظلموا ( : لما مر النبي صلى اهللا عليه وسلم بالحجر قال : وفي الصحيحين عن ابن عمر قال . ، ثم قنع رأسه وأسرع بالسير حتى جاز الوادي ) أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إال أن تكونوا باآين

حاجة الجيش إلى الماء حتى شكوا إلى رسول الله، فدعا الله، فأرسل الله سحابة فأمطرت واشتدت في الطريق . حتى ارتوي الناس، واحتملوا حاجاتهم من الماء

إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، ( : ولما قرب من تبوك قالفجئنا وقد سبق إليها رجالن، والعين تبض بشيء من : ، قال معاذ ) من مائها شيئا حتى آتي فمن جاءها فال يمس

وقال لهما ما شاء الله أن . نعم : قاال ) ؟ هل مسستما من مائها شيئا ( : مائها، فسألهما رسول الله صلى اهللا عليه وسلمجتمع الوشل ، ثم غسل رسول الله صلى اهللا عليه وسلم فيه وجهه ثم غرف من العين قليال قليال حتى ا . يقول

يوشك يا ( : ويده، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء آثير، فاستقي الناس، ثم قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . ) معاذ، إن طالت بك حياة أن تري ماهاهنا قد ملئ جنانا

تهب عليكم الليلة ( : على اختالف الروايات ـ قال رسول الله صلى اهللا عليه وسلموفي الطريق أو لما بلغ تبوك ـ ، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ) ريح شديدة، فال يقم أحد منكم، فمن آان له بعير فليشد عقاله

. ألقته بجبلي طيئ

ه آان يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب وآان دأب رسول الله صلى اهللا عليه وسلم في الطريق أن . والعشاء جمع التقديم وجمع التأخيرآليهما

الجيش اإلسالمي بتبوك

نزل الجيش اإلسالمي بتبوك، فعسكر هناك، وهو مستعد للقاء العدو، وقام رسول الله صلى اهللا عليه وسلم فيهم على خير الدنيا واآلخرة، وحذر وأنذر، وبشر وأبشر، خطيبا، فخطب خطبة بليغة، أتي بجوامع الكلم، وحض

وأما الرومان . حتى رفع معنوياتهم، وجبر بها ما آان فيهم من النقص والخلل من حيث قلة الزاد والمادة والمؤنةوحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أخذهم الرعب، فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، بل

تفرقوا في البالد في داخل حدودهم، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية، في داخل الجزيرة وأرجائها النائية، وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية آبيرة خطيرة، لعلهم لم يكونوا يحصلون

. عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين

بة صاحب أيلة، فصالح الرسول صلى اهللا عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأهل جاء يحنة بن رؤأذرح، فأعطوه الجزية، وآتب لهم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم آتابا فهو عندهم، وصالحه أهل ميناء على

أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن بسم الله الرحمن الرحيم، هذه ( : ربع ثمارها، وآتب لصاحب أيلةرؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسياراتهم في البر والبحر لهم ذمة الله وذمة محمد النبي، ومن آان معه من أهل الشام وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا، فإنه ال يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وأنه ال يحل

. ) عوا ماء يردونه، وال طريقا يريدونه من بر أو بحرأن يمن

وبعث رسول الله صلى اهللا عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أآيدر دومة الجندل في أربعمائة وعشرين فارسا، وقال تحك بقرونها باب ، فأتاه خالد، فلما آان من حصنه بمنظر العين، خرجت بقرة، ) إنك ستجده يصيد البقر ( : له

القصر، فخرج أآيدر لصيدها ـ وآانت ليلة مقمرة ـ فتلقاه خالد في خيله، فأخذه وجاء به إلى رسول اللهصلى اهللا عليه وسلم، فحقن دمه، وصالحه على ألفي بعير، وثمانمائة رأس وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح، وأقر بإعطاء

. ومة وتبوك وأيلة وتيماءالجزية، فقاضاه مع يحنة على قضية د

وأيقنت القبائل التي آانت تعمل لحساب الرومان أن اعتمادها على سادتها األقدمين قد فات أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين، وهكذا توسعت حدود الدولة اإلسالمية، حتى القت حدود الرومان مباشرة، وشهد عمالء الرومان

. نهايتهم إلى حد آبير

الرجوع إلى المدينة

ورجع الجيش اإلسالمي من تبوك مظفرين منصورين، لم ينالوا آيدا، وآفي اهللا المؤمنين القتال، وفي الطريق عند عقبة حاول اثنا عشر رجال من المنافقين الفتك بالنبي صلى اهللا عليه وسلم، وذلك أنه حينما آان يمر بتلك

ناقته، وحذيفة ابن اليمان يسوقها، وأخذ الناس ببطن الوادي، فانتهز أولئك العقبة آان معه عمار يقود بزمام

فبينما رسول الله صلى اهللا عليه وسلم وصاحباه يسيران إذ سمعوا وآزة القوم من . المنافقون هذه الفرصةله، فأسرعوا ورائهم، قد غشوه وهم ملتثمون، فبعث حذيفة فضرب وجوه رواحلهم بمحجن آان معه ، فأرعبهم ال

في الفرار حتى لحقوا بالقوم، وأخبر رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بأسمائهم، وبما هموا به، فلذلك آان حذيفة } وهموا بما لم ينالوا { : يسمي بصاحب سـر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وفي ذلك يقول الله تعالي

. ] 74 : التوبة [

، ) هذه طابة، وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه ( : حت للنبي صلى اهللا عليه وسلم معالم المدينة من بعيد قالولما ال : وتسامع الناس بمقدمه، فخرج النساء والصبيان والوالئد يقابلن الجيش بحفاوة بالغة ويقلن

من ثنيات الوداع ** طلع البـدر علينا

للع داع ما دعا ** وجب الشكر علينا

هـ ، واستغرقت هذه الغزوة 9وآانت عودته صلى اهللا عليه وسلم من تبوك ودخوله في المدينة في رجب سنة وآانت هذه الغزوة . خمسين يوما، أقام منها عشرين يوما في تبوك، والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهوبا

. آخر غزواته صلى اهللا عليه وسلم

المخلفون

وآانت هذه الغزوة ـ لظروفها الخاصة بها ـ اختبارا شديدا من الله، امتاز به المؤمنون من غيرهم، آما هي سنته ما آان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من { : تعالى في مثل هذه المواطن، حيث يقول

فقد خرج لهذه الغزوة آل من آان مؤمنا صادقا، حتى صار التخلف أمارة على نفاق . ] 179 : آل عمران [ } بالطيدعوه، فإن يكن فيه خير ( : الرجل، فكان الرجل إذا تخلف وذآروه لرسول الله صلى اهللا عليه وسلم قال لهم

، فلم يتخلف إال من حبسهم العذر، أو الذين آذبوا الله ) فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منهنعم آان هناك ثالثة . ورسوله من المنافقين، الذين قعدوا بعد أن استأذنوا للقعود آذبا، أو قعدوا ولم يستأذنوا رأسا

. نفر من المؤمنين الصادقين تخلفوا من غير مبرر، وهم الذين أبالهم الله، ثم تاب عليهم

ا دخل رسول الله صلى اهللا عليه وسلم المدينة بدأ بالمسجد، فصلي فيه رآعتين، ثم جلس للناس، فأما ولمالمنافقون ـ وهم بضعة وثمانون رجال ـ فجاءوا يعتذرون بأنواع شتي من األعذار، وطفقوا يحلفون له، فقبل منهم

. عالنيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووآل سرائرهم إلى الله

أما النفر الثالثة من المؤمنين الصادقين ـ وهم آعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهالل بن أمية ـ فاختاروا والصدق، فأمر رسول الله صلى اهللا عليه وسلم الصحابة أال يكلموا هؤالء الثالثة، وجرت ضد هؤالء الثالثة

اقت عليهم بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، مقاطعة شديدة، وتغير لهم الناس، حتى تنكرت لهم األرض، وضوبلغت بهم الشدة إلى أنهم بعد أن قضوا أربعين ليلة من بداية المقاطعة أمروا أن يعتزلوا نساءهم، حتى تمت على

ليهم األرض بما رحبت وعلى الثالثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت ع { : مقاطعتهم خمسون ليلة، ثم أنزل الله توبتهم } إن الله هو التواب الرحيم وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ال ملجأ من الله إال إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا

. ] 118 : التوبة [

رحا ال يقاس مداه وغايته، فبشروا وأبشروا واستبشروا وأجازوا وتصدقوا، وفرح المسلمون، وفرح الثالثة ف . وآان أسعد يوم من أيام حياتهم

ليس على الضعفاء وال على المرضى وال على الذين ال يجدون ما { : وأما الذين حبسهم العذر فقد قال تعالى فيهمإن بالمدينة ( : وقال فيهم رسول الله حين دنا من المدينة . ] 91 : التوبة [ } إذا نصحوا لله ورسولهينفقون حرج

؟ يا رسول الله، وهــم بالمدينة : ، قـالوا ) رجاال ما سرتم مسيرا، وال قطعتم واديا إال آانوا معكم، حبسهم العذر . ) دينةوهم بالم ( : قال

أثر الغزوة

وآان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذ المسلمين وتقويته على جزيرة العرب، فقد تبين للناس أنه ليس ألي قوة من القوات أن تعيش في العرب سوي قوة اإلسالم، وبطلت بقايا أمل وأمنية آانت تتحرك في قلوب بقايا

ربصون الدوائر بالمسلمين، وآانوا قد عقدوا آمالهم بالرومان، فقد استكانوا بعد الجاهليين والمنافقين الذين آانوا يت . هذه الغزوة، واستسلموا لألمر الواقع، الذي لم يجدوا عنه محيدا وال مناصا

ولذلك لم يبق للمنافقين أن يعاملهم المسلمون بالرفق واللين، وقد أمر الله بالتشديد عليهم، حتى نهي عن قبول دقاتهم، وعن الصالة عليهم، واالستغفار لهم والقيام على قبرهم، وأمر بهدم وآرة دسهم وتآمرهم التي بنوها ص

باسم المسجد، وأنزل فيهم آيات افتضحوا بها افتضاحا تاما، لم يبق في معرفتهم بعدها أي خفاء، آأن اآليات قد . نصت على أسمائهم لمن يسكن بالمدينة

ذه الغزوة من أن العرب وإن آانت قد أخذت في التوافد إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم ويعرف مدي أثر ه . بعد غزوة فتح مكة، بل وما قبلها، إال أن تتابع الوفود وتكاثرها بلغ إلى القمة بعد هذه الغزوة

نزول القرآن حول موضوع الغزوة

نزل بعضها قبل الخروج، وبعضها بعد الخروج ـ وهو نزلت آيات آثيرة من سورة براءة حول موضوع الغزوة،في السفر ـ وبعض آخر منها بعد الرجوع إلى المدينة، وقد اشتملت على ذآر ظروف الغزوة، وفضح المنافقين،

وفضل المجاهدين والمخلصين، وقبول التوبة من المؤمنين الصادقين، الخارجين منهم في الغزوة والمتخلفين، . األمورإلى غير ذلك من

بعض الوقائع المهمة في هذه السنة

: وفي هذه السنة وقعت عدة وقائع لها أهمية في التاريخ

. ـ بعد قدوم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم من تبوك وقع اللعان بين عويمر العجالني وامرأته 1

. حشة، رجمت بعدما فطمت ابنهاـ رجمت المرأة الغامدية، التي جاءت فاعترفت على نفسها بالفا 2

. ـ توفي النجاشي أصحمة، ملك الحبشة، في رجب، وصلي عليه رسول اهللا صالة الغائب في المدينة 3

لو آانت ( : ـ توفيت أم آلثوم بنت النبي صلى اهللا عليه وسلم في شعبان، فحزن عليها حزنا شديدا، وقال لعثمان 4 . ) عندي ثالثة لزوجتكها

ـ مات رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول بعد مرجع رسول الله صلى اهللا عليه وسلم من تبوك، فاستغفر 5له رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، وصلي عليه بعد أن حاول عمر منعه عن الصالة عليه، وقد نزل القرآن بعد

. ذلك بموافقة عمر

حج أبي بكر رضي اهللا عنه نظرة على الغزوات

دخلون في دين الله أفواجا الناس ي الـوفـــود

حج أبي بكر رضي اهللا عنه

هـ ـ بعث رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أبــا بكر الصديق 9وفي ذي القعدة أو ذي الحجــة من نفس السنة ـ . رضي اهللا عنه أميرا على الحج، ليقيم بالمسلمين المناسك

بنقض المواثيق ونبذها على سواء، فبعث رسول الله صلى اهللا عليه وسلم على بن ثم نزلت أوائل سورة براءة أبي طالب ليؤدي عنه ذلك، وذلك تمشيا منه على عادة العرب في عهود الدماء واألموال، فالتقي على بأبي بكر

ثم مضيا، وأقام أبو بكر للناس . ال، بل مأمور : قال علي ؟ أمير أو مأمور : بالعرج أو بضجنان، فقال أبو بكرحجهم، حتى إذا آان يوم النحر، قام على بن أبي طالب عند الجمرة، فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى

اهللا عليه وسلم، ونبذ إلى آل ذي عهد عهده، وأجل لهم أربعة شهور، وآذلك أجل أربعة أشهر لمن لم يكن له . سلمين شيئا، ولم يظاهروا عليهم أحدا فأبقي عهدهم إلى مدتهمعهد، وأما الذين لم ينقصوا الم

أال ال يحج بعد هذا العام مشرك، وال يطوف بالبيت : وبعث أبو بكر رضي اهللا عنه رجاال ينادون في الناس . عريان

. تعيد بعد هذا العاموآان هذا النداء بمثابة إعالن نهاية الوثنية في جزيرة العرب، وأنها ال تبدئ وال

نظرة على الغزوات

إذا نظرنا إلى غزوات النبي صلى اهللا عليه وسلم وبعوثه وسراياه، ال يمكن لنا وال ألحد ممن ينظر في أوضاع : الحروب وآثارها وخلفياتها ـ ال يمكن لنا إال أن نقول

نيا، وأشدهم وأعمقهم فراسة وتيقظا، إنه صاحب عبقرية إن النبي صلى اهللا عليه وسلم آان أآبر قائد عسكري في الدفذة في هذا الوصف، آما آان سيد الرسل وأعظمهم في صفة النبوة والرسالة، فلم يخض معرآة من المعارك إال في

الظرف ومن الجهة اللذين يقتضيهما الحزم والشجاعة والتدبير، ولذلك لم يفشل في أي معرآة من المعارك التي لغلطة في الحكمة وما إليها من تعبئة الجيش وتعيينه على المراآز االستراتيجية، واحتالل أفضل المواضع خاضها

وأوثقها للمجابهة، واختيار أفضل خطة إلدارة دفة القتال، بل أثبت في آل ذلك أن له نوعا آخر من القيادة غير ما ن إال من بعض الضعف في أفراد الجيش ـ في حنين ـ أو من ولم يقع ما وقع في أحد وحني . عرفتها الدنيا في القواد

. جهة معصيتهم أوامره وترآهم التقيد وااللتزام بالحكمة والخطة اللتين آان أوجبهما عليهم من حيث الوجهه العسكرية

و، واستطاع وقد تجلت عبقريته صلى اهللا عليه وسلم في هاتين الغزوتين عند هزيمة المسلمين، فقد ثبت مجابها للعدبحكمته الفذة أن يخيبهم في أهدافهم ـ آما فعل في أحد ـ أو يغير مجري الحرب حتى يبدل الهزيمة انتصارا ـ آما في حنين ـ مع أن مثل هذا التطور الخطير، ومثل هذه الهزيمة الساحقة تأخذان بمشاعر القواد، وتترآان على أعصابهم

. م النجاة بأنفسهمأسوأ أثر، ال يبقي لهم بعد ذلك إال ه

هذه من ناحية القيادة العسكرية الخالصة، أما من نواح أخري، فإنه استطاع بهذه الغزوات فرض األمن وبسط السالم، وإطفاء نار الفتنة، وآسر شوآة األعداء في صراع اإلسالم والوثنية، وإلجائهم إلى المصالحة، وتخلية السبيل لنشر

. رف على المخلصين من أصحابه ممن هو يبطن النفاق، ويضمر نوازع الغدر والخيانةالدعوة، آما استطاع أن يتع

وقد أنشأ طائفة آبيرة من القواد، الذين القوا بعده الفرس والرومان في ميادين العراق والشام، ففاقوهم في تخطيط من جنات وعيون وزروع ومقام الحروب وإدارة دفة القتال، حتى استطاعوا إجالءهم من أرضهم وديارهم وأموالهم

. آريم ونعمة آانوا فيها فاآيهن

آما استطاع رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بفضل هذه الغزوات أن يوفر السكني واألرض والحرف والمشاغل والعدة للمسلمين، حتى تفصي من آثير من مشاآل الالجئين الذين لم يكن لهم مال وال دار، وهيأ السالح والكراع

. والنفقات، حصل على آل ذلك من غير أن يقوم بمثقال ذرة من الظلم والطغيان والبغي والعدوان على عباد الله

وقد غير أغراض الحروب وأهدافها التي آانت تضطرم نار الحرب ألجلها في الجاهلية، فبينما آانت الحرب عبارة والعدوان، وأخذ الثأر، والفوز بالوتر، وآبت الضعيف، وتخريب عن النهب والسلب والقتل واإلغارة والظلم والبغي

العمران، وتدمير البنيان، وهتك حرمات النساء، والقسوة بالضعاف والوالئد والصبيان، وإهالك الحرث والنسل، بيلة ، والعبث والفساد في األرض ـ في الجاهلية ـ إذ صارت هذه الحرب ـ في اإلسالم ـ جهادا في تحقيق أهداف ن

وأغراض سامية، وغايات محمودة، يعتز بها المجتمع اإلنساني في آل زمان ومكان، فقد صارت الحرب جهادا في تخليص اإلنسان من نظام القهر والعدوان، إلى نظام العدالة والنصف، من نظام يأآل فيه القوي الضعيف، إلى نظام

والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان { دا في تخليص يصير فيه القوي ضعيفا حتى يؤخذ منه، وصارت جها } واجعل لنا من لدنك نصيرا الذين يقولون ربنا أخرجنا من هـذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا

وصارت جهادا في تطهير أرض الله من الغدر والخيانة واإلثم والعدوان، إلى بسط األمن والسالمة . ] 75 : النساء [ . والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق والمروءة

روي سليمان . آما شرع للحروب قواعد شريفة ألزم التقيد بها على جنوده وقوادها، ولم يسمح لهم الخروج عنها بحالآان رسول الله صلى اهللا عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته : ريدة عن أبيه قالبن ب

اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من آفر بالله، ( : بتقوي الله عز وجل، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قاليسروا وال ( : وآان يأمر بالتيسير ويقول . الحديث ) . . . ال تقتلوا وليدااغزوا، فال تغلوا، والتغدروا، وال تمثلوا، و

. ) تعسروا، وسكنوا وال تنفروا

وآان إذا جاء قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح، ونهي أشد النهي عن التحريق في النار، ونهي عن قتل الصبر، ، ونهي عن إهالك الحرث ) إن النهبى ليست بأحل من الميتة ( : حتى قال وقتل النساء وضربهن، ونهي عن النهب

ال تجهزن على جريح، ( : وقال عند فتح مكة . والنسل وقطع األشجار إال إذا اشتدت إليها الحاجة، وال يبقي سواه سبيل : وشدد في النهي عن قتل المعاهدين حتى قال، وأمضى السنة بأن السفير ال يقتل، ) وال تتبعن مدبرا، وال تقتلن أسيرا

، إلى غير ذلك من القواعد النبيلة ) من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما ( . التي طهرت الحروب من أدران الجاهلية حتى جعلتها جهادا مقدسا

الناس يدخلون في دين الله أفواجا

آانت غزوة فتح مكة ـ آما قلنا ـ معرآة فاصلة، قضت على الوثنية قضاء باتا، عرفت العرب ألجلها الحق من آنا بماء ممر الناس، وآان يمر : قال عمرو بن سلمة . الباطل، وزالت عنهم الشبهات، فتسارعوا إلى اعتناق اإلسالم

يزعم أن الله : ـ أي النبي صلى اهللا عليه وسلم ـ فيقولون ؟ ذا الرجلما ه ؟ ما للناس ؟ ماللناس : بنا الرآبان فنسألهمأرسله، أوحي إليه، أوحي الله آذا، فكنت أحفظ ذاك الكالم، فكأنما يقر في صدري، وآانت العرب تلوم بإسالمهم

الفتح بادر آل قوم فلما آانت وقعة أهل . اترآوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق : الفتح، فيقولونصلوا : فقال . جئتكم والله من عند النبي صلى اهللا عليه وسلم حقا : بإسالمهم، وبدر أبي قومي بإسالمهم، فلما قدم قال

. . . صالة آذا في حين آذا، وصالة آذا في حين آذا، فإذا حضرت الصالة فليؤذن أحدآم، وليؤمكم أآثرآم قرآنا . الحديث

لحديث يدل مدي أثر فتح مكة في تطوير الظروف، وتعزيز اإلسالم، وتعيين الموقف للعرب، واستسالمهم وهذا الإلسالم، وتأآد ذلك أي تأآد بعد غزوة تبوك، ولذلك نري الوفود تقصد المدينة تتري في هذين العامين ـ التاسع

اإلسالمي الذي آان قوامه عشرة آالف مقاتل في والعاشر ـ ونري الناس يدخلون في دين الله أفواجا، حتى إن الجيش غزوة الفتح، إذا هو يزخر في ثالثين ألف مقاتل في غزوة تبوك قبل أن يمضي على فتح مكة عام آامل، ثم نري في

حجة الوداع بحرا من رجال اإلسالم ـ مائة ألف من الناس أو مائة ألف وأربعة وأربعون ألفا منهم ـ يموج حول . صلى اهللا عليه وسلم بالتلبية والتكبير والتسبيح والتحميد، تدوي له اآلفاق، وترتج له األرجاءرسول الله

الـوفـــود

والوفود التي سردها أهل المغازي يزيد عددها على سبعين وفدا، وال يمكن لنا استقصاءها، وليس آبير فائدة في بسط أو أهمية في التاريخ، وليكن على ذآر من القارئ أن وفادة عامة القبائل تفاصيلها، وإنما نذآر منها إجماال ماله روعة

: وإن آانت بعد الفتح، ولكن هناك قبائل توافدت قبله أيضا

: ـ وفد عبد القيس 1رد آان رجل منهم يقال له منقذ بن حيان، ي . األولي سنة خمس من الهجرة أو قبل ذلك : آانت لهذه القبيلة وفادتان

المدينة بالتجارة، فلما جاء المدينة بتجارته بعد مقدم النبي صلى اهللا عليه وسلم، وعلم اإلسالم أسلم، وذهب بكتاب من النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى قومه فأسلموا، فتوافدوا إليه في شهر حرام في ثالثة أو أربعة عشر رجال، وفيها سألوا

إن فيك ( : بيرهم األشج العصري الذي قال فيه رسول الله صلى اهللا عليه وسلمعن اإليمان وعن األشربة، وآان آ . ) الحلم واألناة : خصلتين يحبهما الله

والوفادة الثانية آانت في سنة الوفود، وآان عددهم فيها أربعين رجال، وآان فيهم الجارود بن العالء العبدي، وآان . نصرانيا فأسلم وحسن إسالمه

: ـ وفد دوس 2آانت وفادة هذه القبيلة في أوائل سنة سبع، ورسول الله صلى اهللا عليه وسلم بخيبر ، وقد قدمنا حديث إسالم الطفيل

بن عمرو الدوسي، وأنه أسلم ورسول الله صلى اهللا عليه وسلم بمكة، ثم رجع إلى قومه، فلم يزل يدعوهم إلى يئس منهم، ورجع إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، فطلب منه أن يدعو على دوس، اإلسالم، ويبطئون عليه حتى

ثم أسلم هؤالء، فوفد الطفيل بسبعين أو ثمانين بيتا من قومه إلى المدينة في أوائل سنة سبع، . ) اللهم اهد دوسا ( : فقال . ورسول الله صلى اهللا عليه وسلم بخيبر، فلحق به

: فروة بن عمرو الجذاميـ رسول 3آان فروة قائدا عربيا من قواد الرومان، عامال لهم على من يليهم من العرب، وآان منزله معان وما حوله من أرض

هـ، ولما أسلم بعث 8الشام، أسلم بعد ما رأي من جالد المسلمين وشجاعتهم، وصدقهم اللقاء في معرآة مؤتة سنة لى اهللا عليه وسلم رسوال بإسالمه، وأهدي له بغلة بيضاء، ولما علم الروم بإسالمه أخذوه فحبسوه، إلى رسول الله ص

. عفراء، وضربوا عنقه : ثم خيروه بين الردة والموت، فاختار الموت على الردة، فصلبوه بفلسطين على ماء يقال له

: ـ وفد صداء 4هـ ، وذلك أن رسول الله صلى 8لى اهللا عليه وسلم من الجعرانة سنة جاء هذا الوفد عقب انصراف رسول الله ص

اهللا عليه وسلم هيأ بعثا من أربعمائة من المسلمين، وأمرهم أن يطأوا ناحية من اليمن فيها صداء، وبينما ذلك البعث جئتك وافدا : هللا عليه وسلم فقالمعسكر بصدر قناة علم به زياد بن الحارث الصدائي، فجاء إلى رسول الله صلى ا

على من ورائي، فاردد الجيش وأنا لك بقومي، فرد الجيش من صدر قناة، وجاء الصدائي إلى قومه فرغبهم في القدوم على رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، فقدم عليه خمسة عشر رجال منهم، وبايعوه على اإلسالم، ثم رجعوا إلى

. ا فيهم اإلسالم، فوافي رسول الله صلى اهللا عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداعقومهم، فدعوهم ففش

: ـ قدوم آعب بن زهير بن أبي سلمى 5آان من بيت الشعراء، ومن أشعر العرب، وآان يهجو النبي صلى اهللا عليه وسلم، فلما انصرف رسول الله صلى اهللا

، آتب إلى آعب بن زهير أخوه بجير بن زهير أن رسول الله صلى اهللا عليه هـ8عليه وسلم من غزوة الطائف سنة وسلم قتل رجاال بمكة ممن آانوا يهجونه ويؤذونه، ومن بقي من شعراء قريش هربوا في آل وجه، فإن آانت لك في

وإال فانج إلى نجاتك، ثم جري بين نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، فإنه ال يقتل أحدا جاء تائبا، األخوين مراسالت ضاقت ألجلها األرض على آعب، وأشفق على نفسه، فجاء المدينة، ونزل على رجل من جهينة،

وصلي معه الصبح، فلما انصرف أشار عليه الجهني، فقام إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم حتى جلس إليه، يا رسول الله، إن آعب بن زهير قد جاء : ل الله صلى اهللا عليه وسلم ال يعرفه فقالفوضع يده في يده، وآان رسو

أنا آعب بن زهير، فوثب عليه رجل : قال . ) نعم ( : قال ؟ ليستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به . ) جاء تائبا نازعا عما آان عليه دعه عنك، فإنه قد ( : من األنصار يستأذن ضرب عنقه، فقال

: وحينئذ أنشد آعب قصيدته المشهورة التي أولها

متيم إثرها، لم يفد، مكبول ** بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

: قال فيها ـ وهو يعتذر إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، ويمدحه

والعفو عند رسول اهللا مأمول ** نبئت أن رسول اهللا أوعدني

قرآن فيها مواعيظ وتفصيل ** مهال هداك الذي أعطاك نافلة الـ

أذنب، ولو آثرت في األقاويل ** ال تأخذن بأقوال الوشاة ولم

أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل ** لقد أقوم مقاما ما لو يقوم به

ويل من الرسول بإذن اهللا تن** لظل يرعد إال أن يكون له

في آف ذي نقمات قيله القيل ** حتى وضعت يميني ما أنازعه

إنك منسوب ومسئول : وقيل** فلهو أخوف عندي إذ أآلمه

في بطن عثر غيل دونه غيل ** من ضيغم بضراء األرض مخدرة

مهند من سيوف اهللا مسلول ** إن الرسول لنور يستضاء به

كن تكلم منهم رجل في آعب حين جاء إال بخير، وعرض في أثناء مدحهم ثم مدح المهاجرين من قريش؛ ألنهم لم ي : على األنصار السئذان رجل منهم في ضرب عنقه، قال

ضرب إذا عرد السود التنابيل ** يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم

: فرط منه في شأنهم، قال في تلك القصيدةفلما أسلم وحسن إسالمه مدح األنصار في قصيدة له، وتدارك ما آان قد

في مقنب من صالحي األنصار ** من سره آرم الحــياة فال يزل

إن الخـيار هـم بنـو األخيار ** ورثوا المكارم آابرا عن آـابر

: ـ وفد عذرة 6 : ) ؟ من القوم ( عمان، قال متكلمهم حين سئلوا هـ، وهم اثنا عشر رجال فيهم حمزة بن الن 9قدم هذا الوفد في صفر سنة

نحن بنو عذرة، إخوة قصي ألمه، نحن الذين عضدوا قصيا، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، لنا قرابات وأرحام، فرحب بهم النبي صلى اهللا عليه وسلم، وبشرهم بفتح الشام، ونهاهم عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي

. أسلموا وأقاموا أياما ثم رجعوا . انوا يذبحونهاآ

: ـ وفد بلي 7 ؟ هـ، وأسلم وأقام بالمدينة ثالثا، وقد سأل رئيسهم أبو الضبيب عن الضيافة هل فيها أجر 9قدم في ربيع األول سنة

، وسأل عن وقت ) فقير فهو صدقةنعم، وآل معروف صنعته إلى غني أو ( : فقال رسول الله صلى اهللا عليه وسلم . ، وسأل عن ضالة البعير ) هي لك أو ألخيك أو للذنب ( : ، وسأل عن ضالة الغنم، فقال ) ثالثة أيام ( : الضيافة، فقال

. ) دعه حتى يجده صاحبه ؟ مالك وله ( : فقال

: ـ وفد ثقيف 8م أن رئيسهم عروة بن مسعود الثقفي جاء إلى رسول الله صلى هـ، وقصة إسالمه 9آانت وفادتهم في رمضان سنة

هـ قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم عروة، ورجع 8اهللا عليه وسلم بعد مرجعه من غزوة الطائف في ذي القعدة سنة م من إلى قومه، ودعاهم إلى اإلسالم ـ وهو يظن أنهم يطيعونه ؛ ألنه آان سيدا مطاعا في قومه، وآان أحب إليه

أبكارهم ـ فلما دعاهم إلى اإلسالم رموه بالنبل من آل وجه حتى قتلوه، ثم أقاموا بعد قتله أشهرا، ثم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه ال طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ـ الذين آانوا قد بايعوا وأسلموا ـ فأجمعوا أن يرسلوا رجال إلى

فكلموا عبد ياليل بن عمرو، وعرضوا عليه ذلك فأبي، وخاف أن يصنعوا به إذا رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، لست فاعال حتى ترسلوا معي رجاال، فبعثوا معه رجلين من األحالف وثالثة من : وقال . رجع مثل ما صنعوا بعروة

. بني مالك، فصاروا ستة فيهم عثمان بن أبي العاص الثقفي، وآان أحدثهم سنا

ا قدموا على رسول الله صلى اهللا عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا فلمالناس إذا صلوا، ومكثوا يختلفون إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، وهو يدعوهم إلى اإلسالم، حتى سأل رئيسهم

نه وبين ثقيف، يأذن لهم فيه بالزنا وشرب الخمور وأآل أن يكتب لهم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم قضية صلح بيالربا، ويترك لهم طاغيتهم الالت، وأن يعفيهم من الصالة، وأال يكسروا أصنامهم بأيديهم، فأبي رسول الله صلى اهللا

عليه وسلم، عليه وسلم أن يقبل شيئا من ذلك، فخلوا وتشاوروا فلم يجدوا محيصا عن االستسالم لرسول الله صلى اهللافاستسلموا وأسلموا، واشترطوا أن يتولي رسول الله صلى اهللا عليه وسلم هدم الالت، وأن ثقيفا ال يهدمونها بأيديهم

فقبل ذلك، وآتب لهم آتابا، وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفي ؛ ألنه آان أحرصهم على التفقه في اإلسالم . أبداوذلك أن الوفد آانوا آل يوم يغدون إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، ويخلفون عثمان بن . وتعلم الدين والقرآن

أبي العاص في رحالهم، فإذا رجعوا وقالوا بالهاجرة عمد عثمان بن أبي العاص إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم وآان من أعظم الناس برآة ( لنفس الغرض فاستقرأه القرآن، وسأله عن الدين، وإذا وجده نائما عمد إلى أبي بكر

يا معشر ثقيف، آنتم آخر الناس إسالما، فال تكونوا : لقومه في زمن الردة، فإن ثقيفا لما عزمت على الردة قال لهم . ) أول الناس ردة، فامتنعوا عن الردة، وثبتوا على اإلسالم

رب والقتال، وأظهر الحزن والكآبة، وأن رسول الله صلى اهللا ورجع الوفد إلى قومه فكتمهم الحقيقة، وخوفهم بالحفأخذت ثقيفا نخوة الجاهلية، فمكثوا يومين . عليه وسلم سألهم اإلسالم وترك الزنا والخمر والربا وغيرها وإال يقاتلهم

وحينئذ أبدي الوفد . طوه ما سألارجعوا إليه فأع : أو ثالثة يريدون القتال، ثم ألقي الله في قلوبهم الرعب، وقالوا للوفد . حقيقة األمر، وأظهروا ما صالحوا عليه، فأسلمت ثقيف

وبعث رسول الله صلى اهللا عليه وسلم رجاال لهدم الالت، أمر عليهم خالد بن الوليد، فقام المغيرة ابن شعبة، فأخذ ين، ثم سقط يرآض، فارتج أهل الطائف، والله ألضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرز : الكرزين وقال ألصحابه

قبحكم الله، إنما هي لكاع حجارة ومدر، ثم ضرب الباب : أبعد الله المغيرة، قتلته الربة، فوثب المغيرة فقال : وقالوافكسره، ثم عال أعلى سورها، وعال الرجال فهدموها وسووها باألرض حتى حفروا أساسها، وأخرجوا حليها

ها، فبهتت ثقيف، ورجع خالد مع مفرزته إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بحليها وآسوتها، فقسمها رسول ولباس . اهللا صلى اهللا عليه وسلم من يومه، وحمد اهللا على نصرة نبيه وإعزاز دينه

: ـ رسالة ملوك اليمن 9مير، وهم الحارث بن عبد آالل، ونعيم بن عبد وبعد مرجع النبي صلى اهللا عليه وسلم من تبوك قدم آتاب ملوك ح

آالل، والنعمان، وقيل ذي رعين وهمدان ومعافر، ورسولهم إليه صلى اهللا عليه وسلم مالك بن مرة الرهاوي، بعثوه للمؤمنين وما عليهم، بإسالمهم ومفارقتهم الشرك وأهله، وآتب إليهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم آتابا بين فيه ما

وأعطي فيه المعاهدين ذمة الله وذمة رسوله إذا أعطوا ما عليهم من الجزية وبعث إليهم رجاال من أصحابه أميرهم معاذ بن جبل، وجعله على الكورة العلياء من جهة عدن بين السكون والسكاسك، وآان قاضيا وحاآما في الحروب،

قة والجزية، ويصلي بهم الصلوات الخمس، وبعث أبا موسي األشعري رضي اهللا عنه على وعامال على أخذ الصدوقد . ) يسرا وال تعسرا، وبشرا وال تنفرا، وتطاوعا وال تختلفا ( : زبيد ومأرب وزمع والساحل، وقال : الكورة السفلي

ما أبو موسي األشعري رضي اهللا عنه فقدم عليه صلى أ . مكث معاذ باليمن حتى توفي رسول الله صلى اهللا عليه وسلم . اهللا عليه وسلم في حجة الوداع

: ـ وفد همدان 10هـ بعد مرجعه صلى اهللا عليه وسلم من تبوك، فكتب لهم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم آتابا أقطعهم فيه 9قدموا سنة

على من أسلم من قومه، وبعث إلى سائرهم خالد بن الوليد يدعوهم ما سألوه، وأمر عليهم مالك بن النمط، واستعملهإلى اإلسالم، فأقام ستة أشهر يدعوهم فلم يجيبوه، ثم بعث على بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالدا، فجاء على إلى

جميعا، وآتب على همدان، وقرأ عليهم آتابا من رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، ودعاهم إلى اإلسالم فأسلموا السالم على ( : ببشارة إسالمهم إلى رسول صلى اهللا عليه وسلم، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا، ثم رفع رأسه فقال

. ) همدان، السالم على همدان

: ـ وفد بني فزارة 11جال جاءوا مقرين باإلسالم، هـ بعد مرجعه صلى اهللا عليه وسلم من تبوك، قدم في بضعة عشر ر9قدم هذا الوفد سنة

اللهم اسق بالدك ( : وشكوا جدب بالدهم، فصعد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم المنبر، فرفع يديه واستسقي، وقالوبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريئا مريعا، طبقا واسعا، عاجال غير آجل،

ا غير ضار، اللهم سقيا رحمة، ال سقيا عذاب، والهدم وال غرق وال محق، اللهم اسقنا الغيث، وانصرنا على نافع . ) األعداء

: ـ وفد نجران12بلد آبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن، آان يشتمل على ثالث : بفتح النون وسكون الجيم ] نجران [

. يرة يوم للراآب السريع ، وآان يؤلف مائة ألف مقاتل آانوا يدينون بالنصرانيةوسبعين قرية، مس

هـ، وقوام الوفد ستون رجال منهم أربعة وعشرون من األشراف، فيهم ثالثة آانت 9وآانت وفادة أهل نجران سنة السيد، آانت : والثاني . عبد المسيحالعاقب، آانت إليه اإلمارة والحكومة، واسمه : أحدهم . إليهم زعامة أهل نجران

األسقف، وآانت إليه الزعامة الدينية، : والثالث . تحت إشرافه األمور الثقافية والسياسية، واسمه األيهم أو شرحبيل . والقيادة الروحانية، واسمه أبو حارثة بن علقمة

لم سألهم وسألوه، ثم دعاهم إلى اإلسالم، وتال عليهم القرآن ولما نزل الوفد بالمدينة، ولقي النبي صلى اهللا عليه وس : فامتنعوا، وسألوه عما يقول في عيسي عليه السالم، فمكث رسول الله صلى اهللا عليه وسلم يومه ذلك حتى نزل عليه

فيكون الحق من ربك فال تكن من الممترين فمن إن مثل عيسى عند الله آمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له آن { آم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل حآجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءآم ونساءنا ونساء

. ] 61: 59 : آل عمران [ } عنة الله على الكاذبينفنجعل ل

ولما أصبح رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أخبرهم بقوله في عيسي ابن مريم في ضوء هذه اآلية الكريمة، وترآهم ن قبول ما عرض عليهم فلما أصبحوا وقد أبوا ع . ذلك اليوم ؛ ليفكروا في أمرهم، فأبوا أن يقروا بما قال في عيسي

من قوله في عيسي، وأبوا عن اإلسالم دعاهم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم إلى المباهلة، وأقبل مشتمال على الحسن والحسين في خميل له، وفاطمة تمشي عند ظهره، فلما رأوا منه الجد والتهيؤ خلوا وتشاوروا، فقال آل من

فو الله لئن آان نبيا فالعننا ال نفلح نحن وال عقبنا من بعدنا ، فال يبقي على وجه ال تفعل، : العاقب والسيد لآلخراألرض منا شعرة وال ظفر إال هلك، ثم اجتمع رأيهم على تحكيم رسول الله صلى اهللا عليه وسلم في أمرهم، فجاءوا

ألف في : وسلم منهم الجزية، وصالحهم على ألفي حلةفقبل رسول الله صلى اهللا عليه . إنا نعطيك ما سألتنا : وقالواوترك لهم الحرية الكاملة في دينهم، . رجب، وألف في صفر، ومع آل حلة أوقية، وأعطاهم ذمة الله وذمة رسوله

جراح؛ وآتب لهم بذلك آتابا، وطلبوا منه أن يبعث عليهم رجال أمينا، فبعث عليهم أمين هذه األمة أبا عبيدة بن ال . ليقبض مال الصلح

ثم طفق اإلسالم يفشو فيهم، فقد ذآروا أن السيد والعاقب أسلما بعد ما رجعا إلى نجران، وأن النبي صلى اهللا عليه . وسلم بعث إليهم عليا ؛ ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، ومعلوم أن الصدقة إنما تؤخذ من المسلمين

: ـ وفد بني حنيفة 13هـ، وآانوا سبعة عشر رجال فيهم مسيلمة الكذاب ـ وهو مسيلمة بن ثمامة بن آبير بن حبيب بن 9هم سنة آانت وفادت

الحارث من بني حنيفة ـ نزل هذا الوفد في بيت رجل من األنصار، ثم جاءوا إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم فأسلموا، النظر في جميعها أن مسيلمة صدر منه االستنكاف واألنفة واختلفت الروايات في مسيلمة الكذاب، ويظهر بعد

واالستكبار والطموح إلى اإلمارة، وأنه لم يحضر مع سائر الوفد إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، وأن النبي . س فيه الشرصلى اهللا عليه وسلم أراد استئالفه باإلحسان بالقول والفعل أوال، فلما رأي أن ذلك ال يجدي فيه نفعا تفر

وآان النبي صلى اهللا عليه وسلم قد أري قبل ذلك في المنام أنه أتي بخزائن األرض، فوقع في يديه سواران من ذهب، فكبرا عليه وأهماه، فأوحي إليه أن انفخهما فنفخهما فذهبا، فأولهما آذابين يخرجان من بعده، فلما صدر من مسيلمة ما

إن جعل لي محمد األمر من بعده تبعته ـ جاءه رسول الله صلى اهللا عليه وسلم : آان يقول صدر من االستنكاف ـ وقدوفي يده قطعة من جريد، ومعه خطيبه ثابت بن قيس بن شماس، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فكلمه، فقال له

لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو ( : إن شئت خلينا بينك وبين األمر، ثم جعلته لنا بعدك، فقال : مسيلمة، ثم ) أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، والله إني ألراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني

. انصرف

ي يفكر في أمره، حتى ادعي وأخيرا وقع ما تفرس فيه النبي صلى اهللا عليه وسلم، فإن مسيلمة لما رجع إلى اليمامة بقأنه أشرك في األمر مع النبي صلى اهللا عليه وسلم، فادعي النبوة، وجعل يسجع السجعات، وأحل لقومه الخمر والزنا،

وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى اهللا عليه وسلم أنه نبي، وافتتن به قومه فتبعوه وأصفقوا معه، حتى تفاقم أمره، إني أشرآت : ان اليمامة لعظم قدره فيهم، وآتب إلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم آتابا قال فيهرحم : فكان يقال له

في األمر معك، وإن لنا نصف األمر، ولقريش نصف األمر، فرد عليه رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بكتاب قال . ) قينإن األرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمت ( : فيه

أتشهدان ( : جاء ابن النواحة، وابن أثال رسوال مسيلمة إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم، فقال لهما : وعن ابن مسعودآمنت بالله ورسوله، لو آنت ( : فقال النبي صلى اهللا عليه وسلم . نشهد أن مسيلمة رسول الله : فقاال ) ؟ أني رسول الله

. ) رسوال لقتلتكماقاتال

آان ادعاء مسيلمة النبوة سنة عشر، وقتل في حرب اليمامة في عهد أبي بكر الصديق رضي اهللا عنه في ربيع األول وأما المتنبئ الثاني، وهو األسود العنسي الذي آان باليمن، فقتله فيروز، واحتز . هـ، قتله وحشي قاتل حمزة21سنة

ة النبي صلى اهللا عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه الوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر من اليمن إلى أبي رأسه قبل وفا . بكر رضي اهللا عنه

: ـ وفد بني عامر بن صعصعة14م، وآانوا رؤساء آان فيهم عامر بن الطفيل عدو الله وأربد بن قيس ـ أخو لبيد ألمه ـ وخالد بن جعفر، وجبار بن أسل

القوم وشياطينهم، وآان عامر هو الذي غدر بأصحاب بئر معونة، فلما أراد هذا الوفد أن يقدم المدينة تآمر عامر وأربد، واتفقا على الفتك بالنبي صلى اهللا عليه وسلم، فلما جاء الوفد جعل عامر يكلم النبي صلى اهللا عليه وسلم، ودار

برا، ثم حبس الله يده فلم يقدر على سله، وعصم الله نبيه، ودعا عليهما النبي صلى اهللا أربد خلفه، واخترط سيفه شعليه وسلم، فلما رجعا أرسل الله على أربد وجمله صاعقة فأحرقته، وأما عامر فنزل على امرأة سلولية، فأصيب

. السلولية أغدة آغدة البعير، وموتا في بيت : بغدة في عنقه فمات وهو يقول

يكون لك أهل السهل : أخيرك بين خصال ثالث : أن عامرا أتي النبي صلى اهللا عليه وسلم فقال : وفي صحيح البخاري : ولي أهل المدر، أو أآون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء، فطعن في بيت امرأة، فقال

. ايتوني بفرسي، فرآب، فمات على فرسه ! ير، في بيت امرأة من بني فالن أغدة آغدة البع

: ـ وفد تجيب15قدم هذا الوفد بصدقات قومه مما فضل عن فقرائهم، وآان الوفد ثالثة عشر رجال، وآانوا يسألون عن القرآن والسنن

م بها، ولم يطيلوا اللبث، ولما أجازهم رسول الله يتعلمونها، وسألوا رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أشياء فكتب لهوالله ما أعملني من بالدي إال أن : صلى اهللا عليه وسلم بعثوا إليه غالما آانوا خلفوه في رحالهم، فجاء الغالم، وقال

اس، وثبت في الردة فكان أقنع الن . تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي في قلبي، فدعا له بذلكعلى اإلسالم، وذآر قومه ووعظهم فثبتوا عليه، والتقي أهل الوفد بالنبي صلى اهللا عليه وسلم مرة أخري في حجة

. هـ 01الوداع سنة

: ـ وفد طيـئ16لموا وحسن قدم هذا الوفد وفيهم زيد الخيل ، فلما آلموا النبي صلى اهللا عليه وسلم، وعرض عليهم اإلسالم أس

ما ذآر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إال رأيته ( : إسالمهم، وقال رسول الله صلى اهللا عليه وسلم عن زيد . ، وسماه زيد الخير ) دون ما يقال فيه ، إال زيد الخيل، فإنه لم يبلغ آل ما فيه

المغازي والسير منها وفود أهل اليمن، واألزد وهكذا تتابعت الوفود إلى المدينة في سنتي تسع وعشر، وقد ذآر أهلوبني سعد هذيم من قضاعة، وبني عامر بن قيس، وبني أسد، وبهراء وخوالن ومحارب وبني الحارث بن آعب

سان، وبني عيش، ونخع وغامد وبني المنتفق، وسالمان، وبني عبس، ومزينة، ومراد، وزبيد، وآندة، وذي مرة، وغهـ في مائتي رجـل ـ وآانت وفادة األغلبية من هذه الوفود سنة 11ـ وهو آخر الوفود، توافـد فـي منتصف محـرم سنة

. هـ 11هـ، وقد تأخرت وفادة بعضها إلى سنة 01و 9

وبسط السيطرة والنفوذ على أنحاء وتتابع هذه الوفود يدل على مدي ما نالت الدعوة اإلسالمية من القبول التام،جزيرة العرب وأرجائها، وأن العرب آانت تنظر إلى المدينة بنظر التقدير واإلجالل، حتى لم تكن تري محيصا عن

االستسالم أمامها، فقد صارت المدينة عاصمة لجزيرة العرب، ال يمكن صرف النظر عنها، إال أننا ال يمكن لنا القول ن من أنفس هؤالء بأسرهم ؛ ألنه آان وسطهم آثير من األعراب الجفاة الذين أسلموا تبعا لسادتهم، بأن الدين قد تمك

ولم تكن أنفسهم قد خلصت بعد عما تأصل فيها من الميل إلى الغارات، ولم تكن تعاليم اإلسالم قد هذبت أنفسهم تمام . التهذيب

األعراب أشد آفرا ونفاقا وأجدر أال يعلموا حدود ما أنزل الله { : وقد وصف القرآن بعضهم بقوله في سورة التوبةء والله ومن األعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دآئرة السو على رسوله والله عليم حكيم

] 98، 97 : التوبة [ } سميع عليم

ومن األعراب من يؤمن بالله واليوم اآلخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات { : وأثنى على آخرين منهم فقال . ]99:التوبة [ } لهم الله في رحمته إن الله غفور رحيمالرسول أال إنها قربة لهم سيدخ

أما الحاضرون منهم في مكة والمدينة وثقيف، وآثير من اليمن والبحرين، فقد آان اإلسالم فيهم قويا، ومنهم آبار . الصحابة وسادات المسلمين

نجاح الدعوة وأثرها حجـة الــوداع آخر البعوث

نجاح الدعوة وأثرها

عليه وسلم، ينبغي لنا أن نلقي نظرة وقبل أن نتقدم خطوة أخري إلى مطالعة أواخر أيام حياة الرسول صلى اهللا إجمالية على العمل الجلل الذي هو فذلكة حياته، والذي امتاز به عن سائر األنبياء والمرسلين، حتى توج الله

. هامته بسيادة األولين واآلخرين

قم يا أيها المدثر { و . ] 2، 1 : المزمل [ اآليات } قليلا يا أيها المزمل قم الليل إلا { : إنه صلى اهللا عليه وسلم قيل لهاآليات، فقام وظل قائما أآثر من عشرين عاما يحمل على عاتقه عبء األمانة الكبري في ] 2، 1 : المدثر [ } فأنذر

. لجهاد في ميادين شتىهذه األرض، عبء البشرية آلها وعبء العقيدة آلها، وعبء الكفاح وا

حمل عبء الكفاح والجهاد في ميادين الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهلية وتصوراتها، المثقل بأثقال حتى إذا خلص هذا الضمير في بعض صحابته مما يثقله . األرض وجواذبها، المكبل بأوهاق الشهوات وأغاللها

مع أعداء دعوة الله . . . معرآة أخري في ميدان آخر، بل معارك متالحقةمن رآام الجاهلية والحياة األرضية، بدأ المتألبين عليها، وعلى المؤمنين بها، الحريصين على قتل هذه الغرسة الزآية في منبتها، قبل أن تنمو وتمد

الجزيرة العربية ولم يكد يفرغ من معارك . . . جذورها في التربـة، وفروعها في الفضاء، وتظلل مساحات أخرى . حتى آانت الروم تعد لهذه األمة الجديدة، وتتهيأ للبطش بها على تخومها الشمالية

وفي أثناء هذا آله لم تكن المعرآة األولي ـ معرآة الضمير ـ قد انتهت، فهي معرآة خالدة، الشيطان صاحبها، ني، ومحمد صلى اهللا عليه وسلم قائم على دعوة وهو ال يني لحظة عن مزاولة نشاطه في أعماق الضمير اإلنسا

الله هناك، وعلى المعرآة الدائبة في ميادينها المتفرقة، في شظف من العيش، والدنيا مقبلة عليه وفي جهد وآد، والمؤمنون يستروحون من حوله ظالل األمن والراحة، وفي نصب دائم ال ينقطع، وفي صبر جميل على هذا

. الليل، وفي عبادة لربه وترتيل لقرآنه، وتبتل إليه آما أمره أن يفعل آله، وفي قيام

وهكذا عاش في المعرآة الدائبة المستمرة أآثر من عشرين عاما، ال يلهيه شأن عن شأن في خالل هذا األمد، ة، وزالت غبرة حتى نجحت الدعوة اإلسالمية على نطاق واسع تتحير له العقول، فقد دانت لها الجزيرة العربي

الجاهلية عن آفاقها، وصحت العقول العليلة حتى ترآت األصنام بل آسرت، أخذ الجو يرتج بأصوات التوحيد، وسمع األذان للصلوات يشق أجواء الفضاء خالل الصحراء التي أحياها اإليمان الجديد، وانطلق القراء شماال

. وجنوبا، يتلون آيات الكتاب، ويقيمون أحكام الله

وتوحدت الشعوب والقبائل المتناثرة، وخرج اإلنسان من عبادة العباد إلى عبادة الله، فليس هناك قاهر ومقهور، وسادات وعبيد، وحكام ومحكومون، وظالم ومظلوم، وإنما الناس آلهم عباد الله، إخوان متحابون، متمثلون

وتعاظمها باآلباء، ولم يبق هناك فضل لعربي على عجمي، وال ألحكامه، أذهب الله عنهم عبية الجاهلية ونخوتها . لعجمي على عربي، وال ألحمر على أسود إال بالتقوي، الناس آلهم بنو آدم، وآدم من تراب

وهكذا تحققت ـ بفضل هذه الدعوة ـ الوحدة العربية، والوحدة اإلنسانية، والعدالة االجتماعية، والسعادة البشرية ومشاآلها الدنيوية، وفي مسائلها األخروية، فتقلب مجري األيام، وتغير وجه األرض، وانعدل خط في قضاياها

. التاريخ، تبدلت العقلية

إن العالم آانت تسيطر عليه روح الجاهلية ـ قبل هذه الدعوة ـ ويتعفن ضميره، وتأسن روحه، وتختل فيه القيم ه موجة من الترف الفاجر والحرمان التاعس، وتغشاه غاشية الكفر والمقاييس، ويسوده الظلم والعبودية، وتجتاح

والضالل والظالم، على الرغم من الديانات السماوية، التي آانت قد أدرآها التحريف، وسري فيها الضعف، . وفقدت سيطرتها على النفوس، واستحالت طقوسا جامدة، ال حياة فيها وال روح

في حياة البشرية، خلصت روح البشر من الوهم والخرافة، ومن العبودية والرق، فلما قامت هذه الدعوة بدورها ومن الفساد والتعفن، ومن القذارة واالنحالل، وخلصت المجتمع اإلنساني من الظلم والطغيان، ومن التفكك

س من العفة واالنهيار، ومن فوارق الطبقات، واستبداد الحكام، واستذالل الكهان، وقامت ببناء العالم على أسوالنظافة، واإليجابية والبناء، والحرية والتجدد، ومن المعرفة واليقين، والثقة واإليمان، والعدالة والكرامة، ومن

. العمل الدائب لتنمية الحياة، وترقية الحياة، وإعطاء آل ذي حق حقه في الحياة

د مثلها منذ نشأ فوقها العمران، ولم يتألق وبفضل هذه التطورات شاهدت الجزيرة العربية نهضة مبارآة لم تشاه . تاريخها تألقه في هذه األيام الفريدة من عمرها

حجـة الــوداع

تمت أعمال الدعوة، وإبالغ الرسالة، وبناء مجتمع جديد على أساس إثبات األلوهية لله، ونفيها عن غيره، وعلى خفيا انبعث في قلب رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، يشعره أساس رسالة محمد صلى اهللا عليه وسلم، وآأن هاتفا

يا ( : هـ قال له ـ فيما قال01أن مقامه في الدنيا قد أوشك على النهاية، حتى إنه حين بعث معاذا على اليمن سنة راق رسول الله صلى اهللا ، فبكي معاذا خشعا لف ) معاذ، إنك عسي أال تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري

. عليه وسلم

وشاء الله أن يري رسوله صلى اهللا عليه وسلم ثمار دعوته، التي عاني في سبيلها ألوانا من المتاعب بضعا وعشرين عاما، فيجتمع في أطراف مكة بأفراد قبائل العرب وممثليها، فيأخذوا منه شرائع الدين وأحكامه، ويأخذ

. أنه أدي األمانة، وبلغ الرسالة، ونصح األمة منهم الشهادة على

أعلن النبي صلى اهللا عليه وسلم بقصده لهذه الحجة المبرورة المشهودة، فقدم المدينة بشر آثير آلهم يلتمس أن وفي يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة تهيأ النبي صلى اهللا عليه وسلم . يأتم برسول الله صلى اهللا عليه وسلم

لرحيل ، فترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه وقلد بدنه، وانطلق بعد الظهر، حتى بلغ ذا الحليفة قبل أن يصلي ل : أتاني الليلة آت من ربي فقال ( : فلما أصبح قال ألصحابه . العصر، فصالها رآعتين، وبات هناك حتى أصبح

. ) رة في حجةعم : صل في هذا الوادي المبارك وقل

وقبل أن يصلي الظهر اغتسل إلحرامه، ثم طيبته عائشة بيدها بذريرة وطيب فيه مسك، في بدنه ورأسه، حتى آان وبيص الطيب يري في مفارقه ولحيته، ثم استدامه ولم يغسله، ثم لبس إزاره ورداءه، ثم صلي الظهر

وقرن بينهما، ثم خرج، فرآب القصواء، فأهل أيضا، ثم أهل لما رآعتين، ثم أهل بالحج والعمرة في مصاله، . استقلت به على البيداء

ثم واصل سيره حتى قرب من مكة، فبات بذي طوي، ثم دخل مكة بعد أن صلي الفجر واغتسل من صباح يوم اني ليال، وهي المسافة الوسطي ـ هـ ـ وقد قضي في الطريق ثم01األحد ألربع ليال خلون من ذي الحجة سنة

فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة، ولم يحل ؛ألنه آان قارنا قد ساق معه الهدي، . فنزل بأعلى مكة عند الحجون، وأقام هناك، ولم يعد إلى الطواف غير طواف الحج

لوا إحرامهم عمرة، فيطوفوا بالبيت وبين الصفا المروة، ثم يحلوا وأمر من لم يكن معه هدي من أصحابه أن يجع، فحل من لم ) لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولوال أن معي الهدي ألحللت ( : حالال تاما، فترددوا، فقال . يكن معه هدي، وسمعوا وأطاعوا

ة ـ توجه إلى مني، فصلي بها الظهر والعصر والمغرب وفي اليوم الثامن من ذي الحجة ـ وهو يوم الترويوالعشاء والفجر ـ خمس صلوات ـ ثم مكث قليال حتى طلعت الشمس، فأجاز حتى أتي عرفة، فوجد القبة قد

ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتي بطن الوادي، وقد اجتمع حوله : وأربعة وعشرون أو أربعة وأربعون ألفا من الناس، فقام فيهم خطيبا، وألقى هذه الخطبة الجامعة مائة ألف

. ) أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني ال أدري لعلى ال ألقاآم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا (

أال آل شيء من أمر . بلدآم هذاإن دماءآم وأموالكم حرام عليكم آحرمة يومكم هذا، في شهرآم هذا، في ( الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ

وآان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ـ وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد . ) المطلب، فإنه موضوع آله

فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أال يوطئن فرشكم ( . ) أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وآسوتهن بالمعروف

. ) متم به، آتاب اللهوقد ترآت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتص (

أيها الناس، إنه ال نبي بعدي، وال أمة بعدآم، أال فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهرآم، وأدوا زآاة ( . ) أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيت ربكم، وأطيعوا أوالت أمرآم، تدخلوا جنة ربكم

. نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت : قالوا ) ؟ وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون (

. ثالث مرات ) اللهم اشهد ( : فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس

. وآان الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى اهللا عليه وسلم ـ وهو بعرفة ـ ربيعة بن أمية ابن خلف

اليوم أآملت لكم دينكم وأتممت { : لى اهللا عليه وسلم من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالىوبعد أن فرغ النبي ص : ، ولما نزلت بكي عمر، فقال له النبي صلى اهللا عليه وسلم ] 3 : المائدة [ } عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دينا

. ) صدقت ( : أبكاني أنا آنا في زيادة من ديننا، فأما إذا آمل فإنه لم يكمل شيء قط إال نقص، فقال : قال ) ؟ كما يبكي (

وبعد الخطبة أذن بالل ثم أقام، فصلى رسول الله صلى اهللا عليه وسلم بالناس الظهر، ثم أقام فصلي العصر، ولم ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يصل بينهما شيئا، ثم رآب حتى أتي الموقف

. يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليال حتى غاب القرص

ا شيئا، وأردف أسامة، ودفع حتى أتي المزدلفة، فصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهمثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلي الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم رآب القصواء حتى أتي المشعر

. الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وآبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا

الفضل بن عباس حتى أتي بطن محسر، فحرك فدفع ـ من المزدلفة إلى مني ـ قبل أن تطلع الشمس، وأردف قليال، ثم سلك الطريق الوسطي التي تخرج على الجمرة الكبري، حتى أتي الجمرة التي عند الشجرة ـ وهي

الجمرة الكبري نفسها، آانت عندها شجرة في ذلك الزمان، وتسمي بجمرة العقبة وبالجمرة األولي ـ فرماها بسبع كبر مع آل حصاة منها مثل حصي الخذف، رمي من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر حصيات، ي

ثالثا وستين بدنة بيده، ثم أعطي عليا فنحر ما غبر ـ وهي سبع وثالثون بدنة، تمام المائة ـ وأشرآه في هديه، ثم . با من مرقهاأمر من آل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأآال من لحمها، وشر

ثم رآب رسول الله صلى اهللا عليه وسلم، فأفاض إلى البيت، فصلي بمكة الظهر، فأتي على بني المطلب يسقون ، فناولوه دلوا فشرب ) انزعوا بني عبد المطلب، فلوال أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ( : على زمزم، فقال

. منه

هللا عليه وسلم يوم النحر ـ عاشر ذي الحجة ـ أيضا حين ارتفع الضحي، وهو على بغلة وخطب النبي صلى اشهباء، وعلى يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد ، وأعاد في خطبته هذه بعض ما آان ألقاه أمس، فقد روي

ن الزمان قد استدار آهيئته يوم إ ( : خطبنا النبي صلى اهللا عليه وسلم يوم النحر، قال : الشيخان عن أبي بكرة قالخلق اهللا السموات واألرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثالث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة

. ) والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان

اهللا : قلنا ) ؟ أي بلد هذا ( : قال ؟ بلي : قلنا ) ؟ أليس ذا الحجة ( : بغير اسمه، قالاهللا ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه : قلنا ) ؟ أي شهر هذا ( : وقالنا أنه فسكت حتى ظن . اهللا ورسوله أعلم : قلنا ) ؟ فأي يوم هذا ( : قال . بلي : قلنا ) ؟ أليست البلدة ( : ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال

. ) فإن دماءآم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام آحرمة يومكم هذا، في بلدآم هذا، في شهرآم هذا ( : قال . بلي : قلنا ) ؟ أليس يوم النحر ( : سيسمية بغير اسمه، قال

. ) وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، أال فال ترجعوا بعدي ضالال يضرب بعضكم رقاب بعض (

. ) اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعي من سامع ( : نعم، قال : قالوا ) ؟ أال هل بلغت (

أال ال يجني جان إال على نفسه، أال ال يجني جان على ولده، وال مولود على ( : وفي رواية أنه قال في تلك الخطبةد يئس أن يعبد في بلدآم هذا أبدا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، والده، أال إن الشيطان ق

. ) فسيرضى به

وأقام أيام التشريق بمني يؤدي المناسك ويعلم الشرائع، ويذآر اهللا، ويقيم سنن الهدي من ملة إبراهيم، ويمحو آثار . الشرك ومعالمها

خطبنا : ، فقد روي أبو داود بإسناد حسن عن سراء بنت نبهان قالتوقد خطب في بعض أيام التشريق أيضاوآانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته . ) أليس هذا أوسط أيام التشريق ( : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يوم الرءوس، فقال

. يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة عقب نزول سورة النصر

فر الثاني ـ الثالث عشر من ذي الحجة ـ نفر النبي صلى اهللا عليه وسلم من مني، فنزل بخيف بني وفي يوم النآنانة من األبطح، وأقام هناك بقية يومه ذلك، وليلته، وصلي هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد

. رقدة، ثم رآب إلى البيت، فطاف به طواف الوداع، وأمر به الناس

لما قضي مناسكه حث الرآاب إلى المدينة المطهرة، ال ليأخذ حظا من الراحة، بل ليستأنف الكفاح والكدح هللا و . وفي سبيل اهللا

آخر البعوث

آانت آبرياء دولة الرم قد جعلتها تأبي حق الحياة على من آمن باهللا ورسوله، وحملها على أن تقتل من أتباعها . ا فعلت بفروة بن عمرو الجذامي، الذي آان واليا على معان من قبل الروممن يدخل في اإلسالم، آم

هـ، 11ونظرا إلى هذه الجراءة والغطرسة، أخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يجهز جيشا آبيرا في صفر سنة م من أرض فلسطين، يبغي بذلك وأمر عليه أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدارو

إرهاب الروم وإعادة الثقة إلى قلوب العرب الضاربين على الحدود، حتى ال يحسبن أحد أن بطش الكنيسة ال . معقب له، وأن الدخول في اإلسالم يجر على أصحابه الحتوف فحسب

إن تطعنوا ( : صلى اهللا عليه وسلم وتكلم الناس في قائد الجيش لحداثة سنه، واستبطأوا في بعثه، فقال رسول اهللافي إمارته، فقد آنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم اهللا، إن آان لخليقا لإلمارة، وإن آان من أحب الناس

. ) إلى، و إن هذا من أحب الناس إلى بعده

ف، على فرسخ من المدينة، وانتدب الناس يلتفون حول أسامة، وينتظمون في جيشة، حتى خرجوا ونزلوا الجرإال أن األخبار المقلقة عن مرض رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ألزمتهم التريث، حتى يعرفوا ما يقضي اهللا به،

. وقد قضي اهللا أن يكون هذا أول بعث ينفذ في خالفة أبي بكر الصديق

إلى الرفيق األعلي

طالئع التوديع

يطر اإلسالم على الموقف، أخذت طالئع التوديع للحياة واألحياء تطلع من مشاعره صلى ولما تكاملت الدعوة وس . اهللا عليه وسلم، وتتضح بعباراته وأفعاله

إنه اعتكف في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوما، بينما آان ال يعتكف إال عشرة أيام فحسب، وتدارسه ، وقال ) إني ال أدري لعلى ال ألقاآم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ( : جبريل القرآن مرتين، وقال في حجة الوداع

، وأنزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق، فعرف أنه الوداع وأنه نعيت ) خذوا عني مناسككم، فلعلي ال أحج بعد عامي هذا ( : وهو عند جمرة العقبة . إليه نفسه

خرج النبي صلى اهللا عليه وسلم إلى أحد، فصلي على الشهداء آالمودع لألحياء هـ 11وفي أوائل صفر سنة إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني واهللا ألنظر إلى حوضي اآلن، ( : واألموات، ثم انصرف إلى المنبر فقال

بعدي، ولكني وإني أعطيت مفاتيح خزائن األرض، أو مفاتيح األرض، وإني واهللا ما أخاف عليكم أن تشرآوا . ) أخاف عليكم أن تنافسوا فيها

السالم عليكـم يـا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم ( : وخرج ليلة ـ في منتصفها ـ إلى البقيع، فاستغفر لهم، وقــال : ، وبشرهم قائال ) وليفيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن آقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، واآلخرة شر من األ

. ) إنا بكم لالحقون (

بـدايـة المـرض

هـ ـ وآان يوم االثنين ـ شهد رسول اهللا صلى اهللا 11وفي اليوم الثامن أو التاسع والعشرين من شهر صفر سنةى إنهم آانوا عليه وسلم جنازة في البقيع، فلما رجع، وهو في الطريق أخذه صداع في رأسه، واتقدت الحرارة، حت

. يجدون سورتها فوق العصابة التي تعصب بها رأسه

. يوما 41، أو 31يوما، وجميع أيام المرض آانت 11وقد صلي النبي صلى اهللا عليه وسلم بالناس وهو مريض

األسبوع األخير

ففهمن مراده، فأذن له ) ؟ أين أنا غدا ؟ نا غداأين أ ( : وثقل برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم المرض، فجعل يسأل أزواجهآخر أسبوع يكون حيث شاء، فانتقل إلى بيت عائشة يمشي بين الفضل بن عباس وعلى بن أبي طالب، عاصبا رأسه، تخط قدماه حتى دخل بيتها، فقضي عندها

. من حياته

هللا صلى اهللا عليه وسلم، فكانت تنفث على نفسه، وآانت عائشة تقرأ بالمعوذات واألدعية التي حفظتها من رسول ا . وتمسحه بيده رجاء البرآة

قبل الوفاة بخمسة أيام

هريقوا علي ( : ويوم األربعاء قبل خمسة أيام من الوفاة، اتقدت حرارة العلة في بدنه، فاشتد به الوجع وغمي، فقالحسبكم، ( : ، فأقعدوه في مخضب ، وصبوا عليه الماء حتى طفق يقول ) إليهمسبع قرب من آبار شتي، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد

. ) حسبكم

وعند ذلك أحس بخفة، فدخل المسجد متعطفا ملحفة على منكبيه، قد عصب رأسه بعصابة دسمة حتى جلس على لعنة اهللا على ( : ، فثابوا إليه، فقال ـ فيما قال ) إليأيها الناس، ( : المنبر، وآان آخر مجلس جلسه، فحمد اهللا وأثني عليه، ثم قال

. ) ال تتخذوا قبري وثنا يعبد ( : ـ وقال ) قاتل اهللا اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( : ـ وفي رواية ) اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

ن آنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن آنت شتمت له عرضا م ( : وعرض نفسه للقصاص قائال . ) فهذا عرضي فليستقد منه

إن لي : فقال رجل . ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، وعاد لمقالته األولي في الشحناء وغيرها : نصار قائال، ثم أوصي باأل ) أعطه يا فضل ( : عندك ثالثة دراهم، فقال

أوصيكم باألنصار، فإنهم آرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا ( أحدا أو ينفعه فليقبل إن الناس يكثرون، وتقل األنصار حتى يكونوا آالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرا يضر فيه ( : ، وفي رواية أنه قال ) عن مسيئهم

. ) من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم

: قال أبو سعيد الخدري . ) إن عبدا خيره اهللا بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده ( : ثم قالانظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عن عبد خيره اهللا بين أن يؤتيه : فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، فقال الناس : قال . فبكي أبو بكر

. فكان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم هو المخير، وآان أبو بكر أعلمنا . فديناك بآبائنا وأمهاتنا : من زهرة الدنيا، وبين ما عنده، وهو يقول

إن من أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر، ولو آنت متخذا خليال ( : وسلم ثم قال رسول اهللا صلى اهللا عليهغير ربي ال تخذت أبا بكر خليال، ولكن أخوة اإلسالم ومودته، ال يبقين في المسجد باب إال سد، إال باب أبي

. ) بكر

قبل أربعة أيام

ـ وفي البيت ) هلموا أآتب لكم آتابا لن تضلوا بعده ( : د به الوجعويوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام قال ـ وقد اشتقربوا يكتب لكم رسول : قد غلب عليه الوجع، وعندآم القرآن، حسبكم آتاب اهللا، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول : رجال فيهم عمر ـ فقال عمر

. ) قوموا عني ( : عمر، فلما أآثروا اللغط واالختالف قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال

أوصي بإخراج اليهود والنصاري والمشرآين من جزيرة العرب، وأوصي بإجازة : وأوصى ذلك اليوم بثالثام بالكتاب والسنة، أو تنفيذ جيش ولعله الوصية باالعتص . الوفود بنحو ما آان يجيزهم، أما الثالث فنسيه الراوي

. ) الصالة وما ملكت أيمانكم ( : أسامة، أو هي

والنبي صلى اهللا عليه وسلم مع ما آان به من شدة المرض آان يصلي بالناس جميع صلواته حتى ذلك اليوم ـ يوم . فيها بالمرسالت عرفا الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام ـ وقد صلي بالناس ذلك اليوم صالة المغرب، فقرأ

فقال النبي صلى اهللا عليه : قالت عائشة . وعند العشاء زاد ثقل المرض، بحيث لم يستطع الخروج إلى المسجدثم أفاق، . هب لينوء فأغمي عليه، ففعلنا، فاغتسل، فذ ) ضعوا لي ماء في المخضب ( : قال . ال يا رسول اهللا، وهم ينتظرونك : قلنا ) ؟ أصلى الناس ( : وسلملي ـ ووقع ثانيا وثالثا ما وقع في المرة األولي من االغتسال ثم اإلغماء حينما أراد أن ينوء ـ فأرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فص ) ؟ أصلى الناس ( : فقال

شاء من يوم الخميس، وصالة الفجر من يوم اإلثنين، وخمس عشرة صالة فيما صالة في حياته صلى اهللا عليه وسلم، وهي صالة الع 17أبو بكر تلك األيام . بينها

وراجعت عائشة النبي صلى اهللا عليه وسلم ثالث أو أربع مرات ؛ ليصرف اإلمامة عن أبي بكر حتى ال يتشاءم . ) إنكن ألنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس ( : به الناس ، فأبي وقال

قبل ثالثة أيام

أال ال يموت أحد منكم إال وهو يحسن ( : سمعت النبي صلى اهللا عليه وسلم قبل موته بثالث وهو يقول : قال جابر . ) الظـن باهللا

قبل يوم أو يومين

و بكر ويوم السبت أو األحد وجد النبي صلى اهللا عليه وسلم في نفسه خفة، فخرج بين رجلين لصالة الظهر، وأب، فأجلساه إلى يسار أبي ) أجلساني إلى جنبه ( : يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه بأال يتأخر، قال

. بكر، فكان أبو بكر يقتدي بصالة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ويسمع الناس التكبير

قبل يوم

نبي صلى اهللا عليه وسلم غلمانه، وتصدق بستة أو سبعة دنانير آانت وقبل يوم من الوفاة ـ يوم األحد ـ أعتق الأقطري لنا في : عنده ، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل أرسلت عائشة بمصباحها امرأة من النساء وقالت

. يرمصباحنا من عكتك السمن ، وآانت درعه صلى اهللا عليه وسلم مرهونة عند يهودي بثالثين صاعا من الشع

آخر يوم من الحياة

أن المسلمين بينا هم في صالة الفجـر من يوم االثنين ـ وأبو بكر يصلي بهم ـ لم يفجأهم إال : روي أنس بن مالكرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم آشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم، وهم في صفوف الصالة، ثم تبسم يضحك،

. الصف، وظن أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصالة فنكص أبو بكر على عقبيه ؛ ليصلوهم المسلمون أن يفتتنوا في صالتهم، فرحا برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فأشار إليهم بيده رسول : فقال أنس

. اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن أتموا صالتكم، ثم دخل الحجرة وأرخي الستر

. م يأت على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وقت صالة أخرىثم ل

ولما ارتفع الضحى، دعا النبي صلى اهللا عليه وسلم فاطمة فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها، فسارها بشيء سارني النبي صلى اهللا عليه وسلم أنه يقبض في : فسألنا عن ذلك ـ أي فيما بعد ـ فقالت : فضحكت، قالت عائشة

. وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت

. وبشر النبي صلى اهللا عليه وسلم فاطمة بأنها سيدة نساء العالمين

. ورأت فاطمة ما برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه

. ) على أبيك آرب بعد اليوم ليس ( : فقال لها . وا آرب أباه : فقالت

. ودعا الحسن والحسين فقبلهما، وأوصي بهما خيرا، ودعا أزواجه فوعظهن وذآرهن

يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام ( : وطفق الوجع يشتد ويزيد، وقد ظهر أثر السم الذي أآله بخيبر حتى آان يقول . ) هري من ذلك السمالذي أآلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أب

وقد طرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها آشفها عن وجهه، فقال وهو آذلك ـ وآان هذا آخر ما تكلم لعنة اهللا على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ـ يحذر ما صنعوا ـ ال يبقين ( : وأوصي به الناس

. ) دينان بأرض العرب

. ، آــرر ذلك مــرارا ) الصالة، الصالة، وما ملكت أيمانكم ( : ى الناس فقالوأوص

االحتضار

إن من نعم اهللا على أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم توفي : وبدأ االختصار فأسندته عائشة إليها، وآانت تقولدخل عبد الرحمن ـ بن أبي . وريقه عند موته في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن اهللا جمع بين ريقي

بكر ـ وبيده السواك، وأنا مسندة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فأمره ـ فلينته، . فأشار برأسه أن نعم ؟ ألينه لك : فتناولته فاشتد عليه، وقلت . فأشار برأسه أن نعم ؟ آخذه لك : فقلت

وفي رواية أنه استن به آأحسن ما آان مستنا ـ وبين يديه رآوة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح به . الحديث ) . . . ال إله إال اهللا، إن للموت سكرات ( : وجهه، يقول

آت شفتاه، فأصغت إليه وما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو أصبعه، وشخص بصره نحو السقف، وتحرمع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي ( : عائشة وهو يقول

. ) اللهم، الرفيق األعلي . وارحمني، وألحقني بالرفيق األعلي

. يه راجعونإنا هللا وإنا إل . آرر الكلمة األخيرة ثالثا، ومالت يده ولحق بالرفيق األعلي

هـ، وقد تم له صلى اهللا عليه وسلم 11ربيع األول سنة 12وقع هذا الحادث حين اشتدت الضحي من يوم االثنين . ثالث وستون سنة وزادت أربعة أيام

تفاقم األحزان على الصحابة

يت يوما قط آان أحسن وال ما رأ : قال أنس . وتسرب النبأ الفادح، وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقهاأضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وما رأيت يوما آان أقبح وال أظلم من يوم مات فيه

. رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

. إلى جبريل ننعاه يا أبتاه، . يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه . يا أبتاه، أجاب ربا دعاه : ولما مات قالت فاطمة

موقف عمر

إن رجاال من المنافقين يزعمون أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم توفي، وإن : ووقف عمر بن الخطاب يقولرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ما مات، لكن ذهب إلى ربه آما ذهب موسي بن عمران، فغاب عن قومه أربعين

. قد مات : ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل

. وواهللا، ليرجعن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات

موقف أبي بكر

وأقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة و مغشي بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أآب عليه، فقبله وبكي، ثم فتيمم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وه

. بأبي أنت وأمي، ال يجمع اهللا عليك موتتين، أما الموتة التي آتبت عليك فقد متها : قال

، اجلس يا عمر، فأبي عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه : ثم خرج أبو بكر، وعمر يكلم الناس، فقال : وترآوا عمر، فقال أبو بكر

أما بعد، من آان منكم يعبد محمدا صلى اهللا عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن آان منكم يعبد اهللا فإن اهللا حي ال قلبتم على أعقابكم ومن ينقلب وما محمد إال رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ان { : يموت، قال اهللا

. ] 144 : آل عمران [ } على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاآرين

س آلهم، فما واهللا لكأن الناس لم يعلموا أن اهللا أنزل هذه اآلية حتى تالها أبو بكر، فتلقاها منه النا : قال ابن عباس . أسمع بشرا من الناس إال يتلوها

واهللا، ما هو إال أن سمعت أبا بكر تالها، فعرفت أنه الحق، فعقرت حتى ما تقلني : قال عمر : قال ابن المسيب . رجالي، وحتى أهويت إلى األرض حين سمعته تالها، علمت أن النبي صلى اهللا عليه وسلم قد مات

يع الجسد الشريف إلى األرضالتجهيز وتود

ووقع الخالف في أمرالخالفة قبل أن يقوموا بتجهيزه صلى اهللا عليه وسلم، فجرت مناقشات ومجادالت وحوار وردود بين المهاجرين واألنصار في سقيفة بني ساعدة، وأخيرا اتفقوا على خالفة أبي بكر رضي اهللا عنه،

دخل الليل، وشغل الناس عن جهاز رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حتى ومضي في ذلك بقية يوم االثنين حتى آان آخر الليل ـ ليلة الثالثاء ـ مع الصبح، وبقي جسده المبارك على فراشه مغشي بثوب حبرة، قد أغلق دونه

. الباب أهله

: وآان القائمون بالغسلويوم الثالثاء غسلوا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من غير أن يجردوه من ثيابه، العباس وعليا، والفضل وقثم ابني العباس، وشقران مولي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وأسامة بن زيد،

وأوس بن خولي، فكان العباس والفضل وقثم يقلبونه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلى يغسله، وأوس أسنده . إلى صدره

. الغرس لسعد بن خيثمة بقباء وآان يشرب منها : بماء وسدر، وغسل من بئر يقال لها وقد غسل ثالث غسالت

. أدرجوه فيها إدراجا . ثم آفنوه في ثالثة أثواب يمانية بيض سحولية من آرسف، ليس فيها قميص وال عمامة

ما قبض نبي إال دفن ( : له صلى اهللا عليه وسلم يقولإني سمعت رسول ال : واختلفوا في موضع دفنه، فقال أبو بكر . ، فرفع أبو طلحة فراشه الذي توفي عليه، فحفر تحته، وجعل القبر لحدا ) حيث يـقبض

ودخل الناس الحجرة أرساال، عشرة فعشرة، يصلون على رسول الله صلى اهللا عليه وسلم أفذاذا، ال يؤمهم أحد، . عشيرته، ثم المهاجرون، ثم األنصار، ثم الصبيان، ثم النساء، أو النساء ثم الصبيان وصلي عليه أوال أهل

ما علمنا بدفن رسول الله صلى اهللا عليه : ومضى في ذلك يوم الثالثاء آامال، ومعظم ليلة األربعاء، قالت عائشة . ليل ـ ليلة األربعاءمن آخر ال : وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ـ وفي رواية

البيت النبوي

، آان البيت النبوي في مكة قبل الهجرة يتألف منه عليه الصالة والسالم، ومن زوجته خديجة بنت خويلد -1 تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنه، وهي في األربعين، وهي أول من تزوجه من النساء، ولم يتزوج عليها

زينب ورقية وأم آلثوم : وبنات، أما األبناء ، فلم يعش منهم أحد ، وأما البنات فهن غيرها، وآان له منها أبناء أبوالعاص بن الربيع، وأما رقية وأم آلثوم فقد تزوجهما , وفاطمة، فأما زينب فتزوجها قبل الهجرة ابن خالتها

أبي طالب بين بدر وأحد، عثمان بن عفان رضي اهللا عنه الواحدة بعد األخرى، وأما فاطمة فتزوجها على بن . ومنها آان الحسن والحسين وزينب وأم آلثوم

ومعلوم أن النبي صلى اهللا عليه وسلم آان يمتاز عن أمته بحل التزوج بأآثر من أربع زوجات ألغراض آثيرة، ا خديجة، فكان عدد من عقد عليهن ثالثة عشرة امرأه، منهن تسع مات عنهن، واثنتان توفيتا في حياته، إحداهم

. واألخرى أم المساآين زينب بنت خريمة، واثنتان لم يدخل بهما، وها هي أسماؤهن وشيء عنهن

، تزوجها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في شوال سنة عشر من النبوة، بعد وفاة خديجة سودة بنت زمعة - 2توفيت بالمدينة في شوال . فمات عنهاالسكران بن عمرو، : بنحو شهر، وآانت قبله عند ابن عم لها يقال له

. هـ 54سنة

، تزوجها في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة، بعد زواجه بسودة بسنة، وقبل ـ عائشة بنت أبي بكر الصديق3الهجرة بسنتين وخمسة أشهر، تزوجها وهي بنت ست سنين، وبني بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر في

ع سنين، وآانت بكرا ولم يتزوج بكرا غيرها، وآانت أحب الخلق إليه، وأفقه نساء األمة، المدينة، وهي بنت تسهـ 57رمضان سنة 17توفيت في . وأعلمهن على اإلطالق، فضلها على النساء آفضل الثريد على سائر الطعام

. هـ ودفنت بالبقيع 58أو

خذافة السهمي بين بدر وأحد ،فلما حلت تزوجها ، تأيمت من زوجها خنيس بن حفصة بنت عمر بن الخطاب - 4هـ بالمدينة ،ولها ستون سنة،ودفنت 45هـ توفيت في شعبان سنة 3رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في شعبان سنة

. بالبقيع

، وآانت تسمى أم المساآين، لرحمتها أياهم ورقتها زينب بنت خزيمة من بنى هالل بن عامر بن صعصة - 5 . هـ 4نت تحت عبد اهللا بن جحش، فاستشهد في أحد، فتزوجها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم سنة عليهم، آا

هـ ، فصلى عليها النبي صلى اهللا عليه وسلم، ودفنت 4ماتت بعد الزواج بنحو ثالثة أشهرفي ربيع اآلخر سنة . بالبقيع

هـ، 4أوالد، فمات عنها في جمادى اآلخر سنة ،وله منها أم سلمة هند بنت أبي أمية، آانت تحت أبي سلمة - 6 . فتزوجها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في ليال بقين من شوال السنة نفسها، وآانت من افقه النساء وأعقلهن

. سنة 84هـ ودفنت بالبقيع، ولها 62 : هـ، وقيل59توفيت سنة

ت عمة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، آانت ، وهي بنزينب بنت جحش بن رباب من بنى أسد بن خزيمة - 7فطلقها زيد، فلما انقضت العدة أنزل اهللا -الذي آان يعتبر ابنا للنبي صلى اهللا عليه وسلم -تحت زيد بن حارثة

، وفيها نزلت ] 37 : األحزاب [ } فلما قضى زيد منها وطرا زوجناآها { تعالى يقول لرسوله صلى اهللا عليه وسلم تزوجها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم -وسنأتي على ذآرها -من سورة األحزاب آيات فصلت قضية التبني

هـ 20هـ، وآانت أعبد النساء وأعظمهن صدقة، توفيت سنة 4سنة : وقيل . في ذي القعدة سنة خمس من الهجرةة بعد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، صلى عليها عمر بن وآانت أول أمهات المؤمنين وفا . سنة 53ولها

. الخطاب، ودفنت بالبقيع

، آانت في سبي بنى المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن جويرية بنت الحارث سيد بنى المصطلق من خزاعة - 8هـ، 5سنة : وقيل . هـ 6شماس، فكاتبها، فقضى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم آتابتها، وتزوجها في شعبان سنة

فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق، وقالوا أصهار رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فكانت أعظم . سنة 65ولها . هـ 55 : هـ، وقيل56توفيت في ربيع األول سنة . النساء برآة على قومها

، فولدت له حبيبة فكنيت بها، وهاجرت معه إلى بن جحش أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، آانت تحت عبيد اهللا - 9الحبشة، فارتد عبيد اهللا وتنصر، وتوفي هناك، وثبتت أم حبيبة على دينها وهجرتها، فلما بعث رسول اهللا صلى

خطب عليه أم حبيبة فزوجها . هـ 7اهللا عليه وسلم عمرو بن أميه الضمري بكتابه إلى النجاشي في المحرم سنة فابتنى بها النبي صلى اهللا عليه وسلم بعد . وأصدقها من عنده أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنةإياه

. هـ50هـ، أو 44هـ، أو 42توفيت سنة . رجوعه من خيبر

، آانت من سبي خيبر، فاصطفاها رسول اهللا صفية بنت حيي بن أخطب سيد بن النضير من بنى إسرائيل -10هـ، وابتنى 7 وعليه وسلم لنفسه، وعرض عليها اإلسالم فأسلمت، فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة صلى اهللا

هـ 36هـ، وقيل 52 : هـ وقيل 50توفيت سنة . ميال من خيبر في طريقه إلى المدينة 12بها بسد الصهباء على بعد . ودفنت بالبقيع

هـ، في عمرة 7بنت الحارث، تزوجها في ذي القعدة سنة ، أخت أم الفضل لبابةميمونة بنت الحارث -11 . القضاء، بعد أن حل منها على الصحيح

هـ ودفنت 38 : ، وقيل63 : هـ، وقيل 61أميال من مكة، وقد توفيت بسرف سنة 9وابتنى بها بسرف على بعد . هناك، وال يزال موضع قبرها معروفا

خديجة - لرسول صلى اهللا عليه وسلم، وبنى بهن وتوفيت منهن اثنتان فهؤالء إحدى عشرة سيدة تزوج بهن ا . في حياته، وتوفي هو عن التسع البواقي -وزينب أم المساآين

وأما االثنتان اللتان لم يبن بهما، فواحدة من بنى آالب، وأخرى من آندة، وهي المعروفة بالجونبة، وهناك . خالفات الحاجة إلى بسطها

راري فالمعروف أنه تسرى باثنتين إحداهما مارية القبطية، أهداها له المقوقس، فأولدها ابنه إبراهيم، وأما الس 27هـ وفق 10من شهر شوال سنة 29أو / 28الذي توفي صغيرا بالمدينة في حياته صلى اهللا عليه وسلم، في

. م632يناير سنة

بل : القرظية، آانت من سبايا قريظة، فاصطفاها لنفسه، وقيلوالسرية الثانية هي ريحانة بنت زيد النضرية أو وزاد أبو عبيدة اثنتين . والقول األول رجحه ابن القيم . هي من أزواجه صلى اهللا عليه وسلم، أعتقها فتزوجها

. أخريين، جميلة أصابها في بعض السبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش

ى اهللا عليه وسلم عرف جيدا أن زواجه بهذا العدد الكثير من النساء في أواخر ومن نظر إلى حياة الرسول صل -عمره بعد أن قضى ما يقارب ثالثين عاما من ريعان شبابه وأجود أيامه مقتصرا على وجة واحدة شبه عجوز

ال يصبر معها عرف أن هذا الزواج لم يكن ألجل أنه وجد بغته في نفسه قوة عارمة من الشبق، -خديجة ثم سودة إال بمثل هذا العدد الكثير من النساء؛ بل آانت هناك أغراض أخرى أجل وأعظم من الغرض الذي يحققه عامة

. الزواج

وآذلك تزوجيه -فاتجاه الرسول صلى اهللا عليه وصلى إلى مصاهرة أبي بكر وعمر بزواجه بعائشة وحفصة يشير إلى أنه يبغي من وراء - ه رقية ثم أم آلثوم بعثمان بن عفان ابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب، وتزويجه ابنتي

ذلك توثيق الصالة بالرجال األربعة، الذي عرف بالءهم وفداءهم لإلسالم في األزمات التي مرت به، وشاء اهللا . أن يجتازها بسالم

التقرب بين البطون المختلفة، وآان من تقاليد العرب االحترام للمصاهرة، فقد آان الصهر عندهم بابا من أبوابوآانوا يرون مناوأة ومحاربة األصهار سبة وعارا على أنفسهم، فأراد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بزواج عدة من أمهات المؤمنين أن يكسر سورة عداء القبائل لإلسالم، ويطفئ حدة بغضائها، آانت أم سلمة من بنى

فلما تزوجها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لم يقف خالد من المسلمين -يد حي أبي جهل وخالد بن الول - مخزوم موقفه الشديد بأحد، بل أسلم بعد مدة غير طويلة طائعا راغبا، وآذلك أبو سفيان لم يواجه رسول اهللا صلى اهللا

وبني النضير أي عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة، وآذلك ال نرى من قبيلتي بني المصطلق استفزاز وعداء بعد زواجه بجويرية وصفية؛ بل آانت جويرية أعظم النساء برآة على قومها، فقد أطلق

أصهار رسول اهللا صلى : الصحابة أسر مائة بيت من قومها حين تزوجها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وقالوا . البالغ في النفوسوال يخفي ما لهدا المن من األثر . اهللا عليه وسلم

وأآبر من آل ذلك وأعظم أن النبي صلى اهللا عليه وسلم آان مأمورا بتزآية وتثقيف قوم لم يكونوا يعرفون شيئا . من آداب الثقافة والحضارة والتقيد بلوازم المدينة، والمساهمة في بناء المجتمع وتعزيزه

لم تكن تسمح للرجال أن يختلطوا بالنساء، فلم يكن يمكن والمبادئ التي آانت أسسا لبناء المجتمع اإلسالمي،تثقيفهن مباشرة مع المراعاة لهذه المبادئ، مع أن مسيس الحاجة إلى تثفيفهن مباشرة لم يكن أهون وأقل من

. الرجال، بل آان أشد وأقوى

ألعمار والمواهب ما يكفي لهذا وإذن فلم يكن للنبي صلى اهللا عليه وسلم سبيل إال أن يختار من النساء المختلفة االغرض، فيزآيهن ويربيهن، ويعلمهن الشرائع واألحكام، ويثقفهن بثقافة اإلسالم حتى يعدهن؛ لتربية البدويات

. والحضريات، العجائر منهن والشابات، فيكفين مؤنة التبليغ في النساء

المنزلية للناس، خصوصا من -ليه وسلم صلى اهللا ع -وقد آان ألمهات المؤمنين فضل آبير في نقل أحواله . طالت حياته منهن آعائشة، فإنها روت آثيرا من افعاله وأقواله

وآان للمتبني عند العرب في الجاهلية . وهناك نكاح واحد آان لنقض تقليد جاهلي متأصل، وهي قاعدة التبنيوآانت قد تاصلت تلك القاعدة في القلوب، بحيث . جميع الحرمات والحقوق التي آانت لالبن الحقيقي سواء بسواء

لم يكن محوها سهال، لكن آانت تلك القاعدة تعارض معارضة شديدة لألسس والمبادئ التي قررها اإلسالم في النكاح والطالق والميراث وغير ذلك من المعامالت، وآانت تلك القاعدة تجلب آثيرا من المفاسد والفواحش التي

. ليمحوها عن المجتمعجاء اإلسالم؛

وقدر اهللا أن يكون هدم تلك القاعدة على يد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وبذاته الشريفة، وآانت ابنة عمته زينب بنت جحش، وآانت تحت زيد بن حارثة الذي آان يدعى زيد بن محمد، ولم يكن بينهما توافق، حتى هم

اهللا عليه وسلم، وقد عرف الرسول صلى اهللا عليه وسلم ـ إما بإشارات زيد بطالقها، وفاتح بذلك رسول اهللا صلى الظروف، وإما بإخبار اهللا عز وجل إياه ـ أن زيدا إن طلقها فسيؤمر هو صلى اهللا عليه وسلم أن يتزوجها بعد

انقضاء عدتها، وآان ذلك في ظروف حرجة من تألب المشرآين على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مين، وآان يخاف ـ إذا وقع هذا الزواج ـ دعاية المنافقين والمشرآين واليهود، وما يثيرونه من الوساوس والمسل

والخرافات ضده، وما يكون له من األثر السيئ في نفوس ضعفاء المسلمين، فلما فاتح زيد رسول اهللا صلى اهللا لئال تجئ له مرحلة هذا الزواج في تلك عليه وسلم بإرادته طالق زينب أمره بأن يمسكها وال يطلقها، وذلك

. الظروف الصعبة

وإذ تقول للذي { : ولم يرض اهللا من رسوله صلى اهللا عليه وسلم،هذا التردد والخوف حتى عاتبه اهللا عليه بقولهه وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الل

. ] 37 : األحزاب [ } أن تخشاه

وأخيرا طلقها زيد، وتزوجها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في أيام فرض الحصار على بني قريظة بعد أن عليه هذا النكاح، ولم يترك له خيارا وال مجاال، حتى تولى اهللا ذلك النكاح وآان اهللا قد أوجب . انقضت عدتها

ئهم إذا فلما قضى زيد منها وطرا زوجناآها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيا { : بنفسه يقولادعوهم لآبائهم هو أقسط { : ، وذلك ليهدم قاعدة التبني فعال آما هدمها قوال ] 37 : األحزاب [ } قضوا منهن وطرا

. ] 40 : األحزاب [ } ما آان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين { ، ] 5 : األحزاب [ } عند الله

وآم التقاليد المتأصلة الجافة ال يمكن هدمها أو تعديلها لمجرد القول، بل البد له من مقارنة فعل صاحب الدعوة، ويتضح ذلك بما صدر من المسلمين في عمرة الحديبية، آان هناك أولئك المسلمون الذين رآهم عروة بن مسعود

عليه وسلم نخامة إال في يد أحدهم، ورآهم يتبادرون إلى وضوئه حتى آادوا الثقفي، ال يقع من النبي صلى اهللا يقتتلون عليه، نعم آان أولئك الذين تسابقوا إلى البيعة على الموت أو على عدم الفرار تحت الشجرة، والذين آان

- بعد عقد الصلح -ته فيهم مثل أبو بكر وعمر، لما أمر النبي صلى اهللا عليه وسم أولئك الصحابة المتفانين في ذاأن يقوموا فينحروا هديهم لم يقم المتثال أمره أحد، حتى أخذه القلق واالضطراب، ولكن لما أشارت عليه أم سلمة

. أن يقوم إلى هديه فينحر، وال يكلم أحدا ففعل، تبادر الصحابة إلى اتباعه في فعله، فتسابقوا إلى نحر جزورهم . و الفرق بين أثري القول والفعل لهدم قاعدة راسخةوبهذا الحادث يتضح جليا ما ه

وقد أثر المنافقون وساوس آثيرة، وقاموا بدعايات آاذبة واسعة حول هذا النكاح، أثر بعضها في ضعفاء المسلمين، ال سيما أن زينب آانت خامسة أزواجه صلى اهللا عليه وسلم، ولم يكن يعرف المسلمون حل الزواج

وة وأن زيدا آان يعتبر ابنا للنبي صلى اهللا عليه وسلم، والزواج بزوجة االبن آان من أغلظ بأآثر من أربع نسالفواحش، وقد أنزل اهللا في سورة األحزاب حول الموضوعين ما شفى وآفى، وعلم الصحابة أن التبني ليس له

م يوسع لغيره، ألغراضهة أثر عند اإلسالم، وأن اهللا تعالى وسع لرسوله صلى اهللا عليه وسلم في الزواج مال . النبيلة الممتازة

هذا، وآانت عشرته صلى اهللا عليه وسلم مع أمهات المؤمنين في غاية الشرف والنبل والسمو والحسن، آما آن مع أنه آان في شظف , في أعلى درجة من الشرف والقناعة والصبر والتواضع والخدمة والقيام بحقوق الزواج

ما أعلم النبي صلى اهللا عليه وسلم رأى رغيفا مرفقا حتى لحق باهللا، وال رأى : قال أنس . أحدمن العيش ال يطيقه إن آنا لننظر إلى الهالل ثالثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول : وقالت عائشة . شاة سميطا بعينه قط

واألخبار بهذا . األسودان؛ التمر والماء : قالت ؟ مما آان يعيشك : فقال لها عروة . اهللا صلى اهللا عليه وسلم نار . الصدد آثيرة

حسب مقتضى البشرية، وليكون سببا - ومع هذا الشظف والضيق لم يصدر منهن ما يوجب العتاب إال مرة واحدة تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أيها النبي قل لأزواجك إن آنتن {فأنزل اهللا آية التخيير -لتشريع األحكام

لله أعد للمحسنات منكن أجرا أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن آنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن اوآان من شرفهن ونبلهن أنهن آثرن اهللا ورسوله، ولم تمل واحدة منهن إلى اختيار ] 29، 28 : األحزاب [ } عظيم . الدنيا

وآذلك لم يقع منهن ما يقع بين الضرائر ـ مع آثرتهن ـ إال شيء يسير من بعضهن حسب اقتضاء البشرية، ثم يا أيها النبي لم تحرم ما أحل { التحريم بقوله عاتب اهللا عليه فلم يعدن له مرة أخرى وهو الذي ذآره اهللا في سورة

. إلى تمام اآلية الخامسة }الله لك

وأخيرا أرى أنه ال حاجة إلى البحث في موضوع مبدأ تعدد الزوجات، فمن نظر في حياة سكان اوروبا الذين ايقاسون من الشقاوة والمرارة، وما يأتون من الفضائح يصدر منهم النكير الشديد على هذا المبدأ، ونظر إلى م

والجرائم الشنيعة، وما يواجهون من الباليا والقالقل النحرافهم عن هذا المبدأ آفى له ذلك عن البحث واالستدالل، . فحياتهم أصدق شاهد على عدالة هذا المبدأ، وإن في ذلك لعبرة ألولى األبصار

الصفات واألخالق

نبي صلى اهللا عليه وسلم يمتاز من جمال خلقه وآمال خلقه بما ال يحيط بوصفه البيان، وآان من أثره أن آان الالقلوب فاضت بإجالله، والرجال تفانوا في حياطته وإآباره، بما ال تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه

ه ظفر، وما أحبوه آذلك إال ألن أنصبته من الكمال أحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندق أعناقهم وال يخدش لوفيما يلي نورد ملخص الروايات في بيان جماله وآماله مع اعتراف . الذي يحبب عادة لم يرزق بمثلها بشر

. العجز عن اإلحاطة

جمال الخلق

: جها، حين مر بخيمتها مهاجراعن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ـ وهي تصفه لزوقالت أم معبد الخزاعية ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، أحور، أآحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت

الوقار، وإن تكلم عاله البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحاله من قريب، حلو المنطق، عاله فضل، ال نزر وال هذر، آأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن، ربعة، ال تقحمه عين من قصر، وال تشنؤه من

وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، طول، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثالثة منظرا، . وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود، محشود، ال عابس وال مفند

لم يكن بالطويل الممغط، وال القصير : ـ وهو ينعت رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وقال على بن أبي طالبمن القوم، ولم يكن بالجعد القطط، وال بالسبط، رجال، ولم يكن بالمطهم، وال بالمكلثم، وآان المتردد، وآان ربعة

في الوجه تدوير، وآان أبيض مشربا، أدعج العينين، أهدب األشفار، جليل المشاش والكتد، دقيق المسربة، أجرد، مشي تقلع آأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين آتفيه خاتم النبوة، وهو شثن الكفين والقدمين، إذا

خاتم النبيين، أجود الناس آفا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفي الناس ذمة، وألينهم عريكة، لم أر قبله وال بعده مثله، صلى اهللا : وأآرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته

. عليه وسلم

أنه آان ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشي تكفأ تكفيا آأنما ينحط من : وفي رواية عنه . صبب

. آان ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين : وقال جابر بن سمرة

. آان أبيض، مليح الوجه، مقصدا : وقال أبو الطفيل

آان أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، وال آدم، قبض وليس في رأسه : وقال . آان بسط الكفين : وقال أنس بن مالك . ولحيته عشرون شعرة بيضاء

. وفي الرأس نبذ : ي روايةإنما آان شيء ـ أي من الشيب ـ في صدغيه، وفـ : وقال

. رأيت بياضا تحت شفته السفلي، العنفقة : وقال أبو جحيفة

. آان في عنفقته شعرات بيض : وقال عبد اهللا بن بسر

ة حمراء، لم أر شيئا قط آان مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حل : ءوقال البرا . أحسن منه

. وآان يسدل شعره أوال لحبه موافقة أهل الكتاب، ثم فرق رأسه بعد

. آان أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا : قال البراء

. آان وجهه مستديرا : وفي رواية . ال بل مثل القمر : قال ؟ أآان وجه النبي صلى اهللا عليه وسلم مثل السيف : وسئل

. لو رأيته رأيت الشمس طالعة : وقالت الربيع بنت معوذ

رأيته في ليلة إضحيان، فجعلت أنظر إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وإلى القمر ـ : وقال جابر بن سمرة . وعليه حلة حمراء ـ فإذا هو أحسن عندي من القمر

ما رأيت شيئا أحسن من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، آأن الشمس تجري في وجهه، وما : ةوقال أبو هريررأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، آأنما األرض تطوي له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه

. لغير مكترث

. آأنه قطعة قمرآان إذا سر استنار وجهه، حتى : وقال آعب بن مالك

وعرق مرة وهو عند عائشة رضي اهللا عنها يخصف نعال، وهي تغزل غزال، فجعلت تبرق أسارير وجهه، فلما : واهللا لو رآك أبو آبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره من غيرك : رأته بهتت وقالت

برقت آبرق العارض المتهلل ** وإذا نظرت إلى أسرة وجهه

: وآان أبو بكر إذا رآه يقول

آضوء البدر زايله الظالم ** أمين مصطفى بالخير يدعو

: قول زهير في هرم بن سنان وآان عمر ينشد

آنت المضيء لليلة البدر ** لو آنت من شيء سوى البشر

. آذلك آان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : ثم يقول

. تى آأنما فقئ في وجنتيه حب الرمانوآان إذا غضب احمر وجهه، ح

أآحل : وآنت إذا نظرت إليه قلت . آان في ساقيه حموشة، وآان ال يضحك إال تبسما : وقال جابر بن سمرة . العينين، وليس بأآحل

. وآان من أحسن الناس ثغرا : وقال عمر بن الخطاب

. لثنيتين، إذا تكلم رؤي آالنور يخرج من بين ثناياهآان أفلج ا : قال ابن عباس

وأما عنقه فكأنه جيد دمية في صفاء الفضة، وآان في أشفاره عطف، وفي لحيته آثافة، وآان واسع الجبين، أزج عر يجري آالقضيب، ليس في الحواجب في غير قرن بينهما، أقني العرنين، سهل الخدين، من لبته إلى سرته ش

بطنه وال صدره شعر غيره، أشعر الذراعين والمنكبين، سواء البطن والصدر، مسيح الصدر عريضه، طويل الزند، رحب الراحة، سبط القصب، خمصان األخمصين، سائل األطراف، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا ويمشي

. هونا

ما مسست حريرا وال ديباجا ألين من آف النبي صلى اهللا عليه وسلم، وال شممت ريحا قط أو عرفا : وقال أنس . ما شممت عنبرا قط وال مسكا وال شيئا أطيب من ريح أو عرف رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : قط، وفي رواية

. على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك أخذت بيده، فوضعتها : وقال أبو جحيفة

. مسح خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا آأنما أخرجها من جونة عطار : ـ وآان صبياوقال جابر بن سمرة

. هو من أطيب الطيب : وقالت أم سليم . آأن عرقه اللؤلؤ : وقال أنس

. من ريح عرقه : أو قال . ريقا فيتبعه أحد إال عرف أنه قد سلكه من طيب عرفهلم يسلك ط : وقال جابر

وآان بين آتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده، وآان عند ناغض آتفه اليسري جمعا، عليه خيالن . آأمثال الثآليل

آمال النفس ومكارم األخالق

عليه وسلم يمتاز بفصاحة اللسان، وبالغة القول، وآان من ذلك بالمحل األفضل، والموضع آان النبي صلى اهللا الذي ال يجهل، سالمة طبع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخص

قوة عارضة البادية ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، يخاطب آل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، اجتمعت له . وجزالتها، ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق آالمها، إلى التأييد اإللهي الذي مدده الوحي

وآان الحلم واالحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفات أدبه اهللا بها، وآل حليم قد عرفت منه م يزد مع آثرة األذي إال صبرا، وعلى إسراف الجاهل إال زلة، وحفظت عنه هفوة، ولكنه صلى اهللا عليه وسلم ل

ما خير رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بين أمرين إال اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن : حلما، وقالت عائشةناس غضبا، وآان أبعد ال . آان إثما آان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه إال أن تنتهك حرمة اهللا فينتقم هللا بها

. وأسرعهم رضا

آان : وآان من صفة الجود والكرم على ماال يقادر قدره، آان يعطي عطاء من ال يخاف الفقر، قال ابن عباسالنبي صلى اهللا عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وآان جبريل يلقاه في آل

: وقال جابر . فلرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، . ال : ما سئل شيئا قط فقال

وآان من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي ال يجهل، آان أشجع الناس، حضر المواقف الصعبة، وفر عنه يدبر، وال يتزحزح، وما شجاع إال وقد أحصيت له فرة، الكماة واألبطال غير مرة، وهو ثابت ال يبرح، ومقبل ال

آنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق، اتقينا برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : وحفظت عنه جولة سواه، قال عليلقاهم فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فت : قال أنس . فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه

رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس ألبي طلحة عري، في عنقه . ) لم تراعوا، لم تراعوا ( : السيف، وهو يقول

آان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا آره شيئا : وآان أشد الناس حياء وإغضاء، قال أبو سعيد الخدرينظره إلى األرض أطول من نظره إلى . وآان ال يثبت نظره في وجه أحد، خافض الطرف . عرف في وجهة

السماء، جل نظره المالحظة، ال يشافه أحدا بما يكره حياء وآرم نفس، وآان ال يسمي رجال بلغ عنه شيء . ) ما بال أقوام يصنعون آذا ( . يكرهه، بل يقول

: ناس بقول الفرزدقوآان أحق ال

فــال يكلـم إال حيـن يبتسـم ** يغضي حياء ويغضي من مهابته

وآان أعدل الناس، وأعفهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، اعترف له بذلك مجاوروه وأعداؤه، وآان يسمي إنا ال : ا جهل قال لهقبل نبوته األمين، ويتحاآم إليه في الجاهلية قبل اإلسالم، روي الترمذي عن على أن أب

} فإنهم ال يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون { : نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل اهللا تعالى فيهم . ال : قال ؟ وسأل هرقل أبا سفيان، هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال . ] 33 : األنعام [

وآان أشد الناس تواضعا، وأبعدهم عن الكبر، يمنع عن القيام له آما يقومون للملوك، وآان يعود المساآين، آان يخصف نعله، ويخيط : ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه آأحدهم، قالت عائشة

. بشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسهثوبه، ويعمل بيده آما يعمل أحدآم في بيته، وآان بشرا من ال

وآان أوفي الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس، أحسن الناس عشرة وأدبا، وأبسط الناس خلقا، أبعد الناس من سوء األخالق، لم يكن فاحشا، وال متفحشا، وال لعانا، وال صخابا في األسواق،

زي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وآان ال يدع أحدا يمشي خلفه، وآان ال يترفع على عبيده وإمائه وال يجفي مأآل وال ملبس، ويخدم من خدمه، ولم يقل لخادمه أف قط، ولم يعاتبه على فعل شيء أو ترآه، وآان يحب

في بعض أسفارة فأمر بإصالح شاة، فقال آان . المساآين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، وال يحقر فقيرا لفقرهوعلي جمع ( : على سلخها، وقال آخر على طبخها، فقال صلى اهللا عليه وسلم : على ذبحها، وقال آخر : رجل

قد علمت أنكم تكفوني ولكني أآره أن أتميز عليكم، فإن اهللا يكره من عبده أن ( : فقال . نحن نكفيك : ، فقالوا ) الحطب . ، وقام وجمع الحطب ) ه متميزا بين أصحابهيرا

آان رسول اهللا صلى اهللا : م ؛ قال هند فيما قالولنترك هند بن أبي هالة يصف لنا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلعليه وسلم متواصل األحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، وال يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكالم

مه بأشداقه ـ ال بأطراف فمه ـ ويتكلم بجوامع الكلم، فصال، ال فضول فيه وال تقصير، دمثا ليس بالجافي وال ويختبالمهين، يعظم النعمة وإن دقت، اليذم شيئا، ولم يكن يذم ذواقا ـ ما يطعم ـ وال يمدحه، وال يقام لغضبه إذا تعرض

تصر لها ـ سماحة ـ وإذا أشار أشار بكفه آلها، وإذا تعجب للحق بشيء حتى ينتصر له، ال يغضب لنفسه، وال ين . قلبها، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام

وآان يخزن لسانه إال عما يعنيه، يؤلف أصحابه وال يفرقهم، يكرم آريم آل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، . ن غير أن يطوي عن أحد منهم بشرهويحترس منهم م

يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل األمر، غير . مختلف، ال يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، ال يقصر عن الحق، وال يجاوزه إلى غيره

. يارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرةالذين يلونه من الناس خ

آان ال يجلس وال يقوم إال على ذآر، وال يوطن األماآن ـ ال يميز لنفسه مكانا ـ إذا انتهي إلى القوم جلس حيث دا أآرم عليه منه ، من ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي آل جلسائه نصيبه حتى ال يحسب جليسه أن أح

جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إال بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوي،

رفع فيه األصوات، وال تؤبن فيه الحرم ـ ال تخشي فلتاته ـ مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، ال ت . يتعاطفون بالتقوي، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويؤنسون الغريب

آان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، وال غليظ، وال صخاب، وال فحاش، وال عتاب، وال مداح، الرياء، واإلآثار، وما ال يعنيه، وترك الناس من : قد ترك نفسه من ثالث . يشتهي، وال يقنط منه يتغافل عما ال

ال يذم أحدا، وال يعيره، وال يطلب عورته، وال يتكلم إال فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه، آأنما : ثالثلحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم ال يتنازعون عنده ا . على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا

حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، . إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه، وال يطلب الثناء إال من مكافئ : يقول

عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه، ال يكاد يخرج شيئا من أطرافه، آان النبي صلى اهللا : وقال خارجة بن زيدوآان آثير السكوت، ال يتكلم في غير حاجة، يعرض عمن تكلم بغير جميل، آان ضحكه تبسما، وآالمه فصال ال

. فضول وال تقصير، وآان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيرا له واقتداء به

لى اهللا عليه وسلم محلي بصفات الكمال المنقطعة النظير، أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعلى الجملة، فقد آان النبي ص، وآانت هذه الخالل مما قرب إليه النفوس، ] 4 : القلم [ } وإنك لعلى خلق عظيم { : حتى خاطبه مثنيا عليه فقال

من شكيمة قومه بعد اإلباء، حتى دخلوا في دين اهللا وحببه إلى القلوب، وصيره قائدا تهوي إليه األفئدة، وأالن . أفواجا

وهذه الخالل التي أتينا على ذآرها خطوط قصار من مظاهر آماله وعظيم صفاته، أما حقيقة ما آان عليه من األمجاد والشمائل فأمر ال يدرك آنهه، وال يسبر غوره، ومن يستطيع معرفة آنه أعظم بشر في الوجود بلغ أعلى

؟ قمة من الكمال، استضاء بنور ربه، حتى صار خلقه القرآن

. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، آما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد

. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، آما بارآت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد